سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات
منال نور الهدى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) منال نور الهدى : (حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ) منال نور الهدى : (اجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً) منال نور الهدى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) منال نور الهدى : (رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-11-2018, 03:21 PM   #11


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول





بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الواحد العاشر )

الموضوع : الاتباع لا الاتباع







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاتباع :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات:" سبل الوصول وعلامات القبول" والموضوع اليوم: "الاتباع".
اتبع لا تبتدع، المعنى اللغوي للاتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، هذا المعنى اللغوي، أما المعنى الاصطلاحي يأتي في آيةٍ كريمة يقول الله عز وجل:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 157 ]
في سنته القولية، والفعلية، والإقرارية. ﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
الاتباع أن تتبع ما في القرآن الكريم من أمرٍ ونهيٍ، وما في حديث رسول الله الصحيح من أمرٍ أو نهيٍ. في الاتباع طريقان لا ثالث لهما؛ العقل أو الشهوة :
لكن مما يلفت النظر أن في الاتباع طريقين لا ثالث لهما، إما أن تتبع العقل، أو أن تتبع الشهوة، إما أن تؤثر الدنيا، أو أن تؤثر الآخرة، لذلك الإتباع الأول الخيار الأول:
﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 106 ]
ويا أيها المؤمنون اتبعوا وحي السماء. ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[ سورة الأنعام الآية:106 ]
أما الخيار الثاني: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
[ سورة النور الآية: 21 ]
الخياران معاً: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
أي الخيارات ليست واسعة جداً، إما أن تتبع الحق أو الباطل، الخير أو الشر، الآخرة أو الدنيا، المبادئ والقيم أو الشهوات والحاجات، إما أن تكون رحمانياً أو أن تكون شيطانياً، خياران لا ثالث لهما. من اتبع هواه بغير هدىً من الله ظلم نفسه وحرمها السعادة الأبدية :
لكن الفكرة الدقيقة حتمية اتباع أحد الخيارين، لا يوجد حالة ثالثة، والدليل: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[ سورة القصص الآية: 50 ]
إن لم تكن على الحق ـ لا سمح الله ولا قدر ـ فأنت على الباطل قطعاً، إن لم تتبع هدى الله عز وجل فأنت تتبع الهوى قطعاً. ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص الآية: 50 ]
كأن المعنى المخالف أنه بإمكانك أن تتبع الهوى وفق منهج الله، اشتهيت المرأة تتزوج، يأتيك أولادٌ أبرار، فتياتٌ مشفقات، يأتيك أصهارٌ خيرون.
لذلك: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
لأنه ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة القصص ]
معنى ذلك أنك إذا اتبعت الهوى بغير هدىً من الله ظلمت نفسك، وحرمتها السعادة الأبدية. أنواع أخرى من الاتباع :
1 ـ اتباع سبيل الكفار و المنافقين :
الآن هناك أنواع أخرى من الاتباع لكنها في مجموعها يصب في خانة اتباع الشيطان، من هذه الأنواع:
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة النساء الآية: 115 ]
المؤمنون لهم في أفراحهم مبادئ، لهم في أتراحهم مبادئ، لهم في بيعهم وشرائهم مبادئ، لهم في لقاءاتهم مبادئ، لهم في غَيبتهم مبادئ، هناك مبادئ وقيم تحكم المؤمنين، فالذي يشذ عنهم ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
طبعاً وقطعاً هو يتبع سبيل الكفار والمنافقين. ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾
[ سورة النساء ]
موضوعٌ خطيرٌ جداً. 2 ـ اتباع الظن :
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾
[ سورة النساء الآية: 157 ]
أي سمع أن هناك إنساناً جيناته شاذة إذاً لا يحاسب، أنت متأكد؟ كلينتون قبل أن تنتهي ولايته ألقى قنبلةً علمية هي الخارطة الجينية، قال: الجينات لا علاقة لها بالسلوك، أناسٌ كثيرون يتوهمون أن المنحرف له جينات خاصة، انطلاقاً من هذه الفكرة الواهمة الآن المنحرف يعطى شهادة، ويسترد مكانته الاجتماعية. ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾
[ سورة النجم الآية: 23 ]

هناك دليل إيماني، هل من الممكن أن الله عز وجل يبرمج الإنسان برمجة خاطئة ويحاسبه؟ هناك آلاف الأفكار لم تثبت، هي أوهام، موضوع دارون مريح، لكنه حقيقة باطلة لا أصل لها، لكنها مريحة لأنه لا يوجد حساب، لا يوجد إله، من أنواع الاتباع التي تصب في خانة الشيطان اتباع الظن، فكرة غير صحيحة لم تثبت، قرأها بكتاب وتعلق بها، أعجبته لأنها مريحة.
أي إذا أراد شخص شراء سيارة ولم يشترِ بعد، والثاني أراد شراء سيارة واشترى، سرت إشاعة أن هناك مشروع قانون بتخفيض الرسوم إلى النصف، الذي اشترى يكذب الإشاعة، من دون دليل يكذبها، والذي لم يشترِ يصدقها من دون دليل.
إذاً أنت عندك إمكانية أن تكذب شيئاً من دون دليل، وتصدق شيئاً من دون دليل، هذا هو الظن، ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾
إذاً أن تتبع غير سبيل المؤمنين اتباعاً فرعياً يصب في خانة الشيطان، إن تتبع الظن اتباعاً فرعياً يصب في خانة الشيطان. 3 ـ اتباع سبيل المفسدين :
الآن:
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
المفسدين أرادوا إظهار العورات، وتعرية المرأة، وإظهارها على الشاشة، فهناك من يطرب لهذه البرامج، ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
هؤلاء مفسدون، هؤلاء يدمرون آخرة الإنسان، دقق: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾
[ سورة هود ]
قبل أن يرحل عن منصبه قال: أنا عنيد، أكبر خطأ من أخطائي أنني لا أعترف بخطئي، وقال: أنا كل معلوماتي عن سلاح الدمار الشامل غير صحيحة.
إذاً: ﴿ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾
القوي الطاغية يخضع له الناس، اتقاءً لشره، وطلباً للمغانم، هذا اتباعٌ يصب في خانة الشيطان ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾
لذلك ورد أنه: ((سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء))
[ أخرجه الطبراني عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده]
هم يقيمون العدل لكن ليسوا على منهج النبي تماماً، أي سكنوا بالقصور وترفهوا: (( ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة ))
[ أخرجه الطبراني عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده]
يبنون أمجادهم على أنقاض الشعوب، يبنون حياتهم على موت الشعوب، يبنون عزهم على إذلال الشعوب، هؤلاء جبابرة هؤلاء أغبى خلق الله. نتائج اتباع منهج الله عز وجل :
1 ـ يخرج المسلم بالاتباع من الظلمات إلى النور :

الآن إذا اتبعت منهج الله ما النتائج؟ قال:

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 16 ]
أنت في سلام مع نفسك، مستقيم، تنام قرير العين، تشعر كأنك ملك، لا يوجد إنسان له عندك حق، لن تظلم أحداً، السلام مع نفسك، في بيتك، اخترت امرأةً صالحة، وفية، ترعاك، ترعى أولادك، ربيت أولادك تربيةً صالحة، هم أبرار، عاملت الناس بالأمانة والصدق يحبونك، ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
ولعلي اشتققت عنوان هذا الدرس سبل الوصول وعلامات القبول من: ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 16 ]
إنسان في عمى والثاني في ضوءٍ ساطع، فرق كبير. ﴿ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة المائدة ]
صراط مستقيم، يخرج المسلم بالاتباع من الظلمات إلى النور، ويهديه الله ﴿ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
2 ـ لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
ثمرة أخرى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
[ سورة طه ]
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه. 3 ـ لا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت :
الآن:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 38 ]
لا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقيَّ من سعادة الدنيا؟ لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
شيء آخر: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾
[ سورة محمد الآية: 28]
سقط عملهم ولو أنه صالح، إما أن يصبح العمل سيئاً، والله أعرف إنساناً بالثمانين بنى كازينو، ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾
أصبحت أعمالهم ساقطة، وإن كان لهم عمل طيب باتباع الشيطان سقط الأجر والثواب. الله عز وجل لم يقبل دعوى محبته إلا بالدليل :
الآن الله عز وجل لم يقبل دعوى محبته إلا بالدليل قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 31 ]
ما قبل دعوى محبته إلا بالدليل، والذين قالوا: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18 ]
بماذا ردّ الله عليهم؟ قال: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18 ]
وإذا قال المسلمون اليوم: نحن أتباع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الرد الإلهي جاهز:
﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18 ]
وازن، أحياناً إنسان بوظيفة دخلها مرتفع، وبتجارة دخلها معتدل، قريبان من بعضهم، لكن إن قارنا بين إنسان يتمتع في بيت مع أهله وأولاده، وإنسان بالسجن، مسافة كبيرة جداً. الموازنة بين المتبع وبين غير المتبع :

اسمع الموازنة بين المتبع وبين غير المتبع:
﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
[ سورة آل عمران ]
المسافة كبيرة جداً، إنسان في النور، إنسان في الظلام، إنسان في النار، إنسان في الجنة، إنسان في التوفيق، إنسان في التعسير، إنسان في السعادة، إنسان في الشقاء، ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
الآن: ﴿ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾
[ سورة يونس الآية: 15 ]
الذين آمنوا بالدنيا، وكفروا بالآخرة: ﴿ ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا ﴾
[ سورة يونس الآية: 15 ]
في تشديد، في تزمت، في تضييق. ﴿ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾
[ سورة يونس الآية: 15 ]
الآن أعلى إنسان في الكون، سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم قال: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾
[ سورة يونس الآية:15 ]
إنما أنا متبع قال سيدنا الصديق: ولست بمبتدع. ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة يونس ]
مثل بهم يا رسول الله كما مثلوا بعمك، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً، عدل. ﴿ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 56 ]
الآية التالية هي محور التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين :

أما الآية التي هي محور التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 73 ]
أي الطرف الآخر لا يوجد عنده مانع، تنشئ مساجد، تعمل احتفالات، تعقد مؤتمرات، كله سهل، لكن المنهج التفصيلي يريد أن تبدله، أما الفلكلور لا يوجد عنده مانع أبداً، بالعكس، بأكبر مكان يحارب فيه الإسلام هناك مظاهر إسلامية صارخة. ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء ]
العلاقات تطبع ساعتئذ، تطبيع علاقات ﴿ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء ]
﴿ إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 75]
أي جهود العالم الغربي مع المسلمين وفق هذه الآية، ﴿ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
القرآن ثابت فالتف الآخر عليه بالفتاوى أو بإلغاء السنة أو بالتأويلات الباطلة :

الآن القرآن ثابت، التفوا عليه بالفتاوى، التفوا عليه بإلغاء السنة، التفوا عليه بالتأويلات الباطلة.
﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 130 ]
أما إذا كانت النسب قليلة فلا مانع من ذلك، فالالتفاف كان بالتأويل، أو التفاف بالفتاوى، أو التفاف بإلغاء السنة، الهدف ﴿ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[ سورة يوسف الآية: 108 ]
﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾
[ سورة إبراهيم الآية: 36 ]
على الإنسان أن يكون مع الأقلية المؤمنة لا مع الأكثرية الشاردة :

والأمر الإلهي لنا جميعاً:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
[ سورة الكهف ]
إياك أن تستشير إنساناً شرد عن الله، إياك أن تستنصحه، إياك أن تأتمر بأمره: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾
[ سورة لقمان الآية: 15 ]
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
لكن لا تغتر بالأكثرية، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾
[ سورة الأنعام ]
كن مع الأقلية المؤمنة ولا تكن مع الأكثرية الشاردة، كن مع الأقلية المنضبطة ولا تكن مع الأكثرية المتفلتة. صفات الفرق الضالة :

النقطة الدقيقة أيها الأخوة، الحق واحد والباطل متعدد.
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[سورة الأنعام ]
السبل، أي الدين حينما ينحرف يؤله الأشخاص، يخفف التكاليف، يعتمد نصوص موضوعة غير صحيحة، والنزعة العدوانية، أربع صفات تنتظم كل الفرق الضالة؛ تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد نصوص ضعيفة أو موضوعة، والنزعة العدوانية، وملة الكفر واحدة من قديم الزمان إلى الآن: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ ﴾
يملؤون العين، بيت، مركبة، تجارة. ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
وهناك آلافٌ مؤلفة يقولون لك: إن سرت في طريق الإيمان تهلك، ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ ﴾
بطولة الإنسان لا أن يتبع أهل الحق حينما ينصرهم الله بل يتبعهم في ساعة العسرة

البطولة لا أن تتبع أهل الحق حينما ينصرهم الله عز وجل، البطولة أن تتبع أهل الحق في ساعة العسرة، اسمع إلى قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 117 ]
أحياناً يكون هناك حزب، أعضاؤه بالسجون، معذبون، ثم يتولى الحكم، بعد تولي الحكم يدخل في هذا الحزب ملايين، لأنه أصبح هناك مغانم كثيرة، البطولة أن تكون حزبياً وقت السجون، هذا معنى للتقريب، ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾
مع الشدة، مع الضيق، مع الخوف، أي سيد الخلق وحبيب الحق يمشي فيرى عمار بن ياسر يُعذب حتى الموت لا يستطيع إنقاذه، فيقول: (( اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة ))
[ أخرجه الطبراني عن عثمان بن عفان ]
ما بيده شيء، والحكمة البالغة أن النبي ضعيف حتى يكون الإيمان به ثميناً جداً، لو كان قوياً الكل يؤمن به خوفاً منه، أو طمعاً بما عنده، البطولة أن تؤمن بالحق والحق ضعيف، ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾
البطولة والحق ضعيف، والإسلام محارب في العالم الإسلامي كله أن تتبع هذا الدين العظيم، لكن تتبع وتنتظر بعد أيام تصبح غنياً كبيراً؟ لا. ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾
[ سورة يونس ]
الله حكم قبل شهر أو شهرين على النظام العالمي الغربي بالدمار، والله الذي حدث ليس بشيء أمام ما سيحدث، إفلاسات، انهيار أنظمة بأكملها، إفلاس شركات، إفلاس بنوك، هذه الضربة الإلهية، ﴿ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾
بطولة الإنسان أن يبتغي الرفعة عند الله عز وجل :
لكن مع الأسف الشديد هؤلاء الفقراء الذين عرفوا ربهم أكثرية في الاتباع. ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾
[ سورة هود الآية: 27 ]
الفقراء، أي موظف بسيط، بيته ستون متراً، أي يخاطب هؤلاء النبي الكريم أن هؤلاء أتباعك، النبي قال لأحد أصحابه: "أهلاً بمن خبرني به جبريل، قال: أوَ مثلي؟ قال: يا أخي أنت خاملٌ في الأرض علمٌ في السماء"، البطولة أن تبتغي الرفعة عند الله. التفسير القرآني لواقع المسلمين :
أما التفسير القرآني لواقع المسلمين:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
[ سورة النور الآية: 55 ]
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
وقد لقينا ذلك الغي، هذا التفسير الدقيق لحال المسلمين الآن، ﴿ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
مع الأسف الشديد هناك من يتوهم أنك إذا صليت، واستقمت، وحجبت زوجتك، تُدمر، من قال لك ذلك؟ تعلو عند الله. ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾
[ سورة القصص الآية: 57 ]
مستحيل وألفُ ألفِ مستحيل.
أيها الأخوة الكرام، للموضوع تتمة إن شاء الله، لكن هذا من أخطر الموضوعات، قالوا: ثلاث نصائح تكتب على ظفر: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، انفق مالك باعتدال، ابقِّ باعتدال، الورع لا يتسع، اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:24 PM   #12


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول





بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثانى العاشر )

الموضوع : الرؤيا الصحيحة للاتباع والابتداع





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من لم يتبع منهج الله عز وجل لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الاتباع كموضوعٍ أساسي في: "سبل الوصول وعلامات القبول".
الحقيقة الأولى: لو نظرتم إلى رجلٍ أُعطي من الكرامات حتى طار في الهواء، أو مشى على وجه الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وعند الحلال والحرام، وحفظ الحدود، لو أُعطيت من الكرامات ما أُعطيت لا ترقى عند الله إلا إذا رآك حيث أمرك، وإذا افتقدك حيث نهاك، عند الحلال والحرام، عند الأمر والنهي، عند حدود الله.
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
[ سورة هود الآية: 112 ]
أي ما لم تكن متبعاً لمنهج الله، ما لم تكن متبعاً ـ وفي هذين الدرسين الحديث عن الاتباع ـ لمنهج الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، يبقى الدين ثقافة، لا يقدم ولا يؤخر، ومليار وخمسمئة مليون مسلم لا وزن لهم في الأرض، كلمتهم ليست هي العليا، و للطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هذه الحقيقة المرة التي أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح. من طبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام فلن يُعذب أبداً :
بل إنه في اللغة العربية نفيٌ اسمه نفي الشأن، هذا أبلغ نفيٍ في اللغة العربية صيغته:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
[ سورة الأنفال الآية:33 ]
أي مستحيلٌ وألفُ ألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمين ما دامت سنة النبي قائمةً فيهم. ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 33 ]
أنت فيهم في حياتك لها معنى، لكن بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى لها معنى آخر، ما دام منهج النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم، ما دام هذا المنهج قائماً في حياتهم هم في مأمنٍ من عذاب الله، فإذا كانوا يعذبون ليلاً ونهاراً فمعنى ذلك أنهم هجروا هذا القرآن الكريم، وهجروا هذا المنهج القويم ،هذه الحقيقة الأولى. التجارة مع الله تجارة رابحة جداً :
الحقيقة الثانية: أنت كمؤمن قد تُتبع، أنت أب، معلم، مدير مؤسسة، رئيس مستشفى قد تُتبع، قد تُقلد، المتبوع في الخير له مثل أجر من اتبعه، وأقوى دليل أولادك، قال الله تعالى عنك أيها الأب المؤمن:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الطور الآية: 21 ]

كل أعمال أولادك، وأحفادك، وذريتك، إلى يوم القيامة في صحيفتك، التجارة مع الله رابحة جداً، تاجروا مع الله، أولادك، وأحفادك، وذريتك إلى يوم القيامة في صحيفتك.
لذلك مرة ثانية: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم: ﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾
[ سورة الطور ]
هذا في القرآن، فماذا في السنة؟ قال عليه الصلاة والسلام في حديثٍ صحيح: (( مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
إذاً أي كلمةٍ تنطق بها، أي عملٍ تعمله، إذا اتبعك من اتبعك بهذا العمل فلك مثل أجره والعكس صحيح، وأي عملٍ سيئ من قلدك فيه عليك إثم هذا العمل. المتبوع في الشر يتبرأ يوم القيامة من التابع :
الآن المتبوع يتبرأ يوم القيامة من التابع إذا اُتبع في الشر.
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾
[ سورة إبراهيم الآية: 22 ]
الشيطان يتبرأ من الإنسان الذي اتبعه، المتبوع في الشر يتبرأ يوم القيامة من التابع.
لذلك لا أحد يضل أحداً، هذه الحقيقة، الذي يتوهم أن فلاناً أضله هو عنده رغبة في هذا الضلال، آية ثانية: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾
[ سورة البقرة ]
إذاً إذا اُتبعت في الخير لك مثل أجر من اتبعك، وإن اُتبعت في الشر عليك وزر الذي اتبعك. الإحسان و الطاعة :
الآن هناك حالة قد تلتبس على الإنسان، طاعة الوالدين، الطاعة لله وحده، والعبادة لله وحده، والإحسان للوالدين، فرقٌ كبير بين الإحسان وبين الطاعة، والآية الكريمة:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 23 ]

(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ))
[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري ]
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 23 ]
قال لي أحد الأخوة أن أباه أمره أن يطلق امرأته، فسألته عن حال زوجته فقال لي: والله جيدة جداً، ودينة، ومحجبة، ووفية، ومخلصة، لكن أبي لا يحبها فأمرني أن أطلقها، قلت له: لا تطلقها، قال لي: سيدنا عمر أمر ابنه؟ فقلت له: إذا أبوك كعمر فطلقها، لكن أباك ليس عمر بن الخطاب، سيدنا عمر عندما يأمر يكون هناك أمر متصلاً بالدين.
لذلك: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
الوالد يُحسن إليه، وكذلك الوالدة، أما العبادة لله وحده، لولا أني أسمع كثيراً من الناس يطيع أباه وأمه في معصية الله إرضاءً لهما ما قلت هذا الكلام، لذلك الآية الدقيقة جداً: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ ﴾
[ سورة لقمان الآية: 15 ]
الدعوة إلى الله دعوتان؛ دعوةٌ إلى الذات ودعوةٌ إلى الله :
موضوع الاتباع مهم جداً:
﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة لقمان ]

مما يتصل بموضوع الاتباع الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله دعوتان دعوةٌ إلى الذات مغلفةٌ بدعوة إلى الله، ودعوةٌ إلى الله خالصة، الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله أساسها الابتداع لا الاتباع، الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله أساسها التنافس، الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله أساسها إلغاء الآخر، تجاهل الآخر، أما الدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون لا التنافس، أساسها الاتباع لا الابتداع، أساسها الاعتراف بالآخر، لذلك الاتباع في الدعوة إلى الله فيصل بين دعوةٍ خالصة أساسها الاتباع، وبين دعوة إلى الذات أساسها الابتداع، لابد من أن يبتدع شيئاً جديداً في الدين حتى يقول ليس هناك من أحدٍ غيري.
أيها الأخوة، الدعوة إلى الله ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، وترقى الدعوة إلى الله إلى صنعة الأنبياء، الدعوة إلى الله صنعة الأنبياء، والشيء المؤسف أن الدعوة إلى الله يمكن أن تكون أتفه عملٍ على الإطلاق لا تستأهل إلا ابتسامة ساخرة، يمكن أن ترقى الدعوة فتكون صنعة الأنبياء، ويمكن أن تسقط الدعوة فتكون عملاً لا يستأهل إلا ابتسامةً ساخرة، حينما تبذل من أجل الدعوة الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، وحينما تموت من أجل الدعوة، تكون دعوةً ترتقي إلى صنعة الأنبياء، أما حينما ترتزق بالدعوة ولا تطبق منهج الله لكنك تتاجر به تسقط الدعوة، وتصبح عملاً تافهاً لا قيمة له.
لذلك قال الإمام الشافعي: "لأن أرتزق بالرقص أفضل من أرتزق بالدين".
مرة إنسان قال لإنسان: أنا أموت من أجل لا إله إلا الله، أما أنت فترتزق بها، وفرقٌ كبير بين أن تموت من أجل لا إله إلا الله، وبين أن ترتزق منها. الاتباع والابتداع :
أيها الأخوة، الحديث عن الاتباع يقودنا إلى موضوعٍ في الدين خطيرٍ جداً هو الاتباع والابتداع، إما أن تكون متبعاً، وإما أن تكون لا سمح الله مبتدعاً، أصل هذا الموضوع في آيةٍ واحدة هي محور ما يجري في العالم الإسلامي:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 73 ]
ما عندهم مانع أن يكون هناك مساجد، واحتفالات دينية، ومؤتمرات إسلامية، أما المنهج التفصيلي يريدون منهجاً آخر: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء ]
علاقات طيبة، تطبيع علاقات، بشرط أن تتخلى عن المنهج، أما الفلكلور، المظاهر، لا مانع افعل ما شئت منها، أما المنهج الاقتصاد ربوي، الاختلاط المرأة مكشفة، هم يريدون منهجاً آخر، ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
الدين توقيفي من عند الله عز وجل :

أيها الأخوة، الدين توقيفي، توفيقي لا يُعدّل، ولا يُبدل، ولا يُطور، ولا يُحدث، ولا يُضاف عليه، ولا يُحذف منه، لأنه من عند الله توقيفي، أما كلمة تجديد في الدين فلا تعني إلا أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه فقط، معنى التجديد في الدين أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا هو التجديد، التجديد الصحيح تجديد في الخطاب الدعوي فقط، أما الدين هو هو:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة الآية: 3 ]
الكمال نوعي والإتمام عددي، أي عدد القضايا التي عالجها الدين تامٌ عدداً ، وطريقة المعالجة كاملةٌ نوعاً، فالإتمام عددي والكمال نوعي، فلذلك الدين توقيفي، ليس هناك تجديد في الدين، ولا تطوير في الدين، ولا تحديث في الدين، ولا إضافة على الدين، ولا حذف من الدين، هذه هي المشكلة الأولى أن هناك اتباع وهناك ابتداع. علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
أيها الأخوة، أولاً هؤلاء الذين قالوا:
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18 ]
بماذا ردّ الله عليهم: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18 ]
وإذا توهم المسلمون أنهم الأمة المختارة، أو هم خير أمةٍ أخرجت للناس كما جاء في القرآن الكريم، الرد الإلهي جاهز، ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى حينما قال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 110 ]
كنتم بمعنى أصبحتم بهذه الدعوة: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية:110 ]

هذه علة الخيرية لذلك قال عليه الصلاة و السلام:
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا ))
[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
والبيت الذي دخل فيه الشاعر السجن: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *

هذا شعار كل مسلم، لا علاقة لي، ما دام دخله وفير، بيته واسع، يتمتع بالحياة الدنيا، لا يعبأ بأحد، أحياناً تجد إنفاقاً من حيث الإسراف والتبذير يفوق حدّ الخيال، وتجد مسلمين يموتون من الجوع.
لذلك إذا قال المسلمون: نحن ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾
نقول: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
وهذه حقيقةٌ ثانية، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح. البدعة في اللغة والبدعة في الدين :
الآن يتصل بهذا الموضوع أيضاً البدعة في اللغة، والبدعة في الدين، البدعة في اللغة أن تأتي بشيءٍ لم يكن من قبل، تكبير الصوت، مهما كان المسجد كبيراً، في الحرم المكي أي إنسان في أي مكان في مكة يستمع إلى قراءة الإمام عن طريق تكبير الصوت، هذه بدعة لكن في اللغة لا في الدين، البدعة في اللغة مطلوبة، أن نطور حياتنا، أن نستصلح أراضينا، أن نؤمن فرص عمل للشباب، أن نزوج الشباب والشابات، أن نخفف من الأمية، أن نرقى بمستوى الدخل، هناك أعمال لا تنتهي في البدعة في اللغة.
لذلك يغطي البدعة في اللغة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً ))
[ أخرجه ابن ماجه عن أبي جحيفة ]

أي مشروع خيري، ميتم، تكافل اجتماعي، جمعيات خيرية، هذا كله مطلوب، هذا هو المطلوب:
(( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً ))
[ أخرجه ابن ماجه، عن أبي جحيفة ]
أي نحل مشكلات بلادنا، نستصلح أراضينا، ننشئ السدود، نستخرج الثروات، نطور الصناعات، نرفع دخل المواطن، نلغي العنوسة، نلغي البطالة، نلغي الفقر، هذا المطلوب في الابتداع، الابتداع في الدنيا، الذي حصل العكس، ابتدعنا في الدين وقلدنا في الدنيا، هذا أحد أكبر أسباب تخلفنا، ابتدعنا في الدين أصبحنا طوائف، وفرق، واتجاهات، وصراعات، ودماء، تسيل بين الفرق الإسلامية، في الدين نقلد في الدنيا نبتدع. البدعة في الدين ممنوعة ولاسيما في العقائد والعبادات :
أيها الأخوة، أما الابتداع في الدين فهذا الحديث يقصم الظهر، يقول عليه الصلاة و السلام: (( أُوصيكم بتقْوى الله، والسَّمعِ والطاعة، وإنْ عَبْداً حبشيّاً، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ، تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة))
[ أخرجه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية ]

أيها الأخوة، البدعة في الدين ممنوعة ولا سيما في العقائد والعبادات، أما في الفقه إذا النص ظني فهناك اجتهادات.
مثلاً: لو قلت لإنسان من إخوتي: أعطِ فلاناً ألف درهمٍ ونصفه، هذه عبارة احتمالية، ظنية الدلالة، أي ألف وخمسمئة أم ألف ونصف درهم؟ ألف درهمٍ ونصفه الهاء على من تعود؟ تعود على الألف؛ ألف وخمسمئة، تعود على الدرهم؛ ألف ونصف درهم، أما لو قلت لواحدٍ منا: أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم، هذا نص قطعي الدلالة، لا يحتاج لا إلى اجتهاد، ولا إلى تأويل، ولا إلى تحليل.
فكان من الممكن أن تكون جميع النصوص في القرآن والسنة قطعية الدلالة، لكن هناك حكمة بالغة، هناك نصوص ظنية الدلالة تحتمل معاني كثيرة، والله عز وجل أراد كل المعاني، لأن الثوابت مغطاة بنصوص قطعية الدلالة، بينما المتغيرات في الإنسان مغطاة بنصوص ظنية الدلالة فتحتمل معاني كثيرة.
فلذلك في النص قطعي الدلالة لا يوجد اجتهاد، هناك اتباع فقط، أما في النص ظني الدلالة فهناك اجتهاد فقهاء، وما اجتهادٌ بأولى باجتهاد. الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف :
أيها الأخوة، الدعوة إلى الله فرض كفاية لقوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 104 ]

منكم، هذا التبحر، والتعمق، والتفرغ، الدعوة إلى الله فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، أما الدعوة إلى الله كفرض عين اسمعوا هذه الآية:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
[ سورة يوسف الآية: 108 ]
فإن لم تدعُ إلى الله كفرض عين لا تكن متبعاً لرسول الله، في حدود ما تعلم ومع من تعرف. (( بلِّغُوا عني ولو آية ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
كل واحد منا مكلف أن يكون داعيةً إلى الله في حدود ما يعلم ومع من يعرف، هذه دعوة هي فرض عين تغطيها هذه الآية: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[ سورة يوسف ]
المنتفع لا يتبع أبداً :
آخر فكرة في هذا اللقاء الطيب المنتفع لا يتبع، الدليل:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة يس ]








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:26 PM   #13


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول





بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثالث العاشر )

الموضوع : الاخوة الايمانية فى الاسلام





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الأخوة الإيمانية :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" والموضوع اليوم: "الأخوة الإيمانية"، الله عز وجل يقول على لسان سيدنا عيسى عليه السلام:
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ ﴾
[ سورة مريم الآية: 31 ]
الإنسان له حركة نحو خالقه ﴿ َأَوْصْانِي بِالصّلاةِ ﴾
أن تعرفه، أن تعرف منهجه، أن تعبده، أن تتصل به، أن تقبل عليه، أن تسعد بقربه، هذه الحركة نحو الخالق، ﴿ َأَوْصْانِي بِالصّلاةِ ﴾
ولابد لك من حركة نحو المخلوق، ﴿ والزَّكَاةِ ﴾
أن أكون محسناً، أن أكون مستقيماً، أن أكون معطاءً، ﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ ﴾
موضوع الأخوة الإيمانية يتصل بالحركة الثانية، علاقتك مع من حولك، قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 1 ]
أي أصلح علاقتك مع أخيك الإنسان، أصلح علاقتك مع من حولك، مع من فوقك، مع من تحتك.
فلذلك ينضوي هذا الموضوع تحت باب العلاقة مع الخلق، وأهم علاقة مع أخيك، ماذا تعني كلمة أخ؟ معاني الأخوة :
1 ـ أخوة النسب :
أول معنى من معاني الأخوة أخوة النسب، قال تعالى:
﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾
[ سورة النساء الآية: 11 ]
الأخوة هنا أخوة النسب، أخٌ من أمك وأبيك، أو أخٌ من أمك، أو أخٌ من أبيك. 2 ـ أخوة العشيرة :
والمعنى الثاني: أخٌ في القبيلة أو العشيرة:
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ﴾
[ سورة هود الآية: 50 ]
هذه أخوة، هناك دائرة أوسع بكثير، إنسان من أسرة كبيرة، أي إنسان في هذه الأسرة هو في الحقيقة أخٌ له، أخٌ في أسرته الكبيرة، أخٌ في عشيرته، أخٌ في قبيلته، وينضوي هنا المواطنة؛ أخٌ في الوطن. 3 ـ أخوة الدين :
ثم هناك أخٌ في الدين:
﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 103 ]
هذه أخوة الدين، ولعل هذه الأخوة هي أقوى أخوةٌ على الإطلاق. 4 ـ أخوة المودة والرحمة :
وهناك أخٌ في المودة والرحمة.
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾
[ سورة الحجر ]
هذه أخوة المودة والرحمة، إنسان تحبه هو أخٌ لك، أو شبيهٌ لك. 5 ـ أخوة الصحبة :
وهناك الصاحب والصديق.
﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾
[ سورة ص الآية: 23 ]
هذه أخوة الصحبة، فمن أخٍ في النسب، إلى أخٍ في العشيرة، إلى أخ في الدين، إلى أخٍ في المودة والرحمة، إلى أخٍ صاحب. التفسيرات العلمية للحب بين الزوجين أو بين الأصدقاء :

متى تكون الأخوة عميقةً جداً؟ كل إنسان له صفات، وكل مجموعة صفات تعود إلى سمة، فمجموع الصفات والسمات في شخصية الإنسان ومجموع الصفات والسمات في شخصية إنسانٍ آخر، إذا كثرت التقاطعات بين هذه الصفات وهذه السمات كان التوافق والحب.
لو سألنا إنساناً ألف سؤال عن خصائص شخصيته، عن رغبته في أن يمضي يوم العطلة كيف؟ المؤمن له خصائص وغير المؤمن له خصائص، علاقته مع أقاربه، علاقته مع من دونه، مع من فوقه، مع من في مستواه، فهذه الخصائص التي هي مجموع السمات والصفات، وهذه الخصائص في إنسان آخر التي هي مجموع الصفات والسمات، إذا كثرت فيما بينها التقاطعات كان الحب.
لذلك الآن أحد التفسيرات العلمية للحب بين الزوجين: كثرة التقاطعات في شخصية الزوجين، أحد التفسيرات العلمية للحب بين الأصدقاء: كثرة التقاطعات بين صفات وسمات الشخصيتين. العلاقة بين الأخوة المؤمنين يجب أن تكون علاقة حبّ و ود :
أيها الأخوة، الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب هي الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 10 ]
هناك استنباطٌ خطير، الآية تقول: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الانتماء إلى فقاعات صغيرة، إلى جماعات صغيرة مع التعصب، والعداوة، والبغضاء، والتحزب، هذا اتجاهٌ مرفوضٌ في الإسلام. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 159 ]
ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الانتماء إلى فقاعات انتماء مصالح، وليس في الإسلام تشرذم مصلحي، لذلك أكبر مشكلةٍ يعاني منها المسلمون هذا التشرذم، هذه الجماعات المتعددة التي يعادي بعضها بعضاً، هذه وصمة عارٍ بحق الأمة، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين ففي الإيمان خلل، في الإيمان ضعف، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
وينبغي أن تكون العلاقة بين الأخوة المؤمنين علاقة حب، علاقة ود لذلك: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 10 ]
(( إِيَّاكُمْ وسُوءَ ذَاتِ البَيْن، فَإِنَّهَا الحَالِقَةِ))
[ الترمذي عن أبي هريرة]
أي أكبر مصيبة تصيب المسلمين تفرقتهم، تشرذمهم، العداوات بينهم، تراشق التهم فيما بينهم. كلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكَ
* * *

هذه حقيقة أولى. التعاون أمر في القرآن الكريم :
الحقيقة الثانية: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 103 ]

ما الذي يجمعكم؟ حبل الله، ما لم يكن هناك حبلٌ لن يكون هناك اعتصام، بلا حبل هناك تفرق، أي لو نزعنا الاعتصام بحبل الله التفرقة شيء طبيعي جداً، لأن الإنسان معه طبع ومعه تكليف، والطبع كما تعلمون يتناقض مع التكليف، الطبع فردي والتكليف تعاوني، وأنت بقدر طاعتك تتعاون مع أخيك، وبقدر معصيتك تكون فردياً، فإذا وجدت مجتمعاً يؤمن بالفردية وكلٌ يجلب الخير إلى نفسه، كلٌ يبني مجده على أنقاض الآخرين، هذا مجتمع متخلف دينياً، لأن الله عز وجل بنص القرآن الكريم يقول:
﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾
[ سورة المائدة الآية: 2 ]
والتعاون أمر في القرآن الكريم، ومن مسلمات الإيمان كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
[ سورة المائدة الآية: 2 ]
قالوا: البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة. لن تكون هناك أخوةٌ حقيقية إلا على شيءٍ نعتصم به :
إذاً ما لم يكن هناك شيءٌ نعتصم به فنحن قطعاً متفرقون، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
هناك حبلٌ يجمعنا، هناك منهجٌ يجمعنا، هناك عقيدةٌ تجمعنا، هناك قيمٌ تجمعنا، هناك سلوكٌ يجمعنا. ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 103 ]
بنعمة هذا القرآن الكريم، وهذا النبي الكريم: ﴿ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
المعنى الثاني: لن تكون هناك أخوةٌ حقيقية إلا على شيءٍ نعتصم به، فالدين يجمع والدنيا تفرق. نعمة الأخوة في الله من أعظم النعم :

الآن من منكم يصدق أن نعمة الأخوة في الله من أعظم النعم؟ مفهوم الأخ على إطلاقه نعمةٌ عظمى من الله، قال تعالى:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
الآن سيدنا الصديق ذهب ليشتري سيدنا بلالاً، وهو عبدٌ حبشي عند أمية بن خلف، بعد أن اشتراه منه أراد أمية بن خلف أن يذل سيدنا بلال، فقال له: والله لو دفعت به درهماً لبعتكه، فقال له الصديق: والله لو طلبت به مئة ألفٍ لأعطيتكها، ووضع يده تحت إبط بلال وقال: هذا أخي حقاً.

