حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة

رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة (السيرة النبوية الكاملة ، سيرة سيدنا محمد عليه آفضل الصلاة والسلام)

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 06-24-2018, 06:06 AM   #1


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي هدى النبى صلى الله علية وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الاول )


الموضوع : هدية فى طعامة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه :
أيها الأخوة الكرام، نحن في دورة جديدة؛ بعد رمضان هناك دورة جديدة في الدروس، اخترت لكم كتاب: "زاد المعاد في هدي خير العباد"، لابن قيم الجوزي؛ هذا الكتاب فيه هدي النبي في كل أحواله، ومن أندر الكتب، كتاب سيرة مع فقه بآن واحد، فاليوم: "هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه".
كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام أنه لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مقصوداً.
بعض الأدباء قال: لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، فكان خارجاً عن سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد- لا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، هنا لا يرد موجوداً ولا يتكلف مقصوداً- فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله؛ كان لا يذم الطعام ولا يمدحه؛ ما عاب طعاماً قط؛ هناك إنسان يدعى إلى طعام، يعطي عشر ملاحظات، هذه مالحة زيادة، هذه ما أحسنت انتقاء هذا الطعام
فكان عليه الصلاة والسلام، لا يذم طعاماً قط، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم؛ لا يحرم؛ التحريم قضية كبيرة؛ هناك أشخاص مباشرة يحللون ويحرمون؛ التحليل والتحريم للذي فيه نص، إن لم يكن هناك نص فالأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في العبادات الحظر؛ فلا تشرع عبادة إلا بنص، ولا يحرم شيء إلا بنص؛ مادام لم يكن هناك تحريم فالأصل في الأشياء الإباحة، قال: إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه كما ترك أكل الضب لمّا لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة، بل أكل على مائدته وهو ينظر.
مرة سيدنا خالد أكل الضب أمامه، فكان تعليق النبي تعليقاً غريباً، لا علاقة له بالواقعة؛ قال: خالد سيف من سيوف الله.
سيدنا خالد مكي، أي من أبناء مكة المكرمة، وهذه تعد من أرقى المدن في الجزيرة، أي أذواقه رفيعة، فلما أكل الضب أمام النبي أدرك النبي عليه الصلاة والسلام أن سيدنا خالداً يعد نفسه للجهاد، فهذا الضب يولد بالصحراء، فيأكله ويُعلّم الناس أن يأكلوه - الذين يقاتلون معه - فعرف النبي عليه الصلاة والسلام أن أكل الضب من قِبل خالد دليل أن يوطن نفسه على الجهاد لأمد طويل.
النبي عليه الصلاة و السلام كان لا يرد طيباً و لا يتكلفه :
أكل الحلوى و العسل - وكان يحبهما- وأكل لحم الجزور – الجمل-، والضأن، والدجاج، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وأكل طعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصاً ومشوباً؛ أي عيراناً مع الماء، خالصاً ومشوباً، وشرب العسل بالماء - كان يحب شربة العسل، والعسل إذا مدد بالماء كان أنفع-، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة- وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق- وأكل القثاء بالرطب، وأكل الإقط - لبن مجفف- وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد- وهو الخبز باللحم- وأكل الخبز بالإهالة- وهي الودك، وهو الشحم المذاب- وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد- لحم مجفف- وأكل الدباء المطبوخ- اليقطين- وكان يحبها، وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد - وكان يحبه - ولم يكن يرد طيباً، ولا يتكلفه؛ بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر:
((هل عندكم شيء؟ قالوا: لا، قال فإني صائم))
[مسلم عن عائشة]
النبي الكريم كان لا يتكلف مقصوداً ولا يكثر من الموجود و يسمي الله و يحمده :
لا يتكلف مقصوداً، ولا يكثر من الموجود، ويرى الهلال والهلال والهلال، ولا يوقد في بيته نار- من يتحمل من دون طبخ جمعة، حواضر، أشياء بسيطة-، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته - يأكل على الأرض - وكان يأكل بأصابعه الثلاثة، ويلعقها إذا فرغ، كان يغسل يديه قبل الطعام، حتى إذا لعق يديه كانتا طاهرتين، ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة، أي ألطف أن تأكل بثلاثة أصابع؛ أما بالخمسة فهذا دليل جشع؛ بأصبع واحدة دليل الكبر؛ وبالثلاثة سنة، وبالخمسة جشع؛ قال: فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع والحريص يأكل بالخمسة، ويدفع بالراحة، وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل متكئاً؛ والاتكاء على ثلاثة أنواع؛ أحدها الاتكاء على الجنب، الثاني التربع، والثالث الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، وكان عليه الصلاة والسلام يسمي الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره؛ فيقول عند انقضائه:
((الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا))
[البخاري عن أبي أمامة]
وربما قال: ((الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا فسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين))
[النسائي عن أبي هريرة]
أكمل شيء في الطعام أن يذوق الإنسان لذته وينتفع بقوته ويذهب عنه أذاه :

حتى رأيت في بلاد بعيدة جداَ أن دعاء الطعام وارد عند كل الشعوب، وهي من بقايا الأديان حتى غير المسلمين لهم دعاء قبل الطعام، ودعاء بعد الطعام، وهذا الدعاء مستقى من أصول الديانات؛ الطعام من خلق الله عز وجل، والمائدة التي نأكل عليها هي مائدة الله عز وجل، وثمن الطعام في الحقيقة هو ثمن خدمته، أما الإنسان لو أراد أن يصنع هذه الخضروات والفواكه فلا يستطيع، أما ثمن هذه الخضروات والفواكه والقوت؛ فهو ثمن خدمة هذه المزروعات، أما الذي صممها وأنبتها وأخرجها وأعطاها الغذاء والقوة فهو الله عز وجل، هذه الحقيقة عبّر عنها النبي بدعاء كريم كان يدعوه عقب دخوله إلى الخلاء، يقول:
((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
الطعام له فضلات؛ تذهب عن الإنسان، وله قوة – الحريرات-، وله طعم؛ فأكمل شيء في الطعام أن تذوق لذته، وأن تنتفع بقوته، وأن يذهب عنك أذاه:
((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه))
[الجامع الصغير عن ابن عمر]
نهي الإنسان عن الشرب و هو قائم وجوازه لعذر يمنع من القعود :

وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، وكان أكثر شربه قاعداً؛ بل زجر عن الشرب قائماً؛ وقد يكشف الأطباء - والله أعلم - أن شرب الماء قاعداً أفضل لصحة الجسم، وكان أكثر شربه قاعداً، بل زجر عن الشرب قائماً؛ وشرب مرة قائماً؛ فقيل هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والأصح من هذا أنه شرب قائماً ماء زمزم في الحج، لشدة الازدحام، لو أمر أن يشرب المرء قاعداً لهلك الناس؛ فهناك حالة استثنائية لسبب واضح؛ هو أنه في الازدحام شرب قائماً لئلا يهلك الناس حينما يجلسون، لأنهم قد يتأذون في الازدحام الشديد.
إذاً والذي يظهر فيما أعلم - يقول مؤلف الكتاب - أنها واقعةُ عينٍ شربَ الماء فيها بعذر واقفاً، وسياق القصة يدل على ذلك؛ فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو وشرب قائماً، والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائماً، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع الأحاديث في هذا الباب - والله أعلم -.
وكان إذا شرب ناول من على يمينه، وإن كان من على يساره أكبر منه، قاعدة: إذا شرب ناول من على يمينه، لذلك استنبط العلماء أن التيامن في تقديم الضيافة يحل كل المشكلات؛ الإنسان يريد أن يقدر، من الكبير؟ من الأوجه؟ من الأعلم؟ ..قضية تقييم الأشخاص قضية تثير حساسيات كبيرة جداً، لذلك الدخول من على اليمين، وتقديم الطعام من على اليمين، وانتهى الأمر، ما من مشكلة أبداً؛ حتى أنه في مرة عن يمينه غلام، وكان عن يساره سيدنا الصديق، فقال يا غلام أتأذن لي؟ قال والله لا أدع حقي في الشرب بعدك؛ فناوله الإناء، وشرب من على يمينه.
قاعدة: ابدأ باليمين - مطلق اليمين - وتابع الأمر.
النبي وحده معصوم ومشرع و كل أفعاله وأقواله وإقراره سنة :
أيها الأخوة الكرام، النبي وحده معصوم ومشرع؛ فكل أفعاله، وكل أقواله، وكل إقراره سنة؛ والله عز وجل يقول:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
[سورة الحشر:7]
نحن بحياتنا إنسان واحد معصوم لا يخطئ؛ هو النبي، فإذا درسنا سيرته- طبعاً هذا الكتاب له نكهة خاصة، سيرة وفقه بآن واحد - ندرس ماذا فعل وأفعاله تشريع، ونختار منه طبعاً لأن الكتاب عبارة عن ستة أجزاء، نحن نختار من هذا الكتاب أشياء ممكن أن تكون محوراً لدرس في الفجر؛ فهذا نوع من أنواع سيرته صلى الله عليه وسلم؛ هديه في طعامه وشرابه.

أنا سمعت أن هناك عصباً بين المعدة والقلب، اسمه العصب الحائر، أو اسمه العصب المبهم، وهناك تقريباً بتاريخ الطب، أو ببعض الدراسات الطبية، حالات كثيرة من الموت المفاجئ؛ بسبب شرب الماء دفعة واحدة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب))
[أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بالشطر الأول، ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح "إذا شربتم فاشربوا مصا"]
عندما يشرب الإنسان الماء البارد دفعة واحدة، ودرجة حرارة جسمه سبع و ثلاثون ربما تنبه هذا العصب تنبهاً قاسياً فأودى بحياة الإنسان، هذا أيضاً من توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.
و قال أيضاً: (( فأبن القدح عن فيك ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
أبعد القدح عن فمك؛ هناك حالات من العدوى تأتي عن طريق التنفس. على المسلم أن يتأدب بآداب النبي عليه الصلاة والسلام :
وكان عليه الصلاة والسلام لا يشرب من إناء فيه ثلمة، الإناء الذي فيه ثلمة فيه جراثيم، فكان لا يشرب من هذا الإناء، وكان يغطي أوعية الطعام والشراب في الليل لئلا يدخل فيها شيء، وكان يأكل بيمينه، وكان يأكل الطعام من أمامه، أما الفاكهة فيتخير منها، قال تعالى:
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾
[سورة الواقعة: 20]
لك أن تختار من الفاكهة ما يعجبك، أما الطعام فتبدأ من الذي يليك، وهذا من السنة، وهناك أشياء كثيرة في السنة لو أخذنا بها لكنا في حال أعلى من هذا الحال؛ أي المسلم يتأدب بآداب النبي عليه الصلاة والسلام، و إن شاء الله نتابع هذا الموضوع في كل أحوال النبي؛ في طعامه وشرابه، وزواجه، وتربية أولاده، في سلمه وحربه، في إقامته و سفره، وهذا ينفعنا في حياتنا إن شاء الله.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:10 AM   #2


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم





بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الثانى )



الموضوع : هدية فى نومة وفراشة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نومه :
أيها الأخوة الكرام، درسنا اليوم عن "هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه"، فكان عليه الصلاة والسلام ينام على الفراش تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رماله، وتارة على كساء أسود، قال عباد بن تميم عن عمه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى"
أي كان متواضعاً ينام على الحصير، ينام على الأرض، ينام على الفراش، ينام على السرير، ينام على كساء يثنيه ثنيتين، ومرة ثني له أربع ثنيات، فقال: شغلني عن صلاتي، أي صار مريحاً، وربنا عز وجل قال:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾
[ سورة السجدة:16]

أي الاستغراق في النوم.
أساساً الآن هناك بحث علمي هو أن الإنسان إذا نام طويلاً، وامتد نومه إلى ساعات طويلة؛ الدم يمشي بطيئاً في الأوعية؛ القلب يرتاح فينبض خمسين نبضة وهو نائم، أو ستين، إذاً الدم حركته بطيئة، و كل ما في الدم من رواسب يترسب على جدران الأوعية، فقال كاتب هذا البحث العلمي - الذي لا يعرف الإسلام إطلاقاًً، و هذا البحث بحث مترجم - الإنسان ليتقي ضيق الأوعية وتجلط الدم لابد من أن يستيقظ بعد أربع ساعات من نومه ليؤدي بعض الحركات الرياضية، أو ليمشي في الطريق، فأحد أسباب الوقاية من أمراض القلب والأوعية أن تنام أربع ساعات ثم تستيقظ، تجري تماريناً رياضية، أو تمشي في الطريق ربع ساعة، أي صلِّ الصبح حاضراً؛ أما النوم المديد فله مشكلة؛ يصبح الجسم مرتاحاً، والقلب يتباطأ، والدم يمشي بطيئاً، وما يوجد به من مواد عالقة تترسب على جدران الأوعية، هذا شيء معروف، فالذين يصممون الأنابيب إن لم يكن هناك ميل شديد يمشي الماء بطيئاً، والمواد العالقة بالماء تترسب على جدران هذه الأنابيب، يأتي وقت تغلق هذه الأنابيب، فلذلك كل شيء سنّه لنا النبي عليه الصلاة والسلام هو عبادة وصحة في الوقت نفسه، جاء في الحديث أن:
((سيدنا عمر دخل عليه ورآه نائماً على الحصير؛ فبكى، قال: ما يبكيك يا عمر؟ قال: رسول الله ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير؟ قال: أفي شك أنت يا عمر؟ إنما هي نبوة وليست ملكاً، وفي رواية أخرى: يا عمر أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا؟))
[صحيح عن أنس بن مالك]
تواضع النبي عليه الصلاة و السلام :
الشيء اللطيف أن الإنسان عندما يعمل ينام بكل أوضاعه؛ مرة على الفراش، ومرة على السرير، ومرة على الأرض، و هناك شخص وضعه المعاشي لا يحتمل، رفاهيته الزائدة تجعله لا يحتمل أن يغير شيئاً من أنماط حياته، أما المؤمن فيألف ويؤلف.

وكان فراشه أدماً حشوه ليف - هذا كان قديماً- أي جلد محشو بالليف، وكان له مسح ينام عليه أحياناً – أي قماش- يثنيه بثنيتين، وثني له يوماً أربع ثنيات، صار أكثر راحة، قماش أربع ثنيات؛ فنهاهم عن ذلك وقال: ردوه إلى حاله الأول فإنه منعني صلاتي الليلة.
والنبي عليه الصلاة والسلام نام على الفراش وتغطى باللحاف، وقال لنسائه:
((ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة))
[أخرجه النسائي عن أم سلمة]
أي جاءه جبريل وهو نائم على فراش ومغطى باللحاف عند عائشة، وكانت وسادته أدماً محشوة بالليف، هذه وسادته قدمها لعدي بن حاتم.
قال عدي بن حاتم: دفع إليّ النبي وسادة محشوة ليفاً وقال: اجلس عليها، - سيد الخلق له وسادة من ليف ينام عليها، ويقدمها لضيفه أحياناً- قال: بل أنت. قال: بل أنت. قال: فجلست عليها، وجلس هو على الأرض.
الموت و الحياة بيد الله وحده :
وكان إذا آوى إلى فراشه للنوم، قال:
((باسْمِك اللَّهمَّ أحيا وأمُوتُ))
[البخاري عن حذيفة بن اليمان]

أي أنا حي مادمت قد سمحت لي أن أحيا، وإذا شئت أموت.
هناك صديق توفي - رحمه الله - جالس مع بعض أخوانه في سهرة يوم سبت، و كان يملك روحاً دعابية؛ قال لهم: والله أنا لن أموت إلا بعد فترة طويلة من الزمن - طبعاً كلامه غريب - فسألوه عن السبب؟ فقال لهم: أنا صحتي جيدة، -هو فعلاً رشيق القوام- وأكله قليل، ويمشي، ولا يدخن، والذي قاله صحيح؛ فهذه كلها أسباب الموت، أي وزنه معتدل، ويمشي، وأكله معتدل، ولا يدخن، ورياضي، - أي القضية النفسية ضعيفة عنده، ليس لديه شدة نفسية -؛ هذا الكلام قاله السبت، والسبت الثاني كان تحت الأرض؛ فما هذا الكلام؟ هذا كلام فارغ ، قال له:
((باسْمِك اللَّهمَّ أحيا وأمُوتُ))
[البخاري عن حذيفة بن اليمان]
أنت حي لأن الله سمح لك أن تحيا، والإنسان عندمّا يستيقظ يقول: ((الحمد لله الذي عافاني في جسدي وَرَدَّ عَلَيَّ رَوحي ، وأذِنَ لي بذِكرِه))
[الترمذي عن أبي هريرة]
فإذا استيقظ أحدنا وجاء إلى المسجد وصلى؛ هذا ثلاث نعم؛ أول نعمة: سمح الله له بيوم جديد، ثاني نعمة: عافاه من أمراض وبيلة، الثالثة: سمح له أن يصلي ويشكر: ((باسْمِك اللَّهمَّ أحيا وأمُوتُ))
[البخاري عن حذيفة بن اليمان]
الاستعاذة بالله قبل النوم تحمي الإنسان من أخطار كثيرة :
وكان يجمع كفيه وينفث فيهما قبل أن ينام ويقرأ:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾
[سورة الإخلاص]
وكان يقرأ: قل أعوذ برب الفلق، ويقرأ: قل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده؛ يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل هذا ثلاث مرات؛ أي كأنه استعاذ بالله من الشيطان؛ بالنوم هناك كوابيس، و منامات مزعجة، وأخطار؛ أحياناً ينسى إغلاق الغاز فيحترق البيت كله، أي هناك كثير من المشاكل تنشأ في البيت وأنت نائم، فإذا الإنسان استعاذ بالله قبل أن ينام فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه ويحفظ ما حوله. على الإنسان أن ينام على شقه الأيمن مع الاتصال بالله عن طريق الدعاء :
وكان ينام على شقه الأيمن – قالوا: إن الأغنياء ينامون على شقهم الأيسر؛ لأن المعدة ممتلئة،عشاء دسم؛ فيرتاح على شقه الأيسر، والملوك ينامون على ظهورهم، والشياطين على بطونهم، والمؤمنون على شقهم الأيمن- كان ينام على شقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ويقول:
((اللَّهمَّ قِني عذابكَ يومَ تبعثُ عبادك))
[ الترمذي عن حذيفة بن اليمان]
ويقول إذا آوى إلى فراشه أيضاً: (( الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا ، وكفانا ، وآوانا))
[رواه مسلم عن أنس بن مالك]

الذي نائم في بيت؛ هذه نعمة كبيرة؛ عنده بيت؛ أجرة لابأس، ملك لابأس، عال، منخفض، كبير، صغير،بحي راق، بحي متطرف؛ داخل مأوى؛ آواه الله برحمته.
كنا بتعزية من يومين، البيت مساحته تقدر بخمسمئة متر، الذي توفي رجل صالح، مستقيم، يصلي، وقد اشترى قبراً من فترة، قبل أسبوعين تفقد القبر، نزل بالقبر، جمع العظام -عظام والده - وضعهم بكيس، ومد القبر برمل وقال: هكذا أكثر راحة لي. انتقل من بيت خمسمئة متر إلى قبر؛ هذا هو المثوى الأخير؛ بعملك الصالح تجعله جنة.
وكان يقول إذا آوى إلى فراشه:
(( الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا ، وكفانا ، وآوانا ، فكم مِمَّنْ لا كافيَ له ولا مُؤوي ))
[ رواه مسلم عن أنس بن مالك]

وكان يقول أيضاً إذا آوى إلى فراشه:

((اللَّهمَّ ربَّ السماواتِ وربَّ الأرضِ ، وربَّ العرْشِ العظيم ، وربَّ كُلِّ شيء ، فالِقَ الحَبِّ والنَّوَى ، مُنْزِلَ التَّوراةِ ، والإِنْجِيل ، والفرقان ، أَعُوذ بك من شرِّ كُلِّ ذي شر أنتَ آخِذٌ بِناصيته، أَنت الأولُ فليس قبلك شيء ، وأنت الآخِرُ فليس بَعدَك شيء ، وأنت الظَّاهِرُ فليس فوْقَك شيء ، وأنت الباطِنُ فليس دُونَك شيء اقْضِ عنا الديْنَ وأغْنِنا من الفقرِ ))
[مسلم عن أبي هريرة ]
أي نم وأنت على اتصال بالله؛ الدعاء اتصال، الدعاء أعلى درجة من الاتصال، الدعاء هو العبادة، فقبل أن ينام دعا الله عز وجل بهذا الدعاء، طبعاً أنت ادع الله عز وجل بأي دعاء، أي لا تنم على غفلة، لا تنم وأنت مهموم، والإنسان قد ينام فلا يستيقظ؛ لنا صديق آوى إلى فراشه، وزوجته إلى جانبه، أمسكت يده بالليل فوجدتها مثل الثلج؛ فقامت مذعورة؛ فإذا هو ميت، الإنسان ينام فلا يستيقظ، وكان يدعو النبي الكريم فيقول: ((اللهم إنْ أَمْسكْتَ نَفْسي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلتَها فَاحْفَظْها ))
[البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة]
هناك حالتان، إما أن تمسكها فارحمني يا رب تحت الأرض، وإن أرسلتني فاحفظني من معصيتك. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في انتباهه :
وكان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ من منامه قال:
((لا إلهَ إلا أنتَ، سبحانك، اللهم إني أستَغفِرك لِذَنبي، وأَسألك رحمتك ، اللَّهمَّ زِدني علماً ، ولا تُزغ قلبي بعد إذ هَدَيْتَني، وَهب لي من لَدنكَ رحمة، إِنَّك أنت الوَّهاب))
[ البخاري عن عائشة]
وكان إذا انتبه من نومه – الانتباه من النوم غير الاستيقاظ، أحياناً الإنسان يصحو وهو نائم- وكان إذا انتبه من نومه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النُّشور ))
[ متفق عليه عن حذيفة بن اليمان]
النوم موت مؤقت، والموت نوم مستمر: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾
[سورة الزمر:42]
فالنوم موت مصغر.
وكان إذا انتبه من نومه قال:
((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النُّشور))
[ متفق عليه عن حذيفة بن اليمان]
ثم يتسوك، وربما قرأ عشر آيات من آخر آل عمران: ِ ﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية :190و191 ]
موضوع الجنة والنار ليس داخلاً في حسابات معظم المسلمين :
وكان إذا انتبه من نومه كان يقول:
(( اللَّهمَّ لك الحمدُ، أنْتَ نور السمواتِ والأرضِ ومَن فِيهنَّ، ولك الحمدُ أنت قيم السمواتِ والأرضِ ومن فيهن، ولك الحمدُ، أنت الحقُّ، وَوَعْدُكَ الحقُّ، ولقاؤكَ حَقٌّ، والجنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، ومحمدٌ حَقٌّ، والساعةُ حَقٌّ ))
[ متفق عليه عن ابن عباس]

أشياء ثابتة؛ معنى حق أي شيء مستقر، هناك حقائق ثابتة، أنت حق، وجودك يا رب حق، وعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق.
أيها الأخوة: أشعر أن معظم المسلمين موضوع الجنة والنار ليست داخلة في حساباتهم إطلاقاً، و يتضح هذا من سلوكهم؛ يأخذ ما ليس له، يعتدي، يضم شيئاً لا يملكه، يغتصب أموال يتامى، ويصلي! معنى ذلك أن يوم القيامة، الحساب، الجنة، النار، ليست داخلة في حسابه إطلاقاً، هو يتوهمها، ولا يقيم بها، قال له:
((....والجنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، ومحمدٌ حَقٌّ، والساعةُ حَقٌّ، اللهم لك أسلمتُ، وبِك آمَنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبت، وبِك خَاصَمْتُ، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قَدَّمتُ ، وما أخَّرْتُ ، وما أَعلَنتُ ، وما أسررتُ، أنت إلهي لا إِلهَ إلا أنت ))
[ متفق عليه عن ابن عباس]
من السنة أن يأوي الإنسان إلى فراشه بعد العشاء إلا لضرورة تمنعه من ذلك :
وكان عليه الصلاة والسلام ينام أول الليل، ويقوم آخره، نحن نظام حياتنا غريب؛ هذه الكهرباء والسهر للثانية عشرة، للواحدة، للواحدة والنصف، لا نذوق طعم النوم المريح، ولا نستيقظ مرتاحين، أحياناً الإنسان يسافر، ينام العشاء، يستيقظ على قيام الليل الساعة الثالثة كالحصان تماماً، هذه السُنََة، أن تنام باكراً، والشيخ بدر الدين الحسني - رحمه الله- وهذا من أعلم علماء الشام، ما سهر بعد العشاء إلا في حل مشكلة، أو في تعليم علم، أبداً.. في حل مشكلة للمسلمين، أو تعليم علم، وإلا فالسنة أن تأوي إلى فراشك، كان ينام أول الليل ويقوم آخره، وربما سهر في مصالح المسلمين، فأنت الآن سهران، إذا كان سهرك في سبيل الدعوة إلى الله، أو في مذاكرة علم، أو في خدمة لحل مشكلة للتوفيق بين زوجين؛ فلا يوجد مانع من هذا، أما سهر بلا معنى، سهر بكلام من كلام الناس، فهذا سهر فيه معصية.

وكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه؛ أحياناً الإنسان ينام فيرى نفسه في الكعبة، أو يصلي، أو يقرأ قرآناً؛ هذه نعمة كبيرة، أي أن الإنسان بعقله الباطن مع الله، و هناك إنسان - والعياذ بالله - طبعاً ليس مؤاخذاً إذا نام يرى نفسه في معصية، لا يؤاخذ لكن هذه إشارة غير طيبة، أنه أنت استقامتك بالعقل اليقظ، أما عقلك الباطن فغير مستقيم، أما عندما تجد نفسك - وأنت بالنوم - في طاعة، وفي ذكر، وفي قرب من الله عز وجل فهذه بادرة طيبة جداً.
وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ، وكان نومه أعدل النوم؛ وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون: هو ثلث الليل والنهار ثماني ساعات، كثيراَ ما أسمع قصصاً ليس لها أصل؛ أن أبا حنيفة لم ينم الليل بحياته، هذا شيء خلاف الطبيعة البشرية، أنت إن لم تنم ليلة واحدة يختل توازنك، تشعر بنفسك و كأنك غير طبيعي؛ فالنوم أساسي، ضروري، ومن نعم الله الكبرى.
أنا أعرف شخصاً يدفع كل شيء يملكه لينام ليلة واحدة، معه مرض خطير؛ لا يستطيع أن ينام أبداً مهما بذل من جهد؛ فالنوم نعمة، والنوم المعتدل نعمة، والنوم في أول الليل، والإنسان إذا نام يقوم ليطيع الله عز وجل، أي يأخذ قسطاً من الراحة ليعاود نشاطه في الدعوة إلى الله، هذا هديه في النوم عليه الصلاة والسلام.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:19 AM   #3


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الثالث )


الموضوع : هدية فى لبسة



الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه :
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه: كان أحبّ الثياب إليه صلى الله عليه وسلم البياض قال:
((هي من خير ثيابكم فالبسوها، وكفِّنوا فيها موتاكم ))
[الترمذي عن عبد الله بن عباس]
الحقيقة؛ الثوب الأبيض له وظيفة في البلاد الحارة أنه يعكس أشعة الشمس، ويعلم النظافة العالية.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه لبس خاتماً من ذهب ثم رمى به))
[صحيح عن عائشة]
تشريعاً.
ونهى عن التختم بالذهب، ثم: ((اتخذ خاتماً من فضة ولم ينهَ عنه))
[ البخاري عن أنس بن مالك]
((وكان يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه))
[صحيح عن عبد الله بن عمر]

الخاتم له سطح، مكتوب عليه كلمات؛ يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه، وذكر الترمذي أنه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، أي مادام في ذكر لله عز وجل ينزع خاتمه قبل دخول الخلاء ، فمن يحمل مصحفاً من باب أولى ألا يدخل به الخلاء.
وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه؛ بل ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الطيلسان.
الثياب الفاخرة جداً، الغالية جداً، التي فيها ألوان صارخة، هذه الثياب ليست طبيعية؛ مثل هذه الثياب نهى عنها عليه الصلاة والسلام وقال: ((من تشبَّهَ بقوم فهو منهم))
[ أبو داود عن أنس ]
لأن الدجال كما قال عليه الصلاة والسلام: (( يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة))
[مسلم عن أنس بن مالك]
إذاًً يستنبط حكم شرعي أنه من تشبه بقوم فهو منهم.
فإذا كان هناك ثياب يختص بها الكفار - أي يلبسونها ليكونوا في درجة عالية جداً- فالمسلم منهي عن أن يقلد الكفار في ثيابهم، وكان غالب ما يلبسه وأصحابه ما نسج من قطن، وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان. الدعاء الذي كان يدعو به النبي الكريم إذا لبس ثياباً جديدة :
شيء آخر في ثياب النبي عليه الصلاة والسلام أنه يلبس ما تيسر من اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، وكان إذا استجد ثوباً - لبس ثوباً جديداً - قال:
((اللَّهمَّ لك الحمدُ ، أَنت كَسَوتَني هذا - هذا القميص ، أو الرداء، أو العمامة - أسألك خيْرَه وخيْرَ ما صُنعَ له، وأعوذ بك من شَرِّه، وشَرِّ ما صُنِع له ))
[الترمذي وأبو داود عن أبي سعيد الخدري]

هذا الدعاء كان يدعو به إذا لبس ثياباً جديدة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( صنعت للنبي صلى الله عليه و سلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: وأحسبه قال: وكان تعجبه الريح الطيبة))
[أبو داود عن عائشة]
أي يحب الثياب التي لها رائحة طيبة، والتي تمتص العرق، وهناك ثياب كان يكرهها عليه الصلاة والسلام.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: ((رأيتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ ما يكون من الحُلَل ))
[ أخرجه أبو داود عن ابن عباس]
وقد ورد عنه أنه قال: ((حسنوا لباسكم وأصلحوا رحالكم حتى تكونوا شامة بين الناس))
[ أحمد عن قيس بن بشر ]
وعن أبي رمثة قال: ((رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران ))
[الترمذي عن أبي رمثة]
والبرد الأخضر هو الذي فيه خطوط خضر، وهو كالحلة، وكانت مخدته من أدم محشوة ليفاً. التطرف الذي يكرهه الإسلام :
قال: يقول مؤلف الكتاب ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فالذين يمتنعون عما أباحه الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهداً وتعبداً، وبإزائهم طائفة ق
ابلوهم؛ فلا يلبسون إلا أشرف الثياب، ولا يأكلون إلا ألين الطعام، فلا يرون لبس الخشن ولا أكله تكبراً وتجبراً، وكلا الطائفتين هديه مخالف لهدي النبي"؛ الذي لا يلبس إلا أفخر الثياب حصراً، ولا يأكل إلا ألين الطعام، والذي يمتنع عن لبس الثياب وأكل الطعام،؛ هذا هديه مخالف لهدي النبي، وهذا هديه مخالف لهدي النبي؛ كان عليه الصلاة و السلام طبيعياً، أحياناً يرتدي ثياباً عادية، بمناسبات معينة كان له ثياب خاصة، يرتديها يوم الجمعة وفي الأعياد وحينما يلقى الوفود، فالإنسان مطلوب منه- لعقد قران، لمناسبة مهمة- أن تكون له ثياب جيدة؛ لأن الإنسان يمثل هذا الدين، فإذا كانت ثيابه مهجورة،غير مقبولة؛ أهل الدنيا يزدرونه، وإذا ازدرونه ازدروا معه دينه، فالإنسان مطالب كما ورد في السنة أن يرتدي ثياباً جميلة في مناسبات معينة، والشيء الذي لفت نظري عند بعض أهل الدنيا أنهم يرتدون الثياب في أعمالهم المريحة؛ في العمل ثياب مريحة وفي الحفلات لهم ثياب فخمة، أما أن نرتدي ثياباً فخمة طوال حياتنا- حتى في الأعمال- فهذا شيء ليس من الواقع المقبول في شيء، وكان أصحاب النبي عليهم رضوان الله يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض؛ أي الثياب الغالية جداً جداً، والثياب المهترئة البعيدة عن الذوق العام؛ هذان نوعان من الثياب كان عليه الصلاة والسلام ينهى عنهما، وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((منْ لَبِسَ ثوب شُهْرَة ألْبَسُه الله يوم القيامة ثوبَ مذلَّة، ثم تلهبُ فيه النار))
[ أبو داود عن ابن عمر]
هناك ثياب تلفت النظر جداً؛ ألوانها فاقعة، ألوانها محيرة، غالية الثمن؛ صار فيها زهو وكبر واستعلاء، وهناك ثياب مهجورة - غير مقبولة إطلاقاً - فكلا الثوبين منهي عنه؛ العلماء قالوا: لأنه قصد - هذا الذي يرتدي ثياباً غالية جداً - الاختيال والفخر؛ فعاقبه الله بنقيض ذلك،؛ فأذله، ثم عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض، هناك ثياب طويلة جداً تمشي على الأرض، وهناك تقليد؛ أحياناً أمتار وراءه ماشية؛ هذه ليست ثياباً؛ صارت ممسحة، فلذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الثياب، وعن الثياب المهجورة، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((مَنّ جرَّ ثوبه خُيلاءِ لم ينظر الله إليه يوم القيامة ))
[أخرجه النسائي عن ابن عمر]
اللبس الرفيع يكره إذا كان تكبراً وخيلاءً ويمدح إذا كان تجملاً وإظهاراً لنعمة الله :
أما لبس الدنيء من الثياب فيذم في موضع ويحمد في موضع؛ فيذم إذا كان شهرة وخيلاء - الإنسان أحياناً بعض الزهاد يختالون بثيابهم الدنيئة، أي أنه زاهد يرتدي الثياب الخسيسة- فإذا لبس الثياب الدنيئة خيلاء فقد عصى الله عز وجل، ويحمد في موضع، فيذم إذا كان شهرة وخيلاء، ويمدح إذا كان تواضعاً و استكانة - الإنسان أحياناً يرتدي ثياباً؛ يسميها العوام ثياب العري- كان النبي عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله، أي ممكن أن يكون للإنسان حديقة فيرتدي ثياباً بسيطة جداً، مريحة؛ فهذا لا يقلل من قدره، وهناك توجيه جديد في هذا الموضوع، أن كل حال له ثياب خاصة؛ أحياناً يكون الإنسان بنزهة فلو ارتدى أجمل الثياب فلا يكون حكيماً إطلاقاً، هناك ثياب بسيطة ترتدى في النزهة، وهناك ثياب للحفلات، و ثياب للعمل؛ فالعبرة أن يكون هنالك حكمة وتناسب بين ثيابه وبين عمله.

كما أن لبس الدنيء من الثياب يذم إذا كان تكبراً وفخراً وخيلاء، ويمدح إذا كان تجملاً و إظهاراً لنعم الله عز وجل، فالله عز وجل إذا أكرم الإنسان كانت ثيابه نظيفة ومرتبة، فهذا شيء يدعو الناس إلى تقليد المؤمن؛ والمؤمن يمثل هذا الدين، والحقيقة مظهر الإنسان مهم جداً، وجزء من مكانته الاجتماعية؛ حتى بعلم النفس الاجتماعي يقولون: إن الإنسان إن كانت ثيابه جيدة يشعر بالثقة بنفسه، وإن كان بثوبه خطأ؛ هناك بقعة مثلاً، أو خطأ بأزراره، فيبقى محرجاً جداً، فكلما كانت ثيابه منضبطة؛ يشعر بثقة بنفسه، وهناك أناس كثيرون يأخذون فكرة عنك - أول فكرة - من ثيابك؛ فأنت لست محموداً إن أخذ الناس فكرة سيئة عنك من ثيابك؛ وأنت إنسان عظيم، لابد من أن يكون المظهر متناسباً مع المخبر، فهذا اللبس الرفيع يكره إذا كان تكبراً وفخراً وخيلاءً، ويمدح إذا كان تجملاً وإظهاراً لنعمة الله عز وجل.
كان عليه الصلاة والسلام إذا مشى في الطريق يعرف من طيب المسك، له رائحة طيبة، وكان يحب الطيب، وكان كما قلت قبل قليل يقول: ((حسنوا لباسكم وأصلحوا رحالكم حتى تكونوا شامة بين الناس))
[ أحمد عن قيس بن بشر ]
كلّ إنسان يتأبى أن يخضع لحكم شرعي فهو متكبر :
و يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردل من كِبْر - لا يدخل الجنة من كان بقلبه مثقال حبة خردل من كبر - ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبةِ خرْدَل من إيمان - فالإيمان أحد أسباب دخول الجنة، والكبر أحد أسباب دخول النار- قال : يا رسول الله -رجل - إني أحب أن يكون ثوبُه حَسَنا ، ونعلُي حسنة ، أفمن الكبر ذلك ؟ قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبِرْ : بطَرُ الحقِّ ، وغمطُ الناس))
[ أخرجه مسلم والترمذي ، أبو داود عن عبد الله بن مسعود]

بطر الحق أن ترد الحق، أن تستنكر، أن تستعلي، أن تتأبى؛ هناك حكم شرعي لا أخضع له، كل إنسان يتأبى أن يخضع لحكم شرعي فهو متكبر، والمتكبر يقصمه الله عز وجل، أي أنا أذكر أنني دعيت إلى وساطة لأب أن يوافق على تزويج ابنته، ثلاثون خاطباً جاءها رفضهم جميعاً، وبلغت سناً متأخرة، اثنان وثلاثون عاماً، جاءها خاطب جيد جداً، وصالح، وله دعوة فرفض الأب تزويجها، إن تزوجت يطلق أمها، والله ذهبت بنفسي من الساعة الثامنة والنصف إلى الساعة الثانية عشرة، وأنا أعطيه آيات وأحاديث، آخر شيء في الجلسة قال لي: لو أتى النبي لعندي لا أوافق؛ فهذا إنسان متكبر، قلت أنا بعد أن خرجت: لم يمر علي إنسان بالمليون كهذا الإنسان؛ ترفض حكماً شرعياً؟!قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
(( إِذا جاءكم من تَرضَون دينه وخُلُقَه فزوجّوه ))
[الترمذي عن أبي هريرة]
﴿ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً﴾
[سورة النور:33]
هل يوجد أب في الأرض يُكره ابنته على الزنا؟ مستحيل، ما معنى الآية؟ الذي يرفض تزويج ابنته يقوي فيها عنصر الانحراف؛ الزواج حاجة أساسية عند الفتاة. الكبر بطر الحق وغمط الناس :
فيا أيها الأخوة؛ كل إنسان يرفض حكماً شرعياً
هذا متكبر، قال له: أحب أن تكون ثيابي حسنة، نعلي حسن، هذا من الكبر؟ قال له: لا، إن الله جميل يحب الجمال، أما الكبر فبطر الحق، وغمط الناس؛ ترفض الحق، تتأبى، أنا فوق الحكم، الله قال: غض بصرك، لا صعب في هذا الزمان ، يرفض غض البصر، الله قال: الربا محرم، فأذنوا بحرب من الله ورسوله، يقول لك: هذه الضرورة المعاشية للعصر، و الحياة هذه تقتضي ذلك، والآية هذه؟ لا يعبأ بها، فكل إنسان لا يعبأ بحكم شرعي؛ آية أو حديث، هو إنسان متكبر؛ والمتكبر يقصمه الله عز وجل؛ بطر الحق وغمط الناس، أي أنك لا تعترف بفضل الآخرين، تعتم على الناس؛ يكون هناك إنسان متفوق، سابق لك، تبحث عن عيوبه فقط، وتطعن به، تنزله؛ هذا موقف غير علمي، قال النبي الكريم لسيدنا زيد الخير - وهو اسمه زيد الخيل- قال له:" يا زيد؛ ما وصف لي رجل فرأيته إلا رأيته دون ما وصف، إلا أنت يا زيد، - أي النبي صلى الله عليه و سلم أعلن إعجابه بزيد، قال له: لا يوجد شخص وصف لي إلا عندما التقيت به رأيته دون ما وصف، إلا أنت يا زيد- لله درّك أي رجل أنت؟"

النبي الكريم إنسان عظيم شجع و بيّن فضل كل صاحب له فضل :
النبي وعظمته لم يعتم على أصحابه، بالعكس لأنه عظيم شجع أصحابه، واعترف، وبيّن كل صاحب له فضل:
((أبو بكر وعمر مني بمثابة السمع والبصر من الرأس))
[أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس]
((ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ))
[ البيهقي عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي]
((إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك))
[ الطبراني عن سهل]
(( لو كانَ بعدي نبيّ لكانَ عمرَ بن الخطاب ))
[ أخرجه الترمذي عن عقبة بن عامر ]
سيدنا عثمان: ((ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم))
[ الترمذي عن عبد الرحمن بن سمرة]

سيدنا علي أثنى عليه، سيدنا ابن عوف أثنى عليه، سيدنا أبو عبيدة أثنى عليه فقال:
(( أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))
[ابن حبان والحاكم عن أنس بن مالك ]
سيدنا سعد: (( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي ))
[ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ]
أي لا يوجد صحابي إلا أثنى عليه، فالعظيم لا يعتم على الآخرين؛ بالعكس يظهر فضلهم، ومن علامة تواضعك لله عز وجل أنك منصف، أنا أقول لكم كلمة: جزء من دينك أن تكون أحكامك منصفة، شخص له فضل، يقول لك: لا، لا يفهم شيئاً؛ الحكم بلا سبب، فقط تعتيم، استعلاء، وتعتيم على الآخرين، هذا الكلام مناقض للاستقامة:
﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
[سورة الشعراء:183]
أنت منهي إذا قال لك شخص: هل تشتري هذه الحاجة، سعرها ثلاثون ليرة؟ تقول له: هذه بخمس، لا تستأهل؛ هي جيدة، وسعرها أغلى بكثير، هذا منهي عنه؛ إذاً منهي أن تبخس الناس أشياءهم، فهل بإمكانك أن تبخس الناس إيمانهم؟ لأنه خالفك الرأي صار كافراً! بهذه البساطة؟! فلذلك الكبر بطر الحق، وغمط الناس. نهي النبي الكريم عن الثياب المشهورة و المهجورة :

أيها الأخوة؛ لا ينكر أن هناك ثياباً أصبحت مشهورة الآن، أصبحت مألوفة، فهناك حكم فقهي أيضاً، أنه إذا إنسان ارتدى الآن ثياباً؛ قد تكون مريحة أكثر، لكنها غير مقبولة إطلاقاً، أن ترتدي مثلاً ثوباً طويلاً في جامعة، أو في دائرة حكومية، فهذا الإنسان صاحبه معذور، يجب أن يلبس كما يلبس الناس؛ فالثوب المألوف الآن ثيابنا التي نلبسها عادة لا يوجد عليها إشكال، فلا يستطيع الواحد أن يلبس ثياباً الآن مهجورة؛ ممكن أن ترتديها بمسجد، بجامع، بحفل ديني؛ أما بالأماكن العامة، أو أماكن العمل، ليس مقبول ارتداء مثل هذه الثياب، فالإنسان يرتدي ثياباً مقبولة؛ فالنبي نهى، لم يقل نوع الثياب؛ نهى عن الثياب المشهورة جداً، و عن الثياب المهجورة، فالثوب المشهور منهي عنه، والمهجور أيضاً منهي عنه؛ أحياناً تظهر موديلات البدلات فرضاً شيء يلمع، شيء لا يلمع، للكم الأول شكل وللكم الثاني شكل آخر ليست مألوفة، يلبسونها في الحانات مثلاً، هذه منهي عنها أن يلبسها الإنسان.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:21 AM   #4


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم





بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الرابع )


الموضوع : هدية فى النكاح و معاشرتة لاهلة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح ومعاشرته لأهله :
أولاً: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال:
((حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم النساء، و الطِّيبُ، وجُعِل قُرَّةُ عَيْني في الصلاة))
هذا لفظ الحديث ومن رواه على هذه الرواية فقد أخطأ، الرواية الغلط:
حبب إلي من دنياكم ثلاث، لأن الصلاة ليست من الدنيا، هذه رواية غير صحيحة: ((حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم الطِّيبُ، والنساء، - وقف - وجعلت قرة عيني في الصلاة))
[النسائي عن أنس]
لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها.
وكان يطوف على نسائه، وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة، أي يساوي بينهن في المبيت والإيواء والنفق.
والتعدد مسموح به بشرط العدل، لا العدل المطلق بل العدل التام، والعدل المطلق يشمل ميل القلب؛ وهذا لا يستطيعه البشر، بينما العدل التام يشمل الإنفاق، والمبيت، والسكنى؛ أي البيت، والمصروف، والمبيت. أما المحبة فكان عليه الصلاة والسلام يقول: (( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))
[الترمذي والنسائي عن عائشة]
العدل التام، المطلق لن تعدلوا، أما التام فضمن الإمكان، من عنده أولاد يعدل بينهم عدلاً تاماً، أما قد يميل قلبه إلى واحد دون آخر لفهمه السريع، لبره الشديد، لاستجابته السريعة، وكذلك الزوجات. الحكمة من أن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة نساء :
وكان عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة نساء، أي أكثر إنسان في أمته رزقه الله بالبنات، فالإنسان إن كان عنده بنات كثيرات لا ينبغي أن يتألم؛ لأن سيد الخلق خصّ بهذه الخصيصة - هو كان يتيماً ففي هذا اليتم جبر لخاطر الأيتام - ورزق بالبنات الكثيرات، وفي هذا اليتم جبر لخاطر الذين أنجبوا بنات كثيرات، وقال عليه الصلاة والسلام:
((تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء))
[صحيح عن عبد الله بن عباس]
سبحان الله، إن الفتاة في البيت، أو إن الفتاتين كافيتان لدخول أبيهما الجنة، فكل إنسان يرعى بناته رعاية تامة، حتى لو واحدة؛ يدخل بسببها الجنة.
هناك أشخاص يضربون أبناءهم تأديباً، أما البنت فلا تضرب؛ لأنها أكثر قرباً لأبيها من أي شيء آخر، والبنت طبيعتها حساسة؛ أي تفهم بكلمة؛ فالبنت لا تضرب؛ يجب أن تعامل أرقى معاملة لأنها سيدة بيت؛ ومن علّم فتاة علّم أسرة، هذه البنت التي تربيها سيكون لها زوج وأولاد وبنات، فكلما ربيتها على حسن الخلق، وعلى اللين في المعاملة، انعكس هذا على بيتها وأولادها.
و: طلق عليه الصلاة والسلام امرأة قالت له: أعوذ بالله منك، هو مشرع، وزوجاته ينقلن عنه التشريع، هذه رآها ضعيفة التفكير؛ كلام لا يقال إطلاقاً، لذلك قال: ((الحقي بأهلك))
[البخاري عن عائشة]
وطلق وراجع وآلى إيلاء مؤقتاً بشهر - أي أدب بعض نسائه بمقاطعتهن شهراً - ولم يظاهر أبداً - ما ظاهر امرأة قط - قالت: ((يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال: أنت علي كظهر أمي - فبكى النبي عليه الصلاة والسلام - وله مني أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فسمع الله شكواها من فوق سبع سموات))
[أحمد عن عائشة]
شروط الدعاء :
بالمناسبة أخواننا الكرام الله عز وجل يستجيب دعاءين استثناء لشروط الدعاء؛ الدعاء له شروط: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
[سورة البقرة:186]
لابد من أن تؤمن، ولابد من أن تستجيب لأمر الله ونهيه، ولابد من أن تخلص حتى تكون مستجاب الدعوة؛ إلا في حالتين: إذا كنت مضطراًً: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾
[سورة النمل:62]
فإذا كنت مضطراً فأنت مستثنى من شروط الدعاء، والله يجيبك لا بحسب حالك بل بحسب رحمته، وإذا كنت مظلوماً ولو كان المظلوم كافراً يستجيب لك من فوق سبع سموات، يستجيب لك لا بحسب حالك؛ ولكن بحسب عدله، فالله باسم العدل يستجيب للمظلوم ولو كان كافراً، وباسم الرحمة يستجيب للمضطر ولو لم يطبق سلوك الدعاء. سيرة النبي صلى الله عليه و سلم مع أزواجه :
وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة، وحسن الخلق؛ والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: ((والله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم))
[ ابن عساكر عن علي]
وكان يقول: ((أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار ثم يضاجعها آخره))
[عبد الرزاق عن عائشة]
هذه شريكة حياة، المرأة لا تضرب؛ أما الحكم الشرعي في الضرب؛ فهذه حالات نادرة جداً، والشروط تعجيزية؛ أي لو فرضنا فتاة ليس لها أهل، ليس لها من يردعها، وهي زوجة وانحرفت؛ فلو أنك ضربتها؛ وأبقيتها عندك معززة مكرمة؛ أم أولاد، أو طلقتها وشردت، وتفلتت؛ فأيهما أولى؟!.
حالات نادرة جداً، امرأة شذت وانحرفت، ولم تصغ إلى النصيحة، ولم تستجب، فإذا ضربتها وأبقيتها عندك أولى ألف مرة من أن تدعها تتفلت، وأن تبتعد عن زجرها وردعها، أما الأصل فالمرأة لا تضرب، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار...))
وكان عليه الصلاة والسلام يسرب إلى عائشة بنات الأنصار ليلعبن معها؛ أي كان واقعياً - أخذها صغيرة - الآن إذا إنسان أخذ فتاة صغيرة ولم تكن متعقلة جداً مثله، فلا يحبها - أنت أخذتها صغيرة - الفتاة الصغيرة لها عقلية معينة، فكان عليه الصلاة والسلام واقعياً، هي صغيرة، كان يسرب لها بنات الأنصار ليلعبن معها، وكان إذا هويت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه - إذا كان هناك قضية لا تمثل ديناً؛ وطلبت شيئاً، وأنت ميسور، أنت لست مقتنعاً به لكن لأنها تحبه ولا محذور منه تتابعها عليه -. لطف النبي وحسن خلقه مع أهله :
وكانت إذا شربت من الإناء أخذه صلى الله عليه وسلم ووضع فمه في موضع فمها وشرب - تحبباً إليها - وكانت إذا تعرقت عرقاً - أي أكلت لحماً مع العظم، وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها - أيضاً تحبباً لها - وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، لأن اليهود كانت تتوهم أن المرأة الحائضة نجسة - هذا الشيء غير صحيح إطلاقاً، المؤمن لا ينجس أبداً، ولو أنها في الحيض - فكان عليه الصلاة والسلام يضع رأسه في حجرها، ويتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن، و رأسه في حجرها - وربما كانت حائضاً - وكان يأمرها - وهي حائض - فتتزر ثم يباشرها، هناك حالات الإنسان قد لا يستطيع - ببعض الحالات - أن يبتعد عنها سبعة أيام فسمح النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة أن تتزر ثم يباشرها.
وكان يقبلها وهو صائم، هذه قبلة مودة وليس قبلة شهوة - يبدو أن القبلة بين الزوجين شيء يمتن العلاقة بينهما - وكان عليه الصلاة والسلام يقبلها وهو صائم.
وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه كان يمكنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين؛ مرة سبقته؛ وقالوا: إنه مكنها من أن تسبقه - جبراً لها - وفي المرة الثانية، قالت: سبقني؛ قال: فلما ركبني اللحم سبقني.
أي هي ازداد وزنها، أما هو عليه الصلاة والسلام فحافظ على وزنه، قالت:
(( فسابقته فسبقته فلما حملت اللحم - ازداد وزنها - سابقته فسبقني، فقال: يا عائشة هذه بتلك))
[أبو داود عن عائشة ]
وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، أي خرجا معاً من باب واحد فتدافعا، أي هو في البيت كواحد من أهل البيت – لا يوجد كهنوت، و لا هيبة، الإنسان دخل بيته فهو واحد من أهل البيت - هذه من السنة.
أنا جداً أحترم أباً يلعب مع أولاده، أحياناً يأخذهم بالعيد لمكان، يلعب معهم كرة هذا من السنة: (( من كان له صبي فليتصابَ له))
[ من الجامع الصغير عن أبي معاوية]
العبرة أن تربيه، وأن تأخذ بيده، وأن يتعلق بك. الود أساس العلاقة الزوجية :
كثير من العادات ليست من الدين في شيء، أي إذا دخل الأب للبيت؛ يذهب الجميع للنوم - يخافون منه - بالعكس يجب أنه إذا دخل للبيت أن يكون هناك عيد، أي من السنة أن تكون في البيت مرحاً:
((كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً))
[ ابن عساكر عن عائشة]
كان يقول: ((أكرموا النساء، فإنهن المؤنسات الغاليات))
[رواه الطبراني عن عقبة بن عامر]
كان عليه الصلاة والسلام يذهب مع أصحابه من طرف المدينة الأول إلى طرفها الثاني ليزور ابنه إبراهيم يقبله، ويشمه، ويرجع.
وهذا موقف الأقرع بن حابس عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبل حفيده الصغير -الحسن أو الحسين- فقال له: إن لي عشرة من الولد لم أقبل واحدًا منهم. فرد الرسول صلى الله عليه وسلم: " أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟".
أي لا يصغر الأب إذا دعا أولاده وقبلهم وأمضى وقتاً معهم، و هذا من العبادة، أنا أتمنى أن يكون كل بيت جنة، ليس شرطاً أن يكون البيت كبيراً، أو فخماً، أو أكلاً طيباً، ممكن بالمودة والسرور والمحبة أن يصبح البيت جنة، ممكن أن تأكل أخشن طعام، وتسكن في أصغر بيت، والمودة موجودة، فأنت من أسعد الناس، فالإنسان إذا لم يسعد مع زوجته وأولاده فمشكلته مشكلة؛ أنا لا أتمنى أن يكون الإنسان مع الناس لطيفاً، محبوباً، أما في بيته فقاس؛ لطفك كله للبيت، المودة للبيت؛ من أخطاء المسلمين أن تلقي الزوجة والزوج كل أخلاقهم العالية للغريب، أما فيما بينهما فهناك جفاء، و قسوة بالكلام، و انتقاد مستمر، هذا يضعف العلاقة الطيبة بين الزوجين، فالود أساسي بين الزوجين. رحمة الرسول بأهله و إحسانه إليهم :
قال: سابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وكان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، وأنا أقول للأخوة الكرام، أحياناً الإنسان يسافر؛ فالأولى أن تكون معه زوجته - وفهمكم كفاية - الأولى أن تكون معه زوجته:
(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم - وهو مشرع الآن - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ))
[البخاري عن عائشة]
وكان يقول: (( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
[ ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]
أنا عبرت - شرحت - الحديث مرة؛ أنه بشهادة القيادة يكلفونك أن ترجع على طريق متعرج، وضيق، و به علامات بلاستيكية، فإذا وقعت علامة من هذه العلامات ترسب؛ هذا أصعب شيء في القيادة أن ترجع - والطريق ضيق، والطريق ملتو، وفيه علامات يمكن أن تقع العلامة - إذا نجحت في هذا تأخذ الشهادة، لأن الباقي كله سهل، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
[ ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]
أصعب شيء أن تكون في البيت جيداً، أما في الخارج فلك مكانة، لك سمعة؛ حريص عليها، أحياناً تكظم غيظك بالخارج، أحياناً تعتذر، أحياناً تحسن نفسك، تلمع نفسك بالخارج، أما بالبيت فلا يوجد رقابة، فإذا كان الإنسان ببيته كاملاً، فهذا معناه أنه في الخارج كاملاً حتماً، قال عليه الصلاة والسلام: (( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
[ ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]
جلوس الرجل مع زوجته جزء من دينه :
وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن، واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة، أي في النهار يطوف على كل نسائه، يتفقد أحوالهن - والجلوس مع المرأة أيضاً من العبادة؛ من لها غيرك؟ أنا كثيراً ما أسمع أحياناً شكاوى، يخرج قبل الشمس و يأتي الساعة الواحدة بالليل؛ يجعل البيت فندقاً؛ يأكل، ينام؛ هذه ألا تريد إنساناً يتحدث معها؟ ألا تريد إنساناً يؤانسها؟ فلما جعلها مقفرة عاطفياً؛ فأي إنسان حدثها كلاماً لطيفاً تميل له، وهي يجب أن تميل لزوجها، فجزء من إيمانك ودينك أن تجلس مع زوجتك - وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن، واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة؛ فخصها بالليل، وقالت عائشة: "كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم- العدل- وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعاً- يتفقد أحوالهن-". ((مرة عليه الصلاة والسلام وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ - تألم منها - فِي شَيْءٍ ؛ فقالت لعائشة: هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي - تعاونيني - وأهب َلَكِ يَوْمِي؟ قالت: نعم، فقَعَدَتْ عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، في يوم صفية، فقال: إِلَيْكِ عَنِّي يَا عَائِشَةُ؛ فإنه لَيْسَ يَوْمَكِ، - هذا ليس يومك؛ هو كان متألماً من صفية، الألم غير العدل؛ متألم منها وهذا اليوم يوم صفية - فقال لها: إليك عني، هذا اليوم يوم صفية، فَقَالَتْ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وأخبرته بالخبر فَرَضِيَ عَنْهَا ))
[أحمد عن عائشة]
علاقة الإنسان بزوجته أقرب وأطول وأمتن علاقة :
وكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر وقدم لم يطرق أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك؛ أحياناً -هكذا سمعت- هناك شخص يسافر أسبوعاً أو أسبوعين يأتي من دون اتصال هاتفي؛ فجأة يدخل البيت، الإنسان يتمنى أن يرى زوجته بعد السفر على نحو يرضى عليها به؛ فلو طرق ليلاً، أو طرق من دون إعلام، قد تكون في وضع متعب، قد تكون بهيئة غير مرضية، قد تكون تنظف البيت؛ هذا الشيء لا يرضيه، فكان عليه الصلاة والسلام بعد كل سفر يمكث في ظاهر المدينة يوماً مع أصحابه، ليعلم النساء بقدومه وقدوم أصحابه، فيهيئن أنفسهن، و ينظفن البيت، يهيئن الأولاد، يتزين -هذا من السنة- فكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر أو قدم من سفر لم يطرق أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك؛ الحقيقة أن نجاح الإنسان بزواجه شيء مهم جداً، وشيء ينعكس على عمله، نجاحك بزواجك ينعكس على عملك، وأنا كثيراً ما أسمع من بعض الأخوة الكرام أنه قبل أن يلتزم، قبل أن يصطلح مع الله؛ كان زوجاً فظاً، كان قاسياً، معاملته خشنة، فلما عرف الله صار إنساناً آخر، أي إذا لم تقل الزوجة بصراحة أنت لم تكن كذلك؛ فمعنى ذلك صلحك مع الله غير صحيح؛ من علامة صلحك مع الله أن تقول أقرب الناس إليك: قد تغير مئة وثمانين درجة؛ تغير، لم يكن كذلك؛ صار لطيفاً، صار حليماً، صار رحيماً، صارت كلماته مدروسة كلها، هذا من علامة الإنسان إذا اصطلح مع الله؛ والحقيقة التشريع الإسلامي فيه تفاصيل كثيرة عن علاقة الإنسان بزوجته، لأن هذه أقرب علاقة، وأطول علاقة، وأمتن علاقة.
سأقول لكم كلمة: مئة تصرف ذكي، وحكيم، ومخلص، يشد إنساناً إليك، تصرف واحد أحمق يبعده عنك، أي من السهل جداً أن تخرب علاقتك الزوجية؛ ومن الصعب أن تشدها لك بأساليب متنوعة، فالبطولة أن الإنسان يقلد النبي في زواجه، فالنبي كان من أسعد الناس في بيوته، كان هناك مشكلات؛ والمشكلات ضرورية جداً؛ لولا هذه المشكلات ما كان قدوة لنا؛ صار هناك غيرة بين زوجاته، وأحياناً طلبات، وخصومات، هذا جرى في بيت النبي فأنا أقول كلمة: ليست البطولة ألا تبتلى، ولكن البطولة إذا ابتليت أن تقف الموقف الكامل. عظمة الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين :
و:
((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم))
[أبو يعلى والبزار عن أبي هريرة]
أي ليس دائماً الزوجة يرضيها أن يكون معك ملايين، لا، بل ممكن أن تأكل أخشن الطعام مساء، تسكنها بأصغر بيت، يكون كل شيء متواضعاً في بيتك، لكنك أنت جيد، كلامك لين، وقد فسر العلماء قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[ سورة النساء: 19]
فقالوا: ليست المعاشرة أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، والصبر على الزوجة جزء من العبادة، وقلت مرة: إن عظمة الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين؛ كيف بينهما؟ أي هو يتقي الله في معاملته لزوجته فلا يظلمها - يخشى الله - ويتقرب إلى الله بخدمته لها، والغض عن مساوئها، وهي تخشى الله في أن تظلمه، فلا تظلمه، وتتقرب إلى الله في خدمتها له، والغض عن مساوئه؛ فإذا صح هذا بين الزوجين استمر الزواج، وكان زواجاً ناجحاً وسعيداً؛ فالإنسان يجب أن يكون حكيم نفسه يا أخوان؛ العمر لا يحتمل خصومات؛ أسمع عن أزواج أحياناً يحاربها شهراً ، شهرين، ثلاثة؛ هل ستعيش مليون سنة؟ إذا نصف وقتك محارب لها، ما هذه الحياة؟! هذا نوع من أنواع الشيطان، والشيطان أحد أكبر مهماته التفريق بين الزوجين، أحد أكبر مهماته؛ فكل حركة نحو الجفاء والبعد بين الزوجين حركة من الشيطان، والله عز وجل لا يرضيه إلا أن تكونا متفاهمين لأن الله عز وجل خلق الزوجين؛ الذكر والأنثى، وجعل بينهما مودة ورحمة، فالأصل المودة، وإن لم تكن هذه المودة والرحمة فهذه حالة مرضية؛ تقتضي المعالجة؛ والمعنى أنك أنت على غير سنة الله في خلقه، إذا لم يكن هناك مودة ورحمة فأنت على غير سنة الله في خلقه.
مرة زار أحد أصدقائي شخصاً مريضاً بمرض عضال، ومشترياً لبيت فخم جداً، ومعتنياً به عناية فائقة، وكل ما يملكه قد وضعه بهذا البيت، والبيت جميل، وفيه تزيينات جميلة، وأثاثه فخم، فقال له: خائف هذه ابنة الحرام بعد أن أموت أن تتزوج؛ يأتي أحدهم ليأخذ هذا البيت على أهون سبب - شيء مؤلم - أهذه حياة هذه؟! أهذه حياة بين زوجين؟! هذه حياة جحيم، فالإنسان عندما يغض بصره عن محارم الله، ويكتفي بزوجته؛ ويقصر طرفه عليها؛ ويرضى عن الله بها؛ ويراها قسمته في الحياة الدنيا، وهدية من الله عز وجل؛ فيحبها ويكرمها عندئذ يخلق الله المودة بينهما، أي ليس بيدك؛ كثيراً ما تجد أزواجاً آخذين بمستوى من الجمال يفوق حدّ الخيال، والحياة جحيم بينهما؛ فمقومات نجاح الزواج ليس الجمال، وليس المال، وليس الغنى، وليس البيت الفخم؛ مقومات النجاح الإيمان؛ فإذا كان الزوجان مؤمنين؛ الله عز وجل خلق الود بينهما، فأنت طع الله فقط، كان يقول أحد العارفين: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي.
إذا كانت علاقتك مع الله علاقة طيبة يلبسك الله عز وجل ثوباً من المهابة، ويصبح هناك ود، وإذا كانت علاقتك مع الله غير طيبة يدخل الشيطان بينكما.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:25 AM   #5


