سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة > رياض الأنبياء والرسل

رياض الأنبياء والرسل (يختص بسيرة وقصص الأنبياء والرسل عليهم السلام

الإهداءات
منال نور الهدى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) منال نور الهدى : (حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ) منال نور الهدى : (اجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً) منال نور الهدى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) منال نور الهدى : (رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-06-2018, 03:36 PM   #31


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الواحد و الثلاثون )

الموضوع :الهجرة - 6 -اهمية قصة الهجرة للمسلم





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الهدف من القصة القرآنية:

القصة توضيح للحقائق:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية
وقد ذكرت لكم من قبل أن القصة اعتمدها القرآن الكريم كأسلوب في توضيح الحقائق، فقال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة يوسف الآية: 111 ).
أي أن القصة إطار تعبيري له تأثير بليغ، فالقصة فيها حوادث، وفيها شخصيات، فيها حوار، فيها تحليل، قد نفهم من القصة أضعاف ما نفهم من الكلام المباشر، لذلك كما أنها أداة تعبيرية عالية جداً مؤثرة جداً فينبغي أن يعتمدها الآباء، والمعلمون والمرشدون، والدعاة، كذلك قد تكون القصة أخطر أداة لتدمير المجتمع، هي سلاح ذو حدين، فحينما تصور القصةُ الرذيلةَ على نحوٍ نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله قد يدمر بسبب هذا الإطار التعبيري، لكن حينما نقرأ قصة سيد الأنبياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، حينما نقرأ قصة القمم نسمو إليهم، لذلك يبين الله للنبي عليه الصلاة والسلام أنه يثبت قلبك يا محمد بسماع قصة نبي دونك:

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
(سورة هود الآية: 120 ).
إذاً: إذَا كان قلب سيد الخلق، وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلئن يزداد إيماننا، ويزداد قربنا من الله، وفهمنا لهذا الدين بسماع قصة سيد المرسلين.
القصة حقيقة مع البرهان عليها:
ملاحظة ثانية أضعها بين يدي إخوتنا الكرام، وهي أنا القصة حقيقة مع البرهان عليها، أنها حدثٌ وقع حقيقةً، وقد أكدّت بوقوعها، لذلك هناك تجاذبات بين من يقول: هذه مثالية لا جدوى منها، وهذه واقعية حقيقية، جاء الإسلام بمثالية الواقعية، أو بواقعية مثالية، المثالية تُتهم بأنها حالمة، والواقعية تُتهم بأنها مقيتة، أما أن يأتي دين عظيم فيجعل من الواقع مثالياً، ويجعل من المثالية واقعاً فهذا الذي حصل.

لو قرأتم سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ـ ونحن نقرأها ـ لوجدتم أن هذا الإنسان بشر، لولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، ونحن الآن مع إنسان يعيش معنا، يتحمل الضغوط نفسها، والمغريات نفسها، والعقبات نفسها، والصوارف نفسها، وينجو بدينه وإيمانه، هذا إنسان بطل، لكن تزداد قيمة بطولته بأنه يعيش معنا، ويتحمل الظروف نفسها، والمغريات نفسها، لذلك القصة دائماً مؤثرة جداً.
أحياناً قد تلقي على ابنك نصائح كثيرة جداً في الاستقامة، فإذا وصل إلى سمعه قصة إنسان لم يستقم فدُمر، فهذه القصة أبلغ من ألف محاضرة، لذلك أنا أُهيب بالآباء وبالمعلمين والدعاة إلى الله والمرشدين أن يعتمدوا القصة في توجيههم.

ركب مرة معي إنسان في المركبة، ولا يجمعني معه شيء، طلب أن أوصله إلى مكان قرب بيتي، قلت له: تفضل، أريد أن أعظه موعظة بليغة بشكل غير مباشر، ذكرت له هذه القصة، قلت له: هناك إنسان له أرض شمالي جدة، وهذا الإنسان لعله من البدو، لما توسعت جدة كثيراً، وامتدت طولاً وعرضاً اقترب البناء من أرضه، فنزل إلى مكاتب عقارية ليبيع أرضه متوهماً أن سعرها ارتفع كثيراً، المكتب الذي اشترى منه الأرض اشتراها بربع ثمنها، كان محتالاً كبيراً، هو صدق، وباعها بهذا الثمن البخس، وأنشِئ بناء على هذه الأرض من 12 طابقاً، والذين اشتروا هذه الأرض شركاء ثلاثة، الأول وقع من سطح البناء فنزل ميتاً، والثاني دهسته سيارة، انتبه الثالث، فبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه، وأعطاه أمثال القيمة التي دفعها، فقال له هذا البدوي باللغة البدوية: ترى أنت لحقت حالك، هذه قصة.
إن الله بالمرصاد، فإن لم تستجب فهناك تدمير.
أنا أقول لكم: القصة لها تأثير جداً فاعتمدوها في توجيه أطفالكم، واعتمدوها في توجيه شبابكم، ولعل قصة واحدة أبلغ من مئة محاضرة، والله عز وجل يقول:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
قصة النبي في غار ثور:
حينما تقرأ أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق دخل إلى غار ثور، ومعه الصديق، وقد أخذ بكل الأسباب من دون استثناء، لم يدع ثغرةً إلا سدّها، لم يدع احتمالا إلا وغطاه، لم يدع سبباً إلا أخذ به، وقد علّمنا درساً لا يُنسى في أخذ الأسباب، ويكاد المسلمون اليوم يدفعون ثمناً باهظاً لأنهم لم يأخذوا بالأسباب، والحقيقة أنه ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ومن السهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها، ومن السهل جداً أن تتواكل على الله زاعماً أنك متوكل، وليس هذا هو التوكل، لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، فالنبي e أخذ بالأسباب، كما بينت لكم من قبل، فقد اختار خبيرًا للطريق، وذهب مساحلاً على عكس توقع الخصوم، وقبع في الغار أياماً ثلاثة، وهيأ من يأتيه بالأخبار، ومن يأتيه بالطعام والشراب، ومن يمحو الآثار، ومع ذلك وصلوا إليه.

أيها الإخوة، المعنى الدقيق من وصول المطاردين إليه يكمن في أن النبي عليه الصلاة والسلام لو أنه أخذ بالأسباب، واعتمد عليها لانهارت قواه حينما عثر عليه المطاردون، ولكنه أخذ بالسباب تعبداً لله عز وجل، فلما وصلوا إليه قال:

(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ))
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه ].
إذاً أنت مكلف أن تأخذ بالأسباب، وأن تتوكل على رب الأرباب.
الرواية هنا: ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاث ليال تمكن المشركون خلالها من اقتفاء آثارهم إلى الغار، وقد بكى الصديق.
إخواننا الكرام، أقول هذا كثيراً: عندنا مساجد ضخمة جداً، عندنا كتب ومؤلفات وجامعات ومؤتمرات، ومهرجانات، عندنا كل شيء، لكن ينقصنا الحب، لكن المسلمين في الأعم الأغلب لا يحب بعضهم بعضاً، وهذا سبب ضعفهم، وهذا سبب فرقتهم.
فلذلك الصديق بكى، وأنت هل لك ولاء لإنسان ؟ هل مِن إنسان تقدم كل ما تستطيع لعل الإسلام يقوى بكما ؟ هل بينكما تعاون وتعاطف ورسالة وجدانية ؟ لكن النمط السائد أن كل إنسان يشكك فيه، وكل إنسان يفسر عمله تفسير سيئًا، وكل إنسان تضعف الثقة به، وكل إنسان يفترى عليه، لذلك من علامات آخر الزمان أنه يكذب الصادق، ويصدق الكاذب، يخون الأمين، ويؤتمن الخائن، لا داعي إذا ذهب إنسان إلى بلاد الغرب ليبين للطرف الآخر حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام، تقوم عليه الدنيا ولا تقعد، ما فعل ؟ هو مجتهد، والمجتهد بين الأجر والأجرين، نحن مشكلتنا أنه لا يحب بعضنا بعضاً، وإن بأسنا بيننا، وهذا كلام مختصر مفيد:
هذا الإسلام توقيفي من عند الله عز وجل، ومعنى توقيفي أنه لا يزاد عليه ولا يحذف منه، فالزيادة عليه تعني اتهامه بالنقصان، والحذف منه تعني اتهامه بالزيادة، الآن إن أضفنا عليه أصبحنا شيعاً وأحزاباً وفرقاً، وتخاصمنا، وتجادلنا، وتقاتلنا، وصار باسنا بيننا، وإن حذفنا منه ضعفنا وأصبحنا في مؤخرة الأمم، فهذا الدين لا يضاف عليه ولا يحذف منه، وكل ما يقال عن التجديد في الدين، وهي كلمة رائجة جداً اليوم، لماذا هي رائجة ؟
لأنه ما يعقد من مؤتمرات لتجديد الخطاب الديني هدفها إلغاء الخطاب الديني، أو هدفها الالتفاف على الخطاب الديني، وتفريغه من مضمونه، ليغدو شكليات وقضايا لا يعنى بها أكثر المجتمع، لذلك احفظوا هذه الكلمة: التجديد لا يعني إلا شيئاً واحداً، أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، أصل الدين من عند الله، كماله مطلق توقيفي، كامل نوعاً تام عدداً، فالتجديد يعني أن تنزع عن الدين كل خرافة، وكل دجل، وكل بدعة ليست منه، هذا التجديد.
عندنا في دمشق بناء منطقة الحجاز، قبل سنوات جُدّد، ضُرب بالرمل، و أزيلت الطبقة السوداء المتراكمة عليه من عشرات السنين، فعاد للحجر نصاعته وجماله، هذا التجديد، لا أن تضيف غرفة ؟ هذا ممنوع، لا أن تضيف طابقًا ؟ هذا ممنوع، تحذف غرفة ؟ وهذا ممنوع أيضا.
الدين توقيفي، وتجديده يعني أن أنزع عنه كل ما علق به مما ليس منه.
حقائق مستنبطة من بكاء الصِّدّيق في غار الثور:
إن الصديق بكى، وأريد أن أستنبط بعض الحقائق.
لك أخ في الله تحبه جداً ؟ لك أخ في الله تعينه كثيراً ؟ يؤلمك ما يؤلمه ؟ يفرحك ما يفرحه، دققوا: علامة المنافق أنه يفرح بمصائب المؤمنين، وعلامة المنافق أنه يتألم لخير أصاب المؤمنين، الدليل:
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
( سورة آل عمران الآية:120 ).

لمجرد أن تفرح بمصيبة ألمت بالمؤمنين فأنت في خندق النفاق، ولمجرد أن تتألم لخير أصاب المؤمنين فأنت أيضاً في خندق النفاق، وهذا مقياس دقيق تمتحن به نفسك.
إخوانا الكرام، والله الذي لا إله إلا هو لا تكون مؤمناً حقاً إلا إذا فرحت لخير أصاب أخاك كما لو أنه أصابك أنت، وتتألم لمصيبة حلت بأخيك كأنها حلت بك، هذا هو الدين.
التعليق على كلمة بكى
لقد بكى الصديق خوفاً على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم قال عن الصديق: (( ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك ))
قال عن الصديق ـ النبي وفيّ أيضاً ـ .
(( ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر ))
(( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح ))

[ أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر ؛ ورواه البيهقي ].

وقد بكى الصديق خوفاً على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يرى أقدامهم عند فم الغار، وقال: يا نبي الله، لو أن أحدهم طأطأ بصره لرآنا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يَا أَبا بَكْرٍ، مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ ))
احفظوا هذه الكلمة: إذا كان الله معك فمن عليك ؟ يخدمك عدوك، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ يتطاول عليك ابنك، إذا كان الله معك يخدمك عدوك، وإذا تخلى عنك يتطاول عليك أقرب الناس إليك.
وفي رواية قد ذكرتها لكم من قبل أنه قال له: لقد رأونا، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الأعراف ).
هل الإنسان مسَيَّر أم مخيَّر ؟
إخواننا الكرام، هناك موضوع دقيق جداً يحير بعض المؤمنين، الموضوع ينطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إِنّ القُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلّبُهَا كَيْفَ يشاء ))
[ رواه أبو عيسى عن النّوّاسِ بنِ سِمْعَانَ وأُمّ سَلَمَةَ وعبد الله وعَائِشَةَ وأبي ذر].
الإنسان مسير ؟ لا هو مخير، معنى الحديث: أنك إذا واجهت عدواً فلا تخف منه، هو بيد الله، إذا أراد الله أن ينصرك عليه ألقى هيبتك في قلبه، وإذا أراد الله أن يؤدبك به نزع هيبتك من قلبه، قلبه بيد الله.
كن مع الله تر الله مـــعك و اتـرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطـاك من يمنــعه ثم من يعطي إذا مـا منـعك
كيف ما شاء فكن في يــده لك إن فرق أو إن جمــعك
في الورى إن شاء فظاً ذقته وإذا شاء عليهم رفــــعك


أنت حينما تعلم أن كل من حولك، وكل من هم دونك، وكل من هم فوقك، وأن كل قوى الأرض، وأن أصحاب الأسلحة الفتاكة بيد الله عز وجل، وما كان الله ليسلمك إلى غيره، ثم يأمرك أن تعبده، يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123).
وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، هذه الثقة ترفع معنوياتنا، لأن المسلمين بفهم قاصر للأحداث التي ألمت بهم حصلوا حالة تشبه الإحباط، قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾
لكن بشرط: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران).
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة آل عمران).
يصف الله جل جلاله هذا الحدث في الغار بقول: ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾
(سورة التوبة الآية: 40 ).
أنواع معية الله: عامة وخاصة:
بالمناسبة أيها الإخوة، أريد أن أبين لكم أن معية الله معيتان، معية عامة ومعية خاصة.
1 - المعية العامة
المعية العامة ؛ أي الله جل جلاله مع كل الخلق بعلمه، مع الكافر، مع الملحد مع القاتل، بعلمه.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية:4 ).
هذه معية عامة يشترك بها كل الخلق، لكن الله حينما يقول: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
(سورة الأنفال ).
2 - المعية الخاصة
﴿ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
(سورة التوبة ).

هذه معية خاصة، تعني معية التوفيق، معية التأييد، معية الحفظ، معية النصر لذلك إذا كان الله معك فمن عليك ؟ المعية الخاصة لها ثمن، المعية العامة بلا ثمن، لأن الله مع كل مخلوق، أما الخاصة:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
( سورة المائدة الآية 12 ).
هذا ثمن المعية، وهناك ظروف القلق والخوف والضغوط والتهديدات والمشكلات لا يعلمها إلا الله نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نكون في معية الله عز وجل.
وقد أن أخفقت قريش في العثور عليهما، فأعلنت حينها عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما.
الحكمة من وجود مؤمن وكافر:
إخواننا الكرام، مرة ذكرت وأعيد، وأكرر:
كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب، والمؤمنون في كوكب، لا حروب، ولا نفاق، ولا كفر، ولا بدر، ولا أحد، ولا الخندق، ولا اجتياح، ولا احتلال، المؤمنون في كرة، والكفار في كرة، أو كان من الممكن أن يكون المؤمنون في قارة، والكفار في قارة، آسيا وإفريقيا مؤمنون، أمريكا وأستراليا كفار، وكان من الممكن أن يكون المؤمنون في حقبة من ألف إلى ألف وخمسمئة، فقط، الخمسمئة إلى الألفين فيها مؤمنون، ولكن الله شاءت حكمته أن يكون المؤمنون مع غير المؤمنين في أماكن واحدة، إذاً هناك معركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية، أقول هذه العبارة الحديثة: المؤمن الصادق يحترم قرار الله عز وجل، لقد أراد الله أن يجمعنا، وأراد الله أن تكون معركة بيننا، هي معركة الحق والباطل، لأن الإيمان لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن المؤمنين لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، وقد سمح الله لنا أن نضحي من أجل جنة عرضها السماوات والأرض، ولأن الكفار عباد الله، لعلهم يهتدون مع المؤمنين، فيجب أن تحترم قرار الله عز وجل، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية.

ترصد وتتبع الكفار لآثار النبي وأبي بكر:
يقول أبو بكر رضي الله عنه أُخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلاً، يعني شرعوا بالتعبير الحديث بالحاسة السادسة، مراقبة شديدة، فانطلقا ليلاً، وقد تحدث أبو بكر عن بداية رحلة الهجرة فقال: أسرينا ليلتنا كلها، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق فلا يمر أحد، حتى رُفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لن تأتي عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها، فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها، وجد صخرة كبيرة لها ظل، فمهّد مكانًا لينام النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: نمّ يا رسول الله، وأنا أنفض ما حولك، فنام، هذا هو الحب، وهذا أول ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة، وذكر أبو بكر خبر قدوم راعٍ مقبل إلى الصخرة يريد منها شيئاً مثل الذي أرادوا، أن ينام في ظلها، وعرف أبو بكر منه أنه رجل من أهل مكة ، ورضي أن يحلب لهم من شاة له، وطلب منه أبو يكر أن ينظف لهم الضرع قبل الحلب من أجل النبي الكريم، وكره أن يوقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليشرب، فانتظره حتى استيقظ، فشرب، ثم أمر بالرحيل.

إن هذه خدمة صادقة، خدمة محب، وكان عليه الصلاة والسلام يردف أبا بكر معه على راحلته، وكان إذا سأل أحد أبا بكر عن رسول الله: مَن هذا ؟ يقول: هذا رجل يهديني السبيل، وهذه كناية، أو تورية، أن تقول كلاماً له معنيان، فيفهم السامع المعنى الذي لا تريده، وأنت تضمر المعنى الذي تريده، وفي كتب البلاغة مثل هذا كثير، كقول الشاعر:
يا سيداً حاذَ لطفاً له البرايا عبيدُ أنت الحسينُ جفاكَ فينا يزيدُ
يعني أنت كالحسين، رسول الله، والذي أوقع الخلاف بيننا وبينك لسنا نحن، ولكنه يزيد.
يا سيداً حاذَ لطفاً له البرايا عبيدُ أنت الحسينُ جفاكَ فينا يزيدُ
مديح البيت، هو أراد غير ذلك، أراد أنت الحُسين، أنت لست حسناً، لكنك حُسين، تصغير، وجفاك فينا يزداد مع الأيام، يزيدُ فعل مضارع، أنت الحُسينُ جفاكَ فينا يزيدُ، وفي بالبلاغة أنماط لطيفة جداً، وهذه تورية:
يا سيداً حاذَ لطفاً له البرايا عبيدُ أنت الحُسينُ جفاكَ فينا يزيدُ
مرة دخل إنسان على الحجاج، فقال له: أنت قاسط عادل، هذا مديح، قال لجلسائه: أتدرون ماذا قال لي ؟ قالوا: ماذا قال ؟ قالَ: قال لي: أنت ظالم كافر، كيف ؟ قال: ] وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [ ، قال له: أنت قاسط، العادل مقسط، والظالم قاسط، عادل:
﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾
( سورة الأنعام ).
أيْ عدلت عن الإيمان إلى الكفر، قال لهم: قال لي: أنت ظالم كافر.
إذاً هو رجل يهديه السبيل، على سبيل التورية، ففهِم السائل أنه يدله على الطريق، وأراد الصديق أنه رجل يهديه السبيل إلى الله، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ))
[ أخرجه ابن عدي في الكامل والبيهقي في السنن عن عمران بن حصين ].
أنت بهذا لم تكذب.
خطب أحدهم فتاة، سألوه: أين البيت ؟ قال لهم: في حي مالكي فوافقوا مباشرة، من دون قيد أو شرط، ولا سألوا عن علمه، ولا عن عمله، في حي لبيت بالمالكي ثمنه 50 مليونا، ثم تبيَّن أن هناك شارعا باسم شارع المالكي في منطقة بابيلا الريفية، هو ما كذب، لكن ورّى، هذا اسمه في الفقه تدليسا، أن توهم السامع بشيء، وتقصد شيئا آخر .
قال له: هو رجل يهديني السبيل، فيحسبه السائل دليلاً لطريقه، وهو يكني عن السبيل بسبيل الخير والهدى والصلاح.
قصة سراقة بن مالك في مطاردته للنبي :
الآن الذي بقي علينا، والحقيقة أنّ هذه القصة قصة سراقة ترفع معنوياتنا جميعاً، لأن سراقة طمع بمئتي ناقة، وأراد قتل النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه شعر أن هذا الإنسان ممنوع منه، قال له: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟
إن مثل هذا مثلُ رجلٍ ملاحق، وعليه مذكرة بحث، ومتهم بأنه من منظمة إرهابية، ولو اعتقل لقتل، قال له أحدهم: كيف بك إذا سكنت البيت الأبيض ؟ هذا كلام غير معقول إطلاقاً.
يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ثم لبس سواري كسرى حقيقة.
إخواننا الكرام، في درس قادم إن شاء الله نتابع فقرات السيرة النبوية، ولكن أتمنى عليكم أن تنقلب هذه الاستنباطات، وتلك الدروس والعبر من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى منهج لنا.
الحاجة إلى قراءة السيرة قراءة جديدة:

مرة ثانية: السنة النبوية هي أقواله، وهي أفعاله، وهي إقراره، وهي صفاته ، وأبلغ شيء في السنة أفعاله، لأنها حدية الاستنباط، حدية لا تحتمل التأويل، لكن الكلام يحتمل التأويل، أما السلوك فلا يحتمل التأويل، فهي أصدق في التعبير عن فهمه للقرآن الكريم من فقرات سنته الأخرى، والسيرة قصة مشوقة، صحيح أن الأحداث تعرفونها جميعاً، لكن الجديد في هذا الدرس التحليل، نحن في حاجة أن نقرأ السيرة قراءة جديدة، قراءة مرتبطة بواقعنا، مرتبطة بحاجاتنا، مرتبطة بمشكلاتنا، مرتبطة بطموحاتنا، مرتبطة بآمالنا فالسيرة النبوية منهج، وكنت أقول دائماً: لو لم يكن في الإسلام كتاب وسنة لكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحدها كتاباً وسنة.







والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:38 PM   #32


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثانى و الثلاثون )

الموضوع :الهجرة - 7 - قصة سراقة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. دلالات ودروس من حادثة سراقة مع النبي :
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد وصلنا في الدرس السابق إلى حديث سراقة، والحديث عن سراقة حديث ذو دلالات كثيرة، ذلك أن الإنسان حينما يهزم من داخله ينتهي، قد يهزم في دولة أو في معركة وهو واثق من نصر الله له فقصة سراقة تعلمنا دروساً كثيرة، أبرز هذه الدروس:
1 – وضعية النبيe قبل الهجرة وتآمر الناس على قتله:
أن إنساناً وصلت دعوته إلى النهاية الصغرى إلى الحضيض، بعد أن خرج النبي عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة مهاجراً إلى المدينة، وبعد أن أخفقت قريش في ملاحقته وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً.

أرأيتم إلى ضعف كهذا الضعف، إنسان ملاحق، مهدور دمه، موضوع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ومع ذلك كانت ثقته بنصر الله لا حدود لها، أحياناً في هذه الظروف الصعبة التي تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ورد في بعض الأحاديث الصحية:

(( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ، كغثاء السيل ))
[ رواه أبو داود عن ثوبان ]
لا وزن لهم إطلاقاً، لمَ يا رسول الله ؟ قال: يصيبكم الوهن.
(( قيل: وَمَا الْوَهْنُ ؟ قالَ: حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ ))
2 – صبر النبي والصحابة في مواجهة الضغوطات:
لذلك كان السلف الصالح الواحد بألف، ومع تأخر المسلمين وضعفهم الألف بأفٍّ واحد كألف، وألف بأف.
للتوضيح:
سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه جاءه استنجاد من قائده خالد بن الوليد في معركة من المعارك، وطلب منه خالد 50 ألف جندي، لأنه معه 30 ألفًا واجه 300 ألف، طلب النجدة، فإذا بالصديق رضي الله عنه يرسل له رجلاً واحداً، اسمه القعقاع بن عمرو ، ولولا أن التاريخ يؤكد هذه القصة لما أمكن أن تقبل، لما وصل القعقاع إليه قال: أين المدد ؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت ؟! قال له: أنا، ومعه كتاب، فتح الكتاب يقول الصديق رضي الله عنه: يا خالد، لا تعجب أن أرسلت إليك بواحد، فو الذي بعث محمد بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، وانتصر.
3 – قانون النصر والتمكين: يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا:

مليار وثلاثمئة مليون، وفي رقم أحدث مليار ونصف، ليس أمرهم بيدهم ، وليست كلمتهم هي العليا، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، لأن القصة كلها كما يلي:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة النور الآية: 55 ).
هل نحن مستخلفون ؟ لا والله. ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
( سورة النور الآية: 55 ).
هذا قانون: ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
( سورة النور الآية: 55 ).
4 - واقع المسلمين وتجرؤ الأعداء على دينهم ورسولهم:
هل نحن ممكَّنون في الأرض ؟ يرسمون النبي عليه الصلاة والسلام بصور لا يستطيع داعية في الأرض أن يصفها. ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
هل المسلمون آمنون ؟ كل يوم تهديد، كل يوم وعيد، كل يوم عدوان، كل يوم قصف، يقول الله عز وجل: ﴿ يَعْبُدُونَنِي﴾
( سورة النور الآية: 55 ).
إن صح التعبير أن الله جل جلاله وتباركت أسماءه فريق أول، وأن المؤمنين فريق ثانٍ، الفريق الأول هو الله عز وجل، وعد بالنصر والتمكين والنصر والتطمين، وعلى الفريق الثاني أن يعبده، فإذا أخلّ الفريق الثاني بما عليه فالله جل جلاله في حل من وعوده، ولا تنسوا أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ﴾
كقانون للمؤمنين: ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي ﴾

إخواننا الكرام، هذا في القرآن، أما في السنة فقد أردف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا معاذ بن جبل:
(( يا معاذ، هل تدري ما حق اللَّه على عباده ؟ وما حق العباد على اللَّه؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم ـ سأله ثانية وثالثة ـ قال: فإن حق اللَّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ـ هذا واضح، ثم سأله: يا معاذ، هذا كلام دقيق جداً وفيه بشارة ـ يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))
[ متفق عليه ].
أنشأ الله لنا حق عليه، الإله العظيم، خالق السماوات والأرض، أنشأ لك حقاً عليه، وقال طالبني به، حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم.

هناك شاهد آخر:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
( سورة المائدة الآية: 18 ).
استنبط الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أن الله تعالى لو قبِل دعواهم أنهم أحبابه لما عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه، فكل مؤمن مستقيم على أمر الله له عند الله حق ألا يعذبه، الآيات المطمئنة: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
(سورة الجاثية).
حياة الشاب المؤمن هي من تقدير الله عز وجل، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعامل شاب مستقيم عفيف ورع، مؤدٍ لعباداته كما يعامل شاب متفلت.
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
5 – معية الله: عامة وخاصة:
أنا أطمئن الإخوة الكرام، الحضور والمستمعين، لكنني أبين أن معية الله عز وجل لها ثمن، معية الله معيتان معية عامة، ومعية خاصة، المعية العامة هو معنا بعلمه، هو مع كل إنسان، حتى الكافر حتى العاصي، حتى المنافق، حتى الفاجر، معهم بعلمه، ولكن الله عز وجل إذا قال: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
(سورة الأنفال ).
أي معهم بالتوفيق، والتأييد، والنصر، والحفظ.
6 – المعنويات العالية: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا:
أيها الإخوة، يقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾
( سورة التوبة الآية: 51 ).
ولم يقل: علينا.
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

الذي أريد أن أوضحه في هذا الدرس أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف رده أهلها شر رد، كذبوه واستهزؤوا به، وأغروا صبيانهم أن يضربوه، وقال:
(( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، غير أن عافيتك أوسع لي ))
[ أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر ].
كان قد خرج من مكة وقد أخرجه أهلها، ولما أراد أن يعود إليها يقول سيدنا زيد بن ثابت، وكان رفيقه في هذه الرحلة: يا رسول الله، كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله ناصر نبيه ))
[ ورد في الأثر]
معنوياته عالية جداً، وفي الهجرة وقد أهدر دمه، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ولحقه سراقة وأدركه، وغاصت قدما فرسه في الرمل، وعلم سراقة أن هذا الرجل ممنوع منه، قال: يا سراقة: كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ يعني أنا سأصل إلى المدينة، وسأؤسس دولة، وأنشئ جيشاً، وسأحارب أقوى دولتين في الأرض، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتيني كنوز كسرى، ولك يا سراقة سوار كسرى.
قصة عدي بن حاتم مع النبي:
إخواننا الكرام، عدي بن حاتم بن ملك الغساسنة، وقعت أخته سفانة أسيرة عند النبي عليه الصلاة والسلام، ولها قصة، ولكن حينما أطلق النبي سراحها قالت: يا عدي، اذهب إلى هذا الإنسان الطيب، رأيت فيه خصالاً تعجبني، يطعم الفقير، ويفك الأسير، ويحمل الكل، فإن يكن نبياً فللسابق فضله، وإن يكن نبياً فلم تزل في عز ملكه، عدي بن حاتم توجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، إلى المدينة، ودخل عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم سأله من الرجل ؟ قال: عدي بن حاتم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أنزلوا الناس منازلهم ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود عن عائشة ].
وكان عليه الصلاة والسلام يعرف قدر من حوله، فقام بي إلى بيته، وهذا عرف عالمي، إذا دعوت ضيفاً إلى بيتك فهذا تكريم ما بعده تكريم، يقول عدي بن حاتم، وهو لا يعلم أهذا الإنسان نبي أم ملك ؟ يقول عدي بن حاتم: فقال: قم بنا إلى البيت، وانطلق بي إلى البيت، وإنه لعامد بي إلى البيت في الطريق لقيته امرأة ضعيفة، فكلمته، فوقف معها طويلاً يكلمها في حاجتها، فقال عدي: والله ما هذا بأمر ملك، فلما وصلا إلى البيت، إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عدي: دفع إلي وسادة من أدم محشوة ليفاً، فقال: اجلس عليها، ما في ببيته غير هذه الوسادة، فقلت: بل أنت تجلس عليها، قال: بل أنت قال: فجلست عليها وجلس رسول الله على الأرض، قال إيه يا علي بن حاتم ألم تكن ركوسياً ـ دين بين النصرانية والصابئة ـ قال: بلى، قال أو لم تكن تأخذ في قومك بالمرباع ؟ تأخذ ربع أموالهم ؟ قال: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل في دينك، فانتبه عدي، قال: فعلمت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل.

