سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات
منال نور الهدى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) منال نور الهدى : (حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ) منال نور الهدى : (اجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً) منال نور الهدى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) منال نور الهدى : (رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-01-2018, 03:57 PM   #21


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( العشرون )

الموضوع : رؤية الله يوم القيامة





الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من الثوابت عند المؤمنين :
فمع الدرس العشرين من دروس سورة العقيدة، والموضوع اليوم رؤية الله يوم القيامة.
أيها الأخوة, لقد أثبت الله جل جلاله للمؤمنين يوم القيامة, أنهم ينظرون لوجه ربهم عز وجل، فما أعطوا في الدنيا ولا في الآخرة نعمة هي أعظم من تلك النعمة، ولم يعطوا نعمة هي أقر لأعينهم من هذه النعمة، أعلى عطاء يناله الإنسان, أن يسمح له يوم القيامة, أن ينظر لوجه الله الكريم.
في بعض الآثار: ورد أن المؤمن إذا نظر لوجه الله الكريم, يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام, لكن في الدنيا هذا مستحيل.

أدلة القرآن على نفي رؤية الله في الدنيا :
سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان من أولي العزم، ومع ذلك حينما قال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 143]
لم يتحمل سيدنا موسى وهو من أولي العزم, أن يرى تجليَّ الله على الجبل، هذا المعنى تؤكده آية كريمة, هي قوله تعالى:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
أيها الأخوة, هاتان الآيتان أصل في هذا الموضوع. أدلة السنة :
إلى السنة النبوية الشريفة الصحيحة: في صحيح الإمام مسلم, عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
((قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ, وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ, يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ, يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ, وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ, حِجَابُهُ النُّورُ))
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: ((النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ, لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ, مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ))
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
نفى النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون قد رأى ربه.
أدلة القرآن على ثبوت الرؤيا للمؤمنين في الآخرة وحرمانها للكافرين :
أيها الأخوة, يوم القيامة: فيهيئ الله للمؤمنين ما يؤهلهم لرؤيته سبحانه, بعد أن يأذن لهم، فقال جل جلاله:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
نضارة العمل الصالح, والطهارة, والحب, والصفاء, والاستقامة، أما الكفار فبالمقابل: يحرمون من هذه النعمة العظيمة, فلا يبصرون إلا ما يخزيهم، قال جل جلاله:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
إذا حجبت عنك نعم الأرض، وسمح الله لك أن تكون موصولاً به, فأنت أسعد الخلق ، وإذا أعطيت الدنيا وما فيها، وحجبت عن الله, فأنت أشقى الخلق.
أيها الأخوة, وفي التنزيل أيضاً:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]
الحسنى هي الجنة، وزيادة: هي النظر لوجه الله الكريم: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]
أدلة السنة على ثبوت الرؤيا في الآخرة للمؤمنين :
ففي صحيح مسلم: عَنْ صُهَيْبٍ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ, يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ, فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ, فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ تبارك وتعالى, ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
العقيدة لا تؤتى إلا من الكتاب والسنة، ولا يستطيع إنسان كائن من كان, مهما علا شأنه، ومهما تألق في سماء المعرفة, أن يعطينا من العقيدة من عنده، هذه عقيدة, أصل الدين، إن صحت عقيدة الإنسان صح عمله، وإن فسدت فسد عمله.
وعن جابر رضي الله عنه من حديثه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك, أي يوم القيامة))
مما يدل على أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله الكريم، دليل القبول والرضا، إذا طرق بابك إنسان، واستقبلته مبتسماً, فابتسامتك دليل ترحيبك به.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]
وفي رواية أخرى: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً, يَعْنِي الْبَدْرَ, فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر,َ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ, فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ, قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَقَبْلَ غُرُوبِهَا, فَافْعَلُوا, ثُمَّ قَرَأَ:
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ)) في الآخرة: الله عز وجل يهيئ المؤمن بإمكانات, تتيح له أن يرى الله عز وجل، لكن طبيعة الأجسام في الدنيا لا تحتمل التجلي الإلهي.
((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ, لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ, فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ, قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَقَبْلَ غُرُوبِهَا, فَافْعَلُوا))
ماذا تستنبطون؟ أن رؤية وجه الله العظيم لها ثمن في الدنيا، من ثمنها المحافظة على الصلاة، ومن أفضل الصلاة: محافظة صلاة الفجر وصلاة العصر قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها: ﴿وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾
[سورة طه الآية: 130]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه: أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ, هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا, قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ القيامة))
هذا الحديث دليل آخر على أن الإنسان, إذا كان من أهل الجنة, يهيأ لرؤية الله جل جلاله. هل رأى النبي ربه في الدنيا؟ :
أيها الأخوة, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
((لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ, فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ, فَكَبَّرَ, حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ, فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى, فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ, وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ, فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ, قَفَّ لَهُ شَعْرِي, قُلْتُ: رُوَيْدًا, ثُمَّ قَرَأْتُ:

﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ, مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ, أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ, أَوْ يَعْلَمُ الْخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾
فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ, وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ, لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى, وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ, لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
السيدة عائشة رضي الله عنها, نفت أشد النفي, أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون قد رأى ربه، لكنه رأى جبريل.
في رواية أخرى عَنْ مَسْرُوقٍ, قَالَ:

((قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَأَيْنَ قَوْلُهُ:
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾
؟ قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ, كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ, وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ, فَسَدَّ الْأُفُقَ)) وله شاهد آخر في الصحيحين: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: ((سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ, أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ, لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ)) تعليق هام :
أيها الأخوة, أحد كبار العلماء يقدم تعليقاً, يجمع بين رواية ابن عباس وبين نفي السيدة عائشة.
يقول هذا الإمام الجليل: ليس قول ابن عباس إنه رآه مناقضاً لهذا، ولا قوله رآه بفؤاده، وقد صح عنه أنه قال:

((رأيت ربي تبارك وتعالى، ولكن لم يكن هذا في الإسراء، بل في المدينة, لما احتبس عنهم في صلاة الفجر، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه))
أيها الأخوة, على هذا بنى الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، لكن لم يقل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك, فقد وهم عليه، ولكن قال: مرة رآه, ومرة قال: رآه في فؤاده, فحكيت عنه مرتين.
أيها الأخوة, حينما قال: لقد رأيت ربي, كان هذا في المنام، وليس في الإسراء والمعراج, وليس بعيني رأسه، ولكن بعين قلبه، وهذا يمكن ولا يتناقض مع الآيات والأحاديث.
نريد أن نستنبط من هذه النصوص الصحيحة: أن المؤمن, عليه أن يسعى في دنياه الزائلة والفانية, على أن يصل إلى الجنة, فيكون قد حصّل أعظم عطاء, يناله مخلوق في الكون، المؤمن الذي يستحق دخول الجنة، ثم يؤهل كي يرى الله عز وجل, يكون قد حصّل أعظم عطاء, يناله مخلوق في الكون, منذ أن خلق الله الكون إلى نهاية الحياة.
قف هنا :
الآن: في هذه الرؤيا المنامية ما تفاصيلها؟.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ, عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ, حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ, فَخَرَجَ سَرِيعًا, فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ, فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ, فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ, فَقَالَ لَنَا: عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ, ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا, ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ, أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ, فَتَوَضَّأْتُ, وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي, فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي, فَاسْتَثْقَلْتُ, فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ, قَال: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ, قَالَهَا ثَلَاثًا, قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ, فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ, وَعَرَفْتُ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ, قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ, قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ, وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ, وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ, قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ, وَلِينُ الْكَلَامِ, وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, قَالَ: سَلْ؟ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ, وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ, وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ, وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي, وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ, فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ, أَسْأَلُكَ حُبَّكَ, وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ, وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبـِّكَ, قَالَ رَسـُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا حَقٌّ, فَادْرُسُوهَا, ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا))
هكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. تأويل باطل مردود قطعاً :
أيها الأخوة, لا بد من أن أحيطكم علماً, أن هناك من يتأول الآية الكريمة:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
أي منتظرة، وهذا التأويل الموهوم مردود قطعاً، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلغة العرب، بلسان عربي مبين، فما في هذه اللغة من قواعد، نظر إذا عدي بنفسه, فمعناه التوقف والانتظار، قوله تعالى:
﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾
[سورة الحديد الآية: 13]
أي انتظرونا، إذا عدّي بنفسه, يعني هذا الانتظار، وإن عدي بـ: في, فمعنى ذلك: التفكر والاعتبار:
﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأرض﴾
[سورة الأعراف الآية: 185]
وإذا عدي بـ إلى, فيعني المعاينة بالأبصار، نحو قوله تعالى:
﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 99]
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
بعيني الرأس المعاينة والتفحص .
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
معنى ذلك: أنها تنظر إلى الله لا تنتظر، معنى الانتظار لا يأتي من تعدية الفعل بـ: إلى, لأن هذا يعني النظر والتمحيص، وتعديته بـ: في, يعني التفكر، وتعديته بذاته, معناه الانتظار.
انظر إلى هذا القول لمالك :
سئل مالك بن أنس رضي الله عنه, عن قوله تعالى:
﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 23]
فقيل: قوم يقولون: إلى ثوابه ناظرة على ثوابه، فقال: مالك كذبوا، فأين هم من قوله تعالى؟:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
الآية الثانية: تفيد أن الأولى ناظرون بمعنى النظر، فقال مالك: الناس ينظرون لله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة, لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب فقال:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
من المعاني المخالفة المعاكسة, أن الله عز وجل إذا قال:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
[سورة المطففين الآية: 15]
المعنى المعاكس: أن المؤمنين ينظرون.
احذر أن تقع في هذه الخسارة :
ماذا ننتفع بهذا الكلام؟ ثبت لديكم أن رؤية المؤمن لله عز وجل ثابتة قطعاً في الكتاب والسنة، فماذا ينبغي أن يفعل حتى يصل على هذه الرؤيا؟.
أيها الأخوة, هذه الدنيا حينما يسعى الإنسان إليها، وينسى ربه, فقد باء بخسران مبين.
أيها الأخوة, ما من خسارة تحيط بالإنسان, كأن يخسر الآخرة، لأن الجنة أعظم عطاء.

هذا ما أعد الله لعباده الصالحين في الآخرة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ, واقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
عين رأت، دائرة المرئيات محدودة، يقول لك واحد من الناس: أنا رأيت الصين ومصر فقط، يقول آخر: رأيت أمريكا وإنكلترا والمغرب، دائرة المرئيات محدودة جداً، أما دائرة المسموعات, فيكفي أن تستمع على الأخبار، فإذا أنت أمام أخبار, تدلك على بلاد, ودول, وعواصم, وأماكن, وسدود, وبحار, وجبال, وسهول, و ...., فإذا كانت دائرة المرئيات محدودة, فدائرة المسموعات غير محدودة، لكن دائرة الخواطر لا تنتهي.
لذلك جاء في الحديث القدسي:

((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))
من مراتب الجنة :
أيها الأخوة, أول مرتبة في الجنة أن تدخلها، وتستمتع بالبساتين والأنهار من العسل المصفى، ومن أنهار من لبن لم يتغير طعمه، ومن أنهار خمر لذة للشاربين، والأنهار من ماء غير آسن البساتين، الحور العين، لولدان المخلدين ....., هذه متع الجنة، لكن الله سبحانه وتعالى وصف متعاً أرقى من ذلك, فقال:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
[سورة يونس الآية: 26]
الله عز وجل وعد المؤمنين أن يسعدوا برؤيتهم إليه في أعلى, في الأعلى هو رضوان من الله أكبر، أن يرضى الله عنك، ويشعرك أنه يحبك، هذا أعلى شيء يناله إنسان، فبين جمال الجنة، وبين جمال وجه الله عز وجل، وبين رضوان الله عليك، هذا الذي ينبغي أن نسعى إليه.
المطلوب منك :
أسباب دخول الجنة بين أيديكم: ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً، أسباب دخول الجنة متاحة لكل مؤمن، لكن إذا قصر, فالمشكلة مشكلته, ملاحظة العلم في الإسلام ليس مطلوباً لذاته، المطلوب أن يعمل به، فالعلم ما عمل به، وإن لم يعمل به لا جدوى منه.
إليكم توضيح هذه الفكرة :
أوضح لكم هذه الفكرة وهي مهمة جداً: إنسان مصاب بمرض جلدي، علاجه الوحيد أن يتعرض لأشعة الشمس، فلو قبع في غرفة مظلمة ذات رطوبة عالية، ثم بدأ يتحدث عن الشمس، وعن سطوعها، وعن جمالها، وكيف أنها في رابعة النهار، وكيف أن أشعتها مطهرة, ما قيمة هذا الحديث؟ لا قيمة له إطلاقاً، لأنه لم يتعرض لأشعة الشمس.
لذلك: أحياناً المؤمن يظن أنه إذا طلب العلم، وأحاط بمعنى هذه الآيات، وتلك الأحاديث, انتهت المشكلة، لم ينته شيء، هذا الفرق الجوهري بين أصحاب النبي رضوان الله عليهم وبين المؤمنين المقصرين في آخر الزمان، ما لم تنقلب تلك المعلومات، وهذه الحقائق، وتلك النصوص إلى سلوك يومي, فلا جدوى من تعلم هذا العلم، فالعلم ما عمل به، فإن لم يعمل به, كان الجهل أولى, لأنك مسؤول، صار العلم حجة عليك، وليس حجة لك، يكون حجة لك إذا طبقته، ويكون حجة عليك إذا خالفته:

وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[سورة الصف الآية: 2-3]
فهذه الجنة أبوابها مفتحة في الدنيا، وأسباب دخول الجنة بأيدي كل المؤمنين, فما علينا إلا أن نتحرك:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
[سورة الأنفال الآية: 72]
ما لم يتحرك المؤمن إلى الله, فلا جدوى من حياته، لأنها تضييع للوقت من دون ثمرة يانعة يقطفها.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:14 AM   #22


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الواحد و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 1 ) الاخلاص لله تعالى



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . ما علة وجودنا على وجه الأرض؟ :
أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس الحادي والعشرين من دروس العقيدة، كما هو معلوم لديكم: العبادة علة وجودنا على وجه الأرض:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
[سورة البينة الآية: 5]
واللام لام التعليل، بل إن العبادة هي غاية الطاعة مع غاية الحب، من نتائجها سعادة يتميز بها المؤمن، لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
من لوازم العبودية لله :
1-الإخلاص لله :
هذه العبودية ما لوازمها؟ لوازم الغني: أنه معه ثمن الحاجة التي يشتريها، لأنه غني، فإذا قال لك: أنا غني، ولا أملك درهماً, فهذا الكلام فيه تناقض, إذا كنت غنياً, فهذا يعني أنك تملك ثمن هذه الحاجة، فالحقيقة: أن العبودية لله عز وجل من لوازمها الإخلاص لله، والحقيقة: أن الإخلاص ليس نصف الدين، ولكنه الدين كله، الدليل:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
[سورة البينة الآية: 5]
الجوارح تعبد الله، العين تغض البصر، الأذن لا تستمع إلا للحق، اليد لا تبطش إلا بالحق، الرجل لا تمشي إلا إلى خير، فالجوارح محل العبادة الظاهرة، والقلب محل العبادة الباطنة، فإذا لم تصح العبادة الباطنة حبطت العبادة الظاهرة، فهل الإخلاص هو نصف الدين أم الدين كله؟ لك ظاهر ولك باطن، عبادة الظاهر الخضوع لله، عبادة الباطن الإخلاص له.
ما فحوى هذه الآية؟ :
اليوم كنت ألقي درسًا, فذكرت تقسيمات العلوم الإسلامية، قلت: هناك علم العقيدة، ويعني علم العقيدة: الإيمان بالله, والملائكة, والكتب, والرسل، وأنه واحد، وكامل، وموجود، وله أسماء حسنى, وصفات فضلى، والإيمان باليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، علم العقيدة، الآن علوم القرآن، وتفسير القرآن ثانياً، علوم الحديث، ومتن الحديث ثالثاً، أصول الفقه، الأحكام الفقهية، السيرة، تاريخ العقيدة، علوم الآلة، لو أن هناك مليون مليونَ كتاب في العلوم الإسلامية، كلها في كفة، والتطبيق في كفة ثانية، تماماً كأن تنطق بكلمة ألف مليون دولار، فرق كبير بين أن تنطق بها، وبين أن تملكها، كالفرق تماماً بين أن تتكلم عن أمور الدين، وبين أن تطبق الدين، أن تعلم، ثم أن تعمل بما تعلم، ثم أن تدعو لما تعلم، ثم أن تخلص في تعلمك، وفي عملك، ودعوتك، أربعة أركان للدين.
هذا فحوى قوله تعالى:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[سورة العصر الآية: 1-3]
آمنوا وعملوا الصالحات، عملوا بما علموا، وتواصوا بالحق، دعوا لما عملوا، وتواصوا بالصبر، صبروا على مجاهدة النفس والهوى كي يتحقق الإخلاص، لأن الإخلاص سر العبادة ، والإخلاص ينفع معه كثر العمل وقليله، بينما عبادة من دون إخلاص لا قيمة لها، لا إن كانت كثيرة، ولا إن كانت قليلة.
ما موضوع درسنا اليوم؟ :
الدرس اليوم عن الإخلاص، لكن من وجهة نظر نصية قطعية، قال تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾
[سورة البينة الآية: 5]
وما أمروا إلا ليعبدوا الله، يخضعون له مخلصين، عبادة الظاهر الخضوع، وعبادة الباطن الإخلاص.
آية ثانية:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
هذه الآية لخصت القرآن كله. ما قيمة العمل الصالح؟ :
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
قيمة هذا العمل ألا يخالطه شرك، أن تبتغي بعملك غير الله، إنسان داوم على صلاة الفجر في المسجد أربعين عاماً، وفي أحد الأيام غلبته نفسه فلم يستيقظ، فانتبه مذعوراً، وقال: ماذا يقول الناس عني هذا اليوم؟ شيء خطير, والله لولا أنه خطير لما خصصت هذا الدرس عن الإخلاص، هناك أعمال رائعة يجعلها الله هباء منثوراً، لولا أن هذا الموضوع يمس كل إنسان، ويشارك كل عمل, لما كان هذا الدرس حول الإخلاص.
لن ينال الله لحومها ولا دمائها, ولكن يناله التقوى منكم.
يناله أن يراكم مخلصين في هذه الطاعة.
من بنود هذه الآية :
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[سورة آل عمران الآية: 29]
إن أخفيت، أو لم تخف, فأنت مكشوف أمام الله، لا تخفى على الله خافية، فهو وحده يعلم، لك أن تقول كل شيء، وتبرر، وتعلل، وتفسر، ولكن تأكد أن كل شيء تفعله لا يخفى على الله عز وجل.
قف عند هذين الحديثين :
الحديث الصحيح المتواتر الشهير, الذي يعد أصلاً من أصول الدين، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يتزوجها, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
حديث آخر: عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ, وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ, قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ, وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا, إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا, وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ, إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ, أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا, وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ, قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ, وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا, وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا, فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ, يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ, فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ, وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا, وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا, فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ, لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ, وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا, فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا, لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ, فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ))
علام يدور محور هذه الفقرة؟ :
أيها الأخوة، لو أن إنسان نوى نية طيبة، ولم يتح له أن يفعل هذا الذي نواه, كتب له عند الله هذا العمل كاملاً مكملاً، رزقه الله مالاً، لم يرزقه علماً, يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله حقاً, فهذا بأخبث المنازل، إنسان رزق مالاً، فعل به الخيرات، وإنسان آخر رزق المال, ففعل به السيئات، الذي آتاه الله علماً، ولم يؤته مالاً, قال: لو أنني أملك مالاً لفعلت كذا وكذا، فهو والذي أنفق ماله في سبيل الله سواء في الأجر، أما الرابع فعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً, فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته, فوزرهما سواء، لو معي أموال لسافرت للبلد الفلاني، وفعلت كذا، وانغمست بالملذة الفلانية, وسهرت حتى الفجر في الحانة الفلانية، لكن لا أملك, وكأنه فعل, كل هذه المعاصي.
فلذلك: من شهد معصية فأنكرها, كان كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فلم ينكرها، بل أرادها, كان كمن شهدها. ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى))
هل يوجد فرق بين من هم بالسيئة فلم يعملها خوفاً من الله وبين من هم بالسيئة فلم يعملها لأنه لم يستطع؟ :

إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك في كتابه، فمن همّ بحسنة فلم يعملها, كتبها الله عنده حسنة كاملة.
نيته طيبة، فإن هم بها فعملها, كتب الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها, كتبها الله عند حسنة كاملة، لكن لم يعملها، لأنه خشي الله، لا لأنه لم يستطع، فرق كبير بين من همّ بسيئة فلم يعملها خوفاً من الله، وبين من همّ بسيئة فلم يعملها، لأنه لم يستطع، ومن هم بسيئة فلم يعملها, كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هو هم بها فعملها, كتبها الله سيئة واحدة.
أيها الأخوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً, فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا, فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا, وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي, فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً, وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا, فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً, فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
ما هو العامل الحاسم في كل هذه الأحاديث؟ النية, ماذا تنوي؟ ماذا تريد؟.
قد يأتي إنسان إلى مسجد، يقول: أنا لي عمل، فإذا التحقت بهذا المسجد, يأتي أناس كثيرون, ليشتروا من عندي، حبط العمل، يجب أن تتجه إلى الله من دون قصد آخر:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
[سورة البينة الآية: 5]
حديث خطير :

في حديث طويل: عن أبي هريرة َقَالَ:
((حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ, يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ, وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ, فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ, رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ, وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ, فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ, فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي, فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ, أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
هل هناك حديث أخطر من هذا الحديث؟ صاحب أموال طائلة أنفقها في سبيل الله، وإنسان قتل في سبيل الله، والأول قرأ القرآن في سبيل الله, وهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا حديث خطير, لا يدعو على اليأس, ولكن يدعو إلى اليقظة، حرر عملك من الشوائب. ما موقف معاوية بن أبي سفيان حينما أخبره الرجل بهذا الحديث الذي سبق ذكره؟ :
دخل رجل على معاوية بن أبي سفيان, فخبره بهذا الحديث، فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا, فكيف بمن بقي من الناس؟.
-لا يوجد عنده أجهزة لهو, يسهر بعد الفجر، غارق بالملذات، لا يوجد في دخله حرام، لا يوجد مال ربا، ولا انحراف خلقي، ولا اعتداء على أموال الناس، هؤلاء أحدهم قتل في سبيل الله، والثاني قرأ القرآن، والثالث كان محسناً، لأنهم أرادوا لهذا السمعة والدنيا, كان هذا مصيرهم، في هذا الدرس وفي درس آخر كلها في الصحاح:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
[سورة النجم الآية: 3-4]
قال: فكيف بمن بقي من الناس؟ قال: فبكى معاوية بكاء شديداً, حتى ظننا أنه هالك، وكنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية، ومسح عن وجهه, وقال: صدق الله ورسوله:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
[سورة هود الآية: 15-16]
ما مطلب هذه الأحاديث؟ :

لا زلنا في السنّة الصحيحة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ, فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ, إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ, وَكَانَ نَوْمُهُ عليه صَدَقَةً))
[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ]
لأنه وضع رأسه على الوسادة، ونوى أن يصلي الليل فلم يستيقظ، غلبته عينه، كتبت له, وكأنه قام الليل.
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى))
وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه الناس, تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين درجة))
ماذا يعلمنا هذا الحديث؟ :
أيها الأخوة الكرام, الذي تعرفونه جميعاً, حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ, فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ, فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ, فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ, وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا, فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا, فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا, فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا, فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ, وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا, فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا, حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ, فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا, لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ, كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ, فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا, فَامْتَنَعَتْ مِنِّي, حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ, فَجَاءَتْنِي, فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ, حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا, قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ, فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا, فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا, وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ, وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ, غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ, فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ, فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ, فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ, أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي, فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ, لَا تَسْتَهْزِئُ بِي, فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ, فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ, فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا, اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ, فَخَرَجُوا يَمْشُونَ))
هذا الحديث الرائع يعلمنا أنك إذا كنت في ضائقة، وفي شدة، وفي أزمة، وفي خطر, فادع الله بصالح عملك، وينبغي أن يكون لكل واحد منا عمل صالح, يبتغي به وجه الله الكريم. اسمع قصة هذا التاجر :

حدثني تاجر كبير من تجار الغنم, أنه ضل في الصحراء هو والغنم التي اشتراها، وكاد هو والغنم يموتون عطشاً، فصلى ركعتين، وذكر أن له عملاً صالحاً قبل سنوات، أنه كان في البادية، وجاءت امرأة تريده فدفعها، وقال: يا رب إن كنت دفعتها خوفاً منك ففرج عنا، وقد ساق الله لهم أناساً يعرفون مكان الماء، ودلوهم على الماء، وأنقذ الله حياتهم من الموت المحقق, فهذا من السنة, إذا كنت في شدة, أو ضائقة, أو محنة, أو مصيبة, أو خطر, فادع الله بصالح عملك كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
أيها الأخوة, هذه الآيات والأحاديث، ما تكلمت إلا بآية, أو آيات, وأحاديث شريفة صحيحة، وهذا توجيه الله، وتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام، والموضوع خطير، الإخلاص هو صلب الدين، بل هو الدين كله، فحينما يشك الإنسان في إخلاصه, بإمكانه أن يفعل شيئاً دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه، هل يستطيع الشيطان أن يأتيه, ليقول له: أنك لست مخلصاً !
لو أنك صمت يوماً في سبيل الله، ولم تقل هذا لأحد، أحياناً يصوم الإنسان يوم نفل يطبق الدنيا، كلما التقى بإنسان: ألست صائم اليوم؟ يريد أن يقول لكل من يلتقي بهم: إنه صائم، نعوذ بالله من النفاق والرياء، لك أن تصوم، ولا تذكر كلمة أنك صائم، ولك أن تنفق، ولا تذكر كلمة أنك منفق، ولك أن تغض البصر, من يعلم هذه العبادة إلا الله؟.
أنت حينما تجلس في غرفتك, تفتح نافذة جارتك، وتطل من النافذة, فإذا غضضت عنها البصر, هل في الأرض كلها إنسان, يمكن أن يحاسبك, أو يعلم ماذا فعلت؟ هذا هو الإخلاص، إذا كنت في البيت في أيام رمضان الحارة، والصنبور أمامك، وليس في البيت أحد ، ولك أن تشرب وتشرب حتى ترتوي، ولا أحد يعلم، لا كبير ولا صغير، ما الذي يمنعك أن تشرب؟ خوف الله عز وجل، فكلما أكثرت من العبادات, التي تؤكد أنك مخلص, تشعر مع حين أنك مخلص، أنفق ولا تتكلم كلمة واحدة، صم ولا تتكلم، صلِّ الليل ولا تتكلم، وافعل ما تريد تقرباً لله عز وجل ولا تتكلم، ومع ذلك: فالله عز وجل يلقي في روعك أنك مخلص.
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))
واقعة :
أحد ملاك الأراضي الكبار, بلغه أنه إذا تبرع بمساحة كافية لمسجد, لا بد من أن تنظم هذه الأراضي من قبل البلديات، وإذا نظمت على محاضر, ارتفع ثمنها أضعافاً مضاعفة، فجاء هذا الإنسان، وتبرع بخمسة دونمات, لينشئ عليها مسجدًا، والناس يتحدثون عن إحسانه, وفضله, ومحبته لله، ومحبته للمساجد، وكيف أن له مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ وكيف أن له مكانًا في الفردوس الأعلى؟ لأنه قدم لله أرضاً لتكون مسجداً، وهو حينما قدم هذه الأرض, ما خطر في باله لحظة, أن يتقرب فيها إلى الله، لكن الذي خطر في باله: أن ترتفع أسعار الأراضي التي يملكها في هذا المكان، هل تريد من الله أن يعطيه مكانًا في الجنة, لأنه أراد أن يعطيه هذه الأرض؟ عمله قيمته هذه النية، النية المادية.
لو قد مت لإنسان شرابًا سائغاً، وتعلم أن له قرحة في المعدة، وأن هذا الشراب الحامض, ربما يؤذي معدته فيتفاقم مرضه، فلما قدمت له هذا الكأس، ورحبت به، وأردت أن تكرمه في الظاهر، واشرب فهو شراب طيب، تحاسب على أنك مسيء، ولو أنك قدمت لإنسان شيئًا فأودى بحياته، وفي نيتك أن تتقرب إلى الله بخدمته، لكن أجله قد انتهى, قد ترقى عند الله بعمل لم يكن كما تتمنى، أليس كذلك؟.
خاتمة القول :
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى))
فعلينا أن نحرر نوايانا، وأن ندقق فيما نفعل، لأن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾
[سورة الفجر الآية: 14]
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
[سورة غافر الآية: 19]
والله يعلم ما تعلن وما تخفي، ويعلم سرك وما خفي عنك، فقد تخفي وقد يخفى عنك أشياء كثيرة، هو الذي يعلمها، أنت مكشوف أمام الله عز وجل، تكلم ما شئت، لكن الله سيحاسبك على نواياك.
لا بد من تحليل النية، ولابد من مراقبة الله عز وجل، وأن يكون العمل إن شاء الله خالصاً لوجه الله، والحمد لله رب العالمين.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:17 AM   #23


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الثانى و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 2 ) تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . متى يستقيم العبد على أمر ربه؟ :
أيها الأخوة, مع الدرس الثاني والعشرين من دروس العقيدة، وقد بدأنا في الدرس الماضي بموضوع لوازم العبودية لله عز وجل، وتحدثنا عن أبرز هذه اللوازم، ألا وهي الإخلاص لله عز وجل، وسلامة الطوية، واليوم ننتقل إلى تعظيم حرمات الله عز وجل, وتعظيم شعائره، فيه آية تعد أصلاً في هذا الباب، ألا وهي قوله تعالى:
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾
[سورة نوح الآية: 13-14]
شدة القرب حجاب :
فالإيمان بالله شيء، وتوقيره شيء آخر، حينما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ﴾
فالتركيز والإضاءة والخط تحت كلمة عظيم، لأن معظم الكائنات من دون استثناء يؤمنون بالله، حتى إن إبليس قال: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
[سورة ص الآية: 76]
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
[سورة ص الآية: 78-79]

فالإيمان بوجود الله قاسم مشترك بين معظم الخلق، ولا يعد هذا الإيمان إيمان منجياً، لكن الإيمان بالله العظيم حينما تعظمه، وتوقره، وتراه عظيماً، عندئذ تستقيم على أمره، ويبدو أن الطاعة مرتبطة بالتعظيم :
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾
[سورة نوح الآية: 13-14]
الشيء مألوف جداً، وكما قالوا: شدة القرب حجاب، أما أن ترى ابنك بين يديك يضحك، ويلعب، ويتكلم، ويبكي، ويأكل، ويتنفس، ودماغه فيه مئة وأربعون مليار خلية استنادية، وأربع عشرة خلية قشرية، ورئتان، ومعدة، وأمعاء، وعينان، وأذنان، ولسان، ومريء، وتنفس، وإفراز، وكليتان، لا أعتقد أن في الكون أعقد من الإنسان، إنه تعقيد إعجاز، لا تعقيد عجز، وأنت تعلم علم اليقين: أن هذا الابن, كان خلية من أربعمئة مليون خلية, خرجت منك في اللقاء الزوجي، تشكل هذا الطفل الذي أمامك من حوين واحد, من أربعمئة مليون حوين، يفكر, ويسأل، ويعترض، ويناقش، ويفرح، ويحزن، ويرى، ويسمع، ويتكلم، وينطق ..... ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾
[سورة نوح الآية: 13-14]
شاءت حكمة الله أن ترى خلقك من ابنك، تراه رأي العين، لكن كما قالوا: شدة القرب حجاب، هذا الكون من دون خرق لنواميسه، ومن دون تعطيل لأنظمته, هو معجزة، وأية معجزة .
من لوازم العبودية لله :
1-طاعته وتعظيمه كي تطيعه :

قال الإمام مجاهد: ما لكم لا تبالون لله عظمة، وقال ابن عباس: ما لكم لا تعلمون لله عظمة، وفي رواية: ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيم، وقال ابن زيــد: ما لكم لا ترجون لله وقاراً، الوقار هو الطاعة، ما لكم لا تخافون عظمة الله عز وجل .
أيها الأخوة, دائماً الطاعة مقترنة بالتعظيم، أنت في الخدمة الإلزامية، ويوجد رتب تبدأ من سبعة، هذه أقل رتبة، ويوجد سبعتان، وثمانية، وثمانيتان، يوجد ثمانية ونجمة، أو ثمانيتان ونجمتان، أو ثمانيتان وثلاث نجمات، بعد هذا نجمة على الكتف، ثم اثنتان، ثم ثلاث، ثم تاج، ثم تاج ونجمة، وتاج ونجمتان، وتاج وثلاث، ثم سيفان, إذا كنت في الخدمة الإلزامية، وقال لك عريف: ازحف, يمكن ألا تزحف، أما إذا كان اللواء موجودًا تصير على الأرض، لأنك تعرف ما معنى الاستعصاء؟ إنه السجن .
مثل بين أيديكم :
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾
[سورة نوح الآية: 13-14]
أنت تطيعه بقدر ما تعظمه، وتعصيه بقدر ما يقلّ تعظيمك له، فمن لوازم العبودية لله عز وجل: طاعته وتعظيمه كي تطيعه .
ما موقفك من النعمة التي أكرمك الله بها؟ :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم))
الآن: هذه النعمة التي أكرمك الله بها, ينبغي أن تراها من فضل الله عليك، فإذا رأيتها هكذا بذلتها، وإن رأيتها بجهدك كما قالها قارون:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
[سورة القصص الآية: 78]
بخلت بها .
قد يقول لك التاجر: خبرات متراكمة، سهر، عمل دؤوب، حتى حصلت هذه الثروة، يوجد أذكى منه بمئات المرات، ولا يملك درهماً واحداً، فعطاء الله لا علاقة له بذلك، بل الذكاء، ولكن له علاقة بالاستقامة :
ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هلكن إذاً من جـهلـهن البهائم
من لوازم تعظيم الله :
1-تعظيم نعمه :

فيا أيها الأخوة, من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم نعمه، الزوجة نعمة، فمن كفر بها حرم منها، والزوج نعمة، فإذا كفرت الزوجة, حرمت هذه النعمة، وأن تكون معافى في جسمك هذه نعمة .
كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول:
((الحمد لله الذي عافاني في بدني))
أن تتمتع بسمعك، وبصرك، وحركتك، وذاكرتك، وقوتك، وتخدم نفسك بنفسك، هذه نعمة لا تعدلها نعمة .((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم))

2- تعظيم ما حباك الله به :

من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم ما حباك الله به، ومن نتائج تعظيم ما حباك الله به: أن تبذله للناس، لا أن تستأثر به، وتنفرد به .
عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ, قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: يُفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ, حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط, والبزار في مسنده, والإمام أحمد في مسنده]
إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك :
أقول: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، إذا أحب الله عبداً استعمله في خير، وجعل حوائج الناس إليه، وفتح على يديه باب الأعمال الصالحة، واستعمله، أي جعله أداة خير للناس، فكلما رأيت إنسانًا منّ الله عليه بعمل صالح، بدعوة، بتعليم، ببناء مستشفى، أو ميتم، أو مسجد، أو بإدارة دعوة ناجحة لله عز وجل .
أنا لا أجد كلمة أهنئه بها كهذه الكلمة : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .
تطبيق عملي لهذا الحديث :
في حديث آخر من طريق آخر:
((إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه))
أخ من أخواننا, يقيم في بلدة في أمريكا، لما سافرت إليها من عدة سنوات, حضر الدروس، ثم اقتنى الأشرطة، يقول لأحد أصحابه: هذه الأشرطة مضمونها أن أعود لبلادي، وأن أخدم أمتي، نوّر الله قلبه، قال: هذا كلام دقيق، وعليه أدلة، أقسم لي صديقه, توفي رحمه الله، شاب في مقتبل العمر، أنه في أوج نجاحه, أنهى عمله، وباع أثاث البيت، واستقال من وظيفته، وتنفيذاً لوصية رسول الله حيث يقول: ((من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله))
عاد إلى الشام، وخلال أيام ثلاثة توفي بحادث، على أي نية مات؟ على أعلى نية، إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، هذا لمجرد أنه أراد أن يعود لبلد مسلم, حيث المشكلات لا تعد ولا تحصى، وأن يتبرأ من بلد آخر, ترتكب فيه المعاصي على عارضة الطريق، أراد أن يعود لبلد مسلم، وأن يكون جهده في خدمة المسلمين، ومات على هذه النية . هذا الصحابي يحبه الله :
سيدنا زيد الخيل, كان من أجمل العرب, فلما زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, رآه النبي, قال له:
((من الرجل؟ قال: أنا زيد الخيل، قال: بل زيد الخير -لكرم النبي وأخلاقه العلية, دعاه إلى داره- قال له: يا زيد, ما وصف لي رجل فرأيته, إلا رأيته دون ما وصف, إلا أنت يا زيد، لله درك، أعطاه وسادة ليتكئ عليها، قال: يا رسول الله! لا أتكئ بحضرتك -ما هذا الأدب؟!- قال: يا رسول الله! أعطني ثلاثمئة فارس لأغزو بلدهم الروم - أعجب به النبي عليه الصلاة والسلام- قال: لله درك يا زيد، واستأذن النبي، وغادر إلى بلده, وفي الطريق توفاه الله))
وهو من كبار الصحابة، وبين إسلامه وموته ثلاثة أيام فقط .
إذا أحب الله عبداً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه .
كيف يكون طهور العبد قبل موته؟ :
وفي حديث آخر:
((إذا أراد الله لعبد خيراً, طهره قبل موته، قالوا: وما طهور العبد؟ قال: عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه))
أناس صالحون كثر يموتون، وهم يصلون، يموت في ليلة القدر، وهو يقرأ القرآن، يموت في المسجد، وإنسان آخر يموت وهو يعالج الصحن، لأن محطة إباحية لا تأتي عنده، فصعد فوق السطح, ليعدل اتجاه الصحن, لعله يراها واضحة, فمات، موت الإنسان يلخص حياته كلها، وإنسان ادعى النبوة في شرق آسيا، وادعى أنه نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوه ميتاً في بيت الخلاء، فيبدو أن طريقة موت الإنسان تترجم حياته في الدنيا .
لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة:
((صنائع المعروف تقي مصارع السوء))
الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح :
مفاد كلامي: أن المؤمن يعظم النعمة، لأنها من الله، يشكرها ويبذلها، المؤمن يعظم العمل الصالح، يقبل عليه, لأنه قربة إلى الله، يعظم الله، ويعظم نعمه وأوامره, ويعظم الأعمال التي تقرب منه، بعد أن سقى سيدنا موسى للفتاتين, قال:
﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾
[سورة القصص الآية: 24]
لذلك العلماء استنتجوا: أن الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح .
الله عز وجل هدى على يد إنسان مئات الأشخاص، هذا أكبر غني في الأرض، والذي يملك ألوف الملايين، ولم يقدم لله عملاً صالحاً واحداً, هذا أفقر خلق الله .
3-التفكر في خلق السموات والأرض :
فمن وسائل التعظيم كما يقول الله عز و جل:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
[سورة سبأ الآية: 46]
التفكر في خلق السموات والأرض . 4-التفكر في آياته :
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 190-191]
من باب تعظيم الله عز وجل وتوقيره: التفكر في آياته . ما وراء هذا البحث :
قرأت بحثاً عن النملة والنحلة والمجرات, شيء لا يصدق، خلق الله يملأ ساحة نفسي ، الإنسان الآخر يقول: هل رأيت سيارة ب إم؟ ماركات السيارات، والأجهزة، والشركات العملاقة، والعطور، والمصانع الكبيرة في العالم التي تقدم للجسد ما يحتاج، هذه تملأ ساحة نفسه، ما الذي تهتم له؟ يهمك صنع الله أم صنع البشر؟ لذلك الأنبياء والصديقون والعلماء الكبار, ملأت نفوسهم عظمة الله عز وجل، بينما الأشخاص التافهون تملأ نفوسهم مصانع, تقدم سلعًا, وخدمات, ومركبات، وما شابه ذلك .
تعليق :
لي تعليق: لو أنك ركبت طائرة عملاقة، وهي تقلّ أربعمائة راكب، وكل شيء ميسر لك في الجو، وتقطع المحيط الأطلسي، أو تطير ساعات طويلة بلا توقف، يمكن من تعظيم هذه الطائرة, أن تنتقل لتعظيم الله عز وجل، كيف؟ .
هذا الإنسان أعطاه الله عقلاً، لولا هذا العقل لما اخترع هذه الطائرة، هل رأيت في مجتمع القرود من يصنع طائرة؟ الحيوانات هيَ هي، أما الإنسان فصنع طائرات، ونقل صورة عبر المسافات الشاسعة، وصارت الاتصالات سريعة جداً، هذا كله بفضل الجهاز الذي كرم الله به الإنسان .
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
[سورة الحج الآية: 32]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:20 AM   #24


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الثالث و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 3 ) الخوف والخشية والخشوع لله تعالى







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من لوازم الإيمان :
أيها الأخوة المؤمنون, نحن في دروس العقيدة، ومع الدرس الثالث والعشرين من دروس العقيدة.
أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام حينما يصف المؤمن هذا الوصف, له هدف مزدوج، هو الهدف، وهو المقياس، فهو مقياس لك تقيس به إيمانك، وهدف ينبغي أن تسعى إليه، فمن لوازم الإيمان الشعورية، هناك لوازم سلوكية أن تكون مستقيماً، ملتزماً عند الأمر وعند النهي، أن يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، لكن من اللوازم الشعورية أن تشعر بالخوف من الله، وأن تشعر بالحب له، وأن تشعر بالتعظيم.
ما المراد من هذا الحديث؟ :
ورد في بعض الآثار القدسية:
((أن يا رب, أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي؛ تقي القلب, نقي اليدين, لا يأتي إلى أحد بسوء، أحبني وأحب من أحبني, وحببني إلى خلقي، قال: يا رب, إنك تعلم أني أحبك, وأحب من يحبك, فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي))
كأن شرح الحديث: ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني، فمن علامة الإيمان: أن تشعر بالخوف من الله، لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
[سورة البروج الآية: 12]
إذا أخذ أدهش!: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
[سورة البقرة الآية: 40]
وحينما يتقدم المفعول على الفعل فهو صيغة قصر، أي ارهبوني وحدي، وإياي فارهبون، وفي آية ثالثة:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 175]
علامة الغافل: أنه يخاف مما سوى الله، وعلامة اليقظ المؤمن: أنه لا يخشى إلا الله.
بماذا وصف الله المؤمنين من خلال هذه الآيات؟ :
وحينما يصف الله المؤمنين فيقول:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 57]
وفي آية أخرى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾
[سورة الصافات الآية: 27]
﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾
[سورة الطور الآية: 26]
علامة المؤمن الذي يستحق الجنة: أنه خائف في الدنيا: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾
[سورة الطور الآية: 27-28]
رأس الحكمة مخافة الله :
وفي آية أخيرة:
﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾
[سورة البقرة الآية: 150]
ينبغي أن تشعر إذا كنت مؤمناً حقاً: أن تخاف من الله، بل إن رأس الحكمة مخافة الله.
انظر إلى هذا القول للحسن البصري :
والإمام الحسن البصري يقول: إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً، المستقيم المحسن خائف، والمسيء المتفلت مطمئن، لكنها طمأنينة الجهل والغباء والسذاجة، حينما وصف الله عباده المؤمنين:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 60]
آتوا أي أعطوا، أتوا بمعصية أو بذنب: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 60]
من علامة المؤمن :
أخرج الإمام أحمد في المسند, عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ! فِي هَذِهِ الْآيَةِ
﴿ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾
يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ, وَيَزْنِي, وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ, وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ, يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ, وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي, وَيَصُومُ, وَيَتَصَدَّقُ, وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)) علامة المؤمن، وأنت في طاعتك، وفي استقامتك، وأنت تعطي، وتضحي، وتلتزم, وتنفق، أنت خائف لعلو مقام الألوهية عندك، خائف ألا يقبل منك ذلك، هذا المعنى قاله النبي عليه الصلاة والسلام، والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظاً منتقاة، وليس مترادفة، ونحن في صدد بيان الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ. هذا ما قاله العلماء حول موضوع الخوف من الله :
قال بعض العلماء: الخوف اضطراب القلب، وحركته من تذكر المخوف الذي تخاف منه.
كيف سيدنا عمر, حينما كان في المدينة يتفقد أحوال رعيته, رأى قافلة في ظاهر المدينة، ومعه عبد الرحمن بن عوف، قال: تعال يا عبد الرحمن نحرس هذه القافلة، سمع سيدنا عمر بكاء طفل، وقال لأمه: أرضعيه, أرضعته، ثم بكى، قال: أرضعيه، أرضعته، ثم بكى، فغضب، قال: أرضعيه، لعله قالها بقسوة، عندئذ غضبت الأم، وقالت له: وما شأنك بنا إنني أفطمه؟ فقال عمر: ولم؟ قالت له: لأن عمر - ولا تعلم أنه عمر- لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام، فيقال: إنه ضرب جبهته، وقال: ويلك يا بن الخطاب, كم قتلت من أطفال المؤمنين؟ وقيل: إنه ذهب إلى صلاة الفجر من شدة بكائه وخوفه من الله عز وجل, لم يفهم الصحابة وقد صلوا وراءه صوته، وكان يقول: يا رب هل قبلت توبتي فأهنئها, أم رددتها فأعزيها؟ لأنه اجتهد أن التعويض يعطى للمولود بعد الفطام، ثم أمر أن كل مولود يستحق عطاءه عند الولادة، إذا لم يكن في بالقلب خوف إطلاقاً, واللهِ هناك خلل كبير في الإيمان، وهناك مشكلة.
متى يفسد قلب المؤمن؟ :

أيها الأخوة, يقول بعض العلماء: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، ما دمت خائفًا فأنت على طريق الله, على صراط مستقيم، كأن الخوف يحميك من أن تزل قدمك عن الطريق المستقيم، وقال بعض العلماء: ما فارق الخوف قلوبنا إلا كربت قلوبنا، وينبغي للقلب أن يغلب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد.
شخص يغلب عليه الرجاء، لا تدقق، الله غفور رحيم، الله لن يحاسبنا، هو علي قدير، نحن ضعفاء، هذا يغلب عليه الرجاء، لكن رجاء السذاجة، والغباء، والتقصير، لكن بعض العلماء يقول: إن المؤمن يغلب عليه الخوف.