مرةٍ قدم بلال إلى المدينة فخرج عمر عملاق الإسلام، خليفة المسلمين، أمير المؤمنين لاستقباله، وكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق قالوا: "هو سيدنا وأعتق سيدنا" أي بلالاً.
هذا هو المجتمع المسلم، لا يوجد تفرقة، المجتمع المسلم طبقةٌُ واحدة، ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
للتقريب تصور مدير عام أكبر مؤسسة وعنده حاجب، إذا كان هذا الحاجب مؤمناً هم عند الله سيان، يعامله كأخٍ في الله. نهي الله عز وجل المؤمن عن كلّ شيءٍ يضعف العلاقة بينه وبين أخيه :
الآن الله عز وجل يريدنا أن نكون أخوة إيمان، فنبهنا إلى أن أي شيءٍ يضعف العلاقة بينك وبين أخيك ينبغي أن تنتهي عنه. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 12 ]
إياك أن تسيء الظن بأخيك، أخوك مؤمن، يخاف الله كما تخافه، ورعٌ كما أنت ورع، طبعاً الظن هنا من دون دليل نوع من الحقد، نوع من الحيلة الشيطانية، ليس لي ثقة به، هل بدر لك منه شيء؟. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 12 ]
لكن بعضه الآخر ليس إثماً: (( احترسوا من الناس بسوء الظن ))
[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك]
سوء الظن، عصمة الحزم سوء الظن، أما أخوك قائم بواجباتك الدينية، لا يوجد أي دليل ضده، لماذا سوء الظن؟. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 12 ]
تتبع الأخبار السيئة. ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة الحجرات ]
إذاً الله عز وجل ينهانا عن كل شيءٍ يضعف العلاقة بينك وبين أخيك، ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾
(( إِيَّاكُم والظَّنَّ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
معان دقيقة في الأخوة :
لكن هنا معان دقيقة في الأخوة، الأخوة الإيمانية أو النسبية، أو أي أخوةٌ أخرى لا تعفيك من المسؤولية. ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
[ سورة التوبة ]
تقول: أخي أردت أن أرضيه فعصيت الله، زوجتي أردت أن أرضيها فعصيت الله، إن كنت كذلك فاعتقد يقيناً أن الطريق إلى الله مسدود، ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
والله أيها الأخوة، هذه الآية تقصم الظهر، إذا كانت علاقتك بأبيك، وابنك، وأخيك، وزوجتك، وعشيرتك تحول بينك وبين طاعة الله فلا كانت هذه الأخوة، لأن الأخ الذي أعاقته هذه الأخوة عن طاعة الله خاسرٌ لا محالة، أي هناك حدود، الأخوة لها حدود، أما أن أعصي الله إرضاءً لأخي؟ معنى ذلك رأيت علاقتك مع أخيك أكبر من علاقتك مع الله. (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ))
[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عمران بن حصين]
الولاء و البراء :
الآن عندنا موضوع الولاء والبراء، لا تجد مؤمناً يوالي أهل الكفر والفسوق والعصيان ولو كانوا آباءهم أو أخوانهم. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
[ سورة التوبة ]
الموضوع دقيق، الموضوع يحدد لك متى ترعى أخوة الإيمان، الآية الثانية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[ سورة البقرة ]
أي راعِ حقوق أخيك، ولو أن أخاك سامحك أنت عليك ألا تقبل حتى تقدم له شيئاً، مثلاًَ إنسان خطب فتاة، ثم رأى أنه لا مصلحة له بهذا الزواج، ففسخ العقد، هم سامحوك، و لو أنهم سامحوك عليك أن تكون إنساناً راقياً، ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
تمنى الله عز وجل على المؤمن أن يعفو، وتمنى على من عُفي عليه أن يؤدي شيئاً، سامحوك بالمهر قدم هدية، قدم قطعة ذهب، جلست معها شهرين، وأنت في طور الخطبة، فلما فسخت العقد، وأعفوك من المهر، لا تكن بعيداً عن الذوق، دقق في المعنى ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
أدِّ شيئاً. الإنسان إما أن يكون أخاً للمؤمنين أو أخاً للشياطين :
أيها الأخوة، ونعوذ بالله أن يكون المرء من إخوان الشياطين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾
[ سورة الإسراء ]
إما أن تكون أخاً للمؤمنين فأنت على شاكلتهم وعلى منهجهم، وإما أن يكون الإنسان أخاً للشياطين.
مرة ثانية نعود إلى البراء والولاء: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم ﴾
[ سورة المجادلة الآية: 22 ]
علاقة الأخوة أعظم علاقةٍ أرادها الله بين المؤمنين :
الآن: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة الحشر ]
أي علامة إيمانك صفاء قلبك تجاه أخوانك، أما المكر، والخداع، والحقد، والقنص، هذه أخلاق المنافقين، أخلاق العصاة، أخلاق المؤمنين أخلاق محبة، أخلاق ود، المؤمن ودود لأخيه المؤمن، ونحن لا ينقصنا شيء الآن، مساجد، مكتبات، مؤتمرات، ينقصنا الحب الذي كان بين الصحابة، بالحب نكون أمةً واحدة، والله أنا حينما أرى تعاطف الأخوة الكرام مع ما يجري في غزة والله يمتلئ قلبي تفاؤلاً بمستقبلٍ عظيم، فما دام هناك تعاطف، مادام هناك بكاء لما ترى وتسمع، فنحن بخير، أما الذي يقول أنا ليس لي علاقة، دعني وشأني، الآن كأن الله جعل علاقة الأخوة أرقى علاقة على الإطلاق، قال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 220]
بالتعامل المادي: ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 220 ]
لذلك استنبط العلماء من هذه الآية أنك إذا أردت أن تستثمر مال يتيم، أو أن يتيماً وضع ماله عندك، فإن كنت غنياً فاستعفف عن أجرك وربحك، اجعل هذا المال في صفقة، أعطه الربح كله، لأنه أخوك، وإن كنت فقيراً: ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
[ سورة النساء الآية: 6 ]
المعروف فُسر أن تأخذ حاجتك، أو أجر المثل أيهما أقل، هذا معنى فليأخذ بالمعروف، أي جعل الله علاقتك مع مال اليتيم علاقة أخوة، معنى ذلك أن علاقة الأخوة أعظم علاقةٍ أرادها الله بين المؤمنين. الأخوة الإيمانية شيءٌ يقربنا جميعاً إلى الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام: ((إِن رجلاً زارَ أخاً لَهُ في قريةِ أخرى، فأرْصَدَ اللهُ لَهُ على مَدْرَجَتِهِ مَلَكا، فلما أَتى عليه قال: أين تُريدُ؟ قال: أُريدُ أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نِعْمة تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحبَبْتُه في الله، قال: فإني رسولُ الله إِليكَ بأنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
يبدو أن الأخوة في الله شيءٌ يقربنا جميعاً إلى الله.
عبد الرحمن بن عوف آخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع، ماذا قال سعد بن الربيع؟ أراد أن يناصفه ماله، قال له: خذ نصف مالي، كيف كان موقف عبد الرحمن بن عوف؟ قال له: بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق، كما أن الأنصار أعطوا أخوانهم المهاجرين نصف أموالهم، لكن لم يثبت أن مهاجراً واحداً أخذ شيئاً، بارك الله بك وبمالك ولكن دلني على السوق، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( تبسمك في وجه أخيك صدقة ))
[ أخرجه ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري ]
الابتعاد عن الأشياء التي تفتت عضد المسلمين :
هناك شيء آخر: والله حديثٌ رائعٌ جداً، يقول عليه الصلاة والسلام: (( إِيَّاكُم والظَّنَّ ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
التحسس تصيد الأخبار الجيدة، أي فلان موظف بشركة، كم راتبك؟ (( لا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَاجَشوا ))
أن ترفع السعر وأنت لا تريد أن تشتري السلعة حتى أخوك يرغب بالشراء، هذه مؤامرة بينك وبين البائع. (( ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَافسُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَروا، وكُونوا عبادَ اللهِ إِخواناً كما أمرَكُم، المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ويشير إِلى صدره، بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُهُ. إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم، ولا إِلى صُوَرِكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
أيها الأخوة الكرام، لهذا الدرس تتمة إن شاء الله.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:28 PM   #14


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول





بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الرابع العاشر )

الموضوع : يجب أن يكون المسلم مرآة مستوية يعكس كل فضيلة من خلال أخيه المسلم







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الأخوة الإيمانية كوسيلةٍ من وسائل سبل الوصول وعلامات القبول، بادئ ذي بدء الله عز وجل حينما قال:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 110 ]

آيةٌ رائعة، لكن البطولة أن تتابع هذه الآية:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 110 ]
قال بعض العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا، علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا كأمة، وأصبحنا أمةً كأية أمة لا وزن لنا عند لله تعالى، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا ))
[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً انتهت هذه الأمة. التناصح أساس الأخوة الإيمانية :
فيأيها الأخوة الكرام، تقتضي الأخوة الإيمانية التناصح، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في حديثٍ رائع:
(( المؤمن مرآة المؤمن ))
[ أخرجه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك ]

هذا الحديث له أبعادٌ كثيرة في العلاقة بين المؤمنين، فالمؤمن مرآةٌ تريه محاسن أخيه ومعايبه، الآن إذا شخص وجهه جميل جداً نظر في المرآة يرى جماله في المرآة، ولا سمح الله إذا فيه عاهة أيضاً هذه المرآة تريه العاهة، فالمرآة تريه المحاسن والمساوئ، قال عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمن مرآة المؤمن ))
لكن هذه المرآة تري المحاسن وتري المساوئ من دون ضجيج، من دون صخب، من دون فضائح، من دون شماتة، من دون تشهير، هي صامتة، لكنها تريك المحاسن والمساوئ، لذلك المرآة تظهر العيوب من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضائح، وأنت أيها المؤمن ينبغي أن تكون مرآة أخيك، ينبغي أن تريه الأخطاء من دون صخب بينك وبينه، النصيحة أمام الملأ فضيحة، بينما النصيحة بينك وبين أخيك جزءٌ من الدين. (( الدِّينُ النصيحة ))
[ أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة ]
لكن بينك وبينه، إن كنت مخلصاً لا تنصحه أبداً أمام الملأ، إن أردت أن تطبق هذه العبادة ينبغي أن تنصحه فيما بينك وبينه، كالمرآة تريك المحاسن والمساوئ من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضائح، من دون مشكلات. على المؤمن أن ينصح أخاه بألطف عبارة من دون صخب أو ضجيج :
أيها الأخوة، التوجيه الأول من هذا الحديث: انصح أخاك بينك وبينه بألطف عبارة، أي:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
[ سورة النحل الآية: 125 ]

الموعظة الحسنة، من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر، بألطف عبارة، والمنهج:
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾
[ سورة طه الآية: 43 ]
فرعون قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النازعات ]
فرعون قال:
﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
[ سورة القصص الآية: 38 ]
هذا الذي قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
هذا الذي قال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
هذا فرعون، فقال الله عز وجل: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
[ سورة طه الآية: 43 -44 ]
إذا كان خالق السماوات والأرض يأمر نبيه وهو من أولي العزم أن يقول لفرعون قولاً ليناً، فلِمَ الغلظة يا أخي؟ لِمَ القسوة؟ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
[ سورة فصلت ]
علامة إيمان المرء أنه مرآة لأخيه ينصحه دون تهويل أو تشهير :
الآن إذاً أنت كمؤمن أنت مرآة أخيك، ينبغي أن تنصحه من دون فضيحة، من دون صخب، من دون تهويل، من دون تشهير، اعكس له بعض الثغرات في سلوكه بصمت لأنك مرآة أخيك، علامة إيمانك أنك مرآة أخيك.
أحياناً أضرب هذا المثل كثيراً: تأتي إلى بيتك ابنة أخيك، ترتدي أفضح الثياب، أضيق الثياب، تستقبلها، وترحب بها، وتسألها عن أبيها، وعن أمها، تثني على جمالها، تثني على شبابها، لكن ألم يخطر في بالك أن تنصحها، أنت عمها، يا بنيتي أنت شابة مؤمنة مسلمة، هذه الثياب تتناقض مع دينك واستقامتك.
فحينما يكف الناس عن التناصح عند الله ينتهون، لأن الله أهلك بني إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، وعندما تحل المجاملة، والتلطف، والترحيب، محل التناصح انتهينا عند الله.
(( المؤمن مرآة المؤمن ))
لكن من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضيحة، من دون تشهير، كيف أن المرآة تريك المعايب بصمت، وتريك المحاسن بصمت، كن أيها المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام: (( المؤمن مرآة المؤمن ))
من علامات الإيمان أن يبرز المؤمن محاسن أخيه :
النقطة الدقيقة هذه المرآة ليست مصممة للعيوب هي حيادية، تريك العيوب والمحاسن، لماذا ترى المحاسن فتسكت؟ لماذا ترى الفضائل فتسكت؟ لماذا لا تبرز المحاسن أيضاً؟ فلذلك من علامات الإيمان أن تبرز محاسن أخيك. (( اذكروا محاسِنَ موتاكم ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر ]

اذكر محاسن أخيك لأنك مرآة، فكما كأنها تعكس العيوب ينبغي أن تعكس الفضائل، اذكر أخيك أمام الناس، ادعمه، ادعم الحق، كان عليه الصلاة والسلام يُحسن الحسن ويصوبه، ويُقبح القبيح ويوهنه، كما أنك مكلفٌ أن تنقل لأخيك بعض العيوب بأدب، برقة، بلطف، إن رأيت فيه فضلاً، كرماً، عطاءً، ورعاً، شجاعةً، أبرز هذه من أجل التواصل.
أيها الأخوة الكرام، هناك من يعتم على من حوله، كان عليه الصلاة والسلام يقول: (( لو كانَ بعدي نبيّ لكانَ عمرَ بن الخطاب ))
[ أخرجه الترمذي عن عقبة بن عامر ]
((إن أبا بكر لم يسؤني قط))
[ الطبراني عن سهل]
(( أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))
[ أخرجه ابن حبان والحاكم عن أنس بن مالك ]
(( خالد بن الوليد سيف من سيوف الله ))
[ أخرجه الحاكم عن أنس بن مالك ]
مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق، مع أنه شمس، مع ذلك لم يكن يعتم على أحدٍ حوله، أبرز المحاسن، اذكر أخاك بخير، له عمل طيب، مستقيم، اذكر استقامته، ورع اذكر ورعه، متمسك بمنهج لله عز وجل أثني على تمسكه، لأنك مرآة، كما أن المرآة تريك العيوب أيضاً تريك المحاسن، وأنت مؤمن.
من أراد أن ينصح الآخرين فليذكر مع النصيحة الإيجابيات :

أيها الأخوة الكرام، يمكن عن طريق إظهار محاسن أخيك وأمام الملأ أن تزداد المودة بين المؤمنين، النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي مع أصحابه، دخل صحابي من شدة حرصه على إدراك ركعةٍ مع النبي أحدث في المسجد ضجيجاً، فلما انتهى النبي من الصلاة ماذا قال له؟ قال له:
(( زادك الله حرصاً ولا تعُدْ ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة ]
أي أثنى على حرصه مع أنه أخطأ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن ينصح يذكر مع النصيحة الإيجابيات، أنت مدير مؤسسة، مدير جامعة، مدير مدرسة، مدير مستشفى، عندك موظف يتأخر، لكنك موقن أنه مستقيم، ينبغي أن تثني على استقامته أولاً ثم أن تلفت نظره إلى خطئه، عود نفسك مع ابنك، مع من حولك، مع من فوقك، أظهر المحاسن أولاً، ثم اذكر بعض العيوب من أجل إصلاحها، والنية إصلاح، لأنه إذا سكتنا جميعنا يبقى الخطأ خطأ، نحن علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر، إلا إذا غلب على ظنك أن إنكار المنكر ينتج عنه منكرٌ أكبر، عندئذٍ تمسك بقول سيدنا عمر: "ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما واختار أهونهما". الموضوعية قيمةٌ من قيم العلم والأخلاق :

أيها الأخوة، هناك نقطة دقيقة أنت حينما تظهر المحاسن بشكل موضوعي، وحينما تلفت النظر بأدبٍ جم بينك وبين أخيك للمساوئ بشكل موضوعي، أنت عالم، وأنت أخلاقي، لأن الموضوعية قيمة، قيمةٌ من قيم العلم، وقيمةٌ من قيم الأخلاق، ولا يلتقي العلم والأخلاق إلا بهذه القيمة، أي أنت أخلاقي إذا كنت موضوعياً، وأنت أخلاقي وأنت عالمٌ إذا كنت موضوعياً، فقيمة الموضوعية أن تذكر الشيء من دون زيادة ومن دون نقصان.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من جار سوء، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه، واستعاذ بالله من إمام السوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر، فإنك مرآة أخيك، يجب أن تريه المحاسن بشكل موضوعي، وأن تريه المساوئ بشكل موضوعي، أي أن تريه المساوئ بينك وبينه، و تريه المحاسن أمام الملأ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
أحد ملوك الأندلس يمشي في حديقته، رأى بركة ماء، جاء الريح عليها فجعلها كالزرد، قال: نسج الريح على الماء زرد، لم يتمكن من إكمال البيت، وراءه جارية قالت له: يا له درعاً منيعاً لو جمد، أُعجب بها وبشعرها فتزوجها، هي جارية أكرمها إكراماً ما بعده إكرام، مرة اشتهت حياة التقشف، اشتهت أن تمشي في الطين كما كانت في السابق، فجاء لها بالمسك والعنبر وجبله بماء الورد وقال: هذا هو الطين، بعدئذٍ عزل من منصبه ودخل السجن، وساءت أحواله، فقالت له مرةً: ما رأيت منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ هناك إنسان ينسى الفضل، قال لها: ولا يوم الطين؟. على الإنسان ألا يتصدى لنصح الآخرين و فيه عيوب و أخطاء و تقصيرات :

أيها الأخوة، يجب أن تبرز المحاسن والمساوئ، المحاسن أمام الملأ، والمساوئ بينك وبينه، الآن المرآة المطلوبة يجب أن تكون مسطحة، هناك مرآة مقعرة تكبر العيوب، لا تكبر العيوب، أعطِ العيب حجمه الحقيقي، وهناك مرآة محدبة ما دام هناك مصلحة تصغر العيوب، يجب أن تكون المرآة مسطحة لا تكبر ولا تصغر، لا تبالغ ولا تختصر، إذا ارتكب الخطأ إنسان لك معه مصلحة فالخطأ لا يذكر إطلاقاً، وإذا ارتكب إنسان آخر ليس لك عنده مصلحة تكبر هذا الخطأ حتى تخرجه من الدين، الموقفان لا يليقان بالمؤمن، لا تكن مرآةً مقعرة تكبر ولا مرآة محدبة تصغر.

أيها الأخوة، لكن النقطة الدقيقة أن المرآة لا تعكس العيوب ولا المحاسن إلا إذا كانت نظيفةً صافية، إذا كان لك أخطاء كثيرة فاسكت، أصلح خطأك أولاً، ما دام هناك أخطاء، و عيوب، و تقصيرات، إياك أن تتصدى للنصح، عندئذٍ يتطاول الناس عليك، يقولون لك: يا طبيب طبب نفسك، لا يمكن للمرآة أن تعكس الفضائل والمساوئ إلا إذا كانت نظيفة، صقيلة، ملمعة، لذلك طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس:
(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))
[ أخرجه الترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
اهتم بنفسك، اهتم باستقامتك، اهتم بإصلاح عيوبك، اهتم بسد الثغرات في شخصيتك. من كان منضبطاً كانت نصيحته أبلغ و أفضل :

لذلك أيها الأخوة، لذلك كلما كنت منضبطاً أكثر جاءت نصيحتك أبلغ، أما إذا لم تكن مطبقاً لما تقول تضعضعت، الآن هذه المرآة تعكس العيوب والمحاسن ولا تبالي من أمامها، أما المؤمن إذا أبرز عيوب الضعفاء، وسكت عن عيوب الأقوياء، لا يكون مرآة صادقة، المرآة تعكس عيوب الكبراء والصغراء، الكبير والصغير، القوي والضعيف، الغني والفقير، أما حينما يتعامى الناس عن أخطاء الغني، وعن أخطاء القوي، ويبرزون بحقدٍ أخطاء الضعيف والفقير ليسوا مرآةً صافية، لذلك:
(( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ))
[ أخرجه الطبراني عن أم سلمة أم المؤمنين ]
كن مرآةً تعكس الفضائل وتعكس المعايب، المعايب بينك وبين أخيك والفضائل أمام الملأ، كن مرآةً مستويةً ليست مقعرةً وليست محدبة، الآن كن مرآةً نظيفةً من أجل أن تعكس الوضع بشكلٍ موضوعي، الآن المرآة ينبغي أن تعكس العيوب ولا تبالي من أمامها، أنت إما أن تأخذ موقف النصح تنصح الكبير والصغير، والقوي والضعيف، والغني والفقير، أو اسكت، أما أن تعتدي على الضعيف، أن تستضعف إنساناً، تقسو عليه بالنصيحة، ليس هذا من شيم المؤمنين.
أيها الأخوة الكرام، الحديث الشريف:
(( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ))
[ أخرجه الطبراني عن أم سلمة أم المؤمنين ]
ما لم يطبق الحد على كل الناس، ما لم تطبق القواعد على كل الناس، فعندئذٍ يقع الخلل الخطير. المؤمن لا يحقد بل ينصح و لا يفضح :
أيها الأخوة، المرآة تؤدي واجبها ولا تنتظر مغنماً ولا مغرماً، وأنت إن أردت أن تكون مرآة أخيك انصحه من دون أن تنتظر منه شيئاً، انصحه لوجه الله.
لذلك العمل إذا كان مربوط بمكسب مادي اختلف الوضع، أما إذا كان العمل لوجه الله خالصاً، لا ترجو ثواباً ولا عقاباً تكون هذه مرآة صادقة، فلنقرأ هذا التشبيه الرائع من النبي الكريم:
(( المؤمن مرآة المؤمن ))
وفي رواية: مرآة أخيه، أي مؤمن ينصح ولا يسكت، ينصح ولا يفضح، يثني على الخير ويرشد إلى الخطأ، الآن هذه المرآة لو كسرتها تبقى مرآة، ينصح في حال القوة وفي حال الضعف، في حال أن النصيحة أجادت أو لم تجدِ، مع أنك كسرتها تبقى تريك الشيء الحسن حسناً، والشيء السيئ سيئاَ.
أيها الأخوة، سيدنا عمر لما رأى أحد الأشخاص قد علق على عاتقه سيفاً قال : هذا عمير بن وهب جاء يريد شراً، فقد كان عمير جالساً مع صفوان بن أمية، قال: يا صفوان لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أطفالٌ صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فقال له صفوان: ديونك عليّ بلغت ما بلغت، وأولادك أولادي مهما كبروا، فاذهب لما أردت، فسقى سيفه سماً، وركب ناقته، وتوجه إلى المدينة، تحت غطاء أن يفدي ابنه، ابنه كان أسيراً، فلما وصل إلى المدينة رآه سيدنا عمر، قال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، فقيده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي، النبي عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا عمر: أطلقه يا عمر، فأطلقه، ثم قال له: ابتعد عنه، فابتعد عنه، قال له: ادنُ مني، فاقترب منه، قال له: سلم علينا، فقال له: عمت صباحاً، قال له: قل: السلام عليكم، قال له: هذا سلامنا ليس عندنا غيره بغلظة، قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك، قال له: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: ألم تقل لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أطفالٌ أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ قال له: أشهد أنك لرسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه إلا الله وأنت رسول الله وأسلم، الشاهد ليس هنا، الشاهد يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أقرب إليّ من بعض أولادي.
المؤمن لا يحقد، هذه المرآة أظهرت العيب، فلما ابتعد عنها صاحب العيب لا يوجد شيء بالقلب، لا يوجد حقد، ولا غيبة، ولا نميمة، أنت رأيت عيباً وأظهرته بنية الإصلاح وانتهى الأمر، فالمؤمن لا يحقد، فكما أن سيدنا عمر قال: دخل على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه وخرج من عنده وهو أحب إليّ من بعض أولادي، هكذا المؤمن. الله عز وجل وحده مطلعٌ على السرائر :

أيها الأخوة، هناك شيء ثان: المرآة تظهر العيب الظاهر، لكن المرآة لا تقول: نيته ليست جيدة، لا تعلم ذلك، فكل شيء متعلق بالنوايا، وأنا أنصح الأخوة الكرام بالبعد عن ذلك، هذا ليس من شأنك، هذا من شأن الله وحده، الله عز وجل مطلعٌ على السرائر، أما أنت تنصب نفسك مكان الإله، وتحكم على الأشخاص بغير علم، فهذا خطأ كبير.
أنا أحاول أن أبين خصائص المرآة، وماذا يمكن أن يكون المؤمن من خلالها، يجب أن تظهر المحاسن والمعايب، المحاسن أمام الملأ، والمعايب فيما بينك وبينه، يجب أن تكون حيادياً، يجب ألا تكون مرآة مقعرة أو محدبة تخفف أو تبالغ في العيوب، هذه كلها من خصائص المؤمن، فعلاقتك بأخيك المؤمن علاقة مقدسة، تحكمها هذه المرآة، فأنت كلما درست خصائصها، وتعمقت في ميزاتها، اكتشفت أنك تقدم لأخيك خدمةً كبيرة إذا كنت مرآةً له.









والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:31 PM   #15


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الخامس العاشر )

الموضوع : غربة فى موطن التفلت والانحراف





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الغربة شعور من لوازم المؤمن في آخر الزمان :

أيها الأخوة الكرام، مع درسٍ جديد وموضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "الغربة"، ولا بد من تقديم:
قد تجلس مع أناسٍ يتكلمون لغةً لا تعرفها إطلاقاً فتشعر بالغربة، قد يجلس إنسان حصّل علماً عالياً جداً مع أناسٍ أميين فيشعر بالغربة، قد يذهب مسلم إلى بلد إباحي فيشعر بالغربة، فالشعور بالغربة أحياناً يكون صحياً، وأحياناً شعور مرضي
إلا أن المسلم الحقيقي، المتمسك بدينه، الذي عرف الله، وعرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، من مشاعره الصحية أن يشعر بالغربة، السبب أن الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة منها يقول:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 116 ]
الناس يهتمون بالمال، بالمتع، بالمكانة، بجمع الثروة، بجمع الأموال، المؤمن مهتم بمعرفة الله، بطاعته، بالعمل لآخرته، الاهتمامات متناقضة، والأهداف متناقضة، فلذلك من المشاعر التي ينبغي أن تشعر بها كمسلم هو الشعور بالغربة، أحياناً الموضوعات المطروحة غير صحيحة فيها كذب تشعر بالغربة، المجتمع متفلت تشعر بالغربة، إنسان يذهب إلى مكان المعاصي والآثام ترتكب على قارعة الطريق يشعر بغربة، فالغربة شعور من لوازم المؤمن في آخر الزمان، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
من أراد أن يستقيم على أمر الله فليكن مع الصادقين :

أما الأحاديث، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ))
[ أخرجه الطبراني و أحمد عن عبد الرحمن بن سنة ]
لذلك أنا أقول: إن أردت أن تستقيم على أمر الله فكن مع الصادقين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
[ سورة التوبة ]

عش في بيئةٍ إيمانية، عش مع أناسٍ يرفعون مقامك عند الله، عش مع أناسٍ يحفزون همتك إلى الله، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، اجلس مع أناسٍ يُذكرونك بالله، اجلس مع أناسٍ ينصحونك، المشكلة أن الإنسان إذا جلس مع بيئةٍ لا ترضي الله قد يستنكر حالهم في بداية الأمر، لكن بعد حين يألفهم، ويألف عاداتهم، ويألف انحرافهم، ويألف منطلقاتهم النظرية، بعد حين يقرهم على أعمالهم، فلذلك أخطر شيء في الحياة أن تكون في بيئةٍ لا ترضي الله، الاستنكار أولي، أناسٌ كثيرون ذهبوا إلى بلاد الغرب، أول شهر، شهرين، ثلاثة، إنكار غير معقول، يا أخي مجتمع متفلت، مجتمع غير منضبط، إباحي، بعد سنتين أصبح مثلهم، واقتنع بسلوكهم، وأقرهم على أعمالهم، فالبيئة شيء أساسي جداً، وأوضح شيء،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
[ سورة الكهف ]
أنا أشبه المؤمن بالهاتف المحمول، يحتاج إلى شحن، ما دام يشحن بشكل نوبي بالأسبوع مرة، بالأسبوع مرتان، يومياً يشحن بالصلوات، يشحن بدرس علم أسبوعي، درس علم نصف أسبوعي، هذا الشحن يجعله مع الدين، مع المبادئ، مع القيم، مع التصورات الصحيحة، أما إذا ابتعد عن مجالس العلم، وعاش مع الناس ينكر حالهم في بداية الأمر، بعدئذٍ يألفهم، ويختفي الشعور بالغربة، ما دمت تشعر بالغربة في مجتمع متفلت فأنت على خير، أما إذا زال هذا الشعور في مجتمع متفلت فهناك مشكلة كبيرة. من لم يشعر بالغربة ففي إيمانه خلل :
إذاً الحديث: (( بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ))
أي ألا تشعر بغربة؟ إذا كيان قام على سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأرض، وإذلال الشعب، ثم يمنح رئيس هذا الكيان جائزة نوبل للسلام، ألا تحتقر هذا المجتمع؟.

مجموعة دول أوروبية اجتمعت، تصريحها الوحيد هم سيتعاونون على منع تهريب الأسلحة، وهذه الجريمة التي تمت لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، أسلحة الدمار المخيفة على الأطفال والنساء ألا يستدعي هذا الموقف تصريح واحد؟ تعليق واحد؟ استنكار واحد؟ شجب واحد؟ ألا تشعر بهذه الغربة؟.
جاء مرة رئيس دولة كبرى، ببرنامج زيارته زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي، ولنا عند اليهود أحد عشر ألف أسيراً، الأحد عشر ألفاً لا يستأهلون أن تزور إحدى الأسر للتوازن؟ ألا تشعر بغربة؟.
فتاةٌ في بلدٍ بعيد غربي ارتدت ثياب السحاقيات، يبدو أن مدير المدرسة على بقيةٍ من مروءة ففصلها، لأن هذا شذوذ، ومرفوض في الأديان كلها، وفي تشريعات الأرض، وطالبة مدرسة ترتدي ثياب السحاقيات! فالمدير طردها، أقام أبوها دعوى على المدير، فحكم له القاضي بمبلغٍ كبير، لأنه اعتدى على حريتها، فتاةٌ مسلمةٌ في باريس تضع قطعة قماشٍ على رأسها، لأنها تدين بدينٍ يدين به ربع سكان الأرض مليار ونصف أوروبا بأكملها قامت الدنيا ولم تقعد من أجل حجاب، ثياب السحاقيات لما منعت اعتداءٌ على حريتها، أما فتاة تضع قطعة قماش على رأسها تنفيذاً لوصية نبيها في الحشمة والعفة تقوم الدنيا ولا تقعد، ألا تشعر بغربة عن هذا العالم؟.
والله أيها الأخوة، إن لم تشعر بالغربة ففي الإيمان خلل، المؤمن إنسان، شخصية فذة، المؤمن عرف الله، تمسك بالحقيقة المطلقة، المؤمن شرُفت نفسه بمعرفة الله، يعيش في أجواء عليا: (( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ))
[ أخرجه الطبراني عن حسين بن علي ]
ما لم نشعر بغربةٍ عن هذا المجتمع المتفلت، مجتمع العالم المتفلت، الإباحي، المجتمع الذي لا يقيم للفضيلة أية قيمة، المجتمع الذي يُعظم أرباب الأموال، الذي يُعظم الأقوياء ولو كانوا مجرمين، المجتمع الذي يؤمن بالمادة ولا شيء غير المادة، المجتمع المؤمن باللذة من أي طريق، هذا المجتمع لابد من أن تشعر وأنت بين أنحائه بغربة. زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
لذلك أيها الأخوة، الله عز وجل يقول:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[ سورة النور الآية: 55 ]

وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، لكن الحقيقة المرة وهي عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح أننا لسنا مستخلفين الآن، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، لا مستخلفين، ولا ممكنين، ولا آمنين، لذلك السبب، لأن الفريق الثاني وهم عباد الله أخلوا بما عليهم من طاعة الله، لذلك:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
وقد لقينا ذلك الغي، وقال العلماء: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
[ سورة الشعراء ]
والقلب السليم هو الذي سلم من شهوةٍ لا ترضي الله، وسلم من تصديق خبرٍ يتناقض مع وحي الله، وسلم من عبادة غير الله، وسلم من تحكيم غير شرع الله، هذا هو القلب السليم، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
مهما كان حجمك المالي، مهما يكن أولادك نجباء: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو الذي سلم من شهوةٍ لا ترضي الله، وسلم من تصديق خبرٍ يتناقض مع وحي الله، وسلم من عبادة غير الله، وسلم من تحكيم شرعٍ غير شرع الله. إضاعة الصلاة و اتباع الشهوات جعل المسلمين متفرقين :

لذلك أيها الأخوة، أنا أقول دائماً: الكرة في ملعبنا، مثلاً حديثٌ شريف ربما يشده له، عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حديثٍ طويل:
(( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ))
[ أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ]
المسلمون الآن مليار وخمسمئة مليون، يملكون أكبر ثروات في العالم، يحتلون أخطر موقع في الأرض، ومع ذلك متفرقون، ليس أمرهم بيدهم، لا وزن لهم في العالم، أمرهم إلى غيرهم، للطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل لماذا؟ لأنه: ﴿ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد أرانا الله عز وجل كيف أن عشرة آلاف نحسبهم صالحين مؤمنين ولا نزكي على الله أحداً، استطاعوا أن يقفوا أمام جيش من أقوى جيوش العالم، لاثنين وعشرين يوماً، لذلك الوعود قائمة: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
إله الصحابة إلهنا، القرآن الذي نزل على قلب رسول الله بين أيدينا، الوعد وعد، والوعيد وعيد، نحن نحتاج إلى أن نتحرك، إلى أن نراجع حساباتنا، إلى أن نصحو من غفلتنا، إلى أن نصطلح مع ربنا، إلى أن نقيم علاقةً طيبةً فيما بيننا وبين ربنا. طاعة الله عز وجل أساس استحقاق المسلمين للنصر :

أيها الأخوة الكرام:
(( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ))
هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، سيدنا سعد له كلمة رائعة يقول: "ثلاثةٌ أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس ـ من هذه الثلاثة ـ ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى"، فهذا الحديث: (( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ))
لأن الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والحرب بين حقٍ وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي.
كتعليق: المظاهر الإسلامية الصارخة! أحياناً تجد مسجداً كلف ألف مليون، مليار دولار فوق البحر، مسجد ضخم، زخرفة إسلامية، مؤتمر إسلامي، مجلدات إسلامية رائعة، هذه المظاهر مع أنها حضارية لكن لا تقدم ولا تؤخر في استحقاق النصر للمسلمين، الذي يقدم ويؤخر طاعتهم لله عز وجل، فالمليار والخمسمئة مليون إن لم يكونوا على طاعةٍ لله لا وزن لهم. اعتماد القرآن الكريم على قيمتي العلم و العمل للترجيح بين البشر :

البطولة أن تتعامل مع الله بمقاييس القرآن الكريم، الله عز وجل اعتمد قيمتين في كتابه، قيمة العلم كقيمة مرجحة، وقيمة العمل، قال:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
[ سورة المجادلة الآية: 11 ]
وقال: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الزمر الآية: 9 ]
وقال: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
فالقيمة المعتمدة في القرآن الكريم للترجيح بين البشر هي العلم، والقيمة الثانية العمل، فأي أمة تعتمد هاتين القيمتين فقط ترتقي، أما في انتماءات أخرى، في مكانة انتمائية حينما تعتمد الأمة مقياساً انتمائياً لا مقياساً موضوعياً تتخلف، أحد أكبر أسباب التخلف اعتماد مقاييس انتمائية، وأحد أكبر أسباب التقدم والرقي اعتماد مقاييس موضوعية جاءت في القرآن الكريم: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
[ سورة الأحقاف الآية: 19 ]
أي حجمك عند الله بحجم عملك الصالح. عدد المسلمين عند الله هو عدد الطائعين الملتزمين :
لذلك: (( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

مما يروى في قصص العرب: أن رجلاً كان قصير القمة، أسمر اللون، أحنف الرِجل، مائل الذقن، ضيق المنكبين، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضب غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيمَ غضب؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه.
فالمقياس الحقيقي علمك وعملك، فإذا اعتمدنا هذين المقياسين في حياتنا نرتقي، أما إذا اعتمدنا مقياس المال نُعظّم أرباب المال، إذا اعتمدنا مقياس القوة نُعظّم الأقوياء، إذا اعتمدنا مقياس الانتماء إلى جهة معينة نُعظّمهم لانتماءاتهم فتتخلف الأمة.
لذلك أيها الأخوة، المظاهر الإسلامية الصارخة، تدخل إلى بيت على الجدار الأول هناك آية الكرسي وهذا شيء رائع، بجدار آخر أسماء الله الحسنى، ثم صورة الكعبة، كل شيء جميل، لكن يا ترى هل شرع الله مطبقٌ في هذا البيت؟ يمكن أن تضع على مركبتك مصحف، أي المظهر الإسلامي مقبول، الآن محل تجاري، أول آية: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾
[ سورة الفتح ]
أي هل الفتح المبين أن تربح فقط؟ فهناك آيات، وأحاديث، وأشياء لطيفة نعتز بها، لكن في ميزان القبول عند الله لا تقدم ولا تؤخر، فالمظاهر الإسلامية الصارخة لا قيمة لها عند الله عز وجل، لأن عدد المسلمين عند الله هو عدد الطائعين فقط، عدد المسلمين عند الله هو عدد الطائعين الملتزمين. المؤمن الصادق يزيد في إنفاقه ولو نقص إنفاق الآخرين :

الآن من ولي الله؟ قال:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة يونس ]
فقط، لذلك سُئل أحد العارفين: من ولي الله؟ أهو الذي يطير في الهواء؟ قال: لا، قال: أهو الذي يمشي على وجه الماء؟ قال: لا، ثم قال: الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام فقط، حديثٌ آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (( طوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يزيدون إذا نقص الناس ))
[ أحمد عن المطلب بن حنطب]
أي الناس خففوا من الطاعة لله، خفف من صلواته، خفف من إنفاقه، خفف من تشدده، تساهل، إذا تساهل الناس، ونقص إيمانهم، نقصت طاعتهم، نقص ورعهم، هؤلاء الغرباء يزيدون في ورعهم، في التزامهم، في محبتهم، في تعاونهم، في بذلهم، في عطائهم، أوضح مثل إنفاق المال، أحياناً هناك إنفاق، لكن أحياناً يقول لك: هناك أزمة، فضعف الإنفاق، أما المؤمن الصادق يزيد في إنفاقه ولو نقص إنفاق الآخرين. بطولة الإنسان أن يغذي نفسه بالحق والبطولات :
أيها الأخوة، حديثٌ ثالث: (( إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل من الغرباء يا رسول الله؟ قال النُّزَّاع من القبائل ))
[أحمد عن عبد الله بن مسعود]

قبيلة تعد بالألوف، نُزع منها شخصان، عرفا ربهما، واستقاما على أمره، وأخلصا دينهما، ودعوا إلى الله عز وجل، هؤلاء النُزاع من القبائل، تجد أسرة أحد عشر فرداً، شاب واحد مؤمن، مستقيم، ورع، صادق، يصلي الفجر في جماعة، يغض بصره عن محارم الله، يسعى لمعرفة الله، يدعو إلى الله، النزاع من القبائل أي قبيلة على كثرتها واحد أو اثنان نزعا منها وتعرفا إلى الله.
((إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل من الغرباء يا رسول الله؟ قال: النزاع من القبائل))
[أحمد عن عبد الله بن مسعود]
أخواننا الكرام، مثل أطرحه كثيراً، وعاء الماء في السيارة، له فتحة من الأعلى، وله صنبور من الأسفل، الذي يوضع في الأعلى تأخذه في الأسفل، وأنت تصور نفسك وعاء كيف تتغذى ثقافياً؟ هناك تغذية أفلام، تغذية أناس متفلتين، تغذية أخبار فقط، تكلم ما عندك غير الأخبار، وقصص بعض المشهورين ممن يعملون في عمل لا يرضي الله عز وجل، و عندك أشياء أخرى لا ترضي الله، أما لو أن هذا الوعاء يغذى من القرآن الكريم، من سنة النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم، من سير الصحابة الكرام، تفضل تكلم، تتكلم بشيء غُذيت به لذلك قل لي ما الذي تقرأه؟ أقل لك: من أنت، قل لي: ما الذي تسمعه؟ أقل لك: من أنت، قل: ما الذي تشاهده؟ أقل لك: من أنت، البطولة في التغذية، أن تغذي نفسك بالحق، بالبطولات، لا بالسقطات، فلذلك: (( إن الدِّين بدأ غريباً ))
[ أخرجه الترمذي عن عمرو بن عوف ]
من اتبع الله و نشر تعاليمه أحبه الله وغفر ذنوبه :

حديث رابع:

(( وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ ))
[ أخرجه الترمذي عن عمرو بن عوف ]
الناس تفلتوا، هو ينضبط، الناس أطلقوا لبناتهم العنان في ثيابهن، هو ضبط بناته. (( الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ ))
[ أخرجه الطبراني و أحمد عن عبد الرحمن بن سنة ]
(( الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس ))
[ ابن عساكر عن الحسن بن علي ]
أيها الأخوة: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة آل عمران ]
قيل: يحيونها بالتطبيق، وينشرونها بالتعليم.
أيها الأخوة، هذا الموضوع له تتمة إن شاء الله، نتابعه غداً.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:34 PM   #16


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( السادس العاشر )

الموضوع : غربة فى الدنيا وفوز فى الاخرة







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أشقى إنسان على وجه الأرض من جلس في خندقٍ مضادٍ للحق :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الغربة، وهو من الموضوعات المتعلقة بـ :"سبل الوصول وعلامات القبول".
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج يوماً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد معاذ بن جبل قاعداً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أي لَمَ تبكي؟ قال: يبكيني شيءٌ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:
(( اليسير من الرياء شرك ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]

الرياء أن تترك عملاً يرضي الله من أجل الناس، هذا رياء:
(( الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور وتبغض على شيء من العدل ))
[ أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]
مثلاً إنسان نصحك وهو مستقيم، أبغضته لأنه نصحك، وإنسان لك عنده مصلحة فجاملته على هذه على خطئه فهذا أحد أنواع الشرك، يقول عليه الصلاة والسلام: (( اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]
أقول لكم هذه الكلمة: أشقى إنسان على وجه الأرض من جلس في خندقٍ مضادٍ للحق، من حارب الله ورسوله: (( إن الله يحب الأبرار ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]