الآن ثلاثة أسئلة وجهها النبي عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم معنا في هذا الزمان، إيه يا عدي بن حاتم، يعني تكلم، ثم قال له: لعله يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وايم الله ليوكشن أن تسمع بالمرأة في أرض بابل تحج البيت على بعيرها لا تخاف، يعني سوف ينتصر، وسوف يؤسس المسلمون دولة عظيمة تفضي السلام والأمن على كل البقاع، ولعله إنما يمنعك يا عدي من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم من فقرهم، وايم الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله يا عدي، إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم الآن:
هناك فقر في المجتمع الإسلامي، وأعداء المسلمين العالم كله، كثرة العدو، والفقر، وما ترى من تشرذمهم، وتفرقهم.
ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، الأقوياء ليسوا مسلمين، الأقوياء من الطرف الآخر، ولقد عاش عدي حتى رأى هذه البشارات الثالث قد حققت.

أرأيت إلى التفاؤل ؟ هدفي الوحيد من قصة سراقة أن ترتفع معنويات المسلمين الله لا يتخلى عنهم، لكنه يعالجهم، نحن في العناية المشددة، وهذه نعمة ما بعدها نعمة تماماً كما لو سأل مريض قد أصيب بورم خبيث منتشر في كل جسمه، سأل الطبيب: ماذا آكل ؟ وما الأكلات التي تمنعني أن آكلها ؟ يقول له الطبيب: كُلْ كلَّ شيء، لأن أمْره انتهى، لذلك:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
( سورة الأنعام).
فرق كبير بين أن تكون في العناية المشددة، وبين أن تكون خارج العناية المشددة، فالنبي عليه الصلاة والسلام تفاءل أن يستتب الأمن والنظام في ربوع العالم الإسلامي ، وتفاءل للمسلمين أن يغتنوا حتى يفيض المال فيهم، وحتى لا يوجد من يأخذه، وتفاءل أن الأعداء سوف ينقلبوا أصدقاء.
عصمة الله نبيّه من سراقة بن مالك:
أيها الإخوة، وحصلت المعجزة الثانية حين عصم الله جل جلاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وحماه من سراقة بن مالك، الذي طلبهم طمعاً في جائزة قريش، فقد علم سراقة بخبرهم من رجل من بني مدلج، رآه عن بعد وهم مرتحلون مع الساحل، فاتبعهم سراقة وهم في مكان من الأرض، وينقل البخاري حديث سراقة حيث يقول:
(( وقد كنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المئة ناقة، كان سراقة يرجو أن يرد النبي على قريش ويأخذ المئة ناقة، قال: فركبت فرسي على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا، قال: ثم أخرجت قداحي ـ سهامي ـ فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره، قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه .

سنة الله في أنبيائه: النصر والتمكين:
قصة موسى وقومه مع فرعون:
قال سيدنا موسى وهارون:
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾
(سورة طه ).
فرعون بطاش جبار. ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
( سورة طه ).

أفضل إيمان الرجل أن يعلم أن الله معه حيث كان.
هناك قصص في التاريخ عجيبة، شرذمة من بني إسرائيل ومعهم موسى عليه السلام متجهون نحو الغرب ونحو البحر: ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾
( سورة طه الآية: 78 ).
طاغية جبار، متغطرس، حاقد، لئيم، قلبه كالحجر، لا يرحم، معه عدة وعتاد وسلاح فتاك. ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾
( سورة الشعراء الآية: 61 ).
المؤمنون مع سيدنا موسى في اتجاه البحر.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾
رأوا فرعون وراءهم، وو يتبعهم بأسلحته، وجبروته، وقسوته، وحقده، وبطشه، وتألهه:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء).
هل هناك أمل ؟ بمقياس الأرض، بموازين الأرض دولة بكل ثقلها، بكل أسلحتها بكل مدرعاتها، بكل أجهزتها، بكل طيرانها، بكل ما تملك من قوة تتبع شرذمة قليلة أمامها البحر، كم احتمال نجاة ؟ ولا واحد بالمليون.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
(سورة الشعراء ).
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟
يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
كن مع الله تــر الله معك و اترك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاه من يمنــعه ثم من يعطي إذا ما مـنعك

فإنك بأعيننا:
أيها الإخوة، يقول سراقة: فركبت فرسي على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا، قال: ثم أخرجت قداحي ـ أي أسهمي ـ فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره، قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر ـ المرة الثالثة ـ فسقطت عنه قال: فقلت ما هذا ؟ فلما بدا لي القوم، ورأيتهم يعني رأى النبي وصاحبه، ومن يقود الناقة، فلما رأيت القوم، ورأيتهم عثر بي فرسي للمرة الرابعة، وذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار، قال: فعرفت حين رأيت أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر، قال: فقال رسول لأبي بكر: قل له: وما تبغي منا ؟ فقال له ذلك أبو بكر، قال: قلت ـ سراقة ـ تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك، فقد أدرك سراقة أن هذا إنسان غير عادي، لأنه أصر أول مرة والثانية، والثالثة، والرابعة، وكل مرة تغوص قدما فرس سراقة، ويقع عن فرسه، لكن المئة ناقة تتلألأ له فكان مصراً على أن يقتل محمدًا عليه الصلاة والسلام، أما في المرة الرابعة أدرك أن هذا الإنسان ممنوع من أن يناله أذىً، قال الله عز وجل قال:
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية: 48 ).
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟
. أجمل كلمة أقولها لكم: قال بعض العلماء: هذا خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، لكن لكل مؤمن من هذا الخطاب نصيب
وأنت أيها المؤمن إذا كنت مستقيماً ومخلصاً، ومتوجهاً إلى الله فإنك بأعين الله، فإنك بعين الله ترعاك، بقدر إيمانك واستقامتك وإخلاصك، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
( سورة طه ).
أين أنا ؟ لذلك لما رأى سراقة أن النبي e إنسان غير عادي ممنوع من أن يناله أحد بأذى قال: أريد أن تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، فكتب لي كتاباً في عظم، أو في رقعة، أو في خرقة، ثم ألقاه إلي، فأخذته فجعلته في كنانتي، ثم رجعت فلم أذكر شيئاً، أراد أن يكون هذا سراً بينه وبين النبي، ويبدو أنه حينما أيقن أنه ربما قُتل، وأن النبي e لم يقتله، وإنه إنسان ممنوع من أن يناله بأذى، أراد وفاء مع النبي أن يعتم عليه كل خبر، فلم أذكر شيئاً مما كان، ثم حكى خبر لقاءه برسول الله e بعد فتح مكة وإسلامه.
مقام ومنزلة النبي عن المسلمين بين الحقيقة والواقع:
أنا أتصور هؤلاء الذين عاملوا النبي كإنسان عادي لما كشفت لهم الحقيقة أنه رسول الله، ماذا الذي حصل لهم ؟
سهيل بن عمر حينما فاوض النبي e في صلح الحديبية قال النبي لعلي بن أبي طالب: اكتب: هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله، قال: امحُ رسول الله، لو آمنا بك رسولاً لما فاوضناك، امحُ، قال: امحها يا علي، ند لند، فإذا علمت أن هذا الإنسان هو سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، كيف نتأدب بعد مماته ؟ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
( سورة الحجرات الآية: 1).

لا تقدم اقتراحات، ولا تنتقد توجيهات، ولا تقل: دعوة النبي لغير هذا العصر، ولا تقل: الحياة كانت محدودة، كل هذا من باب تقديم اقتراحات فيها تطاول على مقام النبي عليه الصلاة والسلام.
هناك معنى آخر أحب أن أضيفه إليكم: أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية:33).
المعنى الآن الظاهر: ما دام النبي بين ظهراني صاحبته الكرام فهم في مأمن من عذاب الله، لكن ماذا نفعل في هذه الآية بعد وفاة رسول الله ؟ قال علماء التفسير: مادامت سنة النبي e قائمة في أمته فأمته في مأمن من عذاب الله، أما إذا نالهم العذاب إذاً هم ليسوا على منهجه، ولم يستغفروا، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
( سورة الأنفال ).
وقد نذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من رسول الله وأبي بكر حتى سمع قراءة رسول الله e وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، كما ذكر أنه عرض عليهم الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئاً، وأن وصيته كانت أنه أخفِ عنا
العناية الإلهية المشددة دليل خير وعافية:
أيها الإخوة، موضوع سراقة أمضينا فيه وقتاً طويلاً، لكن أهم شيء في هذا الموضوع يجب أن تكون واثقاً بأن الله لا يتخلى عن المؤمنين، لكنه يعالجهم، لكنه يؤدبهم لكنه يشدد عليهم، وقد ورد في الأثر:
(( أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي، وتضيقي على عبدي المؤمن لأني أحب أن أرحمه ))
[ ورد في الأثر]
وقد ورد في بعض الآثار القدسية:
(( لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته ))
[ ورد في الأثر]
إخوتنا الكرام، استبشروا إذا كنتم في العناية المشددة، استبشر إذا تابعك الله عز وجل، استبشر إذا جاء عقب تقصير، أو مخالفة العقاب الإلهي، معنى ذلك أنك ضمن العناية المشددة.
إذا كان معك التهاب معدة فقط، وليس معك ورم خبيث، ما دام هناك تشديد، وتضييق ومتابعة، وعقاب، وتأديب، معنى ذلك أنت في العناية المشددة، والمرض الذي سبب فوق هذه المصيبة قابل للشفاء، أما إذا أعطى الله الإنسان كل ما يشتهي وهو يزداد كفراً وعناداً ومعصية فهذا خارج العناية المشددة، هذا كلام دقيق، معنى ذلك أنه يرجى منك الخير.
وصدقوا أيها الإخوة أن 90% ممن ينجو من أخطار الدنيا كانت نجاته بسبب معالجة إلهية حكيمة.
والله مرة أحد الإخوة له أخ بعيد عن الله بعد الأرض عن السماء، أخ شارد، غارق في كل أنواع المعاصي والآثام، وله شبكة علاقات نفيسة مع الأقوياء، ومع المنحرفين، ثم أصيب بأزمة قلبية حادة أدخِل على أثرها إلى المستشفى، وإلى غرفة العناية المشددة، بعد هذا التقيت معه، وقال لي وهو على سرير العناية المشددة انه قال: يا رب أعطني فرصة أتوب إليك، أنا لا أرضى أن آتي إليك وأنا بهذه الحال، فالله عز وجل أعطاه فرصة، والأزمة أزيحت عنه، واستعاد صحته، ولزم دروس العلم، وتابع هذه الدروس، ثم مرة قال لي: وأنا أناجي ربي، قلت له: يا رب، كل هذه السعادة بسبب الإقبال عليك على إثر هذه المصيبة التي أصابتني ! لمَ لم ترسل لي هذه المصيبة من عشر سنوات ؟ تمنى أن تأتي في وقت مبكر.

أنت حينما تنالك عناية الله بشيء يزعجك في الأول.
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
( سورة البقرة ).
لعلي ذكرت هذه القصة سابقاً، لكن هنا مناسبة جداً:

فتاة تحمل شهادة ثانوية، وتحب أن تكون معلمة، إنها سافرة، ولا تصلي، ولا تعتقد أن الدين سبيل سعادتها، فطلب منها فحص صدر، ذهبت إلى مستشفى حكومي، وفُحص صدرها، فإذا بتقرير يؤكد أنها مصابة بمرض السل، فلما علم أهلها ابتعدوا عنها، وخافوا من العدوى، وجعلوها تقبع في غرفة خاصة، ولها أدواتها الخاصة، وثيابها الخاصة، وحاجاتها الخاصة، وبكت، وبكت، وانهارت، ويأسِت إلى أن قررت أن تصلي، ثم قررت أن تتحجب، ثم ذاقت طعم القرب من الله، لكنّ أخاها من باب الفضول ذهب إلى المستشفى ليستطلع الخبر، فإذا بالتقرير أعطي لها خطأ، هي سليمة، لكن أعطي لها تقرير إنسان آخر، إذاً الله عز وجل ساق لها شبح المصيبة، حتى حملها على التوبة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان الآية: 20 ).







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:41 PM   #33


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثالث و الثلاثون )

الموضوع :الهجرة - 8 - قصة ام عبد - قصة حاطب بن بلتعة



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
قصة أم معبد:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ننتقل إلى حديث أم معبد.
مَن هي أمُّ معبَد ؟
قصة أم معبد وردت في كتب السيرة، النبي عليه الصلاة والسلام في طريق الهجرة إلى المدينة، أو في القسم الأخير من الرحلة مر بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جذة، الحياة في البادية قاسية جداً، والمرأة في البادية تكون أيضاً قاسية، تحتبي والاحتباء كما قالوا: حيطان العرب، أي أن الإنسان في الخيمة ليس هناك جدران يستند إليها يضع يديه أمام ركبتيه ـ هكذا ـ فيتوازن، لذلك قالوا: الاحتباء حيطان العرب، ثم تطعم، وتسقي من يمر بها، وهذا مِن عادات كرم، لذلك العرب كان في الجاهلية كرماء جداً، وكانوا شجعان، وكانوا شرفاء، هم في الجاهلية.
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
فائدة دعوية: الاهتمام بمن فيهم خيرٌ:
هناك قصص رائعة جداً، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه إنسان كان مشركا ًوأسلم يقول له:
(( أسلمت على ما أسلفت من خير ))
[متفق عليه عن حكيم بن حزام ].
وكان يقول عليه الصلاة والسلام:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
[ رواه البخاري عن أبي هريرة ].
ماذا يفيدنا هذا الكلام ؟ أنت أيها الأخ المسلم إن رأيت صديقاً لك أو زميلاً أو قريباً لا يصلي، وليس ملتزماً إطلاقاً، لكنه لا يكذب، لكنه يحب خدمة الناس، لكنه لا يخون، لا يأخذ ما ليس له، تعجبك صفاته ولا تعجبك عبادته، لا يصلي، أنا أنصحك: هذا الإنسان اهتم به، لأن أخلاقه الفاضلة هذه سوف تقوده إلى الإيمان، لذلك قال النبي الكريم:
(( أسلمت على ما أسلفت من خير ))
وقال:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
والذين أسلموا مع رسول الله، وكانوا أبطلاً كانوا في الجاهلية أخلاقيين، إذاً اِطمع واعتني بكل من حولك ممن كان أخلاقياً، وقد ورد في القرآن الكريم آية دقيقة ، بعضهم يفهمها بشكل دقيق، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾
( سورة الأعراف ).
الصالح الذي لا يكذب، والذي يرحم الناس، والذي لا يخون، والذي يحب أن يقدم خدمات للناس هذا إنسان صالح، لو لم يعجبك دينه فهذا سينتهي به صلاحه إلى الإيمان، لذلك اعتنِ به.
كرم أم معبد ومعجزة النبي في حلب الشاة العجفاء:
فأم معبد وزوجها أبو معبد كانوا كرماء، وكانوا يطعمون كل من يمر بهم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر، هل عندك شيء نشتريه منك ؟ مسافة طويلة، الآن تركب سيارة مكيفة، والسرعة 180 كيلومترا، تحتاج إلى أربع ساعات ونصف، أما المسافة فيقطعها الراكب على ناقة في 12 يوماً، فقالت: والله لو عندنا شيء ما بخلنا به عليكم، والشاء عازب، أيْ ليس في ضرعها حليب، وكانت سنة شهباء قاحلة، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، أيْ في طرف الخيمة، فقال: ما هذه الشاة ؟ قالت: خلّفها الجهد، فمن شدة هزالها وضعفها لم تستطع أن تذهب مع أخواتها إلى المرعى، خلّفها الجهد عن الغنم، فقال: هل بها من لبن ؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها ؟ ما هذا الأدب ؟! أيام يدخل إنسان يجلس على الطاولة مكان صاحب البيت يستخدم الهاتف مكالمة خارجية، ولا يستأذنه، قال لها: أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت: نعم بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليب فاحلبها، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمّى الله، ودعا الله فتفاجت عليه ودرّت، فدعا بإناء لها فحلب فيه حتى عَلَته رغوة، فسقاها فشربت حتى روَت، وسقا أصحابه حتى رووا، ثم شرب
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم:
متى شرب ؟ آخر الناس شرباً، كان عليه الصلاة والسلام في خدمة أصحابه، وكان واحداً منهم، وكان يقدمهم عليه، ومرة كان مع أصحابه في سفر وأرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها فقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقالوا له: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أصحابه.
كان إذا دخل عليه أعرابي لا يعرف من هو محمد، ماذا تستنبطون ؟ يجلس مع أصحابه على الأرض من دون أي تميز، فهذا السؤال له روايتان، الرواية الأولى:
قال الأعرابي: أيكم محمد ؟ فقال أحد الصحابة القريبين منه: ذاك الوضيء الذي به وضاءة في وجهه.
الرواية الثانية: قال النبي الكريم: قد أصبت، أنا.
إذاً كان متواضعاً، كان مع أصحابه قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
مرة وهو قائد الجيش، وزعيم الأمة، ونبي الأمة، وآخر الرسل، وبعد الإسراء والمعراج سيد ولد آدم، سيد الخلق، وحبيب الحق، في بدر الرواحل قليلة والصحابة أكثر من ثلاثمئة، فقال:
(( كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ـ سوى نفسه كجندي في هذه المعركة ـ فركب الناقة، وانتهت نوبة النبي في ركب الناقة، أراد أن ينزل فتوسلا صاحباه أن يبقى راكباً، فقال كلمة والله لو رددتها ألف مرة لا أرتوي منها، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير ))
( أحمد )
كان يتمتع بلياقة عالية جداً.
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ].
(( ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا بأغنى منكما على الأجر ))
أنا أريد أجر المشي.
أحيانا يطلق الله لسانَ الإنسان فيترفّع عن أي عمل صالح يراه تافهاً، هو للدعوة فقط، لإلقاء الكلمات، ليجلس في الصف الأول دائماً، ليُحترم، ليقوم الناس له، أما أن يطعم قطة مثلاً، أو أن يسعف كلباً مقطوعاً، أو أن يقوم بخدمة مسجد فهذه هو فوق ذلك، سيد الأمة، وحبيب الحق، قال: ولا أنا بأغنى منكما عن أجر المشي، أريد أن أمشي كي أكسب الأجر مثلكم، هذا التواضع.
إنّ أيّ داعية أيها الإخوة لا يقلد النبي عليه الصلاة والسلام في سيرته مع أصحابه لا يفلح، فإذا كان ثمة إنسان على الأرض يستحق أن نخدمه بلا مقابل كان هو رسول الله، ومع ذلك خدمه سيدنا ربيعة، وفي اليوم السابع قال: يا ربيعة: سلني حاجتك، قال: أمهلني يا رسول الله، فأمهله، فلما سأله ثانية قال: ادعُ الله لي أن أكون معك في الجنة، قال له: من علّمك هذا ؟ النبي يقصد حاجة مادية، لأنه خدمه، شعر النبي عليه الصلاة والسلام أن خدمة ربيعة له دَين عليه، هناك من يقول: لي عليكم فضل، تعالوا قدموا لي خدماتكم، هذا بعيد عن أصول الدعوة بُعْد الأرض عن السماء، يجب أن تكون في خدمة إخوانك، يجب أن تكون آخرهم شرباً، سقى أم معبد، وسقى أهل البيت، وسقى أصحابه، ثم شرب آخر واحد منهم.
إخواننا الكرام، معركة الخندق كانت من أقسى المعارك، أصحابه جاعوا جوعاً شديداً، وبردوا برداً شديداً، والخطر كبير جداً، والإسلام قضية ساعات، وينتهي حتى أن بعض الذي كان مع رسول الله قال: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ كأنه انسلخ من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
( سورة الأحزاب ).
الجوع شديد جداً، والبرد شديد، والخوف شديد، والخطر شديد، وجاءت قريش ومن لف لفها ليستأصلوا الإسلام كلياً، الإسلام بقي له ساعات، صحابي جليل يحب النبي حباً جما انسلّ إلى بيته عنده شاة صغيرة، وأمر أهله أن تذبحها، وأن تطبخها ليأكل النبي صلى الله عليه وسلم.
أنا تساءلت: هل يعقل أن يأكل النبي وحده أو مع صاحبيه ؟ مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل، فهو جاء بها سراً، وقال: يا رسول الله، كل هذه أنت وصاحبك، فنادى لكل أصحابه، وكان في معركة، هذه من معجزاته الحسية، ما بقي واحد إلا وأكل، سبحان الله !!! المغزى أنه لا يمكن لنبي أن يتميز على من معه، أبداً، هو واحد منهم، لذلك قال بعضهم:
يا من جئت الحياة وأعطيت ولم تأخذ، يا من ملكت القلوب، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً فوق الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
وجوب محبة النبي عليه الصلاة والسلام:
إن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون، هؤلاء عرفوا قدره، فإذا عرفت قدر رسول الله فلا بد من أن تهيم به حباً.
واللهِ إنّ هذا الذي رسم النبي عليه الصلاة والسلام بصور لا تليق بمؤمن حينما يكشف له الغطاء يوم القيامة أنا أتصور أنه يقول لله عز وجل: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى، لا يحتمل، أعلمت من رسمت ؟ رسمت سيد الخلق وحبيب الحق، رسمت الذي أقسم الله بعمره الثمين، رسمت الذي عفا عن خصومه.
(( ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
[ رواه ابن أبي شيبة عن صفية بنت شيبة ]
إخواننا الكرام، محبة رسول الله جزء من الدين، قال: والله يا رسول الله ـ سيدنا عمر ـ إني أحبك أكثر من أهلي، وأولادي، ومالي، إلا نفسي التي بين جنبي، فقال النبي الكريم: لما يكمل إيمانك يا عمر، إلى أن جاءه ثانية وقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي، وأهلي، وأولادي، ومالي، قال: الآن يا عمر. ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
( سورة النساء ).
أحد أركان الإيمان أن تحب النبي العدنان، محبتك له دليل إيمانك، لأن الرحيم يحب الرحيم، والكريم يحب الكريم.
رحمة النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه:
مرة أحد الصحابة، اقبلوا مني هذه القصة، مع أنها غريبة جداً، كتب إلى قريش اسمه حاطب بن بلتعة: إن محمداً سيغزوكم، سرب معلومات، قبل الغزو، فاخذوا حذركم، فجاء النبي الوحي، وأخبره بما فعل حاطب، فطلب النبي الكتاب الذي أرسله حاطب مع امرأة خرجت من المدينة إلى مكة، تبعها صحابيان، وصلا إليها، أين الكتاب ؟ فأنكرت، فقال أحدهما: لنأخذنّ الكتاب أو لننزعن الحجاب، خافت فأعطتهم الكتاب، فتح الكتاب، حاطب بن بلتعة يقول: إن محمداً سيعزوكم فخذوا حذركم، جاؤوا بالكتاب إلى النبي الكريم، واستدعى حاطبًا، هذه بالتعبير الحديث خيانة عظمى، بكل الدول والشعوب والتاريخ والحاضر والماضي والمستقبل عقابها الإعدام، فإذا شاء الله في القريب العاجل أنْ هيأنا خطة لفتح القدس فرضاً، وسرّب واحد الخبر أن ثمة خطة، ماذا يفعل به ؟ إعدام، قال له: ما هذا يا حاطب ؟ فبكى، قال له: والله ما كفرت، ولا ارتدت، ولكنني لصيق بقريش، وأنا واثق أنا الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن يكون لي عند قريش أحمي بها أهلي وأولادي ومالي، فقال عليه الصلاة والسلام: إن صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
هذه أخلاق أنبياء.
جاءه عكرمة، من أبوه ؟ فرعون قريش، عكرمة بن أبي جهل أبو جهل أكفر كفار قريش، وألد أعداء النبي، ولم يدع أسلوباً في التنكيل لرسول الله إلا فعله ومات عكرمة، قتل، جاء ابنه مسلماً، فقال عليه الصلاة والسلام: جاءكم عكرمة مسلماً فإياكم أن تسبوا أبا، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت.
إذا كان أخ من إخوانك أبوه كان بعيدًا عن الدين بُعدًا كثيرًا فلا تحرجه، لا تحمر وجهه، ولا تقل: أبوك ما كان مؤمنًا ؟ ما كان يصلي ؟ كن لطيفاً، عتّم على الموضوع.
فلذلك من رأى النبي عليه الصلاة والسلام بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
صحبة الصالحين أحد الوسائل القرب من الله:
بعض الصحابة خدم النبي عليه الصلاة والسلام حينما تنتهي مدة خدمته يقول له النبي: انصرف بعد العشاء، من شدة تعلقه برسول الله يبقى نائماً على طرف الباب، هذه الكمال، لو التقيتم بإنسان موصول بالله تجدون فيه الأنس، والروحانية، والمحبة، والكلام الجيد، والتعليقات اللطيفة، تشعر بأنس لله عز وجل، لذلك قالوا: صحبة الصالحين أحد الوسائل القرب من الله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
( سورة المائدة الآية: 35 ).
صحبة الصالحين وسيلة من وسائل القرب من الله عز وجل، يؤكد هذا أن سيدنا حنظلة كان في أحد طرق المدينة يبكي، رآه النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: ما لك يا حنظلة تبكي ؟ قال: نافق حنظلة، قال له: ولمَ ؟ قال نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى.
حال المؤمن بالجامع حال متألق، يحس بإقبال، وبأنس، وبمحبة لله، يعقد نيات طيبة جداً، فسيدنا الصديق من كماله قال له: أنا كذلك يا أخي.
أحيانا يشكو لك إنسان ابنه، فتقول له: لا، أنا ابني الحمد لله راقٍ جداً، وفهيم، خفف عنه قليلاً، قل له: والله هذه مشكلة عامة.
قال له: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله، فلما عرضا على النبي هذه المشكلة قال عليه الصلاة والسلام:
(( أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحكتم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم))
( الترمذي عن حنظلة )
فأنت حينما تأتي إلى المسجد لتستمع إلى درس علم، إنك تُشحن كما يُشحن الهاتف الخلوي.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:44 PM   #34


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : (الرابع و الثلاثون )

الموضوع :الهجرة - 9 - قصة ام معبد


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا بد من وقفة سريعة حول حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، لأن هذه قضية اُختلف فيها.
بسطُ القول في حكم الاحتفال بالمولد النبوي:
أولاً: يجب أن نعلم علم اليقين أنه ما لم يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لم لا يتم الواجب به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية متفق عليها أرأيت إلى الوضوء هو فرض، لأن الصلاة وهي فرض لا تؤدى إلا به، إذاً هو فرض.
الآن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، هذه قاعدة أصولية ثانية، ما لم تكن قرينة تصرف عن الوجوب إلى شيء آخر، كأن يقول الله عز وجل:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
(سورة الكهف الآية: 29 ).
هذه لام الأمر، هذا أمر تهديد، أو أمر إباحة. ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾
( سورة البقرة الآية: 187 ).
إباحة، أو أمر ندب: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾
( سورةالنور الآية: 32 ).

مادام هناك قرينة تصرف عن الوجوب فالأمر يأخذ معنى الإباحة، ويأخذ معنى الندب، ويأخذ معنى التهديد، ما لم تكن هذه القرائن فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
( سورة الحشر الآية: 7 ).
خذوه أمر، هذا أمر يقتضي الوجوب، التطبيق كيف نأتمر بما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام، وكيف ننتهي عما عنه نهانا، إن لم نعرف ما الذي أمرنا، وعن أي شيء نهانا، إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين، وإذا قال الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾
(سورة الأحزاب ).
كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حسنة إن لم نعرف سيرته، كيف عامل زوجته كيف عامل أولاده، كيف عامل جيرانه، كيف عامل أصحابه، كيف كان في سلمه، كيف كان في حربه، كيف كان في الفقر، كيف كان في الغنى، كيف كان في السراء، كيف كان في الضراء، إذاً ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم.
حينما تحضر درس فقه السيرة لا تظنن أن هذا الحضور من نوافل العلم، بل من واجبات العلم، بل من الفرائض التي افترضت على المؤمنين، لأنهم مأمورون أن يأخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمرهم، وقد نهوا أن ينتهوا عن كل شيء نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، لأن تنفيذ أمر الله عز وجل:
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
لا يتم إلا بمعرفة الأمر، ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين، لأن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لك، وهذا لا يتم إلا إذا عرفت سيرته.
الآن إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
( سورة هود الآية: 120 ).
إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً عندما يسمع قصة نبي دونه فلأن يقوى إيماننا إذا سمعنا قصة سيد الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 69 ).
يعني اعرفوا رسولكم، فإذا جلست في مكان، في بيت، في مسجد، في دعوة من أجل أن تتعلم شمائل النبي، وأخلاق النبي، ومنهج النبي، وكمال النبي فهذا من صلب الدين، الآية السادسة: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
( سورة سبأ الآية: 46 ).
﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾

وتتفكروا في منهج النبي صلى الله عليه وسلم، في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، في سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
إخواننا الكرام، الاحتفال بعيد المولد أي أن نجتمع في أي يوم من أيام العام من دون استثناء، وأن نحدث الناس عن سيد الأنام هذا من الدعوة إلى الله، هذا من صلب النشاط الدعوي في الإسلام، لكن إياك أن تقول: إن الاحتفال بعيد المولد عبادة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، أما العبادات فبالعكس، الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، لا تسمِّ الاحتفال بعيد المولد عبادة، سمِّه نشاطاً دعوياً، سمّه تعريف الناس برسول الله، سمّه شرح الشطر الثاني من كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله.

بالمناسبة أيها الإخوة، لا يمكن أن تعيش المُثل إلا بمثل أعلى، وتكاد مشكلة المسلمين اليوم أنهم فقدوا المثل الأعلى، لذلك ضاعوا، واختلفوا، وأصبح بأسهم بينهم المثالية تحتاج إلى مثل، القيم الأخلاقية تحتاج إلى كائن متحرك ترى صدقه، ترى أمانته ترى عفافه، ترى كماله، من هنا كانت صورة النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة بشكل عملي، لو لم يكن في الدين إلا سيرة النبي لكفت، لأنها في الحقيقة كتاب وسنة، ولكن ليست قولاً بل عملاً.
ولبعض العلماء رأي دقيق جداً، وأنا أحترمه، أن دلالة أفعال النبي على فهمه لكتاب الله أدق من دلالة كلامه على فهمه لكتاب الله، لأن الكلام يؤول، بينما الفعل لا يؤول، الفعل حدي، أما الكلام فاحتمالي.