ما وظيفة الخوف من الله؟ :

بالمناسبة: لا يمكن أن يكون الخوف مقصوداً لذاته، الخوف وسيلة للبعد عن الحرام، ليس العبرة أن تخاف, بل أن يحملك على طاعة الله فقط، أن يحجزك خوفك عن أن تعصي الله، هذا الخوف المحمود، ليس الخوف هدفاً بذاته، بل هو وسيلة لذلك، فما دام ليس هدفاً بذاته, بالجنة, فلا يوجد خوف:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
[سورة فصلت الآية: 30]
فالخوف في الدنيا وسيلة وليس هدفاً، وظيفة الخوف أن يحجزك عن محارم الله فقط.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأن نراك وأسعدنا بلقياك، اللهم بارك لنا في قضائك وفي قدرك، حتى لا نحب تعجيل ما أخرت وتأخير ما عجلت.
دعاء في أعلى درجة من الدقة, إذا آمنت بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لا تستعجل شيئاً أخره الله, ولا تستبطئ شيئاً يعجل الله به. قد يقول قائل: لمَ سمح الله لهؤلاء أن يفعلوا ما فعلوا في الحادي عشر من أيلول؟ كنا في خير, الآن يوجد ضغط لا يعلمه إلا الله، لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، أنت حينما تؤمن بعلم الله المطلق، وبحكمته المطلقة، وبرحمته المطلقة, لا تتمنى تأخير ما عجل، ولا تعجيل ما أخر، هذا هو الإيمان الصحيح.
ما الفرق بين العابد وبين العالم؟ :

أخواننا الكرام, الخوف للمؤمنين، والخشية للعلماء، وأي واحد عرف الله على علم بالله ، أنا لا أقصد العلماء الذين يعملون في الدعوة، لكن يوجد عابد، ويوجد عالم، العابد يخاف الله ، لكن العالم الذي بنى إيمانه على بحث، ودرس، وتدقيق، وتمحيص، ودقة، وأدلة، فهذا الذي انتقل من العبادة إلى العلم, هذا مرتبته أعلى من مرتبة الخوف، هذا في خشية الله، العابد يخاف الله, لكن العالم الذي طلب العلم الشرعي، ومعه الأدلة القوية، ومعه علم بالله, هو يخشاه ، الدليل:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر الآية: 28]
دليل آخر: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ, أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ, فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذَلِكَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, ومالك في الموطأ]
هناك حديث يقسم الظهر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا, لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا))
تعلم علم الفيزياء هذا نوع من الحرف، فيزياء، كيمياء، رياضيات، فلك، طب، هندسة، علم نفس، أو اجتماع، هذه حرف، لكن تعلم العلم بالله طلب العلم الشرعي، تعلم علماً في الأصل يبتغى وجه الله، اختار علماً في الأصل يختاره الطالب لوجه الله، لكنه بعد أن اختار هذا العلم فيما يبدو لوجه الله استخدمه للدنيا.
يقول الإمام الشافعي: لأن أرتزق بالرقص, أفضل من أن أرتزق بالدين. وفي توجيه نبوي كريم: عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ, وَلَا ِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ, وَلَا تَجيزوا بِهِ الْمَجَالِسَ, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]
احذروا النار النار .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ, يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ, وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ, إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ, قِيلَ: تُرِكَتِ السُّنَّةُ, قَالُوا: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ جُهَلَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ, وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ, وَتُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ))
[أخرجه الدارمي في سننه]

هذه حالة صعبة جداً: أن تلتمس الدنيا بعمل الآخرة.
وفي حديث آخر: عَنْ شَقِيقٍ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ, يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ, وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ, وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً, فَإِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ, قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ, وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ))
[أخرجه الدارمي في سننه]
من علامات آخر الزمان :
الآن المؤمنون في خوف مستمر من الله العظيم, أن تزل أقدامهم في هذه الدنيا، من وقوع في معصية، أو اجتراح إثم، أو فاحشة، أو كسب حرام, لكن في آخر الزمان:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ, مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ: مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ؟))
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فناظر كَيْفَ تَعْمَلُونَ, فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ))
زاد في رواية: ((فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]
وصفة نبوية :

الإنسان أحياناً حينما تصعب عليه قيادة نفسه وتغلبه نفسه, هناك وصفة نبوية:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتَ))
[أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, والإمام أحمد في مسنده]
بالموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه الله عليه، ولا ذكره أحد في سعة إلا ضيقها عليه.
الحقيقة مفارقة رائعة: المحروم إذا تذكر الموت تذكر الجنة، والغني المنحرف إذا تذكر الموت تذكر الفقر، لأن العملة المتداولة يوم القيامة هي العمل الصالح، فالفقر يوم القيامة فقر العمل الصالح، والغنى غنى العمل الصالح.
انظر إلى هذا الخوف عند عمر :
مما يدل على أن الصحابة الكرام كانوا في أعلى درجات الخوف: سيدنا عمر حينما قرأ قوله تعالى: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ, بكى، واشتد بكاؤه, حتى مرض، وعاده أصحابه، وقال لابنه: ويحك يا بني، ضع خدي على الأرض, عسى الله أن يرحمني، ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر الله لي، ثلاثاً، ثم قضى، ثم أسلم روحه لله عز وجل، قال له ابن عباس وهو في هذه الحالة: يا أمير المؤمنين، لقد نصّر الله بك الأنصار، فتحت البلاد، وفتح بك الفتوح، وفعل، وفعل معك، فقال: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر.
هل هذا الخوف مصطنع للاستهلاك أم هو خوف حقيقي؟ نحن هل نخاف هذا الخوف؟ ما لنا عمل، ولا واحد بالمليار من أعمال عمر، ولا نخاف هذا الخوف، العلة فينا أم فيه؟ العلة فينا، عندنا خلل، علامة صحة إيمانك خوفك من الله عز وجل.
ما محور هذا الحديث؟ :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ, وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ, أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ, مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ, إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ, وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا, وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ, وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ, لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُُ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
وفي رواية: لو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموت, ما أكلتم طعاماً عن لذة.
رسالة اطمئنان :
قال بعض العلماء: صاحب الخوف يهرب إلى الإمساك والزهد، وصاحب الخشية يلتجئ إلى الله بالاعتصام بالعلم.
أيها الأخوة, لكنني أطمئنكم: أن الله أجل وأعظم وأكرم من أن يجمع على عبد خوفين أو أمنين، إن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة، فاختر أيهما تريد؟ الهيبة خوف مع التعظيم.
قاعدة :
ورد أنه: ما من أحد رأى النبي إلا هابه -خوف مع التعظيم- ولا عامله إلا أحبه. الإجلال خوف وتعظيم وحب.
قاعدة: إنك قد تحب ولا تعظم، أو تعظم ولا تحب، قد تحب إنساناً بسيطاً ساذجاً، لكنه قد أحسن إليك، وقد تبغض إنساناً عظيماً قوياً، لكنه قد أساء إليك، فقد تعظم ولا تحب، وقد تحب ولا تعظم، لكن الله تحبه وتعظمه، وهذا معنى:
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾
[سورة الرحمن الآية: 78]
بقدر ما تحبه, بقدر ما تعظمه. ما الصفات التي يجب أن يتحلى بها صاحب الدعوة إلى الله؟ :
نحن في هذا العصر يوجد مفارقة، قد تعامل مؤمنًا معلوماته بسيطة جداً وساذجًا، لكنه طيب، لا يغش، سليم الصدر، تحبه، لكن ليس في نظرك كبيرًا، وقد تعامل إنسانًا ذكيًا جداً، لكنك لا تحبه، أما الشخص الآن الذي يمكن أن يكون سببًا في هداية الخلق, يجب أن يكون على أعلى درجة من العلم والفهم، وعلى أعلى درجة من الورع والتقى، أن يحبك الناس كما يحترموك، أو أن يحترموك كما يحبونك، هذا من فضل الله عليك، ولا يستطيع إنسان الآن أن يؤثر بالآخرين إلا بهاتين الصفتين مجتمعتين، على علم وعلى خلق، خلق بلا علم لا يكفي، وعلم بلا خلق لا يكفي، الإشفاق خوف معه رقة وحرص.
ما تعريف الخشوع؟ :
أيها الأخوة, يقول بعض العلماء: الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والاجتماع عليه، وفي معنى آخر: الخشوع هو الانقياد.
نحن قبل قليل قلنا: الخوف للمؤمنين والخشوع لطلاب العلم، أنت على علم بالله، معك أدلة، تعرف طرفاً من كماله ومنهجه، ينبغي أن تخشاه، والخشية فوق الخوف.
الجنيد يقول: الخشوع: تذلل القلوب لعلام الغيوب.
الحديث عن الأدب :

بعضهم يقول: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، بالظاهر يوجد أدب, معنى بالداخل يوجد أدب، إذا بالظاهر لا يوجد أدب، بالداخل لا يوجد أدب.
دخل على عالم جليل شاب متحزلق يتباهى, قال له: يا بني, نحن على أدبك أحوج منا إلى علمك.
والنبي عليه الصلاة والسالم حينما أثنى الله عليه أثنى على خلقه، لذلك حينما كان الصحابة يعجبون من خلقه يقول: أدبني ربي فأحسن تأديبي، وما من موقف يملأ الناس سعادة كأن تكون أخلاقياً.

ما هو خشوع النفاق؟ :
سيدنا حذيفة يقول: إياكم وخشوع النفاق, فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع.
دخل أحدهم للمسجد, وهو يزمع الذهاب للحج, واحد معه مبلغ من الليرات الذهبية، يريد أن يضعها في أمانة إنسان مؤمن يخاف الله، فدخل للمسجد, وتفحص المصلين, أعجبه شاب في صلاته خشوع، لما انتهى قال له: والله أنا أعجبتني صلاتك، ومعي مبلغ من المال أحب أن يبقى عندك أمانة, ريثما أعود من الحج، قال: أنا أيضاً صائم سيدي، قال: والله صيامك ما أعجبني.
فخشوع النفاق هدفه أن ينصب، يتمثل بالخشوع، إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع.
أول ما تفقدون من دينكم: الخشوع في الصلاة -أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله الشبع, نخل الدقيق, أول شيء فقدوه الخشوع في الصلاة- وآخر شيء تفقدونه الصلاة, -لا يصلي إلا بالمناسبات، أول ما تفقدون من دينكم الخشوع في الصلاة، وآخر شيء تفقدونه الصلاة-, ورب مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة, فلا ترى فيهم خاشعاً.
حدثني أخ: أن إمامًا صلى خمس ركعات، وخلفه عشرون رجلاً، ولم ينتبه واحد أنه في خامس ركعة، الكل غارق في مشاكله.
قيل لأحدهم: صليت المغرب ركعتين, قال: لا، ثلاثًا، لأن أول ركعة حللت مشكلة أول صندوق، الركعة الثانية الصندوق الثاني، الثالثة الصندوق الثالث، ثلاث ركعات، متأكد.
لما قال الله عز وجل:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
[سورة الحديد الآية: 16]
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ, عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ:
((مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ تعالى بقوله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
نحن مضى على هذه البعثة ألف وأربعمئة عام وزيادة . ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾
[سورة الحديد الآية: 16]
ينبغي أن تعبد الله رغبة ورهبة، وأن ترجوه وتخافه :
ويقول ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين, فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وقال الحسن: إن الله استبطأهم وهم أحب خلقه إليه.
يقول القرطبي: روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي لما ترفهوا في المدينة.
أحياناً الشدة تخلق بطولات, الحزن خلاق، أيام الرخاء والأمن والسلم، تجد هناك ميلا للضحك، الأمور تؤخذ على وجه آخر، فالعبرة أن ترجو الله، وتخافه في وقت واحد، الرجاء المستمر خلل بالإيمان، والخوف المستمر خلل بالإيمان، ينبغي أن تعبده رغبة ورهبة، وأن ترجوه وتخافه.
بعضهم يقول كلامًا رائعًا: العارف بالله لا يرى له على أحد حقاً، ولا يشهد له على غيره فضلاً، لذلك لا يعاتب، ولا يضارب، ولا يطالب.
تجد شخصًا إذا أكرم شخصًا, لي فضل عليك، لحم أكتافك من خيري، هذا من بُعده عن الله عز وجل, يرى له على الناس فضلاً.
لا حظ ما أدق هذا الكلام: الإنسان إذا عرف الله, لا يرى له على أحد حقاً، إذا مكنني الله عز وجل وأكرمت من حولي بفضل الله عز وجل، الله مكنني، وسمح لي، وليس لي فضل على أحد، فكلما تبرأت من حولك وقوتك, كنت أقرب إلى الله، كلما اعتددت بما عندك وبعملك ، وشهدت بعمل لك, كان هذا نوعاً من الشرك الخفي.
هذا الافتقار إلى الله :
بعضهم يقول: مالي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، وهذا الافتقار إلى الله، وهذا الحال سماه بعض علماء القلوب: حال الفناء.
أنا لا أريد خشوعًا مفتعلاً، سيدنا عمر رأى رجلاً يطأطئ رقبته في الصلاة، تجد شخصًا ينحني انحناء زائدًا، ويغمض عينه، ويعصر جبينه، ويشد على يده, هذا خشوع ظاهر.
سيدنا عمر رأى شخصًا عليه خشوع كهذا الخشوع، فقال له: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك, ليس الخشوع في الرقاب، ولكن الخشوع في القلوب.
هذا ما ترويه لنا السيدة عائشة عن عمر :
السيدة عائشة رضي الله عنها قالت مرة: رحم الله عمر, ما رأيت أكثر خشوعاً منه، قالت: كان عمر إذا قال أسمع، وإذا أطعم أشبع، وإذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع، وكان أخشع الناس في الصلاة.
مؤمن خنوع، ضعيف، متواكل، لا دخل لنا، كله شغل سيدك، قاعد في البيت، هذا النموذج السلبي، تحرك، خطط، اسع، حسن وضعك.
وكان سيدنا عمر يكره في الرجل, أن يري من نفسه الخشوع, أكثر مما في قلبه، أحياناً الإنسان يعمل مظاهر أكبر مما في قلبه.
يا بن آدم, لا تدري أي النعمتين عليك أفضل؛ نعمته فيما أعطاك، أو نعمته فيما زوى عنك.
قصة :
أعرف أخًا, اختار اختصاصًا في الطب نادرًا جداً في بلاد بعيدة، وهذا الاختصاص ولا أبالغ يدر عليه دخلاً, يكاد يكون فلكيًا، العملية بعشرة آلاف دولار، عنده في اليوم خمس عمليات، اختصاص نادر جداً، عنده دخل فلكي، وبيت، وحياة مرفهة لدرجة غير معقولة، فجأة خثرة بالدماغ فقد حركته، يقول لي هذا الرجل، أخ كريم، وصديق حميم: أخذ للمستشفى، وقد فقد حركته، والنطق، وعرف أن مصيره هذا الكرسي المتحرك، جلس في المستشفى، ونظر للنافذة، رأى من خلالها القمر فناجى الله عز وجل، يقول هذا الرجل: والله ناجيت الله بكل قطرة في دمي، وبكل خلية في جسمي، ملخص المناجاة أنه قال: يا رب, إن كان هذا مصيري, فأرجوك أن تأخذني إليك، وإن أردت أن تبقي لي بقية في الحياة, أرجوك أن تشفيني، والقصة غريبة جداً, مضت ساعة، واستعاد نشاطه، لم يصدق من حوله, أحد أقرب الناس إليه قال له: لا يوجد شيء، لكنه قال: يا رب أعاهدك على أن أقدم كل شيء في سبيلك، وقف في طريق الدنيا، واتجه نحو الآخرة.
ادرس، تعلم، استمع لأشرطة، وزع، هناك الآن داعية في أمريكا داعية كبير يقول: هذا المريض سبب اتجاهه مئة وثمانين درجة نحو الحق.

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[سورة البقرة الآية: 216]
كملاحظة عابرة: تدخل إلى مسجد, تجد فيه خمسة آلاف، عشرة آلاف، اعلم علم اليقين: التسعة آلاف من عشرة آلاف, عادوا إلى الله على أثر معالجة حكيمة، لولا معالجات الله لنا:
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
[سورة السجدة الآية: 21]
لولا معالجات الله الحكيم لعباده المؤمنين, لكانوا شردوا عن الله شرود البعير، فلذلك الله عز وجل رب العالمين.
هذه مهمة المصائب :
ذكرت في خطبة يوم الجمعة: أن هذه المركبة لم صنعت؟ علتها أن تمشي, أليس كذلك؟ هذه الطائرة التي بدوّار المطار هذه واقفة، وليست طائرة، لأنها لا تطير، شكلها طائرة ، داخلها مطعم، السيارة علة صنعها من أجل أن تسير، لكن فيها مكبح، ما حقيقة المكبح؟ وجوده متناقض مع علة صنعها، المكبح يوقفها، وهو ضروري جداً لسلامتها، ولأداء مهمتها، فكما أن الإنسان مخلوق للسعادة، لكن المصائب أحياناً من أجل سعادته.
لذلك علماء العقيدة يرفضون أن يقول الإنسان: الله ضار، هو ضار, والضار من أسماء الله الحسنى، لكن يرفضون أن تقول: الله ضار، الله ضار نافع، مانع معطي، مذل معز، خافض رافع، قابض باسط، يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز، ويقبض ليبسط.
من خطب النبي عليه الصلاة والسلام :
ومن أبلغ خطب للنبي عليه الصلاة والسلام:
((الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي))








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:22 AM   #25


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الرابع و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 4 ) الرجاء و الدعاء





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
مقدمة :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة، والموضوع اليوم من لوازم العقيدة؛ الرجاء, والدعاء, والاستعانة, والتوسل, والتوكل، وسوف نشرح بفضل الله عز وجل وتوفيقه بعض هذه الخصائص التي هي من لوازم الإيمان، ولا بد من مقدمة .

الحقيقة: أن علم العقيدة، وقد ذكرت قبل قليل, أننا في الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة، الحقيقة: أن علم العقيدة لا يعني فقط أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد؟ هذا شطر من علم العقيدة، العقيدة الكاملة أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد، وماذا ينبغي أن يكون موقفك مما تعتقد؟ العقيدة الكاملة اعتقاد ووجهة إلى الله، اعتقاد وسلوك وموقف، فحينما نفهم أن العقيدة تعني أن تعتقد أنه لا إله إلا الله، ماذا كان موقفك من علم التوحيد؟ هل رجوت غير الله؟ هل استعنت بغير الله؟ هل توكلت على غير الله؟ هل عقدت الأمل على غير الله؟ هل خفت من غير الله؟ ما قيمة أن تعتقد أنه لا إله إلا الله, والتطبيقات العملية لهذا الاعتقاد لم تكن موجودة؟ فلذلك أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد شطر العقيدة؟ .
العقيدة الكاملة أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد، وأن تعرف أيضاً ماذا ينبغي أن تقف مما تعتقد؟ .
هذه العقيدة الإبليسية :
أوضح مثل: أنه إذا اعتقد أن هذا المرض الجلدي لا يشفى إلا بالتعرض لأشعة الشمس، فمهما حدثتنا عن أشعة الشمس, وعن فوائدها العظيمة في شفاء هذا المرض، ولم تتعرض أنت لأشعة الشمس، فإن هذه العقيدة لا قيمة لها إطلاقاً، ويمكن أن أسميها عقيدة إبليسية، آمن بالله رباً, وعزيزاً, وخالقاً, وآخر، ولكن عمله وسلوكه لا ينتمي إطلاقاً إلى هذه العقيدة .
لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه :
أيها الأخوة الكرام, نجتمع مع أناس كثيرين, تجده يعلق رجاءه على غير الله، إما على دولة كبرى، أو على جهة غنية, أو جهة قوية، ويرى أن في تدخلها الحل الناجح، وأن في عطائها الخلاص من الفقر، وأن في دعمها العز بعد الذل، هذا فاقد الإيمان كلياً, يجب أن تعقد الرجاء على الله عز وجل .
لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه .
ينبغي أن تخاف من شيء واحد هو ذنبك، وينبغي أن ترجو جهة واحدة هي ربك، لأن كل شيء بيد الله :﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
[سورة الزمر الآية: 62]
وأن الأمر كله بيد الله : ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
[سورة هود الآية: 123]
﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾
[سورة البروج الآية: 16]
فلا ينبغي أن تخاف من غيره .
ما معنى هذه الآية؟ :
أدق معنى ورد في هذه الآية الكريمة:
﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾
[سورة الأنعام الآية: 80]

في قوى الآن بالأرض مخيفة؛ طواغيت، جبابرة، ظالمون، عتاة، يتمنون أن يبنوا أمجادهم على البشرية كلها، على الشعوب بأكملها، على حريتها، على ثقافتها وكرامتها، على فقرها، لكن الله عز وجل يقول:

﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً﴾
[سورة الأنعام الآية: 80]
هؤلاء الطغاة الكبار أخافهم ولا أخافهم، أخافهم إذا سمح الله لهم أن يصلوا إليه، ولا أخافهم إذا لم يسمح الله لهم أن يصلوا إليه، بالضبط كمجموعة وحوش كاسرة, أزمتهم بجهة قوية حكيمة عادلة، علاقتي مع هذه الجهة وليس مع الوحوش، فإن أرخى زمامها وصلت إلي ، وإن أبعدها عني نجوت منها :
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
[سورة هود الآية: 55-56]
من لوازم معرفة الله عز وجل :
أيها الأخوة, المفهوم التقليدي لعلم العقيدة, أنه يجب أن تعتقد بكذا وكذا وكذا، وانتهى الأمر, لا, وأن يكون حالك كذا وكذا وكذا، لذلك: كان هذا الدرس من دروس العقيدة المتكاملة, من لوازم معرفة الله عز وجل؛ أن ترجوه، وألا ترجو أحداً سواه، أن تعلق عليه الآمال، أن يكون الله عز وجل محط الرحال عندك، أن ترجو ما عنده، أن ترجو الدار الآخرة، وكل ما قرب إليها من قول أو عمل .
أمر غير معقول :
آية دقيقة جداً, يقول الله عز وجل:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾
[سورة الإسراء الآية: 57]
هؤلاء المشركون الذين عبدوا أصناماً، وكانت هذه الأصنام رموزاً لأناس صالحين، هؤلاء الأناس الصالحون كانوا يرجون رحمة الله، ويخشون عذابه، أنتم لما تعبدون من دون الله, شيء غير معقول، هذا الذي تعبده من دون الله, يخشى رحمة الله وعذابه، ويبتغي إلى ربه الوسيلة، أية وسيلة أقرب يسلكها إليه، يرجو رحمته، ويخشى عذابه .
لو أردت أن أسقط معنى هذه الآية على واقع المسلمين: لو أن طالب علم بالتعريف الشرعي، أو مريداً بالتعريف القلبي, علق أمله على الشيخ، وظن أنه يرفعه أو يخفضه، يعطيه أو يمنعه، يقربه، ونسي الله عز وجل، والشيخ نفسه يفتقر إلى الله أشد الافتقار، ويرجو ما عند الله أشد مما ترجو أنت من الشيخ .
هذا التوحيد :
مرة دخل أحد كبار الأئمة, فرأى تلاميذه، وقد التفوا حوله، واجتمعوا عليه، ووقروه, وعظموه، فدعا هذا الدعاء فقال: يا رب لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي، هذا التوحيد .
ماذا تفهم من هذا الموقف لأبي بكر؟ :
أنا أتصور -والله أعلم- أنه ما من رجلين على وجه الأرض, من آدم إلى يوم القيامة, أحبا بعضهما بعضاً, كسيدنا الصديق ورسول الله عليه الصلاة والسلام، أما حينما توفي النبي ماذا قال الصديق؟ قال: من كان يعبد محمداً -من دون أي لقب, من دون رسول الله, قل: من كان يعبد النبي محمداً، من كان يعبد الرسول محمداً، من كان يعبد هذا الرسول -من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
أنا أتصور أن قلبه كاد يتمزق من الأدب، ولكنه خشي على المسلمين أن يشركوا، خشي عليهم أن ينسوا ربهم، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
احذر أن تزل قدمك إلى هذا المستوى :
هذا الذي تظنه يقدم لك شيئاً ثميناً, هو يرجو رحمة الله مثلك، ويخشى عذابه مثلك، فينبغي أن تتجه إلى الله، فيمكن أن أقول: ضمن هؤلاء الصالحين، وصحبة الصالحين من وسائل الوصول إلى الله عز وجل، لا أن تعبدهم من دون الله؟ ألم يقل الله عز وجل:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
[سورة التوبة الآية: 31]
هذا شيء واقع : ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
[سورة التوبة الآية: 31]
والمسلمون أحياناً تزل أقدامهم فيصلوا إلى هذا المستوى .
المطلوب منك :
أيها الأخوة الكرام, يجب أن ترجو الله، وتعقد الأمل عليه، وتضع كل الثقة به، وألا تعلق أملاً على غيره، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟ أولئك الذين يدعون، أي أولئك الذين يدعون من دون الله، ويقدسونهم، ويعظمونهم، ويعبدونهم من دون الله, هؤلاء صالحون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وأقربهم إلى الله عز وجل, من جعل وسيلته طاعته لله عز وجل :
﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾
[سورة الإسراء الآية: 57]
ما هي مقامات الإيمان؟ :

قال بعض العلماء: ابتغاء الوسيلة, طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، ومقامات الإيمان الثلاثة: الحب والخوف والرجاء .
يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، ذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وببلائي كي يخافوني، وبآلائي كي يعظموني .
ينبغي أن يمتلئ قلبك محبة وخوفاً وتعظيماً لله عز وجل .
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ))
وفي الحديث القدسي: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي, فليظن بي ما يشاء))
حديث :
أيها الأخوة, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ:
((دَخَلْتُ عَلَيْهِ, وَهُوَ فِي الْمَوْتِ, فَبَكَيْتُ, فَقَالَ: مَهْلًا لِمَ تَبْكِ؟ فَوَ اللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ, وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ, وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ, ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ, إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا, وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ, وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي, سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ))
ما هو التمني؟ :

أيها الأخوة, الحديث عن الرجاء ينقلنا إلى علاقة الرجاء بالتمني، التمني أن تتمنى شيئاً كبيراً عظيماً دون أن تفكر في دفع الثمن، أن تتمنى الجنة دون أن تعمل لها، أن تتمنى النجاة من النار دون أن تتقيها، وفي الدنيا هل يكفي أن تكون غنياً وتقعد في البيت؟ هل يكفي أن تتمنى أن تكون عالماً من علماء الدنيا وتقعد في البيت؟ مستحيل, لذلك ربط الله عز وجل رجاء ما عنده بالعمل :
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾
[سورة الإسراء الآية: 19]
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
من هنا قيل: طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب . ((يا بن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني, غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم, لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم, إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً, أتيتك بقرابها مغفرة))
[أخرجه الترمذي في سننه]
ما علامة الرجاء؟ :
سئل بعض العلماء: ما علامة الرجاء؟ قال: أن يكون إذا أحاط بالإنسان الإحسان ألهم الشكر، راجياً بتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة، وراجياً تمام عفوه في الآخرة.
جاءتك النعم ينبغي أن تشكر, جاءك البلاء ينبغي أن تصبر، هذا من علامات الإيمان .
ما مغزى هذه القصة؟ :
مرة أحد علماء دمشق الأجلاء, له ابن درس الطب، ثم نال البورد، ثم دخل كلية الشريعة، ثم حفظ القرآن، ثم أدى الخدمة الإلزامية، ثم خطب له وعرسه, بعد أيام وافته المنية بحادث سير، ذهبنا على مدينة بالشمال لتعزيته، والله ما كنت أصدق عيني أني أرى إنساناً باشاً عنده دعابة، قلت: يا رب إنسان فقد أثمن شيء له في الدنيا، وبهذا المرح، وبهذا الترحيب بالضيوف، كيف استقبل قضاء الله عز وجل؟ هذا من علامات الإيمان أن تستقبل قضاء الله بالرضا .
هذه علامة الإيمان :
هذه المرأة التي مات ابنها، فلما جاء زوجها, سألها عن الابن, قالت: هو في أهدأ حال، هيأت له الطعام, وتزينت له, وناما ليلة واستيقظا, فقالت له: لو أن الجيران أودعوا عندنا وديعة, ثم طلبوها, قال: هذا من حقهم، قالت: هكذا فعل الله عز وجل، فلما قص على النبي ما حدث له من زوجته أم سليم, قال له النبي الكريم: بارك الله لكم في ليلتكما .
مر معي في السيرة, أن بعض الصحابة, إذا توفي لهم ابن, كانوا يتزينون ليعبروا عن رضاهم بقضاء الله وقدره، هذه علامة الإيمان .
بالمقابل: أعرف رجلا ميسور الحال، وعنده معمل، وله ابن في الصف التاسع، توفي, فترك الصلاة نهائياً، لماذا قبضه الله؟ .
هذا الدين :

الرسول عليه الصلاة والسلام أولاده جميعاً توفوا، زوجته الحبيبة الوفية توفيت، عمه توفي، ترك مكة، وهاجر إلى المدينة، أوذي في الله، وما أوذي أحد مثله، وخاف في الله، وما خاف أحد مثله، ومضى عليه ثلاثون يوماً لم يدخل جوفه إلا ما يواريه إبط بلال ....
هذا الدين, الدين أنت مع الله في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض، بإقبال الدنيا وإدبارها، وإلا ما قيمة هذا الدين الذي يزول بمصيبة صغيرة؟ .
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 23]
ما معنى هذا الحديث؟ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي, وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي, وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ, يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ, وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا, وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا, وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي, أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
معنى هذا الحديث: لمجرد أن تتوجه إلى الله، وتخطب وده، وتتقرب إليه بطاعة، بصيام، بصدقة، بقيام، بغض بصر، بشيء يرضيه, رأيت الله عز وجل يقبل عليك، ويملأ قلبك غنى، ويتجلى عليك بالسكينة، لمجرد أن تتحرك نحوه, أقبل الله عليك .
لو يعلم المعرضون انتظاري لهم, وشوقي إلى ترك معاصيهم, لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين, فكيف بالمقبلين؟ . ما نقل عن العلماء :
يوجد قول عن أحد العلماء: القرآن والسنة حق مئة في المئة، لكن ما سوى الكتاب والسنة, كلام له وجه مقبول، ووجه آخر قد يكون غير مقبول .
أحد العلماء يقول: إلهي أحيا العطايا في قلبي رجاؤك، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك، وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك .
روي عنه أيضاً أنه قال: يكاد رجائي لك مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال، لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص، وكيف أصفيها، وأحرزها، وأنا بالآفات معروف؟ وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك، وكيف لا تغفرها، وأنت بالجود موصوف؟ إذا اعتمدت على عملك, ربما كان العمل غير مخلص .
منعطف خطير :

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
[سورة الفرقان الآية: 23]
وقد يكون لك أعمال كالجبال، وكجبال تهامة، فيجعلها الله هباء منثوراً، من هؤلاء؟.
عَنْ ثَوْبَانَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي, يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ, أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا, فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا, قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا, جَلِّهِمْ لَنَا, أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ, وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ, وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ, وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ, وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
فهذا كلام عميق، لكن ينبغي أن يفسر الرجاء مع الذنب، يوجد فيه افتقار إلى الله، وقلق، واعتماد على عفو الله فقط، أما الرجاء مع العمل قد يكون الاعتماد على العمل، والعمل منوط بالإخلاص، والإخلاص ليس من السهل أن تكون مخلصاً، لأنه ضمن الحقل الديني في دنياك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ, وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ, وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ, أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ))
ماذا يرافق التمني وماذا يرافق الرجاء؟ :
أيها الأخوة, الرجاء شيء، والتمني شيء آخر، التمني بضاعة الحمقى، الأحمق يتمنى دائماً، أما الذي يريد الوصول لمرتبة معينة, هذا لا يتمنى بل يرجو، الرجاء يرافقه السعي :
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾
[سورة الإسراء الآية: 19]
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
أما التمني فمقرون بالكسل والقعود .
من لوازم الإيمان :
من لوازم الإيمان، ونحن في الحديث عن علم العقيدة عن شطرها الثاني، ماذا ينبغي أن تكون عليه؟ ينبغي أن تكون العقيدة هكذا، وينبغي أن تكون أنت هكذا، شطران؛ ماذا ينبغي أن تعتقد، وماذا ينبغي أن تكون عليه؟ .
ممكن لإنسان مجند غر, يساق على الخدمة الإلزامية، وقائده منضبط، وهو والده، ويأتي عنصر مجند، ويهدده فيبكي وينهار، هذا أحمق، هو منضبط، والذي على رأس الجيش كله والده وتقلق؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ جزء من الثقة بالله من لوازم الإيمان، بهذه المحن التي ألمت بالمسلمين, بهذا الإحباط الذي ألم بهم يئسوا، تطلعوا إلى القوي فقط، يرحمون أو لا يرحمون، ونسوا الله فنسيهم :
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
[سورة آل عمران الآية: 173]
اعلم هذه الحقيقة :

الدعاء, يوجد حقيقة, أتمنى على الله أن تكون واضحة عندكم، عد الله ترك الدعاء كبراً, والكبر من لوازمه الحجاب، الدليل:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾
[سورة غافر الآية: 60]
أخواننا الكرام, المؤمن فيما بينه وبين الله متذلل، يدعوه دائماً، يمرغ جبهته على أعتاب الله عز وجل، قد يكون له شأن كبير في الحياة، لكنه مع الله في أدق الدرجات من التذلل والخضوع له .
مثلاً: أحد كبار القادة الإسلاميين الذين انتصروا، وردوا التتار، والتتار اجتاحوا العالم ، سجد وقال: يا رب, من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك يا رب، هو لا شيء ، فكلما تذللت إلى الله رفعك الله .....
ما روي عن التاريخ :
يوجد طاغية في أوروبا الشرقية قال: إذا حمل هذا الصفصاف الإجاص, أتنحى عن منصبي، فلما نحي عن منصبه بالقوة, وضع الشعب حبات الإجاص على الصفصاف، ربطوها ربط .
روى التاريخ, ما من قائداً فتح بلداً, إلا واستكبر، وتغطرس، واستعلى، وتعجرف, إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام حين فتح مكة, دخلها متواضعاً لله, مطأطئ الرأس، حتى كادت ذؤابة عمامته, تلامس عنق بعيره, من تواضعه لله عز وجل .
اسأل ربك حاجتك كلها :
ترك الدعاء كبر، اسأل ربك حاجتك كلها، اسأله ملح طعامك، وشسع نعلك إذا انقطع.
إن الله يحب الملحين في الدعاء .
تذلل بين يديه، لك مكانة كبيرة، والله عز وجل يرفع لك ذكرك، لأنك بينه وبينك في منتهى الخضوع، لكن أهل الدنيا يستكبرون عن أن يدعو الله، فإذا جاءه من هو أقوى منه, أصبح ذليلاً أمامه كالقط, أليس كذلك؟ المؤمن ذليل أمام الله، لكنه على أهل الدنيا معتز بالله عز وجل .
من صفات المؤمنين :

من صفات المؤمنين:

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾
[سورة المائدة الآية: 54]
مشى أحد الصحابة، وتبختر أمام الأعداء، فقال عليه الصلاة والسلام:
((إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن))
وقد قال الشافعي: التكبر على المتكبر صدقة، شيء مخيف والله :﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾
[سورة غافر الآية: 60]
أما المؤمنون:
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
[سورة السجدة الآية: 16]
اقرأ :
في جامع الترمذي بإسناد صحيح, عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ, قَالَ: ((لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ, انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ, وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ, فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ, أَنْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ, أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ))
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((كُنْتُ مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ, فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ, وَنَحْنُ نَسِيرُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ, وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ, قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ, وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ, وَتَصُومُ رَمَضَانَ, وَتَحُجُّ الْبَيْتَ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ قلت: بلى يا رسول الله! الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ, وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ شعار الصالحين, ثُمَّ تَلَا قوله تعالى:
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾
الآية [السجدة: الآية 16]
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ, وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ, قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قال: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
ما المقصود بهذا الحديث؟ :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا, وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا, قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ, وَقَالَتْ بِيَدِهَا: هَكَذَا, كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً, فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ))
المياه المالحة لمدينة كبرى لا تنجس البحر، بينما كلمة قصيرة عن أختها . هل أدركت قيمة الدعاء؟ :

أقوى حديث في الدعاء, لا يغني حذر من قدر، لأن الذي يستحق تأديب الله عز وجل, يؤتى من مأمنه، يأخذ كل الاحتياطات, فيأتيه الله من حيث لا يحتسب، يؤتى الحذر من مأمنه .
عَنْ مُعَاذٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ, وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ, فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بالدعاء))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]
وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء, فيعتلجان إلى يوم القيامة .
ما وظيفة هذه الأحاديث التي سمعناها اليوم؟ :
أيها الأخوة, مرة قلت لكم: إن هذه الأحاديث لها وظيفتان: الوظيفة الأولى أن تكون هدفاً لك في سعيك إلى الله، هكذا ينبغي أن تكون، والوظيفة الثانية أن تكون هذه الأحاديث مقياساً لك, أين أنت؟ هل أنت متمثل بهذه الصفات؟ هل ترجو الله عز وجل؟ هل تعقد الرجاء عليه؟ هل تيأس مما سواه؟ هل تطلب منه الرحمة والحفظ؟ قصص لا تعد ولا تحصى، أنه من أخذ بالأسباب، ولم يتوكل على الله، وتوكل عليها, يؤتى من مأمنه، من مكان أمنه، أما من أخذ بالأسباب، واعتمد على الله عز وجل, يحفظه الله عز وجل .
الدعاء من دون عمل استهزاء بالله عز وجل :
الحديث عن هذا الدرس إن شاء الله, من لوازم الإيمان الرجاء والدعاء، والرجاء شيء والتمني شيء آخر، التمني بضاعة الحمقى .
وقد قال الله عز وجل:
﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه﴾
[سورة النساء الآية: 123]
بربكم في الأزمة الأخيرة, التي احتلت بها العراق, هل تصدقون أنه ما من مسجد في العالم الإسلامي, إلا وجأر إلى الله في الدعاء، وفي الصلوات الخمس، يذكرون ذلك شهرين وثلاثة، دعاء القنوت في كل الصلوات، هل استجاب الله لنا؟ لا, أدعو لليأس, معاذ الله، لكن الله عز وجل لا يعبأ بدعائنا من دون عمل .
واحد راكب سيارة، توقفت فنزل، فقال: يا رب ليس هناك غيرك، يا رب يسر، لم يستفد شيئا، لو تدعو عشر ساعات تبقى بمكانك، افتح الغطاء، وابحث عن الخلل، قل: يا رب يسر لي اكتشاف الخلل، يسر لي إصلاحها, لذلك قيل: الدعاء من دون عمل استهزاء بالله عز وجل .
طالب قال: يا رب وفقني، وأريد المرتبة الأولى، وأريد الطب، وهو لا يدرس، كلام فارغ، ادرس وادع أن يوفقك الله، يا رب ألهمني الصواب، وأعني على إجابة جيدة، وتطلق لساني, فأنا لا أصدق واحدًا يدعو من دون عمل .
سيدنا عمر رأى رجلا ناقته مصابة بالجرب، قال: يا أخا العرب ماذا تفعل مع ناقتك؟ قال له: أدعو الله أن يشفيها، قال: هلا جعلت مع الدعاء قَطِرانًا؟ هذا عملاق الإسلام .