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم







بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الخامس )


الموضوع : هدية فى بيعة وشرائة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيعه وشرائه :
باع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى، وكان شراؤه - بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته - أكثر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، كان شراؤه أكثر من بيعه، كبيعه القدح والحلس في من يزيد
وفي هذه الزيادة تشريع لنا؛ يجوز أن تبيع بالمزايدة وأن تشتري بالمناقصة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أنصاري يسأله مالاً؛ فقال:

((أعندك شيء؟ قال: عندي قدح وحلس، قال: ائتني بهما؛ فلما أتاه بهما، قال لأصحابه الكرام: من يشتري هذين؟ فقام أحدهما وقال: أنا أشتريه بدرهم، فقال: من يزيد؟ فقال آخر: أنا أشتريهما بدرهمين، فقال: ائتني بهما؛ أعطى درهماً لهذا الأنصاري وقال: اشترِ طعاماً وانبذه لأهلك، واشترِ بالثاني قدّوماً وائتني به؛ فاشترى له قدّوماً وأتاه به، فشد النبي عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة على القدّوم خشبة، وقال: اذهب واحتطب، ولا أرينّك بعد خمسة عشر يوماً، جاءه بعد خمسة عشر يوماً، وقد وفّر ثمانية دنانير، فقال: لأن يحتطب أحدكم خير له أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))
[ صحيح عن أبي هريرة]
استنبط العلماء من هذه القصة أشياء كثيرة؛ استنبطوا أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل إلا إذا اطمأن على أهله؛ قال له: اشترِ طعاماً وانبذه لأهلك، واشترِ بالثاني قدّوماً، واستنبطوا أيضاً أن ولي أمر المسلمين ينبغي أن يوفر الأعمال؛ شدّ عليه خشبة بيده الشريفة، واستنبطوا أيضاً أن العمل جزء من العبادة، فعليه الصلاة والسلام سنّ لنا بهذه القصة موضوع البيع. المضاربة في الإسلام :
وأما شراؤه فكثير، وآجر واستأجر، واستئجاره أكثر من إيجاره، وإن ما يحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام، كان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، شركة المضاربة هي شركة مندوب لها، إنسان بماله وإنسان بجهده
فهناك في الحياة أناس كالصغار والكبار والموظفين لا يستطيعون استثمار المال، طفل ورث عن أبيه مالاً، أو رجل مال إلى التقاعد لا يستطيع استثمار المال، وشاب بالمقابل لديه خبرة وحيوية ونشاط وليس معه مال، فإذا تعاون صاحب هذا المال مع صاحب هذا الجهد كونوا شركة مفيدة جداً؛ هذه المضاربة، كان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، أي أجر جهده للسيدة خديجة؛ أرسلته في تجارة هو بجهده وهي بمالها؛ وهذا الموضوع هو الشيء المشروع في الإسلام باستثمار المال، لكن هناك من أساء إليه إساءة بالغة فقوى جانب البنوك الذين أخذوا أموال الناس ليستثمروها، وأكلوها؛ خيبوا ظن المسلمين بهذا الطريق الوحيد المشروع، بذلك مال الناس إلى البنوك، وهذا الإثم في صحيفة من خيب ظن الناس بهذه التجارة.
وإن كان العقد مضاربة فالمضارب أمين وأجير ووكيل وشريك؛ فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه، وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل، وشريك إذا ظهر فيه الربح؛ المضارب أمين وأجير ووكيل وشريك، وقد أخرج الحاكم في مستدركه قال:
((آجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كل سفرة بقلوص))
[الحاكم في مستدركه من حديث الربيع]
أي تاجر مع السيدة عائشة بعقد مضاربة. النبي وحده هو المشّرع وكل فعله تشريع وكل تركه تشريع :
وشارك النبي إنساناً في عمل تجاري في مكة، فلما جاءته الرسالة:
(( قدم عليه شريكه؛ فقال: أما تعرفني؟ قال: أما كنت شريكي؟ فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري))
[رواه الطبراني عن عبد الله بن السائب]

تدارئ بالهمزة من المداراة: مدافعة الحق.
ووكل وتوكل وكان توكيله أكثر من توكله - وكل وتوكل - وأهدى وقَبِل الهدية وأثاب عليها، ووهب واتّهب، فقال لسلمة بن الأكوع - وقد وقع في سهمه جارية- هبها لي، فوهبها له، واستدان برهن وبغير رهن، واستعار واشترى بالثمن الحال والمؤجل - طبعاً هذا كله تشريع - إنسان سأل مرة: كيف يدفن النبي درعه عند إنسان من أهل الكتاب، فالجواب: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتعامل مع أهل الكتاب لما جاز لنا أصلاً التعامل معهم؛ لكن لأن النبي مشرّع فلا بد من أن يتعامل مع أهل الكتاب، فتعامله معهم تشريع لنا.
يوجد بالعالم الإسلامي ملايين؛ النبي وحده هو المشّرع؛ فكل فعله تشريع، وكل تركه تشريع، وكل أقواله سنّة، وكل أفعاله سنّة، وكل إقراره سنّة؛ فالنبي أهدى وقبل الهدية، فالهدية مشروعة، وأثاب عليها؛ من التشريع أنك إذا قبلت الهدية عليك أن تردّ عليها بهدية مثلها. ووهب وقبل الهبة، واستدان برهن وبغير رهن, واستعار، واشترى بالثمن الحال، فدفع ثمن البضاعة نقداً حالاً، واشترى بالثمن المؤجل، وضمن ضماناً خاصاً على أعمال من عملها كان مضموناً له بالجنة، و ضمن ضماناً عاماً لديون من توفي من المسلمين، أي أنه ضمن لبعض المسلمين ضماناً خاصاً، وضمن لبعضهم ضماناً عاماً، صار الضمان والاستدانة برهن وبغير رهن، واستعار، واشترى نقداً، واشترى بثمن مؤجل، وأهدى وقبل الهدية وأثاب عليها، ووهب وقبل الهبة، ووكّل وتوكل، وتاجر، وشارك، وضارب، هذه كلها نشاطات الحياة. هدي النبي الكريم في حياته اليومية :
طبعاً كان من توفي ولم يدع شيئاً أو ترك ديناً يقول النبي عليه الصلاة و السلام: عليّ دينه، وقالوا هذا تشريع لكل أولياء أمور المسلمين؛ المسلم إذا ترك ديناً فعلى إمام المسلمين أن يفي هذا الدين: ((من ترك شيئاً فلأهله، ومن ترك ديناً فعلي دينه))
[رواه البزار عن أبي هريرة]

وكان عليه الصلاة والسلام يمازح ويقول في مزاحه الحق، ويوَرّي، ولا يقول في توريته إلا الحق؛ مثل أن يريدَ جهةً يقصدها فيسأل عن غيرها كيف طريقها؟ وكيف مياهها ومسلكها؟ أو نحو ذلك، وكان يشير ويستشير - دخّل الاستشارة في الحركة الحياتية - وكان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب الدعوة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، وسمع مديح الشعر، وأثاب عليه، ولكن ما قيل فيه من المديح هو جزء يسير جداً من محامده
- هذه نقطة دقيقة؛ أن الذي مدح فيه النبي عليه الصلاة والسلام حق - وما قيل فيه من المديح إلا جزء من محامده صلى الله عليه وسلم، أي هنا مؤلف الكتاب رحمه الله تعالى أشار: ليس ممن يمدح بفوق ما هو فيه ويرضى، أحياناً إنسان يمدح مديحاً غير معقول، ينبغي ألا ترضى أن تمدح بهذا المديح، أما مدح غيره من الناس فأكثر ما يكون بالكذب، لذلك؛ أمر أن يحثى في وجوه المداحين التراب، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ))
[ أخرجه الطبراني عن عطاء بن أبي رباح ]
المديح طريق إلى النفاق، بل المديح الكاذب هو النفاق بعينه، فالنبي مدح، ولكن الذي مدحه ما مدحه إلا في بعض محامده، أما مدح غيره فأغلبه كذب ونفاق، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ))
[ أخرجه الطبراني عن عطاء بن أبي رباح ]
تشريع الوقف :
ووقف النبي عليه الصلاة والسلام أرضاً كانت له؛ شرع لنا الوقف
والوقف شيء من أروع ما في التشريع الإسلامي، لكن أسيء استخدامه، أما هو في الأصل فشيء رائع؛ أي يحبس الرقبة، ويوزع منفعتها، فالمسلمون درجوا في هذا على وقف بعض أملاكهم للمساجد، لطلبة العلم، الأوقاف الخيرية أوقاف منوعة جداً، و في التاريخ الإسلامي أنواع من الأوقاف تحار لها العقول؛ كان هناك نفوس طيبة جداً، أعمال صالحة كثيرة، حتى إن هناك وقفاً للحيوانات، هناك أراض تزرع كلأً من أجل أن تحبس لصالح الحيوانات - البهائم، والدواب المريضة - هناك أوقاف للأطفال الصغار الذين يكسرون الأواني، فكل طفل عنده سيد أو معلم قاس؛ كسر معه إناء، كان يأتي بقطعة من هذا الإناء؛ ليأخذ إناءً جديداً؛ ليتقي الطفل مشكلة كبيرة، طبعاً طلبة العلم أكثر شيء - توقف الأراضي والدور والأموال لطلبة العلم الشرعي - هذه تسمى أوقافاً خيرية، وهناك أوقاف ذرية أيضاً، هناك من يقف بيتاً أو أرضاً لذريته من بعده، طبعاً الأوقاف الذرية صفيت، أما الأوقاف الخيرية فلا تزال باقية إلى الآن، والوزارات الدينية في العالم الإسلامي اسمها وزارة الأوقاف، جمع وقف، فالنبي وقف بعض الأموال ووزع منافعها.