الأبرار جمع بر، والبر هو الطائع لله عز وجل، برٌ بوالديه يقدم لهما كل خدمة نقيض العاق، مؤمنٌ بر مؤمنٌ طائع.
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]
في التعتيم لا في الأنوار، أي هناك إنسان مشهور و إنسان غير مشهور، فغير المشهور إذا كان تقياً فالله عز وجل يحبه، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به:(( ابتغوا الرفعة عند الله ))
[ ابن عدي في الكامل عن ابن عمر]
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]
إنسان من عباد الله الطائعين المتقين غاب، لا أحد يعرفه حتى يسأل عنه. (( وإن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]
أي مجتمع مغبَّر، قاتم، منصرف عن الله، شارد، هناك ظلم، هناك شهوات و معاص وآثام، من هذه البيئة السيئة، الشاردة، المنحرفة، يخرج.
والله سمعت عن إنسان عنده ملهى، ولو أن ابنته طلبت منه المليون تلو المليون ما سألها لَمَ؟ هي اعتقدت أن مال أبيها حرام، فعملت معلمة في أحد ضواحي دمشق، وتسكن في بيت وحدها، وتأكل من مالها، ولو طلبت من أبيها المليون تلو المليون لما سألها لِمَ هكذا؟ على المؤمن أن يكون مع القلة المؤمنة الطائعة لا مع الكثرة الفاجرة الكافرة :
أيها الأخوة:
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ))
[ أخرجه الحاكم عن معاذ بن جبل ]

من مجتمع منحط، من مجتمع منافق، من مجتمع ظالم، من مجتمع شارد، من مجتمع يعبد الشهوات من دون الله، من مجتمع مادي مقيت، من هذا المجتمع يخرج شابٌ مؤمن، فكن غريباً عن هذا المجتمع، كن مع القلة المؤمنة الطائعة، ولا تكن مع الكثرة الفاجرة الكافرة، كن مع القلة التي تعرف الله، ولا تكن مع الكثرة التي شردت عن الله، والحديث اليوم عن الغربة.
فعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: آية! أية آية؟ قلت: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 105 ]

قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً ـ الآية متداولة جداً، وقد تفهم فهماً على غير ما أراد الله عز وجل ـ قال: والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ))
[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني]
مادية مقيتة، يبيع دينه بيمينٍ كاذبة، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل:(( حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ))
الجنس: (( ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))
كل إنسان كأنه محور العالم: يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
***

كأنه مشرع، هذه لم أقتنع بها، من أنت؟ إله؟ خالق السماوات والأرض أنزل كتاباً، وجاء نبيٌ هو سيد الخلق وحبيب الحق شرح هذا الكتاب، وعندك غير مقبول:يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
***

(( وإعجاب كل ذي رأي برأيه))
أليست هذه صفات مجتمعاتنا؟ عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة إذا انتشر الفساد :
(( إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ))
[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني]

خاصة نفسك أي أهلك، جيرانك، أصدقاؤك، أخوانك، زملاؤك، هذا معنى خاصة نفسك أهلك، أقاربك، جيرانك، أخوانك في المسجد، زملاؤك في العمل، أصدقاؤك، أقرباؤك:
(( ودعهم وعوامهم فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه وإن سكت استباحوه، فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين يعمل مثل عملكم، قيل يا رسول الله: أجر خمسين منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))
[ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
تجد بيتاً مسلماً، يرتاد المساجد، فالشاب إذا أراد أن يغض بصره عمن لا يحل له تقوم عليه الدنيا ولا تقعد في البيت المسلم، إذا رفض شابٌ الاختلاط تقوم عليه الدنيا من أهله، من بيوت المسلمين، وهذه النسوة الكاسيات العاريات من أين جاؤوا؟ من بيوت المسلمين، أين الأب؟ أين الأم؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( ابتغوا الرفعة عند الله ))
[ ابن عدي في الكامل عن ابن عمر]
بطولة الإنسان أن يكون عند الله مقبولاً :
دققوا في هذه الآية:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾
[ سورة القمر ]
البطولة أن يكون لك عند الله مقعد صدق، أن تكون عند الله مقبولاً، أن يكون الله راضياً عنك: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة ]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 21 ]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص ]
المسلمون بمجموعهم غرباء في هذا العالم :

لذلك أيها الأخوة، عندنا سلسلة موازنات؛ أولاً: المسلمون بمجموعهم غرباء عند أهل الأرض، كيف؟ أربعمئة وخمسين مليون إنسان في الهند يعبدون البقر من دون الله، البقرة إذا مشت في الطريق قطعت الطريق لأنها إله، فإذا دخلت إلى مكان فيه فواكه تأكل من الفواكه ما لذّ وطاب، وصاحب المحل في أعلى درجات الغبطة، يوضع أحياناً روث البقر في غرف الضيوف، أربعمئة وخمسين مليون إنسان يعبدون البقر من دون الله، ثلاثمئة وخمسين مليون في شمال الهند يرفعون شعار لا إله، أوروبا بأكملها إلا ما ندر ملحدة، هؤلاء الذين يفتكون بالشعوب، يدمرون الشعوب، يقتلون الأطفال والنساء، هؤلاء ملحدون ما رأوا إلا قوتهم، أليس المسلمون غرباء؟ هذه غربة، المسلمون بمجموعهم غرباء، هناك من يعبد الجرذان، عندي تحقيق مطول، الجرذان لها معابد، وأتباع، وفي المعبد عشرة آلاف جرذ، يأتي الإنسان ويتوسل لهؤلاء الجرذان، هؤلاء بشر؟ هناك من يعبد الحجر، من يعبد الشمس والقمر، أليس المسلمون غرباء في هذا العالم؟ هناك أخطاء كثيرة عندنا، لكن هل من الممكن أن تفكر في إبادة شعب إبادة كاملة وأنت مرتاح؟ مليون قتيل في العراق، خمسة ملايين مشرد، مليون معاق من أجل الحرية والديمقراطية؟ ممكن! المسلمون في هذا المجتمع غرباء.

(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير))
[ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
ثلاث وثلاثون بالمئة من حالات الزنا في الغرب، زنا محارم، تصور الأب مع ابنته، الأخ مع أخته، والعياذ بالله، ألسنا غرباء؟ وزير إيطالي يقول: أنا شاذ جنسياً بتصريح رسمي، وزير الصحة البريطاني يقول: أنا شاذ جنسياً، سفير دولة عظمى أُقيم له حفل وداع في العاصمة الكبرى في العالم، عاصمة القطب الواحد، حضر هو وشريكه الجنسي شيء طبيعي جداً، والآن الشريك الجنسي في العالم الغربي كالزوجة تماماً، ألسنا غرباء عن هذا العالم؟.
فتاة وضعت قطعة قماش على رأسها في فرنسا، قامت الدنيا ولم تقعد؟ ألسنا غرباء؟ فالمسلمون بمجموعهم غرباء في هذا العالم.
المؤمن المستقيم الورع غريب مع المسلمين و أهل العلم غرباء مع المؤمنين :
الآن المؤمنون غرباءٌ في المسلمين، مسلم نشأ من أب وأم مسلمين، يصلي خمسة أوقات، يحج، ويذهب إلى العمرة، ويدفع زكاة ماله، لكن بيته غير إسلامي، عمله غير إسلامي، دخله غير إسلامي، إنفاقه غير إسلامي، علاقاته غير إسلامية، فالمؤمن المستقيم الورع غريب مع المسلمين، الآن أهل العلم غرباء مع المؤمنين، هذا دارس متبحر، الله قال:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]

أهل العلم عرفوا سرّ وجودهم وغاية وجودهم، عرفوا ربهم، أخلصوا له، أطاعوه، أقبلوا عليه، خدموا عباده، يحمل رسالة، أنا أكثر شيء لفت نظري في العالم الغربي أن الإنسان بلا رسالة، همه بطنه وفرجه فقط، ينام كالدابة، لا يعرف حقاً ولا باطلاً، ولا خيراً ولا شراً، تجد مسلماً في دولة نامية همّه هداية الناس، يصلي قيام الليل، يأتي إلى المسجد، يحاول أن يدعو إلى الله عز وجل، يحضر مجلس علم، تجد المسلم عنده رسالة،فطلاب العلم عند المؤمنين غرباء، المؤمن مستقيم، المسلم ينتمي للإسلام:
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 14 ]
فالمسلم ينتمي لهذا الدين من أب وأم مسلمين، أما المؤمن مستقيم، أما طالب العلم أساساً ما عطاء أعظم من العلم، ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أهل العلم غرباء في المؤمنين. كلما ارتفع مقام الإنسان ضاقت الدائرة التي فيها أمثاله :
الآن وأهل السنة هؤلاء الذين تتبعوا السنة وعرفوا دقائقها، وعرفوا الأهواء والبدع، غرباء في أهل العلم مراتب، والنبي عليه الصلاة والسلام غريبٌ مع المؤمنين:
(( أبيت يطعمني ربي ويسقيني ))
[ أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أبي هريرة ]
(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ))
[ أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء ]
أي المؤمن الراقي، طالب العلم، إذا كان بخير هو ومن حوله يقول لك: الحمد لله، أما النبي يحمل همّ البشرية.
أي كلما ارتفع مقامك ضاقت الدائرة التي فيها أمثالك، كأن الحياة موشور أوسع دائرة في الأسفل، فكلما صعدت نحو الأعلى ضاقت الدوائر، فأنا أتمنى أن يكون المؤمن في الأفق الأعلى: ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النجم ]
(( إن الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ))
[ أخرجه الطبراني عن سهل بن سعد ]
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
[ الترمذي عن أنس]
(( عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعَ بخلقهن، أفيعييني رغيفٌ أسوقه إليك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا ـ الدنيا بمالها ـ تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماًَ، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلملي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
[ ورد في الأثر]
المؤمن مع المؤمن ليس بينهما غربة :

أيها الأخوة، لكن عندنا متنفس، المؤمن مع المؤمن ليس بينهما غربة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة الكهف الآية: 28 ]
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
هناك مجالس أنس، مجالس طرب، مجالس اختلاط، نساء رائعات، جلسة مختلطة، طُرف، يقول لك: والله سررنا كثيراً: ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
[ سورة الكهف الآية: 28 ]
معنى أغفلنا باللغة وجدناه غافلاً، عاشرت القوم فما أجبنتهم ما وجدتهم جبناء، عاشرت القوم فما أبخلتهم ما وجدتهم بخلاء، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾
بمعنى دقيق من وجدناه غافلاً: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
[ سورة الكهف ]
لذلك:(( رُبَّ أشعث أغبر ))
[ أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
أغبر أي ليس أبيض اللون، لونه داكن، ملون: (( رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره ))
[ أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
ورد في بعض الآثار أن النبي رحب بصحابي ترحيباً غير طبيعي قال له:(( أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال له: أنا؟ قال له: أنت، قال له: أنا يا رسول الله؟ قال له: أنت، أنت خاملٌ في الأرض علمٌ في السماء ))
[ورد في الأثر]
الغربة نعمةٌ وليست نقمة
إذا كان الإنسان مع القلة المؤمنة الصادقة :
لذلك:
(( ابتغوا الرفعة عند الله ))
[ ابن عدي في الكامل عن ابن عمر]
مثلاً أنت ترى إنساناً كافراً، يقول عليه الصلاة والسلام: (( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عباس ]
قد يستجيب الله لدعوة كافرٍ مظلوم: (( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ))
[ أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
هناك حديثٍ آخر: (( أَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعِفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ أخرجه ابن ماجه عن معاذ بن جبل ]
لو لم تكن مشهوراً، لو لم تكن الأضواء مسلطة عليك، لو كنت في التعتيم: (( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ ـ أي ثوبين باليين ـ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ الترمذي عن أنس بن مالك ]
أي الغربة الآن نعمة، إذا كنت مع القلة المؤمنة الصادقة، وكلام آخر: إن لم تكن طرفاً مؤامرةٍ قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إفسادهم، أو إذلالهم، أو إبادتهم، فأنت من ملوك الآخرة.
إذاً الغربة نعمةٌ وليست نقمة. على الإنسان في شأن الدنيا أن ينظر لمن هو أدنى منه :
لكن هناك توجيهات: في الدنيا انظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك، إنسان أحياناً يزور مستشفى، يرى أمراضاً عضالة، فانظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تزدري نعمة الله عليك، وفي بعض الأقوال: من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، يقول لك: بيت سعره يقدر بمئة وثمانين مليوناً، فيه فرش بخمسين مليوناً، هو عنده بيت يقدر بستين متراً تحت الأرض، هذه الدنيا.

دخلوا على سيدنا أبي عبيدة بن الجراح، وجدوا غرفة فيها قدر ماء مغطى برغيف خبز، يجلس على جلد غزال، والسيف معلق، قالوا: ما هذا؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيل؟
لذلك من دخل على الأغنياء طبعاً الغير مؤمنين، المتفلتين، الذين يتباهون بما عندهم، ويكسرون قلب الفقير، من دخل على الأغنياء خرج من عندهم إذا كان غافلاً وهو على الله ساخط، يا عائشة:
(( إِن كنتِ تريدين الإِسراعَ واللُّحوقَ بي فَلْيَكْفِكِ من الدنيا كزاد الرَّاكب، وإِيَّاك ومُجالسةَ الأغنياء، ولا تَسْتَخْلِقي ثَوبا حتى تُرَقِّعيهِ ))
[ أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]
أي انظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تزدري نعمة الله عليك، أي:(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]
ملك سأل وزيره من الملك؟ قال له: أنت، قال له: لا، الملك رجلٌ لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيتٌ يؤويه، ورزقٌ يكفيه، وزوجة ترضيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إذلاله، فالملك هو إنسان، له بيتٌ يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزقٌ يكفيه، هذا في شأن الدنيا، أما في شأن الآخرة: اصحب من هو أتقى منك، واصحب من هو أعلم منك، وقال بعضهم: لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، أنت في شأن الدنيا انظر لمن هو أدنى منك، وفي شأن الآخرة انظر لمن هو أتقى منك.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:36 PM   #17


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( السابع العاشر )

الموضوع : رعاية الاسباب والاخذ بها








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من لوازم العبودية لله أن يأخذ الإنسان بالأسباب :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات:" سبل الوصول وعلامات القبول"، هذا الموضوع عنوانه: رعاية الأسباب، وهذه التسمية من عند ابن القيم رحمه الله تعالى، ولا أبالغ إذا قلت: إن مشكلة المسلمين اليوم الأولى عدم الأخذ بهذا القانون، من لوازم عبوديتك لله عز وجل أن تحترم قوانين الله عز وجل في كل شيء، وأن تأخذ بها، هذه هي العبودية لله عز وجل، فالله عز وجل خلق هذا الكون وفق مبدأ السببية:

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
[ سورة الكهف ]
فالأخذ بالأسباب جزءٌ من الدين، وعدم الأخذ بها معصية كبيرة، ويمكن أن يعزى تخلف المسلمين، وانتهاك حرماتهم، واحتلال أراضيهم، وقتل أبنائهم، ونهب ثرواتهم، إلى أن أعداءهم أخذوا بالأسباب وهم غفلوا عنها، وتواكلوا على الله، فلذلك من لوازم العبودية لله أن تأخذ بالأسباب.
مثلاً ومن أقرب الأمثلة الابن مرض، يجب أن تأخذه إلى أقرب طبيب، وأن تشتري أفضل الدواء، وأن تشرف بنفسك على إعطاء الدواء، وبعدئذٍ تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله عز وجل تسأله الشفاء، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. أي عملٍ يسبقه تصور فإذا صحّ التصور صحّ العمل وإذا فسد التصور فسد العمل. :
أيها الأخوة، أي عملٍ يسبقه تصور، فالسارق لماذا أقدم على السرقة؟ لأنه تصور أنها كسبٌ كبير بجهدٍ قليل، وغاب عنه العقاب والسجن، لذلك التصور يسبق العمل، فإذا صحّ التصور صحّ العمل، وإذا فسد التصور فسد العمل.

أوضح الأمثلة: تركب مركبتك، وفي لوحة البيانات تألق ضوءٌ احمر، إذا فهمت هذا التألق هو تألقٌ تزييني وهو في الحقيقة تألق تحذيري، نقص الزيت في المحرك ، فإذا فهمت أن هذا التألق تألق تزييني، وتابعت السير، احترق المحرك، وتوقفت المركبة، وتعطلت الرحلة، وفاتك الهدف، ودفعت مبلغاً فلكياً لإصلاح المحرك، أما إذا فهمت أن هذا التألق تألق تحذيري، فأوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وسلم المحرك، وتابعت السير، وحققت الهدف، هذا المثل على بساطته يوضح كل شيء، الخطأ بالفهم، الخطأ بالتصور:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
[ سورة الكهف ]
أي لمجرد أن تتصور الأمة أن خلاصها أن تنبطح لأمةٍ قوية، هذا خطأ في التصور، الأمة القوية تذلها، وتنتهك حرماتها، وتأخذ أرضها وثروتها، أما لو تصورت أن النصر من عند الله وحده، وأن هذا النصر لمن ينصر دين الله، فاصطلحت مع الله، ونصرت دينه، لوجدت العجب العجاب، لوجدت أن هذا الإيمان، وهذا الصلح مع الله، قلب كل المعادلات، وألغى كل التفوق: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 120 ]
مثل آخر: شركة سيارات كل شهر ينفجر بعجلات السيارات مئة عجلة، مشكلة كبيرة، وكلما انفجرت العجلة مع سائق استدعاه المدير وعاقبه، شركة أخرى بالشهر كله تنفجر عجلة أو عجلتان، هنا في مئة، الخطأ أن المدير أعطى تعليمات أن يكون الضغط أربعين وهو يجب أن يكون ثلاثين، والوقت صيف، فإذا أسرع السائق تمدد الهواء، وانفجرت العجلة، الخطأ في التصور، في تصور القيادة، فحينما يخطئ الإنسان في التصور يدفع الثمن. مشكلة المسلمين اليوم في تصوراتهم الخاطئة :

لذلك النقطة الأولى: أن الموازنة بين عهد الصحابة وهذا العهد، ما قولكم بجامعٍ أو بمسجدٍ أرضه رمل، وسقفه من سعف النخيل، ورايات المسلمين في الأفاق؟ في الصين شرقاً، وفي مشارف باريس غرباً، والآن هناك مساجد تكلفتها تقدر بمليار أو بملياري دولار، مظاهر صارخة إسلامية، مؤتمرات، مؤلفات، كتب، محاضرات، أشرطة، زخارف، وخمس دول إسلامية محتلة، والثروات بيد أعدائنا، والعالم كله يحاربنا، لماذا؟ لماذا هؤلاء الصحابة رفرفت راياتهم في الخافقين، وكلمتهم هي العليا، وأمرهم بيدهم؟ ولماذا المسلمون بهذا التخاذل، وهذا الضعف، وهذا الانبطاح، لماذا؟ لأن الصحابة الكرام كان تصورهم صحيحاً، ونحن تصورنا الإسلام تصوراً خاطئاً، هنا المشكلة في التصور الخاطئ.
التوحيد يصحح التصور :

أيها الأخوة، التوحيد يصحح التصور، التوحيد أن ترى أن الأمر بيد الله، هو الناصر، هو القوي، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الموفق، هو الناصر، فالتوحيد يصحح التصور، والشرك بالله يبعدك عن التصور الصحيح، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
[ سورة يوسف ]
لمجرد أن تعتمد على مالك وقعت في الشرك، أن تعتمد على قوي ليس مؤمناً ترى الخلاص عنده فهذا شرك، لمجرد أن تعتمد على ذكائك فهذا شرك.