يقول أحدهم: أنا أصلي بغير وضوء، ما هذا الكلام ؟ يمكن انه يصلي على النبي بغير وضوء، يقول: أنا أفرّ من رحمة الله، وهو يعني من المطر، يقول: أنا أحب الفتنة، وهو يحب أولاده .
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾
(سورة التغابن الآية: 15 ).
يقول: أنا أكره اليقين، واليقين هو الموت.
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
( سورة الحجر ).
فالكلام يؤول، أما الفعل فلا يؤول، هذا الموضوع القصير بدأت به الدرس لأننا في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، ونتابع السيرة.
مرور النبي عليه الصلاة والسلام بخيمة أم معبَد ومعجزته مع الشاة العجفاء:
أيها الإخوة الكرام، في طريق النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مر بخيمة أم معبد، أم معبد امرأة لها خيمة مرّ بها النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر، قال: وكانت امرأة برزةً، معنى برزة أي برزت محاسنها، هذا قول، معنى برزة أي امرأة موثوق برأيها وعفتها، والقول الثاني أرجح، أو إن كشف وجهها، أو كهلة لا تتحجب كما تتحجب الشابات، هذه المعاني وردت في كلمة برزة، يرجح عندي أنها امرأة موثوق برأيها وعفتها، وأنها كهلة لا تتحجب، أو لا تخفي وجهها، وكأن الحجاب من الفطرة، هذه امرأة لم تسلم بعد، الحجاب من الفطرة، ورد في القاموس أن المرأة البرزة هي الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الشابات.
أيها الإخوة، وكانت امرأة برزةً جلدة، ليس بين جلدها وعظمها لحم كثير ، يعني أنها ممتلئة، ولكنها ليست بَدِينة، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي، قال بعض العلماء: الاحتباء حيطان العرب، الخيمة ليس فيها حائط تستند إليه، بل إن القماش لا يحتمل أن تستند إليه، إذاً كان العرب وهم في الصحراء يشبكون أصابعهم أمام ركبهم، وهذا هو الاحتباء.
إذاً هذه المرأة كانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم، وتسقي من مرَّ بها يسألاها، النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه سألاها: هل عندك شيء نشتريه ؟ فقالت: والله لو عندنا شيء ما أعوزتكم إلى القرى، لو عندنا شيء نبيعكم إياه ما حملتكم على أن تسألوني، لأطعمتكم من تلقائي نفسي، لأن صفة الكرم والشجاعة من أبرز صفات الصحراء.

ثمة إنسان في الصحراء كان من لصوص الخيل، وأرض تصنع الألم من شدة الحر، مرّ به فارس على فرسه، فرقّ له، ودعاه إلى ركوب الخيل، فما إن ركب هذا اللص الخيل حتى دفع صاحبها نحو الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، قال له صاحب الفرس: يا هذا، وهبتُ لك الفرس، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن تشيع هذا الخبر في الصحراء، فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما في الصحراء.
والآن الذين يمنعون الماعون، تقترض فلا تؤدي، يقترض فلا يؤدي، الآن معظم الناس يمتنعون عن الإقراض الحسن، هذا الذي اقترض، ولم يؤدِ منع الماعون، هذا الذي استعار حاجة فأتلفها منع الماعون، أنت حينما تسيء لمن أحسن إليك تمنع الماعون.
أيها الإخوة، ثم قالت: والشاء عازب، معنى عازب لا يدرّ ضرعها، وكانت سنة شهباء، أي لا نبات فيها ولا مطر
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، يعني في جانب الخيمة، فقال: ما هذه الشاة ؟ قالت: خلّفها الجهد عن الغنم، أي التعب والمشقة والنصب، فقال: هل بها من لبن ؟ قالت: هي أجهد من ذلك، هي أضعف من أن تعطي اللبن، فقال عليه الصلاة والسلام بأدب جم: أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليباً فاحلبها، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ضرعها، مسح ضرعها وسما الله ودعا، فتفاجت عليه، معنى تفاجت أي فرقت ما بين رجليها كي يسهل عليه حلب ضرعها، فتفاجت عليه ودرت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، معنى يربض أي يشبع يروي، الرهط أهلها زوجها وأولادها، فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها، سقى أم معبد، لم يشرب هو، سقاها أولاً فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب هو، ساقي القوم آخرهم شرباً، وحلب فيها ثانياً فملأ الإناء، ثم غادره عندها، وارتحلوا، فما لبس أن جاء زوجها يسوق أعنزاً عجافاً، أي هزيلة من شدة الجوع، وتساوتن هزالاً، أي كل عنزة تشبه أختها في هزالها، لأن السنة شهباء، قاحلة فلما رأى اللبن، قال أو معبد: من أين هذا والشاء عازب لا تدرّ ؟! ولا حلوبة في البيت، قالت: والله مر بنا رجل مبارك، ومن حديثه كيت وكيت، قال: والله إني أراه صاحب قريش الذي تطلبه، وضعوا مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، صِفِيه لي يا أم معبد.
وصف أم معبَد للنبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلقية :
هذا هو درس اليوم صفيه لي يا أم معبد، ومرة واحدة في درس السيرة نصف شكل النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أدق وصف ورد عن أم معبد، لكن أصحابه الكرام من شدة هيبته، ومن شدة مكانته إذا جلسوا معه كأنهم على رؤوسهم الطير، لن يصفوا، لكن أم معبد وصفته قالت:
<< هذا الرجل ظاهر الوضاءة، الوضاءة ؛ النظافة والحُسن، ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، الكلمة كالكائن الحي، يولد ويشب ويهرم ويموت >>.
هناك كلمات كثيرة جداً في التاريخ العربي الآن ليست مستخدمة، أضرب لكم مثلا، قال بعض الشعراء في الجاهلية:
مدخوصة بنحيص الدحص باذلها له صريفٌ صريفُ القعو في المسد

هل فهمتم شيئًا ؟ هذه لغة عربية، كلها كلمات الآن غير مستعملة، فهذا الوصف رائع جداً، إلا أن أكثر كلماته تحتاج إلى شرح.
<< رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، يعني نظيفاً، حَسن الوجه، أبلج الوجه، وجه مشرق، ليس عبوساً قمطريرا، حسن الخلق، كامل، لم تعبه سجلة، ما هي السجلة ؟ ضخامة البطن، لم تعبه سجلة، ما له بطن كبير، التجار أحياناً يستخدمون البطن الكبير بمعنى آخر، ولم تزرِ به صعلة، الصعلة صغر الرأس، ليس بطنه كبيراً، ولا رأسه صغيراً وسيم، وسيم يعني جميل.
وأجمل منك لم ترَ قط عينٌ وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقت مبرأ من كل عيـبٍ كأنك خلقت كما تشـاءُ

وسيم قسيم، معنى قسيم له من كل أنواع الحسن قسم، والحسن قد يكون طولا، وقد يكون بياضًا...إلخ، له من كل أنواع الحسن نصيب، قسم، في عينيه دعج، عيناه واسعتان، وبياضها شديد النصوع، وسواد بؤبؤها شديد السواء، وهذا هو الحور في اللغة شدة بياض العين مع شدة سوادها، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، والأشفار رموش عينه طويلة، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، بحة، الآن كبار قراء القرآن الكريم له بحة محببة جداً، بحة الصوت فيها أنس، النفس تطرب لهذه البحة، في صوته صحل، وفي عنقه سطع، عنقه طويلة ـ في رأس ملزوق بالكتف وفي عنق جميل ـ وفي لحيته كثاثة، شعره غزير، أكحل في سواد في جفنه، طبيعي من دون كحل أكحل، أزج، ومن أدق ما قال العلماء وعلماء اللغة في أزج: يعني حواجبه طويلة ورقيقة ومنقطعة بين العينين، بياض ناصع بين الحاجبين، حاجب طويل ورقيق ومعرج، أقرن يميل مع العين، طويل ورقيق ومنعرج، وبين الحاجبين بياض ناصع، أزج أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
دخل عليه رجل أصابته رعدة، قال: هوّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة، حتى أن أصحابه الكرام قالوا: من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم علاه البهاء، أجمل الناس، وأبهاهم من بعيد ، هناك إنسان تراه عن بُعد جميلا، إذا اقترب منك والعياذ بالله، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، جميل على البعد وعلى القرب، حلو المنطق، كلامه جذاب بالتعبير الحديث، متحدث لبق، يأسر القلوب بكلامه، لا ندْر، معنى ندر أي قليل الكلام، قد تسأل الطبيب: ما الوضع ؟ أخذ مبلغًا كبيرًا، لا يتكلم ولا كلمة، خذ الدواء فقط، المريض يحب أن يفهم ما وضعه، هل الحالة صعبة ؟ سهلة ؟ علاجها سهل ؟ عيب بالإنسان في قلة كلامه، هناك إنسان قلة كلامه جفاء لمن حوله، وإنسان لا يحتمل من كثرة كلامه، كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق، منطقه لا ندر ولا هدر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن كأنه عقد، الحبة الأكبر، الأصغر، الأصغر، نظم الكلام فن، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا هو طويل تشنأه العين من طوله، ولا هو قصير تقتحمه العين من قصره، لا هو قصير يقتحم، ولا طويل يصعب أن تنظر إليه.
قال رجل قصير لرجل طويل: الطقس عندك كيف فوق ؟ لأن ثمة مسافة طويلة.
ربعة، أي ليس بالطويل ولا بالقصير، معتدل، لا تقتحمه عين من قصر، ولا تشنأه عين من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، معه اثنان حادي الإبل وسيدنا الصديق، الغصن بين غصنين، النبي الكريم كغصن أنضر الأغصان الثلاثة، أجملهم وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود، أي التف الناس حوله، محشود مخدوم، لا عابس ولا مفند، هناك إنسان ينتقد دائماً مُتعب، ظله ثقيل، كل شيء ينتقده، لا عابس ولا مفند، لا ينتقد، قال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش، يعني هذه الصفات الكاملة.
بالمناسبة أيها الإخوة، هذا الإنسان الكامل، الجميل، الرحيم، الكامل المتواضع، الأخلاقي، الذي يوحى إليه، الذي معه القرآن، الذي آتاه الله المعجزات الفصيح، الحكيم، كل هذه الكمالات قال له الله أنت أنت بالذات، على كل هذه الخصائص:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
(سورة آل عمران الآية: 158).

فالواحد لو لم يكن نبياً، ولا رسولاً، ولا يوحى إليه، ولا معه قرآن، ولا معجزات، وليس فصيحاً، وليس جميلاً، ومع ذلك فهو غليظ قال له:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
أنتَ أنت بالذات:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
( سورة آل عمران ).

قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأصبح النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى المدينة.
هذا أدق وصف مر بالسيرة النبوية للنبي عليه الصلاة والسلام في شكله أولاً، وفي أخلاقه، وفي تواضعه وأدبه، وحسن صحبته مع إخوانه.
هذا الدرس الوحيد في فقه السيرة متعلق بشكل النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جمعت لكم بعض الأحاديث الشريفة حول خَلقه صلى الله عليه وسلم، وقد علمنا النبي الكريم أن أحدنا إذا وقف أمام المرآة، ورأى شكله حسناً، له عينان، وله أنف طبيعي، وله حجم معتدل، شكله تام، كان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ))
[ أحمد عن عائشة]
لأنه قيل:
جمال الجسم مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
أحد الناس كان أنيقًا جداً، جميل الصورة، تكلم كلامًا بذيئًا، فقال له أحدهم: إما أن تتكلم وفق هندامك، وإما أن ترتدي ثياباً وفق كلامك.
أحاديث في وصف النبي عليه الصلاة والسلام:
إخواننا الكرام، تجلس مع مؤمن والله لا أبالغ 30 عامًا، تصحب مؤمناً 30 عامًا لا تستمع منه إلى كلمة نابية، أبداً، لسانه مضبوط.
(( قلت: يا رسول الله، أنؤاخذ بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ ))
[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ].
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
[ أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق ].
(( مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه))
[ رواه عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه ]
(( وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّم سيعين خريفاً ))
[ رواه البخاري عن أبي هريرة ]

كان عليه الصلاة والسلام:
(( أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير ))
[ متفق عليه ]
كل واحد منا إذا كمل الله عز وجل خَلْقه فعليه أن يسعى ليكمل أخلاقه.
وكان عليه الصلاة والسلام: أبيض مليح الوجه، ولا تنسوا مرة ثانية الدعاء المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا وقف أحدكم أمام المرآة، ورأى شكله حسناً أن يقول:
(( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ))
[ أحمد عن عائشة]
وكان عليه الصلاة والسلام مربوعاً، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية تعلوه الحمرة، بالتعبير الدارج على كل خد وردة، تعلوه حمرة، لقد رأيته في حُلةٍ، يقول راوي الحديث: رأيته في حُلةٍ ما رأيت أحسن منه.
إخواننا الكرام، الإنسان بحاجة إلى الجمال، إذا رتب بيته، نظف بيته، رتب محله التجاري، أنا لا أقول: أن تشتري أشياء غالية، لكن الجمال لا يحتاج إلى جِمال، بل يحتاج إلى ذوق فقط، المسلم كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( حسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس ))
[الحاكم في المستدرك عن سهل بن الحنظلية ].

كان عليه الصلاة والسلام:
(( ضخم الرأس، واليدين، والقدمين، حسن الوجه، لم أرَ قبله ولا بعده مثله ))
[ رواه البخاري ].
وكان عليه الصلاة والسلام:
(( وجهه مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا ))
[ رواه مسلم عن جابر بن سمرة ].
كان عليه الصلاة والسلام : (( إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ))
[ متفق عليه ].
لذلك ورد في بعض الأحاديث: (( إذا كان الوجه الحسن رجلاً لكان رجلاً صالحاً ))
وكنا نعرف ذلك، مسرور.
وكان عليه الصلاة والسلام:
(( لا يضحك إلا تبسما ))
[ رواه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن جابر بن سمرة ].
هناك ضحك فيه قلة أدب، يضحك الإنسان، لكن كان ضحكه تبسمًا، هناك شخص يقلب للوراء، وعن عائشة قالت:
((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم ))
[ أخرجه الشيخان والترمذي عن عائشة رضي الله عنها ].
الإنسان أحيانا يضحك فيفتح فمه، ترى أعمق حلقه، تقول السيدة عائشة:
((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم ))
ويقول سيدنا جابر:
(( فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ ))
[ رواه المحفوظ عن جابر بن سمرة ].
الله عز وجل جميل، ويكسب المؤمن جمالا، ولو كان ملونًا، سيدنا بلال ملون، أنا متأكد أن في وجهه نورًا، والإنسان يكون لونه أحيانا فاتح جداً، واستوفى الجمال البشري، لكن فيه ذنوب ومعاصٍ وآثام وخبث، فتجد في وجهه فتورًا وغبرة. ﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾
(سورة عبس ).

أيها الإخوة، أبو طالب وصف النبي عليه الصلاة والسلام شعراً قال:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطعم اليتامى، ويمنع الأرامل من أن تُظلمن.
أيها الإخوة الكرام، الحياة الدنيا كما يقال: ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة، والإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ومن أدق تعريفات الإنسان أنه زمن، أو أن أثمن شيء يملكه هو الزمن، وأن الزمن رأس ماله، وأن هذا الزمن إما أن ينفق استهلاكاً، وإما أن ينفق استثماراً، فإذا طلبت العلم، وتعرفت إلى سيد الخلق، وسرت على منهجه، أنشأ الله له حق عليه أنا أخاطب الشباب، المستقبل مخيف لكنك إذا كنت مع الله مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعامل الشاب المؤمن كما يعامل الشاب المتفلت
قال تعالى، دققوا في هذه الآية أيها الشباب، سمعتَ خبرًا أنه مما يلفت النظر أن رواد المساجد في دمشق ـ خبر أذيع قبل يومين ـ من الشباب، وأنا أخاطب الشباب، وريح الجنة في الشباب:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 ).
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعامَل شاب مؤمن يخاف من الله كما يعامَل شاب فاسق.
(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))
[ أخرجه أبو المظفر السمعاني في أماليه عن سلمان ].

(( إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي ))
[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ].
إذاً: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادٍ: " يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ".
حضور درس فقه السيرة مما يجب على كل مسلم، لماذا ؟ ليعرف عن النبي أخلاقه، ليعرف عن النبي شمائله، ليعرف عن النبي رحمته، ليعرف عن النبي تواضعه ليعرف عن النبي حكمته، ليعرف عن النبي عفته.
سيدنا جعفر لما سأله النجاشي حدثنا عن نبيكم، قال:
(( أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار حتى بعث الله إلينا رجلاً نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه ))
( أحمد عن أم سلمة )






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:48 PM   #35


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الخامس و الثلاثون )

الموضوع :الوقائع التى حصلت قبل الهجرة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقبل أن ننتقل إلى وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لا بد من أن نستكمل بعض الوقائع التي حصلت قبل الهجرة، من هذه الوقائع:
وقائع قبل الهجرة:
انشقاق القمر:
هناك جدل طويل حول هذه الآية، يا ترى وقعت أم لم تقع ؟.
بادئ ذي بدء، خرق النواميس، وخرق السنن إن كان هذا لنبي أو رسول فهو معجزة، وغير النبي إن جاء بخرق السنن فهو كرامة، وإن جاءت الظواهر غير مألوفة على يد ضال فهي ضلالة، خرق النواميس بين أن يكون معجزة، وبين أن يكون كرامة أو ضلالة.
المعجزة تكليف إلهي للأنبياء من أجل التحدي:
الأنبياء مكلفون من قِبل الله عزوجل أن يتحدوا بالمعجزات أقوامهم، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما انتقل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، وعُرج به إلى السماء، وعاد إلى بيت المقدس، ثم عاد إلى مكة، ولا يزال فراشه ساخناً، كان يتمنى ألا يقول هذا للناس، لأنهم من دون هذه المعجزة لا يصدقون نبوته، لكن الأنبياء مكلفون من قِبل الله عزوجل أن يتحدوا بمعجزاتهم أقوامهم، لأن المعجزة هي شهادة الله للبشر أن هذا الإنسان الذي أجريت على يده رسول من عند خالق البشر.
أما السيدة مريم الصديقة فقد أنجبت غلاماً من دون أب، لأنها ليست نبية، هي كرامة، وإذا تعاون إنسي مع جني، وجاءوا بأخبار من غيب الحاضر فهذه ضلالة، إن كان الهدف تعميق الإيمان من قِبل إنسان ليس نبياً فهي كرامة، وإن كان الهدف خرق الناس عن الله عزوجل فهي ضلالة، ونحن ودققوا فيما سأقول: لسنا مكلفين أبداً أن نصدق كرامة لم يرد فيها نص صحيح، وإلا أصبح ديننا دين كرامات ومنامات، وضاعت معالم هذا الدين، ومن الثابت عند العلماء أن الولي الحق يستحي بكرامته كما تستحي المرأة لما لا تستطيع إظهاره، لكن الموقف الشرعي أن الكرامة ينبغي ألا تنكرها لأنها واقعة، وينبغي ألا تذكرها لأنك لست مكلفاً كوليّ أن تنطق بها، بل ينبغي أن تكتمها لأنها بينك وبين الله.
أعظم الكرامات: كرامةُ العلم:
ولكن اسمعوا هذه الكلمة: إن أعظم كرامة على الإطلاق، ولا تحتاج إلى خرق العادات، إنها كرامة العلم، قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء ).
ولي مع هذه الآية وقفة متأنية، لو أن طفلاً قال لك: معي مبلغ عظيم لقدرته بـ200 ليرة، ولو قال مسؤول كبير في وزارة حرب دولة عظيمة: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً لقدرته بـ 200 مليار من عملتهم، فإذا قال ملك الملوك، وخالق السماوات والأرض:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
فاعلم علم اليقين أن أعظم كرامة على الإطلاق هي كرامة العلم.
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 9 ).
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
( سورة المجادلة ).
الأدلة والنصوص على ثبوت انشقاق القمر:
الآن انشقاق القمر معجزة حسية، للنبي عليه الصلاة والسلام، إلى النصوص:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء بينهما ))
[ رواه ابن مسعود عن أنس ].
هذا الحديث رواه ابن مسعود في كتاب المناقب، وكان الإمام البخاري قد رواه في صحيحه، وكتاب البخاري من أصح الكتب بعد كتاب الله.
وعند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
(( انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقَالَ لَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا ))
وعن أنس رضي الله عنه قال:
(( إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر ))
وعن أنس أيضاً قال:
(( إنّ أَهْلَ مَكّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرّتَيْنِ ))
فنزلت: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾
( سورة القمر ).
هذا حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في مسنده.
وعن أنس:
(( سَأَلَ أَهْلُ مَكّةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم آيَةً فانَشَقّ القَمَرُ بِمَكّةَ مَرّتَيْنِ، فَنَزَلَتْ:
اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ))
عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
(( بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنىً، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا ))
وفي غير صحيح مسلم من كتب الحديث ومؤلفات السيرة روت واقعة شق القمر على لسان عدد غير قليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما، لكن الذي يؤكد هذا أن كتب التاريخ الهندي والصيني تشير إلى حادثة انشقاق القمر، وقد أرَّخوا لها، هذه النصوص. والآن إلى تعليق معاصر.
التعليقات العلمية المعاصرة حول انشقاق القمر:
أيها الإخوة، في محاضرة بكلية الطب بجامعة كرديف، في مقاطعة ونز في غربي بريطانيا، من عدة سنوات قال أحد علماء مصر، وهو متفوق في موضوع الإعجاز العلمي، وجه له أحد الحضور من المسلمين سؤالا عن الآيات في مطلع سورة القمر : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾
وهل تمثل هذه الآية ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله ؟ فأجبتُ: لأن هذه الواقعة تمثل إحدى المعجزات الحسية التي وقعت تأييداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة الكفار ومشركي قريش.
وقبل أن أتابع.

التفسير العلمي للأحداث:
إخوتنا الكرام، هناك مصطلحات ثلاثة، هناك تفسير علمي، وهناك إعجاز علمي، وهناك معجزة نبوية، وكل مصطلح له حدوده وأبعاده.
التفسير العلمي: كُسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزامن هذا الكسوف مع موت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام بشكل عاطفي، وباندفاع لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ظنوا أن الشمس كُسفت لموت إبراهيم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وقف في أصحابه خطيباً وقال:
(( يَا أَيّهَا النّاسُ، إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَان مِنْ آياتِ اللَّهِ، لا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ، وَلا لِحياتِهِ ))
[ رواه البخاري ومسلم عن عائشة رض الله عنها ].
أي لا علاقة لكسوف الشمس لموت إبراهيم، ماذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم لظاهرة الكسوف ؟ قدم تفسيراً علمياً.
ومرة كنت في العمرة، سمعت وأنا بمكة المكرمة أخباراً كثيرة عن أن ضياء يشع من قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلى كبد السماء، سمعت هذا مرات كثيرة، فلما وصلت إلى المدينة فيما بين المغرب والعشاء كان هناك درس في الفقه يلقيه عالم جليل توفي ـ رحمه الله تعالى ـ
أنا استمعت لهذا الدرس، وفي نهاية الدرس قال:
حدثني أمير المدينة بأن إدارة الحرمين وضعت أشعة الليزر فوق قبر النبي عليه الصلاة والسلام لتهتدي الطائرات إلى مكان قبر النبي، وهي في أعالي الجو، هذا التفسير العلمي، والذي سمعته بمكة كان تفسيراً غير علمي، أنوار النبي صلى الله عليه وسلم تشق أطباق السماء، هي في الحقيقة أجهزة يشع منها أشعة الليزر.
إذاً عود نفسك أن تفسر التفسير العلمي، والنبي عليه الصلاة والسلام لأنه أمين على وحي السماء قال: لا، لا علاقة لكسوف الشمس بموت ابني، وكلما كنت ورعاً كنت أميناً على الدعوة إلى الله، لا تخلط الحقائق بالأوهام، ويجب أن تفسر الأمور تفسيراً علمياً.
التفسير العلمي لا يتناقض مع التفسير التوحيد:
لكن بالمناسبة، التفسير العلمي لا يعني أن تهمل التفسير التوحيدي، وقع زلزال، وللزلزال تفسير علمي، اضطراب في قشرة الأرض، من هو مسبب الأسباب ؟ الله جل جلاله، ولا بد من حكمة ما بعدها حكمة من أفعاله جل جلاله، إذاً التفسير العلمي لا يتناقض مع التفسير التوحيدي.
أما الإعجاز العلمي فشيء آخر، الله عزوجل يقول في القرآن آية، سأتلوها بعد قليل.
بين الإعجاز العلمي والمعجزة:
من الإعجاز: كأنما يصعّد في السماء:
حينما صعد رائد فضاء إلى الفضاء الخارجي، بعد أن تجاوز طبقة الهواء التي يزيد سمكها عن 65 ألف كم، بعد أن تجاوز رائد الفضاء هذه الطبقة صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً، لأن أشعة الشمس حينما تُسلط على ذرات الهواء ذرات الهواء تعكسها على ذرات أخرى، فيكون ما يسمى انتثار الضوء، فأنت في الأرض ترى مكاناً فيه ضوء واضح، ومكان فيه أشعة شمس، أما إذا ألغي الهواء ألغي انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء ما رأوا إلا ظلاماً دامساً، فقال أحدهم، وكان ثمة عالم ذرة كبير مصري في قاعدة انطلاق هذه المركبة بفلوريدا سمع بأذنه قول رائد الفضاء: " لقد أصبحنا عمياً "، هذا إعجاز علمي لماذا ؟ لأن قوله تعالى:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾
( سورة الحجر ).
متى كان هذا ؟ حديثاً، بعد 1400 عام، الآية متى نزلت ؟ قبل 1400 عام معنى ذلك أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
الإعجاز العلمي يعني أن معنى الآيات الكونية لا يمكن أن تعرف وقت نزول الوحي، لكنها عرفت في وقت متأخر جداً، أما معجزات الأنبياء فهذه موضوع ثالث لا علاقة لها لا بالأول ولا بالثاني، هي خرق لنواميس الكون، ولا يمكن أن تفسر وفق قوانين الكون، لذلك قال تعالى:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 1 ).
من المعجزات: معجزة الإسراء والمعراج:
فالإسراء والمعراج لا يمكن أن يفسر وفق قوانين الأرض، هو خرق لقوانين الأرض وهو معجزة نبوية، هي في الحقيقة شهادة من الله، على أن هذا الإنسان رسول الله عليه الصلاة والسلام واضح المعجزة النبوية ؟ هذه لا تفسر وفق قوانين الكون، بينما الإعجاز العلمي إشارة سابقة جداً إلى قضية عُرفت بعد حين، أما التفسير العلمي فعله النبي عليه الصلاة والسلام ويفعله تقليداً له كل داعية صادق.
هل انشقاق القمر من الإعجاز أم من المعجزات ؟
هذا الإنسان سأل: هل تمثل هذه الآية:
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾
ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله ؟ فأجاب هذا العالم: بأن هذه الواقعة تمثل إحدى المعجزات الحسية التي وقعت تأييداً لرسول الله عليه الصلاة والسلام في مواجهة كفار قريش، وإنكارهم لنبوته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأن المعجزات خوارق للسنن، وعلى ذلك إن السنن الدنيوية لا يمكن لها أن تفسر المعجزات الحسية التي جاء بها الأنبياء، ولولا ورودها في كتاب الله، وفي سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ما كان علينا نحن المسلمين أن نؤمن بها، أنا لا أؤمن إلا بخرق للنواميس ورد فيه نص صحيح، من كتاب الله أو من سنة رسوله، أما أن أدع الحبل على غاربه، أن أصدق كل الناس هذا لعب بدين الله، نص الآية:
﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾
( سورة القمر ).
يقول هذا الأستاذ: وبعد انتهاء حديثي وقف رجل بريطاني من الحضور واستأذن أن يضيف شيئاً على إجابتي، فأذنت له، ثم بدأ بتعريف نفسه، على أن اسمه داوود موسى بدكوك، وأنه مسلم، يرأس الحزب الإسلامي البريطاني، ثم أضاف:
إن هذه الآيات في مطلع سورة القمر كانت هي السبب في إسلامه، في أواخر السبعينات من القرن العشرين لأنه ببحث مستفيض في الأديان، كان يبحث بحثاً مستفيضاً عميقاً في الأديان كلها، إذ أهداه أحد المسلمين ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وأنه فتح هذه الترجمة لا على التعيين، فإذا الترجمة تترجم تفسير قوله تعالى:
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾
طبعاً عدّ هذه خرافة، فلما قرأ هذه الآيات أغلق التفسير المترجم باللغة الإنكليزية، ووضعه في مكان قصي، وانتهى الأمر، غير معقول، وأكبر خطأ أن تفهم المعجزات بعقلك، لأن عقلك مرتبط بنواميس الكون، والمعجزات في خلق الله تعالى، إن الله على كل شيء قدير، ثم شاء الله تعالى أن يشاهد هذا الإنسان الذي لم يكن مسلماً، الآن مسلم، أن يشاهد على شاشة التلفاز البريطاني ( بي بي سي ) برنامجاً عن رحلات الفضاء، استضاف فيه المذيع البريطاني المعرف جميس بلاك ثلاثة من علماء الفضاء، وذلك سنة 1978، الآن دققوا، وفي أثناء الحوار كان المذيع ينتقد الإسراف على رحلات الفضاء بإنفاق ملايين الدولارات، رحلة ( أبولو ) كلفت 25 مليار دولار، والأرض وأهل الأرض يتضورون جوعاً، وملايين البشر في أمس الحاجة إلى هذه الأموال الطائلة، والمرض والجهل والتخلف يعصفان بسكان الأرض، كان جواب العلماء الذين يحاورهم هذا المذيع: أنه بفضل هذه الرحلات تم تطوير عدد من التقنيات المهمة التي تطبق في مجالات التشخيص والعلاج الطبي والصناعة والزراعة وغيرها.
فيما أعلم هناك نسيج ينسج في الفضاء الخارجي، يمكن أن يستخدم رقعة لقلب معطوب، وقطعة هذا النسيج لا تزيد على هذا الحجم قد تكلف 50 ألف ليرة، هذا النسيج نُسج في الفضاء الخارجي، فإذا وسع فيه قلب معطوب يتحمل الانقباض والانبساط لعشرات السنين.
فعلماء الفضاء قالوا: المبالغ التي أنفقت على هذه الرحلات كبيرة جداً، إلا أننا انتفعنا بها كثيراً، وبأثناء هذا الحوار جاء ذكر أول رحلة نزل فيها رجل على سطح القمر وقد كلفت أكثر من مئة مليار دولار، حينما هبط رجل على سطح القمر هذه الرحلة كلفت أكثر من مئة مليار دولار، وعندئذٍ جلس المذيع يتابع عتابه على هذا الإسراف، فقال العلماء: إن هذه الرحلة قد أثبت لنا حقيقة لو أنفقنا أضعاف هذا المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد، فسأل المذيع ما هي هذه الحقيقة ؟ فأجابوا: إن هذا القمر قد سبق له أن انشق، ثم التحم، الموضوع ليس له علاقة إطلاقاً بالأديان، ولا بالإسلام، ولا بالقرآن، ندوة بين علماء الفضاء الثلاثة وبين مذيع في إذاعة بريطانيا، البي بي سي، وأجابوا أن هذا القمر قد سبق له أن انشق ثم التحم، وأن آثاراً محسوسة تؤيد هذا الحدث قد وجدت على سطح القمر، وقد صورت هذه الآثار إلى الأرض، وعرضت على علماء كبار من علماء الأرض، ومن دون استثناء أثبتوا جميعاً أن القمر كان قد انشق ثم التحم، فقال السيد بلكوك هذا الذي أهدي له ترجمة المصحف، فلما فتحه لا على التعيين، جاء على قوله تعالى:
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾
وعدّ هذا خرافة، ووضع التفسير في مكان قصي، فقال السيد بلكوك: حينما سمعت ذلك قفزت من الكرسي الذي كنت أجلس عليه أمام التلفاز، وقلت: معجزة تحدث لمحمد قبل 1400 سنة، ويرويها القرآن بهذا التفصيل العجيب يسخر الله من يثبتها للمسلمين في عصر العلوم والتقنية الذي نعيشه، ويرصد هذا المبلغ الكبير ؟! لا بدأن يكون هذا الدين حقاً، وعدت إلى ترجمة معاني القرآن الكريم أقرأها بشغف شديد، وكانت آيات افتتاح سورة القمر هي السبب المباشر لقبولي الإسلام ديناً، لذلك قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية:53 ).
من المتكلم ؟ هو الله، من المخاطب ؟ المؤمنون، يتحدث عن من ؟ عن الكفار. ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية:53 ).
والشيء الذي لا يكاد يصدق أن كل مكتشفات الغربيين وردت بشكل أو بآخر في القرآن الكريم، مثلاً:
سرعة الضوء في القرآن والعلم الحديث:
النظرية التي جاء بها انشتاين، والتي أحدثت انعطافاً خطيراً في مفاهيم الحركة والضوء والسرعات، هذه النظرية التي اسمها النظرية النسبية، والتي تؤكد أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء، وأن أي جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، كتلته صفر، وحجمه لا نهائي، وأننا افتراضاً إذا سرنا مع الضوء توقف الزمن هذا الدرس، فيه منبع ضوئي، ونحن نعكس بوجوهنا هذه الموجات الضوئية، نعكسها كموجات تنطلق نحو الفضاء الخارجي، فإذا قُدر لإنسان أن يركب مركبة سرعتها كسرعة الضوء يجب أن يرى هذا المنظر إلى مليون عام قادم، ونحن بعد أعوام لا تزيد على مئة نكون جميعاً تحت التراب، إذا سار الجسم مع الضوء توقف الزمن، لو قُدر لنا أن نركب مركبة تسبق الضوء يجب أن نرى معركة بدر، كما هي، ومعركة أحد، ومعركة الخندق، ومعركة القادسية، واليرموك، إذا سبقنا الضوء تراجع الزمن، فإذا قصرنا عن الضوء تراخى الزمن، هذه النظرية التي قلبت مفاهيم الفيزياء في هذا العصر وردت في كلمات عدة في آية واحدة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
( سورة الحج ).
والعرب الذين خوطبوا بالقرآن يعدون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر:
لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر، ووصلنا بينهما بخط، ما هذا الخط ؟ القمر يدور حول الأرض، أخذنا مركز الأرض ومركز القمر، وصلنا بهما بخط هذا الخط هو نصف قطر الدائرة الذي هو مسار القمر حول الأرض، كيف نعرف طوله ؟ المسافة بين الأرض والقمر، زائد نصف قطر الأرض، زائد نصف قطر القمر ضرب اثنين القطر، ضرب 14, 3، المحيط، ضرب اثني عشر، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في عام، ضرب ألف، ألف عام، يمكن لطالب من طلاب المرحلة الثانوية أن يأخذ البعد بين الأرض والقمر مع نصف قطر الأرض، مع نصف قطر القمر، ثم يضاعف هذا الرقم ويضربه في 14, 3، ثم في اثني عشر، ثم في ألف، أنا معي الآن رقم كبير جداً يساوي عدد كيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، واضح ؟.
قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ﴾
ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لو قسمنا هذا الرقم على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة مئتين وتسعة وتسعين ألف، وتسعمئة واثنين وخمسين، فما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، إن أردنا أن نعرف سرعة الضوء في الثانية نقسم الرقم على ثواني اليوم 60 بـ 60 بـ 24، هذه النظرية العملاقة مدرجة في كلمات عدة في آية واحدة من آيات القرآن الكريم، واضح ؟.
أيها الإخوة، هذا الإنسان الذي عدَّ انشقاق القمر خرافة، ووضع الكتاب الذي قدم له هدية في مكان قصي، لما رأى علماء الفضاء في حوار مع مذيع بريطاني في ( بي بِي سي ) يؤكدون أن القمر قد انشق، ثم التئم، وأن كل من رأى الصور أثبت أن القمر قد انشق وأن هذا مصداق قول الله عزوجل:
﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾
لذلك: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر الآية: 28 ).
ثمة رجل ملحد سبب إلحاده أنه كان طالباً في المرحلة الثانوية، وجاءه أستاذ دين لم يرتح له هذا الطالب، فانتقد هذا الأستاذ أمام أبيه، أبوه كان متعصباً جداً، فطرده من المنزل، هذا الشيء وقع في مدينة اسمها سان فرانسيسكو في أمريكا، فلما طرد هذا الابن من بيت أبيه، لأنه انتقد أستاذ الديانة أعلن إلحاده، وأنكر الأديان كلها، لكنه كان يتمتع بذكاء ما بعده ذكاء، تابع دراسته، ووصل إلى الجامعة، ودخل كلية الرياضيات، ومن طرائف ما كان يروي أن أستاذه الكبير يقول له: اخرج من القاعة، ولك علامة تامة، لأنه كان يربك أستاذه، واعتنق الإلحاد، وأصبح من أكابر أساتذة الرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو، أستاذ لهذا الملحد الذي علمهم في الجامعة جاءته فتاة شرق أوسطية في أيام الصيف الحارة، والفتيات في أمريكا شبه عرايا، هذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً، تُحضر دكتوراه في الرياضيات، القضية بالغة، فاستعان أستاذه بتلميذه، وأرسل هذه الطالبة إلى هذا الشاب الملحد الذي هو أستاذ الرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو، يقول هذا الأستاذ: أنا حينما نظرت إلى هذه الفتاة، وعلمت أنها شرق أوسطية، وهي محجبة حجاباً كاملاً قال: أنا غيرت نظرتي بفتيات الشرق الأوسط، دكتورة في الرياضيات، ومحجبة حجاب كامل، والفتيات شبه عرايا في أمريكا، يقول: أنا تهيبت أن أدقق في وجهها، ورأيتها قديسة، بل رأيتها تنطوي على قناعات لا تملكها معظم الفتيات، وتمنيت أن أقدم لها كل خدمة، لكنني في اليوم نفسه عكفت على قراءة القرآن، وأنا أبحث عن خرافة في هذا الكتاب أو عن خطأ علمي، لأنني لست مؤمناً بالأديان كلها، وصل إلى خطأ، هي قوله تعالى، طبعاً وصل إلى خطأ بتصوره: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾
( سورة يونس الآية: 92 ).
يخاطب الله فرعون: ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾
( سورة يونس الآية: 92 ).
له صديق حميم اسمه المسيو بوكاي من فرنسا، هذا رئيس المشرحة في باريس قال له: تقول لي دائماً إن الكتب المقدسة هي من عند الله تعالى انظر إلى هذه الآية:
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾
هذا من ستة آلاف عام، قال له: هذا الإنسان التي تحدثت عنه الآية جاءنا من مصر إلى باريس، واستقبل استقبال الملوك، ورممت أنا جثته وعندي صورته، فرعون، وآثار الملح في فمه، فرعون موسى الذي مات غرقاً لا يزال جسمه كما هو، وقبل سنوات عدة لعلها عشر سنوات أخذ إلى باريس كي ترمم جثته من بعض التعفنات، قال له: لا، هذا الذي قال عنه القرآن رممته بيدي، وهو في متحف مصر.
هذا الإنسان أستاذ الرياضيات بجامعة سان فرانسيسكو اسمع جفري لانك، وألف كتاباً، ووجهه لبناته، عنوانه: لماذا أسلمت، وهو الآن من كبار الدعاة الإسلاميين في أمريكا، ويوم كنت في أمريكا كان من المقرر أن ألتقي به، لكن مواعيد السفر تضاربت مع موعد اللقاء، وقد تُرجم كتابه إلى العربية، ودرست فقرات طويلة من كتابه في جامع العثمان في دمشق، إنها رحلةٌ من الإلحاد إلى الإيمان.
لذلك سيدنا خالد حينما أسلم عاتبه النبي، كيف عاتبه ؟ قال: عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً، معنى ذلك أن كل الذي تفوق في فهمه، وفي إدراكه، وفي محاكمته، يجب أن يسلم، من هنا ورد في الأثر:
(( أن أرجحكم عقلاً، أشدكم لله حباً ))
( ورد في الأثر )
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:53 PM   #36


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( السادس و الثلاثون )

الموضوع : قصة الفيل مع ابرهة ين صباح







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة المؤمنون، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية.
وصلنا إلى نهاية رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولكن أردت أن أوضح بعض الحوادث التي وردت في كتب السيرة الموسعة في مكة المكرمة قبل أن ننتقل إلى مرحلة المدينة.

قصة أبرهة والفيل: إسقاط على واقع المسلمين اليوم:
قصة تتصل بواقع المسلمين أشد الاتصال وهي قصة الفيل:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾
( سورة الفيل ).
المسلمون اليوم في أمسّ الحاجة إلى الدروس والعبرة التي يمكن أن تستنبط من هذه القصة، ذلك أن أخطر شيء في حياة الأمة أن تهزم من الداخل، أن تشعر بالإحباط أن يقول قائل: انتهى المسلمون، هذا أخطر شيء يصيب الأمة، لذلك هذه القصة لها دلالات ويستنبط منها عبر ودروس نحن في واقعنا الجديد في أمسّ الحاجة إلى هذه الدروس.
تفاصيل حادثة الفيل واستنباطاتها:
ذكر ابن إسحاق أن أبرهة بن الصباح، كان عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن، العامل يقابله اليوم المحافظ، في بعض البلاد الوالي، في السودان الوالي، كان أبرهة بن الصباح عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة، فبنى كنسية بصنعاء، وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة لم يبنَ مثلها، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب.
الاستنباط الأول: لا للانهزام من الداخل:
يمكن أن ينشأ صراع بين جهة وجهة، بين أمة وأمة، بين شعب وشعب، بين فئة وفئة، بين قوم وقوم، وفي قواعد للنصر أن الأقوى ينتصر، لكن حينما يكون الصراع بين الأرض والسماء، فالنتيجة محسومة سلفاً.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
( سورة الأنفال الآية:36).
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 12).
أقول: هذه الآيات، وأخاف خوفاً شديداً أن يفهم منها أن نقعد عن العمل، أو أن نتوكل توكلاً ما أراده الله، أو أن نستسلم بمصير المجهول، لكن هذه الآيات من أجل ألا ننهزم من الداخل: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
( سورة آل عمران ).
فهذا أبرهة أراد أن يلغي الحج إلى مكة المكرمة، طبعاً دين إبراهيم له آثار، من آثار دين إبراهيم أن مكة المكرمة يقصدها العرب حجاجاً، سمع رجل من بني كنانة مقالة أبرهة فدخل الكنيسة ليلاً فلطخ قبلتها بالعذرة، يعني بالنجس، فلما علم أبرهة سأل: من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل: رجل من أهل ذلك البيت من مكة، سمع بالذي قلت ففعل ما فعل، فحلف أبرهة ليسرن إلى الكعبة حتى يهدمها.
وقبل سنة أو سنتين طالعتنا الصحف أنه ينبغي أن تقصف مكة المكرمة في أثناء موسم الحج، انتقاما لما جرى في 11 من أيلول، وأن هذا الصحفي الذي اقترح هذا الاقتراح شُل نصفه، وهو في ريعان الشباب، كلمة حق أقولها لكم، لك أن تخاصم، وقد يكون الحق معك، وقد يكون الحق مع خصمك، إلا في حالة إذا فكرت أن تخاصم السماء، أن تخاصم رب الأرض والسماء، إذا فكرت أن تكون في خندق مضاد للدين فالنتيجة محسومة سلفاً.
شاهد يؤيد هذه الحقيقة:
الله في بعض آيات القرآن الكريم يخاطب زوجتي رسول الله عائشة وحفصة:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
( سورة التحريم ).
في الآية تساؤل كبير، يا رب، امرأتان ضعيفتان ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
أيعقل أن امرأتين انتقدتا النظام، فيحدث استنفار القوى الجوية، والبحرية، والبرية، هذا غير معقول ! ما معنى الآية ؟ معنى الآية: أنك أيها الإنسان إذا أردت أن تكون في خندق مضاد للحق فاعلم من هو الطرف الآخر، لذلك لا تقلقوا على هذا الدين، بل ينبغي أن نقلق جميعاً على أنفسنا ما إن سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً لهذا الدين.
عودة إلى تفاصيل غزو أبرهة للكعبة بفيله:
أقسم أبرهة ليهدمن الكعبة، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، فسأله أبرهة أن يبعث إليه بفيله، كان هناك فيل عظيم جداً عند النجاشي، وكان له فيل يقال له محمود، لم يُرَ مثله عظماً وجسماً وقوةً، فبعث به إليه، فخرج أبرهة سائراً إلى مكة، فسمعت العرب ذلك فأعظموه، ماذا أعظموه ؟ أعظموا أن يفكر أبرهة بهدم الكعبة، ورأوا جهاد أبرهة حقاً عليهم جميعاً، فخرج ملك من ملكوك اليمن يقال له ذو نفر، فهزمه أبرهة، وأخذه أسيراً، وكاد يقتله، فقال أيها الملك: استبقني خيراً لك، فاستبقاه وأوثقه، سار معه، وكان أبرهة كما تروي الروايات رجلاً حليماً، فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم سار باتجاه مكة، حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب، فقاتلوهم فهزمهم أبرهة، فأخذ نفيلاً، فقال له أيها الملك: إنني دليلك بأرض العرب، أنا دليلك، وهذه خيانة، ولي على قومي يد السمع والطاعة، يعني أمري نافذ في قومي، فاستبقني خير لك، فاستبقاه، وخرج معه يدله على الطريق، فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقال له أيها الملك: نحن عبيدك، أرأيت إلى النفاق ؟ أرأيت إلى الذل، وهذا ما يجري في العالم اليوم، نحن عبيدك، ونحن نبعث معك من يدلك، فبعثوا معه أبا رغال.
هذا الذي خان أمته، وهو مولاً له، حتى خرج إذا كان بالمغمس مات أبو رغال، وأسوأ شيء في حياة الإنسان أن يموت على معصية.
هناك مطعم في الشام تاب صاحبه عن بيع الخمر فيه، وذهب إلى الحج، وعاد فوجد أن الربح اليومي هبط هبوطاً مريعاً، فعاد إلى بيع الخمر، وبعد أربعة أيام وافته المنية.
أشقى الناس من يموت على معصية.
قال ابن إسحاق: وهو الذي يُرجم قبره، وأحياناً يرتكب الإنسان خيانة فيلعنه الله، وتلعنه الملائكة، ويلعنه الناس أجمعون، وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مصفود على مقدمة خيله، وأمر بالغارة، الآن اقترب من مكة، بعث أبرهة رجل يقال له الأسود بن مصفود على مقدمة خيله، وأمره بالغارة على نعم الناس، على إبلهم ومواشيهم، فجمع الأسود إليه أموال الحرم، وأصاب لعبد المطلب 200 بعير، غزوة جادة، تصدى لها رجلان مع قومها، فانتصر أبرهة، وأخذ الملكين أسرى معه، ثم أمر هذا الذي جاء به من الحبشة أن يأخذ أموال أهل مكة، فأخذ لعبد المطلب200 ناقة، وكل أموال الحرم أصبحت بحوزة الأسود مصادرة لصالحه، ثم بعث أبرهة رجلاً من حميّر إلى أهل مكة، فقال: أبلغ شريفها أنني لم آتِ لقتال، بل جئت لأهدم البيت، مهمة محدودة، أنا جئت لأهدم البيت، فانطلق فقال هذا الرجل من حميّر هذه المقولة لعبد المطلب، قالها كما سمعها بالتمام والكمال ـ الآن دققوا ـ فقال عبد المطلب: سنخلي بينه وبين ما جاء له، ما هذا الكلام ؟ فإن هذا بيت الله، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وأن يخلي بينه وبين ذاك فو الله ما لنا به قوة، فإذا الله سمح للقوي فنحن ضعاف، وإذا أراد الله أن يحمي بيته فهذا شأن الله، هكذا قال، لكنه قال كلاماً صحيحاً يحتاج إلى دراية، فانطلق هذا الرسول إلى الملك فكان ذو نفر، الملك الأول الذي أسره كان صديقاً لعبد المطلب، فأتاه عبد المطلب، أتى صديقه ملك اليمن، قال: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل فينا ؟ يني عندك حل لمشكلتنا ؟ فقال: ما غناء رجل أسير ؟ لا يأمن يقتل بكرة أو عشية، أنا أسير، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، إنه لي صديق، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك، خطة، سائس الفيل مقرب من الملك، وهو صديق ذي نفر، قال له: سأجعل هذا السائس يعظم أمرك عند أبرهة، فأرسل إليه، فقال لأبرهة: إن هذا سيد قريش عبد المطلب، يستأذن عليك، يريد أن يقابلك، وقد جاء غير ناصب لك، ولا مخالف لأمرك، ليس عنده نوايا عدوانية، وأنا أحب أن تأذن له.
الاستنباط الثاني: الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان:
إخوانا الكرام، الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان.

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 189 ).
والمؤمن هو المؤمن، والمنافق هو المنافق، والكافر هو الكافر، والخائن هو الخائن، والأمين هو الأمين، والله عزوجل قدم لنا نماذج بشرية.
نقاط مهمة من ثنايا القصة: مثال عن حوادث قديمة في التاريخ الإسلامي:
هذه القصة قبل أن أتابعها أريد أن أقف عند نقاط مهمة فيها.
غزوة الخندق:
سبق في التاريخ الإسلامي أن جهات قوية أرادت أن تعتدي على المسلمين وأن تستأصلهم من شأفتهم، وأوضح قريش ومن لف لفها. في غزوة الخندق قال الله تعالى يصفهم:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
( سورة الأحزاب ).
ثم يقول: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
( سورة الأحزاب ).
المخرج من الشدة إلى النصر والفرَج: الإيمان بوعد الله بالنصر والتمكين:
لذلك أنت حينما تؤمن ـ دقق ـ أن الأمر بيد الله، وأن الناصر هو الله، وأن النصر من عند الله، وأن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالنصر، ووعدهم ألا يجعل لأعدائهم عليهم سبيلا، وقال:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
( سورة الصافات ).
وقال: ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم ).
وقال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
( سورة النور الآية: 55).
وأن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ولكن دققوا في هذه الكلمة، ولكن إذا هان أمر الله علينا هنا على الله. ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
( سورة النساء ).
فإذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل فمن تقصيرنا، ومن ضعف إيماننا، ومن خالفتنا للكتاب والسنة، والله سبحانه وتعالى:

﴿ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
( سورة هود ).
إخوتنا الكرام، الله عزوجل يقول: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
( سورة إبراهيم ).
الله عزوجل يصف مكر الطرف الآخر بأن جبالاً تزول منه، للتقريب، لكن في الواقع لا تستطيع قوى الأرض مجتمعة من آدم إلى يوم القيامة أن ينقلوا جبل قاسيون إلى درعا، بل لن تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تلغي هذا الدين.
مرة زرت متحفاً في بلد إسلامي، وكان هذا البلد في عصر حديث علمانياً، وأراد أن الذي أنشأ هذا البلد أن يلغي الإسلام كلياً، وزرت متحفاً في ذلك البلد، دهشت للبذخ الذي فيه، قلعة الاستقبال مساحتها 2000 متر مربع، مزينة بخمسة طن من الذهب، وجدت ساعة ثابتة التاسعة وخمس دقائق، فسألت الدليل السياحي ماذا تعني هذه الساعة ؟ قال: سيد هذا القصر حينما مات مَات التاسعة وخمس دقائق، فأقفلت هذه الساعة تخليداً لوقت موته، ثم قلت هذه الكلمة: ألف طاغية في الأرض أرادوا إلغاء الإسلام ماتوا والإسلام باقٍ، وشامخ كالطود .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران ).
أريد من هذا الدرس أن هذه القصة رجل قوي جداً، لم يدخل في حساباته رب العالمين إطلاقاً، أراد إلغاء الكعبة، وسار لهدمها، والعقبات التي وقفت أمامه سحقها، وتابع سيره إلى الكعبة، ورب العالمين الذي خذل أبرهة وحمى بيته من الهدم موجود، هو ربنا وهو معنا. ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية: 4 ).
قصة سيدنا يونس عليه السلام نتيجتها قانون عام: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِين
إلههم إلهنا، وربهم ربنا، والسنن سنن، والقوانين قوانين، أنا أعطيكم حالتين في القرآن يصعب تصديقهما، سيدنا يونس إنسان نبي كريم، وجد نفسه في بطن حوت، كم احتمال النجاة ؟ يستطيع الإنسان أن يقف على قدميه في بطن الحوت، وزن الحوت خمسون طنا لحما، وخمسون طنا دهنا، وخمسون طنا عظما، وتسعون برميلا زيت سمك، رضعة وليده 300 كغ، 3 رضعات طن من الحليب كل يوم، إنسان يجد نفسه فجأة في بطن حوت أو في فم الحوت، دققوا:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 87 ).
في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة فم الحوت: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
دقق في القاعدة، كانت قصة فأصبحت قانوناً:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
في كل مكان، وفي كل زمان، في بلد متخلف، وفي بلد متقدم، وفي بلد فقير، وفي بلد غني قديماً، وحديثاً، ومستقبلاً:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
" ابن آدم كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي ما تريد، ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ".
إخوتنا الكرام، أنت حينما تضع ثقتك بالله فلا يمكن أن يخيّب ظنك، لذلك أنا الآن أُحدث محاولة رفع معنويات المسلمين، وألا يصدقوا أعدائهم، والله سبحانه وتعالى لا يتخلى عنا.
من فصول قصة أبرهة مع هدم الكعبة: موقف عبد المطلب:
قال ابن إسحاق:
كان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً، جميل كان، وقطعة كبيرة، جسيماً وسيماً، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه، الآن في موقف دقيق، طبعاً أبرهة جالس على سرير، قال: وكره أن يجلس معه على سريره، لأنه زعيم الأعداء، صعب، وكره أن يجلس معه على سريره، وكره أن يجلس عبد المطلب تحته على الأرض، فهبط أبرهة إلى البساط وجلس عليه، ودعاه فجلس معه، كان أبرهة ذكيا، فطلب منه عبد المطلب ـ دقق الآن ـ إنسان قائد جيش، جاء ليهدم الكعبة، قبلة الناس وقتها، وعبد المطلب زعيم مكة التقى بأبرهة، فسأله أن يرد عليه 200 البعير التي أصابها من ماله، معقول ! قال أبرهة لترجمانه قل له: إنك كنت أعجبتني حينما رأيتك، جسيما وسيما، ولقد زهدت فيك الآن، قال: لمَ ؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك، ودين آباءك وشرفك وعصمتك لأهدمه فلم تكلمنِي فيه، بل كلمتني في 200 البعير.
لا أقول لكم: قلدوا هذا الإنسان، هذا تاريخ، هذا الذي قاله، لكنه قال: أنا رب الإبل، أنا صاحبها، وللبيت رب يحميه، لا تخافوا، أنا رب الإبل، أسأل عنها، وللبيت رب يحميه، وهذا الإسلام هو دين الله.
نور الدين الشهيد قبل معركة حاسمة سجد لله عزوجل، وقال: يا رب ـ دققوا ـ من الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك يا رب، ما هذا التواضع ؟! من أنا حتى تنصره ؟ انصر ديتك.
وأي شاب، وأية شابة حينما تفكر أو يفكر أن يقدم الشاب أي شيء لهذا الدين يجري الله عزوجل على يديه الخير.
أنا أتمنى أن يحمل كل منكم هم هذا الدين، وأن يسعى لنشره ولتوضيح أسراره، والدفاع عن نبيه، فالله عزوجل ربنا جميعاً، وهذا الدين دينُه، وسينصره، ولكن:

﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
( سورة محمد ).
قال له: أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمنعه مني، يقصد من ؟ الله، يعني الله عزوجل، وقال: الله، لا يمنعه مني، أنا سأهدمه، أحمق إنسان هو الذي يعاند الذات الإلهية، من أنت ؟ أنت لا شيء، أقل من رأس دبوس من الدم المتخثر في شريان بالدماغ يكون بأعلى منصب عند أعدائنا بثانية واحدة ينتهي، ولا يموت، الإنسان في قبضة الله، قال له: ما كان ليمنعه مني، وأنا أتمنى أن نستفيد من هذا التجربة تكلم لكن إياك أن تحكم على المستقبل، ما من إنسان يحكم على المستقبل إلا يصنف مع الأغبياء، غبي، ومن كان يظن أن هؤلاء الذين رفعوا شعار لا إله فقط، في العالم الشرقي وعندهم قنابل يمكن أن تدمر القارات الخمس خمس مرات، أن يصحبوا دولة متخلفة ؟ تداعت من الداخل من دون حرب، يوم كانت بعظمتها وأوجها، من كان يصدق أن ينهار المعسكر الشرقي على أتفه سبب.
إخواننا الكرام ـ دققوا في هذا المثل ـ في معامل الحديد رافعات مغناطيسية ، سطح حديدي كبير جداً محاط بوشيعة كهرباء، ينشأ مغناطيس، فهذه الرافعة توضع أمام كتلة كبيرة جداً من الحديد، ولتكن عشرين طنا فتحملها، وما من قوة أرضية تستطيع أن تنزع قطعة منها، أما الذي على هذه الرافعة لو ضغط على زر أقل من عشر الميلي، وفصل الكهرباء كل شيء يقع، أنا أضرب هذا المثل، إذا أراد الله عزوجل إنهاء جهة قوية تنتهي بلمح البصر.
(( أنا اللّه، ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم بصلاحكم، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم ))
[ رواه الطبراني عن كعب ]
قال له عبد المطلب: أنت وذاك، قال له أبرهة: ما كان ليمنعه مني، يعني لا يستطيع، قال له: أنت وذاك، فأمر أبرهة بإبل عبد المطلب فردت له، هذا الذي وقع، ثم خرج عبد المطلب، وأخرج جيشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في شعاب مكة، ويتحرزوا في رؤوس الجبال خوفاً عليهم من معرة الجيش، ففعلوا، وأتى عبد المطلب البيت، فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:
يا رب لا أرجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك
إن عدو البيت من عـاداك فامنعنهم أن يخربوا قراك

وقال:
اللهم إن المرء يحمي رحله وحلالــه فامنع حلالك
جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبــــوا عيالك
إن كنــت تاركهم وكعبتنا فأمر بـــــدا لـك

أنا لا أدعوكم من خلال هذه القصة أن تستسلموا. ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا ﴾
( سورة التوبة الآية: 105 ).
لكن أدعوكم ألا تيأسوا، أن ألا تحسوا بالإحباط، أدعوكم إلى أن تشعروا أن الله لا يتخلى عنا، الله عزوجل يقول: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
( سورة إبراهيم ).
كان رجل في بلد مجاور إذا نظر إلى إنسان مات من خوفه، يسأله القاضي ما اسمك الثلاثي ؟ وماذا تعمل ؟ وأين تسكن ؟ وقد كتب بعض الحجج على يديه، لأنهلا يملك ورقة، لذلك هذا الذي يعرف الله يعد للمليار قبل أن يعصيه. ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
( سورة البروج ).
ثم توجه ـ أي أبرهة ـ في بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح، توجه أبرهة إلى مكة، وأصبح أبرهة بالمغمس، قد تهيأ للدخول، وعبأ جيشه، وهيأ فيله، فأقبل نفيل إلى الفيل فأخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، اسمُ الفيل محمود، هكذا تروي الروايات، فإنك في بلد الله الحرام.
مرة في بعض الأماكن ساقوا إنسانًا مخلصًا عالمًا، وأخذوا قرارًا أن يأكله كلب لم يأكل شيئاً من سبعة أيام، وُضعا معاً في مكان واحد، فالذي ألجم الكلب هو الله، لم يتقدم، ولم يفعل شيئاً.
إخواننا الكرام.
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
إذا كنت في كل حــــال معي فعن حملي زادي أنا في غنى
فليتك تحلو والحــياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني و بينك عامر وبيني وبين العالمـين خراب

إذا كنت قريباً من الله كنت كما قال الله عزوجل: ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية: 48 ).
إخواننا الكرام، قصة ثانية سريعة لتعزيز معنى: إذا كان الله معك فمن عليك ؟

قصة سيدنا موسى وإحاطة فرعون بجنوده له ولقومه: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ
سيدنا موسى مع شرمذمة من بني إسرائيل، قلّة مضطهدة، بالتعبير المعاصر مواطن من الدرجة الخامسة، عليه كل شيء، وليس له شيء، هربت من فرعون باتجاه البحر، وفرعون وراءه بقوته، بجنوده، بحقده، بظلمه، ببطشه.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾
( سورة الشعراء الآية: 61 ).
احتمال النجاة صفر، أمامهم البحر، وفرعون وراءهم. ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ﴾
( سورة الشعراء الآية: 61 ـ 62 ).
أحد إخواننا الكرام كان في العمرة، وثمة عالم جليل هناك يروي هذه القصة، فسأل الأخ، قال له: ماذا قال موسى لقومه لما: ﴿ قال َأصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
؟ قال له:
﴿ قَالَ كَلَّا ﴾
هكذا الآية، قال له ما قال له
﴿ كَلَّا ﴾
قال له:
﴿ كَلَّا ﴾
بالنبرة، مستحيل.
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

( سورة الشعراء ).
أرأيت إلى ثقة المؤمن بالله عزوجل ؟

﴿ كَلَّا ﴾
مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل أن يتخلى الله عن المؤمن،
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
بروك الفيل وعدم توجهه إلى جهة القبلة:
هذا الفيل برك، بعثوه فأبى، لعله أفقه منهم، فوجهوه إلى اليمن فهرول، وجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، وجهوه إلى المشرق ففعل ذلك، صرفوه إلى الحرم فبرك، شيء مؤسف جداً أن تكون البهائم غير المكلفة أقرب إلى الله من هذا المخلوق المكرّم الذي هو الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾
( سورة الإسراء ).
إذا كان الجماد يسبح الله، والنبات، والحيوان، والعجماوات، والإنسان غافل عن الله فأين كرامة الإنسان ؟
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل مـا قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لــعمري في المقـال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن الـــمحب لـمن يحب يطيع

أطع أمرنا نرفع لأجلك حـجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــا
ولذ بحمانا و احتمِ بجنــابـنا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شـاغل و أخلص لنا تلق المسرة والهنــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما القرب والإبعاد إلا بأمرنـــا

من تتمة هذه الأبيات:
فوا خجلي منه إذا قــال: لـي أي عبدنا ما قرأت كتابنـــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جـرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنـا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجـعاً وتنظر ما به جاء وعدنـــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مــذهباً وما خالفوا في منهج الحب شرعنا
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عننا لـــغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خـطابنا خلعت عنا ثياب العجب و جئتنـا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنــــــا

تدخُّل العناية الربانية وهلاك أبرهة وجنده: فأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أبَابِيلَ
وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل، الآن تدخل الله، فأرسل الله طيراً من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجرين في رجليه، وحجراً في منقاره، فلما غشيت القوم لما وصلت إليهم وطارت فوقهم، أرسلتها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك.
﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾
( سورة الفيل ).
والطير الأبابيل من ضعاف الطير. ﴿ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴾
( سورة الفيل ).
أيْ سجّل على حجر اسم الذي ستميته. ﴿ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾
( سورة الفيل ).
وليس كل القوم أصابت، فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعل هذا الداء، أو سبب هذا الداء تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ.
والله مرة جاءتني رسالة بالبريد الإلكتروني، فيها صورة فرعون الذي هو فرعون موسى، والذي أخذ إلى باريس لترميم يديه، وقد أصابهما بعض الفطور، شهد الله تأثرت لهذه الصورة تأثراً لا حدود له، صرت أقول هذا الذي قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾
( سورة النازعات ) .
هذا الذي قال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 ).
كم هو أحمق هذا الإنسان إذا تكبر، لذلك ناجى أحد المؤمنين رب العالمين فقال: يا رب، إذا كانت رحمتك بمن قال:
﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾
كيف ؟
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
( سورة طه ).
قال: يا رب إذا كانت رحمتك بمن قال: ﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾
فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى ؟ وإذا كانت رحمتك بمن قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله ؟.
وبعث الله على أبرهة داء في جسده فتساقطت أنامله حتى انتهى إلى صنعاء، وهو مثل الفرخ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، ثم هلك.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
( سورة الغاشية ).






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:55 PM   #37


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( السابع و الثلاثون )

الموضوع :حلف الفضول




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وموضوع اليوم كما ذكرت في درس سابق أننا وصلنا في تسلسل الأحداث إلى نهاية طريق الهجرة، ولكنني أردت أن أقف وقفات متأنية عند أحداث شهيرة حدثت قبل الهجرة، تحدثت عن انشقاق القمر، وسأتحدث اليوم عن موضوع حلف الفضول. دلالات حلف الفضول:
الحقيقة هناك دلالات كبيرة جداً لهذا الحلف الذي حضره النبي r قبل البعثة، وباركه بعد البعثة، مع أن الذين أقاموا هذا الحلف ليسوا على ما ينبغي أن يكونوا عليه، ولكن الخير يجب أن ندعمه أينما كان، أما التقوقع، والقطيعة، وإلغاء الطرف الآخر، والانزواء على الذات فهذا ليس من منهج النبي عليه الصلاة والسلام.
تفاصيل حلف الفضول:
روى ابن إسحاق قال: تداعت قبائل من قريش هم بنو هاشم، وبنو المطلب وبنو عبد العزة، وبنو زهرة، وتيم، تداعوا إلى حلف.
الإنسان بين الفطرة والصبغة:

أيها الإخوة، قبل أن أتابع، في الأصل الإنسان فطره الله U فطرة سليمة في الأصل، هذا هو الأصل، لذلك قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾
( سورة الروم الآية: 30 )
أي إنسان على وجه الأرض كائن من كان فُطر على حب الخير، على حب المعروف، على حب العدل، على حب الرحمة، الفطرة تعني أن تحب الكمال، ولا تعني أن تكون كاملاً، لكن الصبغة تعني أنه بعد اتصالك بالله، وبعد اشتقاق الكمالات منه أصبحت رحيماً
لذلك عندنا موضوعان: موضوع الفطرة، وموضوع الصبغة.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
، هذا موضوع الفطرة، فأيّ إنسان كائنًا من كان يحب أن يكون مؤمناً، يحب أن يكون مستقيماً، يحب أن يكون عفيفاً، يحب أن يكون صادقاً، يحب أن يكون محسناً، هذه حقيقة

لذلك لأن الإنسان مفطور فطرة كاملة تعذبه نفسه إذا أخطأ، وهذا تفسير الكآبة التي يقع بها من انحرف عن منهج الله عزوجل، ولولا هذه الفطرة السليمة التي فُطر الناس عليها لما شعر أحد الناس بألم حينما يخطئ، أي إنسان كائنًا من كان إذا خرج عن منهج الله، أو عن مبادئ فطرته يتألم أشد الألم.
ثمة فندق في ألمانيا كتب على السرير في الغرف: " إن قلقتَ في هذه الليلة فلم تنم فالسبب ليس في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن في ذنوبك ".
مرة حدثني أخ كريم عن حادث سير وقع في لبنان، لإنسان كان يقود مركبته بسرعة، فدهس غلاماً صغيراً ذهب ليشتري حاجته لأبيه بعد الثانية ليلاً من بقالية تفتح طوال الليل، السائق تابع سيره، وكُتب الضبط ضد مجهول، وبقي السائق الذي ارتكب هذا الحادث عشرين يوماً لم يذق طعم النوم، مع أن أحداً لم يسأله، فذهب إلى طبيب نفسي فنصحه أن يؤدي دية القتل بشكل غير مباشر لأسرة الغلام من أجل أن ينام.
أنا أؤكد لكم: ما من واحد منا كائناً من كان، بأي مستوى ثقافي، بأي مستوى في الإيمان، يرتكب خطأ نهى عنه الرحمن، وأنكرته فطرة الإنسان إلا ويتألم، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
( سورة الشمس )
أي ألهمها حينما تفجر أنها فجرت، وألهمها حينما تتقي أنها اتقت، هذه خصيصة بالإنسان ـ أيها الإخوة ـ هي سبب احتمال العودة إلى الله من شدة الألم الذي لا يحتمل، لذلك:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
يؤكد هذا المعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يأتيه إنسان في الجاهلية يعلن إسلامه يقول له:
(( أسلمتَ على ما أسلفتَ مِن خير ))
[ متفق عليه ]
أو يقول له:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
[ رواه البخاري عن أبي هريرة ]
وهذا تشير إليه الآية الكريمة:
﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)﴾
( سورة الأعراف الآية: 196 )
الصالح في علاقاته قبل أن يلتزم هذا الإنسان يتولاه الله بالرعاية والعناية، إذًا البشر من طبيعة واحدة.
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
( سورة الأعراف الآية: 189 )

من خصائص واحدة، من مشاعر واحدة، وما مِن إنسان إلا وفيه جانب خير، وهذا الجانب الخيّر يتولاه الله بالرعاية، لذلك إذا كنت مؤمناً ورأيت إنساناً يرتكب بعض المعاصي والآثام من أجل أن تعينه على نفسه، انظر إلى جوانبه الإنسانية، وحاول أن تنميها.
سيدنا عمر رضي الله عنه له صديق مدمن خمر في الشام، أرسل له رسالة يحثه فيها على التوبة، ذكر له الآية:
﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾
( سورة غافر الآية:2 )
وكانت رسالة رقيقة جداً، قرأها وبكى، حتى حمله بكاؤه على التوبة، فلما بلغ عمر رضي الله عنه أن هذا الصديق الذي سقط، وعصى، ثم تاب ورجع، قال: << هكذا اصنعوا مع أخيكم إذا ضل، كونوا له عوناً له على الشيطان، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه >>.
إذاً: إنّ كل إنسان ينطوي على فطرة سليمة، في علاقاتك كلها، وفي تربية من حولك، ومع أولادك، حتى ومع خصومك.
عودة إلى تفاصيل حلف الفضول:

قال ابن إسحاق: هذه القبائل تداعت إلى حلف، والإنسان قهره الله على أن يعيش مع أخيه الإنسان، لماذا ؟ أي واحد منا يتقن صنعة واحدة، وهو يحتاج إلى مئة ألف صنعة أخرى يحتاج إلى ثياب، والثياب تحتاج إلى قماش، يحتاج إلى من يخيط القماش، يحتاج إلى مئة آلة وآلة تستخدم في الخياطة، ولكل آلة مصنع، ولكل مصنع عمال، يحتاج إلى الطعام والشراب، رغيف الخبز الذي تأكله ساهم فيه آلاف الأشخاص، بدءاً من زراعة القمح، إلى سقي القمح، إلى تسميد القمح، إلى حصاد القمح، إلى دراسة القمح، إلى تنظيف القمح بالماء، إلى تجفيف القمح، إلى طحن القمح، إلى خبز القمح، إلى أن يكون رغيفاً، إلى أن من يوصله إلى بيتك، الإنسان قُهر إلى أن يكون في المجتمع، لذلك العبادات الجماعية في الإسلام كثيرة جداً، وإنّ أجر الذي يصلي في جماعة يعدل 27 ضعفاً عن من يصلي وحده، الصيام عبادة جماعية، الحج عبادة جماعية، الخطاب جماعي.

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
( سورة الفاتحة )
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
( سورة المطففين )
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾
( سورة آل عمران الآية: 133 )
أما الأدلة من السنة:
(( يدُ اللهِ مع الجماعة ))
[ رواه إبراهيمُ بنُ ميمون عن ابن عباس ]
(( ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار ))
[ رواه الترمذي عن ابن عمر ]
(( عَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ، وَإِيّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنّ الشّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))
[رَوَاهُ ابنُ المُبَارَكِ عن محمدِ بنِ سُوقَةَ ]
من ملامح حلف الفضول:
الملمح الأول: الانفتاح على الناس وعدم التقوقع:
أنا رأيت في حلف الفضول ملمحاً خطيراً جداً المسلمون في أمسّ الحاجة إليه، هذا التقوقع، هذا الانكفاء على الذات، تكفير الآخرين، ازدراء الآخرين، إلغاء وجود الآخرين، الاعتداد أننا أمة مثلا.
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾
( سورة آل عمران الآية: 110 )
هذا صحيح وغير صحيح، صحيح إذا أمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، وآمنا بالله، وغير صحيح إذا تفلتنا من منهج الله، لأن الآية التي خُوطب بها أهل الكتاب تنطق علينا أشد الانطباق:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
( سورة المائدة الآية: 18 )
الله عزوجل لكل المسلمين، على اختلاف شرائحهم، على اختلاف أطيافهم، ودائماً وأبداً، لما اُسأل عن زواج إنسان أقول إن صحت عقيدته، واستقامت سيرته، فهو مؤمن ورب الكعبة.
إذاً: نريد أن نستنبط من هذا الموضوع من ـ حلف الفضول ـ الانفتاح، الحوار مع الآخر، أن نقبل الآخر، ولو لم يكن كما نريد، أتريدون دليلاً قطعياً قرآنياً ؟ قال تعالى:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾
( سورة الروم )
من هم الروم ؟ أهل الكتاب.
﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾

﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾
( سورة الروم )
من هم المؤمنون الذين سوف يفرحون بنصر الله ؟ الصحابة الكرام، من الذين انتصروا ؟ أهل الكتاب، إذا هناك قواسم مشتركة، هذه دعت الصحابة الكرام إلى أن يفرحوا بانتصار أهل الكتاب، مع أن لهم عقائد نحن لا نوافقهم عليها إطلاقاً، انتصروا على الفُرس الذين هم عَبَدة النار، إذاً هناك نسبية، قال الله عزوجل:
﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾
( سورة آل عمران الآية: 167 )
هناك لون رمادي، ونقطة بين نقطتين، هناك نسبية، هناك أناس يرفضون النسبية إطلاقاً، يرفضون نقطة بين نقطتين، يرفضون لونًا رماديًا أبيض أو أسود، هذا الذي سبّب لنا أن يكون العالم كله معادياً لنا.
الملمح الثاني: التعايش مع الطرف الآخر:
وجدت في حلف الفضول ملمحاً رائعاً يحتاجه المسلمون اليوم كي يتعايشوا مع الطرف الآخر، ألم يسمح الله للمسلمين أن يقبلوا من أهل الكتاب الجزية، وأن يحموا دمائهم وأعراضهم، وأموالهم مقابل هذه الجزية، إذاً في تعايش، وقد قال الله عزوجل:
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية: 7 )
وقد قال الله عزوجل:
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾
( سورة الممتحنة الآية: 8 )
هؤلاء القبائل الذين تداعوا إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان لشرفه، ولسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
إخواننا الكرام.
(( الظلم ظلمات يوم القيامة ))
[ رواه أحمد في مسنده والطبراني، والبيهقي، عن ابن عمر ]
الملمح الثالث: نصرة الضعيف والمظلوم:
واللهِ العظيم، لو أن أمة مسلمة ظلمت تنهزم، ويقوى عليها مجتمع كافر أقام العدل بين أفراد رعيته، هذا الكلام قال بعض علماء المسلمين: " إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة ".
أنا أريد أن تتنبهوا إلى أن الموقف العنيف، الموقف الأحادي، اللون الأبيض فقط، إلغاء الطرف الآخر، تكفيره دائماً، هذا ليس من حكم النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الذين عقدوا الحلف كان النبي عليه الصلاة والسلام بينهم، وكانوا جميعاً يعبدون أوثاناً، هذا قبل البعثة، و قال بعد البعثة: لو دعيت إلى حلف آخر لحضرت، ماذا يعني ذلك ؟ أنه يلتقي مع الطرف الآخر، وأنه يمكن أن يقيم جسور، يمكن أن يتعاون، المؤمن منفتح، وليس منغلقاً.
إذاً: تعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم، ممن دخلها، من سائر الناس إلا قاموا معه.

إخواننا الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام ودققوا في هذا الحديث، ولعل في هذا الحديث حلاً لمشكلات المسلمين:

(( إنما تنصرون بضعفائكم ))
[ رواه أحمد والنسائي عن أبي الدرداء]
كيف (( إنما تنصرون ـ بالصاد ـ بضعفائكم ))
لأن هذا ضعيف، بإمكاني أن أهمله، بإمكاني أن أسكته، بإمكاني أن أسحقه، بإمكاني أن أدمره، ضعيف لا يستطيع أن يتكلم، لا يملك قوة، ولا مالاً ، ولا قنوات سالكة مع الأقوياء، حينما أطعمه إن كان جائعاً، وأكسوه إن كان عارياً، وأعلمه إن كان جاهلاً، وأؤويه إن كان مشرداً وأنصفه إن كان مظلوماً، ما الذي يحصل ؟ الله عزوجل شكور، هو ضعيف أمامي، بإمكاني ألا أساعده، ولا يستطيع أن يقول كلمة، يكافئني الله عزوجل على هذا العمل بمكافئة من جنس عملي، فينصرني على من هو أقوى مني، إن أردنا أن ننتصر على قوة عاتية باغية طاغية، متعجرفة، قوية جداً، تملك أسلحة فتاكة جداً، إن أردنا أن ننتصر عليها فلننصر ضعفاءنا، هذا الملمح توحيدي.
لكن هناك ملمح تكتيكي، الأمة حينما تنصر ضعفائها يتماسك المجتمع، ويصبح صفاً واحداً، كالبنيان المرصوص، ولا يستطيع عدو خارجي أن يخترقه، ولا شيء يقوي الأمة كتماسكها، ولا شيء يعين على تماسكها كأن تنصر ضعفاءها.

إذاً: هؤلاء القبائل تعاقدوا، وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه، حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلفَ الفضول.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن يزيد أنه سمع طلحة بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم: ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
هكذا كان عليه الصلاة والسلام، حينما أكرم النجاشي أصحاب رسول الله إكراماً شديداً، وأمنهم وحمامهم، وأحسنتم وفادتهم واستقبالهم، لما توفي النجاشي ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ؟ صلى عليه صلاة الغائب، هل أقام النجاشي الإسلام في مملكته ؟ لا، حمى أصحاب النبي، هل أقام الإسلام في كل أرجاء مملكته ؟ لا، ومع ذلك يعده بعض أصحاب السيرة من أصحاب النبي، أو من التابعين الذين لم يروا النبي، وصلى عليه، أرأيت إلى هذا الاعتدال ؟ أرأيت إلى هذه المرونة ؟ أرأيت إلى هذه العلاقات الإنسانية ؟ هكذا ينبغي أن يكون المسلمون، العرب في جاهليتهم، قال الله عزوجل:
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
( سورة الأحزاب الآية: 33 )
الملمح الرابع: مكارم الأخلاق عند عرب الجاهلية الأولى:
فكانت هذه الآية الأولى إشارة إلى هناك جاهلية ثانية أدهى وأمر، في الجاهلية الأولى يقول عنترة:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
قبل الإسلام، قبل قوله تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
( سورة النور الآية: 30 )
يقول عنترة:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

في الصحراء قيم الشجاعة، قيم الكرم، حاتم طي ذبح فرسه الوحيدة إكراماً لضيفه، قيم رائعة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( إنما بعثت معلما ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر ]
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[ رواه مالك عن أبي هريرة وغيره ]
معنى ذلك أن هناك مكارم أخلاق، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام ليتممها ، فالعرب في جاهليتهم، وقبل دخولهم في الإسلام كانوا أهل نخوة، وشهامة، وعزة، وكرامة لا يصلون على الضيم، ولا يقيمون على الظلم، يعظمون الحرمات، ويحافظون على المقدسات، ويجتمعون لرد المظالم على أصحابها، زعمائهم عقلاء، ولا مكان بينهم للسفهاء كما قال الله عزوجل:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾
( سورة النور الآية: 55 )

وعدهم بالاستخلاف، وبالتمكين، بالتطمين، وهم ليسوا مستخلفين، ولا ممكنين ولا آمنين، لماذا ؟ لأنه:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
( سورة مريم )
أحياناً أمة النبي عليه الصلاة والسلام في حالات ضعفها وذوبانها بالحضارة الغربية، وانبهارها بها، وتفلتها من منهج الله، وباختراقها من قبل أعدائها، أصبحوا إذا اجتمع الناس فيما بينهم يجتمعون كالقطعان على الطعام والشراب، ويتحاورون كالطرشان، ويخطبون بألسنة الغربيين، يمشي أحدهم كالسكران، ويجلس كالوسنان، ويتكلم كالشيطان، هذه الجاهلية الثانية:
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
الثانية أدهى وأمر.
أيها الإخوة، قضية حلف الفضول قال عنه ابن هشام رحمه الله تعالى: " حلف عقدته قريش بينها على نصرة مظلوم بمكة، قال: ويسمى حلف الفضول ولم يذكر سبب تسميته، قال عليه الصلاة والسلام مرة ثانية:
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
الملمح الخامس: المبادرة إلى الأعمال النافعة مهما كان صغيرة:
قال الله عزوجل:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
( سورة المائدة الآية: 2 )
التعاون على البر والتقوى تنفيذ لأمر إلهي، قالوا: البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة. أنا كنت قبل قليل أحضر محاضرة في جمعية مكافحة التدخين والمواد الضارة قال وأنا أحد مؤسسي هذه الجمعية، عرض علينا طبيب متخصص بأورام الحنجرة صوراً لأورام خبيثة في اللثة، وفي سقف الحلق، وفي مقدمة الفم، وفي نيرة الأسنان، صور مخيفة، وانتهت إلى استئصال الفك بأكمله، صدقوا أيها الإخوة، لا تستطيع أن تتابع هذه الصور، قال الله عزوجل:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
( سورة الأعراف الآية: 157 )
فإذا كنت إنساناً ناشطاً في عمل خيري، وقد يكون محدوداً، مكافحة التدخين هذه جمعية، جمعية الإعفاف لتزويج الشباب، صندوق العافية لمعالجة المرضى، الفضل لله عزوجل، فُتحت أبواب لتأسيس جمعيات تقدم خدمات للأمة، فأنت إذا كنت إيجابياً، ولم تكن سلبياً إذا كنت معطاء، ولم تكن مقتاراً، إذا كنت اجتماعياً، ولم تكن متقوقعاً، هل هذا يخالف منهج الله عزوجل ؟ أبداً، كن منفتحاً.
الملمح السادس: القوة والنخبة مطلوبة في الإسلام:
إخواننا الكرام، الطرف الآخر كيف يتعامل مع الإسلام ؟ الطرف الآخر ـ لن لتأبيد النفي ـ لم يقرأ كتاباً عن الإسلام، لماذا ؟ لأن المسلمين حجبوا عن الطرف الآخر دينهم، كيف ؟ أنت إذا رأيت إنسانا قذرا، يتسول، قميئا، منحرفا، له دين معين، دين غير سماوي، هل يخطر في بالك مرة واحدة أن تشتري كتاباً يتحدث عن دينه ؟ أبداً، لأن هذا المنظر، وهذا التخلف، وتلك القذارة، وهذا الانحراف حجبك عن أن تقرأ دينه، أما حينما ترى إنسانا نظيفا، منضبطا، معطاء، خير، أخلاقي، دون أن تشعر تسأل في أي جامع يحضر ؟ من علمه هذا ؟ من أمده بهذه الأخلاق.

أنا أذكر مرة أن طالباً عندنا في الجامع التحق بالمسجد في معهد التحفيظ، وكان في شهادة عامة، أعتقد في المتوسطة، وكان أبوه ينهاه عن الانضمام للمسجد نهياً لا حدود له، كان يعنفه، وكان يزجره، وأحياناً يضربه، فإذا بهذا الشاب نجح بتفوق على دمشق بأكملها، فأمره أبوه أن يأخذ معه أخاه إلى المسجد.
والله أقول لكم كلمة الآن، وأرجوكم ألا تطالبوني بالدليل، هذه قناعتي من دون دليل: لن يحترم ديننا إلا إذا تفوقنا في دنيانا، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة، قال:

(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))
[ رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
فلما أسلم حمزة، وهو من وجهاء قريش، توقف إيذاء قريش للمسلمين، ولما أسلم عمر صلى المسلمون في الكعبة، لذلك أنا أحب النخبة، أما الضعاف فعلى العين والرأس، لعلنا نرزق بهم، لكن الذين يحدثون انعطافات كبيرة جداً في المجتمع هم النخبة، فكما أننا بحاجة إلى عدد كبير من المؤمنين الصادقين الطاهرين فنحن بحاجة أمس إلى نخبة متميزة تتمتع بكفاءات عالية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ ))
[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]

قد تكون قوياً في علمك، وقد تكون قوياً في مالك، وقد تكون قوياً في منصبك، وكنت أقول دائماً: يجب أن تكون قوياً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على المؤمن القوي، لماذا ؟ لأن الخيارات المتاحة للأعمال الصالحة للقوي ليست متاحة لغيره، فالقوي يمكن أن يؤسس ميتما يأوي به الأيتام، يمكن أن يؤسس معهدا، يمكن أن يؤسس مستشفى، يمكن أن يزوج الشباب، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))
[ متفق عليه ]
هذه قوة المال، قوة المنصب، القوي في منصبه يحق حقاً ويبطل باطلاً، يقر معروفاً، ويزيل منكراً، أليس كذلك ؟ توقيع واحد، ممنوع الإعلان عن التدخين في كل بلادنا، توقيع ثانٍ، ممنوع تعاطي الدخان في كل وسائل المواصلات، البرية والبحرية والجوية، بتوقيع واحد يمكن أن تقر معروفاً، وأن تنكر منكراً، لذلك القوة مطلوبة، والعلم مطلوب، والمال مطلوب، لأن الأقوياء متاح لهم من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيرهم.
سؤال: ما دام النبي قد أثنى على الأقوياء إذاً أنت ينبغي أن تكون قوياً، ولكن لا بد من تفصيل:
إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فيجب أن تكون قوياً، أما إذا كان سالكاً على حساب دينك فضعفك وسام شرف لك، وإذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً، أما إذا كان على حساب دينك، بضاعة محرمة، وكذب، وربا، وغش واحتيال، فلا، كن فقيراً فالفقر وسام شرف لك.
الملمح السابع: لا بد من شباب طموح:
أنا أعطيكم أيها الإخوة الخيارات، أنا أتألم أشد الألم من شاب في مقتبل حياته ليس طموحاً ؟ لمَ لا تكون عظيماً ؟ لمَ لا تكون شيئاً مذكوراً ؟
مرةً سألت طلاباً لي في التعليم الرسمي، من يذكر اسم غني كبير عاش في دمشق عام 1893 ؟ وانتظرت، دقيقة، دقيقتين، ثلاث دقائق، أربع دقائق، خمس دقائق، أنا صامت ما أحد ذكر، فقلت لهم: وأنا مثلكم لا أعرف، لكن من منا ينسى صلاح الدين الأيوبي الذي رد الفرنجة ؟ من منا ينسى عمر بن الخطاب ؟ ابن الوليد ؟ الصديق ؟ هؤلاء الأعلام، لذلك قال سيدنا علي:
"يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني مات خزان المال وهم أحياء ـ هو حي ميت ـ والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة ".

كم مرة يُذكر أبو حنيفة ؟ يمكن مليون مرة باليوم، الشافعي، ابن حنبل، مالك، هؤلاء الأعلام لأنهم قدموا شيئاً، أنا أتكلم مع الشباب الآن، لمَ لا تفكر أن تقدم شيئاً ؟ قدم شيئاً لأمتك، والله أنا أعمل في التدريس الجامعي، والله يأتي إلى سمعي طموحات من شباب أكبرهم، وأتمنى أن يكون هذا معمماً على كل الشباب، لمَ لا تكن عالماً كبيراً ؟ عالم ذرة كبير ؟ قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60)
ملمح بالآية دقيق جداً، السلاح القوي قد لا تستخدمه، لكنه يجعلك مرغوب الجانب، لا يفكر أحد أن يتطاول عليك، ولا أن يدنسك مصحفك، ولا أن يتهجم على نبيك، أليس كذلك ؟ لذلك ادرسوا، تعلموا، نالوا شهادات عالية، فكروا بتقديم شيء لأمتكم، حلوا مشكلات أمتكم، مشكلات البطالة، والسكن، والتعليم، عندنا مشكلات لا تعد ولا تحصى، شأن أكثر الدول النامية
لذلك الأمة بشبابها، الكبار في السن هؤلاء يمثلون الماضي، نحترمهم ونجلهم، ولكنهم خُلقوا في زمن غير زمننا، وحديثهم عن أمجادهم السابقة، والذين يمثلون الحاضر، ليس بيدهم شيء، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، نحن عبيد إحسان، لا عبيد امتحان، الله يدبرنا أحسن تدبير، ما لنا إلا الله، كله شغل سيدك، أما الشباب فيمثلون المستقبل، ولم يبقَ في أيدي الأمة من ورقة رابحة إلا الشباب، عليهم المعول، أما حينما توازن بين شاب في عهد النبي سلمه النبي قيادة الجيش، عمره 18 عاماً، ركب الناقة والصديق يمشي في ركابه، شيخ الإسلام، قال: يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن، قال له: والله لا ركبت ولا نزلت، وما علي أن تغبر قدمايا ساعة في سبيل الله.
سيدنا الصديق أراد أن يبقي عمر إلى جانبه، عمر جندي في هذا الجيش، وله قائد، أسامة 18 عاماً، قال له: يا أسامة، أتأذن لي بعمر ؟ أرأيت إلى النظام والتسلسل ؟ هذه الحضارة من أين جاؤوا بها ؟.