النبي الكريم لم يضع مكانته الدينية في أمر شخصي بل شفع و تشفع :
وتشفع، وشفع إليه، و ردت بريرة شفاعته في مراجعتها مغيثاً، فلم يغضب عليها، امرأة لم تحب زوجها فطلبت الفراق منه، فكان يحرص على أن يبقى زوجاً لها، فلم ترضَ، فشفع له النبي:

((فقالت: أتأمرني به يا رسول الله ؟ فقال : إنما أنا شافع ))
فلم يغضب عليها.
[البخاري عن ابن عباس]
هنا نقطة دقيقة، النبي لم يضع مكانته الدينية في أمر شخصي، كل إنسان له خصوصياته و له مواقفه الشخصية، فالنبي شفع، وبريرة ردت شفاعته، فلم يغضب عليها، لأن القضية شخصية.
وهناك موقف آخر استنبطه الصحابة: أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما عصوه الرماة في بدر، ومات بعضهم صلى عليهم، فكيف صلى عليهم وقد عصوه؟. فقالوا: إنهم عصوا أمراً تنظيمياً ولم يعصوا أمراً تشريعياً؛ فالنبي فرّق بين الأمر التنظيمي وبين الأمر التشريعي؛ الأمر التشريعي شيء كبير جداً، إله شرّع؛ فالذي عصاه في أمر تنظيمي صلى عليه، والنبي ميز بين أن تعصي الله، وأن تعصي أمراً تنظيمياً فرعياً، فقال العلماء: "إنه صلى عليهم لأنهم عصوه في أمر تنظيمي، ولم يعصوه في أمر تشريعي". الله سبحانه وتعالى أمر النبي بالحلف في ثلاثة مواضع :
وحلف في أكثر من ثمانين موضعاً، هناك إنسان لا يحلف، والله قال:
﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾
[ سورة المائدة:89]

لكن هناك مواقف فيها حسم؛ إذا ما حلفت الدعوة تسقط، الحق يضيع؛ سألني من يومين شخص: أأحلف؟ قلت له: إن كان الأمر واقعاً فاحلف؛ قضية خطيرة، فدعاه القاضي إلى حلف اليمين، فإذا تطابق الحلف مع الواقع لا يوجد شيء عليك، فالنبي حلف في أكثر من ثمانين موضعاً، وأمره الله سبحانه وتعالى بالحلف في ثلاثة مواضع:
﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾
[سورة يونس:53]
احلف أي إي وربي : ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾
[سورة سبأ:3]
وقال تعالى:﴿زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾
[سورة التغابن: 7 ]
فالله عز وجل أمر النبي أن يحلف.
مرة إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكر أبا بكر بن محمد بن داود ولا يسميه بالفقيه، فتحاكم إليه يوماً هو وخصم له؛ فتوجهت اليمين على أبي بكر بن داود؛ فقال له القاضي إسماعيل: أَوَتَحْلِفُ وَمِثْلُك يَحْلِفُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قال: وما يمنعني من الحلف وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه، قال أين ذلك؟ فسردها له أبو بكر؛ فاستحسن ذلك منه جداً؛ ودعاه بالفقيه من ذلك اليوم.
هناك إنسان يحلف بلا سبب؛ كثير الحلف، وهناك إنسان يرفض الحلف بدعوى أنه ورع، أما لو رفضت الحلف وضاع حق المسلم؛ فهناك مشكلة؛ فصار عدم الحلف هو الإثم بعينه؛ ينبغي أن تحلف. الاستثناء في اليمين :
وكان عليه الصلاة والسلام يستثني في يمينه تارة، و يكفرها تارة، ويمضي فيها تارة؛ الاستثناء إذا قال: إن شاء الله؛ إنسان أقسم بالله؛ وقال: إن شاء الله سأفعل هذا،؛ مادام استثنى لا حنث مع الاستثناء، فكان عليه الصلاة والسلام يستثني في يمينه تارة، ويكفرها تارة، أحياناً يرى عليه الصلاة والسلام أن الحنث باليمين أفضل من إجرائها؛ أين الخير؟ إنسان حلف ألا يزور أخته؛ إذاً قطعها وهي بحاجة له، بحاجة لتوجيهه، ومرة تألم منها فحلف ألا يزورها فينبغي أن يحنث بيمينه ويزورها.

العلماء قالوا: الاستثناء يمنع عقد اليمين، والكفارة تحلها بعد عقدها، ولهذا سماها الله تحلة:
﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾
[سورة التحريم:2]
هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام في أكثر نشاط يفعله الإنسان وهو البيع والشراء؛ لاحظتم أيها الأخوة كيف أنه باع واشترى، وآجر واستأجر، وشارك مشاركة اندماجية، وعقد عقد مضاربة، ووكل وتوكل، وأهدى وقبل الهدية وأثاب عليها، ووهب وقبل الهبة، واستدان برهن وبغير رهن، واستعار واشترى بالثمن الحالي والمؤجل، وضمن ضماناً خاصاً وعاماً، وشفع بين اثنين وحلف اليمين، واستثنى وكفر عن يمينه وأمضاها تارة، ومازح وضمن ديون المسلمين عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الصلاة والسلام يعود المريض ويشهد الجنازة، ويجيب الدعوة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، وسمع مديح الشعر، وأثاب عليه.
وفي درس آخر إن شاء الله ننتقل إلى هديه في معاملته صلى الله عليه وسلم .







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:29 AM   #6


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم









بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( السادس )


الموضوع : هدية فى معاملاتة



الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه و سلم في معاملاته :
سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه على الأقدام، أي النبي عليه الصلاة و السلام سيد هذه الأمة ونبيها، وسيد الأنبياء والمرسلين، وخيرة الله من خلقه، ومع ذلك كان إنساناً طبيعياً- الإنسان إذا تكلف أصبح ممقوتاً - فسابق بعض أصحابه بأقدامه مشياً، وصارع أبو ركانة، أبو ركانة كان مصارعاً قال للنبي الكريم: إذا صرعتني أسلم؛ فصرعه النبي عليه الصلاة والسلام - أي أوتي الكمالات كلها – أما أصحابه فكل صحابي تفوق في خُلُق؛ هذا في شجاعته، وهذا في كرمه، لكن النبي عليه الصلاة والسلام جمع كل الكمالات، حتى في القوة الجسدية كان مصارعاً، ففي حديث رسول الله أنه:
((صارع أبو ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي ثلاث مرات، عندها أسلم))
[أخرجه الترمذي وأبو داود عن أبي ركانة]
فسابق بنفسه على الأقدام، وصارع، وخصف نعله بيده - أصلحه - ورقع ثوبه بيده، ورقع دلوه بيده، وحلب شاته، وخدم أهله ونفسه، وحمل معهم اللبنة في بناء المسجد، - كان يحمل اللبن في بناء المسجد- ورفع على بطنه الحجر من الجوع تارة، وشبع تارة، وأضاف وأضيف - أي كان ضيفاً وكان مضيفاً - واحتجم في وسط رأسه، وعلى ظهر قدمه، واحتجم في الأخدعين، والكاهل، وما بين الكتفين، وتداوى، وكوى ولم يكتوَ، ورقى ولم يسترقِ، وحمى المريض مما يؤذيه، أي إنسان طبيعي يعيش مع الناس، يشاركهم في كل شيء، فالإنسان مكانته تأتي لا من ترفعه من بعض الأعمال، بل تأتي مكانته من قربه من الله عز وجل؛ شيء لفت نظري أن الدول الغربية وجدوا أن صناعتهم متخلفة عن اليابان- صناعة السيارات - فأرسلوا وفداً إلى اليابان للبحث عن سبب تفوقهم في الصناعة؛ ففوجئوا أن السبب اجتماعي، وليس تكنولوجياً، وجدوا أن المدير هناك يأكل مع العمال، لا يوجد حواجز بين المدير والعمال، فهذا الاختلاط اختلاط القمم مع القواعد يعمل ألفة، يعمل اندفاعاً وحماساً، والآن في بعض المعامل عندنا لا يوجد حواجز بين المدير والعامل، يأكلون معاً فالعامل يشعر أن هذا المعمل معمله، فيتقن عمله؛ إتقان العمل يروج البضاعة، فقواعد ديننا عظيمة جداً، فهم يتواضعون لأسباب مادية محضة، لأسباب تجارية محضة؛ أما نحن فنتواضع ونطبق السنة لأسباب تعبدية أرقى بكثير، دنيا وآخرة، إذا كان هناك فضائل ففضائل مخدوشة بحب المال، أما فضائل المؤمنين ففضائل مجردة من محبة المال؛ ليس الهم أن أربح؛ بل الهم أن أتقرب لله عز وجل، لذلك المؤمن إذا كان كاملاً فله الدنيا والآخرة، أما الكافر إذا كان ذكياً، وقلد المؤمن بأخلاقه؛ فمن أجل أن يكسب ثقة الناس، وأن يربح، وأن يحقق مصالحه، هذا شيء وهذا شيء آخر. النبي عليه الصلاة و السلام أحسن الناس معاملة :
وكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاملة، وكان إذا استسلف سلفاً قضى خيراً منه، وكان إذا استسلف لرجل سلفاً قضاه إياه ودعا له، ويقول عادة:
((بارك اللهُ في أهلك ومالكَ، إنما جزاء السَّلَفِ الحمدُ والأداءُ ))
[أخرجه النسائي عن عبد الله بن أبي ربيعة]
كثير من الأشخاص يقسم بالله ألا يدين واحداً من أثر معاملة سيئة، فكان إذا استسلف سلفاً قضاه إياه ودعا له، وقال: ((بارك اللهُ في أهلك ومالكَ، إنما جزاء السَّلَفِ الحمدُ والأداءُ ))
[أخرجه النسائي عن عبد الله بن أبي ربيعة]
((استسلف من رجل أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاري - احتاج هذه المواد - فأتاه، فقال عليه الصلاة والسلام: ما جاءنا من شيء بعد. فقال الرجل وأراد أن يتكلم فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقل إلا خيراً فأنا خير من تسلف- أي اطمئن؛ لا تقل إلا خيراً، أنا خير من استسلف- أعطاه أربعين فضلاً وأربعين سلفة فأعطاه ثمانين ))
[رواه البزار عن عبد الله بن عباس]
واقترض بعيراً؛ فجاء صاحبه يتقاضاه – هناك نقطة مهمة جداً؛ سأوضحها لكم- كيف سمح الله لإنسان أن يقاضي النبي ويغلظ له بالقول؟! لأن الله عز وجل لولا أن هؤلاء الذين تسلفوا منه وأغلظوا له بالقول، لو لم يفعلوا ما ظهر كمال النبي، فالله عز وجل أراد أن يظهر كمال النبي، فهناك أشخاص سفهاء، وأشخاص عندهم غلظة ومطالبتهم قاسية، كل أنواع البشر عاملهم النبي عليه الصلاة والسلام، لو أن الله عز وجل جعل حول النبي أصحاباً محبين فقط، واحترام ما بعده احترام، وأدب ما بعده أدب، وهو قابلهم بكمال، لما ظهرت الفضائل الأخرى، لكن هناك فضائل لا تظهر بالكمال، يوجد فضائل لا تظهر إلا بالقسوة؛ إنسان طالبك بقسوة، إنسان أغلظ القول؛ الإنسان مادام محترماً احتراماً عالياً تلقاه لطيفاً، أما إذا تجاوز حده معه فيقطعه قطعاً، هكذا شأن الأقوياء؛ مادام هناك تأليه؛ مسرور، تؤلهه مسرور، تجاوزت حدك معه بكلمة يقطعك قطعاً. حلم النبي صلى الله عليه و سلم :
أما النبي سيد الخلق وحبيب الحق هناك أشخاص تجاوزوا الحد معه، فما زاده هذا إلا حلما:ً
((اقترض بعيراً، فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي عليه الصلاة والسلام، فهمّ به أصحابه فقال: دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً))
َ[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
هذا مبدأ؛ مظلوم، عنده مشكلة، فله مقال؛ دعوه ليتكلم ليعبر عن حاجته، الإنسان إذا كان مظلوماً، وتكلم يرتاح، لا تمنعه من الكلام، لو منعته ينفجر، وهذا أساساً مبدأ بالمعالجة النفسية يسمونه البوح؛ أحياناً يأتي المريض يتكلم مع الطبيب، يرتاح؛ الطبيب ما فعل شيئاً، فقط أصغى له، أحياناً الواحد مع أولاده، مع أهله؛ يتكلمون؛ استمع، الكلام وحده علاج، إن لم تسمح لها بالكلام إطلاقاً ستنفجر، فهناك طريقة بالمعالجة النفسية؛ أن الطبيب النفسي يسمح للمريض أن يعبر عن مشكلته ليعرف أبعادها كلها، فكأن هذا التوتر انتشر، وهذا الضغط فرغه، والإنسان عندما يعبر عن مشكلته يرتاح، فقال : ((دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
أنا مرة، هناك صديق يعمل في الجامعة أستاذاً، فتفقدناه في الجامعة شهراً و لم نجده، وعندما جاء قلت له:أين أنت؟ قال لي: عندنا مؤتمر لرفع مستوى الإدارة. قلت له: هذا المؤتمر ما توصياته النهائية؟ قال لي: عجيب؛ أقصر توصية رأيتها في حياتي ألا يكون هناك حاجز بين الرئيس ومرؤوسيه - دائرة، مستشفى، مدرسة، معمل له، مدير عام و عمال لا يكون هناك حاجز بينهما- قلت له : عجيب؛ هذا قول سيدنا عمر، سيدنا عمر، أوصى أحد الولاة، قال له: "لا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم".
إذا كان هناك حاجز فالإدارة سيئة جداً لأن الصغار يظلمون، والمظلوم لا يستطيع أن يصل للأعلى- لا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم - أما إذا أقل إنسان يستطيع أن يصل إلى مدير المعمل، فالذي له وظيفة عالية بالمعمل؛ الإنسان المظلوم له حق أن يقابل مدير المعمل، يشتكي عليه، يحسب، يعد للألف قبل أن يظلم هذا الموظف البسيط، أما إذا الطريق لمدير معمله غير سالك فيأخذ حريته:
((واشترى مرة شيئاً وليس عنده ثمنه، فأربح فيه فباعه، وتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب.))
[أَخرجه أبو داود عن عبد الله بن عباس]
هديه صلى الله عليه و سلم في وفاء الدين :
تقاضاه غريم له ديناً فأغلظ عليه، فهم به عمر بن الخطاب، فقال: ((مه ياعمر، كنت أحوج إلى أن تأمرني بالوفاء، وكان أحوج إلى أن تأمره بالصبر -أي أنت ما أصبت؛ مرني بحسن الأداء، ومره بالصبر-))
[رواه الطبراني عن عبد الله بن سلام]
((وباعه يهودي بيعاً إلى أجل؛ فجاء قبل الأجل يتقاضاه ثمنه، فقال لم يحل الأجل، فقال اليهودي إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، فهم به أصحابه فنهاهم، فلم يزده ذلك إلا حلماً، فقال اليهودي: كل شيء منه قد عرفته من علامات النبوة؛ وبقيت واحدة وهي أنها لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فأردت أن أعرفها، فأسلم اليهودي))
[صحيح عن عبد الله بن سلام]
أي اليهودي ليس له حق؛ استسلف النبي منه شيئاً لشهر، جاءه قبل شهر، قال له: الأجل لم يحن بعد، قال له: إنكم مطل يا بني عبد المطلب - أغلظ - فنهى أصحابه أن يفعلوا شيئاً، فقال اليهودي: كل شيء منه قد عرفته من علامات النبوة؛ وبقيت واحدة وهي أنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، أردت أن أعرفها فأسلم.
ثلاث قصص؛ ثلاثة أشخاص تهجموا عليه، وتطاولوا عليه، وأغلظوا له في القول، فما زاده هذا إلا حلماً ووداعة وسلاماً.
مشية الرسول الكريم مشية أولي العزم والهمة والشجاعة :
وكان إذا مشى تكفأ تكفؤاً، وكان أسرع الناس مشية، وأحسنها، وأسكنها، قال أبو هريرة: ((ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
كان رياضياً، مشيه فيه عزم وقوة وسرعة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا مشى تكفّأ تكَفُّؤا ، كأنما يَنحَطّ من صَبَب ))
[أخرجه رَزينَ عن علي ]
الإنسان إذا كان نازلاً من جبل يتكفأ تكفؤاً أي كل حركة من حركاته تعني القوة، وكان إذا مشى تقلع - قلت و التقلع: الارتفاع من الأرض بجملته، أي ليس شحطاً يشحط رجله - تقلع تقلعاً، وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات، وأروحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج، والمهانة، والتماوت، وأبعدها من مشية الهوج، والمهانة والتماوت؛ تلقى إنساناً ماشياً كأنه ميت، أي مشيه مزر، وهناك مشية ذليل، و مشية هوج، مشيته لا مشية هوج، ولا ذل، و لا مهانة، ولا تماوت، فإن الماشي إما أن يتماوت في مشيته، ويمشي قطعة واحدة، كأنه خشبة محمولة، وهي مشية مذمومة قبيحة؛ وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب، مشية الجمل الأهوج، وهي مشية مذمومة أيضاً، وهي دالة على خفة عقل صاحبها؛ ولاسيما إذا كان يكثر الالتفات، حال مشيه يميناً وشمالاً؛ وإما أن يمشي هوناً، وهي مشية عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾
[ سورة الفرقان:63]
كما وصفهم الله في كتابه، قال غير واحد من السلف: هوناً بسكينة ووقار من غير تكبر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبحان الله! الأدب ينعكس على المشي، ينعكس على الجلوس؛ تلقى جلسة فيها كبر، جلسة فيها قلة أدب، جلس على كنبة، على طرفها يجلس و يضطجع على آخر المسند صار مائلاً؛ يضع رجلاً فوق رجل؛ منظر وقح؛ جلسة فيها وقاحة، هناك جلسة فيها أدب؛ فالإنسان مشيه وجلوسه يعبر عن إيمانه - فإنه مع هذه المشية كأنه ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، حتى كأن الماشي معه يجهد نفسه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير مكترث - غير مكترث ليس القصد أنه متكبر؛ لكن على تقدمه بالسن عليه الصلاة والسلام كان نشيطاً في مشيه وهذا يدل على أمرين: أن مشيته لم تكن مشية تماوت ولا مهانة، بل مشيته أعدل المشيات. أنواع المشي :
والمشيات عشرة أنواع، هذه ثلاثة منها: مشية تماوت، ومشية هوج، ومشية هون؛ التي كان يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام لا مشية هوج ومهانة وتماوت. الرابعة: السعي، والخامسة: الرّمل، وهو أسرع المشي مع تقارب الخطا، الرمل ويسمى الخبب. وفي الصحيح من حديث ابن عمر:
((أن النبي صلى الله عليه وسلم خب في طوافه ثلاثاً، ومشى أربعاً))
[أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر]
الخبب أي هرولة خفيفة.
السادس: النّسلان، وهو العدو الخفيف، الذي لا يزعج الماشي، وفي بعض المسانيد:
((أن المشاة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشي في حجة الوداع؛ فقال: استعينوا بالنسلان))
[ الحاكم عن ابن عباس]
والسابع: الخَوْزَلَى، وهي مشية التمايل، وهي مشية يقال فيها: إن فيها تكسراً وتخنثاً – أي مشية نسائية، هناك رجل يمشي هذه المشية، يتمايل ويتكسر في أعضائه - والثامن: القهقرى؛ وهي المشية إلى الوراء، والتاسع: الجَمَزَى وهي مشية يثب فيها الماشي وثباً، والعاشر: مشية التبختر وهي مشية أولي العجب والتكبر، وهي التي خسف الله سبحانه بصاحبها لما نظر في عطفيه، فأعجبته نفسه، وأعدل هذه المشيات الهون والتكفؤ، أي فيها قوة وفيها وقار؛ التكفؤ فيها قوة، والهون فيها وقار، إذاً عندنا مشية الهوج، مشية المهانة، مشية التماوت، السعي، الرمل، النسلان، الخَوْزَلَى، القهقرى، الجمزى، التبختر؛ عشرة أنواع للمشي أعدلها؛ الهون والتكفؤ، التكفؤ فيها قوة، والهون فيها وقار، وهذه مشية النبي عليه الصلاة والسلام. أما مشيه مع أصحابه: ((فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: دعوا ظهري للملائكة))
[رواه أحمد عن جابر بن عبد الله]
ولهذا جاء في الحديث: ((وكان يسوق أصحابه، وكان يمشي خلفهم، وكان يماشي أصحابه، فرادى وجماعة،ومشى في بعض غزواته مرة، فدميت أصبعه، فقال:هَلْ أَنتِ إلا إصْبَعٌ دَميتِ وفي سبيل اللَّه ما لقيتِ))
[رواه الترمذي عن جندب بن سفيان البجلي]
(( وكان في السفر يسوق أصحابه أمامه، هو يسير خلفهم؛ يزجي الضعيف و يردفه، ويدعو لهم))
[ذكره أبو داود عن جابر بن عبد الله]
الماشي في الخلف يجب أن يخدم أصحابه؛ الضعيف أعانه، إن وجد حاجة أخذها؛ هذا من أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ هو كان في خدمتهم، يمشي خلفهم في خدمتهم.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:32 AM   #7