مشكلة المسلمين اليوم :
في العالم الآن: اللهم دمر الأعداء، وشتت شملهم، واجعل الدائرة تدور عليهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم أرنا قدرتك بهم، وهم قاعدون، لا حركة، ولا سكنة، ولا تعاون، ولا تعديل، ولا تغير، ولا تفكير، وخمول، وانغماس في الدنيا، وعليك بهم، فإنهم لا يعجزونك ، ما هذا الكلام؟ قم واسعَ :
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
[سورة التوبة الآية: 105]
الدعاء من دون عمل استهزاء، لا يوجد إنسان وصل إلى شيء دون تعب، هذه الدنيا دعك من الآخرة، ما من إنسان وصل إلى شيء ثمين في الدنيا إلا بالسعي .
قصة :
مرة زرت معملاً, أنبأني صديق لي, أن صاحب المعمل من خمس وعشرين سنة ، شيء لا يصدق، الساعة الخامسة يأتي، ويخرج آخر رجل، ضابط لكل شيء، التصنيع, والشحن، والتسليم، والحسابات، اشترى بيتًا بمئة وستين مليونًا، هذا البيت بسبب الخامسة صباحًا إلى الثامنة ليلاً، ضبط أموره، هكذا الدنيا لها قوانين، والآخرة لها قوانين، ليس لنا غير الدعاء، الدعاء أخطر شيء تفعله، وعليك بالسعي أولاً .
نهاية المطاف :

لماذا زهد الناس في الدعاء؟ مهما دعوت لا يستجيب الله لك، لأننا لم نطبق شيئا :

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 55]
ما دام يوجد اعتداء على أخيك، اعتداء أدبي، مالي، تغشه، تحتال عليه، تبيعه بضاعة مصدرها تايواني فرضاً، على أنه من مستوى أرقى، ما دام هناك تدليس، وكذب، وغش، واحتيال, واحتكار، ومهما دعوت وصليت كل يوم في أول صف، إن الله نظر إلى أعمالنا وقلوبنا وسلامة نفوسنا .
فيا أخواننا الكرام, الدعاء أخطر سلاح بيد المسلم، لكنه لا يفلح إلا إذا رافقه عمل وسعي :
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 55]
إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن الاستعانة، وعن ابتغاء الوسيلة، وهذان موضوعان دقيقان, ينبغي أن يوضحا إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين .








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:26 AM   #26


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الخامس و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 5 ) الاستعانة - الوسيلة - التوسل - التوكل





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من لوازم الإيمان :
1-أن يكون قلبك على هذا الحال؛ حال التوكل والاستعانة والدعاء
أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس الخامس والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، بينت لكم في الدرس السابق: أن حقيقة الإيمان ليست ما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك ما ينبغي أن تكون عليه، الإيمان كل لا يتجزأ، ينبغي أن تعتقد كذا، وكذا، وكذا، وينبغي أن تكون على هذا الحال؛ حال التوكل, والاستعانة، والدعاء، وما إلى ذلك.
إذاً: من مقتضيات الإيمان: أن يكون قلبك بهذا الحال، وأن يكون إدراكك بهذا الاعتقاد، فالإيمان اعتقاد وسلوك, واعتقاد وحال.
من المحرمات :

أيها الأخوة, حينما قال الله عز وجل:

﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾
[سورة الأنفال الآية: 72]
المؤمن ينبغي أن ينصر أخاه المؤمن: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾
[سورة القصص الآية: 15]
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾
[سورة المائدة الآية: 2]
فالتعاون أمر إلهي، فالمؤمن مكلف أن يعاون أخاه، وأن ينصره، وأن يغيثه، ولكن في حدود ما يستطيعه البشر، أما فيما لا يستطيعه البشر, فمحرم أشد التحريم أن تستغيث بعبد بما لا يستطيع العباد أن يفعلوه.
من الشرك :

امرأة تقف أمام مقام، وتقول: يا سيدي، يا فلان أريد ولداً، فلان المتوفى في قبره, قد يكون صالحاً، وعالماً كبيراً، وقد يكون، وقد يكون، ولكنه لا يستطيع أن يهب المرأة ولداً، هذا من فعل الله عز وجل، فمع أن الإنسان مكلف أن ينصر أخاه، ويعينه، ويغيثه، ولكن حينما تسأل مخلوقاً بحاجة لا يستطيعها إلا الخالق, فهذا خطأ كبير، وشرك عظيم.
هناك حديث شريف يؤكد هذا المعنى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ, وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ, إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ, وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا))
الميت يحتاج لرحمة الله ومغفرته. من الخطأ الجليل :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّهُ قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ, تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ, وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ, وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ, وَيَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ …))
من في القبر مفتقر لرحمة الله، وإلى حفظ الله وعطائه، أن تستعين بالله فيما لا يستطيعه إلا الله.
من لوازم الإيمان؛ أن تستعين، أو تستنصر، أو أن تستغيث بمخلوقات الله, فيما لا يستطيعه إلا الله، هذا شرك كبير، وهذا خطأ جليل. 2-أن تبتغي إليه الوسيلة :

أيها الأخوة, من لوازم الإيمان: أن تبتغي إليه الوسيلة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ, فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ, ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ, فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا, ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ, لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ, وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ, حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
فالوسيلة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, مقام رفيع جداً, لا ينبغي إلا لواحد من خلقه، هو باب الخلق إلى الله، مقام رسول الله أعلى مقام في البشرية، وصل إلى سدرة المنتهى ، هو سيد ولد آدم ولا فخر، وقد منح مقام الوسيلة، وهو مقام لا ينبغي إلا لواحد من خلقه.
((سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ, لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا))
من وسائل التقرب إلى الله عز وجل :
1-أن تتقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسماء الله الحسنى

أخواننا الكرام, يمكن أن تتوسل إلى الله بكمالاته، هو رحيم، فإذا رحمت خلقه, كانت هذه الرحمة وسيلتك إلى الله، هو عليم, فإذا كنت منصفاً, كان إنصافك بالتقرب إلى العدل، هو لطيف، إذا كنت مع الخلق لطيفاً, هذا اللطف وسيلة إلى التقرب إلى الله عز وجل.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِي اللَّه عَنْه, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يقول العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ, أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي ذنوبي, فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ, وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما]
بشكل أو بآخر: الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، فإذا تقربت إليه بكمالاته, فهذه وسيلة من الله عز وجل، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، إذا أردتم عدلي فاعدلوا بين خلقي، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى خلقه، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، يمكن أن تتقرب إلى الله بكمالات الله، وهذا مما يفهم من قوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾
[سورة الأعراف الآية: 180]

لا يمكن أن تقبل على الله، وأن تقسو مع الخلق، وتظلمهم، ولا ترحمهم، أحد أكبر وسائل القرب من الله: أن تتقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَال:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ قط فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, وَابْنُ عَبْدِكَ, ابْنُ أَمَتِكَ, نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ, عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ, أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ, أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ, أو علمته أحداً من خلقك, أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ, أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي, وَنُورَ صَدْرِي, وَجِلَاءَ حُزْنِي, وَذَهَابَ هَمِّي, إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمَّهُ, وَأَبْدَلَهُ مَكَانَه حزنه فَرَحًا))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والبزار في مسنده, والإمام أحمد في مسنده]
انظر في هذه الأدلة :
لا أدري إن كانت هذه الحقيقة واضحة عندكم: أول وسيلة إلى الله: أن تتقرب إليه بكمالاته، بكمالات مشتقة من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، والدليل القوي: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾
[سورة الأعراف الآية: 180]
دليل آخر: إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي.
فأنت كلما تخلقت بخلق كريم, مشتق من أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، فهو وسيلة إلى القرب من الله عز وجل. 2-أن يتوسل الإنسان بدعاء الرجل الصالح :
لو قال المسلم: اللهم بإيماني بك، وحبي لرسولك, فرج عني، لو قال مسلم آخر: اللهم بحبي لأصحاب نبيك، والتماسي مناهجهم, اكشف مصيبتي، أو قال أحدهم: اللهم إني أسألك بالتعلق قلبي بالقرآن، وحب تلاوته, نور بصيرتي، وارفع محنتي, تقرب إلى الله بكمالاته.
ومن أنواع التوسل لله عز وجل: أن يتوسل الإنسان بدعاء الرجل الصالح.
الدليل :
كان عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ, وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا, ثُمَّ قَالَ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ, وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا, فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ, مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً, وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ, مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ, قَالَ: وطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ, فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ, ثُمَّ أَمْطَرَتْ, فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا, ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ, وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ, وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا, قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ, وَالظِّرَابِ, وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ, وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ, قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ]
فمن الوسائل التي أمرنا أن نتخذها سبباً للقرب من الله عز وجل ولطلب رحمته: أن نتوسل بدعاء رجل صالح.
3-أن تتوسل إلى الله بأداء الفرائض التي فرضها عليك، والابتعاد عن المحرمات

يضاف إلى ما ذكرته البارحة, من أن من أدق معاني الوسيلة: أن تتوسل إلى الله بأداء الفرائض التي فرضها عليك، والابتعاد عن المحرمات التي حرمها عليك، وأن تطيعه في كل ما أمر، وأن تنتهي عن كل ما نهى عنه وزجر، وأن تتوسل إليه بالعمل الصالح، بدءاً من إماطة الأذى عن الطريق، وانتهاء بالدعوة إلى الله، هذه أيضاً من وسائل القرب من الله عز وجل, فهذا يعني قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
[سورة المائدة الآية: 35]


3-من لوازم الإيمان: التوكل على الله :
من لوازم الإيمان: التوكل على الله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾
[سورة إبراهيم الآية: 12]
ويقول أيضاً:
﴿فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة المائدة الآية: 23]
ويقول أيضاً: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾
[سورة الطلاق الآية: 3]
﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
[سورة الممتحنة الآية: 4]
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[سورة الأنفال الآية: 2]
آيات التوكل كثيرة جداً .
أيها الأخوة, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ, وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
خلاصة ما سبق ذكره :
التوكل على الله من لوازم الإيمان، أن تستنصر وتستعين، وتلتجئ في شيء لا يستطيعه إلا الله وحده، وأن لا تلتفت إلى ما سواه, هذا من لوازم الإيمان، وتبتغي إلى الله الوسيلة، بدءاً من التقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا من لوازم الإيمان، وأن تتقرب إلى الله بطلب العلم، وبأداء الفرائض، وترك المحرمات، وطاعته في كل تفاصيل الشريعة، ثم بالعمل الصالح، هذا من لوازم الإيمان بالله، ثم أن تتقرب إلى الله بدعاء الصالحين، هذا أيضاً ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع السقيا.
هذه بعض المعاني التي تنطوي عليها الوسيلة.
ما الدليل على أن التوكل من لوازم الإيمان؟ :
آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن التوكل كثرتها وتنوعها, يؤكد أن التوكل من لوازم الإيمان:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة المائدة الآية: 23]
فإن لم تتوكلوا فلستم بمؤمنين، لكن أنت متى تتوكل على الله؟ حينما تكون مستقيماً على أمره، وحينما تعرفه، وتثق بقدرته, وبعلمه, وبرحمته، وبأنه سميع مجيب.
من أدعية التوكل :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ, تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ, قَالَ: يُقَالُ: حِينَئِذٍ هُدِيتَ, وَكُفِيتَ, وَوُقِيتَ, فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ, فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟))
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: ((مَا خَرَجَ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِه قَطُّ, إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ, فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ, أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ, أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ, أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ))
[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
هذا توكل، إنسان يخرج من بيته, هناك مطبات، وأزمات، ومصائب، وظلمات أحياناً، فإذا دعا الله هذا الدعاء وقاه الله، وكفاه، وهداه.
ما قيل عن حقيقة التوكل :
بعض العلماء يقول: حقيقة التوكل أنها حال مركبة من مجموعة أمور, لا تتم حقيقة التوكل إلا بها، أول هذه الأمور: معرفة بالله, وبصفاته من قدرته, وكفايته, وقيومته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته.
فالتوكل يحتاج إلى علم.
وقال هذا العالم الجليل: التوكل من أعم المقامات تعلقاً بالأسماء الحسنى، إن لها تعلقاً خاصاً بعامة أسماء الأفعال والصفات، فله تعلق باسم الغفار, والتواب، والعفو، والرحيم، وتعلق باسم الفتاح، والوهاب، والرزاق، والمعطي، والمحسن, وتعلق باسم المعز والمذل، والخافض والرافع، والمانع، من جهة توكله عليه في إذلال أعدائه، وخفضهم، ومنعهم من أسباب النصر، ولهذا التوكل تعلق بأسباب القدرة والإرادة، لا يوجد عبادة قلبية كالتوكل، فهي متعلقة بعدد كبير من أسماء الله الحسنى كعبادة التوكل:
﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 22]
إليكم بيان هذه الحقيقة :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
أريد أن أوضح لكم حقيقة ضرورية جداً تتضح بمثل: لو أن طالب لم يدرس, وأدى امتحاناً, فلم ينجح، فلما تلقى النتيجة بالرسوب, قال: حسبي الله ونعم الوكيل, هذا كسل, أما حينما تدرس، وتبذل قصارى جهدك، ويأتي مرض لم يكن في الحسبان, يمنعك من أداء الامتحان، عندئذ قل: حسبي الله ونعم الوكيل، أما كلما قصرت في جهة، وتلقيت نتيجة عملك، فإذا جاءت النتائج لا على ما تحب على غير ما تحب، وتقول: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا استهزاء بهذه الكلمة، الله عز وجل قد يسوق للإنسان جزاء التقصير، وجزاء المعصية، أنت ارض أو لا ترض، هذا هو الجزاء، أما حسبي الله ونعم الوكيل فلها معنى آخر، أنت حينما تأخذ بكل الأسباب، وتأتي الأمور على غير ما توقعت, عندئذ قل: حسبي الله ونعم الوكيل.
نقطة مهمة :
أيها الأخوة, الشدة التي يعانيها الناس في آخر الزمان, من فعل الطغاة والمستعمرين، هذه الشدة التي قد تجعل حياة الناس جحيماً, هي عند المؤمنين قليلة جداً، لتوحيدهم ولتوكلهم على الله عز وجل، فمثلاً قال تعالى:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 173-174]
الله أكبر من كل كبير، ومن كل ظالم، ومن كل طاغية، فأنت حينما تتعلق بالله عز وجل, تخف عليك وطأة الطغاة.
من أمثلة التوكل :
فيروى أن الحسن البصري رحمه الله تعالى, أدى أمانة العلم, بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يبدو أنه كان في زمن الحجاج، والحجاج كان طاغية كبيرة وظالماً، فحينما بلغه ما فعله الحسن البصري اشتد غضبه، وقال لمن حوله، وسماهم بالجبناء: والله يا جبناء لأروينكم من دمه، وأمر بقتلهم، وجاء السياف، ومد النطع, واستدعي الحسن البصري ليقتل، فلما دخل، ورأى السياف، ومد النطع, عرف كل شيء، فإذا به يحرك شفتيه، لكن لم يفهم أحد ما قال، المفاجأة التي لا تصدق, أن الحجاج وقف له, وقال: أهلاً بأبي سعيد، وما زال يقربه, حتى أجلسه على سريره, واستفتاه، وأثنى عليه، وقال له: يا أبا سعيد, أنت سيد العلماء، ثم شيعه إلى باب القصر، وهناك رجلان؛ السياف والحاجب، تبعه الحاجب, قال له: يا أبا سعيد, لقد جاء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك؟ فقال: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي, اجعل نقمته علي برداً وسلاماً, كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، تغير الوضع.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه:

((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ, فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا, قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟))
هذا التوكل.
من أدعية التوكل أيضاً :
وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ:
((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ, قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ الْحَقُّ, وَوَعْدُكَ الْحَقُّ, وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ, وَقَوْلُكَ حَقٌّ, وَالْجَنَّةُ حَقٌّ, وَالنَّارُ حَقٌّ, وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ, وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ, وَالسَّاعَةُ حَقٌّ, اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ, فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ, وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ, أَنْتَ الْمُقَدِّمُ, وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ))
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَنْ تُضِلَّنِي, أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ, وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
قارن بين أصحاب رسول الله وبين المسلمين اليوم :
أيها الأخوة, عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ, لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ, فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ, وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ, قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ, يَعْنِي أَصْحَابَهُ, وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ, يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ, ثُمَّ تَقَدَّمَ, فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ, فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ, الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ, إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ, قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ, قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ, أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ, أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ, وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ, وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ, فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ, قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾
إِلَى آخِرِ الْآيَةِ, وَقَالَ: إِنَّ أُخْتَهُ, وَهِيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ, كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ, فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ, فَقَالَ أَنَسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا, فَرَضُوا بِالْأَرْشِ, وَتَرَكُوا الْقِصَاصَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ)) الناس في آخر الزمان, يتطلعون إلى المغانم فقط، لكن أصحاب النبي تطلعوا للوفاء بما عاهدوا الله عليه. بم يتعلق هذا الحديث؟ :
مما يتعلق بالتوكل أيضاً: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
((أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ, أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ, وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ))
[أخرجه ابن ماجة في سننه]
لا تسألن بـني آدم حاجـة وســل الذي أبوابه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله و بني آدم حين يسأل يغضب

من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام :
من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَوْصَى رَجُلًا فَقَالَ: ((إِذَا أَرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ, وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ, وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ, وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ, رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ, لَا ملجأ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ, آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ, وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ, فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ))
خاتمة القول :
أيها الأخوة الكرام, عود على بدء، لا بد من أن تتيقن أن الإيمان ليس أن تعرف ماذا ينبغي؟ أن تعلم ماذا ينبغي أن تكون عليه, من حال الإنابة، وحال الاستنصار بالله، والاعتماد عليه، والتوكل عليه، وطلب الوسيلة إليه؟ هذا بعض ما ينبغي على المؤمن أن يكون عليه.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:28 AM   #27


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( السادس و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 6 ) الانابة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . من لوازم التوحيد: الإنابة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس السادس والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، ومع موضوع الإنابة, على أنها من لوازم التوحيد .
الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم تماماً: أن في كتب تقليدية, العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وكذا, لكن يضاف الآن: أن العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وأن يكون لك هذه الأحوال؛ أن تكون متوكلاً، أن تكون منيباً، أن تكون تائباً، أن تكون مخلصاً، فمن لوازم التوحيد: أن تكون منيباً إلى الله .
الدليل :
والدليل: أن الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾
[سورة هود الآية: 75]
﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾
[سورة ق الآية: 6-8]
﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾
[سورة غافر الآية: 13]
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾
[سورة الزمر الآية: 54]
يصف جل ثناؤه المؤمنين, بأنهم منيبون إليه، قال تعالى: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
[سورة الروم الآية: 31]
فالإنابة إلى الله من لوازم التوحيد، الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم: شطر العقيدة ما ينبغي أن تعتقد، وشطرها الثاني ما ينبغي أن تكون عليه، فإن كنت تعتقد الصواب، ولم تكن كما ينبغي, فهناك خلل في عقيدتك، لأنك لم تنتفع بهذا الذي اعتقدت به . هذه الإنابة العامة :

أيها الأخوة الكرام, الإنابة إنابتان، هؤلاء أهل الأرض, ستة آلاف مليون إنسان, كلهم ينيبون إلى الله عند الشدة، فسّاقهم، وكفّارهم، ملحدوهم, ومؤمنوهم، أيّ إنسان إذا ركب في البحر، وكاد يغرق, يلتجئ إلى الله عز وجل .
حدثني أخ, كان في طائرة, تنقلُّه من بلد مسلم إلى بلد كان سابقاً يؤمن بأنه لا إله، وعلى متن هذه الطائرة خبراء ملحدون جميعاً، ودخلت الطائرة في سحابة مكهربة، وأوشكت على السقوط، فإذا بكل هؤلاء الملحدين يرفعون أكفهم إلى الله يستغيثون به، قال تعالى:
﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾
[سورة الأنعام الآية: 23-24]
هذه الإنابة الأولى، أيّ إنسان مؤمن أو كافر، ملحد أو مستقيم، عاص, وفاسق, وفاجر, إذا جاءته الشدة، كأنْ أجرى فحصًا لورم خبيث, يقول: يا رب, لا إله ولا شافي غيرك، هذا الضعيف لا يتذكر ربه إلا عند الشدة، هذه إنابة عامة، هذا شيء يذكرنا بقوله تعالى:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد الآية: 4]
مع كل عباده، مع مؤمنهم، مع كافرهم، فاسقهم، وعاصيهم، وفاجرهم, وملحدهم، معهم بعلمه .
هذه الإنابة الخاصة :

أيها الأخوة, لكن الله إذا قال: إن الله مع المؤمنين، مع المتقين، مع الصادقين، مع التائبين، معهم بالحفظ، والتأييد، والنصر، والتوفيق، فالإنابة صفة مشتركة بين كل الخلق عند الشدة، لكن المؤمن ينيب إلى الله في الرخاء، يعود إليه مختاراً، يعود إليه وهو قوي، يعود إليه وهو صحيح، وهو في مقتبل الحياة، وهو في أوجه، يعود إليه محبةً، يعود إليه شوقاً، فلذلك ينبغي أن نفرق بين إنابة عامة وإنابة خاصة، كما نفرق بين معية عامة ومعية خاصة .