سأروي لكم قصة عن طبيب في أمريكا، رفع جدار الجري ـ الجري اليومي ـ وكان يجري في اليوم عشرين كيلو متر، وعمل ندوات، وألقى محاضرات، هو أستاذ في الجامعة، وهو طبيب قلب أيضاً، الجري كل شيء، وكلامه صحيح، لكنه مات وهو يجري في سن مبكرة جداً، يا ترى هل كلامه خطأ؟ لا، لكنه اعتمد على الجري ونسي الله.
أي شيءٍ تعتمد عليه وتنسى الله، الله عز وجل يؤدبك، فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وتتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أي لو فرضنا أن الخطأ في التصور لا ينعكس على السلوك تصور ما شئت، لو تصورنا أن الخطأ في العقيدة لا علاقة له بالسلوك اعتقد ما شئت، ولكن لأن كل خطأ في العقيدة، ولأن كل خطأ في التصور، ينعكس على السلوك قطعاً، لذلك لا يقبل الله العقيدة تقليداً ولو أنها صحيحة، لقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
ما قال: فقل، ﴿ فَاعْلَمْ ﴾
الله عز وجل لا يقبل العقيدة من المسلم إلا عن بحثٍ ودرسٍ وإيمانٍ :

لا يقبل الله العقيدة من المسلم إلا عن بحثٍ، ودرسٍ، وإيمانٍ، وأما إن كانت تقليداً فلا تقبل، والدليل: لو أن الله قَبِل التقليد في العقيدة لكانت كل الطوائف المنحرفة عند الله ناجية، أفراد هذه الطائفة ما ذنبهم؟ قال لهم زعيمهم: كذا فقالوا: كذا، لا العقيدة لا تُقبل تقليداً، لابد من التحقيق، لقوله تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

الآن بعض الأمثلة: الابن مرض، الدعاء لا يكفي، لابد من أن تأخذه إلى الطبيب، و يجب أن يكون الطبيب جيداً، وتختار الدواء الجيد، وأن تشرف بنفسك على معالجته، وفي أعماق أعماق قلبك تقول: يا رب أنت الشافي، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
عندك ابن بالرياضيات مقصر، يا بني ادعُ الله أن ينجحك، خطأ، يجب أن تأتي له بأستاذ خاص ليعلمه بعض الموضوعات التي صعُبت عليه، وبعدها تقول له: يا بني ادعُ الله أن ينجحك.
هناك آفة زراعية، يا رب تنجينا، لا، يجب أن تأتي بالدواء، وأن تستخدم الدواء وفق تعليمات المهندس الزراعي، وبعدها تقول: يارب سلم هذا المحصول.
بضاعة كاسدة، هناك خطأ بشرائها، و خطأ بالسعر، و خطأ بالتسويق.

أوضح مثل عندما رأى سيدنا عمر أناساً في الحج يتكففون الناس، قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله وأوضح مثل أن سيدنا عمر لما رأى جملاً أجرب، فسأل صاحبه: يا أخا العرب ما تفعل به؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال: يا أخي هلا جعلت مع الدعاء قطراناً.
هذه مشكلة المسلمين الأولى، يا رب تنتقم منهم، يا رب عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، يا رب اجعل تدميرهم في تدبيرهم، وأنت نائم، لا تستعد، لا تأخذ بالأسباب، هم لا ينامون الليل يعملون، لن ننتصر عليهم إلا إذا أخذنا بالأسباب، وإلا إذا أخذنا بهذه الآية: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 60 ]
هناك خطأ بالتصور، أن الله ينصرنا لكن ما نصرنا، الله عز وجل بيده كل شيء لكن أمرك أن تأخذ بالأسباب. ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾
[ سورة محمد الآية:4 ]
القضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية :
أيها الأخوة، كنت مرة في مؤتمر في ماليزيا، فقال أحد الخطباء: ما دام المسلمون يُعزُون أخطاءهم إلى القدر فلن يتقدموا، ولن ينتصروا، أي قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾
[ سورة النور الآية: 11 ]
الإفك الحديث الذي لا يحتمل عن السيدة عائشة: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
[ سورة النور الآية: 11 ]
يا رب كيف هو خير؟ فرز المؤمنين، الصادقون أحسنوا الظن برسول الله، وزوجته، والمنافقون روجوا هذا الخبر، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
بعدها يقول الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة النور ]

القضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، فما دام المسلمون يُعزون أخطاءهم إلى القدر فلن يتقدموا، بلادٌ محتلة، هكذا يريد الله، هذا ترتيب سيدك، ليس بيدنا شيء، لا، الله أمرك أن تقاوم، هو معك، كلما ارتكب خطأ فاحش والنتيجة مؤلمة جداً، يقول: هذا ترتيب ربي، هكذا يريد الله، ليس بيدنا شيء، نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، الله يسلم، هذا الموقف الغلط، الله أمرك أن تقاوم، أمرك أن تجاهد، أنا مضطر أن أسمي ما يصيب المسلمين بسبب أخطائهم الفادحة أن هذا جزاء التقصير، هذه التسمية الصحيحة، لأن القضاء والقدر شيء، وجزاء التقصير شيءٌ آخر.
طالب لم يدرس إطلاقاً، فلم ينجح، سبحان الله! الله لم يرد لي النجاح، أيضاً الأمر بيد الله، أنت لم تدرس، أما لو طالب استنفذ جهده في الدراسة، وقبل الامتحان أصابه مرضٌ حال بينه وبين الامتحان، فهذا قضاء وقدر، الفرق بين القضاء والقدر وجزاء التقصير، القضاء والقدر قوة قاهرة، أما جزاء التقصير هناك قوانين، لم تدرس إذاً لن تنجح، لم تحسن شراء البضاعة إذاً البضاعة كاسدة.
لذلك إذا أردت أن تنتمي إلى أمةٍ كانت فيما مضى قائدةً للأمم بعد أن كانت راعيةً للغنم ينبغي أن تأخذ بالأسباب، من قدوتك؟ النبي عليه الصلاة والسلام. على الإنسان أن يأخذ بالأسباب و يتوكل على رب الأرباب :

أخواننا الكرام، هل تعتقدون أن على وجه الأرض إنساناً أكرم على الله من رسول الله؟ ومع ذلك لما هاجر أخذ بكل الأسباب، توجه ساحلاً، قبع في غار ثور، كلف إنساناً ليمحو الآثار، إنسان يأتي بالأخبار، إنسان يأتي بالزاد، استأجر دليلاً رجح فيه الكفاءة والخبرة على الولاء، كان مشركاً، أخذ بكل الأسباب، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق متأدباً مع الله، فأخذ بالأسباب كلها، هل يعقل ألا نعد لعدونا شيئاً وأن ننام في رابعة النهار؟ ثم نقول: يا رب عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، لا، هذا خطأ يسمى في المصطلح المعاصر إستراتيجي، خطأ إستراتيجي.
وهذا الدرس متعلق بعملك، أخي لا يوجد بيع، وهناك أناس مع هذا الكساد يبيعون لأنهم أخذوا بالأسباب، اختار بضاعة جيدة، اختار سعراً مناسباً، العرض مناسب، التسهيلات مناسبة، عود نفسك أن تتهم نفسك دائماً، لا تعزُ خطأك إلى القضاء والقدر، اعزُ خطأك إليك فتنجح، البطولة أن تواجه المشكلة لا أن تقفز عليها، ضعاف النفوس، ضعاف الإيمان، يقفزون على مشكلاتهم، ويعزوها إلى القضاء والقدر.
على كل إنسان أن يصحح تصوراته لأن التطرف سهل :
أيها الأخوة، وعن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين: (( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر: حَسْبيَ الله ونعم الوكيل ))
[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ]
الإنسان هو الإنسان، حكم بين شخصين، والذي عليه الحق: (( فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر: حَسْبيَ الله ونعم الوكيل ))
فغضب النبي الكريم فقال له: (( إِن الله يَلُومُ على العَجْز ))
[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ]

أنت مقصر:
(( ولكن عليكَ بالكَيْس، فإِذا غَلَبَك أَمر ، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل ))
[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ]
ما درست، ما نجحت، قال: (( حَسبيَ الله ونعم الوكيل ))
لا، قل: لم أنجح لأنني لم أدرس، أما إذا جاء مرضٌ حال بينك وبين الامتحان تقول حينئذٍ: (( حَسبيَ الله ونعم الوكيل))
يجب أن نصحح تصوراتنا.
أخواننا الكرام، دائماً التطرف سهل، أي أن تسيب أولادك بلا متابعة، بلا تأديب، بلا محاسبة، سهلة جداً، وإذا أخطأ الواحد أن تسحقه بالضرب أيضاً سهلة، أما البطولة أن يحبك ابنك بقدر ما يخافك، الموقف الوسطي صعب يحتاج دقة بالغة، يحتاج إلى حنكة، إلى خبرة، فدائماً وأبداً التطرف سهل، ألا تأخذ بالأسباب أصلاً قضية سهلة، إنسان محترم جداً، سافر إلى الشمال بسيارة لم يكشف عنها إطلاقاً، مات هو وأهله، فعليك أن تراجع العجلات، تراجع الأجهزة، تراجع المركبة، لم يراجع فيعزى هذا إلى خطئه، أما راجعها مراجعة تامة وصار هناك حادث فهذا قضاء وقدر. فهم الإنسان للقضاء والقدر يجب أن يكون فهماً آخر :

أيها الأخوة، شيء آخر: سيدنا عمر كان في الشام، فعلم أن فيها طاعوناً، وقف على أبواب دمشق، فرجع ولم يدخلها مشفقاً على أصحاب رسول الله، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله؟ فقال سيدنا عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم أفر من قدر الله إلى قدر الله، الطاعون قدر الله، والشفاء قدر الله، فأنا أفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم نادى في الجيش، هل فيكم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً في الطاعون؟ فقال أسامة بن زيد: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إن هذا الوجع رجْزُ أو عذابُ، عُذِّب أُنَاسُ من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها))
[ أخرجه مسلم عن سعد بن أبي وقاص ]
أحدث نظرية في الوقاية، هناك إنسان حامل المرض ليس مريضاً، فإذا كان إنسان بأرض فيها طاعون، أو فيها مرض عضال، قد يحمله وليس مصاباً به، فإذا خرج من هذا البلد نقل هذا المرض إلى مكان آخر، هذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: نعم أنا أفر من قدر الله إلى قدر الله، وفي حديث قالوا يا رسول الله: (( أرأيتَ رُقَاة نَستَرقي بها، ودَوَاء نتَداوَى به، وتُقَاة نَتَّقيها هل ترُدُّ من قَدَرِ الله شيئاً؟ قال: هو من قَدَرِ الله ))
[ أخرجه الترمذي عن يعمر السعدي ]
هذا الفهم الصحيح، أي كل القصد أن هذا القعود، والاستسلام، والتأمل، من دون حركة، من دون استعداد، ربِّ ابنك، نور ابنك، اضبط بيتك، أتقن عملك، حتى تقدم لهذه الأمة شيئاً.
إذاً فهمنا للقضاء والقدر يجب أن يكون فهماً آخر، طبيب بالمستشفى، في قسم الإسعاف، جاء مريض، لأنه كان يدير حديثاً مع الممرضة، أو يلعب بالنرد، مات المريض، قال: سبحان الله! مات بأجله، لا، يحاسب على هذا التقصير، لا يجوز أن نعتذر بالقضاء والقدر أبداً، تقول: هذا ترتيب الله، هو التقصير منك، لذلك قالوا: من طبب ولم يُعلم منه طبٌ فهو ضامن، يدفع الدية، من طبب ولم يعهد منه طبٌ فهو ضامن.
أيها الأخوة، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله، لكن أنا أراه من أخطر الموضوعات التي يحتاجها المسلمون في هذا الوقت الصعب، لأن أعداءنا يأخذون بالأسباب، ونحن نهملها، ولن نستطيع أن ننتصر إذا قصرنا بأمرٍ قرآني هو قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 60 ]








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:39 PM   #18


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثامن العاشر )

الموضوع : عدم الأخذ بالأسباب هو سبب كل ضائقة في حياة الإنسان







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
رعاية الأسباب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ دقيقٍ جداً متعلقٍ بـ :"سبل الوصول وعلامات القبول"، إنه موضوع "رعاية الأسباب" كما سمَّى هذا الاسم العالم الجليل ابن القيم الجوزية، الآن نقرأ بعض هذه الآيات، قال تعالى:
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾
[ سورة الحجر ]
والآية الثانية: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
[ سورة القمر ]
والآية الثالثة: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾
[ سورة الطلاق ]
إذاً آياتٌ كثيرة، كثيرةٌ جداً، أنا اخترت هذه الآيات، كلها بقدر، بقدرٍ دقيق، أي خُلق بنظام وترتيب، خُلق وفق سُنةٍ ثابتة، هناك أسباب، هناك نتائج، هناك أسباب، هناك مسببات، هناك مقدمات، هناك نتائج، فإذا كان تصميم الكون بكل تفاصيله وفق مقدماتٍ ونتائج، وفق أسبابٍ ومسببات، فهل يليق بالمؤمن أن يتجاهل هذا؟. الأخذ بالأسباب يكون بدءاً من الفرد وانتهاءً بالأمة :

من أقرب الأشياء إليك صحتك، إذا قال الطبيب لك: دع الملح فرضاً، هناك نظام دقيق، الملح يحبس السوائل، والسوائل إذا حُبست ارتفع الضغط، والضغط هو القاتل الصامت، فتقول لي: أنا مؤمن لا يحصل لي شيء، هذا جهل، قال لك الطبيب الذي مكنه الله من معرفة خصائص هذا الجسم: دع الملح، أي دع الملح.
أنا أسوق بعض الأمثلة كي يتضح أن المسلم يأكل تفاحة دون أن يغسلها ويقول: سمِّ بالله، هذا كلام غير علمي، وغير ديني، وغير إيماني، ورد في بعض الأحاديث:
(( من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه ))
[ أخرجه الطبراني عن سلمان ]
طبعاً لا زلنا في موضوعٍ دقيق "رعاية الأسباب"، إذا كان هذا الكون وفق نظامٍ دقيق، وفق أسبابٍ ومسببات، وفق مقدماتٍ ونتائج، لا ينبغي أيها المؤمن أن تتجاهل هذا النظام، من علامات تأدبك مع الله، من علامات طاعتك لله، أن تخضع لنظامه، هذه نقطةٌ نفتقدها كثيراً على مستوى أشخاص، وعلى مستوى جماعات، لابد من أن نستعد لأعدائنا تقول لي: عدوان غاشم، طبعاً غاشم، عدوان غادر، طبعاً غادر، العدو لن يخبرك إن أراد أن يعتدي عليك، فلابد من أن تأخذ بالأسباب بدءاً من الفرد وانتهاءً بالأمة.
المعجزة و الكرامة :

لكن هناك نقطة دقيقة جداً وهي أن الله سبحانه وتعالى يخرق النواميس للأنبياء، لأن الله عز وجل حينما يرسل إنساناً ويقول للناس: أنا رسول الله، معه منهج، معه افعل ولا تفعل، هناك أشياء محرمة، فالذي أَلِف الحرام يرفض هذه الدعوة، ويتهمه بالكذب، وقال:

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
[ سورة الرعد الآية: 43 ]
الآن كيف يشهد الله لرسولِه أنه رسوله؟ لابد من أن يجري على يديه خرقاً للنواميس، وخرق النواميس هو المعجزة، وقد كُلف النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحدى بها الآخرين، هذا وضعٌ خاص بالأنبياء والمرسلين، القوانين والنواميس لن تُخرق لك، تُخرق لنبي كشهادة من شهادات الله أنه رسوله، أما مؤمن عادي الله عز وجل يخصك بكرامة، هذه الكرامة ليست قابلة للتداول، الوليُّ يستحي بكرامته كما تستحي المرأة بدم حيضها، هكذا قال بعض العلماء، الكرامة لك وحدك، لأن الله عز وجل من كماله أنه شكور. أعظم كرامةٍ هي كرامة العلم :
أنت حينما تخطب وده، أنت حينما تتقرب إليه، أنت حينما تؤثره على هوى نفسك، أنت حينما تخدم عباده، لابد من أن يقابلك بود، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[ سورة مريم ]
قال علماء التفسير: ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

فيما بينهم وبينه، المؤمن الصادق يشعر أن الله يحبه، يشعر أنه قريبٌ من الله عز وجل، فلذلك أنت حينما تخطب ود الله لك كرامة، هذه الكرامة ممنوعٌ أن تجهر بها، بينك وبينه، لأنك لست معصوماً، لو جهرت بها لكذبك الناس، أنت لست معصوماً، لكن أنا أؤكد لكم مستحيل وألفُ ألف مستحيل أن تكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، تخطب ود الله كل يوم بطاعته، وخدمة عباده، والنصح لهم، دون أن يريك شيئاً يؤكد لك أنه يحبك هي الكرامة، فالوليُّ له كرامة، والنبي له معجزة، النبي مسموحٌ له أن يتحدى الكفار بالمعجزات، لأنها شهادة الله له أنه رسوله، أما أنت أحياناً قد تأتي بأشياء ليست صدفة و:
﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾
[ سورة طه ]
هناك توفيق إلهي، هناك انشراح بالصدر، أحياناً أمام عقبة كبيرة، تُذلل أمام مشكلة تُحل، أمام قضية شائكة لها حل عند الله عز وجل، هذه كرامة المؤمن، وأنا أطالبكم أن تطلبوا من الله الكرامة، لكن أجمل كلمة سمعتها: أن أعظم كرامةٍ هي كرامة العلم، هي كرامة لا تحتاج إلى خرقٍ للعادات، ولا إلى تعطيل للنواميس، لذلك قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
الكرامة طريقة يُشعر الله بها الإنسان أنه يحبه :
لذلك النبي له معجزة، وقد أمر أن يتحدى بها قومه، والولي له كرامة، والكرامة طريقة يشعرك الله بها أنه يحبك، وقد وردت في القرآن الكريم تحت اسمٍ آخر هذا الاسم أيام الله، قال تعالى:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
[ سورة إبراهيم الآية: 5 ]
يوم كنت مضطراً فدعوته فأجابك: وجدناك مضطراً فقلنا لك ادعُنـا نُجبك، فهل أنت حقاً دعوتنـــا؟
دعوناك للـخيرات أعرضت نائياً فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنـا؟
فيا خجلي منه إذا هــو قال لي أيا عبدنــا ما قرأت كتابنـــا ؟
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا ؟
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظر ما به جـاء وعدنـــا ؟
* * *

على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ويتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :

أيها الأخوة، إذاً أنا حينما أخطب ود الله لابد من باب كمال الله المطلق، من باب أن الله شكور، أن يشعرني بطريقةٍ أو بأخرى من دون تفاصيل أنه يحبني، هذه كرامة تمسك بها، وابحث عنها، ولا تذكرها للناس، إلا لمن تحبه حباً شديداً وهو يثق بك، ليس ممنوع كلياً لكن الأصل أنه لا يتحدى بها الآخرين، لأن المؤمن غير معصوم، إذا لم يكن عنده عصمة وتكلم عن كرامة له، هناك من يتهمه أنه كاذب، الآن الذي أنا أراه وأرجو أن أكون على صواب أن المؤمن الذي يستخف بالأسباب، ولا يبالي بها، ولا يأخذ بها، ويدّعي أنه متوكل فهو كاذب، هذا ليس توكلاً، التوكل محله القلب، أما الأعضاء محل الأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
أوضح الأمثلة: الابن مرض، آخذه إلى أفضل طبيب، أشرف بنفسي على الدواء، وأتصدق، وفي أعماق أعماق قلبي أقول: يارب أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، فهنا تستطيع أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا ما ينقص المسلمين اليوم، لا يأخذون بالأسباب أبداً، العالم الغربي أخذ بها، واعتمد عليها، وألّهها ، فوقع في وادي الشرك، والعالم الشرقي لم يأخذ بها أصلاً فوقع في وادي المعصية، أي الطريق القويم طريق على يمينه وادٍ سحيق، وعلى يساره وادٍ سحيق، على يمينه وادي الشرك إن أخذت بالأسباب، واعتمدت عليها، ونسيت الله عز وجل وقعت في وادي الشرك، وإن لم تأخذ بها أصلاً وقعت في وادي المعصية، والموقف الكامل أن تأخذ بها كأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
الله عز وجل رحمة بالإنسان كلفه أن يأخذ بالأسباب المتاحة لا المطلقة :
الآن النقطة الثانية: الله عز وجل رحمةً بنا ما كلفنا أن نأخذ بالأسباب المطلقة بالأسباب المتاحة، ساكن بقرية وهناك طبيب، طبيب أي لم يتخصص، والابن مريض، إن أخذته إلى هذا الطبيب يكفي، أنت أخذت بالأسباب، قد لا يكون بالإمكان أن تصل للمدينة، هناك أطباء كبار اختصاصيون، فالوقت قصير، والمرض داهم الطفل، فرحمةً بنا الله عز وجل ما كلفنا أن نأخذ بالأسباب المطلقة، كلفنا أن نأخذ بالأسباب المتاحة، أي بالنهاية آمن بالله إيماناً يحملك على طاعته، وخذ بالأسباب المتاحة لك، هذا الذي عليك قد أديته، وبقي لك أن ينصرك الله على أي قضية.
طبعاً هذا كلام عام يصلح في الدراسة، في العمل، في التجارة، في الزواج، خذ الأسباب وكأنها كل شيء، خذ الأسباب المتاحة، ما كلفك الله فوق ما تطيق، قال:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 60 ]
وعلى الله الباقي، أحياناً تجد أن أناساً مؤمنين صنعوا سلاحاً متواضعاً جداً هذه إمكانيته، وجابهوا بها أقوى جيش، والله أيدهم، فمعنى ذلك يمكن أن تأخذ بالأسباب المتاحة فقط، وما كلفك الله أن تأخذ بالأسباب المطلقة. بطولة الإنسان لا أن يتجاهل القوانين بل يأخذ بها :
النقطة الثالثة في هذا الموضوع دقيقة جداً: هذه القوانين الدقيقة آمنت بها أو لم تؤمن، عرفتها أو لم تعرف، عظمتها أو لم تعظمها، صدقتها أو لم تصدقها، نافذةٌ فيك شئت أم أبيت، لا يوجد علاقة بين نفوذها بك وبين إيمانك بها.