أيها الإخوة، أجري استبيان لدى الشباب، النتيجة مؤسفة جداً، أن 3 % من هؤلاء الشباب يعرفون أهدافهم، والباقون بلا أهداف.
الآن سندويشة، وببسي وعلى الملعب، أول حفنة طحين، أو تمرات، والسيف وعلى الجهاد.
الإسلام أيها الإخوة إذا أضفنا عليه تقاتلنا وتناحرنا، وكان بأسنا بيننا، وإذا حذفنا منه ضعفنا، لا تنسوا هذه القاعدة، تضيف عليه نتناحر، نصبح فرقاً ومذاهب وشيعا وأحزابا، وطوائف، وكلٌ يكفر الآخر، وبأسنا بيننا.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
( سورة الأنعام الآية: 159 )
أيها الإخوة، إذاً ينبغي أن يكون الإنسان ذا شأن، يكفي أن يكون ذا اختصاص
أن يقدم لأمته شيئاً ثميناً.
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
تحالفوا على أن ترد الفضول إلى أهلها، وألا يعزى ظالم مظلوماً، فقد بين في هذا الحديث الشريف لمَ سمي حلف الفضول، وكان حلف الفضول بعد حرب الفجار، الحروب تأكل الأخضر واليابس، ولا تبقي على شيء، وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان، وكان حلف الفضول في ذي القعدة، قبل المبعث بعشرين سنة كان عليه الصلاة والسلام في سن العشرين شابًا، وكان حلف الفضول أكرم حلف، وأشرف حلف كان في العرب، جاء بعد حرب طاحنة، والعرب في الجاهلية يدخلون في حروب طاحنة تستمر عشر سنوات لأسباب تافهة جداً، مد أحدهم رجله، وقال: من كان أشرف مني فليقطعها، فقطعها أحدهم ، فنشبت حرب عشر سنوات.
سبب حلف الفضول:
وكان أول من تكلم بهذا الحلف ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشترها منه العاصي بن وائل، وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، عبد الدار، ومخزوم، وجمح وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاصي بن وائل، بل انتهروه، فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فصاح بأعلى صوته: يا آل فهر،
لمظلوم بضاعته ببطن مكة ناء الدار والنفر ومحرم أشعث لم يقضِ عمرته
يا الرجال وبين الحِجر و الحَجـــــر إن الــحرام لمن تمت كرامته


ولا حرام بثوب الفاجر الغدرِ.
وكانت هذه بداية حلف الفضول، فاجتمعت هذه القبائل، وقال الزبير بن عبد المطلب: مالي هذا مترك، يعني هذا ظلم، إنسان يبيع بضاعته، ولا يأخذ ثمنها، كم من إنسان أُكل ماله في المجتمعات الإسلامية، فصنع لهم ابن جدعان طعاماً، وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياماً، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونوا يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه، وعلى التأسي في المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقالوا: لو دخل هؤلاء في فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وعندئذٍ سمي هذا الحلف حلف الفضول.
كن إنسانا مؤمنا، إيجابيا، اسعَ إلى حل مشكلات مجتمعك، لا تكن متقوقعاً، لا تكن متشدداً، لا تبتعد عمن حولك، ما من إنسان إلا وعنده شيء من الخير.
المغزى من سرد تفاصيل حلف الفضول:
أردت من هذا الحلف أن يكون منهجاً لنا، وقد حضره النبي في سن العشرين وإذا ظننت أنه يرفضه حينما أتته الرسالة، قال بعكس ذلك:
((لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
إذاً لا تكن متقوقعاً، كن منفتحاً، وساهم في حل مشكلات أمتك، وأرِ الطرف الآخر أن المسلم إيجابي، وخير، ويحب حل مشكلات أمته، ويحب أن يقدم لها شيئاً، لا تكن في برجا عاجيا، وتقل: هؤلاء ليس فيهم خير، وأنا لست منهم، لا.
لما ضُرب النبي في الطائف قال:
(( اللهم اهدِ قومي ))

ما تبرأ منهم، قال:
(( اللهم اهدِ قومي ))
وما قال اللهم اهد هؤلاء.
أحيانا يسلك الإنسان طريق الإيمان قليلاً فينسحب من المجتمع، ويحتقر المجتمع ، ويستعلي عليه، أهذه أخلاق الأنبياء ؟ هل الأنبياء عاشوا في برج عاجي أخلاقي أم يعيشوا في برج عاجي فكري، وُصِفوا في القرآن:
﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
( سورة الفرقان الآية: 20 )
كانوا مع الناس، هذا الحلف فيه ملامح كثيرة المسلمون اليوم في أمسّ الحاجة إليه، فالطرف الآخر كي يتعرف إلى الإسلام لا بد من أن يراك إيجابياً.







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 03:59 PM   #38


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثامن و الثلاثون )

الموضوع :مقاطعة النبى صلى الله علية وسلم من قبل قريش



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد بينت لكم في درس سابق أننا من حيث توالي الأحداث وصلنا إلى قرب المدينة المنورة، ولكن وجدت أن هناك موضوعات كبرى في السيرة مررنا عليها مرور الكرام تتصل بواقعنا أشد الاتصال ، لذلك سأقف عندها وقفات متأنية كي نستنبط من السيرة العظات والعبر.
المقاطعة أسلوب من أساليب أهل البغي والعدوان:
اليوم الموضوع حول المقاطعة التي قاطع بها كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنوات ثلاثًا، حتى اضطروهم إلى أن يأكلوا أوراق الشجر، ليست المقاطعة إذاً شيئاً جديداً، إنها أسلوب من أساليب أهل البغي والعدوان، لأن ملة الكفر واحدة، المؤمن هو المؤمن في كل زمان ومكان، والكافر هو الكافر في كل زمان ومكان.
الظروف التي سبقت المقاطعة:
أيها الإخوة، لا بد من إعطاء صورة مسبقة عن الظروف التي سبقت المقاطعة:
قريش أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من وجهائها ليعرضوا عليه كما تعلمون أجمل امرأة ليتزوجها، أو أن يكون زعيماً لهم، لا يقطعون أمراً دونه، أو ليكون أغناهم مالاً وقال قولته الشهيرة، قال هذا لعمه:
(( لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))
ومن الذي قاله لهم:
(( ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم ـ هذا رده ـ ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابه، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا عليّ أصبروا لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ))
[ السيرة النبوية ]
استنباطات من هذه المواقف:
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت:
إخوتنا الكرام، أخطر استنباط من هذا الموقف المشرف للنبي عليه الصلاة والسلام أنك أيها الإنسان مخير مع ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض، لكنك مع الإيمان مخير خيار وقت فقط
فإما أن تؤمن في الوقت المناسب، وتنتفع بإيمانك، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان ولا ينفعك هذا الإيمان شيئاً، كإيمان فرعون حينما أدركه الغرق قال:
﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾
( سورة يونس الآية: 90 )
فكان رد الله عليه:
﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾
( سورة يونس الآية: 90 )

لذلك قال الله عزوجل
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾
( سورة الأنعام الآية: 158 )
أقول لكم أيها الإخوة، ما من إنسان على وجه الأرض في القارات الخمس من أيّ ملة، ونِحلة، ودين أرضي، أو سماوي، من أية طائفة، من أي مذهب، عند الموت تنكشف له الحقيقة التي جاء بها الأنبياء.
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾
( سورة ق الآية: 22 )
الإيمان عند الموت لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينفع، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا عليّ أصبروا لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ))
الدنيا كلها لا ترد المؤمن عن إيمانه:
عرضوا عليه أن يسأل ربه كي يسير عنهم الجبال، هذه الجبال السوداء عرضوا عليه أن يسأل الله أن يسيرها عنهم لتغدو أرضهم منبسطة، وسألوه أيضاً أن يفجر لهم الأنهار، وأن يحي لهم الموتى فإن فعل هذا يصدقونه.

﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً (93)﴾
( سورة الإسراء )
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾
( سورة الكهف الآية: 110)
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾
( سورة هود الآية: 31 )
(( فَإِنّي لاَ أَملِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّا وَلاَ نَفْعاً ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
( سورة الأعراف الآية: 188 )


ضعف النبي سبيل إلى إيمان طوعي:
ما الحكمة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ضعيفاً ؟
يمر على أصحابه وهو عمار بن ياسر وهو يعذب ولا يملك أن ينجيه، يقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة، لو أن النبي كان قوياً كأقوياء الأرض، وأعطى إشارة أن يؤمنوا به لآمن به الملايين المملينة، لا حباً بالله، ولا رغبة في عبادته، بل آمنوا به خوفاً منه، الله عليه الصلاة والسلام يريد الإيمان الذي يأتي طواعية، يأتي مبادرة يأتي من عند الإنسان، من دون قهر، من دون ضغط، من دون إكراه، لذلك يقول الله عزوجل:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾
( سورة البقرة الآية: 256 )




من أساليب الكفار: أسلوب التحدي:
أو عرضوا عليه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكاً يصدقه
وأن يجعل له جنات وكنوزاً، وقصوراً من ذهب وفضة، فكان جوابه:
﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾
ثم عرضوا عليه، وقد تحدوه أن يسقط السماء عليهم كسفاً، كما يقول ويتوعد فقال: ذلك إلى الله إن شاء فعل، فقالوا أما علم ربك أنا سنجلس معك ؟ ونسألك ؟ ونطلب منك ؟ حتى يعلمك ما تراجعنا به ؟ وما هو صانع بنا ؟ فليفعل ربنا بنا ما يشاء، ثم هددوه أشد أنواع التهديد، وقالوا: والله لا نتركك، وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام عليه الصلاة والسلام وانصرف من عندهم، أغروه أن يكون ملكاً عليهم، أغروه أن يزوجوه أجمل فتاة في قريش، أغروه أن يكون أغناهم، فكان عليه الصلاة والسلام رجل مبدأ.


من أساليب الكفار: التهديد بالقتل:

بل إن أبا جهل عزم على قتل النبي عليه الصلاة والسلام كل هذه المساومات لم تجدِ، لأن النبي صاحب مبدأ، والكلمة المشهورة:
(( والله يا عم: لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))
الحلول الوسط ليست حلولاً:
ثم عرضوا عليه مساومة أخرى، يعني يا محمد اعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد.

دائماً الحلول الوسط ليست حلولاً، ولكنها تجميد المشكلة، نعبد ربك وتعبد آلهتنا فجاء الرد القاطع:
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾
( سورة الكافرون )
الحق لا يقبل المساومة، لكن المؤمن مسموح له أن يتعايش مع الطرف الآخر.
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
( سورة التوبة الآية: 7 )
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾
(سورة الممتحنة الآية:8 )
التعايش مع الطرف الآخر أمرٌ مطلوب:
إذاً التعايش مطلوب، مسموح أن تزورهم، أن تهنئ جارك غير المسلم بمولود جاءه، أن تقدم له هدية، أن تعاونه، كل هذا مسموح لك، أما أن تتخلى عن عقيدتك إرضاء له هذا غير مسموح، فالتوافق لا يكون، لكن التعايش يكون، لذلك الآن مع تنوع المذاهب والطوائف، والأديان، والاتجاهات، والملل، والنحل، يمكن التعايش، كل إنسان له مع ربه علاقة هو حر في أن يقيمها في أعلى مستوى، وينبغي أن يكون منهج الله عزوجل مطبقاً في الأرض، ومنهج الله يتسع لغير المسلمين، يتسع، بل إن صدر المؤمن واسع جداً للطرف الآخر
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام فيما أُنزل عليه من القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾
دققوا الآن:
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾
( سورة الروم )
من الذين انتصروا ؟ أهل الكتاب، هناك قواسم مشتركة بيننا وبينهم، بل إن الصحابة الكرام أثبت الله لهم أنهم فرحوا بانتصار الروم على الفرس، بانتصار من يعبد الله بطريقة أو أخرى، على من يعبد النار.
إذاً هناك في الإسلام ما يسمى النسبيةَ، والدليل:
﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾
( سورة آل عمران الآية: 167 )
هذا موقف موضوعي، وحكم نسبي.
من أساليب الكفار: اقتراحُ تبديلِ القرآن:
ثم عرضوا عليه أن يبدل هذا القرآن الكريم، والآن يُعرض علينا أن نبدله، احذفوا لنا آيات أهل الكتاب، وآيات الجهاد، وآيات اليهود، وما من اتفاقية بين أعدائنا وبين دولة مسلمة إلا وهذه البنود الأولى لا بد من أن يبدل قرآننا، على الأقل هذه الآيات لا يمكن أن تدخل في المناهج، ولا في قراءة القرآن في الإذاعة عرضوا عليه أن يبدل قرآنه، فكان رد الله عليهم:
﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
( سورة يونس )

وفي آية ثانية، ويا أيها الإخوة صدقوا أن الطرف الآخر من أول تاريخ البشر إلى نهاية الدوران، هذا همه:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)﴾
( سورة الإسراء )
لمجرد أن تتوافق معهم، وأن تلغي بعض الأحكام، وأن تعلن أن الزنا ليس جريمة كما ضغط على بعض البلاد الإسلامية، وأن تعلن أن الربا ليس حراماً، وأن تعلن أن الاختلاط موقف حضاري:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾
هم لا يعترضون لا على صلاتك ولا على صيامك، بل يشجعونك عليها، هذا عندهم فلكلور، لكنهم يعترضون على منهجك الاقتصادي، وعلى منهجك الاجتماعي، وعلى حجاب المرأة، وعلى محاسبة السارق أشد الحساب، هم يعلقون الآمال على تبديل.
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾
هناك تطبيع علاقات، إذا بدلت هذا الذي أوحي إليك، بدلته وافتريت علينا غيره.
سقوط خطط الكفار في الهاوية:
الآن أيها الإخوة، ولكن تأكدوا أن هذه الخطة لن تنجح، هناك كتاب مقدس أعد لنا اسمه الفرقان، مؤلف من 12 جزءاً، وقد طُبع منه جزءان، وقد وزع منه في البلاد العربية على المتفوقين، من بعض آيات هذا الفرقان:
يا محمد أأنت أضللت عبادي ؟ قال: يا رب، ضللت فأضللتهم.
هذه بعض آياته، وصدقوا أيها الإخوة أن كل الذين قلدوا القرآن الكريم تقليدهم هذا لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة:
والطاحنون طحناً، والعاجنون عجناً.
في بعض مواقع المعلومات فقرات من كتاب يسمونه فرقاناً، قرأتهُ قرأته للتسلية من أجل أن تضحك، سبحانك يا رب هذا القرآن الكريم مركز في أعماقنا، وأية كلمة أخرى لا تثير فينا إلا الضحك:
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾
﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75)﴾
( سورة الإسراء )

هذه محاولات أهل الكفر، من بداية البشرية وحتى نهاية البشرية.
﴿ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
إسلام حيض ونفاس لا مشكلة ! حيض، ونفاس، ووضوء، واستنجى، واستبرأ، ليس هناك مشكلة أبداً، أما إسلام عدم اختلاط، إسلام حجاب، إسلام كسب مال حلال من دون ربا، هذا يقلقهم.
قال بعض شياطينهم نصحهم قائلاً: يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ـ يعني لا في حل فيه ـ قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
سبب نزول آيات قصة أهل الكهف:
الحقيقة أيها الإخوة، الحق قوي، ولو كان أهله ضعافاً، الحق قوي، والباطل ضعيف ولو كان أهله أقوياء، لما رأوا صموده صلى الله عليه وسلم في وجه كل التحديات، ورفضه كل المغريات، وصلابته في كل مرحلة مع ما كان يتمتع به من الصدق، والعفاف، ومكارم الأخلاق، قويت شبهتهم في كونه رسولاً حقاً، فقرروا أن يتصلوا باليهود، حتى يتأكدوا من أمره صلى الله عليه وسلم، فلما نصحهم هذا الذي تكلم هذا الكلام بما سبق، كلفوه مع آخرين ليذهبوا إلى اليهود في المدينة، فأتاهم فقال أحبارهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبر فإنه نبي مرسل، اليهود، لأن اليهود:
﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
( سورة البقرة الآية: 146 )

فإن أجاب عن هذه الأسئلة فإنه نبي مرسل، وإلا فهو متقول، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر، الأول ما كان من أمرهم ؟ فإن لهم حديثاً عجبا، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبأه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ؟ فلما قدم مكة قال جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، وأخبرهم بما قال به اليهود، فسألت قريش رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الأمور الثلاثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، عن الفتية:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾
( سورة الكهف )
ونزل الجواب عن الروح:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85)﴾
( سورة الإسراء )
وأجابهم عن ذي القرنين الذي آتاه الله:
﴿وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85)﴾
( سورة الكهف )
تحدوه، ساوموه، فاوضوه، تنازلوا معه قليلاً، إنه رجل مبدأ، لذلك بعد كل هذه المحاولات اليائسة قرروا مقاطعته، وقبل أن يقاطعوه عرضوا على أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه، وإلا قاطعوا بني هاشم، آخر تحدي عرضوا على أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه، ثم إن أبى أخذت قريش هذا القرار في مقاطعة محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ومن يلوذ به يعني بني هاشم.
المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية:
الآن بدأ الدرس " المقاطعة ".
ملة الكفر واحدة، الكافر هو الكافر، المؤمن هو المؤمن، اجتمعوا في خيف بني كنانة، في مكان في وادي المحصب، فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم.
والله أشد أنواع المقاطعة التي تمت على الشعب العراقي ليست كواحد بالألف من مقاطعة قريش لرسول الله.
حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، وكتبوا صحيفة فيها عهود ومواثيق ألا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً، وألا تأخذهم به رأفة حتى يسلموا محمداً للقتل.
قال ابن القيم: كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم، ويقال كتبها النضر بن الحارث، والصحيح أن الذي كتبها بغيض ـ اسم على مسمى ـ بن عامر بن هاشم، فدعا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فشلت يده، وعُلقت الصحيفة في جوف الكعبة.
يعني الآن لا بد من أن تجروا انتخابات، في فلسطين، أجريت، لا بد من أن تكون في إشرافنا، أوفدوا رئيس جمهورية سابق وأشرف على الانتخابات، لا بد من أن تعلنوا النتائج، أعلنوها، فلما فازت جهة لا يرضون عنها قاطعوها، والحصار الآن يشبه إلى حد ما الذي حوصر به النبي صلى الله عليه وسلم.
وعُلقت الصحيفة في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم، وبنو المطلب، الآن مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب، وحُبسوا في شعب أبي طالب، وذلك فيما يقال ليلة هلال المحرم لسنة سبع من البعثة، وقد قيل غير ذلك، هذا الحصار استمر أعواماً ثلاثة، واشتد الحصار يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس ]
قبل سنوات في أثناء في الطواف حول الكعبة كان الإنسان الضعيف العاجز يُحمل على نقالة، كنت أنظر إليه، إنسان بالثمانين كومة عظام يهز، أنا والله مع الأسف الشديد أرى المسلمين اليوم كهذا الإنسان، مستسلمين، لا يتحرك أحدهم، ولا يتكلم، ولا يبذل، ولا يقدم، هذا موقف سلبي لا يحتمل.

لذلك هذه المقاطعة تمت، لكن أصحاب النبي صمدوا، اشتد الحصار، قُطعت عنهم الميرا " القمح " حتى أكلوا أوراق الأشجار، فلم يكن المشركون يتركون طعاماً يدخل مكة، ولا بيعاً إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغ بهم الجهد مبلغه، جوع شديد، والتجئوا إلى أكل أوراق الأشجار، وإلى أكل الجلود.
أعاذنا الله وإياكم من الجوع، وعظمة من سنوات عليها أثر لا يزيد على غرامات من اللحم المقدد، هذه غنيمة كبيرة للجياع، حينما يجوع الإنسان، حبسوا أناساً في بعض البلاد الإسلامية فأكلوا جلد بعضهم بعضاً، شربوا بولهم، الإنسان فقير، فقير إلى كأس ماء.

مرة قالها هارون الرشيد إلى وزيره، أو وزيره سأله: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منع عنك ؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه ؟ قال: بنصف ملكي الآخر، نعم لا يعرفها إلا من فقدها، أيكون هناك كأس ماء تشربه، أيكون هناك كسرة خبز تأكلها، أيكون هناك دواء تستعمله، أيكون هناك مأوى تؤوي إليه، أيكون هناك طعام تأكله، لذلك هذه محنة ما بعدها محنة، ولكن المحنة للمؤمن وراءها منحة من الله، وأن الشِدة للمؤمن، وراءها شَدة إلى الله.
حتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً، تهريبًا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لشراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد إلى مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم بالسلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها.
قصص من واقعنا اليومي:
كل إنسان له موقف، معهد شرعي مكانه ضيق جداً، فاشترى أرضًا، ودفع نصف ثمنها، مع ارتفاع أسعار الأراضي جاء هذا المعهد تهديد من البائع، إما أن تدفع الستين مليون في عشرة أيام أو العقد باطل، ولن تستطيع استرداد النصف الأول، هذا موقف، استغل ارتفاع الأراضي، وضع شرطا تعجيزيا في عشرة أيام، والفضل لله تأمن المبلغ، لكن يوم القيامة هذا له موقف.
موقف آخر: رجل فقير جداً يعمل مستخدما في مدرسة، راتبه أربعة آلاف عنده، 8 أولاد، ورث أرضاً من شهر، الأرض مناسبة جداً لمسجد، محسن في الميدان كبير عافه الله أراد أن ينشئ مسجداً في هذا المكان، كلف أحد إخوتنا الكرام، الأرض مناسبة جداً، موقعها مناسب، مساحتها مناسبة، شكلها الهندسي مناسب، السعر مناسب، فدعا هذا المحسن الكبير كي يطلع على الأرض، فلما أعجبته وقع سند بـ 2 مليون ليرة، نصف ثمنها، فسأل صاحب الأرض هذا المحسن متى بقية الثمن ؟ قال له: عند التنازل قال: ما التنازل ؟! قال: تذهب إلى الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض، لأنها سوف تصبح مسجداً، وبعدها تأخذ بقية الثمن، قال له: هذه الأرض سوف تكون مسجداً ؟! وما الذي يمنع ؟ قال له: أنا أبيع أرضاً تكون مسجداً ؟! والله أستحي من الله، والله أنا أولى بك أن أقدمها لله منك، ومزق الشك، وقد الأرض، والآن أطول مئذنة بعد القدم هذا هو المسجد، لو وقف هذا الإنسان يوم القيامة بين يدي الله عزوجل فقير، أربعة آلاف دخله، و8 أولاد، محروم، بيت غرفتين، متداع، وجاءه أربعة ملايين، واستحى من الله أن يبيع أرضاً تغدو مسجداً، هذا إذا وقف يوم القيامة بين يدي الله، وقف الثاني معكم عشرة أيام، إما أن تدفعوا، وإما العقد باطل، ولن تستردوا قيمة النصف الأول من الأرض.
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه ِ﴾
( سورة الإسراء الآية: 84 )

دُعينا مرة لافتتاح مسجد في يعفور، الذي أنشأ هذا المسجد استقبلنا جميعاً، دعا معظم علماء دمشق وألقيت كلمات، وأكرمنا إكراماً شديداً، خرجت في هذا المسجد، فإذا في الضفة الغربية على الطرف الثاني من الطريق ملهى، سمعت أن فيه كل أنواع الموبقات التي لم تؤلف في هذا البلد، وأن صاحبه ـ أستخدم هذا التعبير بالذات ـ ( فطس ) بعد سبعة أيام من افتتاحه، فجاء في خاطري أنه يوم القيامة إذا وقف هذا الذي أنشأ لله مسجداً، ووقف إلى جانبه هذا الذي أنشأ ملهاً، فرق كبير، لذلك قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
( سورة السجدة )
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
( سورة القلم )
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
( سورة القصص )
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
( سورة الزمر الآية: 9 )

والله أيها الإخوة أن
﴿ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أن يستوي المحسن مع المسيء، والصادق مع الكاذب، والأمين مع الخائن، هذا الاستواء لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل يتناقض مع وجود الله، اطمئنوا، وإذا كنت شاباً مؤمناً صادقاً مستقيماً، والله زوال الكون أهون على الله من أن تعامل مثل ما بعامل الفاسق، أبداً.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾
في الدنيا ؟‍‍
﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
( سورة الجاثية )
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ ﴾
الآثار القاسية للمقاطعة الظالمة:
دققوا: وحتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً، وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحاً إلى عمته خديجة رضي الله عنها، وقد تعرض له مرة أبو جهل، فتعلق به ليمنعه فتدخل بينهما أبو البخترة، ومكنه من حمل القمح إلى عمته خديجة، تسلل، تهريب، بصعوبة بالغة جداً
وكان أبو طالب يخاف على النبي صلى الله عليه وسلم لأن المساومة على القتل، الآن الأمر بلغ القتل، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر أبو طالب رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يضجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه، أو بني عمه، فاضطجع على فراش رسول الله، وأمره أن يأتي بعض فرشهم، إجراءات أمنية مشددة، لأنه أُريد أن يقتل.
وكان عليه الصلاة والسلام والمسلمون يخرجون في أيام الموسم فيلقون الناس، ويدعون إلى الإسلام، وقد أسلفنا ما كان يأتي به أبو لهب.
هذه المقاطعة، هذا الإسلام الذي وصل إليكم، بذل من أجله الغالي والرخيص والنفس والنفيس حتى وصل إلينا، لذلك حافظوا عليه.

استنباط وعبرة: حافظوا على النعم بدوام شكرها:
مر عامان أو ثلاثة والأمر على ذلك، حينما حوصر العراق التضخم النقدي صار 23 ألف ضعف، أعلى مرتب كان مرتب لواء في الجيش، أو أستاذ جامعة خمسة آلاف دينار، وكان الدينار 250 ليرة، فصار أعلى مرتب في هذا البلد يساوي طبقا من البيض فقط، الخمسة آلاف دينار ثمن طبق بيض، هذه المقاطعة، اسألوا الله السلامة، موظفون كبار أصبح دخلهم لا يساوي طبق بيض، فاضطروا أن يعملوا سائقي تكسي ، وبائعي دخان في الطريق.
﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا﴾
( سورة النمل الآية: 34 )

اسألوا الله أن يحفظ علينا نعمة الأمن في هذه البلاد، أن يحفظ علينا نعمة المأوى، أن يحفظ علينا نعمة الطعام والشراب.
(( يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قلما نفرت عن أهل فكادت أن ترجع إليهم ))
[ أخرجه ابن ماجه والحاكم عن عائشة]
والله في هذا المسجد جاءني رجل قال لي: الذي حصل في العراق لا يصدق، قلت: كيف ؟ قال لي: قبل أن يأتي العدو الأجنبي تغلق محلك التجاري صباحاً تجده مغلقاً، أما الآن فتجده مفتوحاً، وقد نُهب، ترسل ابنتك إلى المدرسة تعود ظهراً، الآن تُخطف، لا ماء، ماء من النهر ملوث، ولا وقود سائل، ننتظر عشر ساعات على محطة الوقود، ولا كهرباء، الهيروين يباع على الطرقات.
﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾
ادعوا الله في جوف الليل أن يحفظ علينا النعم التي نعيشها.
وأخيراً مُزِّقت الصحيفة وفُكَّ الحصار:
مر عامان أو ثلاثة والأمر على ذلك، وفي شهر المحرم سنة عشر من النبوة نُقضت الصحيفة، وفك الحصار، وذلك أن قريشاً كانوا بين راضٍ بهذا الميثاق وكارهٍ له، حدث انشقاق، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهاً لها، وفي قصة نقض الصحيفة قصة طريفة:
قصة نقض الصحيفة:
كان القائم بهذا هشام بن عمر، من بني عامر بن لؤي، وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفياً بالليل بالطعام، كان يأتيهم ليلاً بالطعام، فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب.
والله، أنا لا أنسى موقف زعيم وقائد جيش غطفان في معركة الخندق الذي جاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام، كان قابعاً في خيمته، اسمه نُعيم، خاطب نفسه فقال: يا نعيم، أنت عاقل، لمَ جئت إلى هنا ؟ من أجل أن تقتل هذا الرجل الصالح، ماذا فعل ؟ سفك دماً ؟ نهب مالاً ؟ انتهك عرضاً ؟ أين عقلك يا نُعيم ؟ فوقف، وتوجه إلى معسكر المسلمين، ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي: نعيم ؟‍‍‍ قال: نُعيم، قال له النبي: ما الذي أتى بك إلينا ؟ قال له: جئت مسلماً، كان قائد جيش ليحارب النبي، فصار سيدنا نُعيم بن مسعود، وأنا لا أصدق أن هذا الإنسان أجرى الله على يديه أسباب النصر في معركة الخندق، قال له: مرني ماذا أصنع ؟ قال له: أنت واحد، قال له: ماذا أصنع ؟ قال له: خذل عنا، بذكاء ما بعده ذكاء أوقع بين قريش وبني قريظة، وجاءت الريح الشديدة، وقلبت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم.
﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 25 )
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾
( سورة الأحزاب )
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
( سورة البقرة )
قال يا زهير، لحظة تفكير سليمة، يا زهير أترضى أن تأكل الطعام، وأن تشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم ؟ قال: ويحك فماذا أصنع، وأنا رجل واحد ؟ قال: أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، قال: قد وجدت رجلاً، قال: من هو ؟ قال: أنا أنا ثان، قال له زهير: نريد ثالثاً، فذهب إلى مُطعم بن عدي، فذكره أرحام بني هاشم، وبني عبد المطلب، ابني عبد مناف، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم، فقال المطعم: ويحك ماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانياً، قال: من هو ؟ قال: أنا، قال: أصبحنا ثلاثة، قال: قد فعلت، فقال زهير: نريد رابعاً، فذهب إلى أبي البختري ابن هشام، فقال له نحواً مما قال للمطعم، فقال: هل من أحد يعين على هذا ؟ قال: نعم، قال: من هو ؟ قال: زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا معك، قال: أصبحنا خمسة، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن الأسد فكلمه، وذكر له قرابتهم، وحقهم فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال: نعم، ثم سمى له القول، فاجتمعوا عند الحجون، وتعاقدوا على القيام بنقد الصحيفة، وقال زهير: أنا أبدأكم، فأكون أول من يتكلم، فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير، وعليه حلة فطاف بالبيت سبعاً، ثم أقبل على الناس، فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكة ؟ لا يباع، ولا يبتاع منهم ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة للرحم الظالمة.