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم









بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( السابع )


الموضوع : هدية فى كلامة و سكوتة وضحكة و بكائة و حركاتة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كلامه و سكوته :
هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه:
كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، أفصح كلام بعد القرآن الكريم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوتي جوامع الكلم وقال:
((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش))
[ أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ]
كان أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاماً، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقاً، إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل، مبين يعده العاد، ليس بهذر مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تتخلله السكتات بين أفراد الكلام، كلام متصل، كلام واضح، كلام فصيح، كلام مقبول، ليس بهذر متقطع، تتقطعه السكتات، بل هديه في الكلام أكمل هدي، قالت عائشة رضي الله عنها: (( ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسَرْدِكم هذا . ولكنه كان يتكلم بكلام يُبَينه ، فَصْل ، يحفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِليه ))
[رواه الترمذي عن عائشة]
وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليعقل عنه؛ فكرة دقيقة جداً، عميقة جداً، خطيرة جداً، يعيدها مرتين أو ثلاثة، وكان إذا سلّم سلّمَ ثلاثاً، وكان طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه - أي الكلمة تملأ فمه، أحياناً الإنسان يعلك الكلام علكاً، أحياناً الكلمة غير واضحة - يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم؛ فصل لا فضول ولا تقصير؛ البلاغة هكذا بين الإيجاز المخل والإطناب الممل – لا يوجد كلام زائد ممل ولا كلام ناقص ليس واضحاً - وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، وإذا كره شيئاً عرف في وجهه، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً ولا عياباً - ما كان يعيب شيئاً، وما كان عنده صوت عال صخاب - وليس لديه أي مزاح فاحش؛ الآن كثير من الناس، أربعة أخماس كلامهم مزاح فاحش - كلام ملغوم -. هديه صلى الله عليه و سلم في ضحكه :
كان جلّ ضحكه التبسم، بل كله تبسم، فكانت نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه أصحابه، أحياناً الإنسان حتى يركز مكانته يعزل نفسه عما حوله، فيترفع عن كل شيء مضحك؛ أي إن حدث طرفة ومن حوله ضحك، وهو ضحك؛ شارك؛ الضحك كمال أما إذا بقي آخذاً وضع الهيمنة، وهناك شيء مضحك - والكل ضحكوا - وهو لم يضحك؛ فيحرج الباقين، فكان عليه الصلاة والسلام من كماله يضحك مما يضحك منه أصحابه، وكان يتعجب مما يتعجبون، وللضحك أسباب عديدة؛ هذا أحدها؛ هناك شيء يدعو للضحك.
أنواع الضحك :
هناك نقطة دقيقة أن الله عز وجل قال:
﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾
[سورة النجم: 43]
إذا كان الإنسان جالساً مع أهله، وصار هناك طرفة و ضحك، فهذا من فضل الله عز وجل لأن الله عز وجل قادر على أن يبكيه، فقد يكون هناك مشكلة، قد تأتي مشكلة لا يمكن أن تضحك معها إطلاقاً، مادامت الأمور ميسرة، و الله عز وجل مسلم لك صحتك وأولادك وأهلك؛ لا يوجد عندك مشكلة كبيرة، وضحكت فهذه نعمة من نعم الله عز وجل: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾
[سورة النجم: 43]
وللضحك أسباب عديدة؛ هذا أحدها.
والثاني: ضحك الفرح؛ الإنسان أحياناً يضحك من شدة الفرح، وهو أن يرى ما يسره أو يباشره.
والثالث ضحك الغضب:
مرة شده أعرابي من ثوبه حتى أثّر على رقبته الشريفة وقال: ((أعطني من مال الله فهذا ليس مالك ولا مال أبيك))
فالنبي تبسم وقال: ((صدق إنه مال الله))
[أخرجه البخاري عن أنس بن مالك]
هذا التبسم دليل القوة؛ بإمكانه أن يقتله، بإمكانه أن يسحقه، لكن رثى لحاله، ورحمه، فكان التعبير تبسماً، هذا تبسم الغضب.
ضحك الغضب وهو كثيراً ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه، وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه، وشعور نفسه بالقدرة على خصمه، وأنه في قبضته؛ وقد يكون ضحكه لملكه نفسه عند الغضب - هذه بطولة - المؤمن يملك نفسه عند الغضب؛ مسيطر، نفسه طوع يديه، هناك إنسان إذا غضب تفلت الزمام منه، يتكلم كلاماً بذيئاً، يسب الدين أحياناً، فكان عليه الصلاة والسلام إذا غضب تبسم، هذا تبسم التملك: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[سورة القلم:4]
لم يقل إنك لذو خلق عظيم، إنك لعلى - أي مسيطر -. الغضب و التغاضب :
وقد يكون تبسمه عند الغضب إعراضه عمن أغضبه، و عدم اكتراثه به، فالإنسان القوي الذي أكرمه الله عز وجل بالحكمة لا يسمح لإنسان أن يسيطر عليه، فإذا استفزك إنسان وغضبت وتفلت الزمام منك وتكلمت كلاماً سيئاً جداً؛ فالمعنى أنه هو مالك لك، ولست أنت مالك له، فكل إنسان له مفتاح، فإن كان مفتاحك مع الآخرين فيعني أنه ليس لك شخصية، أما البطولة أن تستفز فلا تغضب؛ أن تستفز فلا تغضب، أما ممكن أن تتغاضب - التغاضب غير الغضب - التغاضب أسلوب حسن؛ أحياناً بأعماقك هادئ هدوءً شديداً، لكن تقتضي قوة التربية أن تتغاضب، قال سيدنا أبو ذر لسيدنا عمر:" (إن الناس هابوا شدتك، قال له: والله يا أبا ذر لو علم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى".
سمعت عن أحد الزعماء بأوربا، له كلمة مشهورة - بسمارك - قال:" أنا أتغاضب ولا أغضب وأرضي أعدائي ولا أسترضيهم".
الإرضاء بالفعل والاسترضاء بالكلام، لا يسترضيهم لكنه يرضيهم، هناك خصومة شريفة أحياناً تقف موقفاً أخلاقياً، أي تستجيب لطلب من خصم، أما هذا الكلام الذي فيه ميوعة، وفيه تذلل؛ لا يفعله أبداً، أنا أتغاضب ولا أغضب، أرضي ولا أسترضي.
هديه صلى الله عليه و سلم في بكائه :
أما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه؛ لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ما ضحك قهقهة، ولا بكى بشهيق؛ والله هناك ضحك تشعر أن فيه سوء أدب، بصوت مرتفع و بميلان يمنة ويسرة، وهناك ضحك فيه أدب: ((قيل له ما هذا الأدب؟ قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي))
[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]
ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، هذا بكاؤه، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته، وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحب للخوف والخشية؛ فلما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: (( تدمع العين ، ويَحْزَن القلب ، ولا نقول إِلا ما يرضي ربنا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ))
[أخرجه مسلم عن أنس بن مالك ]
وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض، إحدى بناته ماتت بين يديه؛ فبكى، وبكى لما قرأ عليه عبد الله بن مسعود سورة النساء، وانتهى فيها إلى قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً﴾
[سورة النساء: 41]
وبكى عندما مات عثمان بن مظعون، وسمع من تقول خلف الستار: "هنيئاً أبا السائب لقد أكرمك الله" فقال عليه الصلاة والسلام: ((وما أدراك أن الله أكرمه؟ قولي؛ أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي))
[رواه أحمد عن عبد الله بن عباس]
هذا منتهى الأدب؛ أما عندما تحكم على الله عز وجل أن فلاناً يدخل الجنة؛ أأنت إله أنت؟! الأمر بيدك؟! معك علم قطعي؟! هذا فيه تأل على الله.
عندما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف جعل يبكي في صلاته؛ وجعل يقول: ((ربِّ ، ألم تَعِدْني أن لا تُعَذِّبَهم ، وأنا فيهم ؟ ألم تَعِدْني أن لا تعذِّبَهم وهم يستغفرون ؟ ونحن نستغفرك))
[رواه النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته، وكان يبكي أحياناً في صلاة الليل. أنواع البكاء :
والبكاء أنواع؛ أحدها بكاء الرحمة والرقة، والثاني بكاء الخوف والخشية، والثالث بكاء المحبة والشوق، والرابع بكاء الفرح والسرور، والخامس بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله، والسادس بكاء الحزن - الحزن والجزع و الفرح والمحبة و الخوف والرحمة - والفرق بينه وبين بكاء الخوف أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه، أو فوات محبوب، وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك؛ خشية المستقبل بكاء خوف، ندم على الماضي بكاء حزن.
بالمناسبة هناك بكاء يفسد الصلاة، البكاء أعلى درجة من الشوق إلى الله، والبكاء دليل الخشوع في الصلاة؛ إلا إذا كان هناك بكاء من نوع معين؛ إذا الإنسان بكى في الصلاة فصلاته باطلة، عليه أن يعيدها؛ إذا بكى ألماً على شيء فاته من الدنيا في الصلاة؛ المعنى أنه لا يفهم شيئاً إطلاقا؛ً إذا بكى على شيء فاته من الدنيا في الصلاة فصلاته باطلة؛ تفسد.
والفرق بين بكاء السرور والفرح، وبكاء الحزن؛ أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان، ودمعة الحزن حارة والقلب حزين، ولهذا يقال لما يفرح به: هو قرة عين، وأقر الله عينه، ولما يحزن: هو سخينة عين، وأسخن الله عينه؛ بكاء الألم حار، وبكاء الفرح بارد، والسابع بكاء الخور والضعف، والثامن بكاء النفاق؛ قد تُعجب بإنسان يبكي! عنده قدرة على البكاء عجيبة، إذا بكى تصدقه، قال: هذا بكاء النفاق، وهو أن تدمع العين والقلب قاس، فيظهر صاحبه الخشوع وهو من أقسى الناس قلباً، هذه قدرة بالإنسان، يبكي وهو قلبه قاس، والتاسع البكاء المستعار، أو المستأجر عليه؛ كبكاء النائحة بالأجرة، فإنها كما قال عمر رضي الله عنه:" تبيع عبرتها شجو وتبكي غيرها".
قديماً كانوا يستأجرون نائحات يولولون، يبكون بكاء شديداً، حتى يظهروا الحزن، هي مستأجرة؛ أي بكاء بالأجرة فقال سيدنا عمر هذه النائحة: "تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها".
والعاشر بكاء الموافقة، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم، فيبكي معهم، ولا يدري لأي شيء يبكون، ولكنه رآهم يبكون فبكى، وما كان من ذلك دمعاً بلا صوت فهو بكى – مقصور-، وما كان معه صوت فهو بكاء - ممدود - فالبكاء بالألف والهمزة؛ بكاء معه صوت، وما كان من دون صوت فقط دموع فهو بكى، وما كان منه مستدعى متكلفاً فهو التباكي؛ التباكي: التصنع، التفعل هو التصنع، وهو نوعان؛ محمود ومذموم، فالمحمود أن يستجلب لرقة القلب، ولخشية الله لا للرياء والسمعة، والمذموم أن يجتلب لكثرة الخير، لذلك قال عمر للنبي عليه الصلاة والسلام وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر فقال:" أخبروني، ما يبكيكما يا رسول الله فإن وجدت بكاء بكيت معكم وإن لم أجد تباكيت؟"، هذا بكاء الموافقة - محمود - أن تجاري من حولك في البكاء: فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت".
ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.
وقال بعض السلف:" ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا"
هذه أنواع البكاء وأنواع الضحك.
وهدي النبي عليه الصلاة والسلام في الضحك والبكاء وفي التكلم وفي الصد.
هدي النبي عليه الصلاة و السلام في حركاته :
وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن في تنعله، وفي ترجله، وطهوره، وأخذه وعطائه، يستعمل اليد اليمنى ويبدأ باليمين، وكانت يمينه لطعامه وشرابه وطهوره، ويساره لخلائه و نحوه من إزالة الأذى؛ الأشياء الطيبة الجميلة الإيجابية باليمنى، والأشياء غير الطيبة - تنظيف نفسه، الطهور باليسرى - وكان يحب السواك، وكان يستاك مفطراً و صائماً، و يستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المنزل، وكان يستاك بعود الأراك، وكان يكثر التطيب، ويحب الطيب، وذكر عنه أنه يستعمل الطيب حتى أنه يعرف بريح الطيب عليه الصلاة والسلام.
وكان يجلس على الأرض؛ أحياناً يكون هناك كنبات في الغرفة؛ تمتلئ الكراسي؛ فيأتي إنسان محترم، و يجلس على الأرض؛ هذا تواضع فيه، هناك شخص إذا لم يقعد على كرسي يرى نفسه مهاناً؛ هناك كثير من الجلسات يكون المكان قد ضاق بالضيوف يأتي شخص محترم جداً و يقعد على الأرض؛ أراح صاحب البيت، وخفف عنه؛ لا يوجد كراسي و الكراسي ممتلئة؛ أي إذا عودنا أنفسنا إن لم يكن هناك كرسي أن تقعد على الأرض؛ فهذا تواضع، هذا أدب عال؛ فكان عليه الصلاة والسلام يجلس على الأرض، وعلى الحصير، و البساط، وقالت امرأة رأته:
((أتيت النبي عليه الصلاة والسلام وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله كالمتخشع في الجلسة؛ أرعدت من الفرق))
[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن حسان العنبري]
((ولما قدم عليه عدي بي حاتم؛ دعاه إلى منزله، فألقى إليه وسادة من أدم محشوة ليفاً وقال اجلس عليها، فقال: بل أنت، قال بل أنت، فجلست عليها وجلس على الأرض - وهو سيد الخلق - قال، يقول عدي بن حاتم: فعرفت أنه ليس بملك))
[أخرجه البخاري عن عدي]
وكان يستلقي أحياناً، وكان يتكئ على الوسادة أحياناً، وكان يتكئ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه توكأ على بعض أصحابه من الضعف، لتقدمه بالسن كان يتوكأ على بعض أصحابه.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:34 AM   #8


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم







بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( الثامن )