مثلاً إنسان راكب طائرة استخف بقانون السقوط، فقفز من دون مظلة، ينزل ميتاً، لأنه لك يصدق هذا القانون، لم يعبأ به، استخف به، احتقره، آمنت به أو لم تؤمن، عظمّته أو لم تعظمّه، نافذٌ فيك، فالبطولة لا أن تتجاهل القوانين، هي نافذة فيك، البطولة أن تأخذ بها.
فلذلك المؤمن الصادق يتأدب مع الله عز وجل، بدءاً من صحته وانتهاءً بالقضايا الكبيرة، يشتري صفقة من دون دراسة، ويوجد بالسوق أسعار للنصف من مصدر آخر، لم يدرس الأوضاع، اشترى صفقة لم تُباع، يا أخي الله لم يكتب لي النجاح! لا أنت قصرت، دراسة هذه الصفقة غير جيدة، لا يوجد معها دراسة شمولية الأسعار، المصادر، بيع هذه المادة، عليها طلب أم ليس عليها أي طلب، عندما تقصر بالدراسة تدفع الثمن، أنا أتمنى دائماً أن تفرق بين القضاء والقدر وبين جزاء التقصير، مثلاً إنسان تارك مأخذاً كهربائياً مكشوفاً بالحمام، والتيار مائتان وعشرون، وإذا دخل الابن إلى الحمام بلا وقاية في رجله مع الماء يموت فوراً، فإذا مات ابنه لا يقل: هكذا كتب الله لي، ليقل: أنا قصرت، طبيب الإسعاف إذا أهمل مريضاً مرضه خطير، كان يدير حديثاً مع ممرضة، بعد دقائق مات المريض، كان من الممكن أن يسعفه، يقول: مات بأجله هذا موضوع ثان.
التوحيد لا يعفي من المسؤولية :
لذلك النقطة الدقيقة جداً أن التوحيد لا يعفي من المسؤولية، والدليل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
[ سورة النور الآية: 11 ]
بعد قليل: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة النور ]
قبل آية قال الله عز وجل: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
ومع ذلك الذي تولى كبر هذا الموضوع ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

هذه قاعدة مهمة جداً، التوحيد لا يعفي من المسؤولية، لذلك نصل إلى أن عدم الأخذ بالأسباب هو سبب تخلف المسلمين، عدم الأخذ بالأسباب هو سبب ضعفهم، عدم الأخذ بالأسباب هو سبب تخلي الله عنهم.
مدير مدرسة وضع نظاماً دقيقاً، الدوام الساعة الثامنة، من يتأخر لا يدخل، له صديق حميم جاء ابنه الساعة التاسعة، أنا أرى أن هذا الصديق الحميم عندما سمح لابنه أن يتأخر اعتماداً على صداقته مع المدير، هو لا يعبأ بهذه الصداقة، فأحرجه كثيراً.
فلذلك مرة ثانية: أنت حينما تعتد وتأخذ بالأسباب أنت تعظم الله عز وجل، فإن لم تأخذ بها لا تتخيل أن الله سوف يخرق لك القوانين من أجلك، تحاسب وأنت تحت القوانين التي قننها الله عز وجل.
أيها الأخوة، أعداء المسلمين يتهمون المسلمين بأنهم متواكلون، بأنهم حالمون، بأنهم عاطفيون، بأنهم يثارون لأتفه الأسباب، تضعف همتهم لأتفه الأسباب، هذا الوضع هو الذي ضعضع مكانة المسلمين في العالم، الطرف الآخر يعمل بعقله، يأخذ بالأسباب، لا يثور ولا يهوج، نحن نهوج ولا نفعل شيئاً بالنهاية، لكن العالم الآخر يستغل هذا الهياج وهذه الانفلاتات ويتهمنا بالتخلف، فلذلك آن الأوان أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. كلّ شيءٍ له سبب :

أخواننا الكرام، الآن هناك موضوع عقدي دقيق، الله عز وجل حينما يقول:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 57 ]
السحاب أنزل الله به الماء: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
إذاً كان هناك سحاب، ومطر، ونبات، وكل واحد سبب الثاني، الآية الثانية: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
[ سورة البقرة ]
ماذا تعني هذه الآيات؟ تعني أن كل شيءٍ له سبب. الله عز وجل أراد أن تكون أنظمة الكون وفق نظام السببية :
الآن سؤال عقدي، الله عز وجل هل يليق بمقام الألوهية أن الشيء لا يكون إلا بسبب عند الله؟ عند الله:
﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
[ سورة يس ]

أنت لن تستطيع أن تلتقي بابنك في أمريكا إلا إذا سافرت إليه، فأنت مقهور بالأسباب، لن تستطيع أن تشرب الماء إلا إذا استخرجته من البئر، لن تستطيع أن تأكل شيئاً إلا إذا زرعته، الإنسان مقهور بالأسباب، أما الله عز وجل لا يليق بمقام الألوهية أن يكون فعله وفق الأسباب، الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
[ سورة يس ]
من أجل أن تأكل رغيف خبز، هناك شيء اسمه زراعة، وسقي، وتسميد، وجني، ودراسة، وطحن، وخبز، مراحل طويلة مقرونة جميعاً بها، لكن الله عز وجل للتقريب قادر مباشرةً: ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
خبز جاهز من دون أي أسباب، كيف نوفق بين هذه الآيات التي تبين أن لكل شيءٍ سبباً وبين أن الله عز وجل لا يليق بمقامه أن تحكمه الأسباب؟ الجواب، الله عز وجل أراد أن تكون أنظمة الكون وفق السببية، هو قادر على كل شيء، قادر ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
لكن لو جعل الخلق بلا أسباب لم نؤمن به، أنت تقول: هذه الدجاجة من البيضة، والبيضة من دجاجة، تمشي مع التسلسل إلى أن تصل إلى دجاجة خلقها الله بادئ ذي بدء، فلو أن هذا الكون ليس وفق نظام السببية لما عرفت الله، فليس هناك من تناقض بين أن الله عز وجل جعل لكل شيءٍ سبباً، وبين أن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
إذاً هذا الذي يمكن أن يكون واضحاً من خلال هذه الآيات وتلك الحقيقة. توافق مبادئ العقل مع نظام الكون يجعل من العقل أداةً لمعرفة الله عز وجل :

أيها الأخوة، عقل البشر في مبادئ ثلاث: مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، هذه المبادئ الثلاث تتوافق توافقاً تاماً مع أنظمة الكون، بعالم المادة كل شيء له سبب، وفي عقلك لا تفهم شيئاً بلا سبب، بعالم المادة كل شيء له غاية، وبعقلك لا تفهم شيئاً بلا غاية، بعالم المادة التناقض مستحيل، وبعقلك التناقض مرفوض، إذاً توافق مبادئ العقل مع نظام الكون هو الذي يجعل من العقل أداةً لمعرفة الله عز وجل، الآن للتقريب، لو فرضنا مدير مستشفى قال: كل واحد من الموظفين يداوم سنة لا يتأخر يأخذ كتاب شكر، سنة ثانية لم يأخذ تقريراً طبياً كتاب شكر ثان، سنة ثالثة ليس عليه شكوى كتاب شكر ثالث، سنة رابعة لا يوجد بحقه أي مخالفة كتاب شكر رابع، وكل واحد معه أربع كتب شكر يترفع، ويزيد معاشه عشرين بالمئة، التعامل مع مثل هؤلاء المدراء مريح جداً، كل الموظفين عنده سواء، لا يوجد تفرقة، عمل مقاييس موضوعية، أما هناك مدير هذا ابن عمه، هذا ابن خالته، وهذا قدم له هدية، يتعامل مع الموظفين بمقاييس إنتمائية أو نفعية، إما ابن عمه، أو قدم له هدية، فكل إدارة أساس التعامل مع الموظفين أساس نفعي أو انتمائي هذه إدارة متخلفة، وكل إدارة تتعامل مع الموظفين وفق مقاييس موضوعية إدارة راقية جداً، هذا للتقريب.

تعامل الله عز وجل مع كل عباده بمقياس واحد :

اعتقد يقيناً أن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع كل عباده بمقياس واحد:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 13 ]
سيدنا سعد بن أبي وقاص فداه النبي بأمه وأبيه: (( ارْمِ فداك أبي وأمِّي ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن علي بن أبي طالب ]
وكان يقول: (( هذا خالي فليُرِني امْرؤ خَالَهُ ))
[ أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله ]
سيدنا عمر قال له بعد وفاة النبي: "يا سعد لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينهم وبينه قرابة إلا طاعتهم له"، هذا شيء مريح، كن ابن من شئت، غني، فقير، ذكي، محدود، وسيم الصورة، غير وسيم، هناك مقياس واحد تعامل به من قبل الله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 13 ]
أيها الأخوة، أنا أتمنى مرة ثانية أن قيمة هذا الدرس ليس في معلوماته، في أن يترجم إلى سلوك، حتى يقوى المسلمون، حتى يقفوا أمام أعدائهم، لأن الأخذ بالأسباب مع الإيمان بالله أساس النجاح، سنلخص الدرس بهذه المقولة التي أرددها كثيراً، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:41 PM   #19


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( التاسع العاشر )

الموضوع :موطن الصبر








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. حقيقة الصبر :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات:"سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع الذي نحن بصدده من أجلَّ الموضوعات، إنه الصبر، أما حقيقة الصبر أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 72 ]
الأمانة نفسك التي بين جنبيك، جعلها الله عندك أمانة، فإن عرَّفتها بربها، وحمَّلتها على طاعته، وتقربت إلى ربك بالأعمال الصالحة كانت لك: ﴿ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 133 ]
إلى أبد الآبدين، إلا أن هذه الجنة ثمنها الصبر. مقومات التكليف :
الصبر هو الإيمان، كيف؟ الله عز وجل جعل هذا الكون دليلاً عليه، فهذا الكون أحد أكبر مقومات التكليف، مظهراً لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، أعطاك عقلاً هو أداة معرفة الله، مبادئ العقل متوافقة مع مبادئ الكون، السببية، والغائية، وعدم التناقض، الآن أعطاك شهوةً:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 14 ]
أعطاك فطرةً متوافقةً توافقاً تاماً مع منهج الله، فكل أمرٍ أمرك الله به ترتاح نفسك إذا طبقته، وأي أمرٍ نهاك الله عنه تتضايق نفسك إذا ارتكبته، أعطاك كوناً، وعقلاً، وفطرةً، وشهوةً، أعطاك اختياراً: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 29 ]
ليثمن عملك، أعطاك منهجاً افعل ولا تفعل، أعطاك وقتاً، هذه مقومات التكليف علاقتنا بهذه المقومات أن الله سبحانه وتعالى حينما أعطاك شهوةً، وأعطاك اختياراً، الشهوة ميل إلى جمع المال، أمرك أن تنفقه، سمح لك بوسائل لكسب المال مشروعة، وهناك آلاف الوسائل الغير مشروعة، سمح لك بالمرأة زوجةً فقط، وحرم عليك الزنا، أودع فيك الشهوات لكن المدى الذي تستطيع أن تتحرك به في الشهوة مئة وثمانين درجة، وسمح لك بمئة درجة. من اتبع هواه وفق هدى الله عز وجل فلا شيء عليه :
مثلاً: هناك حيز مسموح به، ما هو الصبر؟ الإيمان هو الصبر، أن توقع حركتك في الدنيا في الحيز الذي سمح الله به، أن توقع حركتك في الحياة في الحيز الذي سمح الله به، والدليل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص الآية: 50 ]

المعنى المعاكس أو المخالف عند علماء الأصول أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، الإنسان لا يخجل إذا تزوج أبداً، وفي الزواج تحقيق شهوة، لا يخجل إذا جمع المال من طريق مشروع، فما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، لكن يوجد تنظيم، ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، فالشهوات سلمٌ نرقى بها، أو دركاتٌ نهوي بها.
عالم جليل دعاني مرةً، قال لي: عندي ثمان وعشرون حفيداً، معظمهم من حفاظ كتاب الله، وعدد كبير منهم أطباء، أنا فكرت بكلامه، أي هذا الجمع الغفير من حفاظ كتاب الله، من الأطباء، والمهندسين، أي له أولاد، والأولاد جلبوا له الكنائن، وله بنات، والبنات جلبوا له الأصهار، ثمان وثلاثون حفيداً غير أولاده وكنائنه، وغير بناته وأصهاره، معنى هذا هناك كم كبير، هذا الكم الكبير من الأشخاص المتفوقين علماً وديناً، أساس هذا الكم علاقةٌ جنسية، أليس كذلك؟ وفي أي بيت دعارة هناك علاقة جنسية، هذه الشهوة سلمٌ ترقى بها إلى أعلى عليين، أو دركات تهوي بها إلى أسفل سافلين. علاقة الصبر بالإيمان :
ما علاقة الصبر بالإيمان؟ الإيمان هو الصبر، عملية إيقاع الحركة بدافع الشهوة وفق منهج الله، المؤمن يأكل، ويشرب، ويتزوج، ويعمل، ويكسب المال، ويتألق، لكن كل حركته وفق منهج الله، وغير المؤمن يأكل من مالٍ حرام، ويشرب الخمور، ويزني، ويكذب، ويقتل، ويبطش كما ترون وتسمعون كل يوم. ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة ]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية ]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص ]
يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة إنها الصبر، أوضح مثل بين أيدينا، من أجل أن تكون طبيباً متألقاً، يقول لك: سبع وثلاثون سنة دراسة، سبع وثلاثون سنة وراء الكتاب حتى أصبح طبيباً متألقاً، لو لم يصبر لكان من أولاد الأزقة، المتع الحسية ليس لها أثر مستقبلي، لو إنسان استمتع بالحياة هل يمكن أن يكون عالماً كبيراً؟ طبيباً متألقاً؟ صناعياً كبيراً؟ مستحيل! لابد من الصبر حتى من أجل الدنيا، حتى من أجل أن تكون متألقاً في الدنيا لابد من أن تصبر. الصبر ثمن الجنة :
لذلك إذا قلنا: إن الدين كله يضغط بكلمة واحدة ما بالغنا، ولا تجاوزنا المعقول، إنه الصبر.

الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: ورد الصبر في القرآن الكريم في تسعين موضعاً، لأن الإيمان هو الصبر، ولأن الإنسان مخلوقٌ للجنة، وثمن الجنة الصبر أبداً، سيدنا يوسف، ما معنى سيدنا يوسف؟ نبيٌ كريم، قيمته في عفته: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
[ سورة يوسف الآية: 23]
أي صبر على شهوته، سيدنا أيوب: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾
[ سورة ص الآية: 44 ]
إذاً ثمن الجنة هو الصبر. الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :
غير المؤمن متفلت يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، من حلال، من حرام، يجلس مع من يشاء، إنسان صالح، طالح، سيئ، مجرم، يذهب إلى أي مكانٍ يشاء، إلى ملهى، إلى ناد، يأخذ أي مالٍ يشاء، يعتدي على أي مخلوقٍ يشاء، كما ترون وتسمعون في العالم كله، هكذا غير المؤمن، أما المؤمن فمنضبط: (( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
[ أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ]

عندما فتح الفرنجة القدس ذبحوا في يومين سبعين ألفاً، الدماء تمشي في الطرقات، فلما فتح صلاح الدين القدس لم ترق قطرة دمٍ واحدة. (( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
والمسلم لا يستطيع أن يقر مبدأ المعاملة بالمثل، لا يقدر، مقيد، وهذا القيد شرفٌ له، وهذا القيد وسام شرفٍ يضعه على صدره، يقول عليه الصلاة والسلام: (( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))
[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]
أنت بين حالةٍ تتمناها فكن شاكراً، وبين حالةٍ تؤلمك فكن صابراً: (( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))
[ أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]
المؤمن يتميز عن غير المؤمن بأنه شاكر صابر. الإسلام منهج تفصيلي فإذا ضُغط إلى عباداتٍ شعائرية أصبح المسلمون لا وزن لهم:
الحديث الآخر الذي يؤكد هذه المعاني:
(( الإيمان هو الصبر ))
[ورد في الأثر]

فقط، أن توقع الحركة وفق منهج الله، في طعامك، في التوجيهات، في شرابك، في بيتك، في عملك، في طريقك، في المصائب، في الأفراح، في الحل، في الترحال، في الإقامة، في الغضب، في الرضا، هناك منهج تفصيلي ولا أبالغ قد يقترب من خمسمئة ألف بند، هذا المنهج يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، مشكلة المسلمين الكبرى أنهم توهموا أن الدين أن تؤدي هذه العبادات الشعائرية، هناك مئات بل ألوف التوجيهات في كل مناحي الحياة، أي أنت تقدر أن تذبح حيواناً وقبل أن يسكن تخرج أحشاءه؟ والله مرة رأيت في سوق يبيع الدجاج، يذبح الدجاجة وبعد ثانية واحدة يغمسها في ماءٍ يغلي حتى يسهل نتف ريشها، هناك توجيهات، إنسان ذبح شاةً أمام أختها فغضب النبي وقال: "هلا حجبتها عن أختها، تريد أن تميتها مرتين".
هناك مئات ألوف التوجيهات في كل شيء بحياتك، الدين منهج كامل، فلما اقتصر المسلمون على فهم الدين أنه عبادات شعائرية أصبحوا في مؤخرة الأمم، ليس أمرهم بيدهم، ليست كلمتهم هي العليا، للطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، ترون وتسمعون، لأنهم فهموا الدين عباداتٍ شعائرية ليس غير، صلى، وصام، وحج، وزكى، أما في كسب أمواله، في بيته، في عمله، في أفراحه، في أتراحه، في حركته اليومية، بناته، زوجته، أهله، والديه، وفق مزاجه، وفق مصالحه، هنا المشكلة، المشكلة أن الإسلام منهج تفصيلي، فإذا ضُغط إلى عباداتٍ شعائرية أصبح المسلمون لا وزن لهم في الأرض.
والله حديثٌ شريف، والله من أعوام طويلة ما عدت ألقيته إطلاقاً خشية ألا أُصدق، الحديث: (( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ))
[ أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ]
لكن شاهدنا قبل أيام كيف أن عشرة آلاف مقاتل وقفوا أمام أعتى جيش، هناك مقاييس دينية دقيقة جداً. الصبر واجب بإجماع الأمة :
أيها الأخوة: (( الإيمان هو الصبر ))
الآن الصبر واجب بإجماع الأمة، لأن القرآن الكريم حينما يقول: ﴿ اصْبِرْ ﴾
[ سورة ص الآية: 17 ]
فهذا أمر، وكل أمرٍ يقتضي الوجوب، ﴿ اصْبِرْ ﴾
على تطبيق منهج الله، منهج الله عز وجل سلسلةٌ من الأوامر والنواهي، فأنت بعد أن تؤمن لابد من أن تتحرى الأحكام الشرعية، أن تأتمر بما أمرت، وأن تنتهي عما نهيت، والآية الدقيقة جداً: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 36 ]

كلمة مؤمن، أي هناك عقد إيماني مع الله، أنت آمنت بالله رباً، آمنت به خالقاً، أمنت به إلهاً، آمنت به موجوداً، آمنت به واحداً، آمنت به كاملاً، عاهدته على الطاعة، هناك عقد إيماني، فإذا قال الله لك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة البقرة الآية: 153]
أي يا عبدي بحسب العقد الإيماني بيني وبينك: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
[ سورة الأحزاب ]
الأوامر والنواهي ليست خاضعةً للبحث، أحياناً بالمعاهدات، بالمؤتمرات، هناك بنود في جدول الأعمال يقال عنها: إنها ليست خاضعةً للبحث هذه مسلمات، فالمؤمن يختار هذه المرأة ليتزوجها أو هذه، مخير، يختار أن يكون تاجراً أو موظفاً، يختار أن يقيم في هذا المكان أو في هذا المكان، أما بالأوامر والنواهي لا يوجد اختيار، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
الصبر وسيلة لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة :
الآن الصبر وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلقت من أجله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 153 ]