إذا لم يكن في الأمة من يرد الظلم فلا خير فينا، وهذا درس بليغ لنا.
قال أبو جهل، وكان في ناحية المسجد: كذبت، والله لا تشق الصحيفة، فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها يوم كُتبت، قال أبو البختري: صدق زمعة، ولا نرضى ما كُتب فيها، ولا نقر به، قال المطعم بن عدي: صدقتما، وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها، ومما كُتب فيها، وقال هشام بن عمر: نحواً من ذلك، فقال أبو جهل: هذا أمر قُضي بليل، أي مؤامرة، وتشوّر به بغير هذا المكان، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، إنما جاءهم لأن الله ـ دققوا الآن ـ
أطلع رسوله على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة، يعني حشرة، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله تعالى، فأخبر بذلك عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذباً يعني ابن أخيه خلينا بينكم وبينه، سلمناكم إياه إن تقتلوه، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا: والله قد أنصفت، هذا خبر من السماء، أن الورقة في جوف الكعبة، مغلقة، الأرضة أكلتها، عدا اسم الله، وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل قام المُطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا بسمك اللهم، يعني باسمك اللهم نظلم.
الآن يعمل عمل خلاف الشرع، يقول: الله وفقني فيه، كيف وفقك الله فيه ؟
باسمك اللهم نظلم، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله، ثم نقض الصحيفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب، وقد رأى المشركون آية عظيمة من آيات نبوته، ولكنهم كما أخبر الله عنهم:
﴿ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)﴾
( سورة القلم )
كلّ محنة وراءها منحة:
أعرضوا عن هذه الآية، وازدادوا كفراً إلى كفرهم، الملخص أن التهديدات التي نسمعها من حين لآخر بالمقاطعة ليموت إخوتنا في فلسطين جوعاً هذه ليست جديدة على تاريخ المسلمين، ولكن الله مع عباده:﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
( سورة آل عمران )

كل محنة وراءها منحة، وكل شِدة وراءها شَدة.
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾
( سورة يوسف )
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
( سورة إبراهيم )
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
( سورة آل عمران الآية: 120 )
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾
( سورة يونس الآية: 24 )
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾
( سورة الصافات )
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)﴾
( سورة آل عمران )
ثم يقول الله عزوجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾
( سورة الأنفال الآية: 36 )






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 04:02 PM   #39


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( التاسع و الثلاثون )

الموضوع :غار حراء وتعبد النبى فية وتفكيرة



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
سيرة النبي منهج في الحياة:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وأحب من حين لآخر أن أذكركم أن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام لا تعني سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن تعني منهجاً لكل مسلم على نهاية الدوران، وأن كل مشكلات المسلمين المعاصرة لو طبقنا منهج النبي، ومواقفه، وتوجيهاته، إن من خلال أقواله، أو من خلال أفعاله لحلت مشكلاتنا، لأن الله سبحانه وتعالى بعثه رحمة للعالمين.
والنقطة الدقيقة جداً أنه بقدر ما ترى أن هذا الإنسان قدوتك فأنت مؤمن، وبقدر ما تتوهم أن حياته خاصة به، وأن منهجه لأمة في بدايات الحياة، لأمة الصحراء، أمة البساطة، ونحن نحتاج إلى قوانين وإلى أنظمة معقدة جداً بحكم حيتنا المعقدة، فأنت بعيد عن الإيمان، منهج النبي صلى الله عليه وسلم صالح لكل زمان ومكان، منهج النبي صلى الله عليه وسلم صالح لكل ظرف وبيئة، الدليل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 12 )
دققوا: الإنسان الذي يرجو المال مَن يكون قدوته ؟ كبار التجار، حينما يستمع إليهم، وكيف يربحون الملايين المملينة تذوب نفسه شوقاً ليكون مثلهم، ومن كان يريد منصبا رفيعاً، وجلس إلى أصحاب المناصب، وأصحاب القرارات تذوب نفسه شوقاً ليكون مثلهم، ومن كان همه الأول الاستمتاع بالحياة، والتقى بأناس انغمسوا في الشهوات إلى قمة رؤوسهم، وحدثوه عن مغامراتهم، وعن انحرافاتهم تذوب نفسه شوقاً ليكون مثلهم، ومن كان
﴿ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
إذا استمع إلى سيرة النبي عليه الصلاة والسلام تذوب نفسه شوقاً ليكون على منهجه وعلى طريقه، فقل لي من الذي تراه عظيماً أقل لك من أنت.
إنّ المؤمن لا يرى أعظم من النبي، أما غير المؤمن فيرى الأقوياء، دون أن يشعر، في عقله الباطن يراهم قدوة، الذي أُغرم في جمع الدرهم والدينار يرى الأغنياء قدوة له، الذي أراد المناصب الرفيعة يرى أصحاب القرار قدوة له، الذي يرى أن الحياة متعة وكأس، وامرأة غانية يرى المنغمسين في الشهوات المنحطة قدوة له، فقل لي من تعظم أقل لك من أنت، قل لي من ترجو أن تكون على سيرته أقل لك من أنت، علامة إيمانك أنك لا ترى أعظم من النبي عليه الصلاة والسلام .
تحنُّث النبي في غار حراء وعلاقتنا بهذا التصرف:
أيها الإخوة، ننتقل في هذا الدرس إلى موضوع مررنا عليه سريعاً، وهو تحنث النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وما علاقتنا نحن بهذا التصرف ؟ إنسان يترك زوجته وأولاده، وبيته وأمنه، وفراشه، ويذهب ميلين ـ يعني 3 كم ـ في أوعر طريق، وفي أصعب مسلك، ليصل إلى غار طبيعي مترين بمتر، يجلس وحده، لا فيه تكييف، ولا هو بيت آمن، ولا فيه مطبخ، ولا فيه برّاد، ولا عصير، ولا قهوة، ولا شاي، ولا فضائية، ولا متعة بهذه الفضائيات، ولا فيه زوجة مزينة أمامه، ولا أولاد يملؤون البيت جمالاً، هو بين صخور، ماذا يفعل هناك ؟
ما علاقتنا نحن بهذا، والله الذي لا إله إلا هو ما لم يكن لك غار حراء فلن تكون مؤمناً، لكن لا أطالبك أن تصعد إلى جبل قاسيون وأنت تبحث عن مغارة، أطالبك أن تخلو بنفسك كل يوم في زاوية من بيتك، وأن تفكر من أنت ؟ لماذا أنت في الدنيا ؟ أين كنت قبل أن تولد ؟ وماذا بعد الموت ؟ ولماذا خلقنا ؟ ومن الذي خلقنا ؟ ولماذا جعل العمر قصيراً ؟ ولماذا يموت الإنسان فجأة ؟ وماذا بعد الموت ؟ وما حقيقة النفس ؟ هذه أخطر موضوعات يجب أن تعرفها.
لذلك إذا قرأتم قوله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)﴾
( سورة الكهف )
ألم تفكِّر في ساعة المغادرة ؟!!
والله أعرف إنسانًا من بلد آخر في شمالي إفريقيا بلغ الثمانين، وعنده أموال لا تأكلها النيران، وفي الثمانين أراد أن ينشئ كازينو، كيف يفكر ؟
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾
إخوتنا الكرام، حينما تكتشف الحقائق يشعر الإنسان بفداحة الخسارة.
عرضت في ندوة تلفزيونية صورة فرعون، فرعون موسى حقيقة، وقد أخذ إلى باريس، ورممت يده من الفطور والعفن الذي أصابها، وهي مغلفة بالشاش، وقلت: هذا الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
( سورة النازعات )
وهذا الذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾
( سورة القصص الآية: 38 )
حينما أدركه الغرق قال:
﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
( سورة يونس الآية: 90 )
كل ذكائك، وكل بطولتك، والنجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والتوفيق كل التوفيق، في أن تفكر في ساعة مغادرة الدنيا، إلى أين ؟
لذلك ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء، كان يفكر في ملكوت السماوات والأرض، كان يفكر بالحقائق الكبرى.
إخواننا الكرام، نحن أحياناً تستهلكنا الدنيا، تأخذنا، إنسان كل همه في تخفيف ضريبته، وكل همه في توسيع بيته، وكل همه في تزيين بيته، وكل همه في شراء مركبته وكل همه في الاستمتاع بالدنيا، وكل همه أن يسافر، وكل همه أن يلتقي، وكل همه أن يفتخر، وكل همه أن يستعلي على خلق الله، لكن هموم الأنبياء ما هي ؟
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
( سورة النجم )
﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)﴾
( سورة النجم )
أنت في أي أفق أنت ؟ في أفق حاجاتك الدنيوية ؟ هناك إنسان صغير جداً عند الله ، همه الوحيد أن يزداد دخله فقط، وإنسان همه أن يعرف ربه، وإنسان همه أن يهدي الآخرين، وإنسان همه أن يكون في مرضاة رب العالمين، قل لي ما الذي يهمك أقل لك من أنت.
ماذا كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء ؟ وماذا فعلنا نحن ؟
ماذا فعل النبي في غار حراء ؟
كان عليه الصلاة والسلام يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد، وكان يعتكف في كل سنة شهراً بأكمله، والسيدة خديجة كانت تأتيه بالزاد والطعام والشراب، ألك مع الله خلوة ؟ ألك مع الله مناجاة ؟ ألك تفكر ؟

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾
( سورة الطارق )
ماذا بعد الموت ؟ ما مصيري بعد الموت ؟ حصلت على شهادة عُليا، ثم ماذا ؟ آخر شيء نعي، الدكتور فلان، أو المحامي فلان، أو المهندس فلان، أو الحاج فلان، أو عميد أسرتهم فلان، الطبيب فلان، مستشار سابقاً، السفير في بلد معين، بعد الموت لا سفارة، ولا منصب، ولا رتبة، ولا شيء.
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾
( سورة الأنعام الآية: 94)
إخواننا الكرام، تعبد النبي في غار حراء، تفكر في كليات الحياة، في حقائق الحياة الكبرى، لذلك لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم من الأربعين، ومن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، الآية الكريمة:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾
( سورة فاطر الآية: 37 )
يا أيها الناس احذروا، لقد جَاءَكُمُ النَّذيرُ، فما هو النذير ؟
1 – النذير هو القرآن:
معنى النذير كما جاء في تفسير القرطبي، قال: النذير هو القرآن الكريم، أنت في طريق السفر ترى شاخصة كتب عليها: منعطف خطر، أو تقاطع خطر، أو منحدر شديد، أو طريق زلق، أو ضباب، هذه اللوحات هي نذير، توضع في مكان مبكر، طبعاً اللوحة تكون قبل المنعطف الخطر، لا بعده، بعده لا قيمة لها، قبله، قبل التقاطع الخطر، قبل المنحدر الشديد.
فالقرآن بيّن أن هناك موتاً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)﴾
( سورة المنافقون )
القرآن بين:
﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾
( سورة التغابن الآية: 14 )
الزوجة أحياناً تضغط على زوجها لإنفاق لا يملك أساسه، من شدة الضغط عليه يمد يده إلى الحرام، فيعاقب، ويفضح، وتكف يده فيرى أن أعدى أعداءه زوجته التي ضغطت عليه، القرآن يبين، فالقرآن نذير.
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
( سورة الشعراء )
ماذا يفعل الإنسان بالملايين المملينة ؟
من أغرب القصص: أن أكبر غني يهودي في بريطانيا اسمه " رود تشلد " من كثرة ثروته كان يقرض الحكومة البريطانية أحياناً، خزانته غرفة بأكملها، دخل مرة إلى خزانته، وأغلق الباب عليه خطأ، وصاح بأعلى صوته، قصره كبير، ومن عادته أن يغيب عن القصر كثيراً، فلما غاب عن أهله ظنوا أنه سافر، بقي يصيح ويصيح إلى أن أدركه الموت جوعاً وعطشاً، فجرح إصبعه، وكتب على الجدار: أغنى إنسان في العالم يموت جوعاً وعطشاً.
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ﴾
أحد كبار أغنياء لبنان أنشأ له قبراً في أجمل منطقة مطلة على بيروت، وله طائرة خاصة، وقعت الطائرة في البحر، دُفعت الملايين لانتشال جثته، لم يعثر عليه، لكن عثروا على طياره، وما تمكن أن يُدفن في هذا القبر.
هكذا الحياة، القرآن نذير.
2 – النذير هو النبي:
والنبي نذير:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)﴾
( سورة الأحزاب )
(( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم ـ النبي نذير ـ ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بسهوة ))
[أخرجه ابن سعد البيهقي في شعب الإيمان عن أبي البجير ]
(( الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن شداد بن أوس ]
القرآن نذير، والنبي نذير.
3 – النذير هو سن الأربعين:
وسن الأربعين هو النذير، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، لو أردت أن تمضي عشرة أيام في مصيف جميل اليوم السابع تنعكس خطتك، تقطع بطاقات العودة، تشتري الهدايا، تجمع الأغراض، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.
(( من أتت عليه أربعون سنة، ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار ))
[ أخرجه الأزدي، عن عبد الله بن مالك الهروي بسنده إلى ابن عباس ]
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لــعمري في المقال شنيع ؟
لـو كان حبك صادقاً لأطعت ه إن الـــمحب لمن يحب يطيع
***

سن الأربعين هو النذير، والذي بلغ الستين فإن معترك المنايا بين الستين والسبعين، فأيّة سنة تعيشها بعد الستين مكسب، إذا دخلنا في الأربعين دخلنا في أسواق الآخرة، فكيف إذا دخلنا في الستين ؟ فكيف إذا كان الإنسان في الستين مراهقاً ؟ همه امرأة لا تحل له، أين هو ؟
4 – النذير هو الشيب:
الشيب نذير، وقد ورد في بعض الآثار القدسية:
(( أن يا عبدي، كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك فاستحي مني فأنا استحي منك ))
(( أحب ثلاثة، وحبي لثلاثة أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد ))
[ ورد في الأثر]
شاب في مقتبل الحياة، مرجل يغلي، وهو طائع لله، ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب.
(( إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي ))
[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ]
(( أحب ثلاثة، وحبي لثلاثة أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، وأحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد ))
عنده تفاحتان يضعها في صحن، ويقول لك: تفضل، ما عنده غيرها، على فقره كريم.
(( وأحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد ))
يأكل مع الخادم، يُدعى فيلبي، بمكان بعيد، متواضع، يرى فضل الله عليه.
(( وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد ))
بالتعبير العامي عند الكبرة جبة حمرة، ويجري عملية شدّ للوجه، وعملية نفخ ، وعملية ترميم، وتعديل أنف، وزرع شعر، حتى يغدو شاباً.
ألا ليت الشباب يعود يوماً
***

كل سن له كماله في الإسلام.
(( وأبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد ))
على ماذا ؟
(( وأبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشد ))
معه أموال لا تأكلها النيران، ويحاسب على الدرهم والقيراط، كان من أربعين عامًا سيارات إلى منطقة المهاجرين الأجرة فرنك، خمسة قروش، إلى آخر خط فرنك ونصف، سبعة قروش ونصف، على ما أذكر ذلك، هناك أغنياء يركبون إلى منطقة شورى فقط، ويمشون إلى آخر الخط، يقول: يمشي الحال، يوفر قرشين ونصفًا، هكذا، الشح يا مرض خطير، تماما كالسرطان مرض خطير.
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾
( سورة الحشر )
لذلك القرآن نذير، والنبي نذير، والأربعون نذير، والستون نذير، والشيب نذير.
5 – المصائب نذير:
والمصائب نذير، أول شيء يضعف بصره فيضع نظارات، تسوس أسنانه فيركب جسرًا وأسنانًا متحركة، تتعب مفاصله، ينحنى ظهره، معه أسيد أوريك، معه شحوم ثلاثية، سمعه ضعيف، يده ترجف، ما معنى هذه التطورات ؟ لها معنى، يعني يا عبدي، قد قرب اللقاء بيننا، فهل أنت مستعد لذلك ؟ اللقاء اقترب، هناك دلائل، لكن كان من الممكن أن يتمتع الإنسان بشبابه حتى يموت، كان من الممكن، لكن شاءت حكمة الله أن يتغير شكل الوجه، فما منا واحد ما عنده صورة حينما كان صغيراً، هناك فرق كبير، إنسان صورته في العشرة غير التي في السبعين وغير التي في الثمانين، هذا التطور في تجاعيد الوجه، في شيب الشعر، في ضعف البصر، في ضعف القوة، في أعراض في الهضم، وفي القلب.
قال لي مرة أستاذ لي رحمه الله مداعباً، قال لي: سبحان الله ! أنا من خمسين سنة أنشط من الآن.
هذا نذير، تقدم السن، والأعراض، هذه تؤكد أن اللقاء قد اقترب، هل أنت مستعد ؟ طيب، المصائب نذير.
والله هذا الموضوع من أدق الموضوعات، نحن أحياناً بعض الدول تجري عرضًا عسكريًّا، يكون في دولة مجاورة عدوة، فهذا العرض العسكري سلاح المدرعات، سلاح الطيران، المشاة، الصواريخ، هذا العرض العسكري ما اسمه في الحقيقة ؟ اسمه رسالة إلى الدولة الفلانية، أحياناً تُجرى مناورات مشتركة بين دولتين، من أجل ماذا ؟ من أجل أن نرسل رسالة إلى دولة ثالثة، نحن متحالفون ضد هذه الدولة، الآن الأسلوب الجديد أسلوب رسائل عملية، الآن المصائب التي يسوقها الله لعباده نذيرًا، الدليل:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾
( سورة القصص الآية: 47 )
﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)﴾
( سورة طه )
أنا سأوضح هذه الحقيقة بمثل، طبعاً هو مثل تركيبي:
طالب في الصف الخامس قال لأبيه مرة: أحب ألا أدرس، قال له: كما تشاء، ما نصحه، كما تشاء، غداً لا تذهب إلى المدرسة، بدأ من الغد لا يذهب إلى المدرسة، استيقظ الساعة العاشرة، شيء مريح، ليس هناك استيقاظ مبكر، ولا كتابة وظيفة، ارتاح، الساعة 12 أكل عشر بيضات، نزل إلى السينما مساء مع رفاقه، والله شيء حلو، قضى سنوات ظن أنه أذكى طالب على وجه الأرض، ارتاح من المدرسة، هذا كبر في السن، لا معه شهادة، ولا معه حرفة، ولا له محل، ولا طبيب، ولا مهندس، ومتزوج، ولا عنده أولاد، حقد على أبيه، جاء إلى أبيه وقال: يا أبت، أنا يوم قلت لك: أحب ألا أدرس لمَ لم تصفعني على وجهي ؟! لمَ لم تركلني بقدميك ؟! لمَ لم تعنفني ؟! أنت سبب شقائي.
كثير من الطلاب يكون أبوهم قاسيًا جداً، لكن يتفوقون في الدراسة، ويصبحون شيئًا مرموق في الحياة، يقول: الله يرحم الوالد لولا عنايته، لولا شدته، لولا أن تابعني لما كنت في هذه الحال.
صدقوا أيها الإخوة، لولا أن الله يسوق لهؤلاء المسلمين هذه المصائب لقالوا يوم القيامة:
﴿ لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾
إذاً ما هو النذير ؟ المصائب.
ثمة رجل عنده بقالية، ويرتكب فيها الفاحشة، يضع لافتة: " نحن في الصلاة "، ويكون هو في الزنا، احترق المحل بأكمله، جدد المحل، وأعاد الكرة، احترق مرة ثانية، هنا في هذه البلدة، لولا أن الله يسوق المصائب للناس لم يرتدعوا.
الفهم التوحيدي للشدة والمصيبة:
إذاً النذير المصائب، أتمنى على كل أخ كريم أن يفهم الشدة فهمًا توحيديًا، الشدة حينما تأتي، المصيبة، الابتلاء له فهم أرضي، وله فهم شركي، وله فهم توحيدي، بطولتك أن تفهم الشدة والضيق فهماً توحيدياً، لا فهماً أرضياً، في الزلزال يقال: اضطراب في القشرة الأرضية، هذا تفسيرعلمي، لكن لا يكفي، أين الله ؟ لماذا أصاب هذا البلد بهذا الزلزال ؟
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾
( سورة هود)
مستحيل، لا بد من أن تفهم المصائب فهماً توحيدياً.
تروى قصة والقصة رمزية، أن طائرا التقى بسيدنا سليمان، قال له: يا سليمان الحكيم، ربك عجول أم مهول ؟ يعني أيمهل أم يعجل ؟ فسأل ربه، قال الله له: قل له: إنني مهول، على التراخي، فاطمأن، رأت أناساً يشوون لحمة فخطفتها، وطارت بها، لأن الله مهول، علقت باللحمة قطعة من اللحم المشتعل، لم ينتبه لها، وضع اللحمة في عشه، فاحترق العش كله، واحترق أولاده، فعاد إلى سليمان الحكيم، قال له: سألتك فقلت لي: مهول، هو عجول، فسأل ربه، قال له: قل له: هذا حساب قديم.
المصيبة رسالة من الله، اسمعوا هذا الكلام: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، كيف استدرج الله نخبة من أغنياء العالم إلى سواحل الهند في أيام البرد، بكانون أول بـ25 ؟ وهناك الجو دافئ، جو استوائي، والبحر رائع، والغابات العملاقة، والغابات الاستوائية، والمنتجعات من فئة السبع نجوم، أناقة، وانحطاط، وشذوذ، ودعارة، بلاد جميلة جداً، والذين في هذه البلاد أغنياء جداً، وجلسوا في أماكن من فئة العشر نجوم، فجاء زلزال تسونامي فأراهم النجوم ظهراً، 25 ألف من نخبة أغنياء العالم لقوا حتفهم هناك، كيف استدرجهم الله ؟ هذه رسائل، 400 ألف طفل معد للدعارة هناك، يقول بعض رؤساء هذه الدول مفتخرًا: ليس عنده بنت واحدة عذارء، بلاد تعيش على الجنس والدعارة، 300 ألف قتيل، 5 ملايين مشرد، لا يمكن أن يعاد بناءها قبل عشر سنوات، دُمر كل شيء، زلزال تسونامي هذا لا يلغي أن هناك مسلمين توفاهم الله، لكن كل إنسان يموت على نيته، المسلم له موت خاص، أو له حساب خاص.
إذاً المصائب نذير.
6 – موت الأقارب نذير:
وموت الأقارب نذير، إنسان ملء السمع والبصر يموت.
واللهِ لي قريب له مع بعض أصدقائه سهرة أسبوعية كل سبت، أحد هؤلاء الأصدقاء لطيف المعشر، مرح الروح، صاحب دعابة، صحته جيدة جداً، رشيق، يأكل بدقة بالغة الخضار، الفواكه السَّلطات، يمشي كل يوم، كل الوسائل طول العمر موفرة عنده، قال: أنا لا أموت، يطول عمري حتى أموت، هكذا قال، بالضبط، سُئل: لماذا ؟ قال: انظروا إلى صحتي، انظروا إلى نشاطي، رياضة يومية، أكل مدروس، راحة بال، ما عندي مشكلة، سمعتي طيبة، مرح بالبيت، كلام مقنع، السبت الثاني كان مدفونًا تحت الأرض.
﴿ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ﴾
الذي هو موت الأقارب.
هناك مجموعة من الشباب لهم سهرة أسبوعية، أحدهم شاب في مقتبل الحياة، بالثلاثينات، وقع في المعلب، ومات بخثرة بالدماغ، سكتة دماغية مع سكتة قلبية، اتعظ من حوله.
إذاً: النذير القرآن، والنبي، وسن الأربعين، وسن الستين، وشيب الشعر والمصائب، وموت الأقارب.
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ﴾
إذاً ماذا نفعل في غار حراء ؟ أو ماذا نفعل في غرفتنا الخاصة ؟ نفكر، أين كنا ؟ وماذا بعد الموت ؟ نفكر من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فكر.
فائدة الحوار الداخلي:
أنا معجب إعجاب بلا حدود من سيدنا نعيم بن مسعود، لما فكر، هذا اسمه حوار نفسي، بالتعبير حوار داخلي، قال في نفسه: يا نعيم، ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ كان زعيم قبيلة جاء ليحارب النبي الكريم في معركة الخندق، ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ من أجل أن تقاتل هذا الرجلالصالح ؟ ماذا فعل ؟ سرق مالاً، انتهك عرضاً، سفك دماً ؟ أين عقلك يا نعيم ؟ في هذه اللحظة أشرق في قلبه نور الإيمان، وأسلم، وأجرى الله على يديه أن النصر في الخندق كان له سهم كبير فيه حيث شق التحالف، التحالف قديم، وليس جديدًا، دول التحالف، التحالف قديم، تحالف قريش مع اليهود، شقها بذكاء ما بعده ذكاء، وكتب الله للأمة الإسلامية النصر في هذه الموقعة على يد نعيم بن مسعود.
غار حراء من أجل التفكر:
غار حراء من أجل أن تفكر، غار حراء من أجل أن تفكر في خلق السماوات والأرض، أن تتفكر أين كنت ؟ وماذا بعد الموت، ولماذا أنا في الحياة الدنيا ؟ لئلا تنطبق الآية الكريمة:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾
من أجل ألا تندم عند الموت، من أجل ألا تقول:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)﴾
( سورة الفجر )
من أجل ألا تقول:
﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً (29)﴾
( سورة الفرقان )
لكل منا غار حراء يتفكر فيه:
أيها الإخوة، غار حراء لرسول الله ولنا، لست مكلفًا الآن أن تصعد إلى قمة الجبل لا، في غرفتك الخاصة، في غرفة الضيوف، في غرفة فارغة، اجلس، وفكر بعد الصلاة من أنت ؟ لماذا أنت في الدنيا ؟ ماذا ينفعك ؟ بل لو رأيت نفسك شردت هنا وهناك في عندك قوة ردع، فكر بالموت، أنت تملك هذا البيت، حينما يأتي الأجل أين تُغسل ؟ بالحمام أم بالمطبخ ؟ أما بالصالون ؟ هذا كلام مزعج جداً، وبعدما يدفن الإنسان يباع البيت، أم يتركونه ؟ ماذا يفعلون بهذه السيارة ؟ يركبونها ؟ أم يبيعونها ؟هل يبقى الوئام لأولادك بعد موتك ؟ أم ماذا ؟ التفكر بالموت له آثار إيجابية جداً.
(( أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا كثره ))
[ رواه الترمذي، والبيهقي عن أبي سعيد، وأخرجه العسكري عن أنس ]
ثمة غني كبير بمصر وافته المنية، أولاده خافوا عليه أول ليلة في القبر، هذه أصعب ليلة، وقد ورد أن الإنسان حينما يوضع في قبره أول ليلة ينادى: أن عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، فهم خافوا على أبيهم، أول ليلة فاستأجروا إنسانًا فقيرًا لدرجة غير معقولة، أعطوه عشر جنيهات على أن ينام الليلة الأولى في القبر مع أبيهم، هذا قبل، بل فرح بهذا المبلغ الكبير، من شدة فقره لبس كيس خيش، فتحه من أعلى من أجل رأسه، وفتحه من الطرفين، من أجل يديه، وربطه بحبل من عند خصره، لا يملك من حطام الدنيا إلا هذا الكيس، صنعه ثوبًا، فتحه من النصف، وأخرج رأسه منه، بفتحتين من الطرفين ليديه، وحبل عند خصره، فجاء منكر ونكير، فوجدا اثنين، هذا أمرٌ جديد علينا ؟! هذا خاف، فقام وتحرك، قال له: هذا ليس ميت، تعال نبدأ به، أجلسوه، هذا الحبل من أين أتيت به ؟ من البستان، كيف دخلت للبستان ؟ ارتبك، الآن كيف دخل، كيف أخذ الحبل، بعدها الكيس، عذبوه، كيف دخل للبستان، وما عرف كيف يجيب، كيف أخذ الحبل، استأذن، ما استأذن، اشتراها، بعدها الكيس، من أين أتى به ؟ ومن قصه له ؟ هذا صباحاً خرج من القبر، قال لهم: الله يعين أباكم.
فلذلك أيها الإخوة، لما تفكر تفكيرًا صحيحًا، من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ من خلقني ؟ لماذا خلقني ؟ ماذا يريد مني ؟ هل عملي صحيح ؟ تجارتي صحيحة ؟ كسب مالي صحيح ؟ إنفاقي صحيح ؟ هذا التفكر في خلق السماوات والأرض هو مضمون غار حراء ولابد لكل مؤمن من غار حراء يتفكر في خلق السماوات.
لذلك بعض العلماء قال: ماذا يفعل أعدائي بي، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة.
أحيانا يعيش الإنسان خارج بلده في غرفة، الظاهر شيء موحش، أما الحقيقة إذا فكر في ملكوت السماوات والأرض كانت هذه الغرفة المتواضعة سبب في سعادته في الدنيا والآخرة، فكر.
إخواننا الكرام، الإنسان من دون تفكير يهبط عن مستوى إنسانيته، لماذا أنا في الدنيا ؟ لذلك:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
( سورة المدثر )
إذا فكر الإنسان من دون وحي قد يهديه تفكيره دون أن يهتدي بوحي السماء إلى الضلال، فا كل تفكير صائب.
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
( سورة المدثر )
التفكير إلى أن تهتدي بنور الله .
لا بد لكل مسلم من خلوة:
أنا أتمنى عليكم من هذا الدرس البليغ أن تكون لك خلوة مع الله، تقرأ قرآن، تتفكر بملكوت السماوات والأرض، تناجي ربك ، تدعو ربك، تذكر الله، تستغفره، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، إما أن تذكر، وإما أن تقرأ القرآن، وإما أن تناجي الواحد الديان، وإما أن تدعو، وإما أن تصلي، هذه الجلسة تماماً كشحن الهاتف المحمول، إذا لم تشحنه ينتهي، ونحن بحاجة ماسة إلى شحن يومي، الشحن اليومي الصلوات الخمس، والشحن الأسبوعي بالصلاة الجمعة، والشحن الشهري بالثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، ثلاثة أيام، نصوم، والشحن السنوي برمضان، وشحن العمر مرة واحدة بالحج، عندك شحن في العمر مرة واحدة، وعندك شحن سنوي، وشحن شهري، وشحن أسبوعي، وشحن يومي، والله يكفر الخطايا من صلاة إلى صلاة، ومن جمعة إلى جمعة، ومن رمضان إلى رمضان، والحج.
((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
الذي أتمناه من هذا الدرس كيف أن النبي كان قدوة لنا في غار حراء، تفكر في ملكوت السماوات والأرض، تعرف إلى الله، ناجى ربه، أقبل عليه، استغفره، دعاه لا بد لكل واحد منا من جلسة مع الله عزوجل.
(( أوحى الله تعالى إلى موسى، أتحب أن أسكن معك بيتك فخر لله ساجدا ثم قال: فكيف يا رب تسكن معي في بيتي، فقال: يا موسى أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني ))
[ رواه البيهقي عن أبي هريرة ]
لو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــــــا وليت عنا لغيرنا
ولــــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولـــــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحينا
ولـــــو نسمت من قربنا لك نسمة لـــمت غريباً واشتياقاً لقربنا
ولــــــو لاح من أنوارنا لك لائح تــركت جميع الكائنات لأجلنا
فـــــــــما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قـلنا له قد جهلتنا