الدليل من الكتاب على الإنابة العامة :
الدليل على الإنابة العامة قوله تعالى:
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ﴾
[سورة الزمر الآية: 8]
حدثني أخ في بلد إسلامي, أصابه زلزال مخيف، أقسم لي أن المساجد في الصلوات الخمس لا تتسع للمصلين، كانوا يصلون في صحن المسجد، بينما في الرخاء لا تجد صفَّين، أما عقب الزلزال, جاءت الإنابة إلى الله عز وجل .
أنا أقول لكم: أنت حينما تعود إلى الله وأنت صحيح من دون مصيبة, فهذا شوق، وهذا حب، وهذا اختيار، وهذه بطولة، أما عند الشدة فأيّ إنسان يعود إلى الله، قال تعالى:
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾
[سورة الروم الآية: 33]
ثم يقول الله عز وجل: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
[سورة النحل الآية: 55]
إليكم شرح هذا الحديث :

أيها الأخوة, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وْيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))
[أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]
حينما تؤثر الدنيا على حساب دينك، أحياناً الإنسان يبيع دينه بفتوى، يفتي بخلاف ما يعلم، يقول مثلاً: على المسلمات في البلد الفلاني أن يخلعن الحجاب، يفتي بخلاف ما يعلم، ويقول: الذين منعوا الحجاب معهم الحق، باع دينه، باع كل آخرته بفتوى، أنت حينما تؤثر الدنيا على دينك, فقد بعت دينك بعرض من الدنيا قليل، إذاً: نحن في زمن الفتن، فتن كقطع الليل المظلم، ظلمات وراء ظلمات، ظلمات الضلالات، ظلمات الشبهات، ظلمات المعاصي، ظلمات الانحرافات، يوجد انقباض، وتطرح فكرة تتناقض مع الدين، يروج لها أعداء الدين، كل يوم ينتقص من الدين .
هذا زمن الفتن :

صدر كتاب في بلد عربي، هذا الكتاب محوره وعنوانه: مراثي اللات والعزى، الأصنام قبل الإسلام, عاشت حياة ديمقراطية، فكل صنم يؤمن بالصنم الآخر، أي سمح الصنم اللات للعزى أن تكون موجودة, أما صنم محمد فقد ألغى كل الآلهة، قمعي، كتاب لا يصدق، أي إنّ الإله الذي دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام إله قمعي، لم يسمح بإله معه أبداً، أما الآلهة التي كانت قبل البعثة, فعاشت حياة ديمقراطية، وكل صنم اعترف بالصنم الآخر، وتعايشوا، ظلمات بعضها فوق بعض، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))
[أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]
أعرف شخصاً, له ابن, توفاه الله في العاشرة من عمره، فترك الأبُ الصلاة كلياً.
أعرف أناساً الآن عقب محن المسلمين، ولاسيما سقوط بغداد, تركوا الصلاة .
((يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))
طرفة :
كطُرفة لعلي ذكرتها كثيراً: رجل بدوي, له أرض شمالي جدة, فلما توسعت جدة, اقتربت من أرض المدينة الواسعة، وارتفعت أسعارها، فأراد أن يبيعها، اشتراها مكتب خبيث جداً بربع ثمنها، وأنشؤوا بها بناء عالياً, يزيد على عشرة طوابق، لكن هم شركاء ثلاثة؛ أول شريك وقع من سطح البناء فنزل ميتاً، وثاني شريك دهسته سيارة، فانتبه الثالث، فبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته ليسامحه، فقال له هذا البدوي: أنت لحقت حالك .
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))
قصة :

أنا ذكرت قصة الإمام الذي ركب مركبة في بريطانيا، ودفع للسائق قطعة ورق نقدية كبيرة، ردّ له السائق الباقي، وهذا السائق جلس الإمام في مقعده، عدّ المبلغ الذي رده له, فوجده يزيد على ما يستحق عشرين سنتا، فلما حدث نفسه أنه أنا مسلم, ينبغي أن أردّ الزيادة إلى السائق, جاءه خاطر شيطاني, أنه مبلغ زهيد جداً، والشركة عملاقة، ودخلها فلكي، ولا تتأثر بهذا المبلغ، لعله هبة من الله خصني به، النتيجة: أن كلامه الثاني خطأ، هذا كلام شيطاني، فلما جاء وقت نزوله من المركبة, وقف أمام السائق دون أن يشعر، وأعطاه العشرين سنتاً، قال له: هذه زيادة، فتبسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال له: والله حدثت نفسي أن أزورك في مسجدك, لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن أزورك، فصعق، ووقع على الأرض، فلما استعاد وعيه, قال: يا رب كدت أبيع الإسلام بعشرين سنتاً .
واللهِ كل يوم ملايين المسلمين يبيعون دينهم بالسنتات، أو بالدولارات، أو بالليرة السورية، أو بحصة من محل، أو باغتصاب لإرث، أو باغتصاب لشركة، أو باغتصاب لبيت ، هذا الذي يقيم شعائر الله، ويأخذ حقوق الناس، هذا يعمل عملاً معاكساً للدعاة، هذا منفّر، هذا الذي يسبب أن يكفر الناس بالدين، هذا الذي يسبب أن يقول الرجل: أتعامل مع الشيطان، ولا أتعامل مع إنسان متدَيِّن، هذه المشكلة الكبرى الآن .
ماذا تنتظر من الدنيا؟ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أو الدَّجَّالَ, والدجال فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أوْ السَّاعَةَ, والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟))
[أخرجه الترمذي والنسائي في سننهما]
هل ينتظر الإنسان من المستقبل في الدنيا إلى أن يخسر بعض تجارته؟ هذا شيء واقع دائماً، أو أن يأتيه المال فيكون طاغياً به، أو يأتيه مرض يفسد عليه حياته، أو خرف وتقدُّم في السن، يصبح مخرّفاً، أو يأتيه الموت مجهزاً، أو الدجال كما تسمعون، يقتلون، ويقصفون، ويبيدون، وينهبون الثروات، وجئنا من أجل حريتكم، وجئنا من أجل أن تستمتعوا بالديمقراطية التي نستمتع بها، كلام يخرجك من جلدك، هذا الدجال .
أنواع الإنابة :
1-إنابة بالاستغفار :
أيها الأخوة, أنواع الإنابة: إنابة بالاستغفار، المؤمن لا يفتأ يستغفر الله عز و جل، عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يقُولَ العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، سيد الاستغفار أن تقول هذا الدعاء .
بماذا وصف الله المؤمنين في هذه الآية؟ :
وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يستغفرون:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
[سورة آل عمران الآية: 135]
مما يؤكد معنى هذه الآية: حديثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
((ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
يبدو أن أسوأ المذنبين الذي يرتكب الذنب، ويصر عليه، ويفتخر، الله عز وجل يطمئننا ويبشرنا:
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 110]
من الأحاديث التي وردت بشأن الاستغفار :
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))
[أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه]
ومن أذكار النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ:
((كَلِمَاتٌ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ, عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ، وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ, وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ، كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ))
[أخرجه أبو داود في سننه]
ما معنى هذا الحديث؟ :
الحديث الذي قد يدعو إلى الحيرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ, فَيَغْفِرُ لَهُمْ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
المعنى هناك: إن لم تشعروا بذنوبكم فأنتم هالكون، لو لم تذنبوا بمعنى لو لم تشعروا بذنوبكم، فالمؤمن ذنبه كالجبل، بينما المنافق ذنبه كالذباب، لا يعبأ به، هذه الإنابة الأولى، إنابة الاستغفار .
2-إنابة القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا ومجاهدة النفس والهوى :

الإنابة الثانية: إنابة في القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا، أقول دائماً: الشيطان يوسوس للإنسان أن يكفر إن رآه على إيمان، يوسوس له أن يشرك إن رآه على توحيد، يوسوس له أن يبتدع إن رآه على سنة، يوسوس له بكبيرة إن رآه على طاعة، يوسوس له بصغيرة إن رآه على ورع, يوسوس له بالتحريش بين المؤمنين، عي، حوار، مشاكل، فلان يفهم، فلان لا يفهم، فلان ليست هذه نيته، ليس له همّ إلا أن ينتقد من حوله، الورقة قبل الأخيرة بيد الشيطان، أما آخر ورقة فهي المباحات، يغرق في المباحات, إلى أن ينسى الله عز وجل، هذه أوراق الشيطان .
الآن إنابة القلب بمعاكسة انشغاله بأحوال الدنيا، ومجاهدة النفس والهوى، وأنا أرى أن هذه المجاهدة هي الأولى، لا تستطيع أن تجاهد أيَّ جهاد آخر قبل أن تجاهد نفسك وهواك ، إن لم تنتصر على نفسك فلا تستطيع أن تواجه نملة، جهاد النفس والهوى، ثم الجهاد الدعوي ، ثم الجهاد البنائي، ثم الجهاد القتالي إن أتيح للمسلمين .
قال بعض العلماء: خير القلوب قلب رجاع إلى الله، لهاج بذكره، وذكر نعمائه وفضله، متقلل من دنياه، ومن إعمال النظر في زخارف الدنيا، هذا أفضل قلب عند الله .
3-الإنابة إلى الله بالمال :

الإنابة الثالثة: الإنابة إلى الله بالمال، تنيب إليه بالاستغفار، وتنيب إليه بمجاهدة النفس والهوى، وتنيب إليه بإنفاق المال:

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
[سورة البقرة الآية: 195]
المعنى إن لم تنفقوا، إن لم تنفقوا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ويوجد معنى آخر:
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
[سورة البقرة الآية: 195]
نسيتم أهلكم وأولادكم، ومن يلوذ بكم، نسيتم أن هناك حاجات أساسية لأولادك، أولادك من لهم غيرك؟ فإنفاق المال كله بشكل عشوائي أيضاً هذا نوع من الهلاك، لكن المؤمنين ينفقون في السراء والضراء، كما قال الله عز وجل .
من الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن إنفاق المال :
أخرج الإمام البخاري في صحيحه, عَنْ عُقْبَةَ قَالَ:
((صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ, فَسَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا, يتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ, فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ, فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ, فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ, فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا, فَكَرِهْتُ أَنْ يبيت عندنا, فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح، والنسائي في سننه]
وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ, تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ, حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ))
البطولة: أن تنفق المال وأنت في أشد الحاجة إليه، أن تنفق المال وأنت صحيح، أن تنفق المال وأنت شحيح . 4-الصبر على المحن :

الإنابة الرابعة: الصبر على المحن، نحن في محن الآن، فالمؤمن متماسك، المؤمن واثق من حكمة الله، واثق من رحمته، مستسلم لقضائه وقدره، مع أن الأشياء صعبة جداً، لذلك قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
[سورة الزمر الآية: 17-18]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]
اسلك هذا الطريق :
المؤمن يسيء فهمَ المعصية، المعصية محببة، المعصية أن تجلس في البيت، لا أن تأتي إلى مسجد, فيه درس علم، بيتك مريح دافئ، وفيه كل وسائل الراحة، أما في الجامع فلعله يكون أقلَّ، لكنك سلكت طريق العلم .
عنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يطلب فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا من طرق الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَى لِطَالِبِ الْعِلْمِ))
[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]
لم خصصت التكاليف بالأجر الكبير؟ :
أيها الأخوة, هناك تكاليف، والتكاليف تعني أشياء ذات كلفة، غض البصر فيه جهد، أداء الصلوات فيه جهد، ضبط اللسان فيه جهد، الاستيقاظ إلى الصلاة فيه جهد، فالتكاليف تعاكس طبيعة الجسد، وهي ذات كلفة، لذلك لها أجر كبير، يجمعها قوله تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
[سورة النازعات الآية: 37-41]
من علامة الإيمان :
هناك قول لبعض العلماء: لن تفقه كل الفقه, حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون أشد لها مقتاً .
تجد أناساً يكذبون, ويمزحون مزاحاً ساقطاً، ويختلطون مع نساء لا يحللن لهم، ويحتالون، ويتلطفون، يقيمون حفلات جميلة، فأنت منسجم مع الجماعة، مرتاح تماماً، ما دام منسجمًا مع هذا المستوى, فأنت بعيد عن الإيمان، أما حينما يغضبك كذبهم ونفاقهم، حينما تغضبك شهواتهم المحرمة التي يأتونها، حينما يغضبك احتيالهم، حينما يغضبك كسب أموالهم بالحرام، حينما تشعر بغربة، حينما تمقت العصاة في ذات الله, فأنت مؤمن، أما إذا كنت منسجمًا معهم, الناس كلهم خير وبركة، الحمد لله كل الناس جيدون، يرى بعينيه انحرافهم, وكذبهم, ونفاقهم, وشركهم, وتملقهم، فأنت إن لم تمقتهم, معنى ذلك أنت منهم، علامة إيمانك بآخر الزمان: إحساسك بالغربة، لا تركن إلا لمؤمن صادق، ليس فيه كذب، مؤمن ورع، عفيف، أمين، ترتاح له، أما إذا كنت مرتاحاً لكل الناس على فسقهم, وفجورهم, ونفاقهم, وكذبهم, فهذه علامة خطيرة ليست في صالحك .
هناك قول لبعض العلماء: لن تفقه كل الفقه, حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون أشد لها مقتاً .
نقطة دقيقة :
قال بعض العلماء: الخروج من التبعات, والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات، والخلاص من لذة الذنب، وترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفاً عليهم مع الرجاء لنفسك .
النقطة دقيقة جداً: أن تخشى على الناس، ولا تخشى على نفسك، قال لي واحد: سوف أعتمر، وأهبها للنبي، قلت له: انفد بريشك أنت، هو مغفور له كل ذنبه، مبشر بالجنة، فسوف يقدم للنبي هدية عمرة، لم ترد هذه في السنة إطلاقاً، يتوجع على الناس، وهو غارق في أخطائه .
5- إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

من الإنابة أيضاً: إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه سماها العلماء الفريضة السادسة، وهي في القرآن الكريم من علة خيرية هذه الأمة، فإن لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فقدت خيريتها، وأصبحت كأيّ أمة خلقها الله، قال تعالى:

﴿كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
[سورة النساء الآية: 59]
فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فقدنا خيريتنا، لذلك: أهلَك الله بني إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لا تجامل أحداً، يجب ألاّ تأخذك في الله لومة لائم، من أعان ظالماً سلطه الله عليه، من أعان ظالماً، ولو بشطر كلمة, سلطه الله عليه .
قال تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 165]
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 104]
هذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))
[أخرجه الترمذي في سننه]
بربكم, هذه الثياب التي تصف أعضاء المرأة، هذه الفتاة أليس لها أب، وعم، وأخ، وخال؟ كلهم مسلمون، لا يوجد أحد ينهاها عما تفعل؟ هذا أقرب شيء إلينا، هؤلاء الفتيات في الطرقات بنات من؟ بنات المسلمين، تكون أمها إلى جنبها محجبة حجاباً كاملاً، كيف رضيت من ابنتها أن تخرج هكذا؟ كيف رضي أبوها؟ كيف رضي أخوها، عمها، خالها؟ .
هذا الذي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام:
((والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))
الآن في حرب العراق, أنا فيما أعلم: أنّ مساجد العالم الإسلامي بأكملها في كل الصلوات قنتت، وقالت: اللهم دمر أعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم ، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، الله ما استجاب، لأن المسلمين لم يتناهوا عن منكر فعلوه. حديث دقيق :
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث دقيق جداً، ونحن في أمس الحاجة إليه:
((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين, وانتحال المبطلين))
[أخرجه البزار في مسنده]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا))
[أخرجه أبو داود في سننه]
من هم القرون الذين شهد النبي لهم بالخيرية؟ :
قال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .
أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم .
لذلك:
((إن الله اختارني, واختار لي أصحابي))
هؤلاء شهد لهم النبي بالخيرية، وهم القرون الثلاثة الأولى .
عَنْ عِمْرَان بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الناس قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثم إِنَّ بَعْدَهم قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
6- الإنابة إلى الله عند الشعور بدنوِّ الأجل

الإنابة إلى الله عند الشعور بدنوِّ الأجل، فيرضى المؤمن عن الله، وعن قضائه، ويستسلم لأمره.
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ, فَقَالَ:
((كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ, إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ))
[أخرجه الترمذي في سننه]


بماذا ينهانا النبي في هذا الحديث؟ :
عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ، وَهُوَ يَشْتَكِي، فَتَمَنَّى الْمَوْتَ، فَقَالَ:
((يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ، إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا تَزْدَادُ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ، فَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ))
ينهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تمني الموت . خلاصة القول :
أيها الأخوة, هذه مرتبة من مراتب التوحيد، أن تنيب إلى الله؛ إما بالاستغفار، وإما بمجاهدة النفس والهوى، وإما بإنفاق المال، وإما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما بالاستعداد للموت، هذه أنواع الإنابة إلى الله عز وجل .
أختم هذا الدرس بالفكرة التي أحرص عليها حرصاً شديداً: ليس علم العقيدة أنك تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، ينبغي أن تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون، فالإنابة من لوازم التوحيد، والاستغفار من لوازم التوحيد .
في درس قادم إن شاء الله, نتحدث عن التوبة لأنها من لوازم التوحيد .








والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:31 AM   #28


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( السابع و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 7 ) التوبة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من لوازم سلامة العقيدة أن تكون تائباً إلى الله :

أيها الأخوة الكرام, مع الدرس السابع والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، ولعلكم لاحظتم أن مفهومات العقيدة الصحيحة: أنه ما ينبغي أن تعتقد، وما ينبغي أن تقول، وليس علم العقيدة هو ما ينبغي أن تعتقد، علم العقيدة ما ينبغي أن تعتقد، وما ينبغي أن تقول، فمن لوازم سلامة العقيدة: أن تكون تائباً إلى الله عز وجل .
الحقيقة: أن التوبة حبل النجاة، التوبة صمام الأمان، التوبة سبيل الخلاص، التوبة هي علاج الضعف البشري، الإنسان ركب من شهوة وعقل، إن غلبت عليه شهوته, فالعلاج هو التوبة، تصوروا أن ديناً ليس فيه توبة, ما الذي يحصل؟ بأقل ذنب يفجر الإنسان، ما مادام باب التوبة مغلقاً, فلابد من متابعة المعصية .
حينما يقول الله عز وجل:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
[سورة الزمر الآية: 53]
معنى ذلك: أن التوبة صمام الأمان، والتوبة حبل النجاة، أو قارب النجاة .
أيها الأخوة الكرام, لكن الله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾
[سورة التحريم الآية: 8]
أجمل ما في هذه الآية: أن التوبة النصوح تنصح بها نفسك، وأعظم نصيحة تقدمها إلى نفسك: أن تتوب من الذنوب قبل فوات الأوان .
مراحل التوبة :
1-علم وحال :

التوبة في الحقيقة: علم وحال وعمل، فيها جانب معرفي، وفيها جانب سلوكي، وفيها جانب نفسي، فأنت مثلاً: لا يمكن أن تعالج نفسك من ضغط مرتفع, إلا إذا علمت أن معك ضغطًا مرتفعًا، لا يمكن أن تتوب من ذنب, لا تعرف أنه ذنب، ربما تتوهمه عملاً صالحاً، إذاً: تبدأ التوبة من طلب العلم، ما لم تطلب العلم فلن تتوب، لأن الغارق في المعاصي إن سألته: ما هذه المعاصي؟ يقول: أيّ معاص؟ إنسان تاب الله عليه، وكان في حقل لا يتناسب مع الدين, التقى بإنسان من أرباب هذا الحقل، قال له: لماذا تبت؟ وماذا فعلت حتى تتوب؟ .
فالتوبة لا تبدأ إلا من معرفة الله، ومعرفة منهج الله، فقبل أن تطلب العلم لا تطمع أن تتوب، لأن الأمور عندك مختلطة، القسم الحرام تظنه حلالاً، والفكرة التي تتناقض مع وحي الله, تظنها من الدين .
هناك قصص كثيرة جداً, تشير إلى أن الإنسان إن لم يطلب العلم, يتوهم أن أخطاءه أشياء مألوفة، يفعلها كل الناس، وليس فيها معصية، إذاً: التوبة علم، علم يتبعه حال، التوبة ندم.
قال عليه الصلاة والسلام:
((التوبة الندم))
والحقيقة: أن في هذا الحديث ملمحًا رائعًا، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أخطر مراحل التوبة، قال شارحو الحديث: الندم يستوجب علماً، ويعقبه عمل، فكأن ضربة النبي عليه الصلاة والسلام كما يقال: ضربة معلم، التوبة ندم؛ يسبقه علم، ويتبعه عمل . 2-الندم :

الآن كي أوضح هذه الحقيقة: أنت أمام إنسان في بستان, رأى أفعى، ما الذي يحصل ؟ أول شيء بحلق بها، فإذا هي أفعى، فاضطرب الحال، فولى هارباً، أو قتلها، وهذا قانون، علاقة الإنسان بالمحيط الخارجي؛ إدراك، انفعال، سلوك، ولا يمكن أن يكون الإدراك من دون انفعال، ولا يمكن أن يكون الانفعال من دون سلوك .
تعرف أنك متلبس بمعصية كبيرة، تعرف أن هذه المعصية حجاب بينك وبين الله، تعرف أن هذه المعصية قد تقودك إلى الهلاك، تندم أشد الندم، تتألم، تضطرب، تخاف، تعقد العزم على أن تقلع عن هذا الذنب، وألاّ تعود إليه أبداً، وأن تصلح ما مضى .


3-عمل :

المرحلة الثالثة التي هي عمل؛ فيها عزيمة، وفيها إقلاع، وفيها إصلاح، الإقلاع فورًا ، والعزيمة مستقبلاً، والإصلاح إذا كان موضوع التوبة متعلقاً بحق من حقوق البشر، والآية التي عدها العلماء أرجى آية في القرآن الكريم:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
[سورة الزمر الآية: 53]
أيها الأخوة الكرام, أحياناً تختلط الأوراق، الله عز وجل غفور رحيم، وقد يغيب عن هذا الذي يقول: إن الله غفور رحيم؛ أنه شديد العقاب، وأرجى آية في القرآن الكريم لو تابعتها:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾
[سورة الزمر الآية: 53-55]
أرجى آية في القرآن الكريم في نهايتها: إن لم تتب, فالعذاب آت لا محالة .

مرة قال طبيب لمريض كلمة رائعة, قال له: معك مشكلة في القلب، إن تلافيتها فهي صغيرة، وإن أهملتها فهي كبيرة، كلام جميل، والذنب أحياناً: إن أردت أن تتوب منه, فالقضية سهلة جداً، وإن أهملته, فهذا الذنب قد ينقلب إلى عادة، ومن أصعب الأشياء: أن يتخلى الإنسان عن عاداته، أنت تبدأ بخاطرة، بفكرة، بهمٍّ، بإرادة، بفعل، بعادة، هذا الذي قاله الله عز وجل:

﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
[سورة الحديد الآية: 16]
من هنا: أدق معنى نحتاجه في هذا الدرس قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾
[سورة النساء الآية: 17]
لا تجعل مسافة طويلة بين ارتكاب الذنب -لا سمح الله- وبين التوبة منه، هذه المسافة الطويلة تجعلك تألف الذنب، وهذه المسافة الطويلة تجعلك تظن أنه ليس بذنب، لأنك ألفته .
حدثني أخ ذهب إلى بلاد بعيدة في الغرب، قال لي: المعاصي والآثام التي نعرفها في بلادنا, أنه معاص وآثام كبيرة جداً, هناك هينة جداً على الناس لكثرة ألفتها .
في اللغة أداة توكيد، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
[سورة الزمر الآية: 53]
فما من ذنب لا يغفر، ولكن هناك أسباب للمغفرة، القصة المألوفة: أن الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً، ثم جاء ليتوب، سأل راهباً قليل العلم بحقائق النفس، وبأسماء الله، فقال له: هل لي من توبة؟ فقال له: لا، فكمّل به المئة، أما الثاني فقال له: لك توبة، على أن تغادر هذه الأرض .
سؤال خطير :
الآن سأجيب عن أخطر سؤال يطرح، أنا هذا السؤال تواتر كثيراً علي، أنه يُقترف ذنب، ثم يتوب الإنسان منه، ثم يعود، ثم يتوب، ثم يعود، ثم يتوب، يقول لي: إلى متى؟ لأنك ما دمت تعيش في أجواء تدعوك إلى المعصية, فلا بد من أن تعصي، لأنك تغافلت عن قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
[سورة التوبة الآية: 119]
وتغافلت عن قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف الآية: 28]
ابحث عن البيئة التي أنت فيها .
أنا أقول لكم دائماً أيها الأخوة: عش مع المترفين تتمنَّ الترف، عش مع الساقطين تشتهِ السقوط, عش مع أهل الشهوات ترَ أن الشهوات شيء ممتع جداً، عش مع طلاب العلم ترَ أن طلاب العلم حققوا نجاحاً كبيراً، قل لي من تصاحب, أقل لك: من أنت؟ لذلك: موضوع الحمية الاجتماعية, الإسلام ركز عليه كثيراً، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾
[سورة الممتحنة الآية: 13]
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾
[سورة المائدة الآية: 51]
أنا لا أرى طالب علم تفوق إلا مع حمية اجتماعية، أما أن يصاحب أي إنسان، فأي إنسان يتكلم كما يشتهي، قد ينطق بالمعصية، قد ينطق بالشهوات، قد يزين لك الشهوات، وهذا الذي يزين لك المعصية, يقوم بدور الشيطان تماماً، قال تعالى:
﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾
[سورة النحل الآية: 63]
يمكن أن نلخص موضوع التوبة: أنه قبل كل شيء طلب علم، فما لم تطلب العلم, فلا تستطيع أن تتوب .
من عشر سنوات تقريباً, استوقفني بجريدة يومية خبر، أن سائق سيارة استوقفته امرأة، فلما سألها: إلى أين ذاهبة؟ قالت له: إلى حيث تريد، ففهم، وعدّ هذه غنيمةً كبيرة، وبعد أن قضى ما يتمناه منها, أعطته ظرفين؛ الظرف الأول فيه خمسة آلاف دولار، والظرف الثاني فيه رسالة مكتوب فيها: مرحباً بك في نادي الإيدز، والمبلغ مزور، فأودِع في السجن، السجن والرسالة جعلته في نادي الإيدز .
تعليقي على هذه القصة: أن هذا الإنسان لو حضر مجلس علم ما كان بهذه الحالة، ولركل هذه المرأة بقدمه حينما قالت له: خذني حيث تريد .
أول خطبة خطبتها في هذا المسجد, أذكر في عام أربعة وسبعين، استوقفني أخ كريم ، وقال لي وهو يبكي، عمره في الستين، بكاؤه لفت نظري، قلت: خيرًا؟ قال: زوجتي تخونني من سنتين، ولي منها خمسة أولاد، قلت له: مع من؟ قال: مع الجار، قلت له: كيف عرفها الجار؟ قال: أنا السبب، كنت مرة في سهرة أنا وإياها, فجاء جارنا، فدعوتها أن تكون معنا، قال لها: إنه مثل أخيكِ، فجلست، فقلت له: لو أنك حضرت درس علم واحدًا, لما دعوتها إلى أن تجلس معك, فلذلك: الاختلاط, والغفلة, والبعد الطويل عن البيت, أسباب للانحراف، أنت حينما تطلب العلم تطلب السلامة، تطلب السعادة، الحمد لله, قلما تجد مؤمنًا طالب علم وقع في ورطة كبيرة .
إذاً: أن يطلب العلم، وأن يندم، وإذا ما ندم, معنى ذلك: أن طلبه للعلم ليس صحيحاً، حينما ترى ثعباناً مخيفاً ولا تخاف منه, فهناك خلل في إدراكك، ومشكلة كبيرة، المؤمن يخاف من الله .
لم يقع الناس في الحرام؟ :

يا أيها الأخوة الكرام, أنا متأكد أن الحلال بيّن والحرام بيّن، ولكن السؤال: لمَ يقع الناس في الحرام؟ لأن صحبتهم سيئة، بيئتهم فاسدة، من حولهم ليسوا على ما ينبغي، لذلك في آخر الزمان قال تعالى:

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾
[سورة الكهف الآية: 16]
العلماء يقولون: من الوسيلة التي أمرنا بها صحبة الصالحين، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
[سورة المائدة الآية: 35]
الوسيلة من معانيها صحبة الصالحين . لا تسوف في التوبة :
قال تعالى:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾
[سورة نوح الآية: 10-13]
كلما وقرت ربك أكثر, خفت أن تعصيه أكثر، وكأن هناك علاقة بين الخشية والتوبة، والله أعلم هناك مداخل للشيطان لا تعد ولا تحصى، الإنسان إذا استمر في الذنب, يستمرىء متابعة الذنب، وقعت، غداً تتوب، ومن يدري أنك تصل إلى الغد؟ معظم الناس يقول لك: أنا الآن شاب، غداً حينما أتقدم في السن, أتوب إلى الله، وأحج بيت الله الحرام، وأتوب، كم من إنسان لم يستطع أن يصل إلى ما يسمو إليه؟ الموت يأتي بغتةً، والقلب صندوق العمل، من أخطر المشاعر أو من أخطر الأوهام: أن تتوهم أن الوقت طويل، الوقت يمضي سريعاً .
أنا حينما كنت أذكر لكم كثيراً, رجلاً جلست معه ساعة, حدثني فيها عن عشرين سنة قادمة عن خططه، وفي المساء قرأت نعيه على الجدران .
حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحب التائبين، حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يتوب علينا، حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى أشد فرحًا بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد، لا شك أن التوبة تغدو إحدى أهم وسائل النجاة من عذاب الله عز وجل .
التوبة تجلب الراحة:
سبحانك يا رب، الإنسان إذا تاب, من كرم الله عز وجل: أنه يلقي في روعه أنه قبل توبته، يشعر براحة كبيرة جداً .
أيها الأخوة الكرام, إن الراحة التي يشعر بها التائبون من الصعب أن توصف، والله كأن جبالاً أزيحت عن صدره، كأن كابوساً تحرر منه، كأن ضيقاً خرج منه إلى فضاء الله عز وجل، فالتائب يكون الله معه .
أنا أقول دائماً: الذي يشدك إلى الدين, ليس لأن الدين قدم لك تصورًا صحيحًا للكون والحياة والإنسان، الفكر في الدين رائع، والدين يعطيك تصورًا متناسبًا منسجمًا، فكل شيء في الدين له تفسير، أما لو جلست مع أهل الدنيا فيوجد تفوق بجانب، لكن يوجد خلل بجانب آخر، ويوجد أحياناً تناقض فيما يتصورونه، لكن منهج الله عز وجل، والعقيدة التي تستشف من كتاب الله وسنة نبيه, تؤكد أن هناك تناسقًا بين مخلوقات الله، أما من دون إيمان بالله ينشأ تناقض، وتتفجر أسئلة ليس لها جواب .
الشيء الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أشد فرحًا بتوبة عبده من الضال الواجد، أحياناً عندك وصل لخمسمئة ألف ليرة، وقال لك المدين: أين الوصل حتى أعطيك المبلغ؟ فإن لم تأت بالوصل, فلا شيء لك عندي، حينما تعثر عليه, يكون فرحك أشد من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد .
كتوجيه: أنت حينما -لا سمح الله ولا قدر- تقع في الذنب مرة ثانية, تشعر أن التوبة أصعب، لكن ما الذي يسهلها؟ أن تعمل عملاً صالحاً يرمم هذا الذنب، لقوله تعالى:
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾
[سورة هود الآية: 114]
وعَنْ مُعَاذٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لَهُ:
((يَا مُعَاذُ، أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))
فلذلك: إذا وقع الإنسان في الذنب مرة ثانية, فعليه أن يضيف إلى التوبة الصدقة، فإن كان لا يملك مالاً, فعليه أن يضيف إلى التوبة الصيام، لا بد من شيء يرمم هذه السقطة الثانية. علامات العزم على ترك الذنب :

أيها الأخوة الكرام, العزيمة الصادقة، أو العزم على ترك الذنب له علامات، من هذه العلامات:
الشيء الأول: أن يكون المرء بعد التوبة خيراً مما كان عليه قبلها، أي أن يجد هناك فرقًا واضحًا جداً بين حاله بعد التوبة وحاله قبل التوبة .
الشيء الثاني: أن يبقى الخوف مصاحباً للإنسان، الخوف علامة تعظيم الله عز وجل.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((أشدكم لله خشية أنا))
وقال عليه الصلاة والسلام: ((رأس الحكمة مخافة الله))
فالخوف يصاحب التائب، لعل الله قبله، أو لعل في التوبة خللاً, يدعو إلى عدم قبوله، فهذا القلق قلق مقدس .
الشيء الثالث: أن يظهر أثر هذا العزم بالتواضع بين المؤمنين والانكسار والخشوع .
أنا حينما أقول: تواضع، انكسار، خشوع، أعني به بين المؤمنين، لأن المؤمنين يقدِّرون هذه المشاعر، بينما عند أهل الدنيا ينبغي أن تظهر قوة، وأن تظهر عزة .
ورد هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام, حينما وجد صحابياً كريماً, يتبختر في مشيته قبيل المعركة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن هذه المشية يكرهها الله ورسوله إلا في هذا الموطن))
إذا كان هناك ذنوب تعلق بها حقوق العباد, فهذه الذنوب لا تغفر إلا أن تؤدى الحقوق ، وأكبر وهمٍ يتوهمه المسلمون: أنهم إذا حجوا بيت الله الحرام، أو جاء رمضان وصاموه, وقاموا ليله إيماناً واحتساباً, تغفر لهم كل الذنوب، نقول: تغفر لهم كل الذنوب التي كانت بين العبد وربه، أما التي بين العباد: فهذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة .
كن في مجتمع المؤمنين ولا تكن في غيره :

حينما قال الله عز وجل:

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
[سورة النساء الآية: 97]
هذه البيئة، فإذا كان الإنسان في أرض، أو كان في مجتمع، أو كان في بيئة, حالت بينه وبين عبادة الله, فينبغي أن يغادر، فإن لم يغادر, فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إذاً: لعل في التوبة خللاً، ولعل أخطر شيء في التوبة: أن تكون بين المؤمنين، فمجتمع الإيمان يعينك على الطاعة، بينما مجتمع آخر قد يدعوك إلى الطاعة .
من آثار الصحبة الفاسدة :
شارب خمر ذهب إلى بيت الله الحرام، وتاب توبةً نصوحًا، وعاد إلى بلده، فتابع السهر مع أصدقائه الشاربين، بعد أسبوعين أو ثلاثة, قال له أحدهم: اشرب، قال: أنا تبت إلى الله، وحججت بيت الله الحرام، قال له: كم كلفتك الحجة؟ قال له: مئة ألف، قال: هذه مئة ألف، فشرب .
هناك إنسان آخر عنده مطعم يبيع الخمر، أيضاً حج بيت الله الحرام، وتاب توبة نصوحًا، فلما عاد, وجد الغلة إلى العشُر، أصدقاؤه المتفلتون عنّفوه على توبته، فعاد إلى بيع الخمر، وبعد اثني عشر يوماً توفاه الله، توفاه الله وهو يبيع الخمر، فالصحبة الفاسدة تحول بينك وبين التوبة .

أيها الإخوة, أمّا حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ, فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
فهذا الحديث إذا أخذ على ظاهره فهناك مشكلة كبيرة، كأن الحديث يشير إلى أن المؤمن من صفاته أنه يشعر بذنبه، وذنبه كالجبل الجاثم على صدره، وذنب المنافق كالذبابة، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا؛ أي إن لم تشعروا بذنوبكم لذهب الله بكم، ففي حالة موت القلب لا يشعر الإنسان بالذنب، وعلامة صحوة الإنسان وحياة القلب أنه يشعر بذنبه .
خاتمة القول :
أيها الأخوة الكرام, لا شك أن موضوع التوبة عولج بشكل مفصل جداً في دروس كثيرة، وفي خطب، وفي دروس مدارج السالكين، لكن هنا يقتضي درس العقيدة: أن نؤكد أن العقيدة الصحيحة ليست فيما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك فيما ينبغي أن تكون، فالذي لا يتوب, ففي عقيدته خلل، والذي لا يراقب نفسه, في عقيدته خلل .








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:33 AM   #29


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( الثامن و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 8 ) المراقبة والاستقامة



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من لوازم الإيمان بالله وتوحيده :
1-أن تراقبه :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الثامن والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، والموضوع اليوم: من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين، وألح وأكرر: أن دروس العقيدة ليست أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، ولكن أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، وما ينبغي أن تكون عليه بناءً على هذه العقيدة، جانب ينبغي أن تعتقده، وجانب ينبغي أن تكون عليه، وحينما أهمل الجانب الثاني في دروس العقيدة, فإني أهمل بذلك شطر الإيمان، ينبغي أن تقول: الله واحد، وينبغي أن تتجه إليه وحده .
المراقبة في الحقيقة مقام كبير، أن تراقب الله، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام، سماه مقام الإحسان .
((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
ماذا نستنبط من هذا الحديث؟ :
أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه، وهو عبد الله بن عباس، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
((كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا, فَقَالَ: يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))
أي أن الأمر كله بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . من أنواع المراقبة :
1-مراقبة القلب :

الشيء الأول: أن تراقب قلبك، سيدنا عمر قال: تعهد قلبك، القلب بيت الرب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري، أفلا طهرت منظري ساعة؟ .
لذلك: هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محتم، ولا يستحي من الله .
لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها: أن تراقب قلبك، هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب .
((احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ))
2- مراقبة اللسان :

أيها الأخوة الكرام, البند الثاني: مراقبة اللسان، القلب ساكت، هناك خواطر لا ترضي الله، وهناك خواطر فيها معاص، وخواطر فيها حقد، وخواطر فيها حسد، وخواطر بها تشفٍّ، وخواطر فيها قيد، راقب قلبك، إذا أحسنت مراقبة قلبك راقب لسانك، قال:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 5]
عَنْ بلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ, صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]
تعليق :
مرة قرأت في مجلة تعليقًا: أنك أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، يعني ما من كلمة تسفه الأخلاق كهذه الكلمة، لماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، ولماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، هذه الكلمة الذي كتبها, قد لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .
ما محور هذه الأحاديث؟ :
أيها الأخوة الكرام, مراقبة اللسان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((سمعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ, لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَمَتَ نَجَا))
[أخرجه الترمذي في سننه]
عن شقيق قال:
((لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا, ثم قال: يا لسان قل خيراً تغنم ، اسكت تسلم, من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن, هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟ قال : لا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه))
أيها الأخوة الكرام, شيء آخر: ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته))
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَةُ: خولة إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكلمته فِي جانب الْبَيْتِ, ومَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا, وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ, إِلَى آخِرِ الآيَةِ﴾))
[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]
قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
[سورة غافر الآية: 19]
من علامة النفاق :

أيها الأخوة الكرام, المراقبة الأولى: مراقبة القلب، تعاهد قلبك، أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى:

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾
[سورة التوبة الآية: 50]
إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق، لو لم تفرح ارتحت، ما تكلمت ولا كلمة، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك، فهذا علامة النفاق، هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في حسد، في غيرة ، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط، والصحابة الكرام ومعهم خير الأنام، وفي معركة فاصلة في حنين, قالوا: لن نغلب من قلة، اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل .
ما ينبغي أن تفعله :
أيها الأخوة, أما اللسان فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ, أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، قالت عائشة عن صفية: ((إنها قصيرة يا رسول الله، قال: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))
3- مراقبة الجوارح :
ثالثاً: مراقبة الجوارح، مراقبة العين، قال تعالى:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
[سورة غافر الآية: 19]
قال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 218-219]
لذلك أفضل إيمان: أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد.
أيها الأخوة الكرام, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال:
((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإن غَيْرَةُ اللَّهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
هذا بند ثالث: مراقبة الجوارح، هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ هل تستمع هذه الأذن إلى أغنية؟ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟ مراقبة القلب أولاً، ثم مراقبة اللسان ثانياً، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً . 4- مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر :

الآن: مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر، اتق الله حيثما كنت؛ في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته ، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر, فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك .
كثير من المسلمين أو المسلمات في بعض البلاد, لمجرد ركوب الطائرة, يخلعون كل شيء، وبدت امرأة متفلتة، محجبة فقط في بلدها، لأن هناك مراقبة شديدة، هذا دين جغرافي، دين جغرافي، في بلدك دين, أما إذا سافرت ينتهي كل شيء .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
من التطرف في الدين :
أحياناً يكون ثمة تطرف في الدين، يضغط، في الضبط ضبط المشاعر والجوارح مع المرأة جيد، لكن كسب المال فيه كسب حرام، وأحياناً الدين يضبط في الكسب الحلال، وفي التعامل مع الناس، أما مع المرأة ففيه تساهل كبير جداً، أحياناً الضبط فقط في العبادات، لا بد من ضبط شمولي؛ أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك ، وأن تراقب كسب المال .
قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان, لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام؟ وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وإن أطيب الكسب كسب التجار, الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا .
في بعض الأحاديث, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى, وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ, وَيَحْلِفُونَ, وَيَأْثَمُونَ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
أضع بين أيديكم المجالات التي ينبغي أن نراقب الله فيها، القلب مجال، اللسان مجال، الجوارح؛ سمع، بصر، يد، رجل مجال، كسب المال مجال، الخلق والسلوك والمشاعر مجال .
5- مراقبة الله في القوة والعافية :
الآن: مراقبة الله في القوة والعافية، أنت قوي شاب، كنت في تعزية، الآن رجال ينتظرون المصعد، أما الشاب فهبط إلى الطابق الأرضي بشكل لا يصدق، شاب في مقتبل الحياة، القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله .
هذه همة الشاب الطائع لله عز وجل :
كنت مرةً في الحج، والله ما غبط من الحجاج إلا الشباب، شاب نشأ في طاعة الله, يطوف بهمة عالية، ويسعى، ويخدم الحجاج، يقول الله عز وجل:
﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾
[سورة القصص الآية: 24]
سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح .
احذر أن تقع في هذه الآفة الخطيرة :

أحياناً مع القوة, والشباب, والوسامة, والجمال, والأناقة, والغنى, ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام, فقال:

((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب))
أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس . ((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب))
انظر إلى أدب هذا العالم مع ربه :
عالم جليل توفاه الله عز وجل, اضطر لإجراء عملية في بريطانيا، وانهالت الرسائل بشكل عجيب، إلى أن أقيم معه ندوة في الإذاعة البريطانية، سئل: ما هذا المقام الذي حباك الله به؟ فاعتذر، فلما ألح عليه بالسؤال, أجاب إجابة رائعة، قال: لأنني محسوب على الله، كلمة محسوب ما فيها كبر، ولا فيها عجب، فيها تواضع، لكن أنا محسوب على خالق الأكوان، لأنني محسوب على الله .
أنا أستمع أحياناً من كبار العلماء, أنني أنا طالب علم، أرى هذه الكلمة فيها أدب جم، أنا طالب علم، نحن معاشر العلماء، ما هذا الكلام؟ قل: أنا طالب علم، أنت طالب علم، قال تعالى:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
[سورة النساء الآية: 113]
6- مراقبة الله عز وجل في الوقت :

الآن: هناك مراقبة من نوع آخر، مراقبة الله عز وجل في الوقت، أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف حقير، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً، الآن لاحظ أكثر احتفالاتنا الأكابر يأتون بعد ساعة، ترى الاحتفال ثلاث ساعات، لمَ لا يكون ساعة ونصفًا؟ الكل يحضرون بأول الاحتفال، لا يمتد ثلاث ساعات، ليس ثمة إنسان عنده وقت، يحضر ثلاث ساعات، يأتي إما في الأول، أو في الأخير، أنت اجعل وقتًا محددًا، ساعة ونصفًا، الكل يأتون، كثير من الحالات فيها تضييع وقت .

من الوقائع :
مرة نزلت إلى طريق الصالحية الساعة العاشرة والنصف، لا يوجد محل فاتح، لا ترى حركة، الحركة في الشام لا تتم قبل الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، في غير بلادنا الساعة الخامسة فجرًا، لا تجد مكانا في الطريق، امتداد الوقت يضيع بلا ثمن، أنت وقت ، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.
اعلم أنك سوف تسأل يوم القيامة عن هذه الأشياء :
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))
النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين, قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
[سورة الحجر الآية: 72]
العلماء الكبار تركوا مئات المؤلفات، أما الناس بتفاهة ما بعدها تفاهة, لا يعملون ولا يقدمون، إلا أنه يستمع، ويشاهد، ويعلق، وله موقف سلبي دائماً .
قف هنا :
أنا في الخطبة ذكرت, أنه من أدق معاني الهجرة: أن تكون إيجابياً، السلبية, والتلقي, والانسحاب, وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين, هذا سلبية خطيرة .
((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))
هذه الأسئلة مسربة، تفضلوا، الأسئلة التي سوف تسألون عليها يوم القيامة سربت . قصة تائب :
مرة أخ يعمل في أعمال لا ترضي الله أبداً، طبعاً قبل أن يكون أخاً لنا، لكنه تاب عقب مرض، والمرض ألح عليه حتى أماته، لكن يقول لي: والله أشعر أنني أكاد أموت ندماً على هذا العمر المديد الذي أمضيته في المعاصي، أنا لا أغبط إلا شابًا نشأ في طاعة الله، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فيه سمو، فيه رقي .
((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِم؟))
2- من لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة :
هذه المراقبة، أما الاستقامة أيضاً؛ فمن لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة .
أيها الأخوة الكرام, الاستقامة تشمل صحة فهم الدين .
ابن عمر دينكَ دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
سيدنا أبو بكر قال: الاستقامة ألا تشرك بالله شيئاً .
سيدنا عمر قال: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب .
سيدنا عثمان قال: استقاموا أخلصوا العمل لله .
سيدنا علي قال: استقاموا؛ أدوا الفرائض .
تعريف الاستقامة :

الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين: هي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، والاستقامة فضلاً عن صحة العقيدة الثبات على الحق، أول مجال أن تأخذ عقيدتك عن الذين استقاموا، أن تصح عقيدتك، والاستقامة أن تثبت على ما أنت عليه .
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا, لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ, وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ, قَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ))
شيء آخر: أنه مع الاستقامة لا بد من المقاربة، سددوا وقاربوا، هذا رد على الغلو في الدين، ورد على التشدد، ورد على التطرف، ورد على المبالغة، سددوا وقاربوا.

من جوانب الاستقامة :
ومن جوانب الاستقامة: الاستقامة في القول والعمل، أول استقامة صحة العقيدة، ثاني استقامة الثبات على هذا الدين والاستمرار، وإن الله يحب من الأعمال أدومها وإن قلّ، وكان عمله ديمة .
والمعنى الثالث: استقامة في القول والعمل .
الآن: الاستقامة يمكن أن تكون في علاقتك مع الله، ويمكن أن تكون في علاقتك مع العباد .
ما مضامين هذه الأحاديث؟ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((لَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَنَاجَشُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا, الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ, وَلَا يَخْذُلُهُ, وَلَا يَحْقِرُهُ, التَّقْوَى هَاهُنَا, وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ, أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ]
في رواية أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ, فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا تَجَسَّسُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ]
كما أمركم الله .
وفي رواية أخرى: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقَاطَعُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
ويوجد رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَهَجَّرُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حبة مِنْ كِبْرٍ, فقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ, الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس))
[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]
أن ترد الحق، و أن تظلم الناس، هذا هو الكبر .
خلاصة القول:
أيها الأخوة, المراقبة والاستقامة من لوازم الإيمان، لعلي ألححت أكثر مما يجب: على أن العقيدة الصحيحة ليست أن تعلم ما ينبغي، لكن العقيدة الصحيحة الكاملة أن تعلم ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون؛ من استقامة، ومن توكل، ومن توحيد، ومن مراقبة، ومن أعمال صالحة، دائماً اسأل نفسك: أين أنا من صفات المؤمن الناجي؟ .
أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام:
((إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم))
وروعة هذا الدرس: أن ينقلب إلى سلوك، إلى سمت حسن، إلى صمت واع، إلى نطق بذكر الله، أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة, أي لا يكون المسلم مسلماً, إلا إذا كان متميزاً بأخلاقه، وسمته، وهيبته، وسكونه . من أسئلة السائلين :
السؤال الأول: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ :
أخ كريم يسأل: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ .
الجلوة وأنت بين الناس، والخلوة وأنت وحدك، فإذا إنسان بين الناس أتقن صلاته, وحده لم يتقن صلاته, إذاً: يوجد نفاق، إذا بين الناس غض بصره, وإذا كان وحده بحلق بصره, هذه مشكلة كبيرة, معنى هذا يوجد نفاق، بين الناس بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين دائماً، أما وحده يأكل كالبهائم، الذي تختلف جلوته عن خلوته يوجد علامة نفاق، أما إذا كانت خلوتك كجلوتك, وسرك كعلانيتك, وظاهرك كباطنك, فهذا مظنة صلاح إن شاء الله .
السؤال الثاني: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ :
يقول: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ .
أولاً: لا يحاسب، لكن يوجد كلمة قالها مرة طبيب أعجبتني، كنت في أمريكا, قال لي مرة طبيب: هذا العمل كبير صغير؛ صغير إذا لحقته, وكبير إذا أهملته, خاطر كبير صغير إذا تابعته وقصمته, لا يوجد مشكلة أبداً، لا تحاسب إلا على العمل، أما خاطرة، تابعت الخواطر أصبحت فكرة، تابعت الخواطر أصبحت شهوة، تابعت أصبحت همة، تابعت أصبحت إرادة، تابعت أصبحت عملاً، تابعت أدمنت عليه:
﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
[سورة الحديد الآية: 16]
الخواطر كبيرة صغيرة؛ إن تابعتها صغيرة، إن أهملتها كبيرة .





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-02-2018, 06:36 AM   #30


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة الاسلامية من مفهوم القران والسنة

الدرس : ( التاسع و العشرون )

الموضوع : مستلزمات التوحيد ( 9 ) الحياء





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
بماذا يتعلق موضوع الدرس اليوم؟ :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في موضوعات العقيدة، ومع الدرس التاسع والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، والشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً, هو أن العقيدة الإسلامية ليس ما ينبغي ما تعتقد فحسب، بل هو ما ينبغي أن تكون عليه في حال مع الله، وقد مرت معنا بعض المقامات التي يمكن أن تكون معياراً لسلامة عقيدتك .
واليوم الموضوع متعلق بالحياء، إذا صحت عقيدتك كنت حيياً، إذا دخلت على عظيم, وكنت منضبطاً, ومهذباً, ومستحياً منه, فهذا دليل معرفتك به، أما إذا كنت متطاولاً، ولست مستحياً, فهذا دليل عدم معرفتك به، ففي هذه الدروس إن شاء الله, لا نفرق أبداً بين ما ينبغي أن تعتقد, وما ينبغي أن تكون عليه .

الحياء من الله ثمرة يانعة من فهمك :
أيها الأخوة الكرام, الحياء ثمرة يانعة من فهمك, لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
[سورة النساء الآية: 1]
لاحظ نفسك إذا كنت في حضرة إنسان, ممن تجلّه أو تحترمه, فإنك تضبط كلامك، تضبط هندامك، تجلس جلسةً مؤدبة، تنطق بكلام مضبوط، هذا مع إنسان تظنه عظيماً، فكيف مع خالق الأكوان؟ فالحياء ثمرة يانعة لإدراكك الصحيح, لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
[سورة النساء الآية: 1]
وأفضل إيمان المرء: أن يعلم أن الله معه حيث كان، وثمرة أخرى لمن يفهم حقيقة هذه الآية:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
[سورة غافر الآية: 19]
لو أن عينك شردت إلى إلقاء نظرة لا ترضي الله، واللهُ يعلمها، فحينما تضبط بصرك إلى درجة تعلم فيها أن الله يراك, إذا اختلست نظرةً لا ترضيه, فهذا دليل حيائك من الله، والحياء ثمرة يانعة بفهمك الدقيق, لقوله تعالى:
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾
[سورة العلق الآية: 14]
أنواع الحياء :
1-حياء الإجلال والتعظيم :
أيها الأخوة الكرام, الحياء أنواع، يقع في رأسها حياء الإجلال والتعظيم .
ففي الصحيحين: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ, وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ))
عالج موضوع الإيمان، لأنه لو آمن لاستحيا، وهذا سر إدخال هذا الموضوع في دروس العقيدة، لو انه آمن بالله حق الإيمان لاستحيا من الله .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ, أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ))
قال بعضهم: من استحيا من الله مطيعاً, استحيا الله منه وهو مذنب، يعني إذا كنت مطيعاً له وأنت في الطاعة تستحي منه، فلو أنه -لا سمح الله- زلت قدمك, فالله سبحانه وتعالى يستحي منك، وأنت مذنب .
حياء الإجلال لمقام الله وعظمته، لأنه يراك، لأن قلبك منظره فتستحي منه .
2-حياء التقصير وتعظيم الجناية :
وهناك نوع آخر من الحياء، وهو حياء التقصير وتعظيم الجناية .
أيها الأخوة الكرام, من صفات المؤمن أنه يلوم نفسه دائماً، قال تعالى:

﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
[سورة القيامة الآية: 1-2]
المؤمن الصادق دائماً يتهم نفسه، لا يحابيها أبداً، هذا الحياء الثاني، حياء التقصير وتعظيم الجناية .
ما قيل حول هذا الجانب من الحياء حياء التقصير :
يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 201]
يدرك حقيقة التقصير في جانب عظمة الله عز وجل، يقول الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير معاً، ترى عظمة الله، وترى عظم الجناية في حق الله، فلا بد من هاتين الرؤيتين معاً، ترى الله، وترى تقصيرك في حقه .
الإمام الفضيل رحمه الله تعالى قال: خمس من علامات الشقوة؛ قسوة في القلب، وجمود في العين، وقلة حياء، ورغبة في الدنيا، وطول أمل، هذه كلها من علامات الشقاء في الدنيا والآخرة .
هذا الحياء؛ حياء التقصير وتعظيم الجناية, يمثله الملائكة الكرام الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، حتى إذا كان يوم القيامة، ورأوا من آيات الله ما لم يروا, شعروا بالتقصير ، فقالوا: سبحانك يا رب ما عبدناك حق العبادة .
أيها الأخوة الكرام, الحياء الثاني حياء التعظيم مع التقصير معاً، أسميه تجاوزاً حياء التقصير، الأول حياء الإجلال .
أمرٌ دقيق: ما لم تشعر بهذه المشاعر، ما لم يكن قلبك مفعماً بهذه الأحوال, فهناك خلل في الإيمان .
3-حياء الكرم والإحسان :
نوع آخر من الحياء، هو حياء الكرم والإحسان، الإنسان إذا أعان إنساناً، والذي أعانه خجل، وتطامن أمامه، وتضعضع أمامه، فأنت كإنسان كريم جداً, تستحي منه إذا تضعضع لك، وهذه علامة إيمانك، أما إذا كان الإنسان -والعياذ بالله- لئيمًا, ينتعش حينما يتضعضع أمامه إنسان، وحينما يذل أمامه إنسان، أما الكريم فلا ينتعش، بل يستحي من الله عز وجل، فهناك إنسان بعيد عن الله، متأله، كأنك تطربه إذا تضعضعت أمامه، ينتشي، يزداد استعلاءً، يستمتع بخضوع الناس له، أما المؤمن فبالعكس .
بم يخص هذان الدليلان من السنة؟ :
دخل على النبي عليه الصلاة والسلام رجل فأصابته رعدة، قال عليه الصلاة والسلام:
((هوّن عليك, إنما أنا ابن امرأة من قريش, كانت تأكل القديد بمكة))
هذا حياء الكرم والإحسان، فهل ترضى أن يخضع الناس لك؟ أن يتذللوا لك؟ لا ترضى، لا والله ، فمما يؤكد إيمانك أنك لا ترضى إلا أن تعاملهم كأخوانك تماماً .
دليل آخر: النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في سفر، فأرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم:
((علي ذبحها، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله؟ قال: أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه))
ما يتصف به المؤمن :
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
[سورة البقرة الآية: 262]
لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى، كذلك كان السلف الصالح، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((اليد العليا خير من اليد السفلى))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ]
كان يدع الصدقة في يد أخيه من تحت, ليجعل يد أخيه هي العليا، هذا من التأدب مع الله عز وجل، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾
[سورة البقرة الآية: 264]
أخواننا الكرام, حتى لو رأيت عاصياً، وأنت في طاعة, فيجب أن تعتقد أنه إذا تاب فقد يسبقك، لا يوجد أبداً استعلاء في الدين، ولا كبر، حتى لو رأى عاصيا، فلعله يتوب، ويسرع الخطى إلى الله فيسبقه .
حياء الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها، هذا الوقح، سليط اللسان، المتجهم، هذا الإنسان بعيد عن الإيمان، الحياء من الإيمان، المؤمن حيي .
4-حياء الحشمة :
نوع آخر من الحياء: حياء الحشمة، وحياء المرء من نفسه، حياء النفوس العزيزة العالية الرفيعة التي حصلت لها من الرقة والشفافية, ما يحملها على الاحتشام والحياء، فالمؤمن في مشيته, في جلسته, في حديثه, في أخذه, في عطائه, في دخول بيته, في ركوب مركبته, في أدب، في تواضع، مقبول، أما الإنسان البعيد عن الله فمتغطرس مستعل، لا يحتمل ، ولو بقي ساكتاً، لذلك هذا الحياء حياء الحشمة يتأتى من صحبة الصالحين، كان ثمة مصطلح فلان ابن طريق، وفلان ابن الطريق، وشتان بين الاثنين، واحد طُرُق الإيمان ربّته على الحياء والأدب .
الحقيقة: أن الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن ليست عباداته، بل معاملاته، بل أحواله مع الناس .

انظر إلى هذا القول لأحد العلماء :
وفي الحديث الذي روي مرفوعاً: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ؛ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ, فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ))
أحد العلماء يقول: إن الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزهد والورع, وإلا رحلا .
يتناسب مع الحياء والأنس أن يكون المرء زاهداً ورعاً، فإذا لم يكن هناك زهد ولا ورع, فربما ذهب الحياء، وأحياناً الإنسان المتزوج, ووالد الزوجة موجود, يحلو له أن يخوض في علاقات زوجية، يحدث عن العلاقات الزوجية، وعن، وعن، ولا ينتبه أن الأب موجود، وأن هذه ابنته، طبعاً كلام مشروع، لا يقول كلامًا غير مشروع .
سيدنا علي قال: كنت رجلاً مذاءً، يعني كثير المذي، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته، فسأل، فقال:
((توضأ واغسل ذكرك))
يعني استحيا أن يسأل النبي عن قضية متعلقة بالزواج وابنته زوجته . ما مصدر الحياء؟ :
أيها الأخوة الكرام, الخلاصة: أن الحياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه، فإن العبد متى علم أن الله عز وجل ناظر إليه, أورثه هذا العلم حياء منه, يحمله على احتمال أعباء الطاعة، ومجاهدة النفس، واستقباح الجناية، هذا طعم من طعوم العبودية لله عز وجل، وثمة مثل يقال دائماً: أين الثرى من الثريا؟ فالمؤمن الحيي له مقام كبير عند الله وبين الناس .
ما الفرق بين الحياء والخجل؟ :
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
((سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ الْعَدَوِىَّ يُحَدِّثُ, أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيَّ يُحَدِّثُ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ, فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً, فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ))
لكن لا بد من التفريق بين الحياء والخجل، الحياء فضيلة، بينما الخجل مذمة، الخجل أن تخجل من الحق، معك الحق تكلم، الخجل أن تخجل أن تطالب بحقك، أن تخجل أن تأمر بالمعروف، أن تنهى عن المنكر، الخجل أن تخجل أن تنطق بكلمة الحق، هذا خجل، والخجل مذمة ومرض، بينما الحياء أن تستحي أن تعصي الله عز وجل، فالحياء لا يأتي إلا بخير . ما المعنيان المتعاكسان لهذا الحديث؟ :
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال:
((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأولى, إِذَا لَمْ تَسْتَحْ فَافعل مَا شِئْتَ))
[أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود في سننه]
هذا الحديث له معنيان متعاكسان، المعنى الأول: ما دام الحياء غير موجود, فلا قيمة إطلاقاً, لكل أفعالك، لأن أفعالك لا تشف عن إيمان .
المعنى الثاني المقبول: أنه إذا لم تستحِ من الله عز وجل فاصنع ما شئت، ولا تعبأ بكلام الناس، أحياناً يكون الإنسان من المصلحة الراجحة أن يتزوج بامرأة ثانية، لكن في معظم المجتمعات مرفوض رفضاً قطعياً الزواج بامرأة ثانية، مرفوض رفضاً اجتماعياً، فهو قد يعصي الله، وقد تزل قدمه, حفاظاً على مكانته الاجتماعية، لا نقول لك: الزوجة الثانية مسموح بها عند تحقيق الشروط الشرعية، فإذا لم تستح من الله في هذا الزواج الثاني فاصنع ما شئت، أما أن تستحي من الناس، وأن تعصي الله فيما بينك وبينه, حفاظاً على مكانتك, فهذا شيء غير مقبول .
المعنى الثاني أشار له بعض العلماء حين قال: انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله .

من ثمار الحياء :
1-المعية :
أيها الأخوة الكرام, من ثمار الحياء المعية، الذي يستحي من الله, يكافئه الله عز وجل, أنه يجعله في معيته، وهل من معية أعظم من معية الله عز وجل؟ .
روى الإمام أحمد, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قال:

((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ ربكم حَيِيٌّ كَرِيمٌ, يَستَحي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ, أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))
[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]
من حياء الله لهذا الإنسان: أن هذا الإنسان إذا رفع يديه إلى الله, يستحي الله جل جلاله أن يردهما صفراً خائبتين، إذاً: جعلك في معيته، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد الآية: 4]
قالوا: هذه معية عامة، يعني معكم بعلمه، لكن المؤمنين لهم معية خاصة، فإذا قال الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾
[سورة النحل الآية: 128]
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
[سورة البقرة الآية: 153]
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 69]
هذه معية خاصة، والمعية الخاصة هي معية التوفيق، ومعية النصر, والتأييد، والحفظ ، فإذا استحققت توفيق الله, وتأييده، وحفظه, فأنت في المقام الأرفع .
أول ثمرة من ثمار الحياء من الله: أنك تكون في معية خاصة؛ معية التأييد والحفظ والنصر والتوفيق .

ما معنى أن الله يتردد في هذا الحديث؟ :
وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ, وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))
أرأيتم إلى هذا المعنى، ما معنى أن الله يتردد؟ أي أن هذا العبد المؤمن الذي أمضى حياته يستحي من الله, عبر الله عن محبته لهذا العبد، وعن حرصه على سروره وسعادته, أنه إذا أراد قبضه, يتردد الله عز وجل في قبض نفسه . هذا منظار المؤمن :
الحقيقة أيها الأخوة:
((مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا))
يعني لا يسمع إلا وفق منهج الله، ولا يرى الدنيا إلا من منظار المؤمنين، كيف؟ قد يحترم إنساناً دخله محدود جداً، لكنه شريف، ولا يحترم إنساناً غنياً جداً، لكن دخله مشبوه، قد يحترم إنساناً في الدرجة الدنيا من المجتمع، لكنه مؤمن، وقد لا يحترم إنساناً في درجة عليا في المجتمع، لكنه فاسق، فهو ينظر بنور الله، يسمع وفق منهج الله، لا يحرك يديه إلا بالحق، ولا يمشي إلا لخير .
أيها الأخوة, هذه ثمرة من ثمار الحياء، أنك في معية الله، وإذا كنت في معيته, فأنت في حرز حريز .
2-القرب من الله :
الثمرة الثانية: القرب من الله عز وجل، قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
[سورة البقرة الآية: 186]
كما تعلمون: هذه الآية الوحيدة من مجموعة آيات تزيد على عشر آيات، قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾
[سورة البقرة الآية: 219]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
[سورة البقرة الآية: 219]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾
[سورة البقرة الآية: 222]
بين كل سؤال وجواب كلمة قل، إلا في هذه الآية، فإنه ليس هناك كلمة قل، إشارةً إلى أن العبد إذا دعا الله عز وجل, ليس هناك جهة تكون بين الله وبين عبده .
دقق في معنى هذه الأحاديث :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات على طهارة, بات في شعاره ملك, فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والبزار في مسنده, وابن حبان في صحيحه]
مؤمن ينام طاهراً، ويستيقظ طاهراً .
وفي حديث آخر:
((ما من مسلم يبيت طاهراً, فيتعار من الليل -أي يستيقظ من الليل- فيسأل الله من خير الدنيا والآخرة, إلا أعطاه الله إياه))
وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً: ((إن الله ليضحك إلى رجلين؛ رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره، فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل إلى ملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك ، فيقول: إني قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف، ورجل غزا في سبيل الله, وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, فرجع حتى يهرق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا عبدي رجع رجاء فيما عندي, وشفقة فيما عندي, حتى يهرق دمه))
الله عز وجل يضحك لهذين الرجلين؛ الذي قام في الليل، والذي واجه العدو في الجهاد. خلاصة القول :
أيها الأخوة الكرام, خلاصة موضوع الحياء أنه ثمرة لمعرفة الله، وخلاصة المعية لله والقرب منه, أنه ثمرة للحياء، وأحب في هذه الدروس: أن أركز تركيزاً شديداً على أن قيمة عقيدة المسلم لا بما ينبغي أن يعتقد، بل يضاف إلى ذلك فيما ينبغي أن يكون عليه من أحوال مع الله عز وجل، وما من إنجاز أعظم من أن تأتي الله بقلب سليم، قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
[سورة الشعراء الآية: 88-89]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مفهوم, لن, الاسلامية, العقيدة, القران, والسنة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العقيدة الاسلامية - الجن والسحر السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 12 09-10-2018 01:29 PM
[ذائقة نورانية] العقيدة الاسلامية السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 68 06-21-2018 03:20 PM
طرق اسلامية من القرآن والسنة النبوية في معالجة الغضب آفراح رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 2 03-11-2017 11:41 AM
علّمي ولدك مفهوم الوقت جودي رِيَاض الأسرَة وَالطِفَل وَ أنَاقَة حَواء وآدَم 2 07-16-2014 02:32 AM
مفهوم النبوة في الإسلام منال نور الهدى رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 3 06-10-2014 12:48 AM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 11:53 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.