الآن ما من أمة تتقدم إلا بالصبر، هل تصدقون أن الله عز وجل حينما يقول: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
[ سورة إبراهيم ]
ومع ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 120 ]
أنت حينما تصبر وتطيع الله تلغي كلّ كيد الكافرين، تلغي كل قوتهم، كل بطشهم، كل أسلحتهم، كل مكرهم، كل أموالهم، كل إعلامهم، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
إذاً الصبر وسيلة لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، الصبر وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلقت من أجله، ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾
كلما ازداد علم الإنسان ازداد صبره :

الآن كلما ازداد علمك يزداد صبرك، إنسان راشد جلس على كرسي طبيب الأسنان، قال له: قلبك لا يتحمل المخدر، تحتاج إلى أن تصبر، تجده صابراً، لأنه عرف القصة المخدر يؤذي قلبه، وهناك ألم، عندما عرف القصة صبر، شدّ على الكرسي ولم يتكلم بكلمة، أما الطفل فلا يوجد عنده إمكان أن يدرك الحقيقة، يصيح، وقد يضرب الطبيب إذا كان صغيراً، فالصبر يتناسب مع العلم، كلما ازداد علمك ازداد صبرك .
مرة قال لي طالب: أنا لا أخاف من الله ـ هو يبدو ملحداً ـ، قلت له: أنت معك حق، فلما قلت له: أنت معك حق ازداد غضبه، قال لي: لماذا؟ قلت له: لأن الفلاح أحياناً يأخذ ابنه إلى الحقل إلى الحصيدة، يضعه بين سنابل القمح، يمر ثعبان طوله عشرة أمتار لا يخاف منه، لأنه لا يدرك ، و بالتالي لا يخاف، من يخاف من الثعبان؟ الراشد.
فالخوف متعلق بالإدراك، كلما ضعف إدراكك ضعف خوفك، الطبيب أحياناً يعقم الفاكهة مرات عديدة، حتى أنت تضجر منه، لأنه يرى الجراثيم، والأوبئة، والأمراض العضالة، تأتي بالعدوى، فكلما ازداد علمك ازداد صبرك. على الإنسان الاستعانة بالله على الصبر :
لكن قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
[ سورة النحل الآية: 127 ]
استعن بالله على الصبر، ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
والذي رأيناه من صبر أخوتنا والله هناك معونة إلهية، والله الذي أصابهم فوق طاقة البشر، لكن الله سبحانه وتعالى أعانهم على أن يصبروا، ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
لكن أحياناً الإنسان يكون ضعيفاً، لكنه مضطر أن يصبر، والصبر عنده هو القهر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾
[ سورة المدثر ]
المؤمن يصبر لله، أما إذا كان هناك تجاوز: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
[ سورة الشورى ]

يصبر لله، لا عن ضعفٍ، ولا عن قهرٍ، ولا عن ذلةٍ، يصبر وهو قوي، عشرة آلاف سيف متوهجة، مؤتمرة بكلمةٍ من فم النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء))
[ السيرة النبوية]
الصبر وأنت قوي، نحن الضعاف صابرون شئنا أم أبينا، أي مقهورون، ليس هذا هو الصبر، أن تكون قوياً، وأن تعفو عمن ظلمك، و أن تجعل صبرك لله، اجعل صبرك بطولةً، عملاً صالحاً، أما كل إنسان ضعيف يصبر، يصبر شاء أم أبى، رضي أم لم يرضَ، وأنت مهمتك أن تصبر، وأن تصابر، إنسان اشتكى لك همه، أعنه على الصبر، لا تقل له: أنا لو مكانك لانتحرت، هناك إنسان يجعل كلامه يضاعف المصيبة: ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 200 ]
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية: 35 ]
من قدوتك في الصبر؟ الأنبياء أما المتفلتون فلا يصبرون. الوهن والحزن والتولي من الزحف واستعجال العذاب من عدم الصبر :
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾
[ سورة محمد ]
إنسان خدم والدته عشر سنوات ثم ضجر، وغضب، وتكلم كلاماً قبيحاً، فبكت واتصلت بابنها الآخر، وجاء وأخذها، في اليوم الثاني ماتت عند ابنها الثاني، لا تبطل عملك: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾
أيها الأخوة، الوهن والحزن من عدم الصبر، والضجر من عدم الصبر، والتولي من الزحف من عدم الصبر، واستعجال العذاب من عدم الصبر: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
للموضوع تتمة إن شاء الله في لقاءٍ آخر.







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 03:43 PM   #20


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( العشرون )

الموضوع :الصبر مع الشهوات









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الصبر هو إيقاع حركة الإنسان في النطاق المسموح به من الشهوات :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ دقيق متعلقٍ بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو موضوع الصبر.

ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، فالصبر هو إيقاع حركة الإنسان في النطاق المسموح به من الشهوات، إذاً الإيمان كله صبر، الآن لندقق في هذه الآيات، الآية الأولى قال تعالى:

﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾
[ سورة هود ]
بالمناسبة حيثما وردت كلمة الإنسان معرفة بأل تعني الإنسان قبل أن يؤمن: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
[ سورة هود ]
أي في الرخاء ينسى فضل الله عليه، يفرح بهذا العطاء، وفي الشدة ييئس، يائسٍ متبجح. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
[ سورة هود ]
المؤمن في الرخاء شكور وفي الضراء صبور :
أي المؤمن متميز، في الرخاء شكور، وفي الضراء صبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))
[ أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]
آيةٌ ثانية: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[ سورة الفجر ]

يتوهم الإنسان أن نعم الله في الدنيا إكراماً، ويتوهم الإنسان أيضاً أن الحرمان إهانةً، فجاء الجواب الإلهي:
﴿ كَلَّا ﴾
[ سورة الفجر الآية: 17 ]
﴿ كَلَّا ﴾
أداة ردعٍ ونهي، أي يا عبادي ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء: ((إنَّ اللَّهَ لَيَحْمِيَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ))
[الحاكم عن أبي سعيد الخدري]
وفي رواية ثانية: ((إن الله عز و جل يحمي عبده المؤمن كما يحمي الراعي الشقيق غنمه من مراتع الهلكة ))
[ شعب الإيمان عن حذيفة ]
لذلك قال ابن عطاء الله السكندري: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء."
أحياناً البلاد التي فيها رخاءٌ كبير، هذا الرخاء قد يكون حجاباً بين الناس وبين ربهم، وبلادٌ أخرى فيها شدائد كثيرة، هذه الشدائد تدفعهم إلى باب الله، ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء. كل الخصائص التي منحت للإنسان ابتلاءٌ يقيّم في ضوء التعامل معه :
الآن: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ﴾

أعطاه مالاً، أعطاه صحةً، أعطاه وسامةً، أعطاه ذكاءً، أعطاه أهلاً وأولاداً، أعطاه منصباً رفيعاً، أعطاه بحبوحةً ماديةً
﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن ﴾
نقول له: لا، هذا العطاء ليس نعمةً وليس نقمةً، هذا العطاء امتحان، يقيّم في ضوء استخدامك له، فإذا أُنفق المال في طاعة الله كان المال نعمةً وأية نعمة، وإذا أنفق المال في المعاصي والآثام كان المال نقمةً وأية نقمة، أعطاك صحةً، إن استخدمتها في طاعة الله الصحة نعمةٌ وأية نعمة، أما إذا استخدمت في المعاصي والآثام الصحة نقمةٌ وأية نقمة، كل نعم الله، وكل الحظوظ في الدنيا، وكل الخصائص التي منحت للإنسان، ليست نعمةً وليست نقمةً، إنما هي ابتلاءٌ يقيّم في ضوء التعامل معه، المال نعمة إن أنفق في طاعة الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]
إذاً : ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء. الصبر طريق الجنة :
أيها الأخوة، كما تعلمون لكل حسنةٍ ثواب، إلا الصبر، التعبير المعاصر معه شيك مفتوح، الآن أي سند فيه رقم، مليون، خمسة ملايين، ألف مليون، إلا أن هناك شيكاً موقعاً والرقم فارغ، اكتب أي رقم:
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
[ سورة الزمر ]
الصبر طريق الجنة، الآن الإله العظيم يقول لعباده: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة النحل الآية: 126 ]
خير لكم، أي هناك شهوات، و هناك ضبط، غض البصر صبر، ضبط اللسان صبر، ضبط الدخل صبر، ضبط الإنفاق صبر، ضبط اللقاءات ـ هناك لقاءات مختلطة ـ صبر، ضبط الحركة صبر، ضبط اليد صبر، ضبط الأذن صبر، لذلك، ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾
من علامة الإيمان التعاون و التنازل :
الآن دقق: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 46 ]
تضعفوا، وهذه مشكلة المسلمين: ﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 46 ]
تذهب قوتكم: ﴿ وَاصْبِرُوا ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 46 ]

على ماذا؟ ما علاقة الصبر بهذه الآية؟ أي إذا كنتم في مهمة تطاوعوا ولا تنافسوا، لذلك ينشأ من هذه الآية فضيلة اسمها فضيلة التنازل، مثلاً أنا وأخي بوفد تكلم فانطلق لسانه، أنا ينبغي أن أسكت لأنه قام بالمهمة، أما ينبغي أن أثبت أنني لست أقل منه فأقاطعه وأتكلم، لا، إذا المهمة تحققت ينبغي أن أسكت، أن أتنازل له، لذلك:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 46 ]
حينما تطيع أخاك تحقيقاً للمصلحة العامة فأنت صابر، من علامة الإيمان التعاون، ومن علامة ضعف الإيمان التنافس، من علامة الإيمان التنازل أحياناً، ومن علامة البعد عن الإيمان تأكيد الذات، الآن أنت مكلف أن تصبر، لكن لا تنسى أنك مكلفٌ أيضاً أن تصابر، أن تحمل الناس على الصبر، أحياناً يشكو لك أحدهم مشكلةً بزوجته، تقول له: لا، الحمد لله أنا عندي زوجة رائعة، لا، هذا من سوء الأدب، هو الآن متضايق، يشكو لك قضيةً آلمته، يجب أن تعينه على الصبر، لا أن تحمله على تطليقها. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
نظام الدنيا نظام جهد و بذل و نظام الآخرة نظام إكرام و جزاء :
الآن الصبر شيء ليس سهلاً: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
[ سورة آل عمران ]

الذي يملك إرادة قوية، الذي يملك رؤيا صحيحة، الذي يملك تطلعاً إلى مرضاة الله كبير يصبر، والحياة تحتاج إلى صبر، نحن في دار عمل لا في دار جزاء، نحن في دار تكليف لا في دار تشريف، نحن في دار كدح لا في دار تكريم، في الدنيا:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾
[ سورة الإنشقاق ]
أما في الآخرة: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾
[ سورة ق الآية: 35 ]
نظام الآخرة نظام إكرام، نظام الدنيا نظام جهد يبذل، إذاً، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
ما من دعوةٍ إلى الله إلا وتواجه معارضة فشأن الدعاة إلى الله شأن الصبر :
الآن دقق في هذه الآية: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
ما قولك أنك إذا كنت صابراً فإن الله يحبك؟ ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
لو تتبعت آيات القرآن الكريم على كلمة ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ ﴾
لوجدت أن الله سبحانه وتعالى في بضع عشرة آية ذكر من الذي يحب؟ يحب التوابين، يحب المتطهرين، يحب الصابرين، يحب المحسنين، يحب المتقين، أي أن تصل إلى محبة الله شيء سهل: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

والله حينما أقرأ هذه الآية يقشعر بدني:
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾
[ سورة ص ]
أي الله يقدر صبرك، يكون الدخل قليلاً والتكاليف كثيرة، و عندك طرائق كثيرة لكسب المال الحرام، تقول: ﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة الحشر ]
الله يقدر أنه أنت بإمكانك أن تملك الملايين المملينة، لكن مبادئك تمنعك أن تأكل المال الحرام، والله يقدر هذا الموقف، الآن ما من دعوةٍ إلى الله إلا وتواجه معارضة أحياناً، فشأن الدعاة إلى الله شأن الصبر، سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، والذي أقسم الله بعمره، في الطائف كُذب، وسخر منه، وضرب، فقال: (( يا رب إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين إلى من تكلني؟ إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر]
ما هذا الأدب؟ ما هذا الصبر؟ في آخر الزمان القابض على دينه كالقابض على الجمر :
الآن: (( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ، فطُوبَى للغرباءِ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا : منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ))
[ الترمذي عن أنس]

يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، موتٌ كعقاص الغنم:
(( يَوْمٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[مسلم عن أبي هريرة ]
لذلك: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾
[ سورة الأنعام ]
لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
الصبر طريقٌ لابد من أن يسلكه الإنسان ليصل إلى الجنة :
الآن أيها الأخوة: الطرف الآخر له مكر مخيف، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾
[ سورة إبراهيم الآية: 46 ]

تصور إله عظيم يصف مكرهم بأنه تزول منه الجبال، هل تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تنقل جبل قاسيون إلى درعا؟ فوق طاقة كل الدول، وصف الله مكر هؤلاء أعداء الدين بأن مكرهم تزول منه الجبال:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
[ سورة إبراهيم ]
استمع إلى الآية الثانية: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 120 ]
أسلحتهم، أقمارهم الصناعية، أموالهم الطائلة، الإعلام الذي يملكونه، ثلاثون دولة تتحالف فوراً معهم، على ضلال، على عدوان، معهم تحالفات، معهم حق الفيتو، معهم أقمار صناعية، معهم أموال طائلة، معهم إعلام، قال: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
هل تصدقون أن خلاص المسلمين بكلمتين في هذه الآية: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
بالمناسبة الإمام الشافعي سُئل: "أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فتبسم وقال: لن تمكن قبل أن تبتلى"، أي مستحيل وألفُ ألفِ مستحيل أن تنال عطاءً من الله من دون ابتلاء، تبتلى ثم تُمكن، الآية: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
إذاً لابد من أن تصبر، فالصبر طريقٌ لابد من أن تسلكه. الله عز وجل مع المؤمن بالنجاح و الفلاح و التفوق :
الآن ماذا تعني كلمة: ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة البقرة ]
﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

بالتأييد، بالتوفيق، بالحفظ، بالنصر، قال تعالى:
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة البقرة ]
أي إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ آيةٌ دقيقةٌ جداً قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 177 ]
أي النجاح، الفلاح، التفوق: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾
[ سورة البقرة الآية: 177 ]
الصبر إشارةٌ على صدق الإنسان :
الآن دققوا: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 177 ]

هناك النعماء والبأساء، النعماء مال وفير، بيت جميل، صحة طيبة، ألوان من الأطعمة؛ هذه النعماء، والبأساء قد يكون البيت صغيراً، والدخل قليلاً، و المعاناة كثيرة:
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 177 ]
قال علماء التفسير: النقص في المال والأنفس، دخل قليل، ولم يرزق بأولاد، النقص في المال والأنفس، قال: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 177 ]
الشدة: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة ]
فصار الصبر إشارةٌ على صدق الإنسان، الآية المتعلقة بالمؤمنين: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة البقرة ]
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة البقرة ]
الصبر يشمل البحث عن الحقيقة والعمل وفقها والدعوة إليها :
الآن الآية التي قال عنها الإمام الشافعي، بل السورة التي قال عنها الإمام الشافعي: لو تدبرها الناس لكفتهم هي سورة العصر:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
[ سورة العصر الآية: 1 ]
جواب القسم: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة العصر الآيات: 2-3 ]

أي بحثوا عن الحقيقة:
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
[ سورة العصر الآيات: 2-3 ]
تحركوا وفقها: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
[ سورة العصر الآيات: 2-3 ]
دعوا إليها، أما الرابعة: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
[ سورة العصر ]
قال العلماء: هنا الصبر يشمل البحث عن الحقيقة، والعمل وفقها، والدعوة إليها. البحث يحتاج إلى صبر :
البحث يحتاج إلى صبر، وتطبيق هذا المنهج يحتاج إلى صبر، والدعوة إلى هذا المنهج تحتاج إلى صبر، والله عز وجل يقول: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ﴾
[ سورة المعارج ]

هناك إنسان صابر، لكن لم يعد يستطيع الاحتمال، كلامه قاس جداً، دائماً ينتقد، متبرم، دعك مني، اذهب من وجهي، الله عز وجل قال:
﴿ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ﴾
وهناك إنسان يتقبل قضاء لله وقدره بصبرٍ جميل: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾
[ سورة يوسف الآية: 18 ]
والله مرة قرأت هذه الآية في مكان تأثرت بها كثيراً: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾
[ سورة الطور الآية: 48 ]
أحياناً الأمر واضح، ما دام واضحاً لا يحتاج إلى صبر، لو قال لك طبيب الأسنان: لا تحتمل المخدر، لابد من أن تتألم، الأمر واضح، فتتألم وتسكت، لكن أحياناً وأنت مؤمن مستقيم، مطبق لمنهج الله تماماً، تأتي مشكلة يصعب عليك تفسيرها، هنا تأتي هذه الآية: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
[ سورة الطور الآية: 48 ]
أخ من أخواننا ولدت امرأته فجاء الولد معه أذية دماغية، فأصبحت تأتيه اختلاجات نوبية، فالأطباء قالوا: هذه أذية في الدماغ تنتهي بشلل، أو بفقد بصر، أو بأشياء كثيرة، فألمت به كآبةٌ كئيبة، قلت له: إن الذي تحبه، والذي تعبده، والذي ترجو رضاه، هذا قراره ينبغي أن تقبله، فلذلك: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾
[ سورة الطور ]
وراء كل مِحنة مَنحة من الله عز وجل :

الآن هذا الذي سمح الله له أن ينطق بالحق دخل في امتحانات صعبة جداً:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾
[ سورة السجدة ]
أي مستحيل أن تصل إلى مقامٍ رفيعٍ عند الله دون أن يسبقه امتحانات، حينما أعلم الله نبيه أنه سيد الأنبياء والمرسلين في الإسراء والمعراج، ماذا سبق ذلك؟ الطائف، لذلك كل محنةٍ بعدها منحة، وكل شِّدةٍ وراءها شَّدةٌ إلى الله عز وجل: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
[ سورة لقمان ]
النصر و الفرج مع الصبر لأن الصبر يحتاج إلى عزيمة :
لكن: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
[ سورة الشورى ]

قد يأتي قضاء الله وقدره مباشرةً، ينبغي أن تصبر، والصبر يحتاج إلى عزيمة، لكن قد يأتي قضاء الله وقدره على يد إنسان، أنت في الحالة هذه الصبر أصعب، يوجد إنسان غريم أمامك، وقع الطفل من الشرفة فمات، تقاضي من؟ قضاء وقدر، لكن هناك إنساناً يقود مركبته بدقةٍ بالغة، الابن قفز أمام المركبة ودهسته، أنت أمامك إنسان، بهذا الموقف العصيب في هذه الآية:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾
على قضاء الله وقدره، ﴿ وَغَفَرَ ﴾
لمن جعل الله هذا القضاء والقدر على يديه، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
أيها الأخوة الكرام، إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الصبر، والنبي كان يدعو ويقول: (( اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الصَّبْرَ ))
[ أخرجه الترمذي عن معاذ بن جبل ]
أما الصبر الحقيقي عند الصدمة الأولى، أحياناً إنسان عند الصدمة الأولى لا يصبر لكن بعد ذلك يجبر على أن يصبر، هذا الواقع ماذا تفعل؟ أما المؤمن يصبر عند الصدمة الأولى، اللهم اجعلنا من الصابرين.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الاسلامية-, التربية, الوصول, القبول, سبل, وعلامات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 2 )
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التربية الاسلامية - الاخلاق المذمومة السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 12 09-22-2018 08:42 PM
التربية الإسلامية - الموت السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 5 09-06-2018 08:30 PM
التربية الاسلامية - مدارج السالكين السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 101 07-21-2018 03:54 PM
التربية الإسلامية -علم القلوب السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 54 07-18-2018 11:42 AM
اشياء تمنع الرجل من الوصول الى النجاح منال نور الهدى رِيَاض الأسرَة وَالطِفَل وَ أنَاقَة حَواء وآدَم 4 07-14-2014 11:00 AM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 04:10 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.