قصــة لا مكان كالوطن ...

قصــة لا مكان كالوطن


أخيرا وبعدما أصبح عجوزا ولم يعد قادرا على الرحيل رجع الصياد العجوز ليعيش في كوخ يحف النخيل على شاطئ البحر، كان قد هاجر منه قبل عشرين عاما تقريبا على ظهر قارب بناه من خشب البلوط . لقد كان القارب كبيرا وقويا عند بنائه لكنه وبعدما رجع الصياد على متنه أصبح قديما وذو شراع مرقع بالكاد يستطيع أن يصمد أمام هبات الريح فقد أبحر الصياد العجوز به إلى بلاد كثيرة وبعيدة . والآن وبعد عودته اعتاد الصياد العجوز أن يستيقظ في الكوخ كل يوم مبكرا يجهز الشباك ليصيد السمك يعاونه صبي كان يعمل معه ثم يذهبا في البحر يصطادا. و عندما يحين وقت الغذاء كان الصياد العجوز يرجع من الصيد ويربط قاربه بحبل قوي في صخرة كبيرة على شاطئ البحر كانت تغطيها الطحالب وبعض القواقع.

كما اعتاد الصياد العجوز عند عودته من الصيد أن يأخذ من القارب بعض الأسماك التي اصطادها ليجهزها للشواء على الحطب بينما كان يضع البعض الآخر منها في كيس ثم يحملها الصبي على ظهره ويذهب بها إلى السوق ليبيعها ويشتري بثمنها الخبز * و كان الصياد العجوز لا ينسى أبدا أن يقدم للكلب الأبيض سمكة كبيرة مكافأة على حراسته فقد كان الكلب الأبيض دائما يحوم حول الكوخ يحرسه وإذا ما رأى سيده راجعا من الصيد أخذ يهز ذيله و ينبح يصوت مرتفع ثم يركض نحو القارب كعلامة تعبر عن سعادته لقد كان الكلب قوي وذو فراء ابيض إلا أن قوائمه كانت فيها بعض السواد .
وحينما كان يرجع الصبي من السوق كان غالبا ما يشم رائحة الشواء والسمك الطازج تفوح في المكان . كان الصياد العجوز يحب أن يتغذى على السمك المشوي وكان في العادة بعد تناول الغذاء يذهب إلى مقهى قديم كان قريبا من الشاطئ يجلس فيه على مقعد خشبي يحتسي فنجانا من القهوة مستمتعا بمشاهدة الطيور التي تهبط من السماء و تغوص على سطح البحر لتلتقط بمناقيرها بعض الأسماك لتأكلها بينما كان يقف العديد من الغربان على أسطح القوارب المتآكلة على الشاطئ وكأنها تراقب أمواج البحر.
وكثيرا ما كان الصياد العجوز يحدث الصبي عن سفره الطويل وعن مغامراته ورحلاته فكان كثيرا ما يحدث الصبي عن ذاك اليوم الكئيب عندما حاصر قاربه عدد من القراصنة واخذوا جميع ما لديه ورفاقه من مال فما زال يتذكر ملامح زعيم القراصنة عندما صعد على سطح القارب لقد كان حليق الرأس ضخم الجثة يضع قراط في أذنه اليسرى ويحمل في رقبته منظار نحاسي وأخذ يصرخ بصوت حاد ومرتفع ضعوا أيديكم في جيباكم وأخرجوا ما فيها من مال وبينما هو يتحدث كان ثلاثة آخرين من القراصنة يقفون بجانبه كان اثنين منهم يحملون بندقية بينما القرصان الثالث كان بدينا و مقنعا بقناع اسود ويحمل سكين كبيرة بيده كان كل شيء يوحي بان قلوبهم قاسية ولا يوجد فيها أي مثقال من الرحمة فأعطاهم الجميع المال خوفا من أن يقتلوهم ويلقوا بهم بالبحر لتأكلهم الأسماك إن هذه الذكرى الأليمة لم ينساها الصياد العجوز طوال هذه السنون أبدا.
وفي احد الأيام مرض الصياد العجوز مرضا شديدا وأصبح طريح الفراش وعندما أدرك الصبي أن سيده سيفارق الحياة أصبح حزينا وفجأة وبينما كان الصبي بجوار سيده سأله يا سيدي لماذا رجعت إلى موطنك القديم و إلى هذا المكان بعد رحيلك الطويل فأجاب الصياد العجوز وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بابني أينما ذهبت كنت احن إلى المكان الذي ولدت فيه يا بني لا مكان كالوطن .
خرج الصبي من الكوخ يبكي سيده وسار باتجاه البحر وأخذت قدماه تغوصان بالرمال ثم وقف أمام القارب فجأة واخرج من جيبه إزميلا كان يستخدمه بالحفر على الخشب وبدا يحفر على القارب بخط جميل كلمة سيده الأخيرة والتي ما زال صداها يتردد في أذنيه والتي نظر إليها الصبي بأنها كلمة خالدة و هي لا مكان كالوطن بقي القارب على الشاطئ في مكانه لسنوات طويلة و كلما سار احد الأشخاص على الشاطئ وقرأ هذه الكلمة المحفورة على القارب ذو الشراع المرقع اهتزت مشاعره

قصة رائعة اخي محمد العتابي
لروحك السعادة

مشكورة اخت منال على الحضور الطيب في متصفحي
تحياتي

بارك الله فيك على الطرح الرائع

سلمت اناملك ع الطرح
راقنى طرحك
ودى لك

شكراً لك اخ قتيبة على حضورك الطيب
تحياتي

مشكورة حكاية روح على الحضور الجميل
تحياتي