إخواننا الكرام، الواحد منا ذاق الطعام والشراب، وتزوج، وذاق طعم الزواج، وركب مركبة، وسكن بيتًا، وأنجب أولادًا، الدنيا لها سقف، لو معك مئة مليار هل تأكل خمسة كيلو لحم ؟ لا تستطيع، أوقية، حجمه 200 غ لحم، وبذلة واحدة، وتخت واحد ، الدنيا لها سقف، مهما كنت غنياً، لذلك فرق العلماء بين الكسب والرزق، الرزق ما انتفعت به فقط، الطعام الذي أكلته هو رزقك، والثياب التي ارتديتها هي رزقك، والبيت الذي تسكنه رزقك، والفراش الذي تنام عليه رزقك، وهذه التي أكرمك الله بها رزقك، وما سوى ذلك تحاسب من أين اكتسبته ؟ وفيما أنفقته ؟ لذلك:
((لا تَزُولُ قَدَمَ ابنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبّه حَتّى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ: عن عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وعن شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِم ))
[ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عن أبي برزة ]
عن ماله سؤالان: ((مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ))
نفكر، والشباب الصغار يحتاجون أكثر من غيرهم إلى التفكير، لأنه أمامهم خيارات واسعة جداً، أردت أن تكون طبيباً من أجل ماذا ـ دقق الآن ـ طبيب غني، عنده سيارة بي أم، سأصبح طبيبًا، الطبيب له مكانه بالمجتمع، دكتور، الطبيب ينتقي أجمل زوجة، مثلاً، إن كان التفكير هكذا فلا قيمة لهذا الاختصاص إطلاقاً، أما فكرت ـ أنا أكلم الشباب ـ الطبيب يستطيع أن يعالج المؤمنين، ويطمأنهم، وأن يدخل على قلبهم السرور.
والله مرة التقيت بطبيب ذكرني بحديث، والله اقشعر بدني، يقول هذا الطبيب:
((مَن نَفَّسَ عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس اللَّهُ عنه كربةً من كرب يوم القيامة ))
[ رواه البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ رضي اللّه عنه ]
قال لي: أسأل الله أن أكون محسوباً على هذا الحديث، بين أن تجد طبيبًا دخله كبير، وبيته جميل، وزوجته جميلة، مركبته فارهة، ومحترم، وبين أن تمتهن الطب لتخدم المؤمنين، تتعلم لغة إنكليزية، بين أن تصبح مترجمًا فوريًا بالمؤتمرات، تعويضات مذهلة، وبين أن تترجم كتبًا إسلامية للعالم الغربي الذي يرانا إرهابيين، يختلف الوضع.
يا معشر الشباب اسمعوا وعوا:
فأنتم أيها الشباب، إذا كان لكم غار حراء فاختاروا حرفة تبتغون بها وجه الله، الفرق كبير جداً، تختار حرفة تبتغي بها وجه الله، أردت أن تكون تاجراً، فقد كان التجار من السلف الصالح إذا فتحوا محلاتهم التجارية يقولون: يا رب، نويت خدمة المسلمين، أصبحت تجارته عبادة، إذا قال الطبيب: يا رب نويت خدمة المؤمنين، إذا قال المهندس: يا رب، ألهمني أن ابني بناء لهؤلاء الشباب كي تؤويهم، إذا قال المعلم: يا رب، ألهمني أن آخذ بيد طلابي إليك، أن أعرفهم بك يا رب، لما تدخل غار حراء تخطط لحرفة ترضي الله.
أنا أخاطب الشباب أمامكم خيارات واسعة جداً، بين أن تختار حرفة من أجل الدنيا، وبين أن تختار حرفة من أجل الآخرة، والضابط لذلك:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
( سورة القصص الآية: 77 )
قد تشتهي أن تكون غنياً، لكن هذا الغنى يمكن أن ترقى به إلى أعلى درجات الآخرة، تنشئ مياتم، مستوصفات، معاهد شرعية، تزوج الشباب، تبني أبنية، الأغنياء أمامهم خيارات لا يعلمها إلا الله.
أنا أقول لكم: فكر ليكون لك غار حراء في بيتك، من أجل أن تخطط لمستقبلك ولآخرتك إن لم تخطط يخطط لك، إن لم تخطط تكن رقماً لا معنى له في خطة عدوك، لذلك غار حراء يعني التفكر، لأن الدنيا تأخذنا جميعاً أحياناً، من موعد لموعد، للقاء، لمشروع، لاجتماع، لسهرة، لندوة، وإلى متى أنت باللذات مشغول ؟ غار حراء يجب أن تتأمل، أن تفكر، أن تناجي نفسك، أن تقيم حوارًا داخليًا، هذا غار حراء، فالنبي قدوتنا في غار حراء، ويجب أن يكون لكل واحد منا غار حراء يناجي فيه ربه، يسأله حاجاته كلها، يستغفره، يذكره، يتلو كتابه، يستسمح منه أحياناً، يناجيه، يدعوه، هذا غار حراء من أجل أن تصح حركتك في الحياة مخططًا لها.
حكمة الله في اختيار نبيه لغار حراء:
وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفاً لتدبير الله له وليكون انقطاعه عن شواغر الأرض وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة نقطة تتحول فيها طاقاته لاستقباله ما ينتظره من هذه البعثة العظيمة، فغار حراء نحن بحاجة إليه، ولكن مجزأ، وفي البيت، لابد من خلوة مع الله.
(( ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ))
[ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر ]
(( آية بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما ))
[ أخرجه سعيد ابن منصور عن سعيد بن المسيب مرسلا ]






والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 04:04 PM   #40


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الاربعون )

الموضوع : إعادة بناء الكعبة - بعض أخلاق وشمائل النبي





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة عن بناء الكعبة:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وألفنا في الدروس السابقة أن نعود إلى المرحلة المكية، ونأخذ من سيرة النبي ما نحن في أمسّ الحاجة إليه في علاقتنا، وفي طموحاتنا، وفي فهما لهذا الدين.
واليوم الحديث عن بناء الكعبة، لأنه في النهاية هناك ملمح خطير نحن في أمسّ الحاجة إليه، فالخمس وثلاثون سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة، والله عزوجل يقول:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة آل عمران ).
الكعبة هي الوسط الهندسي للقارات الخمس:
سيدنا إبراهيم جدد بناء الكعبة، لكن الكعبة أول بيت لله في الأرض، بل إن علماء الجغرافيا يؤكدون أن الكعبة هي الوسط الهندسي للقارات الخمس، كيف ذلك ؟
لو أخذنا العالم القديم، آسيا، وأوربا، وإفريقيا، واستراليا، هذا العالم القديم، ووصلنا بخطوط بين كل النهايات لهذا العالم القديم، إن هذه الخطوط تتقاطع في مكة المكرمة، إذاً الكعبة هي الوسط الهندسي للعالم القديم يعني بين مكة، وبين أي طرف من أطراف العالم القديم، 8500 كيلومتر بالضبط، فإن أضفنا العالم الجديد أمريكا تكون مكة المكرمة أيضاً وسطاً هندسياً للعالم الجديد، فبين مكة وأطراف العالم الجديد 13 ألف كيلومتر.
إذاً: ولا يقابل الكعبة مكان يابس في الطرف الآخر، بل يقابل الكعبة المحيط الهادي، في أماكن في اليابسة مكان يقابله مكان في الطرف الآخر، إلا أن الكعبة لا تقابلها يابسة في الطرف الآخر، فالكعبة هي الوسط الهندسي للعالم القديم والعالم الحديث، هذا من حيث الجغرافيا.
ومن حيث القرآن الكريم:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾
الآن السؤال: ما معنى أنّ الله في كل مكان ؟ ألم يقل الله عزوجل: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية: 4 ).
ما معنى أن يتخذ بيتاً في مكان ما ؟ الجواب: أنه تمشياً مع الجانب المادي للإنسان اتخذ الله له بيتاً في الأرض، أنت في دمشق، الله عزوجل قال: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾
( سورة آل عمران الآية: 97 ).
أنت في الصلاة تصلي في بيتك، وفي مسجدك، وأنت مقيم بين أهلك وأولادك وفي مكتبك وعملك، والصيام كذلك، والزكاة كذلك، والنطق بالشهادة كذلك، لكن أداء فريضة بالحج لا بد من أن تغادر بلدك، وأن تترك وطنك، وأن تغادر بيتك، ومكتبك وزوجتك، وأولادك، هذه العبادة تحتاج إلى تفرغ تام، وكل إنسان حينما يسافر، ويتجشم مشاق السفر، ويدفع النفاق الكبيرة، ويحرم من بيته، من فراشه الوثير، من أهله، ممن حوله، من أولاده، ليكون مسافراً إلى مكان بعيد، بهذه الطريقة يشعر الإنسان أنه تجشم مشاق السفر من أجل تلبية دعوة الله عزوجل.
لذلك يقول الحاج: لبيك الله لبيك، كأنه يجيب الذات الإلهية أن يا عبدي، تعال إلي، تعال وزرني في بيتي، تعال، وذق طعم القرب مني، تعال، وأعلن توبتك عندي، تعال، واستغفرني، تعال، وأقبل علي، اخلع عنك كل الأقنعة المزيفة، ارجع إنساناً واحداً، لا تستطيع بثياب الحج أن تفخر بثيابك، ولا برتبك، ولا بتجارتك، ولا بمنصبك، حاج، إزار، ورداء، ولا شيء غيرهما، لذلك اتخذ الله له بيتاً، وجعل علامة الصدق في طلبه زيارة هذا البيت، وجعل هذه الزيارة تعبيراً حقيقياً عن شوق العبد إلى ربه، لذلك مستحيل وألف ألف مستحيل أن تزوره في بيته الحرام ولا يكرمك، ومن وقف في عرفات فلم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، أتيته تائباً، أتيته طائعاً، من دون أن تعود بشيء ؟ تعود بالمغفرة، وتعود بالسكينة، وتعود بالحكمة، وتعود بالتأييد، وتعود بالتوفيق، وتعود بالنصر، هذه حكمة أن الله اتخذ بيتاً له، هو الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام.
الشروع في بناء الكعبة وجمع الأموال الطيبة لذلك:
فقريش لخمسٍ وثلاثين سنة من مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم قامت ببناء الكعبة، وذلك لأن الكعبة كانت ردماً فرق القامة، ارتفاعها ضئيل جداً، ارتفاعها تسعة أذرع، من عهد إسماعيل عليه السلام، ولم لكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها، كان فيها كنز سرقه اللصوص، وكانت مع ذلك تعرضت باعتبارها أثراً قديماً للعوادي التي هدت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف سيل مكة بعض أحجارها، وتصدعت جدرانها، فأوشكت الكعبة على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصاً على مكانتها، واتفقوا ألا يدخلوا في بنائها إلا طيباً.
هؤلاء الأناس الصادقون، الأطهار هم يسهمون في بناء الكعبة، لذلك بعض العلماء الأجلاء وقد توفاهم الله عزوجل كان في مكة المكرمة، وفي أثناء التوسعة ساهم، وهو في السبعين من عمره بحمل التراب، والخشب، والحجارة، وساهم في بناء بيت الله الحرام، هذا شرف أيها الإخوة، خدمة بيت الله شرف.
مرة التقيت بخادم جامع في أحد جوامع دمشق، لكن هذا الجامع شهد الله، فيه نظافة تفوق حد الخيال، وكأنه بيت سيدته عندها وسواس نظافة، النظافة غير معقولة ، السجاد دائماً ينظف بالمواد، يلمع، المرافق العامة كأنها من يوم بُنيت ز
مرة التقيت به وقد توفاه الله عزوجل قال لي: نحن عملنا بالقرآن، قلت له: أين في القرآن ؟ قال لي:

﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 125 ).
سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، أمره الله أن يطهر بيت الله الحرام، أرأيت إلى هذه الآية ؟ هذه غطت خُدام المساجد، لذلك خدمة المساجد عمل عظيم، وقربة إلى الرب الكريم.
فوائد جليلة من مشروع بناء الكعبة:
1 - الفطر السليمة تعرف الأعمال الصالحة:
واتفقوا أيضاً ألا تكون النفقة على بنائها إلا من مال حلال، هذا قبل بعثة النبي معنى ذلك أن منهج الله مركوز في فطر الإنسان، بل لكلمة المعروف والمنكر ملمح دقيق جداً، سمى الله العمل الصالح معروفاً، كيف ؟ كلمة تبدو بلا معنى، معروف، من يعرفه ؟ ما هو حتى يكون معروفا ؟ لأن الفطر السليمة تعرف الأعمال الصالحة بفطرتها، بجبلتها ، بأصل خلقها، والفطر السليمة بجبلتها، وبأصل خلقها، تعرف المنكر، فالفطر السليمة تعرف المعروف وتنكر المنكر، لذلك الآن في بعض البلاد عندهم في القضاء نظام المحلفين، المحلفون أناس من قارعة الطريق، يؤخذون إلى المحكمة، وتعرض عليهم جريمة، هم على فطرهم، وعلى بديهتهم، ومن دون ضغوط، ومن دون طمع، ينطقون بالحق، هذه الفطرة السليمة.
ومرة في الساحل السوري، جاءت رياح عاتية فاقتلعت 150 بيتاً زراعياً، مرة كنت هناك، الذي لفت نظري، وأثار إعجابي أن معظم الناس على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم، أجمعوا على أن صاحب للبيت سيئ فدُمر بيته، بفطرهم، ولو أصغى الإنسان إلى صوت فطرته لعرف الحق.
فأردوا أن يقوم أناس أطهار ببنائها، وأن تكون النفقة من مال حلال، وأنت بفطرتك تعرف المال الحلال من المال الحرام، وتعرف الكسب المشروع من الكسب غير المشروع، وتعرف ما إذا كنت مستقيماً أو منحرفاً، صادقاً أو كاذباً، لأن الله عزوجل يقول:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
( سورة القيامة ).
فاتفقوا ألا تكون النفقة على بنائها فيها مهر بغي، أيْ امرأة بغي، مالها حرام ، ولا بيع رباً، ولا مظلمة لأحد من الناس، فاتفقوا على أن تكون النفقة على بناء الكعبة بعيدة عن كل شبهة، ليس فيها مهر بغي، ولا بيع رباً، ولا مظلمة أحد من الناس.
2 – تعظيم شعائر الله ومشاعره:
لقد كانوا يهابون هدمها، للكعبة قدسية كبيرة، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي، فأخذ المعول، وقال: اللهم لا نريد إلا الخير، ثم هدم ناحية الركنين.
بالمناسبة:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
( سورة الحج ).
بقدر تقواك تعظم شعائر الله، تعظم القرآن، تعظم المساجد، تعظم أهل العلم، فهدم الركنين الوليد بن المغيرة المخزومي، ولم يصبه شيء، هو أراد الخير، أراد بناءها ، لكنه مركوز في أعماق النفوس أن الذي يهدمها يقصمه الله عزوجل لذلك:
(( إنما الأعمال بالنيات ))
[ متفق عليه عن عمر ]
لذلك تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني، مادام هدم ركنين ونام، واستيقظ وما مات معناها ممكن نتابع الهدم يعني جربوا به، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الأخذ بالبناء فجزؤوا الكعبة وخصصوا لكل قبيلة جزءاً منها، فجمعت كل قبيلة حجارة على حدا، وأخذوا يبنونها، وتولى البناء بناء رومي اسمه " باقون ".
الآن يجب أن تروا من هو محمد عليه الصلاة والسلام، أتاه الله الحكمة، هناك خلاف بين علماء الدين حول عصمة الأنبياء قبل الرسالة، أو بعدها، والأرجح أنهم معصومون قبل الرسالة وبعدها.
3 – حكمة النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة:
ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضع مكانه الحجر الأسود، من ينال شرف أن يمسكه، وأن يحمله، وأن يضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمساً، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم.
سامحوني، كلما ابتعد الإنسان عن تطبيق جوهر الدين، يتعلق بالشكليات، امرأة سافرة، لكنها تحرص على صيام السابع والعشرين من رجب، سافرة سفورًا كليًّا ‍‍‍!!! إذا تفلت الإنسان من منهج الله يحرص على الشكليات، وكأنه بهذه الشكليات يجبر نقصه، أو يرمم، أو يعوض، لاحظ إنسانًا لا يكتب، وعلى صدره أربعة أقلام دون أن يشعر، والذي لا يقرأ يقتني بعض الكتب في بيته، وقد يضعها بعكس الاتجاه الصحيح نحو الأسفل، هذه حالة اسمها التعويض، الإنسان الذي ينقصه شيء هناك يعوضه بشيء آخر.
فلذلك كادت القبائل تقتتل في أرض الحرم، كادت الدماء تسيل، من ينال شرف أن يمسك بالحجر الأسود، وهو يعبدون أصناماً آلهة.
هناك تناقض أيها الإخوة كبير جداً، من جهة يحرص على شيء، ومن جهة يضيع أشياء، وفي شخصية المسلم المعاصر مثل هذه التناقض، يحرص على أن يكون صيامه صحيحاً، ويخاف أنه إذا كان بين أسنانه حبة سمسم، ويخشى أن يكون قد أفطر، وهو يفعل المنكرات ولا يعبأ، هذه الشخصية المهزوزة شخصية التناقض، شخصية تتبع الصغائر، وتتساهل بالكبائر، هذه شخصية مرفوضة، حرب ضروس، ودماء تسيل، كادت بسبب من ينال شرف حمل الحجر الأسود، ووضعه في محله.
إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد، فارتضوا، هذا أسلوب قديم، أول إنسان يدخل عليهم من باب المسجد يحكموه في هذا الموضوع، وشاء الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتها، كان محمد بن عبد الله هو أول داخل، فلما رأوه هتفوا، وقالوا: هذا الأمين، النبي عليه الصلاة والسلام ما عبد صنماً، ولا شرب خمراً، ولا أكل مالاً، ولا انتهك عرضاً، ولا سفك دماً، هذا الأمين رضيناه، هذا محمد ، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء.
الآن يقول لك: مائدة مستديرة، لو أنها مستطيلة من يجلس في هذا المكان ؟ هذا أوجه مكان، المكان هنا غير وجيه، فلئلا يكون هذا النزاع تكون المائدة مستديرة، وأنت حينما تقيم عقد قران، ويأتيك ضيوف كثر، وأنت محرج جداً من ضيف له قيمة ليس له مكان في الصف الأول، هذه تقاليد وعادات.
أما النبي الكريم كيف حل هذا الموضوع ؟
(( إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ))
[ الشمائل المحمدية]
كيف حل موضع، تفضل لا تفضل، قال: تيامنوا، يدخل على اليمين، كيف حل موضوع الضيافة ؟ ابدأ بيمين القوم، فالنبي عليه الصلاة والسلام جلس إلى يمينه غلام صغير، فلما جاءت الضيافة قال له: يا غلام، إلى جانبه الصديق، أتأذن لي أن أسقي الصديق قبلك ؟ قال: لا والله على لا آذن لك، هذا حقي، انظر إلى النظام، تشجيع الضيافة بدءاً من اليمين، مطلق اليمين، بدخول الأشخاص إلى مكان من اليمين، بخلاف حول شيء بالقرعة، شيء رائع جداً، عندك أولاد اختلفوا على من ينام على السرير الذي جانب النافذة، فيها إطلالة جميلة، اختلفوا، تقاتلوا، حل الموضوع بالقرعة، أنت بحاجة إلى أن تأخذ معك واحداً إلى هذه النزهة اختلفوا، حل الموضوع بالقرعة، كان عليه الصلاة والسلام يستخدم القرعة بين نساءه.
فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداءاً فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضي به القوم.
حينما تطبق تعليمات النبي تنتهي المنازعات إطلاقاً، إلا أن هناك ملمحًا دقيق جداً في بناء الكعبة، أن قريش قصرت بها النفقة، فالمال الذي جُمع لم يكن كافياً، قصرت بها النفقة الطيبة، ما اتفقوا أن كل إنسان ماله فيه شبهة، مهر بغي، مال فيه رباً، هذا مال ممنوع أن يسهم في بناء الكعبة، لذلك فأخرجوه من الجهة الشمالية نحو من ستة أذرع، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم، إن أكرمكم الله بعمرة أو بحج الكعبة بالجهة الشمالية فيها قوس، هي الكعبة في الأساس مستطيلة، لكن النفقة قصرت بهم فوقفوا عند هذا المكان، وهذا القوس تابع للكعبة، والذي يطوف حول البيت، ويدخل بين القوس، والكعبة طوافه باطل، لأن الطواف حول الكعبة، فهذا من الكعبة.
4 – مراعاة الرأي العلم:
لكن الملمح الدقيق الدقيق هو أن النبي عليه أتم الصلاة والتسليم، قال للسيدة عائشة: لولا أن قومك، بعد أن جاءت البعثة، وبعد أن أصبح النبي رسول الله، وبعد أن دعا إلى الله، وهو يعلم علم اليقين أن حدود الكعبة وراء الحطيم، لكن لئلا يثور عليه الناس قال لعائشة رضي الله عنها:
(( لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لأتممت بناء الكعبة ))
[ الترمذي، والنسائي]
هذا أهم ملمح أريده في هذا اللقاء، أنت حينما تراعي الرأي العام، حينما تراعي الجو العام، حينما تراعي التوجهات الجديدة، من دون أن تدفع هذا من دينك، يمكن لإنسان دعاك إلى طعام، وإنسان تعرفه، ويعرفك، من الداعي ؟ فلان، أنا فلان لا أثق بدخله، لا تثق بدخله، أنت مكلف أن تأتي إلى هذه الدعوة، هناك أشخاص يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على سبب تافه، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان بإمكانه أن يتم بناء الكعبة، ولكن خشي من أن يأتيه نقد شديد، فرجح خيراً على خير، من هنا يقول سيدنا عمر: << ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما، واختار أهونهما >>.
والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( دع خيراً عليه الشر يربو ))
[ ورد في الأثر]
أنت مأمور أن تصل رحمك، لكن لك خالة بناتها متفلتات، يستهزئون بدينك، فإذا ذهبت إليها جلسوا معك بثياب فاضحة، يتطاولون عليك، لأنك من سنّهم، فهذه الزيارة لا تريحك، إذاً:
(( دع خيراً عليه الشر يربو ))
ودرء المفاسد أهم من جلب المنافع .
(( مَنْ دُعِيَ فلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ ))
[ رواه أبو داود عن أبان بن طارق ].
أما دعوة إلى فلان لا ترضي الله، أنا لا أذهب، عدم ذهابي شر، وذهابي أشر ، أنا أتلافى أسوأ الشريين بأقلّ الشرين، هذا واضح، هذا من فقه الإنسان.
قال لها:
(( يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لأتممت بناء الكعبة ))
وصارت الكعبة بعد انتهاء بنائها ذات شكل مربع تقريباً، يبلغ ارتفاعه 15 م، وطول ضلعه الذي فيه حجر الأسود والمقابل له عشرة أمتار، والحجر موضوع على ارتفاع متر ونصف من أرضية المطاف، والضلع الذي فيه الباب، والمقابل له 12 م، وبابها على ارتفاع مترين من الأرض، ويحيط بها من الخارج قصبة من البناء، وهذه تسمى بالشادروان، وهي من أصل البيت، لكن قريشاً تركتها.
5 – الحق قديم:
إذاً: نستفيد أن الحق قديم، وأن الباطل والحق، والخير والشر، والحرام والحلال مزروع في أصل خلق الإنسان، وأن الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، وأن النبي عليه أتم الصلاة والسلام كان حكيماً في أنه راع الظروف العامة، وكان منطقياً في أنه ما أراد أن تثور حول دعوته ثورة.
سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة:
1 – الفكر الصائب والنظر السديد:
الآن نتحدث عن سيرة النبي الإجمالية في مكة، كان عليه الصلاة والسلام قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرازاً رفيعاً من الفكر الصائب ، والنظر السديد، ونال حظاً وافراً من حسن الفطنة، وأصالة الفكرة، وسداد الوسيلة والهدف وكان يستعين بصمته الطويل.
إخواننا الكرام، بلا مبالغة، ما من شيء يؤثر في الناس كالخُلق الحسن، والكلمة الرائعة التي قالها ابن القيم رحمه الله تعالى: " الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ؟.
النبي عليه أتم الصلاة والسلام مع أن معه وحي السماء، ومع أنه أوتي المعجزات، ومع كل ميزاته، قال الله له:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 ).
فمؤمن يصلي، ويدعي أنه قوي الإيمان، ويتعامل مع الناس بغلظة ؟! أو بقسوة ؟! أو بشدة ؟! أو بعدم حكمة ؟! أو أن يؤدي العبادات وينتهك الحرمات ؟! أو أن يأخذ ما ليس له ؟! إذاً كان عليه الصلاة والسلام طرازاً رفيعاً من الفكر الصائب، والنظر السديد.
2 – أهمية الفكر الصائب والنظر السديد في حياة المسلم:
بالمناسبة: الفكر الصائب، والنظر السديد هدية الله للمؤمن، أما الذي انقطع عن الله عزوجل قال عنه تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد ).
قد يرتكب الذكي حماقة ما بعدها حماقة، فالفكر السديد، والموقف السليم والحكمة هذه هدية الله للمؤمن، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية: 269 ).
ونال حظاً وافراً من حسن الفطنة، وأصالة الفكرة، وسداد الوسيلة والهدف كيف ؟
3 – حكمة النبي عليه الصلاة والسلام:
إنسان ثارت حوله مشكلة، وهو النبي الكريم، جاءه زعيم الأنصار، وقال: يا رسول الله، إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم، من هذا الفيء الذي منعته من الأنصار فقال: يا سعد، أين أنت من قومك ؟ فقال سعد: ما أنا إلا من قومي، فقال: اجمع لي قومك ، الآن هناك مشكلة، دققوا في حكمة النبي قال:
(( يا معشر الأنصار، بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم من أجل لعاعة تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ))
الآن دققوا: النبي عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة، وقد دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، كيف عاملهم ؟ كان بإمكانه كما يفعل الأقوياء، أن ينهي وجودهم، وكان بإمكانه أن يهدر كرامتهم، وكان بإمكانه أن يهملهم، وكان بإمكانه أن يعاتبهم، قال:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصُدِّقتم به، أتيتنا مكذبا فصدقناك، وفقيراً فأغنيناك، وطريدا فآويناك ))
ذكرهم بفضلهم عليه، أحياناً تقول للطرف الآخر: أنا أخطأت، سامحني، انتهت المشكلة، وأحيانًا تدخل المحاكم 18 سنة، ولا تنام الليل كل يوم، وتدفع كل أموالك للمحاميين، لأنك أخطأت، وما اعتذرت، هناك حكمة، كلمة لطيفة تنهي مشكلة، حتى بين الزوجين، ارتكبت خطأ لا تقل أنت مخطئة، قل لها: أنا أخطأت، سامحيني، انتهت العملية كلها، فذكرهم بفضلهم عليه، هو قوي جداً، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، قال:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصُدِّقتم به، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فأغنيناك ))
ألم تكونوا أعداء فألف بين قلوبكم، ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله.
(( أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم ))
[ أخرجه مسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم ].
(( لو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ))
[ رواه قتادة عن انس بن مالك ].
فبكوا حتى سال الدمع من لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظا، إن كنت مع الله فأنت حكيم، وإن لم تكن معه ارتكبت حماقة تجرك إلى الويل والخراب.
4 – نفور النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة من المحرمات والأوثان:
إذاً: نال حظاً وافراً من حسن الفطنة، وأصالة الفكرة، وسداد الوسيلة، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل، وإدمان الفكرة، واستهناك الحق، وطالع بعقله الخصب، وفطرته الصافية صحائف الحياة، وشؤون الناس، وأحوال الجماعات، فعافى ما سواها من خرافة، ونأى عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة، من أمره وأمرهم فما وجد حسناً منهم فشاركهم فيه، وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان عليه الصلاة والسلام لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذُبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالا، بل كان من أول نشأته نافراً من هذه المعبودات الباطلة حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللاة والعزة.
قبل أن تأتيه البعثة، فطرته سليمة، فطرته تأبى أن يعبد صنماً، أو أن يُحلف بإله، أو أن يشرب خمراً، لذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ملامح رائعة، يقول:

(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ))
[ رواه البخاري عن أبي هريرة ].
فإذا أسلم أحد الجاهليين، وكان معروفاً بالشجاعة والكرم، وتلبية حاجات الناس يقول له يا فلان:
(( أسلمت على ما أسلفت من خير ))
[ متفق عليه ].
ولا شك أن الله سبحانه وتعالى أحاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى بإتباع بعض التقاليد غير المحمودة تتدخل العناية الإلهية للحيلولة بينه وبينها.
وكان عليه الصلاة والسلام يمتاز بقومه بخلال عذبة، وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأعزهم جواراً، وأعظمهم حلماً وأصدقهم حديثاً، وألينهم عريكة، وأعفهم نفساً، وأكرمهم خيراً، وأبرهم عملاً، وأوفاهم عهداً، وآمنهم أمانة، حتى سماه قومه الأمين، لما جمع فيه من أحوال الصالحة، والخصال المرضية، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق.
5 – مركوز في أعماق الإنسان أن الله لا يضيع مؤمنا:
أعود إلى الفطرة، السيدة خديجة رضي الله عنها قبل أن تأتي البعثة حينما جاءه الوحي، وجاء إلى بيتها، أو إلى بيته، وقال: زملوني زملوني، دثروني دثروني، والله يا ابن العم لا يخزيك الله أبدا، إنك تقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، قبل أن يأتي القرآن، قبل أن يتحدث النبي العدنان، مركوز في أعماق الإنسان أن الله لا يضيع مؤمنا.
لذلك أيها الإخوة، أنا أخاطب الشباب، الذين في مقتبل حياتهم، الله عزوجل يقول:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97).
وقال: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 ).
كلمة موجهة للشباب:
أنا أقول للشباب، إن كنت مستقيماً، محباً، مقبلاً، صادقاً، يجب أن توقن يقيناً قطعياً أن الله لن يضيعك، ولن يخزيك، يعني من سابع المستحيلات أن يعامل المستقيم كالمنحرف، والصادق كالكاذب:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾
﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية ).
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
( سورة السجدة ).
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
( سورة القلم ).
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
( سورة القصص ).
أيها الإخوة، المؤمن متفائل، والمؤمن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله لن يضيعه، قول السيدة خديجة مذهل: يا ابن العم، والله لن يخزيك الله أبداً، إنك تقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، فأقر عينك بهذا.
أنا أخاطب الشباب الحياة صعبة، فرص العمل قليلة، تأمين البيوت صعب، الزواج صعب، أنت عليك أن تكون مستقيماً وعلى الله الباقي، لأن الله أنشأ لك حقاً عليه، قال: حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف.
أيها الإخوة، في السيرة ملامح رائعة جداً، أن السيدة خديجة لم يأتِ الوحي بعد، لم يأتِ القرآن بعد، لم يتكلم النبي بعد، مركوز في أعماق أعماقها أن المستقيم لن يضيعه الله عزوجل.
والله مرة أخ من إخوتي الكرام استيقظ صباحاً على صوت امرأته تولول، مالك ؟ قالت: ابنتي أصيبت بالشلل، قال كلمة تأثرت لها: والله ما كان الله ليفعل بي ذلك ، له ثقة بالله، ثم ثبت أن هناك مرضاً يشبه الشلل بعد ساعات يزول، له ثقة بالله عزوجل.
أنا أتمنى عليكم أن تثقوا بالله، لا يضيعك الله، كن معه، كن لي كما أريد كن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك.
(( من جعل الهموم هما واحدا، هم آخرته، كفاه اللَّه هم دنياه ))
[عن ابن مسعود ]
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، هم في مساجدهم والله في حوائجهم.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الشجرة, النبوية, فقه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيرة الذاتية لعلماء الاسلام السعيد ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية 63 11-05-2018 02:41 PM
المسجد الأقصى في السيرة النبوية قتيبه العاشق رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 7 06-09-2016 08:12 AM
في ظلال السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 3 05-09-2016 10:10 PM
من خصائص السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 5 07-14-2014 05:10 AM
السيرة النبوية ربانية ووسطية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 4 02-07-2014 10:34 PM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 08:55 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.