الموضوع : هدية فى خطبتة



بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الأنبياء جاؤوا بكلمة قالوها فغيروا معالم الحياة :
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته؛ قبل الحديث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته، لا بد من مقدمة.
أيها الأخوة؛ الأنبياء بماذا جاؤوا؟ جاؤوا بكلمة قالوها، فغيروا معالم الحياة، غيروا وجه الأرض، نشروا العدل، نشروا الفضيلة، إلا أن كلمتهم لها رصيد، وإنسان آخر يقول كلمة أخرى ليس لها رصيد، لا تفعل شيئاً، فمع امتداد الزمن، وظهور النفاق والتفلت؛ هناك كلمات لكنها ليس لها رصيد، إذاً لا تؤثر، فالأنبياء ما جاؤوا إلا بالكلمة، لكن هذه الكلمة لها في أخلاقهم، وفي إيمانهم، وفي سلوكهم، رصيد كبير، ففعلت فعل السحر.
فالنبي خطب وفي العالم الإسلامي آلاف آلاف الخطباء، لكن الذي حصل عند النبي لن يحصل بعده، الفرق هو أن كلمته يقابلها كم كبير جداً من الأخلاق، كم كبير جداً من السلوك، كم كبير جداً من الحب، حب، وأخلاق، وسلوك؛ فعليه الصلاة والسلام خطب على الأرض، وخطب على المنبر، وخطب على البعير، وخطب على الناقة، و:
((كان إذا خطب احْمَرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه مُنْذِر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول : بعثتُ أنا والساعةَ كهاتين ، ويقرْن بين إصبعيه: السبَّابةِ والوسطى، ويقول: أما بعدُ، فإن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرُ الهدْي هدْيُ محمد،صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمورِ مُحْدَثاتُها، وكلُّ بدْعة ضلالة))
[أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه]
الذي أريد أن يكون واضحاً عندكم لو أن الإنسان لم يكن خطيب مسجد، ولم يكن داعية بالمعنى النظامي الأكاديمي، أما كل واحد من المؤمنين بإمكانه أن يكون داعية فإذا كان لديه رصيد كبير من الأخلاق، والصدق، والأمانة، وعدم النفاق؛ سلوكه وحده هو الرصيد؛ فإذا تكلم تماماً كالشيك الذي له رصيد، يقول لك: يكتب ثلاثين ألفاً، يوقع، يعطيك إياه؛ ماذا فعل؟ قضية سهلة جداً، مئة ألف يوقع، يعطيك إياه، مليون يعطيك إياه، تفرح أنت، لماذا فرحت؟هذه ورقة، عليها توقيع وعليها رقم، لكن هذه الورقة إن ذهبت إلى المصرف تأخذ مئة ألف؛ هناك رصيد، فالإنسان يجهد أن يكون له رصيد عند الله، إذا تكلم كان لكلامه فعل السحر، أما إذا لم يكن هناك رصيد فآلاف المتكلمين، آلاف المتحدثين، آلاف المتشدقين، آلاف المنافقين، والمسلمون هم هم.
كل مؤمن مكلف أن يكون داعية إلى الله عز وجل :
الشيء الثاني دعوة لكل الناس، كل مؤمن مكلف أن يكون داعية إلى الله عز وجل؛ تكليف حقيقي، ليس تكليفاً خيالياً، أي أنت لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فرض، والله عز وجل يقول:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
[سورة العصر:1-3]
إنسان يعيش كل عمره لا يحدث نفسه بالجهاد؛ يموت على ثلمة من النفاق، يعيش عمره بكامله لم يفكر أن يهدي أحداً، والجهاد أنواع: عندنا الجهاد الدعوي، هذا أخطر جهاد؛ والله سماه الجهاد الكبير: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾
[سورة الفرقان: 52 ]
وهناك جهاد النفس والهوى، أي قبل أن نصل إلى الجهاد القتالي - وليس متاحاً الآن - أما المتاح فهو الجهاد الدعوي، وجهاد النفس والهوى، فلذلك الإنسان مكلف أن يكون داعية إلى الله في حدود ما يعلم ومع من يعلم، مع من يعرف، في حدود ما يعلم ومع من يعرف، وهناك حد أدنى من الدعوة؛ أحياناً تُسمع إنساناً شريطاً؛ أنت لا يوجد عندك إمكانيات لأن تشرح، و توضح، و تبين، وتعلل، وتأتي بالدليل؛ قد لا تملك هذه الإمكانات، أما مئات الأشخاص فيقومون بتوزيع شريط، ويتابعون الأمر، وأعرف أناساً بلغوا شأناً عالياً جداً في الدعوة من خلال هذا الطريق، فالإنسان إن لم يحدث نفسه بالجهاد الدعوي مات على ثلمة من النفاق.أقرب الناس لك، من حولك؛ أهلك، جيرانك، أصدقاؤك، زملاؤك. هدي النبي صلى الله عليه و سلم في خطبته :
وكان عليه الصلاة والسلام لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، وكان يخطب قائماً، وكان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: السلام عليكم، وقال الشعبي: "وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك".
وكان يختم خطبته بالاستغفار، وكثيراً ما يخطب بالقرآن؛ القرآن فيه محكم، أحياناً إذا تلوت على الناس آيات محكمة فهذه خطبة؛ نحن نتوهم أن القرآن يحتاج إلى تفسير؛ صحيح؛ في متشابهه، أما:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
[سورة الحاقة:19-24 ]
هل تحتاج إلى تفسير؟! ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه﴾
[سورة الحاقة:25-29]
آيات كثيرة جداً، سور بأكملها لا تحتاج إلى تفسير، فإذا قرأتها، أو قرأتها على الناس؛ هي في حدّ ذاتها خطبة. افتتاح النبي عليه الصلاة و السلام خطبه بالعبارات التالية :
وفي صحيح مسلم عن أم هشام بنت الحارثة، قالت:
((ما أخذت"ق والقرآن المجيد" إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس))
[مسلم عن أم هشام بنت الحارثة]
أنا سمعت من مدة خطبة - وأنا مسافر - لفت نظري أن الخطيب قرأ أكثر من خمسمئة آية دون أن يتكلم من عنده بأية كلمة لكنه جامع الآيات جمعاً بحيث أنها تؤدي معنى متكاملاً، من عنده لم يخطب بأية كلمة، يبدو أن الخطبة يقولها في كل مكان - أي هو يسافر يتنقل من مكان لمكان - لفت نظري القرآن وحده خطبة.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا تشهد قال: ((الحمدَ لله. نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا . مَنْ يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضْلِلْ فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إِله إِلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضرُّ إلا نفسه، ولا يضرُّ الله شيئاً.))
[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود ]
كان عليه الصلاة والسلام يفتتح خطبته بهذه العبارات.
وفي رواية:
ومن يعصهما فقد غوى – أي انحرف -0 التوحيد عند النبي عليه الصلاة و السلام :
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
((كل ما هو آت قريب))
[رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
والحقيقة هذه عبارة بليغة جداً؛ نحن ننتظر رمضان؛ جاء رمضان، دخلنا في رمضان، وانتهى رمضان، ننتظر عيد الأضحى، على الأبواب، يأتي ويذهب، ننتظر الشتاء، يأتي ويذهب، ننتظر الصيف، يأتي ويذهب، ننتظر نهاية العام الدراسي، يأتي العام ويذهب العام، وهكذا العمر كله، فكان عليه الصلاة والسلام يقول: ((كل ما هو آت قريب ولا بعد لما هو آت، ولا يعجل الله لعجلة أحد، الله ولا يخف لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الله شيئاً ويريد الناس شيئاً، ما شاء الله كان، ولو كره الناس، ولا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله، ولا يكون شيء إلا بإذن الله))
[رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
هذا التوحيد؛ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن - أي الله عز وجل يؤخر شيئاً ليس بإمكانك أن تقربه أنت، نلقاه خطب هذا الشهر إلى أن يحين الأوان، أسس عملاً ولم يوفق إلى أن يوفقه الله؛ ليس بيدك الأمر، أنت عليك أن تسعى لكن التوفيق له وقت، الزواج له وقت، أن يفتح الله على قلبك له وقت؛ حتى يعلم صدقك، فالله كل شيء له عنده وقت، كلامك لا يعجل ولا يؤخر؛ حتى من بعض الأدعية الشريفة: ((اللهم رضني بقضائك، وبارك لي بقدرك؛ حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت))
[رواه الطبراني عن أبي هريرة]
كل شيء له أوان. تعلّم وسائل التأثير من أسلوب القرآن الكريم و أسلوب النبي صلى الله عليه و سلم :
وكان مدار خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمد الله والثناء عليه بآلائه، و أوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه، هذه أخطر الموضوعات؛ التعريف بالله، وبأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، ثم التعريف بقواعد الإسلام، ثم بيان المصير، ذكر الجنة والنار، هذا الدين كله أساس، أي دائماً خطبة الجمعة هي فرض، وحضور الخطبة فرض؛ لذلك الخطيب يجب أن يختار موضوعات كلية، موضوعات تعرف الناس بالله عز وجل، أحياناً موضوع جزئي فقهي بخطبة لا يناسب، هذه مثل لبنة في بناء شامخ؛ لابد من أن تقدم في هذه الخطبة صورة لكامل البناء، لابد من أن تحبب الناس بهذا البناء، لابد من أن تحملهم على الدخول فيه؛ فالخطبة لها معنى دعوي دعائي، ولها معنى تأثيري، ليست قضية إقناع بل قضية حمل على مواقف، الإنسان أحياناً يقنع بالحجة، لكن بالعاطفة الجياشة وبالكلام المؤثر يحمل المستمع على أن يأخذ موقفاً، فهناك إقناع، وهناك أخذ موقف؛ الخطيب يخاطب العقل تارة، والعاطفة تارة أخرى، والقرآن الكريم هكذا؛ والنبي عليه الصلاة والسلام عندما سأله إنسان أن يأذن له بالزنا غضب الناس غضباً شديداً؛ فقال النبي:
((أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله، جعلني الله فداك . قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال : أفتحبه لابنتك؟ قال : لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال : أتحبه لأختك؟ قال : لا والله، جعلني الله فداك....))
[رواه أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي]
هذا طرح علمي، مناقشة عقلية محضة، أما الأنصار عندما وجدوا عليه في أنفسهم، قال: ((يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدتم علي في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله))
[أحمد عن العرباض بن سارية]
هذا كلام عاطفي؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام مرة خاطب العقل، ومرة خاطب العاطفة، والله عز وجل في آية واحدة خاطب العقل والعاطفة معاً، قال: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾
[سورة الانفطار: 6-7]
خلقك فسواك وعدلك هذه مناقشة عقلية، أما ماغرك بربك الكريم؟ هذه مخاطبة عاطفية، فأيضاً الإنسان يجب أن يتعلم من أسلوب القرآن الكريم، ومن أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام؛ وسائل التأثير. خطب النبي كانت في كل وقت تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم :
وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبه:
((أيها الناسُ، إنكم لن تطيقوا - أو لن تفعلوا - كلَّ ما أُمِرتُم به، ولكن سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأبشروا ويَسِّروا ))
[ أخرجه أبو داود عن الحكم بن خزن الكلفي]
وكان يخطب في كل وقت تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم - غير الجمعة - في خطبة عقد قران، في خطبة حربية؛ فكل موقف له مقال.
ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم، هو نفسه سيدنا محمد يقول: ((وأشهد أن محمداً عبده ورسوله))
[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود]
ما كان يذكر اسمه إلا بلفظ العلم المفرد.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
الجذماء: المبتورة.
ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته؛ هناك تقاليد كهنوتية صارت فيما بعد؛ تقاليد ليست من الإسلام، يمشي الخطيب و أمامه إنسان يشق له الصفوف، هذا مظهر كهنوتي ما كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، والدليل: دخل أعرابي إلى مجلسه، قال: أيكم محمد؟ هناك روايتان، الأولى قال له: أنا، والثانية قال له صحابي: ذلك الوضيء.
ليس له كرسي خاص أبداً، كان يجلس دائماً مع أصحابه. تواضع النبي صلى الله عليه و سلم و عدم تكلفه :

ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم - لباس خاص للخطابة – كان عليه الصلاة و السلام عادياً؛ والإنسان إذا كان عادياً يكون محبباً للناس أكثر، عادي من دون تكلف، من دون تصنع، وكان منبره ثلاث درجات؛ أنا شاهدت منبراً في مصر؛ قيل: هذا أعلى منبر بالعالم، يمكن لا أبالغ؛ قريب من السقف، بالضبط للسقف، المنبر بجامع القلعة يصل للسقف، سيقعد الناس ويتطلعون؛ والله الآن أرى مساجد المنبر ثلاث درجات، شيء مريح؛ الخطيب مع الناس، الحديث والقرب من الأشخاص أقرب للتأثير، لا يرفع رأسه دائماً حتى يرى الخطيب، كان منبره ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس، أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يقل شيئاً قبله ولا بعده، فإذا أخذ بالخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة؛ لا مؤذن ولا غيره، قال: ((وكان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر))
[رواه الطبراني عن سعد القرظ]
وكان الخلفاء الثلاثة من بعده يفعلون ذلك؛ إلا أن سيدنا الصديق نزل درجة، ترك لرسول الله درجة، هذا أدب؛ أي مهما كان عظيماً فهو دون رسول الله، وسيدنا عمر نزل درجة، قال: "ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر"، سيدنا عثمان لم ينزل درجة؛ فخليفة أموي سأل بعد عشرين سنة أنه لمَ لم ينزل سيدنا عثمان درجة؟ لماذا خالف السنة؟ فقيل له: إن فعلها فأنت سوف تصير في قعر بئر، أيضاً هناك حكمة؛ فسيدنا الصديق فعلها لحكمة بالغة، سيدنا عمر فعلها وانتهى الأمر.
أما ما يفعله الخطباء اليوم من حملهم للسيف إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف؛ قال: هذا جهل واضح ليس له أصل في السنة إطلاقاً، المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على عصا وأن الدين قام بالوحي وليس بالسوط، بالوحي؛ الحق هو الذي انتشر وليس السوط. قطعه صلى الله عليه وسلم الخطبة ونزوله لأمر ما :
أما الشيء الغريب أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته، أي كان طبيعياً، كان إنساناً طبيعياً، والشيء الطبيعي مؤثر، قال:
((مرة جاء الحسن والحسين يعثران فقطع كلامه؛ فنزل فحملهما، ثم عاد إلى منبره، ثم قال صدق الله العظيم:
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾
[سورة التغابن:15]
((رأيت هذين يعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما))
[رواه ابن خزيمة و النسائي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ]
((وجاء سليك الغطفاني وهو يخطب، فجلس، فقال: قم يا سليك فاركع ركعتين وتجوز فيهما، ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما))
[رواه ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله ]
هذه قضية في الفقه خلافية، ولكن هكذا يرى؛ وكان يقصر خطبته أحياناً، ويطيلها أحياناً، بحسب حاجات الناس؛ أحياناً يكون مع صحابته في الليل و النهار، أما الآن تلقى الإنسان حظه من الخطبة هذه الجمعة - لا يوجد غيرها – و يتكلم كلمتين فقط، قال لهم: سوف أتكلم عن سيدنا يوسف؛ أتعرفون القصة؟ قالوا: نعرفها. قال لهم: لا تأتوا الجمعة الثانية0
قال: الآن هناك خطبة لمن يذهب في نزهة تقدر بأربع دقائق، ماذا تعلّم؟ فكل وقت له ترتيب؛ والنبي كان يطيل أحياناً، ليس ثلاث ساعات أو ساعتان، ولا خمس دقائق أيضاً غير واردة إطلاقاً، أقل شيء نصف ساعة؛ و في هذه الخطبة يعالج موضوعاً، فكان يطيل ويقصر أحياناً.
هذا هدي النبي في خطبته وفي دعوته.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:36 AM   #9


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم





بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( التاسع )


الموضوع : هدية فى الزكاة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة :
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة أكمل هدي في وقتها، وفي قدرها، وفي نصابها، ومن تجب عليه، ومصرفها، وقد راعى فيها صلى الله عليه وسلم مصلحة أرباب الأموال، ومصلحة المساكين معاًً، وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه، وقَيّد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته؛ بل يحفظُهُ عليه، و ينميه له، ويدفع عنه الآفات، ويجعلها سوراً عليه، وحصناً له، وحارساً له. الْأَصْنافُ الّتي تجب فِيهَا الزّكاة :
ثم إنه صلى الله عليه وسلم جعلها في أربعة أصناف من المال و هي أكثر الأموال دوراناً بين الخلق، وحاجتهم إليها ضرورية؛ بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، الزروع والثمار، الجوهران اللذان بهما قوام العالم وهما الذهب والفضة، أموال التجارة على اختلاف أنواعها.
أربعة أصناف من المال.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أوجبها مرة كل عام، وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها، الزروع والثمار عند نضجها، والأموال كل عام، وهذا أعدل ما يكون، إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة؛ يضر بأرباب الأموال، ووجوبها في العمر مرة يضر بالفقراء والمساكين، لذلك جعلها كل عام مرة.
نِصابُ الزّكاة :
ثم إنه صلى الله عليه وسلم - وقد أوتي الحكمة - فاوت بين مقادير الزكاة بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها وسهولة ذلك؛ فأوجب الخمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصلاً من الأموال؛ مال جاهز - كنز؛ لقي الإنسان كنزاً ليس هناك جهد، ولا تعب، ولا حفر - الكنز زكاته الخمس ، وهو الركاز، ولم يعتبر له حولاً؛ بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به.
وأوجب نصف الخمس - وهو العشر - فيما كانت مشقة تحصيله، وتعبه، وكلفته فوق ذلك، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها - ويتولى الله سقيها - إذا تولى الله عز وجل سقي الزروع نصف الخمس – أي العشر - يتولى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد، ولا شراء ماء ولا إثارة بئر ودولاب، الأرض البعل إنتاج زكاتها نصف الخمس – العشر-.
وأوجب نصف العشر- بدأ بالخمس، نصف الخمس، العشر، نصف العشر- وأوجب نصف العشر فيما يتولى العبد سقيه بالكلفة والدوالي والنواضح وغيرها، الآن نصف نصف العشر - اثنان ونصف بالمئة - و أوجب نصف ذلك وهو ربع العشر فيما كان النماء فيه موقوفاً على عمل متصل برب المال – أي تجارة - عمل يومي، وفتح محلات، وشراء بضاعة، وبيع، وجهد، وتحصيل ديون، وشحن البضاعة؛ مادام هناك جهد يومي؛ ربع العشر؛ بدأ بالخمس – الركاز- من دون جهد إطلاقاً، نصف الخمس للأراضي البعلية، نصف العشر للأراضي المسقية، ربع العشر لأعمال التجارة؛ لذلك من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام أن نمو الزرع والثمار أظهر و أكثر من نمو التجارة - أي الإنسان يزرع أحياناً خمسة غرامات بذر بندورة يأتيه خمسة أطنان؛ كم ضعف؟ مليون ضعف؛ خمسة غرامات يزرعون في بيت بلاستيكي- نصف دونم - يعطون خمسة طن، طبعاً الطن ألف كيلو غرام، والغرام واحد من ألف من الكيلو غرام؛ فألف ألف ، فكل غرام يعطي طناً تقريباً، أي ألف ضعف، ولما كان نماء الزراعة أظهر كانت زكاة الزروع أعلى.
وظهور النمو فيما يسقى بالسماء، والأنهار أكثر، أما فيما يسقى بالآبار - الآن هناك بئر، و محرك، و وقود، و إصلاح المحرك، و صيانة المحرك - مادام هناك مصروف فنصف العشر، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل للمال الذي يحتمل أن تواسي به الآخرين نصاباً؛ لذلك لا زكاة فيما دون النصاب - أي دون الأربعين ألفاً على تقييم الذهب ودون العشرة آلاف على تقييم الفضة لا زكاة فيه- والدين يستغرق المال أحياناً، معك مئة ألف عليك مئتا ألف فالدين يستغرق المال.
تولي الله عز وجل بنفسه توزيع أموال الزكاة :
اقتضت حكمة النبي عليه الصلاة والسلام أن جعل في الأموال قدراً يحتمل المواساة، ولا يجحف بها، ويكفي المساكين، ولا يحتاجون معه إلى شيء، ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء، فوقع الظلم من الطائفتين الغني يمنع ما وجب عليه والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولّد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين، وفاقة شديدة؛ لذلك قد يلجؤون إلى الحيل، وقد يلجأ الغني إلى الحيل في عدم دفع زكاة ماله؛ لذلك تولى ربنا جل جلاله بنفسه تقسيم الصدقة، وجزأها ثمانية أجزاء، يجمعها صنفين من الناس؛ أحدهما من يأخذ لحاجة، فيأخذ بحسب شدة الحاجة، وضعفها، وكثرتها، وقلتها، وهم: الفقراء، والمساكين، وفي الرقاب وابن السبيل، والثاني: من يأخذ لمنفعته؛ وهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لإصلاح ذات البين، والغزاة في سبيل الله، فإن لم يكن الآخذ محتاجاً، ولا فيه منفعة للمسلمين فلا سهم له في الزكاة؛ أي الله عز وجل تولى بنفسه توزيع أموال الزكاة؛ فجزأها ثمانية أجزاء. تَفريق الزّكاة علَى الْمستَحقّينَ من أَهْل الْبلد :
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا علم من الرجل فاقة وفقراً؛ أعطاه الزكاة؛ قال: وإن سأله أحد من أهل الزكاة ولم يعرف حاله أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب: ((لا حظ في الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب))
[أبو داود بسند صحيح]
وكان يأخذها من أهلها، ويضعها في حقها، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تفريق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال - أي هذا المال جمع في هذه البلدة، ففقراء هذه البلدة أولى بزكاة أموال أغنيائهم من بلدة ثانية؛ الغني ربح من هنا، فالفقير اشترى وأربح الغني؛ فالفقير أولى بزكاة المال من بلدة ثانية - هذا من هدي النبي عليه الصلاة والسلام - وما فضل عنهم حمل إلى بلد آخر- لذلك كان عليه الصلاة والسلام يبعث سعاته إلى البوادي، ولم يكن يبعثهم إلى القرى؛ لأن كل قرية فيها فقراء؛ فالقرى تكفي نفسها، أما البوادي فليس حولهم أحد، بل أمر معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويعطيها فقراءهم ولم يأمره بحملها إليه.
ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل، و الرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، و لا الخضروات، ولا المباطخ و المقاتي و الفواكه؛ أي أنواع الخضروات التي لاتكال ولا تدخر؛ إلا العنب والرطب، العنب يصير زبيباًً، والرطب يخزن، فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة، ولم يفرق بين ما يبس وما لم ييبس.
دعاؤه صلّى اللّه عَلَيه وسلّم لجابي الزّكاة و النّهي عن الْأَخذ مِنْ كَرائِمِ الْأَمْوَالِ :
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرجل بالزكاة؛ دعا له فتارة يقول: ((اللهم بارك فيه وفي إبله))
[النسائي عن وائل بن حجر]
وتارة يقول: ((اللهم صلِّ عليه))
[ متفق عليه عن أبي أوفى ]
يريد هنا الدعاء له.
ولم يكن من هديه أخذ كرائم الأموال في الزكاة بل وسط المال، ولهذا نهى معاذاً عن أن يأخذ كرائم أموالهم؛ أي هناك ناقة جيدة جداً،هذه دعها لصاحبها، خذ ناقة من أوسط النوق - ناقة عادية - قال له:
((وإياك و كرائم أموالهم))
[رواه ابن خزيمة عبد الله بن عباس ]
التصرف في الصدقة :
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى المتصدق أن يشتري صدقته، وكان يبيح للغني أن يأكل من الصدقة؛ أي المتصدق أعطى الزكاة لفقير، ثم اشتراها منه؛ ينشأ هنا خجل، قد يشتريها منه بثمن بخس، نهى الغني أن يشتري صدقته من الفقير، لكنه سمح للغني أن يأكل من صدقته، أي إذا الغني أعطى فقيراً، وبعد حين الغني زار الفقير، وضيفه، مسموح له أن يأكل - وهو يعلم أن هذا المال أصله من عنده لكنه انقلب من زكاة إلى ضيافة - إذاً كان يبيح للغني أن يأكل من الصدقة تأليفاً لقلوب الفقراء إذا أهداها إليه الفقير، وأكل عليه الصلاة والسلام من لحم تصدق به على بريرة وقال: ((هو عليها صدقة، ولنا منها هدية))
[أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن أنس بن مالك]
المال اختلفت صفته.
وكان صلى الله عليه وسلم يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة، كما جهز جيشاً؛ فنفذت الإبل؛ فأمر عبد الله بن عمر أن يأخذ من قلائص الصدقة، وكان إذا عراه أمر استسلف الصدقة من أربابها، كما استسلف من العباس رضي الله عنه صدقة عامين، إذاً: يجوز أن تدفع الزكاة مقدماً إذا كان لدينا حاجة ماسة؛ يدفع الواحد مبلغاً على حساب الزكاة، لعام أو لعامين قادمين، هذا من هديه صلى الله عليه وسلم.
هديه صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر :
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر أنه فرضها على المسلم، وعلى من يمونه من صغير و كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد؛ صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب.
وروي عنه:
((أو صاعاً من دقيق، أو نصف صاع من بر))
[أخرجه النسائي عن أبي سعيد الخدري]
والمعروف أن عمر رضي الله عنه جعل نصف صاع من بر مكان الصاع من هذه الأشياء، وفي الصحيحين: أن معاوية هو الذي قوم ذلك.
و فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة و مسندة يقوي بعضها بعضاً؛ أي قوم هذا الشيء، ودفع مالاً مقابله، و إن كان العلماء لا يزالون يؤكدون أن إنفاق المال أفضل من إنفاق ثمنه؛ هناك سبب: أن الفقير أحياناً عليه دين، تعطيه خمسة آلاف، يسدها ديناً، فيبقى أولاده جياعاً، أما إذا أعطيت الفقير الطعام؛ فهذا الطعام وصل إلى أفواه أولاده حتماً.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص صدقة الفطر على المساكين فقط، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية - أي زكاة الفطر ليس لها علاقة بالعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، هذه للفقراء والمساكين -.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم - وقد جعل هذه الزكاة على كل المسلمين حتى الفقراء منهم - أن يذوق الفقير طعم الإنفاق كل عام مرة.
هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فيِ صَدَقةِ التَّطَوُّعِ :
وكان عليه الصلاة والسلام أعظم الناس صدقة مما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى، تعطيه مبلغاً؛ هذا المبلغ كثير عليه؛ يكفيه نصف المبلغ؛ هناك شخص لا يسخو أن يدفع - زكاته ضخمة؛ يرى أن المبلغ ضخم جداً، والفقير لا يستحق هذا المبلغ- كان عليه الصلاة والسلام لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى، ولا يستقِلّه وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه؛ قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ ما يأخذه - سروره صلى الله عليه وسلم بما يعطي أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه - وكان أجود الناس بالخير؛ يمينه كالريح المرسلة، و كان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان ينوع في أصناف عطائه و صدقته، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية؛ وتارة بشراء الشيء، ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً؛ كما فعل ببعير جابر، وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه، وأفضل، و أكبر، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه؛ أحياناً شخص فقير جداً؛ باعك حاجة، أنت أعطيته ثلاثة أضعاف ثمنها؛ أي أحببت أن تجبر خاطره، الشخص ينزعج ليست قضية بيع وشراء هذه قضية جبر خاطر، قضية مواساة؛ تجد طفلاً صغيراً يبيع أفضل من أن يتسول، و أحسن من أن يتعلم السرقة، إنه يعمل ؛ لا تساومه كثيراً - يظل يفاصله حتى لا يبقي له ربحاً إطلاقاً؛ يعد ذلك شطارة - هذا الطفل أحب أن يبيع؛ يجب أن يرى كرماً من المشترين، لا أن يرى شحاً. الزكاة تطهر نفس الفقير من الحقد والغني من الشح :
وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها؛ تلطفاً وتنوعاً في دروب الصدقة والإحسان، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه، وبحاله، وبقوله: ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق))
[رواه البزار بسند حسن]
فيخرج ما عنده ويأمر بالصدقة، ويحض عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعا حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى، وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف؛ لذلك كان عليه الصلاة والسلام أشرح الخلق صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً؛ فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر.
الحقيقة إذا أنفق الإنسان من ماله، وعمل أعمالاً صالحة؛ تجد معنوياته عالية جداً، وقلبه ممتلئ يقيناً، و وجهه مشرق، هناك تألق، التألق سببه العمل الصالح، وأساساً الزكاة من معانيها النماء، والطهر؛ تطهر نفس الفقير من الحقد، والغني من الشح، والمال من تعلق حق الغير به، وتنمي نفس الفقير فيشعر بأهميته في المجتمع، تنمي نفس الغني فيشعر بعمله الطيب، تنمي المال بطريقتين: بطريقة مألوفة و بطريقة العناية الإلهية.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2018, 06:38 AM   #10


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: هدى النبى صلى الله علية وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم

هدى النبى صلى الله علية وسلم

الدرس : ( العاشر )


الموضوع : هدية فى اسباب شرح الصدر



أعظم أسباب شرح الصدر :
1 ـ التوحيد :
أيها الأخوة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أسباب شرح الصدر.
كل واحد منا له جسم وله نفس، و الأصل هي النفس؛ لذلك قد يسعد وجسمه معذب، وقد يشقى وجسمه منعم، وكل واحد منا شاء أم أبى يبحث عن راحة نفسه؛ والراحة النفسية شيء ثمين جداً؛ ففي كتاب زاد المعاد فصل في أسباب شرح الصدر، يقول: أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد، وكلما ازداد التوحيد ازداد انشراح الصدر, قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾
[سورة الزمر: 22 ]
وقال تعالى:
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[سورة الأنعام:125]
فشرح الصدر شيء نفيس جداً، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾
[سورة الانشراح: 1]
شرح الصدر يحتاج إلى توحيد والشرك يورث الشقاء والضلال :
الراحة الداخلية، الشعور بالسكينة، الشعور بالسعادة، بالطمأنينة؛ الاطمئنان لعدالة الله، الاطمئنان لحكمة الله، الاطمئنان لرحمة الله، هذه الحالة الداخلية وردت بثلاث آيات:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾
[ سورة الانشراح: 1]
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام؛ حياته كلها كانت متاعب، لكن الله شرح صدره، وقد تجد أناساً غارقين في المتع، في الغنى، في الشهوات؛ وهم أشقى الناس.
قال: "التوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر".
قال تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
[ سورة الشعراء:213]
بالمقابل شرح الصدر يحتاج إلى توحيد، والشرك يورث الشقاء والضلال؛ و الضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، والنور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن هو نور الإيمان؛ فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه, وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخل النور القلب انفسخ وانشرح قالوا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))
[الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
2 ـ النور الذي يقذفه الله في قلب العبد المنيب :
إذاً أول شيء التوحيد، ثاني شيء هذا النور الذي يقذفه الله في قلب العبد المنيب هذا أحد أسباب شرح صدره.
3 ـ العلم :
الشيء الثالث: العلم، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ؛ فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، أما ليس هذا لكل علم - العلم الموروث عن رسول الله - كم من إنسان يحمل أعلى شهادة، أعلى دكتوراه، أعلى شهادة في الطب، أعلى شهادة في الفلسفة، يحمل "أكرجيه" أو "إف آر إس" من بريطانيا أو بورد من أمريكا؛ وهو أشقى الناس، كل علم ممتع ، هناك علم ممتع نافع- من معه اختصاص نادر يأتيه دخل كبير- أما العلم المقصود به هو العلم الموروث عن رسول الله - العلم الشرعي - هذا العلم ممتع كأي علم، و نافع كأي اختصاص نادر، ومسعد في الدنيا والآخرة، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، و ليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً.
التوحيد، النور الذي يقذف في القلب، العلم.
4 ـ الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته والإقبال عليه :
ومنها الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إن أحدنا ليقول أحياناً إذا شعر بالسعادة: كأني في الجنة، فهو إذاً في عيش طيب، أي الله عز وجل يذيقه في الدنيا أحوال أهل الجنة، وقال بعض العلماء: "في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".
من علامة الإيمان أن تكون أسعد الناس في الدنيا مع كل المتاعب التي تعانيها، أي إذا قلنا:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[سورة النحل: 97]
ليس معنى هذا أنه غني، وليس معنى هذا أنه قوي، الحياة الطيبة حياة نفسية، قد تكون معذباً أحياناً، قد تكون فقيراً، قد تكون مريضاً، ولكن الله يتجلى على قلبك تجلياً تنسى كل متاعب الحياة، وقد يحجب عنك رحمته وأنت في أعلى درجات النعيم فتذوق أنواع الشقاء، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن؛ فرؤيتهم قذى ومخالطتهم حمق، وبالمقابل: من أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحبّ شيئاً غير الله عذب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً ولا قلباً؛ هما محبتان؛ محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح وغذاؤها بل حياتها وقرة عينها وهي محبة الله وحده، ومحبة هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه، هما محبتان، إن أحببت الله فأنت أسعد الناس، وإن أحببت الدنيا فأنت أشقى الناس؛ أول شيء: التوحيد، ثاني شيء: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، ثالث شيء: العلم، رابع شيء: الإنابة. 5 ـ دوام ذكر الله على كل حال وفي كل موطن :
خامس شيء: ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه، ونفعه بما يمكنه من المال، والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان، أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأعظمهم هماً وغماً، وقد ضرب النبي عليه الصلاة والسلام مثلاً في الصحيح للبخيل والمتصدق:
((مثلَ البخيل والمتصدِّق كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد كُلَّما هَمَّ المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه، ويعفى أثرَهُ، وكلما همّ البخيل بالصدقة لزمت كلُّ حَلْقة بمكانها، ولم تتسع عليه))
[صحيح عن أبي هريرة]
التوحيد، والنور، والإنابة والإقبال على الله عز وجل، و العلم، ودوام الذكر.
6 ـ الشجاعة :
ومن أسباب انشراح الصدر: الشجاعة؛ فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع القلب، والجبان أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً، ولا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم؛ إلا من جنس ما للحيوان البهيمي - لذائد الكافر لذائد بهيمية؛ يأكل، يتصل بالجنس الآخر؛ يشعر بمتع، هذه المتع تعقبها كآبة - وأما سرور الروح، ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل؛ فالبخل والجبن لا يجتمعان في مؤمن، الشجاعة والكرم من صفات المؤمن، والبخل والجبن لا يجتمعان في مؤمن، وهما أحد أسباب ضيق الصدر؛ لذلك كل معرض عن الله عز وجل، غافل عن ذكره، جاهل بأسمائه، متعلق القلب بغيره، هذا في شقاء، وكل إنسان كثير الذكر، منيب إلى الله، في قلبه نور؛ هذا واسع الصدر.
7 ـ إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه :
ومن أسباب شرح الصدر إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البرء؛ فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يحظ من انشراح صدره بطائل، أحياناً هناك تعلقات، و أمراض بالنفس؛ إذا ما أزالها فهناك ضيق بالصدر.
8 ـ ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم :
ومن أسباب شرح الصدر، قال: ترك فضول النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وهموماً، هموماً في القلب، نظر زائد، استماع زائد، مخالطة زائدة، أكل، نوم، هذه تحيل الإنسان إلى مجموعة آلام و هموم.
النبي عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق في كل صفة من تلك الصفات الله عز وجل قال:
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾
[سورة الانفطار:13 -14]
هناك نعيم في الدنيا؛ العمل الصالح يسعد؛ إن كنت أديته بإخلاص تسعد.
النبي عليه الصلاة والسلام كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر، واتساع القلب، وقرة العين، وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي، وأكمل الخلق متابعة له، وأكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين، وعلى حَسب مُتَابعَته ينال العبد من انشراح الصدر، بقدر اتباعك للنبي ينشرح صدرك، وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم، وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة - هذا من أخطر الدروس - أنه كل واحد منا يسعى إلى راحة النفس، إلى شرح الصدر، إلى التألق الداخلي، والتألق الداخلي و انشرح الصدر والراحة النفسية هذه كلها لها أسباب، وهي نهاية المنى، ومحط الرحال، وغاية الآمال، وأسبابها واضحة.
هذه الأسباب دقيقة جداً؛ التوحيد، النور، العلم، الإنابة، دوام الذكر، الإحسان إلى الخلق، الشجاعة، الكرم، ترك فضول النظر، ترك فضول الكلام ،الاستماع والمخالطة، والأكل والنوم. الحالة النفسية للمؤمن تجعله يصبر على الطاعة و على قضاء الله وقدره :
والنبي كان أكمل الناس شرحاً لصدره؛ كل من تابعه في سنته له من شرح القلب نصيب، وأكبر شيء يميز المؤمن هذه الحالة النفسية له؛ و الحالة النفسية هي أكبر دعم له، هذه الحالة تجعله يتحمل كل المتاعب، الحالة النفسية تجعله يصبر على الطاعة، ويصبر عن الشهوة، ويصبر على قضاء الله وقدره؛ الدعم الداخلي، معنوياته عالية جداً، تألقه شديد؛ وهذا يجعله يستقطب من حوله استقطاب محبة، استقطاب تقدير، هذا يجعله قوي الإرادة، عزيمته عالية جداً، فإذا وصلنا لهذا الانشراح في الصدر قال تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَض ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
[سورة الانشراح:1-4]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الله, النبي, صلى, علية, هدى, وسلم


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضائل وثمرات الصلاة على النبى صلى الله علية وسلم السعيد رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 5 10-23-2018 12:01 PM
فصاحة الرسول صلى الله علية وسلم السعيد رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 3 08-07-2018 06:35 PM
مزاح النبي صلى الله عليه وسلم ليّےـلى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 6 10-13-2016 07:44 AM
النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 4 06-09-2016 08:13 AM
مرض النبي صلى الله عليه وسلم سجى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 5 09-08-2013 01:21 PM


الساعة الآن 06:13 AM