يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ...

بسم الله الرحمن الرحيم

و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد - صلى الله عليه و سلم -

المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين .


===================================

======== { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها .. } النساء .

إنه الخطاب للناس بصفتهم هذه ، لردهم جميعا إلى ربهم الذي خلقهم .. " من نفس واحدة " .. " و خلق منها زوجها " .. " و بث منهما رجالا كثيرا و نساء "..

إن هذه الحقائق الفطرية البسيطة لهي حقائق كبيرة جدا ، و عميقة جدا ، و ثقيلة جدا ..

و لو ألقى الناس أسماعهم و قلوبهم إليها لكانت كفيلة بإحداث تغييرات ضخمة في حياتهم ، و ينقلهم من الجاهلية إلى الإيمان و الرشد .



======== إن هذه الحقائق تجلوا للقلب و العين مجالا فسيحا لتأملات شتى :

إنها ابتداء تذكر الناس بمصدرهم الذي صدروا منه ، و تردهم إلى خالقهم الذي أنشأهم في هذه الأرض .

إن الناس جاءوا إلى هذا العالم بعد أن لم يكونوا فيه .. فمن الذي جاء بهم ؟ ، فقد كانوا قبل أن يجيئوا عدما لا إرادة له .

فإرادة أخرى هي التي جاءت بهم إلى هنا ..

إرادة أخرى هي التي قررت أن تخلقهم ..

إرادة أخرى هي التي رسمت لهم الطريق ، و هي التي اختارت لهم خط الحياة ..

إرادة أخرى هي التي منحتهم القدرة على التعامل مع هذا الكون الذي جيء بهم إليه من حيث لا يشعرون ، و على غير استعداد .



======== إن هذه الإرادة لهي وحدها التي تملك لهم كل شيء ..

و هي وحدها التي تعرف عنهم كل شيء ..

و هي وحدها التي تدبر أمرهم خير تدبير ..

و إنها لهي وحدها صاحبة الحق في أن ترسم لهم منبع حياتهم ، و أن تشرع لهم أنظمتهم و قوانينهم .



======== هذه البشرية التي صدرت من إرادة واحدة تتصل في رحم واحدة ، و تلتقي في وشيجة واحدة ، و تنبثق من أصل واحد ، و تنتسب إلى نسب واحد .

لو تذكر الناس هذه الحقيقة لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة التي نشأت في حياتهم متأخرة ففرقت بين أبناء النفس الواحدة ، و مزقت وشائج الرحم الواحدة ..

و استقرار هذه الحقيقة كان كفيلا باستبعاد الصراع العنصري ، و كان أيضا كفيلا باستبعاد الاستعباد الطبقي .



======== و الحقيقة الأخرى هي أنه من النفس الواحدة خلق منها زوجها ..

و هذه كانت كفيلة أن توفر على البشرية الأخطاء الأليمة ، و هي تتصور في المرأة شتى التصورات السخيفة ، و تراها منبع الرجس و النجاسة ، و أصل الشر و البلاء .

و هي من النفس الأولى فطرة و طبعا ، خلقها لتكون لها زوجها ، و ليبث منهما رجالا كثيرا و نساء ..

فلا فارق في الأصل و الفطرة ، إنما الفارق في الاستعداد و الوظيفة .



======== كذلك توحي الآية بأن قاعدة الحياة البشرية هي الأسرة .

فقد شاء الله أن تبدأ هذه النبتة بأسرة واحدة ، فخلق ابتداء نفسا واحدة و خلق منها زوجها ، فكانت أسرة من زوجين ..

و لو شاء الله لخلق في أول نشأة رجالا كثيرا و نساء ، و زوجهم ، فكانوا أسرا شتى من أول الطريق .

لا رحم بينها من مبدأ الأمر ، و لا رابطة تربطها إلا صدروها عن إرادة الخالق الواحد .



======== ثم التنوع في الأشكال و السمات و الملامح ..

و التنوع في الطباع و الأمزجة و الأخلاق و المشاعر ..

و التنوع في الاستعدادات و الاهتمامات و الوظائف .

و نظرة إلى هذا التنوع المنبثق من ذلك التجمع لتشي بالقدرة المبدعة على غير مثال ، المدبرة عن علم و حكمة ، و تطلق القلب و العين يجولان في ذلك المتحف الحي العجيب ..

يتمليان ذلك الحشد من النماذج التي لا تنفذ ، و التي دائما تتجدد و التي لا يقدر عليها إلا الله ..

فالإرادة التي لا حد لها تريد ، و التي تفعل ما تريد هي وحدها التي تملك التنويع الذي لا ينتهي ، من ذلك الأصل الواحد الفريد

آفراح معجب بهذا

جوزيت كل خير وبورك فيك
تحية

شكرا لمرورك على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري