حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-22-2018, 09:35 AM   #21


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 6 - الشهوات والقدرات والحظوظ حيادية









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الشهوة:
1 ـ ليس من طبيعة النفس الشرُّ:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولا زلنا في موضوع الشهوة، ولكن موضوعنا اليوم، وإن كانت الشهوة تظله، لكنه موضوع فرعي من فروع موضوعات الشهوة، إلا أن المنطلق لهذا الموضوع هو أن حسن الظن بالله ثمن الجنة، ولبعض الأئمة العظام كلمة رائعة، وهي أن العوام لئن يرتكبوا الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ (6)﴾
(سورة الفتح )
إنّ الإنسان يتوهم أحياناً أن الشر من طبيعة النفوس، بل إن شعراء الجاهلية قال:
الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِفَّــةٍ فَـلِعِلَّةٍ لا يَظلِـــمُ
***

وهناك كلمات يرددها معظم الناس: الإنسان لئيم، الإنسان مادي، والحقيقة أن خَلْقَ الله كاملٌ. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
( سورة الروم: 30)
النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب ربه ويقول:
(( وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
[ مسلم عن علي ]
2 ـ الشهوة حيادية:
هذا التقديم من أجل أن أؤكد لكم أن هذه الشهوات الذي أودعها الله فينا هي حيادية، يمكن أن تكون سلّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، الشهوات حيادية لأن الإنسان في الأصل مخير، لكن قد يقول بعضهم مثلاً: الحسد من خصائص الإنسان، والحسد صفة ذميمة، وهي من خصائص الإنسان، الآن الجواب الدقيق الحقيقي المنسجم مع كمال الله الذي تؤكده آيات القرآن الكريم أن الإنسان فطر فطرة عالية، وأن منهج الله عز وجل يتوافق مع هذه الفطرة توافقاً تاماً، وأن الشهوات التي أودعها فيه ما أودعها فيع إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد يهوي بها لأنها حيادية، ولأنه مخير.
3 ـ الحظوظ حيادية:
وأن الحظوظ ؛ حظ المال قد يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين، وقد يهوي به إلى أسفل سافلين، حظ الذكاء قد يرقى بك الذكاء إلى أعلى عليين، وقد يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين، حظ الوسامة، قد تكون الوسامة من نعم الله الكبرى، فإذا سخرت الوسامة لارتكاب الموبقات وانتهاك الحرمات كانت سبيلاً إلى النار.
إذاً: كما أن الشهوات حيادية:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران)

هذه الشهوات حيادية، وذكرت لكم أن الإنسان أحياناً يتزوج امرأة صالحة فينجب منها أولاداً أبراراً، يأتيه أصهار مؤمنون، تصبح لديه أسرة من عشرين أو ثلاثين أو أربعين إنسانا من نسل هذا الأب، ومن نسل هذا الجد، أسرة منضبطة بالمبادئ والمثل والأخلاق، أكثرهم أطباء ومهندسون، ودعاة إلى الله، ومتخصصون، ونساءهم محجبات، والبيت فيه رحمة ومودة وتعاطف، كل هذا الجمع الغفير أساسه علاقة جنسية، وكل دور الدعارة مبنية على علاقة جنسية تخرج الساقطات والساقطين، والمنحرفات والمنحرفين.
الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بك إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي بك إلى أسفل سافلين، لأنك مخير، الشهوات حيادية.
ولأنك مخير فالحظوظ حيادية، هناك إنسان قوي جداً، وإنسان وسيم جداً، وإنسان ذكي جداً، وإنسان بليغ طليق اللسان، هذه حظوظ، وهي غير شهوات، طلاقة اللسان، القدرة على الإقناع، فصاحة اللسان، الذكاء، سرعة الفهم، القوة أحياناً، الصحة، صحة متينة جداً، فالصحة، والذكاء، والوسامة، والقوة يسميها علماء النفس القدرات العامة، وهناك قدرات خاصة، مثلاً من القدرات الخاصة أن هناك أناساً يستطيعون أن يظهروا أمام مَن حولهم بحجم أكبر من حجمهم، لا يكذب، يعطيك أوصافا لحياته حتى تتوهم أنه إنسان كبير، مع أنه ما كذب، كإنسان ساكن بأحد أحياء دمشق المتواضعة، سألوه: أين ساكن ؟ قال لهم: بلاك استون سيتي، أي في منطقة الحجر الأسود، ما كذب، هو يسكن في منطقة الحجر الأسود، لما أعطى اسم هذا الحي باللغة الإنكليزية توهمت أنه حي راقٍ جداً من أحياء مدينة في أمريكا، فهناك قدرات عامة وقدرات خاصة، فالذكاء والطلاقة والوسامة والقوة والصحة والجسم الرياضي، هذه حظوظ أيضاً حيادية، كما أن الشهوات حيادية الحظوظ حيادية، سلم ترقى بها، أو دركات تهوي بها. 4 ـ القدرات حيادية:

أحياناً يقال لك: فلان بياع عجيب، عنده أسلوب يقنع الزبون، يقنعه تماماً، هذه قدرة خاصة، عنده قدرة إن دخل إلى المحل عشرون شخصًا يشتري منهم خمسة عشر، هذه قدرة، العلماء عددوا أنواع منوعة من القدرات.
هناك إنسان اجتماعي يرفض لك طلبك فتخرج مسرورا، يرفضه ويعتذر منك، ما بيده حيلة، هناك تعليمات مشددة، يقول لك: إن شاء الله في وقت آخر أخدمك، هذا الإنسان يصلح للعلاقات العامة، وهناك إنسان يربي أعداءً كل دقيقة، كلامه قاسٍ، عنده جفاء، عنده عنف، فهناك ذكاء اجتماعي، وذكاء تحصيلي إذا درس دائماً.
مرة إينشتاين هذا العالم الفيزيائي الكبير الذي جاء بالنظرية النسبية التي قلبت مفاهيم الفيزياء طاف في ولايات أمريكا يلقي ملخص نظريته في جامعات أمريكا، معه سائق ذكي جداً، لكن ما تعلم، هنا تعليق الآن مهم جداً: لو تصورنا الآن إينشتاين نفسه ولد راعياً ابن راعٍ بدولة متخلفة، إينشتاين نفسه الذي يحار العلماء في قدرة دماغه، ماذا سيفعل إذا كان ابن راعٍ من رعاة الأغنام في بلد متخلف ؟ يبقى راعيًا، لكنه يعرف كم غنمة عنده بالضبط، وكل غنمة وضعها، لكن لا يزيد على أنه راعٍ، ما الذي جعله أينشتاين ؟ دراسته، فالإنسان لما يدرس كل قدراته الكامنة تتفجر، ولو ما درس مهما يكن ذكاءه عالياً لن يكون شيئًا.
هذا سائق إينشتاين كان ذكيا جداً، لكن ما أتيح له أن يدرس، سمع المحاضرة خمس عشرة مرةً فحفظها، وكان إينشتاين ذا دعابة، فطلب منه في آخر جامعة أن يلقيها عنه، وأن يقدمه للجامعة على أنه إينشتاين، لم يكن يومئذٍ فضائيات، ولا تواصل، وما كان شكله معروفًا، سمح له بإلقاء محاضرة، دخلوا آخر جامعة فقدم سائقه على أنه إينشتاين، صعد المنصة، وألقى المحاضرة التي حفظها غيباً، هناك سؤال عويص سأله أستاذ في الجامعة، لم يكن في الإمكان أن يجيب، فلما سئل قال: أنا سوف أكلف السائق أن يجيبك عنه.
هذا يتمتع بذكاء فطري، وليس بذكاء تحصيلي، فالذكاء قدرة، وحسن التخلص قدرة، وروح الدعابة قدرة، وقوة الإقناع قدرة، والخطابة قدرة، ومواجهة الجمهور قدرة.
هناك شخصيات عظيمة جداً في الاستديو لا يستطيع أن يتكلم كلمة، فقَد قدراته، ما عنده إمكان أن يواجه جمهور، فالقدرة على البيع قدرة على الإقناع، وهذا موضوع طويل درسناه في علم النفس.
القدرات حيادية، يمكن أن توظف هذه القدرات كسلم ترقى بها إلى الجنة، ويمكن أن توظف هذه القدرات كطريق إلى النار، اللصوص أذكياء جداً، والذين يأخذون أموال الناس بالباطل أذكياء جداً، وفي المجتمع قمم في الذكاء، تبني دخلها على الكذب والدجل والإيهام.
الذكاء مع طلاقة اللسان، مع قوة الإقناع، مع الوسامة، مع القوة العضلية، هذه حظوظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، يعني أنت لك مادة امتحان مع الله جعلك وسيم، هل هذه الوسامة تشكر الله عليها، وتكون عفيفاً بها، ولا تستخدمها لما لا يرضي الله ؟ أم تستخدم هذه القدرات العامة والخاصة في المعاصي والآثام ؟ هي حيادية لأنك مخير.
5 ـ الخصائص حيادية:
بقيت الخصائص، الخصائص تمني ما عند الآخرين، هذه خصيصة، يسميها الناس أحياناً الغيرة، أو الغيرة، إذا اتجهت إلى الدنيا تسمى حسداً، وإذا اتجهت إلى الآخرة تسمى غبطةً.
أنا أذكر في بعض السنوات السابقة أنهم كانوا يجمعون أغنياء البلد في حفل، أو في طعام إفطار في رمضان، يدعى بعض العلماء لإلقاء كلمات تشجيعية على جمع تبرعات للأيتام لميتم معين، ميتم كبير جداً في دمشق، أنا أذكر أنني ألقي كلمة، في عشر دقائق جمع مبلغ كبير جداً، لأن التبرع علني، فلان مئة ألف، شريكه مئة ألف، هناك محل منافس لهم دفع مئتين، يجمع مبلغ كبير جداً، لكن مرة ارتأى القائمون على هذا الحفل أن يكون التبرع مكتوبا، أذكر أن المبلغ الأول ستة ملايين، لكن في المرة الثانية أعطوه إيصالا فكتب مبلغَ خمسة وعشرين ألفا، لعدم المنافسة، هذا عشرة آلاف، هذا خمسة آلاف، أما أمام الناس والأنداد فيعطي أحدُهم مئة ألف، والآخر مئتي ألف، ماذا قال الله عز وجل ؟ ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) ﴾
( سورة البقرة)
الحكم الكامل أن هذه الصدقة إذا اتجهت إلى مشروع فلتكن علانية، أما إذا اتجهت إلى إنسان فلتكن سراً، هذه الغيرة حيادية، لا تقل: الإنسان حسود في الأصل، الإنسان جيل على خصيصة الغيرة يتمنى ما يكون ما عند الآخرين، بربك لو رأيت شاباً مؤمناً تقياً حافظاً لكتاب الله له وجه كالشمس صادق أمين الأول في صفه قدراته عالية جداً ألا تتمنى أيها الشاب الآخر أن تكون مثله ؟ هذه الغيرة الله عز وجل خلقها عامة حيادية، يمكن أن تكون هذه الغيرة سبباً لتكون في أعلى عليين، ويمكن أن تكون سبباً ليكون الإنسان في أسفل سافلين.
أنا أريد في هذا اللقاء الطيب أن أقنعكم أن شهوات الإنسان حيادية، وأن حظوظه حيادية، وأن خصائصه حيادية، وكل هذه الأشياء الثلاثة شهوات وحظوظ وخصائص إما أنها سلم ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، أو أنها دركات تهوي به إلى أسفل سافلين، لأنك مخير فكل شيء خصك الله به حيادي، إذاً: ليس هناك شر، هل يمكن أن تقول: السكِّين شر ؟ هي أداة أساسية جداً في البيت، وبها يذبح الإنسان، هي حيادية، فإما أنها أداة لتأمين حاجات الإنسان من الطعام، تقطع بها الخضار والفواكه واللحوم، أو بها يذبح الإنسان، وهي أداة واحدة، الكأس شر أم خير ؟ هذه الكأس إذا كان فيها خمر فهي شر، وإذا فيها ماء أو عصير فهي خير. 6 ـ الإنسان فُطِر فطرةً سليمةً:

أنا أريد أن أصل معكم إلى أن أي وهم يتوهمه الإنسان أن الله خلق إنسانا شريرا، إنسانا حقودا، إنسانا أسود رأس، إنسانا لئيما هو وهم خطأ، لأن الإنسان فطر فطرة سليمة، فأيّ إنسان في الأرض يحب الخير، لكن أن يحب الخير شيء، وأن يكون خيّراً شيء آخر، هذا عالجناه في الدرس قبل الماضي بالتفصيل، الفطرة والصبغة، الفطرة جبلة، حتى الذين يسرقون يقتسمون المال المسروق بالعدل، يقولون له: اقسم بالعدل، الفطرة غير الصبغة، الصبغة أن تكون كاملاً، أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب الرحمة.

إذاً: أن تقول: إنسان شرير، إنسان لئيم، إنسان حسود، هذا كلام غير صحيح، الإنسان فطر فطرة سليمة، الإنسان فطر فطرة عالية الإنسان، فُطِر على حب الخير، لأن صنع الله كله خير، لكن كل شيء خلقه الله يسيره إلى عدلٌ رحيم الله يسير كل مخلوقاته إلا نوعين من المخلوقات الإنس والجن، أودع فيهما الشهوات، ثم أعطاهم الحرية، أعطاهم منهجا وشهوة.
القطار ما فيه مقود، لأن انعطافه ليس إلى يمين أو يسار، بل يسير على السكة، المخلوقات كلها كالقطار، لكن الإنسان كسيارة فيها مقود حر، الطريق هو الشرع، وفي الطريق وادٍ هو المعصية، وللسيارة محرك هو الشهوة، السيارة تندفع بقوة المحرك، والمقود يوجه السيارة، والشرع هو الطريق المعبد، من هو الذكي والعاقل ؟ الذي يبقي المركبة على الطريق عن طريق المقود بقوة المحرك، المحرك يندفع، والطريق معبد، وقائد المركبة عن طريق المقود يبقي المركبة على الطريق، هذه القصة كلها.
7 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة توزيع ابتلاء:
أيها الإخوة الكرام، إلا أن الحظوظ قد وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، هناك غني وفقير، مادة امتحان الغني الغنى، ومادة امتحان الفقير الفقر، قد ينجح الغني، وقد يرسب، والفقير قد ينجح وقد يرسب، وقد ينجح الفقير في امتحان الفقر، وقد يرسب الغني في امتحان الغنى، الفقير ينجح إذا صبر، ينجح إذا تعفف، ينجح إذا رضي عن الله، ينجح إذا قال: اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة، وكما يقال: ما أروع إحسان الأغنياء للفقراء، والأروع منه تعفف الفقراء عن مال الأغنياء.
الناس أمام امتحان الغنى والفقر بين راسب وناجحٍ:
والله أيها الإخوة، طبيب من إخوانا الكرام جراح قلب، جاءته حالة طفل يحتاج إلى عملية، كُلفتها أربعمئة ألف ليرة، والده فقير، عنده ورشة متواضعة جداً في الجبل لصنع مَحافظ النساء، هذا الطبيب حدث عن هذه الحالة أحد المحسنين، قال له: علي العملية، بلّغه، ظن نفسه أن معه خبرا سارا جداً لهذا الأب، اتصل به، قال له: أعتذر، قال: لماذا ؟ قال: أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أنا سوف أبيعها، وأجري عملية لابني، أما هذا المحسن الكبير فدع مالَه لغيري، يقول لي الطبيب: في حياتي ما صغرت أما إنسان كهذا، عرضنا عليك أربعمئة ألف، والعملية مجانية، والطبيب رقم واحد، قال: لا، أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أبيعها، وأعود صانعا، ودع هذا المبلغ لرجلٍ ابنه مريض، لكن ما عنده شيء يبيعه، هو أولى مني، هذا الفقير نجح في امتحان الفقر.

والفقير الثاني الذي يعمل حاجبا في مدرسة عنده ثمانية أولاد، ودخْله أربعة آلاف، وتحت الخط الأحمر بمسافة كبيرة جداً، ويسكن في غرفة واحدة، ورث أرضا في منطقة الميدان، هذه الأرض مربعة مناسبة جداً، فجاء محسن كبير من محسني هذه البلدة، وأراد إنشاء مسجد في هذا الحي، والأرض مناسبة جداً، أرسل أحد إخواننا الكرام لشرائها، نهاية المفاوضات بثلاثة ملايين ونصف مليون، جاء المحسن ليرى الأرض، أعجبته، مربعة مناسبة، سعرها معقول، فتح دفتر الشيكات كتب مليوني ليرة، أعطى صاحب الأرض الذي يعمل حاجبا في مدرسة وعنده ثمان أولاد، ودخله أربعة آلاف، لا تكفيه ثمن خبز، ويسكن في غرفة واحدة، قال: أين الباقي ؟ قال: عند التنازل، قال: أي تنازل ؟ قال: تذهب إلى الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، وعندها نقدم لك بقية المبلغ، قال: أنا أبيع أرضا لتصبح مسجدا ؟ والله أستحي من الله، أنا أولى أن أقدمها لله، والآن عليها جامع فيه أطول مئذنة في المنطقة، هذا فقير، لكن نحج في امتحان الفقر، يأتي إنسان غني كبير مسافر إلى أمريكا عن طريق ألمانيا بشركة طيران ألمانية، ابنته في ألمانيا، يتخلف عن الطائرة، يقدم أعذارا واهية، ينام في الفندق فتأتي إليه ابنته، وتراه يلتقي مع ابنته بفندق على حساب الشركة، محفظته لا يضع فيها شيئًا، يمزق بطاقتها، يدّعي أن المحفظة ضاعت، يعطونه ستمئة دولار، وهو غني، قدم تصريحا كاذبا، واحتال وهو غني، هذا رسب في امتحان الغنى.
بطولتك أن تنجح في امتحانك، غني أو فقير، ذكي أو غير ذكي، بطولتك أن تنجح في امتحانك، وكل واحد منا له امتحان، هناك إنسان ما أعطاه الله عز وجل جسما قويا، وإنسان ما أعطاه وسامة زائدة، وإنسان ما أعطاه طلاقة لسان.
إنّ أحدَ أخوانا ما تعلم إطلاقاً، وتمنى أن يكون داعية من أعماق أعماقه، لكن لا يحسن إلقاء الكلام، اشترى مئة شريط، وزعها بالتسلسل على أقربائه، يعيرها، يقول لأحدهم: سمعته، هاته لأعطيك غيره، خلال شهرين حوالي ثلاثين رجلا داوموا عندنا في المسجد من أقربائه، هذا نحج في امتحان، مع أنه ليس متعلمًا.
أريد أن أقول لكم: كل واحد منا ممتحن، إما بشهادة عليا، أو عدم نيله الشهادة، أو له زوجة رائعة جداً، أو زوجة من الدرجة العاشرة، لكن رضي بها، يا رب، هذا اختيارك، وأنا راض عنك، فالبطولة أن تنجح في أي امتحان، في زوجة صالحة، وفي زوجة سيئة، والابن الصالح وفي الابن السيئ، في الصحة الطيبة وفي الصحة السقيمة، وفي الوسامة وفي الدمامة، وفي الذكاء وفي عدم الذكاء، وفي الغنى والفقر، والقوة والضعف، لذلك البطولة ليس أن تنجو من المصائب، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل من المصائب.
8 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة في الآخرة توزيع جزاء:
الآن الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، الآن دققوا، الحظوظ الإيجابية والسلبية ما أعطِيتَه وما زوي عنك، موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.
﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
بربكم طبيب جراح قلب، كل عملية له منها مئة ألف، عنده في الأسبوع خمس عمليات، نصف مليون ليرة، في الشهر مليونان، والعملية في ساعتين أو ثلاث، لكن بين الدارس والممرض فرقا ومسافة كبيرة، أستاذ في الجامعة ومعلم ابتدائي في قرية مسافة كبيرة كثير، رئيس غرفة تجارة، وبائع صحون في الشارع، مجند في خط المجابهة الأول في الشتاء والبرد ورئيس الأركان بينهما مسافة كبيرة، غني كبير وإنسان فقير يمل على آلة كاتبة أو حاجبا. ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
والله الذي لا إله إلا هو قد يكون هذا الفقير الذي في الدرجة الدنيا من المجتمع إذا كان مستقيماً قلامة ظفره تساوي عند الله ألف إنسان ممن أوتوا المال.
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ الترمذي عن أنس بن مالك ]
إذاً: الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء .وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء. ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
بصراحة قد يخرج إنسان في نعش من بيت ثمنه مئة وثمانون مليونا، مَن صمّم كسوة هذا البيت ؟ الذي في النعش، من اشترى الرخام ؟ مَن جاء بالمهندس وزين السقف بالجبس ؟ الذي في النعش، من اشترى هذه المناظر الطبيعية ؟ الذي في النعش، من اشترى الثريات ؟ الذي بالنعش، أين هو الآن ؟ في القبر، انتهت الدنيا، وقد يخرج إنسان من بيت عادي جداً من ستين مترا تحت الأرض، لكن له عمل صالح، قبره جنة، وموته قرب من الله عز وجل، موته عرس وتحفة، وا كربتاه يا أبت، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.
أيها الإخوة الكرام، الأمور بخواتيمها، فنحن كل بطولتنا أن ننجح في كل امتحان، قوي امتحانك قوة، ضعيف امتحانك ضعف، وسيم امتحانك وسامة، لا سمح الله أقلّ وسامة امتحانك أقلّ وسامة، ذكي جداً امتحانك ذكاء، أقل من هذا الذكاء امتحانك أقلّ، غني، فقير، ذاكرتك قوية جداً، وهناك إنسان ذاكرته قوية جداً لا ينسى شيئًا، وهناك إنسان ذاكرته ضعيفة، الذي ذاكرته قوية عنده اسم ثلاثة وثلاثين بنتا يكلمهنّ ليلا ونهارا، مثلاً، ما قولك في هذه الذاكرة ؟ هي سبب معاصيه وآثامه، وهناك إنسان ذاكرته قوية يحفظ كتاب الله، الاثنان معهم ذاكرة قوية. الخلاصة الموجزة:
ملخص هذا اللقاء الطيب أن كل شيء تملكه، كل خصيصة من خصائصك، كل شهوة أودعها الله فيك، كل حظ من حظوظك حيادي، إما أن تستخدمه سلماً ترقى به، أو دركات تهوي بها، وما من شر في الكون أبداً، الشر جاء مثلاً من إنسان ركب مركبة، وكان مخمورا، ونزل في الوادي، السيارة تحطمت، جاء إنسان ساذج وقال: هذه السيارة مَن صنعها بهذا الشكل ؟ هذه لا تحتاج إلى معمل، تحتاج إلى سائق مخمور، أما المصنع فجعل خطوطها جيدة جداً، الطلاء لامع، الفراش وثير، أما هذا الوضع الأخير للسيارة فلا يحتاج إلى معمل، لا تقل: مَن خالق الشر، الشر ما له خالق، الشر ناتج من سوء الاستخدام، والشر ليس إليك، حسن الظن بالله ثمن الجنة، أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء.
يروى أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى توجيها لأصحابه قبيل معركة بدر، أن لا تقتلوا عمي العباس، لكن رجلاً فكّر، فما استوعبها، لماذا منعنا عن قتل عمه ؟ عمه مشرك عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، مقيم في مكة، وجاء مع قريش ليحارب النبي، تألم، وأساء الظن برسول الله، قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه ؟ رآها تعصباً، ثم اكتشف بعد حين أن العباس كان مسلماً، وكان عين النبي في مكة، والنبي قيادته ذكية جداً، كان يعرف كل ما يجري في مكة عن طريق عمه، عمه لا أحد يعلم أنه مسلم، وكان من وجهاء قريش كلما اتخذوا قرارا ضد سيدنا محمد يبلغه العباسُ هذا القرار، تصور لو قال: عمي أسلم، لكشفه، تصور عمه ما شارك في القتال، لماذا ؟ أنت مسلم، كشف حاله، تصور النبي سكت، يقتله صحابة النبي، النبي عليه الصلاة والسلام مضطر أن يقول فقط: لا تقتلوا عمي العباس، لا يستطيع أن يقول: إنه مسلم، ولا يستطيع عمه ألاّ يشارك، ولا يستطيع أن يسكت، هذا الصحابي كشف الأمر بعد حين، يقول: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
لا تقل: الإنسان شرير، الإنسان أسود الرأس لئيم، بخيل، الله فطره فطرة عالية، أعطاه شهوات، وأعطاه اختيارا، إما أنه باختياره يرقى بهذه الحظوظ، وتلك الخصائص، وهذه الشهوات إلى أعلى عليين، وإما أن يسقط بهذه الشهوات، وهذه الحظوظ، وهذه الخصائص إلى أسفل سافلين.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة محوره حسن الظن بالله، محوره أن كل خصائص الإنسان، وأن كل شهواته حيادية، يمكن أن تستغل في الصعود إلى الجنة، أو يمكن أن تكون سبباً في الهبوط إلى النار، ونحن نرجو الله عز وجل أن نحسن الظن بالله عز وجل، أما الإنسان المخير إذا تحرك بقوة المحرك، الشهوة على طريق معبد، والشرع، وما استخدم المقود وقع في الوادي، لا نقول: الوادي شر، الوادي موجود، وأنت معك مقود، لمَ لمْ تستخدم المقود ؟ إذاً: والشر ليس إليك.
من الإعجاز العلمي:
مقدمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق
وننتقل إلى موضوع في الإعجاز.
أيها الإخوة الكرام، حينما قال في أول كلمة، وفي أول آية، وفي أول سورة:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق )
نحن في دروس سابقة بينا أن هناك قراءة بحث وإيمان:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
معنى اقرأ أي: تعلم، لأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، أودع فيه حاجة عليا، أعطاه عقلاً، أعطاه سمعاً وبصراً، أعطاه محاكمة، أعطاه استنتاجاً، أعطاه استقراءً، أعطاه كوناً ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقال له: اقرأ، وما لم تبحث عن الحقيقة تهبط عن مستوى إنسانيتك.
أيها الإخوة الكرام، اقرأ من أجل أن تؤمن أن العلم في الإسلام مقيد بالإيمان، فالعلم إن لم يَقُدْك إلى الإيمان فهو حجة عليك.
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) ﴾
(سورة المدثر)
جسم الإنسان إبداعُ الخالق:
الآن أرجو أن تنتبهوا إلي هذه العين الباصرة، إن كانت سليمة مئة بالمئة هل يمكن أن ترى الأشياء من دون ضوء ؟
أدخل إنسانا إلى غرفة مظلمة ظلاما دامسا هل تنفعه عينه ؟ هل ينفع الضوء بلا عين ؟ أدخل إنسانا كفيفا البصر إلى غرفة مضاءة هل ينتفع بعينه ؟ لا، هل ينتفع بالضوء ؟ لا، النقطة الدقيقة أن العين ترى الأشياء عن طريق الضوء، فالضوء والعين شرطان، كل من الشرطين لازم غير كاف للرؤية.
نقلة أخرى الآن، هناك عقل، والعقل لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة إلا عن طريق الوحي، الوحي للعقل كالضوء للعين، لذلك:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾
تفيد الرؤية بالعينين معاً في تحديد البعد الثالث

أقرب آية إليك هي جسمك، ما الذي يمنع أيها الأخ الكريم أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، أقرب شيء الشعر، العين، الأنف، الفم، الأسنان، اللسان، الأذن، لسان المزمار، المريء، المعدة، البنكرياس، الأمعاء، الرئتان، القلب، العضلات، الأعصاب، الأوعية، الشرايين، الكليتان، جسمك الذي هو أنت، الذي هو أقرب شيء إليك، عوّد نفسك أن تفكر فيه، كلما تفكرت في شيء ارتقيت إلى الله، لماذا هناك عينان ؟ ألا تكفي عين واحدة ؟ الجواب: لا، بعين واحدة ترى السطح فقط، الطول والعرض، بالعينين ترى البعد الثالث. ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ 88 ﴾
(سورة النمل: 88)
يقوم الدماغ بتحديد جهة الصوت عن طريق حساب تفاضل وصوله إلى اﻷذنين

بعين واحدة ترى الطول والعرض، بالعينين ترى الطول والعرض والعمق، وهناك أجهزة يقول لك: هي ثلاثية الأبعاد، في الكومبيوتر برنامج يرسم أشياء ثلاثية الأبعاد، لماذا هناك أذنان ؟ من أجل أن تعرف جهة الصوت، لكن بأذن واحدة لا تعرف هذا، لو استمعت إلى بوق مركبة من خلفك بأذن واحدة تأتي أمامها، لكن مادام لك أذنان، والمركبة هنا، يأتي الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، لأن جهازا في الدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، والتفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، هذا الجهاز في الدماغ يدرك أن المركبة على اليمين، فالدماغ يعطي أمر للأرجل بالتحرك نحو اليسار، هل هذا النظام حدَث وحده ؟ فهل يمكن أن تصدق أن طائرة من أحدث الطائرات وضعت قنبلة في معمل الحديد، فالنتيجة كانت طائرة، وأحدث طائرة فيها ثمانمئة راكب ؟ هل يمكن أن تقبل إذا وضعت عشر أوراق في كيس، مرقمة من واحد إلى عشرة، كم حالة من عدد الحالات يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل ؟ واحد إلى عشرة، عشرة أصفار، الستة مليون وأربعة عشرة آلاف مليون حالة واحدة من عشرة آلاف مليون حالة يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل، ذرة واحدة من حمض أميني لا تكفي ذرات الكون أن تصنعها صدفة.
الشعر ليس فيه أعصاب حس، لو كان فيه أعصاب حس فإنك تحتاج إلى عملية في المستشفى للحلاقة، لأنك لا تتحمل، لكن الله ما جعل في الشعر أعصاب حس، ولا جعل في الأظافر أعصاب حس، وجعل العين بمحجر، والدماغ في الصندوق العظمي، والنخاع الشوكي في العمود الفقري، والقلب في القفص الصدري، والرحم في عظم الحوض، ومعامل كريات الحمراء في نقي العظام، ما هذه الحكمة ؟ والأوردة خارجية، الدم ضعيف فيها، والشريان داخلي.
حدثني طبيب جراح قال لي: مرة انفتح معي شريان، أقسم بالله الدم وصل إلى السقف، الله عز وجل جعل الشرايين داخلية عميقة، والسطحية أوردة، هذه يد مَن ؟ الله عز وجل جعل هذه الأجهزة الخطيرة في حصون، هذه يد من ؟ جعل في الأنف أشعارا، الأنف فيه سطوح متداخلة، وأوعية معها عضلات، في البرد الشديد تتوسع العضلات، فتأتي كمية دم إضافية، فتجد الإنسان في الشتاء في البرد الشديد أنفه أحمر، معنى ذلك أن الدم ارتفع مستواه، والدم حرارته سبع وثلاثون، دخل الهواء، فيمشي عشرة أضعاف المسافة كمستقيم، تكون الحرارة صفرا فتصبح هنا سبعا وثلاثين، لا يكفي، هناك تداخل ودم كثيف وعضلات للأوعية هنا، هناك مادة لزجة إذا كان الغبار في الطريق، هذه المادة اللزجة تستقطب الغبار، وإذا كان في المكان دخان تستقطب هذه المادة اللزجة الدخان، ولما ينظف الإنسان أنفه يجد الغبار والدخان، لو فرضنا أن ذرة غبار استطاعت أن تسير في الفراغ فقط، هذه حالة مستحيلة، مَن يلقطها ؟ الأشعار، وهي سطوح متداخلة، وساخنة تدفئ الهواء، وتلتقط المواد الغريبة والأشعار، والإنسان يأخذ الهواء بدرجة صفر، عند الحنجرة يصبح سبعا وثلاثين، هذا صنع مَن ؟ إنه صنع الله عز وجل، فحاولْ كلَّ يوم أن تفكر في شيء.
هذا المفصل، لو لم يكن لدينا مفصل، تريد أن تأكل فتأكل مثل الهرة، تنبطح وتلحس بلسانك الصحن، لكن هنا مفصل كروي تدور، لولا هذه اليد وهذه الأصابع لما كان هناك صناعات.
فكر في اليد، فكر في مفصل الرجل، هو خارجي، اليد داخلي، هل انتبه أحد لهذا ؟ ما هذا التصميم التخطيط والحكمة ؟
أيها الإخوة الكرام، الآية الدقيقة:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
( سورة الذرايات )
1 – تقديم وترحيب
أرجو الله عز وجل أن نتدرب على التفكر، هناك أذنان لاتجاه الصوت، وعينان للبعد الثالث، والشعر ما فيه أعصاب حس، والأسنان فيها أعصاب حس في لبِّ العظم، حتى إذا حدثَ نخر تسارع إلى الطبيب فيحفظ أسنانك، يمكن أن تخصص كل يوم خمس إلى عشر دقائق لتفكر في جسمك، لتتجه إلى الله عز وجل، وهذا التفكر يضعك أمام عظمة الله، هذا التفكر هو أوسع باب تدخل منه على الله، وأقصر طريق بينك وبين الله.


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:24 PM   #22


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الواحد و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 7 - شهوة المال -1- فلسفة المال في الإسلام من حيث اكتسابه وإنفاقه







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
شهوة المال:

أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الواحد و العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلا في الدرس الماضي من مقومات التكليف إلى موضوع الشهوة، وبينت لكم في دروس عدة أن الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها، وأنه لولا الشهوات لما ارتقينا على رب الأرض والسماوات، ودخلنا في موضوعات فرعية كثيرة حول الشهوة.
والآن ننتقل إلى أحد أكبر شهوات الحياة، إنه المال، قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
1 ـ المال مِن مقوِّمات الحياة:
فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.

لكن بادئ ذي بدء المال قوام الحياة، فحينما تعمل تكسب مالاً حلالاً تشتري به بيتاً، وتتزوج، تنجب أولاداً، وتسعد بأهلك وبأولادك، هذا المشروع الكبير أساسه أن لك عملاً ترتزق منه، فالمال قوام الحياة.
أيها الإخوة الكرام، لا بد من إيضاح دقيق لدور المال في حياة المؤمن.
أولاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ـ لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفيق قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
المال قوام الحياة، فينبغي أن تكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، المال قوة، ومعنى قوة أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بماله يزوج شاباً، بماله يعالج مريضاً، بمال يرعى أرملة، بماله يطعم يتيماً، بماله ينشئ معهداً، بماله يؤسس ميتماً، بماله يفعل الخير، الخيارات المتاحة لصاحب المال لا تعد ولا تحصى، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل.
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ و آنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَ آنَاءَ النّهَار ))
[ متفق عليه ]

فلسفة المال في الإسلام أن هذا المال أحد أكبر أسباب دخول الجنة، أن هذا المال أحد أكبر أسباب التقرب على الله، أن هذا المال يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين المال نفسه.
لكن أيها الإخوة، الآية الدقيقة جداً التي تبين قيمة المال:
﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) ﴾
( سورة النساء: 14 )
موطن الشاهد:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾
تقوم حياتك على دخل تشتري طعاماً لأهلك وأولادك، تشتري كساءً تستأجر بيتاً، يعني المال قوام الحياة، إذاً هذا الذي يدعي أنه لا يحب المال أنا لا أصدقه.
لقد أودع الله في الإنسان حب المال، وهذا شيء متغلغل في أعماق النفس، لكن هناك من يعترف، وهناك من لا يعترف، ولكن شهوة المال مودعة في كل إنسان اعترف أو لم يعترف، صرح أو لم يصرح، الحقيقة الأولى أن المال قوام الحياة، فلا تحتقر المال، المال مِن نعمِ الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً، وكان إنفاقه في وجوه الخير. 2 ـ المال حياديٌّ:
أيها الإخوة، شيء آخر في موضوع المال، هو أن المال حيادي، الغنى خير ؟ نعم ولا، إذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير، وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، المال ليس نعمة وليس نقمة، ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه، بل على طريقة كسبه أيضاً، لذلك الإنسان يوم القيامة يُسأَل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه ؟ يسأل عن عمره، وعن شبابه، وعن علمه، أما عن ماله فيسأل سؤالان: من أين اكتسبه، و فيمَ أنفقه ؟

أيها الإخوة، الحقيقة الأولى: المال قوام الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت، ولأن الله سبحانه وتعالى من حِكَمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، وهذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال، فكأنه دفعنا إلى كسب المال، والفكرة الدقيقة أن الله عز وجل حينما وصف بشرية الأنبياء قال:

﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
( سور الفرقان: 20 )
هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين، سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>. العمل والحرفة من العبادات والطاعات:
لكن بادئ ذي بدء، أحب أن أطمئنكم أن كل واحد منا في عمله الذي يكسب منه رزقه، في حرفته التي يحترفها، في مهنته التي يمتهنها، في حركته التي يتحركها، في مشيه في الأسواق، أن كل واحد منا بإمكانه وبيسر أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة
إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا كذب فيها، ولا غش، ولا احتيال، ولا إيهام، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا بيع على بيع، ولا تلقي الركبان، ولا كتم عيب، إذا نجا المؤمن من معاصي البيع والشراء كلها، وكانت حرفته في الأصل مشروعة، يبيع قماشاً، يبيع طعاماً وشراباً، يبيع خشباً، يبيع حديداً، إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلك بها المسلم الطرق المشروعة، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كانت عبادة.
والله أيها الإخوة، كان السلف الصالح حينما يفتح محله التجاري يقول: نويت خدمة المسلمين، إنسان يمضي ثماني ساعات في محله التجاري وهو في عبادة ؟ لأنه نوى في هذا العمل كفاية نفسه، وكفاية أهله، وحبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، نوى كفاية نفسه وأهله، ونوى خدمة المسلمين، هذه الحرفة، وتلك المهنة، وهذه الوظيفة، وهذا الطب، وهذه المحاماة، وهذه الهندسة، وهذا التدريس عبادة، طبعاً ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن عمل صالح، ما قولك أن تقول: عادات المؤمن عبادات.
هل هناك واحد في الأرض لا يعمل ؟ إلا حالات نادرة، انظر إلى الطرقات صباحاً المؤمن وغير المؤمن، والمنافق والعاصي والمستقيم يتحرك، هذا إلى مدرسته مدرسًا، وهذا إلى معمله عاملا، وهذا إلى مكتبه محاميًا، هذا إلى عيادته طبيبا، كلهم يتحركون، فبيْنَ أن تكون هذه الحركة عند الله عبادة ترقى بها إلى أعلى عليين، وأن تكون هذه الحرفة سبباً كافياً لدخول الجنة.
أيها الإخوة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، من دكانك، من وظيفتك، من مكتبك الهندسي، من عيادتك كطبيب، من حقلك من معملك، من أي مكان، إذا كان العمل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، لا غش فيه، ولا كذب، ولا احتيال، ولا تدليس، ولا احتكار، ولا مديحًا كاذبًا ولا إيهام، ولا استغلال، ولا تلقي الركبان، ولا بيع على بيع، إذا كانت الحركة في هذه المهنة مشروعة، والحرفة في أصلها مشروعة، ونويت بها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن واجب ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة، لذلك عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.

أيها الإخوة، المال حيادي، أركز على هذا، قيمته موقوفة على طريقة كسبه وإنفاقه، هو نعمة ونقمة، هو سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، الدليل:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
( سورة الفجر)
أكرمه بدخل واسع.
على ذكر كلمة نعمة تذكرت موقفا لصاحبي، أحد الصحابة اسمه خبيب قبض عليه المشركون، وأرادوا قتله أو صلبه، جاءه أبو سفيان، دققوا، قال له: أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت معافى في أهلك ؟ والله سمعت هذه الكلمة منه بحسب ما قرأت طبعاً قال: << والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في بيته مع زوجته الشابة، وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها ـ العافية الصحة جيدة، وطعام، ونعيمها تكييف مثلاً، وباقة ورد، وألوان منوعة من الأطعمة والفواكه ـ والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة >>، فقال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
هذا الإسلام، الإسلام حب، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ (15)﴾
( سورة الفجر)
3 ـ ليس كسبُ المال دليلَ حبِّ الله للعبد:
هناك أشياء ثانوية وأشياء تسمى رفاهاً وزيادة، فإذا لم يأكل الإنسان بعض أنواع الفواكه الغالية والنادرة هل يموت من جوعه ؟ لا، لكنه يأتي بهذه الفواكه.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
فيقول، وهذه مقولته، كأن الله عز وجل ما قبِل هذا الجواب: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 )

إذا آتى الله الإنسان المال، وما كان مستقيما، وكان منحرفا، يقول لك: الله يحبني، لأنه أعطاني المال، مَن قال لك ذلك ؟ قارون أغنى منك:
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾
(سورة القصص)
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 79 )
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
( سورة القصص الآية: 81 )

الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ما دام الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً لا يمكن أن يكون المال مقياساً لمحبة الله، ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل، أعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وزويت عمّن يحب وعمّن لا يحب، إذاً: ليست مقياساً.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
الجواب الإلهي: ﴿ كَلَّا ﴾
(سورة الفجر الآية: 17 )
كلا أداة ردع، فضلاً عن أنها أداة نفي، قال لك رجل جائع: هل أنت جائع ؟ تقول له: لا، لا سمح الله ولا قدر لو قال لك هل: أنت سارق ؟ هل يكفي أن تقول له: لا ؟ تقول له: كلاّ، فكلمة كلاّ تنفي الرغبة والإقرار والموافقة إطلاقاً، كأن الله عز وجل يقول: ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، الدليل: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
( سورة الفجر)
4 ـ إنفاق المال أحد أسباب التقرُّب إلى الله:

أيها الإخوة، يجب أن تعلم علم اليقين يقيناً قطعياً أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال، الدليل قال تعالى:

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾
( سورة البقرة)
﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾



معنى: وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
قال علماء التفسير: " تحتمل هذه الكلمة: ﴿ عَلَى حُبِّهِ ﴾ معنيين: إما آتى المال وهو يحبه، أو آتى المال حباً في الله.
على كلٍّ:

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) ﴾
( سورة آل عمران)
المعنى الأول صحيح، والمعنى الثاني صحيح: ﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾
( سورة البقرة)
دققوا الآن: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾
( سورة البقرة)

آتى المال على حبه شيء، وإيتاء الزكاة شيء آخر، إيتاء الزكاة فرض، أما آتى المال على حبه فهو تطوع، وعلامة محبتك لله أن تنفق من مالك فضلاً عن أموال الزكاة صدقةً.
﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾
( سورة البقرة)
إذاً: أيها الإخوة، أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل إنفاق المال، وورد في بعض الآثار:
(( أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ـ شر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ـ فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
[ ورد في الأثر ]
﴿ آَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾
5 ـ المال قوّةٌ:
فإنفاق المال أحد أكبر أسباب القرب من الله، والمال قوة:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

أقول لكم هذه الحقيقة، دققوا: إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله فالأرجح أنه ينبغي أن تكون غنياً، لأن الغنى قوة، ولأن فرص العمل الصالح التي تتاح أمام الغني كثيرة جداً، وليست متاحة أمام الفقير.
أحيانا يكون الشاب بأعلى درجات الاستقامة لكن ما عنده بيت، وشابة مؤمنة حافظة لكتاب الله ما أحد يخطبها، أنت هيئت بيتا، فهذا الشاب تزوج هذه الفتاة، أنت أسست أسرة مؤمنة صالحة، وهذا عمل عظيم، وأنا رأي الآن أن ما مِن عمل أعظم منه أن تسهم بحل مشكلات الشباب، أن تهيئ بيتا لشاب، وبهذا البيت يتزوج شابة تحصنه ويحصنها، وتستره ويسترها، وتسعده ويسعدها، المال قوة، لك أن تنشئ مشروعا خيريا، أن تعمل تنشئ ميتما، أن تبني معهدا شرعيا، أن تبني مستوصفا، وهذا المال إذا كان طريق كسبه سالكاً وفق منهج الله بعمل مشروع، بتجارة مشروعة فهو شيء وفق منهج الله، أما إذا كان طريق الغنى على حساب دينك وقيمك ومبادئك فالفقر وسام شرف لك، هذا منهج الله.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فالأرجح والأكمل أن تسلك هذا الطريق، لأنك إذا كنت غنياً فالغنى قوة، وفرص العمل الصالح المتاحة أمامك لا تعد ولا تحصى، كيف أن القوي بتوقيع يحل مشكلة، بتوقيع يقر معروفاً، ويزيل منكراً، بتوقيع يقرب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، والمال يمكن أن تملأ قلب الناس محبة لك بإنفاقه.
" يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها وبغض من أساء إليها ".
6 ـ المال مسؤولية كبيرة:
أيها الإخوة، كما أن المال أعظم قربة إلى الله عز وجل، المال نفسه مسؤولية كبيرة.

بالمناسبة الممكَّن في الأرض كلمة عامة، فإذا كنت غنياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت قوياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت عالماً فأنت ممكَّن في الأرض، الممكَّن في الأرض له حساب خاص، إذا أحسن له أجران، وإذا أساء فعليه وِزران.
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: << إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد واقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >>، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
فالذي يحسن له أجران، أجر نفسه ومَن قلده، لأنه غني، الأغنياء يقلَّدون دائماً، الأغنياء يحتلون مرتبة عالية في أي مجتمع، فالناس ينظرون إليهم هكذا، فإذا قلد فقير غنياً في معصية فعليه إثمه وإثم مَن قلّده، وإذا قلّد فقير غنياً في طاعة لله فله أجره وأجرُ مَن قلّده، لذلك من أروع ما سمعت أن " العدل حسن، لكن في الأمراء أحسن، أروع شيء أمير عادل، والسخاء حسن، لكن الأغنياء أحسن، والتوبة حسن، لكن في الشباب أحسن، والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، والحياء حسن، لكن في النساء أحسن ".

أيها الإخوة، الإنسان مسؤول مسؤولية كبيرة عن كسب المال، ما قولكم أن إنساناً ضحى في حياته فكان شهيداً، قدّم أثمن ما يملكه الإنسان، قال الشاعر:

والجود بالنفس أقصى غاية الجود
***

(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))
[ أخرجه أحمد و مسلم عن ابن عمرو ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ ))
[ الترمذي ]
والله زرت مرة صديقي، وكان والده حاضراً، قال لي: أنا عمري ستٌّ وتسعون سنة، وأجريت فحصا كاملا شاملا للدم فكانت النتائج كلها طبيعية، ثم عقّب فقال: والله في كل حياتي تلك ما أكلت حراماً، ولا عرفت حراماً، يقصد ما أكل حراماً مالاً، ولا عرف حراماً في النساء، من عاش تقياً عاش قوياً.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
اشتريت طعامك بمال حلال كسبته من طريق مشروع، هذا الطعام الذي اشتري بمال حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
والله أيها الإخوة، يمكن بدخل معقول محدود أن يكفي إذا بارك الله عز وجل فيه، ودخل غير محدود مع المعاصي والآثام لا يكفي، كلمة بركة ما أحد يضعها في حساباته، مع أنه ليس في الآلات الحاسبة مكان مكتوب فيه بركة، فيها جمع طرح ضرب تقسيم نسب جذر، لكن ما فيها بركة، أما البركة فشيء حقيقي، بدخل حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.

وعند الله عز وجل شيء يسمى الرزق السلبي، الله عز وجل حفظ لك صحتك وصحة أولادك، فأيّ مرض يحتاج إلى ألوف مؤلفة، وهناك أمراض الإبرة ثمنها مئة ألف، الأورام الخبيثة الجرعة قيمتها مئة ألف ليرة، يحتاج كل شهر إلى جرعة، فحينما يكون الإنسان مستقيما، ودخله حلالا، واشترى به طعاما طيبا بثمن الحلال، فالله عز وجل يكافئه برزق سلبي، فيحفظ له صحته وصحة أهله وأولاده، وصحة مَن يلوذ به، ينجو من احتراق المحل التجاري، أو احتراق البيت، ينجو من أن يخضع لظالم يأخذ كل ما عنده.
أساساً:
(( وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، مَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ ابن ماجه عن ابن عمر ]
ترون أنتم كيف أن الغرب يأخذ أموالاً طائلة بشكل أو بآخر، وبأسلوب أو بآخر.

أيها الإخوة، إذاً: المال الإنسان محاسب عنه محاسبة شديدة، وقد مرّ معي أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى على السرير تمرة قال: يا عائشة لولا أني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها، اشتهى أن يأكلها، لكنه خشي أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ:
(( إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ))
[ مسند أحمد ]
من هنا قيل:
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]
المخلط خلط عملاً صالحاً بعمل سيئ.
أيها الإخوة الكرام، قضية المال تحتاج إلى فهم عميق، قضية المال تحتاج أن تفهم فلسفة المال في الإسلام، المال قوام الحياة، والمال محبب للنفس، والمال حيادي سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، والمال وراءه مسؤولية كبيرة جداً، والمال أحد أكبر القرب إلى الله عز وجل، هذه فلسفة المال في الإسلام. 7 ـ ليس المال للزهو والافتخار والاستعلاء على الناس:
لكن لما يتصور الإنسان أن المال من أجل متعته، الآن أضع بين أيديكم تصورا آخر، المال من أجل الرفاه، المال من أجل الزهو، المال من أجل البذخ، من أجل الاستعلاء، هذه كلها أمراض نفسية، ورد في بعض الآثار:
(( يحشر الناس أربع فرق يوم القيامة، وفريق جمع المال من حلال تجارة مشروعة، وأنفقه على الموائد الخضراء في الليالي الحمراء، فيقال: خذوه إلى النار، المجتمع المخملي حسابه سهل، وفريق جمع المال من حرام، عنده ملهى، عنده راقصات ومغنون وخمر، لكن تزوج واشترى بيتا وعاش حياة، شراء البيت حلال، وأنفقه في حلال، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، والثالث والعياذ بالله جمع المال من حرام، وأنفقه في حرام، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، بقي الأخير الفريق الرابع جمع المال من حلال، وأنفقه في حلال، قال: هذا قفوه واسألوه ))
[ ورد في الأثر ]

الأول والثاني والثالث الحساب سريع جداً، أما الرابع فقفوه واسألوه، هل تاه بماله على مَن حوله ؟
قد تقول لغيرك: أين تسكن ؟ هو ساكن بحي راق جداً، بيت ثمنه ثمانون مليونًا، فترى المسؤول يخجل، مرة قال لي أحدُهم: أنا ساكن بمنطقة برزة، جلست مع جماعة ساكنين بأرقى أحياء دمشق غربي المالكي، قال له: أنت أين ساكن ؟ قال شرقي المالكي، وأحدهم يسكن في منطقة الحجر الأسود، قال: أنا ساكن في البلاك ستون، فيصغرك بمكان سكنك، ومساحة بيتك، وبراتبك، كم تأخذ راتبا، يصغّرك، هذا الذي يستعلي بماله هذا شيطان يتكلم.
والله أيها الإخوة، بإمكانك أن تطيب قلب أيّ إنسان، وأنا أذكر أني دخلت إلى بيت أحد إخواننا الكرام غرفة الضيوف صدق أنه يجلس فيها أربعة أشخاص بصعوبة بالغة، فهو خجل، قلت له: يا بني النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، فإن أراد أن يصلي انزاحت جانباً، مَن هو ؟ سيد الخلق.

قائد القوات الإسلامية في الشام أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دخلوا إلى بيته فوجدوه غرفة فيها جلد غزال وقدرا مغطى برغيف خبز، وسيفا معلَّقا، قالوا: ما هذا يا أمين الأمة ؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل ؟
هناك إنسان يستعلي بالمال ويفتخر، يزهو، يصغر الآخرين، الله كبير.
جاء صهر إلى رجلٍ من أرقى الناس، ويعيش في الخليج، ودخله جيد، لكن هو عنده تجارة واسعة جداً، فقال: كم دخلك في الشهر ؟ قال له فرضاً: خمسون ألفا، قال: لا يكفي هذا المبلغ ابني يومًا، الله كبير، دارت الأيام وصودرت أملاكه، واضطر أن يتوسط بهذا الذي خطب ابنته أن يقبل العمل عنده، فلما قبِل عمل عنده محاسباً، الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.

تروى قصة رمزية عن إنسانٍ جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، فطرق الباب سائلٌ، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام، فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء مَن يخطبها، وجلست معه وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: مَن الطارق ؟ قالت: السائل، قال: مَن هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول.
الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
والله حدثني أخ قال: أنا عندي معمل، وعندي سيارة كبيرة للسفر، وسيارة أخرى، وسيارة للمعمل، قال: ما دخلت الحلويات بيتي إلا بأكبر كمية كبيرة والفواكه بأكبر كمية، حدَّث عن حياته الناعمة، أقسم لي بالله الآن أنه ينقّب في القمامة ليأكل، قصة طويلة وواقعية، إياك أن تزهو بمالك، المؤمن إذا أغناه الله يزداد تواضعاً لله، يزداد تواضعاً للفقراء، ما أعظم سخاء الأغنياء على الفقراء، وأعظم منه عفة الفقراء عن مال الأغنياء.
الملخَص:
أيها الإخوة، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله كبيرة على كلٍّ أنا أخاطب الشباب، إذا كان طريق كسب المال وفق منهج الله فاكسبوا المال الحلال، وحلوا به مشكلات المسلمين، وإذا كان طريق كسب المال على حساب دينكم وقيمكم فالفقر وسام شرف لكم، هذا ملخص الملخص.
من الإعجاز العلمي: القمح:
1 ـ أنواع القمح:
أيها الإخوة، ننتقل إلى موضوع الإعجاز العلمي، الله عز وجل جعل القمح لبني البشر غذاءً كاملاً، لكن كم هي أنواع القمح ؟ هناك خمسة وأربعون ألف نوع، أحد إخواننا الكرام أستاذ في الجامعة، وذكر لي هذا الرقم.
2 ـ القمح غذاء كامل:
لكن القمح غذاء كامل، ينبت في كل بقاع الأرض، في السهول والجبال، وفي الأغوار، في الأجواء الباردة والأجواء الحارة، في المعتدلة، وفي كل لحظة من لحظات الزمن، هناك قمح على وجه الأرض ينبت، والغريب أن ساق القمح غذاء كامل للأنعام
الغذاء الأول يسمى في الاقتصاد الغذاء الاستراتيجي، التبن له سعر عالمي، كما أن القمح غذاء كامل للإنسان، وساق القمح غذاء كامل للحيوان.

﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) ﴾
( سورة النازعات )
مرة أحب رجلٌ أن ينال من موضوع ديني، وفي محاضرة ذكرت عن البعوضة أشياء رائعة جداً، هو يبدو أنه علماني، وفهمكم كفاية، قال لي: كأن في الدين الإسلامي أن الذباب إذا وقعت في إناء أحدكم فليغمس جناحيها معاً، فإن في الأول داءً، وفي الثاني دواءً، قالها من باب الاستهزاء، قال لي: هل ينسحب هذا على البعوضة ؟ أيضاً البعوضة نغمسها ؟ قلت له: إذا أقنعك طبيب أن تأكل التفاح بقشره هل ينسحب هذا على البطيخ الأخضر ؟ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾
( سورة الشورى)
3 ـ مكوِّنات القمح:

أيها الإخوة، الآن دققوا هذه الحبوب الكاملة، فيها غلاف خارجي، القمحة لها غلاف خارجي يزن تسعاً في المئة من مجموع وزنها، يسمى عند الناس نخالة، فيها قشرة رقيقة تنطوي على مادة آزوتية لا تزيد على ثلاثة بالمئة من وزنها، وفيها الرشيم الكائن الحي في القمحة الذي ينبت إذا توافرت له شروط الإنبات، هذا يحيا آلاف السنين.
القمح الذي استخرج من أهرامات مصر قبل ستة آلاف سنة زرع فنبت، لأن فيه كائنا حيًّا لا يموت، الرشيم كائن حي، إن أصابت القمحة رطوبة نبت، وزنه لا يزيد على أربعة بالمئة من وزن الحبة، والأربعة وثمانون في المئة من القمح نشاء خالص، ماذا نفعل نحن ؟ ننزع عن القمحة غلافها وغشاءها، ولا يبقى من القمح إلا النشاء الخالص، أما الغلاف الذي يسميه الناس نخالة فاسمعوا ماذا فيه:
4 ـ فوائد نخالة القمح:
النخالة التي يطعمها بعض الناس للدواب، ويأكل هو النشاء فقط، فيها ستة فيتامينات، فيتامين ب1، ب2، ب6، وفيتامينات أخرى، وفي هذا الغلاف مادة فسفورية هي غذاء للدماغ والأعصاب، وفي هذا الغلاف حديد يهب الدم قوة وحيوية، ويعين على اكتساب الأكسجين من الرئتين، وفي هذا الغلاف الكالسيوم الذي يبني العظام، ويقوي الأسنان
وفي هذا الغلاف السيلكون الذي يقوي الشعر، ويزيده قوة ولمعاناً، وفي هذا الغلاف اليود الذي ينشط الغدة الدرقية، ويضفي على آكله السكينة والهدوء، فيه البوتاسيوم والصوديوم و المغنزيوم، هذا كله نطعمه للدواء، ونأكل نحن الخبز الأبيض، وهذا هو الحمق بعينه، هذه المعادن تدخل في تكون الأنسجة والعصارات الهاضمة، أما نحن فننزع عن حبة القمح قشرها، ونرميه للبهائم، ونأكل النشاء الصافي، لذلك قالوا: احذروا السموم البيضاء الثلاثة، الطحين الأبيض، والسكر الأبيض، والملح الأبيض.
أيها الإخوة الكرام، غلاف القمحة الغشاء القشرة النخالة أعلى مادة في الأرض لتيسير عملية الهضم، كل أدوية معالجة الإمساك عن طريق مواد مشتقة من النخالة، والإمساك يسبب خمسين مرضا، ودواء الإمساك الأول أن تأكل الخبز بقشره، الخبز الأسمر، فإذا سافر الرجل كثيراً ونزل في أرقى الفنادق فإنه يأكل الخبز الأسمر الأول، لأنه هو الصحة، وأقلّ شيء أنه يحميك من الإمساك الذي يسبب خمسين مرضا.
كم معدنا فيه ؟ فيه ستة فيتامينات، فسفور للدماغ والأعصاب، حديد للدم، ويعطي الحيوية، كالسيوم للعظام والأسنان، سيلكون للشعر، يود للغدة الدرقية، بوتاسيوم وصوديوم و مغنيزيوم .

5 ـ بدعةُ العصر: نخلُ وتصفيةُ القمح والشعير:
والله أنا العبد الفقير من عشرين سنة لا آكل إلا الخبز الأسمر، هو الصحة، هو المفيد
لذلك هذه القشور إذا غليت فهي دواء مهدئ للسعال والزكام، وإذا شرب هذا المغلي كان قابضاً للأمعاء، ودواء لتقرحات المعدة وللزحال، وهو غذاء للجلد، ووقاية له، أما حينما نأكل الخبز المنخول نكون قد خالفنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق، وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ:

(( هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ ))
[ البخاري ]
أيها الإخوة، أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق.
هذه نصيحة لوجه الله: كلوا الخبز الأسمر، كلوا الخبز الذي هو دقيق قمح مطحون من دون نزع القشرة.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:27 PM   #23


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 8 - شهوة المال -2- المال و المراة









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
المال والمرأة شهوتان أودعهما الله في نفس الإنسان:
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الثاني و العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، والموضوع اليوم متابعة لموضوع الدرس السابق حول شهوة المال، وقد بينت لكم كيف أن المال قوام الحياة، وكيف أن المال محبب للنفس، وكيف أن المال حيادي يمكن أن يكون سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها، وكيف أن إنفاق المال من أعظم القربات إلى الله عز وجل، هذا الموضوع موضوع لصيق جداً بحياة الإنسان بل إن تسعة أعشار الأحكام الفقهية متعلقة بالمال والمرأة لأنهما أقوى شهوتين أودعهما الله في نفس الإنسان.
الله عز وجل أراد أن يكون المال متداولاً بين كل الناس:

الحقيقة الأولى الصارخة الدقيقة أن الله عز وجل أراد أن يكون المال متداولاً بين كل الناس، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:

﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
إذا كان هذا المال متداولاً بين الأغنياء هلكت الأمة، موفور عند الأغنياء والحاجات لا يستطيعها إلا الأغنياء وبقية الناس في فقر مدقع، المال ليس بأيديهم وقد عبّر عن هذه الحقيقة بأن واحداً يملك مليوناً ومليوناً لا يملكون واحداً، الوضع الطبيعي، الوضع الصحي، الوضع الذي يرضي الله، الوضع الذي يحقق مصالح الناس جميعاً أن يكون المال متداولاً بين كل شرائح الأمة، وإن أردتم مقياساً للتقدم الحقيقي في الدنيا كلما ضاقت المسافة بين الأغنياء والفقراء وبين الأقوياء والضعفاء كان المجتمع بخير، وكلما ابتعدت المسافة بين الفقير والغني وبين القوي والضعيف هناك شر مستطير، وهناك أخطار تنتظر الأمة. فقدان المال نفعه إن خُزن و لم يُطرح للعمل:

أول حقيقة يجب أن يكون المال متداولاً بين كل أفراد المجتمع، لا أن يكون متداولاً بين الأغنياء فقط، فالله عز وجل أراده متداولاً بين كل الناس، بعض الأمثلة لماذا فرض الله الزكاة على المسلم ؟ أو ما حكم الزكاة ؟ معك مئة ألف عليها زكاة كل عام اثنين ونصف بالمئة لو أنك خزنت هذا المال وكنزته ولم تطرحه للعمل والتداول ولم تنفع به أحداً، الزكاة تأكله في أربعين عاماً.
اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، فكأن حكمة الزكاة أن هذا المال الذي بين يديك يجب أن تجعله متداولاً، إنسان معه مليون ليرة متقاعد ودخله التقاعدي يكفي، اطمأن عليه، أودعه في مكان أمين أي كنزه، لو فرضنا شاب في مقتبل الحياة يتأجج نشاطاً وحيوية، ويحمل اختصاصاً، ومعه خبرة، معه شهادة عليا، يحتاج في مشروع إلى مليون ليرة، فجاء صاحب هذا المليون قدّمه إلى هذا الشاب، الشاب وجد عملاً استخدم خبرته وليكن مهندساً زراعياً، استخدم خبرته ومعه هذا المال لو ربح هذا المشروع أربعمئة ألف، مئتا ألف لصاحب المال ومئتا ألف للمهندس الذي استخدم علمه وجهده، ما الذي حصل ؟
صاحب المال انتفع، وهذا المهندس كان على مشارف البطالة فانتفع بهذا المال، ولما انتفع تزوج، خطب فتاة، حلّ مشكلة أسرة عندهم فتاة في سن الزواج، واستأجر بيتاً صاحب البيت انتفع بالأجرة، واشترى حاجات الطفل، ترى العجلة دارت، هذا المليون ما دام أعطاه لهذا المهندس الأمين المستقيم الخبير، وعمل بهذا المليون وربحوا أربعمئة ألف وتقاسم صاحب المال وصاحب الجهد هذا الربح إذاً هذا المال أصبح متداولاً بين أطراف عديدة ,.
المشروع يحتاج لمحل تجاري استأجروا محلاً تجارياً، صاحب المحل انتفع، المشروع بحاجة إلى محاسب عينوا محاسباً، هيئوا فرصة عمل، المشروع بحاجة إلى مستودع، استأجر مستودعاً، بحاجة إلى مطبوعات، المطبعة اشتغلت.

الوضع الصحي الذي يقوي الأمة التقارب في المستوى المعاشي بين الأغنياء والفقراء:
بدأنا من واحد معه مليون أعطاها لشاب يتأجج حيوية ونشاطاً، معه اختصاص، وعنده خبرة، الشاب انتفع والشاب تزوج واستأجر بيتاً واشترى أثاثاً للبيت انتفع النجار بغرفة النوم، انتفع من يعمل في التمديدات الصحية، انتفع من يعمل في أواني المطبخ، يعني مئة أو مئتا مشروع انتفع من هذا المليون، المحل التجاري والمستودع ومكتب الاستيراد والطباعة والدعاية، هذا المليون حرّك عدداً كبيراً فصار هذا الربح متداولاً بين شريحة كبيرة.

أنا الذي أراه أن أصل التصميم الإلهي للمال أن يكون متداولاً بين أفراد المجتمع، فالوضع الصحي الطبيعي الذي يقوي الأمة أن يكون هناك تقارب في المستوى المعاشي بين الأغنياء والفقراء، كل الناس عندهم بيوت، في بلد أخذ قرار يجب أن يتملك كل إنسان بيتاً الساكن في بيت ملك مشكلته محلولة، و مستأجر هذا البيت يتملكه بثمن قدره 25 ضعفاً من أجرته السنوية، والدولة تدفع لصاحب البيت المبلغ دفعة واحدة وتأخذه تقسيطاً من الذي تملَّك البيت، فكل إنسان في عنده بيت، كل إنسان قادر أن يعالج ابنه عند الطبيب، كل إنسان قادر أن يأتي بطعام جيد صحي فيه بروتين فيه نشويات فيه سكريات متناسب، أراد الله عز وجل أن يكون المال متداولاً بين أفراد المجتمع وضع صحي، أما كل شيء موجود لكن بسعر يفوق طاقة الطبقة الوسطى، أوضح مثل لو الفواكه قليلة وأحد أنواع الفواكه سعر الكيلو مئتي ليرة، الشام فيها خمسة ملايين إنسان كم أسرة تشتري هذه الفاكهة ؟ أعتقد خمسمئة ألف من خمسة ملايين، إذا كان الكيلو مئة ليرة مليون يشترون، لو بخمسين مليونين، لو ثلاثين ثلاثة ملايين، لو بعشرة أربعة ملايين، لو بخمسة خمسة ملايين، كلما هبط السعر تتسع شريحة المنتفع بهذه المادة، فحينما تكون الأسعار معتدلة والمواد موفورة، الناس بخير وحينما قال الله عز وجل:

﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ (84) ﴾
(سورة هود)
في إحدى القصص، قال العلماء: الخير وفرة المواد ورخص الأسعار. إنفاق المال أعظم قربة إلى الله عز وجل:

إذاً الحقيقة الأولى المال الذي أودع الله فينا حبه، وجعله قوام الحياة، وجعله حيادياً، وجعله سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها، وجعل إنفاق المال أعظم قربة إلى الله هذا المال أراده الله أن يكون متداولاً، أنت أحياناً تذهب لبلد دعك من وضعه الديني، هذا البلد المسافة بين الأغنياء والفقراء صغيرة، يعني كل أفراد هذا البلد يعالجون عند الأطباء عندهم مركبة، عندهم بيت مدفأ، في طعام، في شراب، في كساء، الوضع طبيعي كلما قلت المسافة بين الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء بالمقياس المادي أو الحضاري الأمة بخير، وكلما وجدت إنساناً يقيم عقد قران بفندق بخمسة وثمانين مليوناً وثمانية ملايين شاب لا يجدون غرفة يسكنون فيها، هنا المشكلة، المفارقة الحادة، إنسان يقيم وليمة برقم فلكي وملايين لا يملكون ثمن طعام يأكلونه هذه مشكلة.

الحكمة من فرض الزكاة:
لذلك أيها الأخوة، الآية الأولى:
﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
والشرع فرض علينا الزكاة لأنك إن لم تستثمر هذا المال تأكله الزكاة كله، الزكاة من أجل ألا تخزن المال وألا تكنز المال، ولئلا يكون معطلاً عن الانتفاع به من قبل الناس.
مثلاً ما الذي يمنع إذا إنسان غني معه أموال طائلة قام بمشروع تنموي، أنا هذه الملايين الخمسة لا أحتاجها لخمس سنوات، أقرضوها لمشاريع مبلغه معقول لكن إنسان يحتاج إلى خمسمئة ألف، إنسان لمليون اشترى محلاً صغيراً، انطلق بمشروع، هذا المال نفع به أناساً كثيرين، وبقي له، ما لم نفكر هذا التفكير التعاوني، ما لم نفكر في الشباب، في مستقبل الشباب، في زواج الشباب، في سكن الشباب، في فرص عمل الشباب، فنحن على خطر، لأن الشباب طاقة كبيرة، الشباب رمز المستقبل، والشباب عماد الأمة، والشباب المعول عليهم بأن ينهضوا بهذه الأمة وأن يعيدوا لها دورها القيادي سابقاً. من وضع ماله في الاستثمار نما و نفع الآخرين:

إذاً الزكاة تدفع الإنسان إلى وضع ماله في الاستثمار، المال حينما يوضع في الاستثمار ينمو، فإذا نما عليه زكاة من ينتفع بهذه الزكاة ؟ الفقراء، مثل سريع ضربته مليون ليرة يملكها إنسان وشاب مهندس زراعي أقاما مشروعاً معاً ربحوا ستمئة ألف طبعاً في مصاريف مئتي ألف، المصاريف أجار محل، تجهيز المحل، مركبة لنقل البضائع مثلاً، مستودع، مطبوعات، مئات الأعمال تحركت في هذا المشروع، مرة قرأت مقالة عن شركة سيارات فرنسية عاملة مئتي ألف عقد مع شركات متعددة بغية تأمين حاجات هذه السيارة، اسأل التجار أحياناً المصاريف نصف الربح تمام، مصروف أنت تحتاج إلى كهربائي، بلاط، دهان، موظف، أنت تؤمن فرص عمل مؤقتة أو دائمة، دائمة موظف عندك، مؤقتة تحتاج إلى طبع فواتير.
لذلك الله عز وجل حينما فرض علينا الزكاة من أجل ألا نكنز المال فإذا كنزناه حرمنا فئات المجتمع، أنا لا أقول لك تَصَدق به لا، استثمره وخذ ربحاً.
الدخل المشروع و الدخل غير المشروع:
عندنا حقيقة دقيقة، حديث يكثر حول الدخل المشروع والدخل غير المشروع، يا ترى في عندنا قاعدة واضحة تحدد الدخل المشروع، وقاعدة أخرى تنتظم كل أنواع الدخل غير المشروع، قواعد كلية ؟ الجواب نعم، أية منافع متبادلة في الأعم الأغلب الدخل مشروع، وأية منفعة بنيت على مضرة في الأعم الأغلب الدخل غير مشروع، منفعة متبادلة أنت ساكن بأحد أحياء دمشق في دكان صغير في أحد الأحياء استأجرتها، صاحب المحل أعطيته أجرة، جيد، أمنت دخلاً لصاحب هذا المحل، أنت اشتريت بضاعة ولتكن طعاماً وشراباً، ذهبت إلى منابع البضاعة واشتريتها وجئت بهذه البضاعة لهذا الحي، جيران هذه الدكان وجدوا حاجاتهم قريبة مترين، خمسة أمتار، عشرة أمتار، وفرت له وقته و لم يتكلف أن يذهب إلى مكان بعيد ليشتري هذه البضاعة، جانب البيت تحتاج إلى حليب، إلى بيض، إلى جبن، إلى طعام، فأنت أضفت على الرأسمال مبلغاً ربحت، أتيت بالطعام إلى أهلك، ابنك يحتاج إلى قسط أمنت له إياه، تحتاج إلى مصروف كهرباء أمنته، أنت ربحت، صاحب المحل ربح، و الجيران انتفعوا فيك، أمنت لهم حاجاتهم إلى جانب البيت، الجيران انتفعوا و صاحب المحل انتفع و أنت انتفعت، نسمي هذه العلاقة منافع متبادلة، هذه مشروعة، أوضح منفعة متبادلة المضاربة، و النبي عليه الصلاة والسلام ضارب بمال خديجة، أول مُضارب في الإسلام، أول شريك جهد في الإسلام النبي الكريم، أول شريك مال السيدة خديجة، انتفعت و انتفع النبي بهذه التجارة، طبعاً و كل المصاريف عبارة عن إدخال شريحة كبيرة جداً في هذا الربح.
الكسب المشروع منفعة متبادلة و الكسب غير المشروع سرقة:
أنت عندك مزرعة ظهرت حشرة يجب أن تكافحها، ذهبت إلى مركز زراعي، طلبت من صاحب المحل مهندساً زراعياً ليرى ما هذه الحشرة ؟ يوجد آفة، هذا المهندس له راتب من صاحب المحل كشف الآفة، أعطاك اسم الدواء ذهبت و اشتريته، الذي استورده باع و انتفع، أي ربح هذه المزرعة توزع بين المهندس و بين صاحب الدواء، فالله عز وجل بهذه الطريقة تجد الربح توزع، ناله عدد كبير من أصحاب الحرف هذه يسمونها العجلة، عجلة الاقتصاد دارت.
مرة سألت صاحب مطعم كيف الوضع عندكم ؟ قال لي: و الله سيئ جداً، ما السبب ؟ قال لي الأمطار قليلة، ما علاقة المطر بالمطعم ؟ قال لي أمطار قليلة إذاً المحاصيل قليلة إذاً الربح قليل إذاً الإنسان دائماً يتعشى دائماً ببيته لا يأتي لعندنا.
أمطار غزيرة، غلات كبيرة، أرباح جيدة، أحياناً يأكل الإنسان بمطعم، أو يحضر طعاماً جاهزاً، عجلة.
مرة قال لي شخص: أنا سامع أصحاب معملي تطريز أي أبعد معمل عن الحاجة اليومية معمل التطريز، المرأة يلزمها ثوباً مطرزاً في العمر مرة واحدة، هذه ثياب العرس، أي ليس حاجة يومية، ليس حليباً، و ليس طعاماً و شراب، حاجة العمر مرة واحدة، قال شخص للآخر بعنا بيعاً مخيفاً، قال له ما السبب ؟ قال له الأمطار في الحسكة كانت غزيرة، سبحان الله أمطار غزيرة، محاصيل وفيرة، الفلاح قبض مبلغاً فلكياً، قال لي شخص: شخص قبض ثمانية و خمسين مليوناً سعر القمح من الدولة بسعر مخفض، أمطار غزيرة، غلة وفيرة، أرباح جزيلة، يتزوج، يحتاج إلى بذلة عرس مطرزة فالمعمل باع بذلة، حياة متشابكة.
إذاً الكسب المشروع بشكل أو بآخر منفعة متبادلة، الكسب غير المشروع سرقة.

الحلال منفعة متبادلة والحرام منفعة بنيت على مضرة:
شخص زرع أرضاً ثمانية أشهر، زرع و سقى و عشّب و عالج الأمراض الزراعية بالأدوية و تعب ثمانية أشهر حتى جمع المحصول، أخذه إلى السوق و باعه، و بجيبه يوجد فرضاً مئتا ألف هم جهد ثمانية أشهر ليلاً نهاراً هو و أولاده و زوجته، جاء شخص و سرقهم، شخص مات ألف ميتة و الثاني أخذهم بلا جهد، هذا حرام لأنها منفعة بنيت على مضرة، أنا أعطيك القواعد الثابتة، الحلال منفعة متبادلة، الحرام منفعة بنيت على مضرة، لو وسعنا الدائرة شخص قضى حاجته من فتاة بالزنا، جعلها مومس، ساقطة، حينما فُضح أمرها هربت خوفاً من أن تقتل من قبل أهلها فرضاً على حسب العادات و التقاليد، امتهنت الدعارة مادام فيها بقية جمال لابأس، عندما انتهى جمالها ألقيت على قارعة الطريق، أصبحت متسولة.
شخص قضى حاجته و سبب لإنسانة السقوط و الدمار و الفضيحة و الشقاء و مستقبل مظلم، تسول، و شخص حقق حاجته على حساب هذه الفتاة، هذا حرام، الآن تزوج، الزوجة لها أولاد، بناتها كبروا، زوجتهم أصبح عندها أربعة أصهار، امرأة عمو امرأة عمو، لها مكانة، لها أولاد، الابن غال جداً، عندها أربعة أو خمسة أولاد، أربع بنات، أربعة أصهار، زوج يحبها، كبرت في السن، ذوا جمالها، هذه مرحلة ثانية أرقى، الآن هي أم، كانت زوجة شابة، الآن أم بعد ذلك جدة، يقول لك كبة نور، انظر المرأة بنظام الزواج بكل مرحلة لها مكانة، تكون زوجة شابة مرغوبة عند زوجها، بعد ذلك أم حنون، ثم تصبح متقدمة بالسن، تصبح مرجع العائلة كلها، ثم جدة، عميدة الأسرة، لأن الزوج انتفع الزوجة انتفعت، الزوج قضى حاجته ضمن رضاء الله عز وجل والزوجة هذه الحاجة التي الله عز وجل أودعها فيها قضتها عن طريق الحلال، لا تستحي زوجها، وهو لا يستحي زوجته، الأمر واضح جداً وأنجبوا أولاداً ملؤوا البيت فرحة وجاءهم أصهار والأولاد زوجهم وصار عنده كنة، وهو يحب كنته، صار في كنة وفي زوج وصار في صهر، يقول أنا عندي خمسة وعشرين حفيداً.
النظام الإلهي نظام رائع يقوم على مخافة الله وتطبيق أوامره:
مرة زرت عالم قرآن (أمدّ الله في عمره) قال أنا من أحفادي ثلاثة عشر دكتور، أسرة منفعة متبادلة، الزوجة لها مستقبل، لها مكانة أمام أسرتها، فلانة الله يرضى عليها لها زوج محترم جداً لا تخاف، زوج ليس عشيقاً، تفتخر به، عندها أولاد، عندها أصهار، الأب عنده زوجات ابن، الكل يعتني به، هذا النظام الإلهي منفعة متبادلة، ومنهج الشيطان منفعة بنيت على مضرة.
شخص من أثرياء بعض البلاد سافر إلى إيطاليا يبدو الفندق فيه انحراف، طرق بابه الساعة الواحدة ليلاً فتح الباب وارتكب الفاحشة، وبعد أن نام واستيقظ صباحاً قرأ رسالة على مرآة غرفة النوم مرحباً بك في نادي الإيدز، انتحر فوراً، هذا الحرام. ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً. مرحباً بك في نادي الإيدز، مصابة بالإيدز، توهم نفسه أنه ذكي قضى حاجة وهي ضمته إلى المصابين بالإيدز، تصور أن مريض إيدز.
مرة قال لي شخص سافرت إلى بلد بعيد وغلطت وأصبت بمرض جنسي قال إخفاؤه عن زوجتي وأولادي سحقني سحقاً، له مكانته وهو أحضر مرضاً جنسياً، زنا، بشكل عام الحلال منفعة متبادلة والحرام منفعة بنيت على مضرة.
أيها الأخوة، إن لم تكن تفاصيل الشرع رائعة من كل الجوانب هناك مشكلة هذا دين الله عز وجل، خلق الإنسان، صممه تصميماً راقياً جداً، يعني إن شاء الله نحن جميعاً لنا أسر ولنا أولاد ولنا بنات ولنا أصهار، ترى الأسرة ملتئمة في محبة، في ود، أحياناً الأب يمرض يجد حوله عشرة، يأتي ابنه وابنه الثاني وكنته جاءت، زوجته، اهتموا أحضروا طبيباً، تجد في تواصل لأن في أسرة، إذا ما في أسرة يلقى الإنسان على قارعة الطريق.

من استثمر أمواله دفع زكاته من الربح:
أردت من هذا اللقاء الطيب أن أبين لكم أن المال قوام الحياة، وحيادي وسلم نرقى به أو دركات نهوي بها، وأعظم قربة إلى الله إنفاق المال، لكن المال الذي أراده الله أراده أن يكون متداولاً بين الناس، من أجل أن يكون متداولاً الله فرض الزكاة، والحديث في ملمح رائع: اتجروا في أموال اليتامى وإلا تأكلها الزكاة. إن لم تستثمر هذا المال سوف تدفعه زكاة خلال أربعين عام، أما أنت تستثمره ينمو تدفع الزكاة من الربح.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
( سورة الأحزاب)
قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
من تجاهل منهج الله عز وجل وقع في ضلال كبير:
ذكرت مرة قوله تعالى:
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
على تفيد العلو، الهدى منهج والمنهج فيه افعل وفيه لا تفعل، المنهج في حرام، الزنا حرام، الخمر حرام، الغيبة حرام، المنهج فيه تفاصيل مع كل هذه القيود التي تفرض على من يتبع هذا المنهج. وفي الحديث أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
إذا أخطأ معك البائع بألف ليرة تتجاهلها وأنت مؤمن لا تقدر، ترجع تعطيه إياها، فلما الإنسان يتجاهل منهج الله عز وجل: ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) ﴾
( سورة الزمر)
منهج الله عز وجل ليس قيداً للإنسان و إنما حفاظاً على سلامته:
الضلال كله إباحية، كله تفلت حرية، ما في قيد، إذا ما في قيد تدخل في قيد الكآبة أو في قيد السجن، إنسان سرق، حر سرق.
لا أنسى هذه القصة شاب فقير جداً لدرجة أن حرفته بيع أقمشة فضل مقصوصة على الرصيف في سوق الحميدية، قماشة عليها ثلاثين قطعة القطعة ثمنها دولاراً واحداً (خمسين ليرة)، واقف جاءت امرأة ليست من هذا البلد من إيران أعجبتها قطعة أعطته ثمنها أخذه ووضعه في جيبه، بعد دقيقة دقيقتين نظر إلى جيبه في معه مئة دولار، من أين جاءت المئة دولار ؟ هو أخذ دولاراً واحداً، هو ظنه دولاراً لكن هو مئة دولار، في محل أمامه قال له رجاءً عينك على الأقمشة، عدا نحوها مسرعاً بعد مئتي متر لحقها قال لها هذه مئة أريد واحداً، شكرته من أعماقها دفعت له الواحد وأخذت المئة، صاحب المحل وجده أميناً المئة دولار خمسة آلاف ليرة هو يريد خمسين ليرة، والمحل كان صرافاً والصرافة منعت يبحث عن عمل ثانٍ وهذا بائع أقمشة قال له هل تشاركني ؟ قال أتمنى، بائع أقمشة يبيع فضل دخل على محل في الحميدية جهزه ورتبه معه رأسمال ضخم، صاحب المحل هذا الإنسان تزوج وسكن في بيت في الطابق الثاني عشر من أجمل البيوت عنده سيارة أمريكية الآن، عاش في بحبوحة الآن لأنه بحث عن صاحبة المئة دولار، لفت نظر جاره البائع شاركه، الله وفقه.
صدقوا هناك قصة معاكسة بمكان اسمه السيدة رقية، أيضاً إنسان يبيع فضل أقمشة وجاءت إنسانة إيرانية واختارت قطعة أعطته خطأً مئة دولار، كن عليها، أعجبته، في أثناء عد مالها في نقص مئة دولار، اشتكت للشرطة دلتهم على البائع أحضروه مغفوراً أنكر، قتلوه، فاعترف أخذوا المئة دولار حتى ما يحولوه للنيابة العامة أخذوا منه خمسة آلاف ليرة، وأكل قتلة.
أقسم لكم بالله القصة نفسها شخص مؤمن كان بائع أقمشة على الرصيف صار تاجر أقمشة وعنده بيت وسيارة والله أكرمه لأنه أعاد المئة دولار لصاحبها، والثاني نفس الشيء مئة دولار سكت عليها، اعتبر نفسه شاطراً وهي تورطت معه.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
( سورة الأحزاب)
ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب مخالفة لمنهج الله:
لذلك أيها الأخوة الكرام، تسعة أعشار المعاصي في كسب المال والعلاقة بالنساء، تسعة أعشار المعاصي وتسعة أعشار الأحكام الفقهية في كسب المال وإنفاق المال والعلاقة بالنساء، وإذا شخص عفواً بتاريخ البشرية في عندنا شيء اسمه فضيحة، الفضيحة ما هي ؟ إما فضيحة جنسية أو مالية، في غير هذا، المؤمن أغلق هذه الثغرة حصّن نفسه في خطأ من كسب المال وخطأ في إنفاقه وفي خطأ من علاقته بالنساء.
أيها الأخوة، أول خطبة خطبتها في هذا المسجد عام أربعة وسبعين، بعدما انتهيت رجل بالخامسة والخمسين صار يبكي أمامي خير إن شاء الله، قال لي زوجتي تخونني، قلت مع من ؟ قال مع الجار، قلت كيف عرفت هذا الجار ؟ قال والله سهر عندنا مرة هذا الجار، قلت في نفسي زوجتي لوحدها يضيق خلقها أم فلان تعالي واجلسي معنا هذا مثل أخوك تعرف عليها طبعاً، قلت له أنت لو حضرت درس علم واحد ما تعمل هذا، دفعت الثمن تفضل.
بشكل أو بآخر ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب مخالفة لمنهج الله وما من مخالفة لمنهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان.
مرة في مدير سجن صديق لي ألّف كتاباً أهداني إياه، في عنده ثلاث وستين حالة في السجن، درس حالات الجريمة، العقوبة، الآية والحديث الذين يحرمان هذه الجريمة، منهج واضح، ارتكب جريمة بسبب الجهل، المادة القانونية تسجنه كذا سنة ولأنه خالف الله عز وجل في هذه الآية وهذا الحديث.
المال يجب ألا يكون دولة بين الأغنياء:
أيها الأخوة، المال قوام الحياة محبب، حيادي، سلم نرقى به، دركات نهوي بها، عنوان تقدم الأمة، أن تكون المسافة بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء صغيرة، وعلامة تخلف الأمة أن تكون النسبة بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعاف كبيرة.
زرت بلداً إفريقياً أقسم لكم أن قلبي اعتصره الألم، قال أغنى بلد في إفريقيا أول بلد في الألماس واليورانيوم والذهب، وأفقر شعب بإفريقيا، أغنى بلد وأفقر شعب، هذه مشكلة كبيرة جداً، لذلك أيها الأخوة:
﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
والحمد لله رب العالمين من لم يطلب العلم هبط مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به:

بقي الموضوع العملي، الإنسان بحسب الآية الكريمة:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق )
أولاً: أول كلمة في أول آية في أول سورة تبدأ بكلمة اقرأ، يعني تعلم والله عز وجل كما تعلمون أودع في الإنسان قوة إدراكية، والإنسان ما لم يطلب العلم، يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ما لم يطلب العلم، قال لك اقرأ، تعلم، أنت الآن في هذا المجلس أنت تحقق سر وجودك أن تعرف الله، ما في شيء أعظم من أن تعرف الله.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ))
[ ورد في الأثر ].
من عرف الله عز وجل سعد في الدنيا و الآخرة:

الله عز وجل قال:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
شخص معه مليارات يأخذ أوسع بيت وأجمل مركبة ويقتني أغلى الأجهزة ويعمل سياحة كل سنة، يعيش حياة تفوق حد الخيال، دقق: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
والباقيات الصالحات معنى ذلك أن المال لا يبقى، الباقيات قال بعضهم الأعمال الصالحة، وقال بعضهم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يعني أنت إن سبحته ووحدته وكبرته وحمدته عرفته، إن عرفته عرفت كل شيء، إن عرفته سعدت في الدنيا والآخرة، إن عرفته لا تندم على شيء فاتك من الدنيا. العقل آلة بالغة الدقة تحتاج إلى وحي من الله عز وجل:
الله عز وجل قال لك: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
قراءة البحث والإيمان، اقرأ من أجل أن تؤمن والعياذ بالله أحياناً إنسان يقرأ فيكفر، لماذا ؟ هذه العين البشرية لا قيمة لها إطلاقاً من دون نور يتوسط بينها وبين المنظور، إنسان بصير بغرفة مظلمة لا قيمة لعينيه، إنسان أعمى بغرفة مضاءة لا قيمة للإضاءة، العين والإضاءة شرطان كل منهما شرط لازم غير كاف، الآن العقل والوحي حاجة العقل إلى الوحي كحاجة العين إلى الضوء، عقل من دون وحي إنه فكر وقدر، شخص فكر فكر فكر ألّف كتاباً في لبنان قال إله محمد قمعي لأنه لا إله إلا الله ما قبل معه إله آخر، أما آلهة قريش ديمقراطيون كل واحد منهم قبل الآخر، مجتمع ديمقراطي لأنه في آلهة: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28﴾
(سورة المدثر)
يعني عقل بلا وحي كعين بلا ضوء لا قيمة لها، فالعقل آلة بالغة الدقة تحتاج إلى وحي إلى نور من الله عز وجل. على كل إنسان أن يقرأ من أجل أن يؤمن بالله العظيم:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
اقرأ من أجل أن تؤمن: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
أقرب شيء لها جسمك: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾
( سورة العلق )
خلق الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:
معقول ثلاثمئة مليون نطفة تنطلق من الزوج، والبويضة بحاجة إلى نطفة واحدة ؟ وهذه النطفة كيف تخرق جدار البويضة ؟ شيء عجيب والله، هذه النطفة فيها سائل نبيل، معنى نبيل أي نادر إذا وضع على جدار البويضة أذاب الجدار ودخل، وهذا السائل مغطى بقشرة حينما تصطدم هذه النطفة بالبويضة يتمزق الغشاء، يسيل السائل على جدار البويضة يفتح ثقباً و يدخل، يغلق الباب وانتهى الأمر، ثلاثمئة مليون تحتاج إلى واحد
صورة توضح مراحل دخول النطفة في سيتوبلاسما البويضة بدون غشائها السيتوبلاسمي

تنتقل البويضة من المبيض إلى قناة فالوب تنقسم البويضة الملقحة إلى عشرة آلاف قسم في طريقها إلى الرحم دون أن يزداد حجمها، لو ازداد حجمها لوقفت في مكانها، أنبوب ضيق. صورة توضح الإباضة , الإخصاب , الانقسام في قناة فالوب , تشكل التويتة , تشكل الكيسة الأرومية في الرحم , انغراس الكيسة الأرومية في جدار الرحم

أما هو السؤال الذي يعجب له الإنسان كيف تنتقل هذه البويضة في قناة فالوب ؟ في عجلات، في جهة تدفعها ؟ شيء لا يصدق في بأرضية هذه القناة أشعار تتحرك لولا هذه الأشعار ما كان في هذا المجلس وما كان في دمشق ولا في سوريا ولا في أزمة الشرق الأوسط ولا في حرب ولا في عالم ولا في بشر، وجودنا منوط بأشعار، بأرض قناة فالوب تتحرك والبويضة كرة تندفع، في عندي صور مجهرية كيف تنتقل البويضة بقناة فالوب عبر هذه الأشعار، تصل إلى الرحم، تغرس في جدار الرحم هذا اسمه العلوق صورة بالمجهر الالكتروني الماسح لبطانة القناة الناقلة للبيوض توضح الأهداب

إذا ما غرست تأتي دورة المرأة ما في حمل، إذا انقطعت الدورة معنى أن البويضة الملقحة التي انقسمت عشرة آلاف قسم والذي برأس الحوين مادة نبيلة تذيب جدار البويضة، وغشاء رقيق حينما تصطدم بالجدار يتمزق السائل يذيب جدار البويضة، و حينما تصل إلى الرحم هي بلا أرجل تتشبث بالجدار، و يحفر لها حفرة و تستقر و يبدأ النمو، تسعة أشهر، طفل له عين. العين عند الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:
العين فيها 130 مليون عصية ومخروط، بالشبكية ميلي و ربع في مئة و ثلاثين مليون عصية و مخروط، الشبكية عشر طبقات
صورة توضح طبقات الشبكية العشر و توضح العصي و المخاريط

القرنية شفافة، القزحية هوية، ماء العين فيه مادة مضادة للتجمد، عضلات العين، عضلات يمنى و يسرى و علوية و سفلية و مائلة و حاجب و محجر و دموع و جفن و رموش: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
صورة توضح عضلات العين

(سورة البلد )
بعد ذلك صورة فورية و ليس تعال ثاني يوم، لو كنا كالمصورين تعال ثاني يوم و انظر إلى الدرس، اليوم أغمض عينيك و غداً ترى الدرس، لنحمض الفيلم، صور فورية، العين تدرك ثمانية ملايين لون، و اللون الواحد إذا درج ثمانمئة ألف مرة العين البشرية تدرك الفرق بين اللونين.
إذا شخص ذهب إلى فنلندا، الحرارة سبعين تحت الصفر، معنى ذلك أن كل إنسان يعيش هناك سوف يفقد البصر لأنه يوجد بالعين ماء، ماء يلامس سبعين تحت الصفر، من أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ يد من ؟ من جعل القرنية شفافة ؟ من جعل القزحية تضيق و تتسع ؟ إذا في ظلام تتسع، إذا في ضوء شديد تضيق، يسموها بالآلة الفتحة، تتسع و تضيق صورة توضح توسع الحدقة في الضوء الباهت و تضيق الحدقة في الضوء الساطع

من قاس المسافة بين العين و بين الشيء المرئي و أمر الجسم البلوري (العدسة) أن ينضغط واحد على ألف من الميكرون من أجل أن تأتي الصورة على شبكية العين بالمحرق تماماً ؟ صورة توضح الجسم البلوري الذي يكون قليل التحدب عند النظر إلى شيء بعيد و متحدب عند النظر إلى شيء قريب

آيات الله كثيرة علينا أن نتفكر بها لنصل إلى الخالق سبحانه:
و الله يوجد بالعين آيات لو أمضيت الحياة كلها في هذه الآية لما انتهيت منها:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
(سورة البلد )
القزحية هوية، الآن بمعظم المطارات يأخذون صورة للعين، بدبي طبقت، بروما، بواشنطن، بلندن، صورة لقزحية العين، لا يمكن أن يأتي إنسان آخر لأنه في الستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان قزحية عينه تشبه قزحية عين الآخر، هوية. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
(سورة البلد )
إذاً: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق )

والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:30 PM   #24


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 9 - شهوة المال -3- المال فى الاسلام - 1







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة تذكيرية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وكنا في دروس سابقة في فقرة الشهوات، وبدأنا بشهوة المال، والله عز وجل يقول:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
1 ـ كل شهوة لها قناة نظيفة تسري مِن خلالها:

وذكرنا في دروس سابقة أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، معنى ذلك أنه ليس في الإسلام حرمان.

2 ـ الشهوة حيادية:
بل الشهوة حيادية، تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين أو دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.
3 ـ المال قوام الحياة:

وبيّنا سابقاً أن المال قوام الحياة، وأنه محبب إلى النفس، وأن إنفاقه من أعظم القرب على الله عز وجل، وأن هذا المال يمكن أن يكون سبباً لسلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.
ولكن بينت أيضاً أن هذا المال مع أنه قوة كبيرة بيد المؤمن، والذي يملك المال أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى للعمل الصالح، وأن هذا المال له طريق مشروع، وطريق غير مشروع.

4 ـ الحلال منفعة مشتركة بين الناس:
ثم وصلنا إلى أن أية منفعة متبادلة بين شرائح المجتمع وأفراد المجتمع هي الحلال منفعة مشتركة، وأن كل منفعة بنيت على مضرة هي الحرام، هذا كلام جامع مانع: المنفعة إذا بنيت على مضرة فهذا المال حرام، ولكن قد ينتبه إلى أن أحد أكبر أسباب السلامة والسعادة والتوفيق أن يكون طعامك حلالا، معنى الطعام الحلال أي أن الطعام اشتريته بمال حلال، ومعنى المال الحلال أن هذا المال كسبته من طريق مشروع.
أخطر شيء في حياتك مالك:

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
5 ـ الدين في معترك الحياة:

هذا ينقلنا إلى أن الدين ليس في المسجد، في المسجد تأتي لتلقي تعليمات الصانع، كهذا الدرس، وفي المسجد تصلي فتقبض ثمن طاعتك له، تماماً كمندوب مبيعات يأتي إلى مركز الشركة الساعة الثامنة صباحاً يتلقى التعليمات من المدير العام، ويذهب، ويبيع، ويعود معه الغلة، فيأخذ المكافأة، حينما تتوهم أن الدين مقصور على المسجد فأنت في وهم كبير، الدين في عيادتك أيها الطبيب، والدين في مكتبك الهندسي أيها المهندس، والدين في قاعة صفك أيها المعلم، والدين في دكانك أيها البقال، والدين في حقلك أيها المزارع، الدين في عملك، أما المسجد فتتلقى فيه التعليمات، وتقبض الثمن، فلذلك تركُ دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
حينما فهم المسلمون الدين على أنه عبادات شعائرية فكأنهم فرغوه من مضمونه، تجد ملايين مملينة، مليارا وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله، الأَلْفُ منهم كأفٍّ، بينما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام عليهم رضوان الله الواحد كألْفٍ، هل يعقل أن سيدنا خالد يستنجد بسيدنا أبي بكر احتاج إلى خمسين ألف جندي مدد لمعركة طاحنة حاسمة سيدنا خالدًا معه ثلاثون ألفًا، والجيش الذي يواجهه ثلاثمئة ألف، فأرسل له المدد، أرسل له القعقاع بن عمرو، قال له: << أين المدد يا قعقاع ؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت ؟ قال له: أنا >>، معه كتاب، قرأ الكتاب، يقول سيدنا أبو بكر: << فو الذي بعث محمد بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم >>، وانتصروا، لكن الآن ترى ملايين مملينة، أممًا، دولة فيها مئتان وخمسون مليونًا لا وزن لها عند الله، وهناك شعوب تملك ثروات، لكن أمرهم ليس إليهم بأسهم بينهم، فقراء، نحن مضطهدون، لماذا ؟
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
أنا أحاول في هذا اللقاء الطيب أن أضع يدي على أخطر ما في الدين، أن يكون كسبك حلالاً، أن يكون عملك مشروعاً، وكسبك حلالاً، عندئذ تكون مستجاب الدعوة.
والله أيها الإخوة، هناك معلومات ومشاعر لا يتاح لي أن أعبر عنها كلها، لكن ما مِِن إنسان مستقيم يكسب المال الحلال إلا ويوفَّق.
هناك قصة أرويها كثيراً، لأخ من إخواننا العاديين قدم طلبَ إجازةٍ لرئيسه في الدائرة، إجازة ستة أيام، مديره في العمل عصبي المزاج، انفجر عليه، قال له: ما مِن وقت الآن لإجازتك، قال: هذه إجازة قد استهلكتها، قال: كيف استهلكتها ؟ قال: أنا أصلي في المسجد كل يوم، أصلي الظهر في المسجد، جمعت هذه الأوقات فكان مجموعها ستة أيام، وحتى يكون دخلي حلالاً أريد أن توافق لي على إجازة استهلكتها، الجامع إلى جانب الدائرة جامع الطاووسية وهناك درس لي كل يوم فيه، يقول لي: هذا المدير صعق، قال: والله لا أصدق أن يدخل في حياته إلى مسجد، قال له: أنت أين جامعك ؟ فقال له، قال لي: والله يا أستاذ رأيته مع الحضور في الدرس القادم، فما الذي دفع هذا المدير العام أن يأتي إلى هذا المسجد ؟ الاستقامة.
أيها الإخوة الكرام، أنت حينما تستقيم تفعل المستحيل.
والد أحد إخواننا توفي ـ رحمه الله ـ سافر إلى ألمانية لدورة تدريبية، وقدّم أفكارا رائعة جداً، بني على هذه الأفكار إجراء تعديلات في المحركات، وكلفوا أن يطلع على معمل آخر، أعطوه مبلغا من المال ليغطي نفقات السفر، فسافر، وأقام بفندق، وأكل وزاد معه ضعفي ما أنفق، فرد التتمة، قال له المدير العام: أنا ما سمعت في حياتي إنسانا يأخذ تعويضَ سفر ثم يُرجِع البقية، قال: هذا حقك.
6 ـ ليس في التعامل اليومي ما يؤكِّد إسلامَنا حقيقة:

أحضر لي رجلاً مستقيمًا بلباس مدني، بثياب عادية، ليس له مظهر صارخ إسلامي، وهو مستقيم، وخذ نصرًا من الله عز وجل، لكننا نصلي ونأكل أموال بعضنا، نصلي ونغش المسلمين، نصلي ونبيع الشيء المحرم، نصلي ونخفي العيب عند البيع، وهناك ألف معصية في البيع والشراء، لا ترى المسلم بسلوكه اليومي ما يؤكد إيمانه بالآخرة، وإيمانه بيوم القيامة وبالحساب الدقيق.
حينما أخصص دروسا عديدة للمال أنا أضع يدي على الجرح، الدين ليس في المسجد، الدين أيها الفلاح ألاّ تستخدم هرمونا مسرطنًا، كهرمون يعطي الفاكهة حجمًا كبيرًا وصفات فيزيائية عالية، فيتضاعف ربحك، لكنه مسرطن، وممنوع استخدامه في العالم، ويأتي تهريباً، ولا يأتي استيراداً، فصلاته وصيامه وحجه ألغاها حينما استخدم هذا الهرمون.
هناك معمل مواد غذائية يضيف مادة مسرطنة تعطي الإنتاج لونا فاتحا، ويرتفع السعر، لا يهمه صحة المسلمين، يهمه حققا ربحا كبيرا، وهو يصلي في أول صف، ما شاء الله على هذا الدرس، يا أستاذ ما هذا ؟ الله يجزيك الخير، لكن هل ينفعك عند الله أن تثني على هذا الدرس ؟ لا والله.
ذكروا لي إنسانًا يبيع أقراصًا إباحية، ويصلي الظهر في الجامع، هؤلاء الشباب الذين أفسدتهم حطمت أُسَرًا كاملة.
أيها الإخوة الكرام، عندنا علة كبيرة جداً، وعندنا خلل خطير جداً في حياتنا، ألاَ تعجب ـ إن صح التعبير مِن تخلِّي الله عنا ؟ هان أمر الله عليهم فهُنّا على الله، لا تفهم أن الدين صلاة، الدين صلاة، لكنها صلاة أساسها الاستقامة:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)﴾
( سورة العنكبوت)
لا تفهم الدين ذهابا إلى الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
لا تفهم الدين طقوسا وحركات وسكنات وتمتمات، لا، الدين ليس كذلك، الدين أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، الدين معاملة.
حدثني أخ قال: أنا حرفتي لفّ المحركات، قال لي: في الجاهلية قبل أن أصطلح مع الله يأتي المحرك في حالات نادرة فيه شريط خارجي مقطوع، أوصله في ثانية، والأجرة خمسة آلاف ليرة، يأتي صاحب السيارة، أشغّل المحرك له، يعجبه، آخذ منه خمسة آلاف ليرة، والعملية كلفتني عشر دقائق، قال: بعد أن اصطلحت مع الله، وتبت إليه يقول له: ثمن التصليح خمسًا وعشرين ليرة، إذا ما تعجّب الآخر صدمة باستقامتك فلن تكون مؤمنًا، لكننا نتساهل في أكل المال الحرام، نتساهل في غش المسلمين، نكتم العيوب عن المشتري، نغش في المواد في أثناء بيعها، هناك معاصٍ في البيع والشراء لا تعد ولا تحصى، وهي منتشرة بشكل واسع جداً، والذين يفعلون هذا يتوهمون أنهم على حق، يصلي، واعتمر ثلاثة وأربعين مرة، ما شاء الله، لو تعتمر مليون عمرة، لو تحج كل سنة، لو تصلي كل يوم مئة ركعة، ما لم تستقم على أمر الله فلا تنفعك هذه العبادات.
أنا أضع يدي على جرح المسلمين، دينك في بيتك، في البيت معصية، وتجاوز، خروج ابنتك ليس بمظهر إسلامي، لمَ فيه تفلت ؟ ابنتك من صلبك، أنت القيم عليها، أنت وليُّها، أنت المنفق عليها، زوجتك هل علاقتها مع الجيران صحيحة ؟ إسلامية ؟ هل عملك مشروع ؟ هل عندك بضاعة محرمة تبيعها ؟ يقول لك أحدُهم: نحن مضطرّون إليها، والطلب عليها كثير، هذه مشكلة، إذا فرقت بين العبادات والمعاملات، وقلت: هذه وحدها، وهذه وحدها، فلا تفقه من الدين شيئاً، ومرة ثانية: تركُ دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
أكدت هذا كثيراً حتى تعتقد أنك بأي مظهر الله يقبلك، بمظهر إسلامي صارخ، بمظهر مدني، أي مظهر يقبلك الله، لكن الشرط أن تستقيم على أمره، والفيصل في الدين الاستقامة، وما لم تستقم على أمر الله فلا تقطف من الدين شيئاً، والمظاهر الإسلامية سهلة، فماذا يكلفك أن تظهر بمظهر إسلامي صارخ.
واللهِ هناك مسبح مختلط، هل هناك من معصية أكبر من هذا ؟ ثم يقيم مولدًا في شهر المولد، يدعو أناسا فيتكلمون عن رسول الله، هذا المسبح المختلط لا علاقة له بدينك، كيف تتوازن ؟ هذه مشكلة المسلمين، لذلك المال تسأل عنه مرتين: مرة من أين اكتسبته ؟ ومرة فيم أنفقته ؟
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
والله التقيت مع إنسان في العيد عمره ستٌّ وتسعون سنة، والد صديقي، جلس معي، وحدثني فقال: أجرينا البارحة تحليلا كاملا للدم والبول، فلم يظهر شيء غير طبيعي، كل التحليل طبيعي، قال: والله بكل عمري ما أكلت قرشًا حراما، ولا أعرف الحرام، حرام النساء، مَن عاش تقياً عاش قوياً. 7 ـ أيها الشباب لا تقلقوا على الرزق:
أيها الإخوة الكرام، أخاطب الشباب، لا تقلق، الله موجود، الله عز وجل فوق الظروف، تقول لي: هناك ظروف صعبة، وضغوط، وحصار، والمكاسب قليلة، وفرص العمل نادرة، الله في كتابه الكريم قال:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه:
(( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
[ متفق عليه ]
مع الإيمان لا ألم، ولا حزن، ولا يأس، ولا إحباط، أمرك بيد الله، وما سلّمك الله إلى أحد، قال تعالى: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ َاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
ريح الجنة في الشباب، اتق الله يجعل الله لك مخرجاً، وترزق من حيث لا تحتسب، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق )
والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفت. المال الحلال منفعة متبادلة متداولة:

أيها الإخوة، المال الحلال منفعة متبادلة، المال الحرام منفعة بنيت على مضرة، أنت ربحت، لكنك قدمت بضاعة سيئة، وأخذت ربحا، أو أن السعر لبضاعة جيدة، وقدمت بضاعة سيئة، فكأنك سرقته، الآن هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس مجتمع فيه عشرون مليونا بين أيدي الناس، هذه بالتعبير الاقتصادي كتلة نقدية، بين أيدي الناس مال، مجموع المال الذي بين أيدي الناس الله عز وجل ما أمْره مع هذا المال ؟ المال الذي بين أيدي الناس، والكتلة النقدية التي عند الناس الشرع الإلهي، والوحي الرباني كيف أرادها أن تكون ؟ أرادها الله أن تكون متداولة بين كل طبقات المجتمع.

﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم﴾
الوضع الصحي الطبيعي المشروع الذي يرضي الله أن تكون هذه الكتلة متداولة، ما الدليل ؟ قال تعالى:
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (7) ﴾
( سورة الحشر)
في المجتمعات المتخلفة غنى فاحش، وبضاعة جميلة جداً، وغالية جداً، وهذه البضاعة الجميلة والغالية بأموالٍ طائلة، ومن الممكن لإنسان أن يقيمَ عرسًا في فندق ذي خمس نجوم بخمسة وثمانين مليونًا، وهناك مئة ألف شاب ليس عند الواحد منهم إمكانية أن يتزوج في غرفة واحدة في رأس الجبل، الوضع الصحي الطبيعي، والذي يرضي الله أن تكون هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس متداولة، بأيدي كل الناس، يعني كل واحد في عنده بيت وكل واحد بإمكانه أن يعالج ابنه بمستشفى، بإمكانه أن يشتري لأولاده ثياب بإمكانه أن يقدم لأولاده حاجاتهم الأساسية، حينما يكون هذا المال متداولاً هذا يكون سبب رضوان الله علينا، أما حينما تجد أكبر كتلة نقدية بأيدي قلة قليلة والأكثرية محرومة من هذا النقد هذه حالة مرضية هذا لا يرضي الله. ما الذي يجعل هذا المال متداولاً ؟ وما الذي يجعل هذا المال غير متداول ؟
جعل هذا المال متداولاً ؟ وما الذي يجعل هذا المال غير متداول ؟ الكسب المشروع آليته أن يجعل الكتلة النقدية متداولة بين الناس.
الفكرة دقيقة، تريد أن تكون تاجراً، و أنت شاب معك اختصاص إدارة أعمال، درست دراسة جامعية، أنت في مقتبل الحياة، وهناك إنسان متقاعد جمع مالا في حياته من حلال، لكن في هذا السن لا يتاح له أن يستثمره، جاءك وقدّم لك هذا المال، وأنت قدمت له الخبرة، فتحت مشروعا، منه المال، ومنك الخبرة، إذاً: المنفعة متبادلة، هو انتفع بخبرتك، وأنت انتفعت بماله.
نحتاج إلى محل تجاري، الذي هيأ البناء عنده محلات تجارية، أنت أربحته، واشتريت منه، المحل يحتاج إلى كسوة، تحتاج إلى مئتي حرفة في خدمة البناء الآن، تحتاج إلى بلاط، إلى دهان، إلى تمديدات صحية، كهربائية، لوحة، خط، تزيينات، دون أن تشعر دفعت مبالغ كبيرة جداً حتى هيأتَ هذا المكان، فأنت شغلت مئتي مصلحة، المحل بدأ العمل، أنت بحاجة إلى موظفين، بحاجة إلى مستودعات، بحاجة إلى سيارة، بحاجة إلى دفتر فواتير، بحاجة إلى مطبعة، دون أن تشعر تحرّك ألف مصلحة وألف حرفة، فأنت ربحك، شئت أم أبيت، ووزعت الربح بينك وبين هؤلاء الذين قدموا لك مواد، أو خبرات، أو خدمات مقابل أجر، فالعجلة دارت، فحينما تلد الأعمال المال يغدو المال متداولاً بين كل الشرائح، هذا منهج الله، أن تلد الأعمالُ المال.
(( إن أطيب الكسب كسب التجار ؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ))
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند ضعيف ]
التاجر الصدوق مع النبيين، فلا بد أن تكون تاجراً مستقيماً مسلماً مؤمناً طاهراً الأعمال البضاعة جيدة صالحة بسعر معتدل، هذا عمل يرضي الله، التاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة، ولأنه يمكن التاجر أن يكون أكبر داعية لا بلسانه، لكن بمعاملته، ودون أن تشعر تشتري حاجة متقنةً بسعر معتدل، فتدعو له: الله يبارك له، الله يوفقه، ممتازة، تقول هذا من أعماق أعماقك، وتثني على هذا التاجر، لأنه قدم لك بضاعة جيدة بسعر معتدل.
متى تكون هذه الأموال متداولة بين كل الشرائح ؟ حينما نسمح للأعمال فقط أن تلد الأموال.
يا ترى بشكل نظري، مصرف إسلامي يقبل الإيداعات، عمل مشاريع ضخمة، أسّس مشروعا زراعيا ضخما، مشروعا صناعيا ضخما، موّل هذه المشاريع من أموال المودعين، وهذه المشاريع وضعت أرباحها كلها في سلة واحدة، وزعت هذه الأرباح وفق رؤوس الأموال، هذا المصرف بهذه الطريقة إسلامي مئة بالمئة، لأنه اعتمد على المضاربة، تلقى إيداعات، ووظفها في الأعمال الكبيرة التجارية والصناعية والزراعية، ووزّع الأموال بينه وبين المودعين.
كل منفعة متبادلة بين الناس هذا دخل مشروع، أما كل منفعة بنيت على مضرة فمحرّمة.
لعبة ( يا نصيب ) قد يربح الرجل منها خمسين مليونًا، والبقية دفعوا، وما ربحوا، هذه مضرة، المنفعة بنيت على مضرة، تركوا الناس كلهم يتعلقون بالجائزة الأولى، مثلاً، فأيّ مال يُبنى عليه مضرة، فيه شبهة كبيرة، أو فيه حرمة صارخة، أو حرمة ماحقة، أو شبهة كبيرة، عندئذ لا يبارك الله في هذه الأموال، وإذا لم يبارك بها أتلفها، حتى في المال معنى دقيق جداً، يجري بالنية، فمَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، أخذ مالا استثمارا، ونوى أن يربح، صاحب المال هذه النية التي يعلمها الله منه أحد أسباب التوفيق، أما إذا أخذ مالا كبيرا، وقال: هذا غني، ما أردّ له شيئًا، ثم أكذب عليه، أقول له: ما ربحنا، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها، المنطق: أتلفها الله، وأتلفه الله.
هناك قوانين دقيقة، أيها الإخوة، قوانين دقيقة جداً تحكم هذه الحياة، الله موجود بأدق الدقائق، المنفعة التي تبنى على مضرة حرام، وأوضح شيء السرقة، أوضح منفعة تبنى على مضرة السرقة، ثاني أوضح منفعة تبنى على مضرة الغش، مصدر البضاعة دولة عظمى متفوقة بهذه البضاعة، وهذا المصدر مزور، أنت اشتريت البضاعة من دولة متخلفة جداً، لكن كتبت عليها: ( صنعت في ألمانية )، هذا غش، فالغش أحد أسباب أن تجتمع الأموال في أيدي قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة، فأنت بهذا عكست الحكمة الإلهية من أن تكون هذه الأموال متداولة بين الناس.
أيها الإخوة، هذا درس في الأصول درس في الكليات، فيه تفاصيل كثيرة جداً، الغش أنواع منوعة، غش بالوزن، غش بالحجم، غش بالنوعية، في المصدر، في التسليم، والله هناك ألوان للغش لا تعد ولا تحصى في حياتنا، يغش المسلمين وهو مرتاح، وكل سنة يذهب إلى العمرة، ويصلي في الجامع، تدخل إلى محله تجد قد علق على الحائط: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾
تدخل إلى بيته تجد آية الكرسي معلٌّقة، وفي سيارته مصحف، وليس فيه استقامة، لا أعرف كيف تقيّمون كلامي.
الاستقامة في المعاملات أصلٌ في صحة العبادات:
أنا أعتقد أنه إذا لم توجد استقامة فقد ألغيت صيامك وصلاتك وحجك وزكاتك، مِن أين جئت بهذا ؟ السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قولوا لفلان: إنه ألغى جهاده مع رسول الله.
من أجل عمولة عالية تنصح إنسانا بشيء مؤذٍ في مثل هذا، ففي العمل الجراحي ( استاندات ) للقلب، مثل ( الراصور ) يوضع للشرايين، هناك ( استاند ) احتمال النكسة فيه عشرون بالمئة، معه عمولة عشرة آلاف، وفي استاند احتمال النكسة فيه ثلاثة بالمئة، لكن بلا عمولة، لما يختار إنسان الذي فيه عمولة عالية، وفيه خطر على صاحبه، سامحوني بهذه الكلمة فقد ألغى صلاته كلها وصيامه وحجه وزكاته، لأنه بنى منفعته على خطر حياة إنسان، هذا مثلٌ، وهناك آلاف الأمثلة بل ملايين الأمثلة.
المحامي مثلاً يعلم علم اليقين أن هذه الدعوى خاسرة، وهناك اجتهاد لمحكمة النقض تمنع أن يكون الحكم لصالح هذا الموكل، لكن القضية طويلة تحتاج إلى عشر سنوات، يقول: القضية ناجحة، أنا مسؤول عنها، كل فترة نريد دفعة، سحب منه ثمانمئة ألف خلال عشر سنوات، ومن السهل جداً في النهاية أن تخلص منه، يقول: القاضي ما كان منصفًا، ماذا أفعل لك ؟ الله عز وجل يعرف أنك كذبت عليه، لذلك المال الحرام يذهب من حيث أتى، يذهب ويأخذ معه صاحبه، فترى مصادرات، واحتراق معامل أحياناً، وإتلاف المال وراءه حكمة بالغة، الله عز وجل غني عن تعذيبنا:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
( سورة النساء)
أيها الإخوة، أنا أرى أن قضية المال من أخطر موضوعات الدين، أنا أريد مسلمًا دخله حلال، هذا الدخل القليل يبارك الله له فيه، فقد ترى الدخل محدودا، وصاحبه مرتاح، ما عنده مشكلة، الله حفظ له صحته وصحة أولاده وزوجته، وسمعته طيبة، وعنده اعتدال في الصرف، يشتري بضاعة من مصدرها بسعر معتدل، وينفقها باعتدال، يقول لك: الحمد لله، نحن ما فهمنا ما هي البركة، البركة أن الشيء القليل يبارك الله فيه، والشيء الكثير قد يتلفه الله عز وجل، (( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
الشيء الأول في الدين أن يكون الدخل مشروعاً، اشتريت سيارة جديدة لها لوحة استثنائية، إلى أن ترسم أوقفه شرطي، قال له: هذه اللوحة لا تسمح لك أن تركب معك أحدًا، السائق فقط، ركب معه زوجته وأولاده، قال له: أنا ذاهب لأصلي التراويح، تحب أن أدعو لك ؟ هكذا قال له، ليس الموضوع أن تدعو لي، هذه مخالفة، فأعطاه مبلغا من المال، قال له: انظر إلى يدي، أنا أعمل في البلوك، أنا تبت إلى الله من أي قرش حرام، نحتاج إلى مثل هذا الشرطي، الرجل صاحب معمل ألبسة، تأثر تماما من هذه الاستقامة، شاء أم أبى، هيأ له ألبسة لكل أهله في العيد، قال له الشرطي: أنا أعمل بعد الظهر في معمل بلوك حتى أؤمّن رزقي الحلال، والله كبير، لما تخاف منه يعطيك ويرفع رأسك ويكرمك، فقط خف منه.
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
أقول لك: المؤمن ما موقفه ؟ يركل بقدمه الملايين من حرام، ويقبَل ألف ليرة في الحلال، هذا فيه بركة، يشتري طعاما يقوي جسمه ويأكله بهناء، والله يبارك فيه، لذلك جعل الله الحلال صعباً في البداية، وجعل الله الحرام سهلاً.
قد تعمل امرأةٌ فقيرة زوجها مريض ثماني ساعات في بيت، وتأخذ خمسمئة ليرة، وامرأة أخرى تأخذ هذا المبلغ في خمس دقائق، حلال صعب والحرام سهل، فإذا اخترت الحلال الصعب يأتيك الحلال السهل بعد.
أيها الإخوة، والله أتمنى أن نفهم الدين على حقيقته، صاحب دين يعني أن الناس لا يصدقون استقامتك، ولا يصدقون عفافك، لا يصدقون نصحك إلا إذا كنت مستقيما في التعامل معهم، هذا هو الدين، أما إذا كان فيك غش واحتيال وخداع وتدليس وكذب واحتكار واستغلال فقد سقطتَ من عين الله ومن أعين الناس، و لئن يسقط الإنسانُ من السماء إلى الأرض أهون من أن يسقط من عين الله.

أيها الأخوة الكرام، لازلنا في موضوع المال، الدين استقامة، إذا ألغيت الاستقامة ألغي الدين، ألغيت كل ثمار الدين، الدين راحة نفسية، الدين توازن، الدين أمن وسعادة، وثقة بالله، الدين جرأة وعزة وكرامة ووضوح، الدين مؤمن مستقيم.
أنا أريد بهذا الدرس مع التوفيق الإلهي إن شاء الله أن نعقل جميعاً، وأنا معكم أن الدين سلوك وأن، الدين التزام.
النبي عليه الصلاة والسلام أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر، أغروه بحلي نسائهم كرشوة، فقال: << جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم >>، فقالت اليهود: " بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا ". الكون من بديعِ صنعِ الله تعالى:
1 ـ التفكر في خلق السماوات والأرض:
أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى الموضوع الآخر، هناك طريقة من طرق التفكير يمكن أن تقدم لك أدلة كبيرة جداً على عظمة الله، هذا الكون، كلمة كون تعبير معاصر يقابله في القرآن السماوات والأرض:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )
2 ـ ما هو الكون ؟
يعني الكون، والكون ما سوى الله، هو أجرام سماوية، كلمة أجرام ما تعني ؟ تعني كواكب ونجوما، الكوكب منطفئ كالأرض، والنجوم مشتعلة كالشمس.
3 ـ ماذا لو كان الكون كله كواكب ؟
الآن دقق لو أن الكون كله كواكب هل تكون فيه حياة ؟ لا حياة عندئذ، الكون حرارته صفر مطلق، أو مئتان وسبعون تحت الصفر، بهذه الدرجة تتوقف حركة الذرات، لو أن الكون كله ملتهب لم تكن هناك حياة، الشمس حرارتها عشرون مليون درجة في مركزها، مَن صمم أن الكون كواكب ونجوم ؟ الله عز وجل، هناك حكمة، وبالتعبير الفلسفي عقل، أول تصميم هذا الكون كواكب ونجوم.
4 ـ ماذا لو كان الكون سكونيًا غير متحرك ؟
سؤال آخر: لو أن الكون سكوني غير متحرك، فيه كواكب ونجوم بحسب قانون الجاذبية الكتلة الأكبر تجذب الأصغر، فالمحصلة يجب أن يكون الكون كله كتلة واحدة، عندنا مليون مَليون مجرة، والله هناك رقم بثلاثة آلاف مليون، المجرات كلها، وكل مجرة فيها مليون مَليون كوكب ونجم، يمكن أن يكون الكون كله كتلة واحدة، ما الذي يمنع أن يكون كتلة واحدة ؟ الحركة، الحركة لها قانون، وفي أثناء الحركة الدائرية تنشأ قوة نابذة، وببساطة بالغة الغسالة حينما تجفف الثياب عن طريق الدوران السريع، في الدوران قوة نابذة طاردة، ترى الماء خرج، فالحركة فيها قوة نابذة، والقوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة.
هناك الكون والأرض والقمر والمريخ والمشتري والشمس والمجرة ونجم قطب، والمرأة المسلسلة، لولا هذه الحركة لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة، هذا تصميم من ؟ حكمة مَن ؟ الله عز وجل.
5 ـ تفاوت درجة انصهار عناصر الكون:
الآن أنا جالس على مقعد وثير، أمامي طاولة من خشب قاسية، وأمامي كأس ماء سائل، وهناك هواء أتنفسه، مَن صمم هذا الغاز والسائل والصلب في آن واحد ؟ الله عز وجل، كيف أن درجة انصهار كل عنصر خاصة، ففي الدرجة مئة الحديد صلب، أما بدرجة ألفين فالحديد يصبح سائلا، في ثلاثة آلاف صخر البازلت يصبح سائلا، وبدرجة واحدة تجد صلبا، ومَن صمم أن درجة انصهار العناصر متفاوتة ؟ ولولا تفاوت درجة انصهار العناصر لكان الكون من طبيعة واحدة، الكون إن كان غازا فقط فالحياة فيه مستحيلة، أو كان سائلا فقط، أو صلبا فقط، لكن عندنا غازات، وسوائل، وطعام، وعندك ماء، وعندك أشياء صلبة، الحديد صلب، فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وهناك أشياء جميلة، وأشياء طرية، وأشياء قاسية، مَن قنّن أن درجة انصهار المواد متفاوتة، إذاً: في الكون تنوّعٌ كبير جداً.
6 ـ الحكمة الربانية في دوران الأرض:
دققوا، هذه الشمس وهذه الأرض، لو أن الأرض تدور هكذا، والشمس هنا، بالتعبير الرياضي بمحور موازٍ لمستوى دورانها حول الشمس، وإذا كان دوران الأرض حول ذاتها بمحور موازٍ لمستوى دورانها معنى ذلك أن الأرض فيها نهار أبدي وليل أبدي، الشمس هنا تدور هكذا، هنا نهار، وهنا ليل، في الليل مئتان وسبعون درجة تحت الصفر، وفي النهار ثلاثمئة وخمسون درجة فوق الصفر، فلو أن الأرض دارت حول نفسها بمحور موازي لمستوى دورانها لانتهت الحياة.
لو أنها دارت على محور متعامد مع مستوى دورانها هكذا، الشمس هنا، ما الذي يحصل ؟ إلغاء الفصول، الأرض هكذا، الشمس هنا، الأشعة هنا عمودية، إذاً فصل الصيف أبدي، هنا مائلة، الشتاء أبدي، نحن عندنا صيف وشتاء وربيع وخريف، كيف يكون هذا ؟ الأرض تدور على محور مائل، هي هنا الآن، هنا أشعة عمودية في قسمها الجنوبي، الآن في أسترالية صيف، فإذا دارت هكذا صار كانت هكذا الأشعة هنا عمودية، في الجنوب صيف، فإذا ذهبت إلى هنا صارت هنا عمودية، يكون في الشمال صيف، لولا ميل المحور لما كان تبدل الفصول.
7 ـ كيف لو كانت الأرضُ بحجم الشمس:
ولو أن الأرض بحجم الشمس، لو فرضنا وزن الشمس مئة ضعف عن وزن الأرض، الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، إذا قلنا: مئة ضعف فأنت وزنك في الأرض ثمانون، في الشمس وزنك كم ؟ ضرب مئة، ثماني أطنان، مَن جعل حجم الأرض يتناسب مع وزن معتدل ؟ ومَن جعل دورة الأرض حول محور حول ذاتها أربعًا وعشرين ساعة ؟ أنت طاقتك في العمل ثماني ساعات، ترى الناس جميعاً نائمون في الليل، أما لو كانت الدورة سنة، ستة أشهر ليل دائم، وستة أشهر نهار دائم، تستيقظ وتنام، وتستيقظ وتنام، صارت الحياة فوضى، ولم يصبح الليل سكنًا، وما لا النهار معاشًا، مَن صمم دورة الأرض حول ذاتها أربعا وعشرين ساعة ؟ ومَن صمم دورتها حول الشمس سنة، لو أنها تدور حول الشمس بيوم فعندك أربع ساعات صيف، وأربع ساعات شتاء، أربع ساعات ربيع، وأربع ساعات خريف، فكّر في الشيء وفي خلاف ما هو عليه تكشف الحقيقة.
8 ـ إذًا تفكّرْ في الكون:

أيها الإخوة، التفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة، لأن هذه العبادة تضعك أمام عظمة الله.

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:35 PM   #25


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 10 - شهوة المال -4- المال فى الاسلام - 2- الشهوة وواقع المسلمين







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولازلنا في مقومات التكليف، وانتقلنا من الكون إلى العقل، ثم إلى الفطرة، ثم إلى الشهوة، وتدرجنا في الشهوة في موضوعات كثيرة، ثم انتقلنا إلى شهوة المال، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
لابد من التفوق في الدنيا من أجل إظهار الإسلام:

لكن في هذا الدرس أيها الأخوة، أردت أن أربط هذه الشهوة بواقع المسلمين، وكنت أقول دائماً: ما لم تكن متفوقاً في دنياك فلا يحترم دينك، أنا لا أدعو إلى التنافس على حطام الدنيا، ولكن كيف تقنع الآخر ؟ الله عز وجل جعل هذه الأمة وسطاً بينه وبين بقية الأمم، وأذكركم مرة ثانية أن الأمة الإسلامية إذا كان فيها تخلف، ونسب الفقر عالية جداً، ونسب البطالة عالية جداً، ونسب الأمية عالية جداً، ونسب العنوسة عالية جداً، معظم هذه الدول تستورد ولا تصدر، بأسها بينها، سلمها لأعدائها، كيف تقنع العالم أن منهجنا صحيح ؟ أؤكد لكم ولا أبالغ ما دمنا بهذا الوضع من التخلف فلا يمكن أن نقنع أحداً بهذا الدين العظيم، ومن قال لك: إنك إذا أسلمت، واستقمت حلت كل المشكلات، يجب أن تحمل رسالة، لأن الله عز وجل قال:
﴿ وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾
( سورة العصر )
جواب القسم: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾
أي إنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ (3)﴾
( سورة العصر )

من هذه الكلمة يتضح أن الدعوة إلى الله فرض عين، فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، ومن خلال تجارب كثيرة وخبرات متراكمة أؤكد لكم أن المتألق في عمله، الأول في اختصاصه، الذي يعتني بصحته، يعتني بمعلوماته، يعتني بتصرفاته، يضبط نفسه، ثم يتكلم في الدين يكون كلامه مسموعاً، أما إذا كان مهملاً في عمله أو في صحته أو في شؤونه الخاصة أو في بيته فلن يستطيع أن يقنع أحداً بالدين.
لذلك الحقائق التي أكرمنا الله بها هي موقوفة على ما لم نتفوق في دنيانا حتى نستطيع أن نقنع الآخر من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ صحيح مسلم]
كم من طالب مسلم ذهب إلى بلاد بعيدة ليدرس ؟ طالب من الهند استطاع أن يكتشف البريد السريع ( الهوت ميل )
وفي أول عام جاءه عشرة ملايين مشترك، هذا الأمر دفع بيل غيت صاحب مايكروسوفت إلى أن يشتريه منه، عرض عليه خمسين مليون دولار، فطلب خمسمئة مليون، خلال عامين تم التفاوض على أربعمئة مليون، قبضها، وأنفق ثلاثمئة مليون لحل مشكلات المسلمين في الهند، والآن رصيده مئة مليون.
أنا أدعوكم إلى التفوق، الدنيا كما ترى نأكل ونشرب وننام، إن كنت كذلك فأنت واحد من ستة آلاف مليون، لا تقدم ولا تؤخر عندما لا تكون متفوقاً، لأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى تفوق، الدعوة إلى الله تحتاج إلى انضباط، أن تكون أولا، فإن كنت طبيباً فكن الطبيب الأول، وإن كنت محاميا فأنت المحامي الأول، وإن كنت مهندساً فالمهندس الأول، وإن كنت تاجرا فالتاجر الأول، هذا شيء سهل جداً، لكن يحتاج إلى تخطيط.

أيها الأخوة، والخبر مؤلم جداً، أن كل مئة شاب ثلاثة يعرفون أهدافهم، ويتحركون نحوها، ثلاثة بالمئة فقط، هدف واضح، أنت الآن ماذا تريد أن تكون حينما تتخرج من الجامعة ؟ تحب أن تكون عالماً؟ تحب أن تكون طبيباً؟ تحب أن تكون تاجراً كبيراً؟ صناعياً؟ فكر.
هناك كلمة قرأتها قبل أربعين عاماً ولا أنساها: " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان ".
أقول لك بشكل واضح: اطلب ما شئت من الله إن كان الطلب صادقاً، وقدمت الثمن، وهو السعي:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 19 )
لا بد من أن تصل إلى هدفك، هذه حقيقة.
أنت علاقتك مع الله، علاقتك مع الذي بيده كل شيء، قال لك: عبدي اطلب تعطَ، لا أكلفك إلا أن تطلب بصدق، اطلب بصدق، وأنا أعطيك، خلاف ما يقال: الظروف صعبة، الدخل قليل، الضغوط عالية، وعود الله عز وجل فوق الزمان والمكان، وعود الله عز وجل فوق كل المعطيات، وعود الله عز وجل فوق كل الظروف.
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق )
علاقة المال بوضع المسلمين:
درسنا اليوم علاقة المال بوضع المسلمين. هذا هو حال المسلمين للأسف الشديد:
واللهِ زرت بلدًا في إفريقيا، وهو بلدٌ مسلم، واللهِ كاد قلبي يعتصر من الألم، أغنى بلد في إفريقيا، البلد الأول في الماس، واليورانيوم، والذهب، وفي خام الألمنيوم، وأغنى بلد من حيث التربة والأمطار، معدلات الأمطار في الليلة الواحدة أربعمئة مليمتر، وإنتاج زراعي غزير، ومع ذلك هو أفقر بلد في إفريقيا، أغنى بلد من حيث الثروات، وأفقر بلد، لأن فيه الجهل، والحديث في هذا طويل.
حينما أرى المسلمين فقراء، وهم يتربعون على ثروات مذهلة، ويحتلون أخطر موقع في العالم، وعندهم كل الثروات، ومع ذلك فقراء، لأن فيهم تقصيراً كبيراً جداً، هذا البلد الذي شوه صورة نبينا عليه الصلاة والسلام- والآن أعادوا نشر الصور- كم عدد سكانه ؟ خمسة ملايين، كم يطعمون؟ خمسين مليوناً في العالم، خمسون مليوناً يأكلون من إنتاج هذا البلد، وهناك شركة في اليابان عدد عمالها أربعون ألفاً أرباحها تساوي الدخل القومي لأكبر بلد عربي، كل أنواع الإنتاج؛ إنتاج الشعب، والصناعيين، والتجار، وإنتاج المرافق العامة، والثروات، مجموع الدخل إجمالاً يساوي الدخل القومي.
1 – المال عصبُ الحياة:

فيا أيها الأخوة، علاقة المال بعصرنا، المال عصب الحياة، والمال قوة، بالمال تحل المشكلات، وهناك مقولة يسمعوننا إياها كثيراً، أن الكثافة السكانية عبءٌ، من قال لك: إنها عبءٌ؟ اليابان فيها أكبر كثافة سكانية في العالم، وتايوان وكوريا الجنوبية، والهند واليابان، وهي أغنى بلاد العالم، اليد العاملة إما أن تكون ورقة رابحة وإما ورقة خاسرة، إن أطلقتها وعلمتها تغدو ورقة رابحة كبيرة جداً، والآن من مسلَّمات الاقتصاد أن الموارد البشرية هي أعلى موارد اقتصادية في العالم، فاليابان ما عندهم أي مادة أولية، وهي أغنى البلاد، عندهم جهد بشري فقط، أغنى البلاد في العالم ما عندهم ولا مادة أولية.
أيها الأخوة، أحياناً هناك ظروف صعبة جداً، ظروف القهر الاقتصادي، والحصار الاقتصادي، ومنع التصدير لبعض الدول، في مثل هذه الظروف يغدو كسب المال عبادة، كسب المال وحل مشكلات المسلمين، وهناك فقراء، وطلاب أذكياء جداً يحتاجون إلى من يرعاهم لينالوا أعلى الدرجات.
2 – مجالات الخير بالمال كثيرة منوَّعة:
كنت في مهرجان القرآن الكريم العام الماضي، وبلغني أن حافظًا لكتاب الله يعطى مبلغاً يقترب من مليون ليرة أو أكثر، قلت: ماذا يفعل هذا الشاب بهذا المبلغ ؟ كنت أتمنى أن يمنح هذا الشاب منحة دراسية حتى الدكتوراه، الأمة قوية بعلمائها، المستشفيات بأطبائها، الجامعة بأساتذتها، وأتمنى أن يكون المال في هذه الظروف الصعبة جزءًا من تقربنا إلى ربنا.
أحيانا ترى إنساناً صناعياً عنده ثمانية آلاف عامل، فتح ثمانية آلاف بيت، والبيت فيه خمسة أشخاص، زوج وزوجة وثلاثة أولاد، الحد الأدنى، ثمانية آلاف ضرب خمسة تساوي أربعين ألف شخص، كلّ إنسان يأكل عن طريق هذا المعمل، أليس هذا ربحاً ؟ ربح كبير، أنا أتمنى لا تقول لي ظروفي صعبة مع الدعاء كل شيء يسهل.
مرة ثانية: " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان ".

إنسان في بلد أتقن البرمجيات، قال لي: والله أرباحنا برقم لا يصدق، يبيع الدول الكبرى برامج، وهيأ يدًا عاملة، ثم قال: أعطي الموظف مئة ألف في الشهر، هذا الإنسان إذا تكلم في الدين يسمع له، لأنه متفوق، وهيأ فرص عمل بدخل كبير، ويبيع الدول الكبرى برامج، فإذا تكلم في الدين يصغى إليه.
الهند أيها الأخوة من سنتين أو ثلاث دخْلها من البرمجيات ثلاثة وثمانون مليار دولار، برمجيات لا نفط، ولا حديد صلب، ولا نحاس .
الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هذا اللقاء الطيب أنك حينما توحّد الله، وتقول: الله خلقني للجنة، والجنة تحتاج إلى عمل، ابحث عن عمل تتقرب به إلى الله، قل: يا رب هيئ لي عملاً صالحاً يرضيك.
والله أحد أخواننا الأطباء أقسم لي بالله أنه عالج ثمانية عشر ألف مريض مجاناً مدى الحياة، يعطيهم بطاقة، طبيب معه رسالة، يحتاج أن يقدم للمسلمين خيراً، وأطباء آخرون أسسوا جمعية، كل إنسان درس في بلاد بعيدة، ومعه بورد يعلّم إخوانه الأطباء الذين لم يتح لهم أن يسافروا، يعطونهم أحدث الخبرات حتى يرتفع مستوى الطب في القطر.
بصراحة قد تقول لي: أنا أصلي، لكن الفرق بينك وبين غير المصلي يجب أن يكون فرقاً صارخاً كبيراً، في المنطلقات، والأهداف، والتصورات، والسلوك، فإذا لم يكن بينكما فرق يلفت النظر يحدث صدمة فلن تكون مؤمناً.
حينما تحمل همَّ المسلمين ٍتكون عند الله مقرباً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به ))
(رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه وإسناد البزار حسن)
فالمال قوة، حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي.
نحن مع الأسف الشديد الغني يجمع الأموال لينفقها على ملذاته، ليتباهى بها، ليكسر قلوب العباد بمركبته وبيته، برفاهيته وأسفاره، أما المؤمن فيجمع المال لينفقه في سبيل الله.

كأن هذا الدرس علاقة المال بالدار الآخرة، المال قوة، المال تحل به المشكلات، المال قوام الحياة، يمكن أن تكسبه حلالاً، وأن تنفقه حلالاً، يمكن أن تؤسس جامعة، وقد زرت جامعة الطلاب فيها بالآلاف، والأقساط مجانية، المواصلات للطالبات من البيت، وفوقها معاش شهري، خرّجت هذه الجامعة آلاف الطلاب والطالبات، وتعينوا موظفين، والبنات تعينّ وتزوجن، هيأ للفتاة عملا وهن محجبات بغير اختلاط، هذا عمل بالمال طبعاً، وهناك خبرات عند المسلمين تلفت النظر، مشروع تعليمي، مشروع خدمي، مشروع ميتم، مشروع صحي، إذا كنت غنيا فمن الممكن أن تصل بالمال إلى أعلى درجة في الجنة.
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ البخاري عن أبي هريرة ]
أيها الأخوة، أريد أن أستثير حماسكم، أريد أن أجعل الواحد منكم بطلاً، والقضية سهلة جداً، اعتقد معي أن الشيء الذي لا تستطيع أن تفعله هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله، أما إذا أردت، والله إيماني لو أن واحداً منكم من أسرة فقيرة لا يملك شيئاً من حطام الدنيا إذا صدق قد يملك ملياراً، إذا صدق، وأراد بهذا المال أن يحل به مشكلات المسلمين، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى عن أناس جمعوا أموالاً طائلة أنفقوها في الحق، وفي الخير، وفي حل مشكلات المسلمين، وحملوا همَّ أمتهم. 3 – المال ميدان معركة بين الحق والباطل:
اليوم العلاقة في فريق، نحن فريق المؤمنين فريق في الأرض، وهناك فريق آخر، والطرف الآخر يتناقض مع المؤمنين، وهذا من حكمة الله عز وجل، لحكمة بالغة أراد أن يكون الطرفان معاً في الأرض، مؤمن وغير مؤمن، خير وشر، مستغِل ومُستَغل، ظالم ومظلوم، منتج ومستهلك، هذه الاثنينية، أراد الله أن نكون معاً، ومن نتائج هذا الجمع بين الفريقين معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، هذا قدرنا.
كنت أقول دائماً: ليست البطولة أن يكون هناك باطل، هناك باطل، الباطل قديم، وكان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام باطل، لكن البطولة ألا ينفرد في الساحة، أحياناً تستمع إلى أعمال الأغنياء المؤمنين والله تذوب شوقاً لأنْ تكون مثلهم، إنفاق منضبط معتدل، فهذه الأموال الطائلة تحل بها المشكلات، تفتح ميتماً، أو معهداً، أو مستشفى، أو تزوج مئة شاب، وتنشئ بيوتاً للشباب، أو تبني مصحّا، هذا كله ممكن، فلذلك حينما تنوي أن تجمع المال لحل مشكلات المسلمين فالله عز وجل يفتح عليك أبواب الرزق.
لا يكن همُّك دنيويًّا:
لا أتمنى أن يكون هدفُ الأخ أن يتزوج فقط، هدفه أن يسكن في بيت، فإذا تزوج وسكن في بيت انتهت كل مشكلاته، لكن أقول لكم: عندما يسكن في بيت يملكه طبعاً يتزوج، بعد أن تحققت هذه الأهداف المادية المحدودة يبدأ شقاؤه، يشعر بتفاهته.
تصور رجلاً قال له ملِك: اطلب مني ما تريد، فكر الرجل مليًّا، جمع وطرح وقسم وضرب، قال له: قلم رصاص، ثمنه عشرون قرشًا فقط، الإله العظيم خلقك لجنة عرضها السموات والأرض ليس لك طلب عنده إلا أن تتزوج، وبيت فقط ؟
﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ (38)﴾
( سورة التوبة )
قبِلت أنت ؟ ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
( سورة التوبة )
نريد طموحًا.
مرة أخ من إخواننا الكرام لا يملك من الدنيا شيئاً، طلب من أخ أن يقرضه عشرين ألف ليرة، اشترى دراجة نارية بثلاث عجلات، وبدأ يبيع عليها، ويوزع أكياس النايلون في الريف، العام القادم رد المبلغ، ودفع زكاة ماله.
بعض كبار التجار والصناعيين بدؤوا من الصفر، لكن فكر بخدمة الخلق، فكر إذا كان معك مال أن تحل مشكلات الناس، بمشروع خيري، صحي، اجتماعي، تؤسس عملاً، تؤسس دعوة، تنشئ مسجداً، أو معهداً، ولا تقل: لا أملك شيئاً، الرجال العظام ما كان معهم شيء، ولو قرأتَ تاريخ المتفوقين تندهش، لأن معظمهم بدؤوا من الصفر، لكن لهم قلباً كبيراً، وأهدافاً كبيرة، ونيات كبيرة، وهناك آلاف الشواهد لأناس بدؤوا من لا شيء، من الصفر، بدأ حياة كلها حرمان، كلها بعدٌ عن الدين، ثم صار علَمًا كبيرا من أعلام الأمة.
مرة التقيت بإنسان قال لي: أنا أَصلُ عملي عتال بسوق الخضرة، الآن عنده أسطول من البرادات لنقل الفواكه من بلد إلى بلد، وهو أكبر تاجر فواكه في بلد ضخم، قال: لكن ما فاتني فرض صلاة في حياتي، ولا عرفت الحرام، له أعمال كبيرة، وبنى جوامع في إفريقيا، وأسس معاهد.
لا ترض أن تكون شخصاً عادياً من عامة الناس، لا ترضَ أن تكون شخصًا هدفك أن تشتري بيتاً، هدفك تتزوج، أنت واحد من ستة آلاف مليون جاؤوا إلى الدنيا، وغادروها، ولم يعلم بهم أحد، كن شيئاً مذكوراً، كن إنساناً يشار لك بالبنان، لا من باب الكِبر، بل من باب الخير.
أنواع العبادة:
أيها الأخوة، الحديث ذو شجون، كما يقولون، كنت أقول: هناك عبادة، هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سادة أبدية. 1 ـ عبادة الهوية:
لكن كنت أقول: إن هناك عبادة أخرى هي عبادة الهوية، أنت من؟ أنت قوي، العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، والعالِم عبادته الأولى تعليم العلم، والمرأة عبادتها الأولى رعاية زوجها وأولادها، هذه عبادة سميناها اصطلاحاً عبادة الهوية. 2 ـ عبادة الظرف:
لكن هناك عبادة الظرف، المسلمون يمرون بظروف صعبة، من أرقى العبادات أن تحل مشكلات المسلمين، أن تقدم لهم فرص عمل، أن تقدم لهم منحًا دراسية، الله عز وجل وزع الذكاء والغباء بالتساوي على كل شعوب الأرض، بأي أمة عدد الأذكياء والعباقرة يساوي عدد الأغبياء، في أعلى أمة متقدمة تقدماً مادياً، الآن هناك مفاجآت وإنجازات في الكومبيوتر كلها من عمل المسلمين، وفي الصناعة، والمسلمون كأفراد أقوياء جداً كأفراد أما كمجموع فهم ضعاف، هذه عبادة الظرف واضحة. 3 ـ عبادة العصر:
عبادة العصر، إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا، بسياسة اسمها الإفقار، ونقل الثروات من أمة إلى أمة، ففي أول حرب وثاني حرب وثالث حرب نقل بضع آلاف من المليارت من بلادنا إلى بلاد الغرب، ثمن أسلحة... هذه سياسة إفقار، أنا أقول: إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا فالعبادة كأمة وليس كفرد هي استصلاح الأراضي، وتطوير الزراعة، وتطوير الصناعة، وتطوير الإنتاج، وحلّ مشكلات الأمة.
قد ترى سدًا للماء بجانب أرضٍ مساحتها خمسة آلاف، وهي أرض صالحة للزراعة، الآن هناك حرب بين عقلين فيما يسمى تنازعَ البقاء، إنسان خامل كسول، ينام إلى الظهر، يؤجل كل شيء، يسوّف كل شيء، لا يتقن عمله، ليس له محل في الحياة، التنافس الآن مذهل.
كان سابقاً من الممكن أن تعيش وحدك، وأن تنجو من قوة القوي ببعدك عنه، هذا كلام دقيق، قبل خمسين سنة كان يمكن أن تنجو من قوة القوي ببعدك عنه، الآن لا مجال لذلك، القوي معك، وأنت معه شئت أم أبيت، وبينكما تداخل بالتواصل الإعلامي والفضائي، الأرض أصبحت كلها سطح مكتب، فأيّ حدث في العالم تراه بعد دقائق، وتتفاعل معه، ويؤثر على حياتك، بل أحيانا تصريح يرفع السعر، والآن العالم مجتمَع واحد، فأيّ خلل في مكان ينعكس على مكان آخر.
الشباب هم المستقبل:
أنا أقول: أنتم شباب الأمة، أنتم المستقبل، وكم يمتلئ قلبي غبطة حينما أرى أن معظم الحضور من الشباب، لأن الشباب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( ريح الجنة في الشباب ))
[ ورد في الأثر ]
الشباب هم المستقبل، وهذه الأمة كبَت، ولكل جواد كبوة، ولكل حسام نبوة، ولكل عالم هفوة، فقد كبا جواد هذه الأمة، والمعوّل الآن على الشباب ليعادَ إلى هذه الأمة ماضيها المجيد، نحن من شدة الاتهامات المستمرة صدقنا أننا متخلفون، صدقنا أننا لا نملك إمكانيات التطور، هذه حرب ثقافية خطيرة جداً، نحن متهمون، ومع ضعف الوعي نصدق ذلك.
نحن أمة عظيمة أيها الأخوة، لأن الله عز وجل في قرآنه الكريم الذي يتلى إلى يوم القيامة يقول:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه ِ﴾
( سورة آل عمران: 110)
هناك حرب في بلد آسيوي، وفي أرض واسعة جداً كلها مزروعة بالألغام، الأمة القوية ساقت جنود بلد إسلامي ضعيف إلى هذه الأرض، كم مات منهم ؟ أربعة آلاف جندي ماتوا بالألغام، هم طهروا الأرض من الألغام، يقول الضابط: ولا جنديا بريطانيًا مات، دفعهم إلى هذه الأرض دون أن يعلموا ما فيها، فانفجرت الأرض، وتطهرت، ودخل الجيش البريطاني، إنهم وحوش.
من يومين استمعت إلى خبر من شدة غرابته ما صدقته، رئيس وزراء أستراليا فيما أذكر، أو رئيس المجلس النيابي عندهم قدم اعتذارا للسكان الأصليين، اعتذاراً رسمياً، قال: نحن قتلنا شبابكم، نحن شردناكم، نحن أفقرناكم، لأول مرة أسمع اعتذارًا من جهة غربية للشعب الأصلي، أخذ أبناءهم، الجيل الحالي كله لا يعرف حنان الأم أبداً، أخذ الأبناء من آبائهم وأمهاتهم، ووضعهم في أماكن بعيدة، والإنسان من دون دين وحش كاسر، ومع ذلك اعترفوا، وقدموا اعتذاراً، ووضعوا لوحات في السماء ( نتأسف ) يجب أن تكون قوياً.
ماليزيا مثال رائع لبلدٍ مسلم متقدِّم:
سافرت إلى بلد إسلامي في آسيا، وكنت في وفد رسمي، استقبلنا السفير، قال لنا السفير: ماليزيا بلد صغير، هذا البلد مجموع صادراته للعالم تفوق صادرات العالم العربي بأكمله بما فيها النفط، قلت: كم مليوناً ؟ قال: ثلاثة وعشرون مليونًا، كانوا في الغابات قبل خمس وعشرين سنة، لا تاريخ لهم، الآن الشعب مجموع صادراته لأوربا تفوق صادرات الوطن العربي بأكمله بما فيها النفط.
الشيء المألوف أن تزور بلداً غربياً متقدماً جداً، تشده بالحضارة والأبنية والطرقات، تزور بلداً إسلامياً تحس أنك منه، وهو منك، لكن فيه تخلفاً، وهذا البلد بالذات فيه إحساس عجيب، كأنك في أرقى بلد أوربي، وهو مسلم، كله مساجد، والنساء محجبات، مرة جاءهم من يتدخل في شؤونهم، فقالت له وزيرة بالضبط: ضع حذاءك في فمك، ولا تنطق إلا بما يعنيك، لأن ستين بالمئة من صادراتهم إلى دولة قوية، ما عندهم ثروات، عندهم زيت النخيل فقط، أكثر صادراتهم أشياء كومبيوترية، وسيارات، وهو بلدٌ مسلم عملاق في الشرق، هذا البلد يحترم كثيراً، وتجربة ماليزيا الاقتصادية تحدث صدمة بالإنسان.
أنا أتمنى أنني أردت أن أربط شهوة المال في هذا الدرس بالعمل الأخروي، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، يجب أن نقتبس من بلاد إسلامية خبراتها في النمو، وأذكر أن نسب الطلاق ارتفعت هناك، فأسسوا مدرستين، لا يعقد عقد قران بين شاب وشابة إلا إذا كان الشاب والشابة قد التحقا بهاتين المدرستين، ونجحا فيهما، والدوام فيها ستة أشهر، حقوق الزوجة، حقوق الزوج، الآداب، فهبطت نسب الطلاق من ثمانين بالمئة إلى عشرة بالمئة، لانتشار الوعي، وكلّ شيء له حلّ، ففكر أن تحلّ مشكلة، وأن ترسم هدفاً كبيرًا.
مرة هناك قرية حدودية ذهب إليها موجه تربوي، زار مدرسة في قرية حدودية، وهناك سؤال تقليدي: قم يا بني، يقف الطالب، حينما تكبر ماذا تحب أن تكون؟ هناك إجابات تقليدية: ضابط، أستاذ، طيار، ما شاء الله، طبيب، وقف طالب صغير قال له الموجِّه: أنت حينما تكبر ماذا تحب أن تكون؟ قال له: أريد أن أكون مهرِّباً.
يا أيها الأخوة، الحياة معقدة جداً، والأرض أصبحت سطح مكتب، ولن نستطيع أن نعيش وحدنا، والأقوياء عندهم إمكانيات أن يتدخلوا في كل شؤوننا، لكن ما الذي يمنعهم؟ قوتنا وتماسكنا ووعينا، والأمل بالشباب بعد الله عز وجل، وريح الجنة بالشباب.
همة وطموحُ الشباب قوة وضمان:
تصور أن سيدنا الصديق يمشي، وسيدنا زيد شاب في السابعة عشرة من عمره يركب على الناقة، وهو قائد الجيش، الصدِّيق أحد جنوده، سيدنا الصديق وعمر وعثمان وعلي جنود عنده، قال له: يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن، قال: والله ما ركبتُ، ولا نزلتَ، وما علي أن تغبرّ قدماي ساعة في سبيل الله.
سيدنا أسامة قائد الجيش ريح الجنة في الشباب، دخلت مرة إلى مسجد في بلد إسلامي، بارك الله برواده، لكن كلهم ما فوق سن الثمانين، بالتعبير الطريف: العداد قالب، والدولاب ماسح.
الظاهرة في بلدنا الطيب أنك تدخل إلى أي جامع كله شباب، فالمستقبل أنتم، والله قد يُجري الله عز وجل على أيديكم الخير.
مرة كنت في قرية إزرع، جاء إنسان فهمس في أذني، أن هذه البلدة بلدة ابن قيم الجوزية، ابن القيم هنا؟! ابن القيم ترك أربعمئة مؤلَّف، يعد العالم الأول، عندما كان طفلاً في الابتدائي هل يخطر في بال واحد أن هذا الطفل سيكون ابن قيم الجوزية، عظماء الأرض كانوا طلاباً صغاراً، أين الطموح؟ درسنا اليوم ربطنا المال بأهداف الأمة.
الموضوع العلمي: الغشاء الأمنيوسي عند الجنين:
1 ـ الجنين محاطٌ بثلاثة أغشية:
إلى الموضوع العلمي، درسنا عقيدة وإعجاز، الموضوع العلمي هذا الجنين في رحم أمه مغلف بأغشية ثلاثة، القرآن أشار إليها فقال: ﴿ ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ (6)﴾
( سورة الزمر )
2 ـ السائل الأمنيوسي:
أول غشاء يلي الجنين اسمه الغشاء الأمنيوسي، هذا غشاء مغلق، ليس له فتحة، ولأنه مغلق فهو ممتلئ بسائل اسم السائل الأمنيوسي، هذا السائل بين الغشاء والجنين، حجم السائل لتر ونصف، مَن يصدق منكم جميعاً أنه لولا هذا السائل لما كان هذا الدرس، ولما كان في دمشق ولا سوريا إنسان يعيش، لولا هذا السائل لما ولد مولود. وظيفة السائل الأمنيوسي:
1 ـ تغذية الجنين:
وهذا السائل له وظائف كثيرة، أول وظيفة أنه يغذي الجنين، هذا السائل فيه مواد زلالية، مواد سكرية، أملاح غير عضوية، هذه تغذي الجنين. 2 ـ حماية الجنين من الصدمات:
الوظيفة الثانية، وهي أخطر الوظائف، هذا السائل يحمي الجنين من الصدمات، فهو تماماً كالدماغ، الدماغ أيضاً بينه وبين الجمجمة سائل، والمركبة الفضائية بين قمرة الرواد والغلاف الخارجي سائل، فلو أن ضربة وجهت إلى بطن المرأة الحامل، واعتبرنا هذه الضربة قوتها أربعة كيلو وجِّهت إلى بطنها الغشاء الأمنيوسي والسائل المحيطان بالجنين

وجود سائل يمتص هذه الضربة يوزعها على كامل سطح الجنين، أربعة كيلو بالسنتمتر، أما السائل الأمنيوسي فيوزّع الصدمة على كامل سطح الجنين، فيصبح الوضع خمسة عشر بالألف بالغرام، ما مِن مشكلة، من أربعة كيلو على السنتمتر المربع إلى خمسة عشر بالألف من الغرام.
هذا المبدأ قلدته مراكب الفضاء، هذا المبدأ موجود في الدماغ، الدماغ محاط بسائل بينه وبين الجمجمة، فأيّ ضربة على الرأس يقول لك: كسرت رأسه، يتلقى الضربة، فيوزّع الرأسُ قوة الضربة عن طريق السائل على كامل الدماغ على واحد بالألف من الغرام.
3 ـ تسهيلُ حركة الجنين في بطن أمه:
شيء آخر، بهذا السائل يسمح للجنين بالحركة السهلة، وفي جميع الآلات الزيت يسهل الحركة، المحرك بلا زيت يحترق، الزيت روح المحرك، والسائل أيضاً يسهل حركة الجنين في رحم الأم، وأحيانا قد يكون الباب صعب الفتح، بنقطة زيت يفتح، إذاً: فهذا السائل يسمح بحركة حرة خفيفة للجنين في رحم الأم. 4 ـ منعُ التصاق الجنين برحم الأم:
هذا السائل يمنع التصاق الجنين برحم الأم، فلولا السائل لالتصق الجنين برحم أمه، لكنه في نمو مستمر، وقد تنمو الخلايا مع بعضها بعضاً فتشكل جزءاً متصلاً، فالسائل من خصائصه أنه يمنع التصاق جسم الجنين بجدار الأم.
بالمناسبة الجهاز الهضمي للجنين ممتلئ بمادة شحمية سوداء تمنع التصاق الأمعاء في أثناء النمو، والأمعاء إما أن تكون أنبوباً فالولادة سليمة، أو أن تكون شريطاً فالطفل يموت، وقد تنمو الأمعاء ملتصقة، أما هذا السائل والشحم في الجهاز الهضمي فمهمتهما أن يمنعا التصاق الجنين بالغشاء الأمنيوسي.
5 ـ جهاز تبريد وتسخين:
هذا السائل جهاز تكييف، حرارته ثماني عشرة درجة، في البرد والصقيع، وفي موجة الصقيع الشديدة جداً، أو موجة حر لا تحتمل، الجنين معه تكييف حار وبارد في آن واحد، وحرارة السائل ثابتة، هذه وظائف السائل. 6 ـ مساعدة الجنين في الخروج عند الولادة :
قبل الولادة يتمزق الغشاء الأمنيوسي من الأسفل ينطلق السائل صار المجرى مزيتًا بالسائل، فانطلاق الجنين عبر الممر الضيق صار سهلاً، فهو يسهل الولادة. 7 ـ تعقيم مجرى الولادة :
وهذا السائل أيضاً له ميزة يعقم المجرى، يعقم ويطهر. خاتمة:
نعود إلى خصائص السائل الأمنيوسي بالترتيب: يعقم ويطهر، ويسهّل الولادة، والجو مكيف، ويسهّل الحركة، ويمنع التصاق الجنين بجدار الرحم، وفيه مادة مغذية.
ثماني وظائف، هو مغذٍّ، ومحرك، ومكيف، ومعقم، ومسهل.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11)﴾
( سورة لقمان )
أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو حينما نقف على بعض الحقائق العلمية في خلق الإنسان لا تملك إلا أن يقشعر جلدك لعظمة الله عز وجل، وأن الموضوعات العلمية في خلق الإنسان تجعلك تقف أمام عظمة الله، بل إن هذه الحقائق تعد أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
( سورة الذرايات )






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:38 PM   #26


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 11 - شهوة المال -5- المال فى الاسلام - 3-








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
المال في الإسلام:
1 – الشهوات حيادية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولازلنا في مقومات التكليف، ولازلنا مع مقوم الشهوة
وقد بينت لكم بفضل الله عز وجل أن الشهوات سلَّمٌ إلى رب الأرض والسماوات، وأن الشهوات حيادية، يمكن أن توظف في الخير كما يمكن أن توظف في الشر، ولأن الإنسان مخير فشهواته كلها حيادية، وحظوظه كلها حيادية، وخصائصه كلها حيادية، بمعنى أن أي شيء أودعه الله فيك، أو جبلك عليه، أو خصّك به حيادي، توظفه في الخير أو توظفه في الشر، وذكرت لكم أن عالماً كبيراً التقيت به مرة قال لي: أنا عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، منهم ما يزيد على ثلاثة عشر طبيباً، كلهم حفظة لكتاب الله وأطباء، خطر في بالي أن هذا الحشد من الحفدة الطيبين الطاهرين، وهؤلاء الحفظة الكرام والأطباء الأعلام سبب كل هذا الحشد علاقة جنسية بين الجد وبين زوجته، وهناك بيوت دعارة، وفيها علاقات جنسية، فعلاقة أنجبت هذا الخير، وعلاقة أنجبت ذلك الشر، إذاً: الشهوات حيادية، يمكن أن تكون سلماً ترقى به أو دركات تهوي بها.

2– الشهوات إمّا سُلَم نرفى به، أو دركات نهوي بها:

أيها الإخوة، بشكل أو بآخر لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، فهي المحرك الذي يدفعك إلى المجد وإلى معرفة الله، أودع فيك شهوة، ومن أجل أن ترضي الله ضبطتها، فتحركت خلالها في الحيز الذي سمح الله لك به، فأرضيت الله عز وجل، وارتقيت عنده، فكل من يقول: لولا الشهوات لما دخلنا إلى النار، أو لما استحق الإنسان النار كلام ساذج غير صحيح، لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات.

3 – المالُ قوامُ الحياة:


ونحن في بنود هذا الموضوع الكبير وصلنا إلى موضوع المال
وبيّنا أن المال قوام الحياة، وأن المال يعد أكبر قربة إلى الله، وأن المال حيادي، يكون زاداً للإنسان إلى الجنة، وطريقاً إلى النار، وأن المال يقسم إلى قسمين، رزق وكسب، فالرزق ما انتفعت به، والكسب ما لم تنتفع به، لكن تحاسب عليه، فالأشياء المستهلكة هي الرزق، والأشياء التي حصلتها بجهدك هي الكسب.
وذكرت لكم أن الإنسان يسأل عن علمه، ماذا عمل به ؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟ وعن عمره فيمَ أفناه ؟ لكنه يسأل عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنفقه ؟


4 – المالُ الحلال قوامُ الحياة:
ومرة ثانية، الإخوة الكرام الذين حباهم الله بالمال بإمكانهم أن يصلوا بالمال إلى أعلى درجة في الجنة، بالمال وحده بإنفاق المال.
الآن بدأ الدرس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
لماذا ؟ لأن علة وجودك في الأرض العمل الصالح الدليل الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
(سورة المؤمنون )

لا يندم الإنسان حينما يأتيه ملَك الموت إلا على ساعة مضت لم يعمل فيها عملاً صالحاً، فالعمل الصالح علة وجودنا، والمؤمن القوي بعلمه أو بماله أو بمنصبه متاح له مِن الأعمال الصالحة ما لا يتاح لغيره، وبالتعبير المعاصر خياراته في العمل الصالح كبيرة جداً، كإنسان حصَّل مالا من حلال من تجارة مشروعة، لا فيها كذب ولا غش، ولا دجل ولا إيهام، ولا تدليس ولا احتكار، ولا استغلال ولا ربح فاحش، تجارة مشروعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ))
[ الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ]
إن أكبر قطر في العالم الإسلامي إندونيسيا في إحصاء أنه يزيد على أربعة عشر ألف جزيرة، وهو أكبر قطر إسلامي من حيث السكان، مئتان وخمسون مليونًا، هذا القطر الإسلامي الكبير سبب هدايته تسعة تجار جاءوا إليه بالتجارة، لكنهم استقاموا.
قد لا تفهم كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ))
لأن التاجر الصدوق داعية إلى الله بمعاملته، بصدقه، بأمانته، بإخلاصه.
5 – المالُ الحلال من مقوِّمات التكليف:
أيها الإخوة، قضية المال أحد أكبر مقومات التكليف، فمن جمع المال الحلال بإمكانه أن يزوج شاباً، بإمكانه أن يؤسس مدرسة شرعية، بإمكانه أن يفتتح ميتماً، بإمكانه أن يؤسس جمعية خيرية، بإمكانه أن يعين ضعيفاً، أن يعالج مريضاً، أن يرحم مسكينا، أن يطعم جائعاً، أن يرعى يتيماً أن يرعى أرملة، فالخيارات التي أمام الغني لا تعد ولا تحصى، لذلك إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، أنا أرى أنه يجب أن تكون غنياً، أما إذا كان طريق الغنى سالكاً على حساب مبادئك ودينك وقيمك فالفقر وسام شرف لك.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، دون أن تضحي بدينك، ولا بمبادئك، ولا بقيمك، تجارة مشروعة، رزق حلال، يجب أن تكون غنياً، لأنك بمالك تحل آلاف المشكلات، بمالك ترعى يتيماً، بمالك تربي إنساناً، بمالك تعطي منحة دراسية حتى الدكتوراه لطالب مؤمن مسلم متألق، تجعله أحد علماء الأمة.

مرة ثانية، والله أيها الإخوة، أمام الإخوة الكرام الذين أكرمهم الله بالمال أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، وقد قال بعض العلماء: " الطرائق على الخالق بعدد أنفاس الخلائق "، طرق كثيرة لتؤسس جامعات، أنا التقيت مع إنسان أسس جامعة كبيرة جداً، أمضيت فيها يوما يستقبل الطلاب بعد الظهر والطالبات صباحاً، هؤلاء الطلاب يتعلمون من أماكن فقيرة، الأقساط مجانية، بل فيها راتب والمواصلات على حساب الجامعة، والجامعة مضى على إنشائها عشر سنوات، خرجت آلاف الطلاب ممن يحملون شهادة عليا ليتعين، ويتزوج، أو تحمل شهادة عليا فتعين مدرسة لتتزوج، رأيت صاحب هذا العمل الطيب إنسانًا متميزًا بماله فقط، المال قوة كبيرة أيها الإخوة.

يجب أن نفهم لماذا جعل الله بعض الناس أغنياء، لأن هؤلاء بإمكانهم أن يصِلوا إلى أعلى درجة في الجنة بإنفاق أموالهم، وسيدنا الصديق أنفق كل ماله على رسول الله، سيدنا عثمان بن عفان: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ، وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَرَّتَيْنِ ))
سيدنا عبد الرحمن بن عوف كان غنياً، وكان يقول: << وما عليّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ؟ والله لأدخلن الجنةَ خبباً >>، أي هرولة.

الذي أتمناه من الإخوة الكرام ألا تكون شخصاً عادياً، ملايين من الناس تأتي إلى الدنيا، تكبر، تتزوج، تنجب، ثم تموت، ولا أحد يعلم ماذا حصل، وعدد كبير يسمَّون الخط العريض، يسمَّون الطبقة الدنيا، تعيش لتأكل وتشرب، أقصى طموحه أن يشتري بيتًا صغيرا فقط، لا هموم له، أما المؤمن فهمّه كبير، هو يحمل همَّ الأمة، همّه نشر الحق، همه إسعاد الناس، همه أن ينقل الناس من الظلمات إلى النور، من الضياع إلى الوجدان، من الشرك إلى التوحيد، من الشقاء إلى السعادة، من البخل إلى الكرم، من الجهل إلى العلم، من التبعثر إلى التوحد، فلذلك وصف الله النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الأفق الأعلى.
إن الإنسان في الدنيا إذا حمل همَّ من حوله نقدّسه، وإذا فكر إنسان بمن حوله نقدّسه.
حدثني أخ الله عز وجل أكرمه بالمال، قال لي: والله ما مِن شاب من أسرتي الواسعة إلا هيئت له عملاً، لذلك الله عز وجل حينما قال: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103) ﴾
( سورة التوبة )
6 – المالُ الحلال قوامُ الحياة:
أيها الإخوة، الإنسان المؤمن القوي عند رسول الله خير وأحب إلى الله تعالى، ما أتيح لك المال، العلم متاح لك لما ترضى أن تكون غير متعلم لما، لما لا تكون طموحاً، إذا المال ما أتيح لك العلم متاح
إذا أتيح لك منصب فبجرة قلم تحق حقاً، وتبطل باطلاً، تقر معروفاً وتنكر منكراً، تقرب مخلصاً وتبعد فاجراً، بتوقيع، فإما أن تكون قوياً بمنصبك، أو أن تكون قوياً بعلمك، أو أن تكون قوياً بمالك.
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))
[ مسلم، ابن ماجه، أحمد ]
والله أيها الإخوة، أنا أستمع من حين إلى آخر إلى نماذج من الشباب الطموحين يتطلعون إلى خدمة الأمة، شيء يلفت النظر، بتقديم خدمة عالية، بحل مشكلة، بتوعية، بتبصرة، إن لم تكن من هذا المستوى فما قيمة الحياة ؟
قال سيدنا علي رضي الله عنه: << يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم رحيم قال:
(( وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
7 – الضعيف قدرًا ومشيئةً له مكانة في الإسلام:
حتى المؤمن الضعيف بارك الله به، لكن هناك نقطة دقيقة: إذا كان متاحا لك أن تكون قوياً فينبغي أن تكون قوياً، أما إذا سعيت جهدك، ولم تصل إلى القوم فهذا من قضاء الله وقدره، عندئذ تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل إذا بذلت كل جهدك، ولم تصِل إلا إلى هذا المستوى
أنا لا أقول لك:أن تعاند القدر، لا، لكن أنا أتألم أشد التألم بما يسمى بفقر الكسل، يؤجل الرجُ كلَّ شيء، ويسمى إرجائي، يقول: غداً، غداً.
مرة قال رجل للنبي: غداً، قال: ويحك، أو ليس الدهر كله غداً، الآنَ الآن.
هناك تأجيل، وعدم إتقان، وعدم تطوير، وإهمال، ومواعيد غير مضبوطة، وعمل غير متقن، وتواكل، وعزوُ الخطأ لغيره، مثل هذا الإنسان قد يكون فقيراً، لكن هذا الفقر ليس قدراً له، بل من جراء إهماله وتقصيره، هذا يسمى فقر الكسل، أما فقر القدر فإنسان معه عاهة، صاحبه معذور، وفقير الكسل مذموم، أما فقير الإنفاق فمحمود، هذه حالات نادرة، أنفق كل ماله قال: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: أبقيت الله ورسوله. فقال عليه الصلاة والسلام:
(( ما طلعت شمس على نبي أفضل من أبي بكر ))
[ ورد في الأثر ]

ما ساءني قط، أعطاني ماله، زوجني ابنته، احفظوا له ذلك، سدوا كل خوخة علي إلا خوخة أبي بكر، وما من إنسان ارتقى إلى مستوى هذا الصدِّيق بعد رسول الله، هل خطر في بالك هذا النص الذي قاله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هو يحبه حباً يفوق حد الخيال، لا أعتقد أن على وجه الأرض رجلان يحب كل منهما الآخر كما يحب الصديق رسول الله، والرسولُ الصديقَ، ومع ذلك حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال الصدِّيق ؟
(( أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لماذا ما قال رسول الله ؟ باسمه فقط من دون أي لقب ـ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ))
[ متفق عليه ]
لأن الرسالة لا تنقطع بوفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل الرسالة مستمرة. ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
لكن تكون في بعض الأحيان عن طريق الأنبياء، وقد تكون أحياناً عن طريق الصديقين والشهداء والصالحين والعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، تارة تكون عن طريق الأنبياء أو الرسل، وتارة عن طريق الصالحين، فلذلك ما قال: من كان يعبد رسول الله فإن رسول الله قد مات، هذا الكلام يوهم أن الرسالة انتهت، لا، الرسالة مستمرة، والدليل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
(سورة الأنفال )
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ

الآن العالم الإسلامي مليار وخمسمئة مليون معذبون، ليست كلمتهم هي العليا، ليس أمرهم بيدهم، أعلنت عليهم حرب عالمية ثالثة في كل بقاع الأرض، ومع ذلك لأن رسول الله ليس فيهم، سنته ليست مطبقة في حياتهم، هذه آية دقيقة جداً:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
(سورة الأنفال )
يعني يا محمد، مادامت سنتك قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله.

حقيقة الشباب:
والله أيها الإخوة، حديث لا أشبع من ترداده، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل سيدنا معاذ بن جبل قال:
(( يا معاذ، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))
[ متفق عليه عن معاذ ]

كأن الله عز وجل من خلال كلام نبيه صلى الله عليه وسلم أنشأ لنا حقاً عليه قال:
(( يا معاذ، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))
[ متفق عليه عن معاذ ]
أنت في مأمن، أنا أخاطب الشباب، لا تخف، ما دمت مستقيماً فأنت مستثنى من كل الظروف، هناك ظروف صعبة، بل ظروف بالغة الصعوبة، فرص العمل منعدمة، البيوت أسعارها فوق طاقة الشباب، أنا أقول لكم ولي ثقة مطلقة بالله عز وجل: إنك إذا كنت مستقيماً فالله يتولاك، والدليل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
أنا أرى أيها الشاب، وكل الحاضرين شباب، والأصح أن هناك مؤمنا شابًا في سن الخامسة والتسعين، الشباب بالتعريف الحديث لا علاقة له بالسن أبداً، له علاقة بالطموح، فما دام الهدف كبيراً فأنت شاب، وقد ترى إنسانا في الخامسة والأربعين تجلس معه فتضيق ذرعاً به، لا طموح له، أكل، وشرب، ولعب النرد طول الليل، ومتابعة الأفلام، والنوم بعد الظهر، وسهر.

مرة سمعت كلمة أعجبتني: هناك شيخ شيخه الزمان، عمره مئة وعشر سنوات، يقول لك: شيخ كبير، هذا شيخ الزمان، وهناك شيخ شيخه الأقران، شيخ قبيلة، أفراد القبيلة اختاروه شيخا، وهناك شيخ شيخه الشيطان، السحر والشعوذة، وفك السحر، يريد ديكا أبيض وخروفًا أسود، ويعطيك طلاسم وحجابا لا تفهم منه شيء إطلاقاً، هذا شيخ شيخه الشيطان، والذي قبله شيخه الأقران، والذي قبله شيخه الزمان، و شيخ شيخه السلطان، السلطان عينه شيخ، و شيخ شيخه الإعلام، و شيخ شيخه الرحمن، فالبطولة أن تكون مع شيخ شيخه الرحمن.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) ﴾
(سورة يس)
لا تصاحب من لا يرقى بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، لا تصاحب أهل الهواء.
(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
[ أخرجه الحاكم، عن أبي هريرة ]
(( ابن عمر، دينَك دِينَك، إنما هو لحمك ودمك))
[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ].
8 – عبادة العصر: تسخير المال لخدمة الأمة الإسلامية:
نحن لا زلنا في موضوع المال، المال قوام الحياة، وقوة، والمال أحد أكبر بنود القوة، وإن صح أن هناك عبادة العصر
فنحن في عصر فيه حرب عالمية ثالثة معلنة، أحد بنود هذه الحرب أخذ الأموال، في حرب الخليج الأولى انتقل من الشرق إلى الغرب سبعمئة مليار دولار، وكل يوم ينتقل مليارات من الشرق إلى الغرب، إنها حرب إفقار، الثروات نهبت، البلاد احتلت، الشباب قتل، النفط أخذ بلا حساب، حرب إفقار في هذا العصر، عصر إفقار المسلمين، ما هو أعظم عمل ؟ أو أقرب عبادة تعاملية إلى الله ؟ أن تكسب مالا حلالا، وتحل به مشكلات المسلمين، هذا أعظم عمل، قد لا تنتبهون إلى خطورة المال، المال قوام الحياة.
مرة كنت في مؤتمر لحفظ القرآن الكريم، لفت نظري أن الجائزة الأولى بمبلغ يقترب من مليوني ليرة، الذي حفظ كتاب الله له جائزة، فأنا اقترحت أن هذا المبلغ يأخذه الأب مباشرة، وقد يحل به بعض المشكلات، يشتري به بيتًا صغيرا يقضي ديونه، لكن تمنيت على من هيئوا لهذه المهرجانات والمسابقات الرائعة أن يعطوا حافظ كتاب الله منحة دراسية حتى الدكتوراه، نجعل منه عالماً، والأمة بعلمائها، والله أنا أحب كل المؤمنين من دون استثناء. مَن لا يعمل لا يخطئ:
ولكن هناك مَن يحمل معك، وهناك مَن تحمله، والفرق كبير جداً، في الحج قديماً ما كان الطواف بالكرسي، كان الطواف بالحمل، إذا تتذكرون كانت منصة لها سور، يجلس الإنسان الكبير في السن، ويحمله أربعة، هذا المنظر منظر مؤلم جداً
الآن المسلم بهذا الشكل، لا يتحرك، ولا يقدم شيئًا، ولا يعين أحدا، جالس مرتاح، لا بعمل شيئا، ويقيِّم الناس، ويوزِّع ألقاب البطولة وعدم البطولة، وهذا جيد وهذا سيئ، وما عمل شيئًا.
أنا أقول كلمة دائماً: هناك إنسان أموت في حبه، لأنه لا يخطئ، إنه رسول الله، وسامحوني على الكلمة الثانية، وهناك إنسان أحتقره أشد الاحتقار، مع أنه لا يخطئ، هو الذي لا يعمل، الذي لا يعمل لا يخطئ، ما قدم شيئًا، ما حاول أي محاولة، فاسأل نفسك هذا السؤال: اليوم ماذا فعلت ؟ هل قدمت خدمة لإنسان ؟ هل نصحت، هل عاونت إنسانا، هل أطعمت هرة ؟ هل خدمت والدتك.
إن الإنسان الذي لا يعمل لا يخطئ، فالذي لا يخطئ وهو لا يعمل يجب أن نحتقره، وأنا والله أكبر من يعمل، وقد يخطئ، وقد سمعت من بعض الدعاة في مصر أن داعية مشهورا كان يمشي، فوجد شابا على دراجة يبيع الشاي، يعرفه، معه شهادة جامعية، ما وجد عملا، فعمل هذا العمل، وكسب رزقا، وتزوج بعد هذا، فهذا العالم قال: والله أوقفت مركبتي، وذهبت إليه، وصافحته، وأكبرت عمله، العمل شرف، كان سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا حرفة له فيسقط من عيني >>.
العمل شرفٌ:
العمل شرف، اليد العليا خير من اليد السفلى، والله هناك مشهد من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنسان في عهد النبي طلب منه مساعدة، النبي غضب، ما فتح أحد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، قال له:

(( أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ ـ أي بساط ـ نَلْبَسُ بَعْضَهُ، وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ـ المزايدة مشروعة ـ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ، وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
[ أبو داود، ابن ماجه ]
وصدقوا أيها الإخوة، حينما تسترزق فإن الله عز وجل أن يرزقك، وترجو الله أن يرزقك فيرزقك، ويهيئ لك عملا، والعمل بيد الله، والزواج بيد الله، والبيت بيد الله، والصحة بيد الله.
أنا أريد أن تنعقد هذه الصلة مع الله، أريد أن تسأل الله أن يكون هناك حوار مع الله، الآن كل حياتنا حوار، نريد حوارا مع الله، يا رب، ارزقني رزقاً حلالاً طيباً، اللهم اهدنا، واهد بنا، واجعلنا هادين مهديين، وارزقنا طيباً، واستعملنا صالحاً، وكلما رأيت أخا كريما له عمل شريف أقول له: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، الله استعملك في الخير. الحياة سعيدة بخدمة الخلق:
كلمة الحياة حلوة، حلوة بطاعة الله، حلوة بأن تحمل هم المؤمنين
حلوة أن تقدم شيئًا للناس، أنا أستثير عزائمكم، لا ترضَ أن تكون صفرا على الشمال، بل صفرا بعد الواحد، وصفرين فتصبح مئة أو ألفا، لا ترضَ أن تكون شخصا عاديًا، بهمتك وإيمانك وعملك الصالح ترقى عند الله.
البارحة جئت من منطقة الميدان، وقبل الميدان حي فيه مئذنة عالية جداً، ذكرت لكم قصة صاحبها كثيراً، المستخدم بمدرسة فقير عنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف ليرة، وهو تحت الخط الأحمر في الفقر، ويسكن في غرفة واحدة مستأجرة، ورث أرض هذا المسجد، فعرضها للبيع، جاء من يشتريها، الذي اشتراها أعطاه نصف الثمن مقدَّماً، قال: أين بقية المبلغ ؟ قال له: عند التنازل، قال: ما التنازل ؟ قال: تذهب إلى مديرية الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، قال: مسجد !!! مزق السند !!! وقال: والله إني أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتغدو مسجداً، أنا أولى منك أن أهبها إلى الله، هذا عمل يسعد به إلى أبد الآبدين، بعمل عظيم، وتضحية، وخدمة، أو طلب العلم، أو خدمة إنسان، أو كنت بارا بوالديك، اعمل عملاً ترقى به عند الله عز وجل.
المال عنصر مهم وخطير:
موضوع المال أحد أكبر أنواع القوى في الحياة، والمنصب قوة، والعلم قوة، والمال قوة، والموضوع عن المال فبإمكان أصحاب الأموال أن يصلوا إلى أعلى درجات الجنة، الدليل رائع جداً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ متفق عليه ]
هناك محسنون، الله عز وجل يزيدهم غنىً، يبارك لهم بصحتهم، بأولادهم، بمالهم، يحفظهم من كل مكروه لذلك:
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
[ الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ]
نحن في عصر الطرف الآخر اتخذ قرار بإفقارنا عن طريق نهب الثروات، وإشغالنا بحروب جانبية إلى آخر القصة المعروفة فما هي العبادة الأولى ؟ أن تكسب المال الحلال، وتهيئ فرص عمل.

حدثني أخ كان في ألمانيا، جاء إنسان من هذا البلد ليقيم معملاً هناك، قال لي: فوجئت مفاجأة كبيرة، هو توقع مثل أي بلد آخر، رخص، ومعاملات، وإجراءات مطولة، وروتين، ووثائق، وبراءات ذمة، وموافقات، ما طُلب منه شيء إلا تصريحين: الأول بعدم تلويث البيئة، والثاني بتأمين فرص عمل لأبناء ألمانيا، وقدموا له الأرض مجاناً بأجرة رمزية، كل دنم أجرته بالسنة مارك واحد، والآن يورو، انظر إلى التفكير، هذا إنسان منتج يجب أن نشجعه، أعطوه أرضا الدنم بمارك، وبتصريحين بعدم تلويث البيئة، والثاني بتأمين فرص.
مرة أخ من إخواننا، هذا الشيء ذكرته سابقاً، قال لي: أنا سوف أغلق معملي، السبب ؟ قال: ما ربحت، قلت له: كم عاملا عندك ؟ قال: ثمانين، قلت له: من قال لك: إنك لا تربح ؟ فتحت ثمانين بيتًا، إذا كان في كل بيت خمسة أشخاص ؛ أنت وزوجتك وثلاثة أولاد في خمسة، في ثمانين، الناتج أربعمئة إنسان، أنت بهذا المعمل تطعمهم من فضل الله عليك، فبقاء المعمل مفتوحاً هذا أكبر ربح.
أحيانا أجد صناعيا عنده ثلاثة آلاف عامل والله أكبره، فتح ثلاثة آلاف بيت:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
أنت أمامك العلم، فإما أن تكون ابن إنسان معه مال، تفتح مشروعا، أو تكون إنسانا ما عندك إمكانية، ادرس، خذ شهادة عليا في اختصاص نادر، أتقن عملك، أو إنسانا عندك حرفة، أتقنها، أبدع فيها، يرتفع دخلك، تعين غيرك، المال أكبر قربة إلى الله عز وجل. الموضوع العلمي: حيوان البطريق:
وننتقل إلى الموضوع العملي.
1 – القطب الجنوبي موطن البطريق:
أيها الإخوة، في خلق الله عز وجل آيات دالة على عظمته، ففي القطب الجنوبي، هذا المكان يعد أبرد منطقة في العالم، الشتاء فيه ستة أشهر، وبيئة صعبة جداً، وفيه مخلوق هناك اسمه البطريق، حيوان برمائي يمشي على رجلين، أو يزحف على بطنه.
2 – رحلة البطريق إلى القطب الجنوبي:

تقوم هذه البطاريق برحلة إلى هذا القطب الجنوبي الحلة تستمر بضعة أسابيع، وتقطع مسافة مئة كيلو متر زحفاً أو مشياً، لذلك تصل إلى هذا المكان فتتجمع آلاف مؤلفة، هكذا صممت، بطاريق تجتمع، وتهاجر إلى مكان في القطب الجنوبي، حرارته خمسون تحت الصفر، وسرعة رياحه الباردة مئة كيلو متر، سرعة مستمرة مع ثلج وبرد لا يحتمل، هذه تجتمع في القطب الجنوبي، وتبقى مع بعضها بعضاً.
3 – نظام التناوب على أماكن الدفء والبرودة:
من الذي يبرد ؟ الذين على المحيط، على المحيط يتبادلون الأمكنة بالمناوبة، ليس الواحد منهم داخل المجموع دافئا والآخر على المحيط، الذي في المحيط يبقى ساعة ثم يدخل إلى الداخل، ويحل محله واحد من الداخل.
4 – كيفية التلقيح بين الذكر والأنثى:
الشيء العجيب يتم التلاقح بين الذكر والأنثى، والأنثى تنزل إلى البحر لتضع البيضة، هذا البطريق وهو واقف كل جسمه محاط بفرو سميك، لأن البرد لا يحتمل، وله رجلان يقف عليهما.
5 – حضانة الذكر للبيضة:

هذا البطريق يضع البيضة التي ولدتها أنثاه على رجليه، ويغطيها بالفرو، لأنه لو تدحرجت على الأرض لمات وليده من شدة البرد، يضع البيضة على قدميه، ويغطيها بالفرو إلى متى ؟
الشاهد كله في هذه الكلمة: يبقى أربعة أشهر واقفاً على قدميه وبيضة أنثاه على قدميه يغطيها بفروة جسمه، ولا يأكل، ولا يشرب، ما هذا العطف ؟ لو أنه اضطر أن يمشي لمشى زحفاً، وتنقل بطيء جداً، لو حركه برجليه وقعت البيضة، يمشي بقفزة بطيئة، شيء لا يصدق، ما هذه الرحمة التي أودعها الله في قلب هذا البطريق الذكر.


6 – عملُ أنثى البطريق:
الأنثى في البحر تجمع الطعام، وتهيئ للعودة، حينما تعود الأنثى إلى البر تكون هذه البيضة قد فقست، وخرج منها بطريق صغير تأخذه الأنثى وترعاه.
7 – الوجبة الغذائية الأولى لصغير البطريق:
بالمناسبة البطريق الأب في حوصلته كمية حليب يبقيها أربعة أشهر، ولا يستخدمها، وهو في أمسِّ الحاجة إليها
هي الوجبة الغذائية الأولى للبطريق حينما يولد، فبعد أن يولد يفتح البطريق الابن فمه، ويأتي إلى الأب فيضع في فم ابنه هذه الوجبة التي خبأها له من أربعة أشهر.
من علمه هذا ؟ من أودع في قلبه الرحمة ؟ لذلك هذا البطريق يجب أن يعلم الأمهات المقصرات درساً لا ينسى، أربعة أشهر لا يأكل ولا يشرب، لذلك ورد في بعض الآثار:
(( وأيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة))
[ ورد في الأثر ]
الآن أولادها في الطريق، وهي عند الجيران، الحيوان أحسن منها، حيوان يضع البيضة على قدميه، يغطيها بالفرو، ويقف أربعة أشهر بالتمام والكمال لا يضع في فمه شيئا، لا يشرب ولا يأكل، لأنه يحافظ على دفء هذه البيضة، تفقس البيضة، يهيئ لها وجبة هو في أمسِّ الحاجة إليها فيعطيها للصغير بفمه.
8 – تعاون الذكر والأنثى على رعاية الصغير:
الآن انظر التعاون، تأتي الأنثى من البحر لتتسلم الوليد الصغير، وترعاه، وقد امتلأ بطنها طعاماً في البحر
وينزل الأب إلى البحر ليأخذ حظه من الطعام والشراب، هذا خلق الله، فلذلك:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 72 )
إذا لم يحمل الإنسان الأمانة، ولا أدى الرسالة يعد أحقرُ حيوان أفضلَ منه، أما إذا حمل هذه الأمانة، وأدى تلك الرسالة يعد فوق الملائكة، فقد رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. فائدة جليلة: رعاية الأولاد من أعظم الأعمال:
أيها الإخوة، رعاية الأولاد من أعظم الأعمال، العناية بصحتهم، بدراستهم، بأخلاقهم، بدينهم.

أذكر أني كنت في بلد حدثني عالم جليل أن طفلا جاء إلى المسجد في إحدى الصلوات في النهار، في الصف الأول ثمانية مصلين، أحدُهم ـ عافانا الله من هذا الحمق ـ سمع حديثا أن الطفل في الصف الثاني، فدفع هذا الطفل، ولم يكن هناك صف ثانٍ أصلاً، هم كلهم ثمانية، يقول هذا الطفل بعد أن أصبح عمره خمساً وخمسين عاماً: والله خرجت من المسجد، وتركت الصلاة خمساً وخمسين عاماً، لشدة ما تألم من هذا الذي دفعه بالمقابل.
حدثني أخ قال: كنت طفلا صغيرا كنت في جامع الأحمدية في سوق الحميدية بعد العيد، وكان معي حذاء جديد، جزء من عقله صار في الحذاء، افتقده، تألم، وبكى بكاء مراً، قال لي: رجل صالح أخذني إلى محل أحذية، واشترى لي حذاء من الدرجة الأولى، قال له: لا تبكِ، يقسم بالله العظيم هذا الطفل أنه من أجل هذا العطاء والإحسان والرعاية من هذا المحسن ما فاته فرض صلاة في حياته، انظر:
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي ]
وبالمقابل: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ))
[ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد]







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:41 PM   #27


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 12 - شهوةالجنس -1- العلاقة بين الرجل والأنثى وفق منهج الله







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
شهوة الجنس:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وكما تعلمون محور هذه الدروس مقومات التكليف، ومن مقومات التكليف الكون، وتحدثنا عنه ملياً، والعقل وهو أداة معرفة الله، والفطرة وهي أداة معرفة الخطأ والصواب، ثم تحدثنا عن الشهوة، وأمضينا حلقات كثيرة في الحديث عن شهوة المال، وننتقل اليوم إلى الشهوة الثانية، إن صح التعبير، وهي شهوة الجنس.
1 – الإنسان كائن متحرك:

بادئ ذي بدء الإنسان كائن متحرك، لماذا هو متحرك ؟ لأن الله أودع فيه الشهوات، هذه الأدوات التي أمامي كائنات جامدة، لا تتحرك، لماذا ؟ ليس فيها دوافع، ولا حاجات، لو بقيت هذه الطاولة آلاف السنين فهي هي، أما الإنسان فهو كائن متحرك.

2 – الشهوات سبب حركة الإنسان:
ما الذي يحركه ؟ شهواته.

أول شهوة، شهوة الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، والشهوة الثانية شهوة الجنس، المرأة حفاظاً على النوع، لولا هذه الشهوة لانقرض النوع البشري، وهذه الشهوة متغلغلة في أعماق الإنسان، هذا التغلغل يشير إليه الحديث الشريف:

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير ))
[ الترمذي ]
لو أقمتم عقبات كأداء أمام زواج الشباب ماذا يحدث ؟ يحدث الفساد:
((... إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير ))
ثمة أشياء إذا منعتها يمتنع الإنسان عنها، لكن هناك أشياء متغلغلة في أعماق النفس، فلذلك لا بد من ترشيدها. 3 – الإنسان مخيَّر:
ومرة ثانية أؤكد لكم أن الإنسان لأنه المخلوق المكرَّم، ومن خصائص هذا المخلوق أنه مخيّر، ما دام الإنسان مخيراً فكلّ شهواته حيادية، يمكن أن تكون سلماً يرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات يهوي بها إلى أسفل سافلين.

للتوضيح بمفارقة عجيبة: في لقاء يتم بين الذكر والأنثى، لو أن هذا اللقاء وفق منهج الله، وفق شرع الله، بخطبة، وعقد نكاح، وإيجاب وقبول، وولي وشاهدين، ومهر، ماذا ينتج عنه ؟ ينتج عنه أسرة، ولو تصورنا الأب عالما، والزوجة صالحة، تم هذا الزواج، أنجبوا أولادا.
قلت لكم مرة: حدثني أحد علماء القرآن قال لي: أنا عندي ثمانية وثلاثون حفيدًا، منهم ما يزيد على ثلاثة عشر طبيباً، كلهم حفظة لكتاب الله، تصور إنسانا تم لقاء زوجي بينه وبين زوجته فكان بعد عدد من الأعوام ثمانية وثلاثون حفيدا شبابا مؤمنين، وفتيات صالحات، وأصهارا، الأحفاد حفاظ كتاب الله، أطباء، ومهندسون، كل هذا الخير من لقاء زوجي، بالتعبير الآخر من علاقة جنسية بين الزوجين، أليس كذلك ؟
كلكم جميعاً آباء أبناء وأمهات صالحون، أنتم ثمرة هذا الزواج، أليس كذلك ؟ فهذا عالم، هذا خطيب، هذا داعية، هذا طبيب، هذا مهندس، أرأيت إلى العلاقة الجنسية، لو أنها وفق منهج الله ؟

أنا أذكر لي صديق أخبرني أنه طرق بابه الساعة الرابعة صباحاً، فتح الباب فلم يجد أحدًا، فحانت منه التفاته إلى الأسفل، فإذا بمحفظة تتحرك، فتحها فوجد طفلا وُلد لتوّه، أغلب الظن أنه ابن زنا، وحينما خرج إلى الدنيا وضع أمام هذا الباب، والرجل صالح، أخذه إلى المستشفى، وإلى حاضنة... لكن أنا وازنت بين طفل تنجبه أمه من زوج، حينما حملت الأخبار انتشرت أن ابنتنا حاملة، الحمد لله، الأخبار طارت بين الأقارب، وجاءت التهاني الهدايا، وخلال هذه الأشهر التسعة الأم تهيئ نفسها، تهيئ السرير، تهيئ حاجات الطفل، وحينما أنجبت هذا الطفل، جاءت التهاني، كأنه عرس بالتقاليد الشامية، كيف جاء هذا الطفل ؟ جاء مع احتفالات والتهاني والهدايا والفرح والولائم، والعقيقة.
قلت: سبحان الله ! طفل يأتي في الحاوية أحياناً، أو أمام باب، وطفل يأتي من أبوين، الشهوة هيَ هي، اللقاء بين الذكر والأنثى هوَ هو، فإذا كان وفق منهج الله أنجب أسرة وأولاداً، وأحفاداً وأصهاراً، صارت الأسرة، وأكثر الأجداد له من خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين حفيدا، إذا كان عنده خمس بنات، كل بنت أنجبت خمسة أولاد، المجموع : خمسة وعشرون، كل هذه المجموعة الطاهرة أساسها علاقة زوجية، أساسها علاقة جنسية.

هذه الشهوة أول شيء حيادية، يمكن أن تكون سلماً ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات تهوي بها إلى أسفل سافلين، وفي بكل بلد دُور دعارة، وزنا، والزانية امرأة ساقطة، تخجل من نفسها، أقسم لكم بالله لو أن امرأة سقطت في الزنا إن رأت امرأة محجبة تحمل ابنها تذوب أسفاً على حالها.
أيها الإخوة الكرام، للمرأة جمال الحشمة، جمال العفة، تشعر المرأة العفيفة الشريفة الحرة أنها ملكة، والمرأة الساقطة شيء مبتذل، شيء ساقط شيء، لا أحد يأبه له.
على كلٍّ، عافنا الله وإياكم وعافى أولادنا وأحفادنا وبناتنا من كل زلل، وهو شيء صعب جداً.
أول نقطة أن الإنسان كائن متحرك، ما الذي حركه ؟ شهوة الطعام حفاظاً على وجوده، وشهوة الجنس حفاظاً على النوع، هذه الشهوة حيادية.
كنت أذكر هذا المثل كثيراً، لأنه واضح جداً، الوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة، وسال في الأنابيب المحكَمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة، تقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، وإذا صبَّ هذا الوقود على المركبة، وأصابها شرارة أحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هُوهو، قوة نافعة، قوة مهلكة مدمرة.
4 – الزنا سقوط من كل الجوانب:
ترى إنسانا يتزوج، ويحب زوجته، تنجب له أولادا يملؤون البيت سروراً، أسعد لحظات الزوج إذا جلس مع أهله وأولاده البريئين الطاهرين، لهم كلام لطيف جداً، لهم حركات لطيفة، والأم امرأة جميلة متزينة أمام زوجها
هكذا ترتيب الله عز وجل، إذا صح التعبير: التصميم إلهي الذكر والأنثى صُمِّما في الأصل ليكونا زوجين، نحن في العالم الإسلامي عندنا الفتاة إما أنها أم، أو أنها أخت، أو أنها بنت ما عندنا خليلة ما عندنا عشيقة، ما عندنا امرأة تمتهن الزنا، معها بطاقة، معها شهادة صحية، لها نقابة، والعياذ بالله، هذا الشيء ليس عندنا ليس، نحن في بلاد المسلمين لا نشرع المعصية ببطاقات ونقابات وشهادة صحية.
عندنا الفتاة إما أنها أم أو أنها أخت أو أنها بنت، عندنا زوجة، وخالة وعمة، وبنت أخت، وبنت أخ، وبنت ابن، وبنت بنت، المرأة مقدَّسة، هل تصدقون أن الرجل إذا قاتل دون عرضه فهو شهيد، الذي يدافع عن زوجته، أو عن ابنته، أو عن أخته يعدُّ عند الله شهيداً.
ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب:
على كلٍّ، أيها الإخوة، أنا أقول لكم أيها الشباب: الله عز وجل لا ينسى من فضله أحدا، لك حق عليه، وأذكِّركم حينما أرى أن معظم الذين يحضرون هذا الدرس من الشباب الأطهار بهذا الحديث الشريف:

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))
[ أخرجه أبو المظفر السمعاني عن سلمان بسند ضعيف، كما هو في الجامع الصغير]
والله كنت في عقد قران، أحد الخطباء ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب معاذاً فقال له:
(( يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ))
[ سنن أبي داود ]
والله الذي لا إله إلا هو لو أن شاباً شعر أن الله يحبه، وخالق السماوات والأرض يحبه، والله ما في الأرض أعلى من هذه المرتبة.
ما من شيء أحب على الله من شاب تائب، يقول: انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي.
لا يستويان مثلا:
لكن بمحاكمة منطقية معقول لشاب في ريعان الشباب، شهوته متأججة، يغض بصره عن محارم الله، ويرتاد بيوت الله، وبعيد عن كل المعاصي والآثام، هذا الشاب الذي عف عن الحرام، ومنع نفسه عن كل إثم، وخاف من الله عز وجل، معقول أن يعامل هذا الشاب في زواجه كما يعامل شاب منحرف له خبرات مع النساء قبل الزواج ؟ ذوّاق.

ورد في بعض الأحاديث: لعن الله الذواقين والذواقات، يعبَّر عنها الآن بتعبير آخر، عنده خبرة .
الشاب المؤمن طاهر مطهر، عفته وسام شرف له، غض بصره وسام شرف له.
(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))
يقول الله عز وجل للملائكة: " انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي ".
السؤال: هل تعتقد أنه يمكن أن تعامَل أيها الشاب التائب، أيها الشاب الغاض للبصر ؛ أن تعامَل عند زواجك كما يعامَل شاب متفلت ؟ يملأ عينيه من الحرام، يمشي مع رفقاء السوء، يسهر إلى ساعة متأخرة على موقع في الإنترنت، أو على فيلم إباحي، هذا الشاب الثاني أيعقل أن يعامَل كما يعامل مؤمن طاهر ؟ الدليل واحفظوا هذه الآية: ﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 )
في الآخرة شيء بديهي، الآية تشير إلى الحياة الدنيا:
﴿ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
في الدنيا. ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
( سورة السجدة)
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
( سورة القلم )
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ﴾
( سورة سبأ )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )

لا يضيع عملٌ عند الله:
لي صديق زار دمشق، هو من لبنان، يبدو أنه وقع له خطأ في القيادة سبَّب ضررا لسيارة أخرى، والسيارة صاحبها يرتزق منها، سيارة عامة، والمألوف أن الإنسان إذا أصاب مركبته ضررٌ يصيح ويعلو صوته، والرجل غني يدفع له ما يريد، فإذا بهذا الأخ ينظر إلى الذي سبَّب له الحادث، هذا في أثناء أحداث لبنان، بابتسامة راضية، ويقول له: لا شيء عليك، سامحتك، كان سيدفع بضعة آلاف من الليرات لإصلاح سيارته، شيء عجيب، بلا تعقيدات، بلا تشنج، بلا رفع صوت، فهذا الصديق الذي معي لبناني، وجدت منه دمعة تسيل على خده، هذه الدمعة حيرتني، إنسان غني، لو طلب منه خمسة آلاف فهي لا شيء أمام غناه، فلماذا دمعت عينه ؟
سألته: ما الذي أبكاك ؟ قال لي: قبل سنتين كان إنسان راكب سيارة سورية في بيروت، كل نسائه محجبات، وأصابني بأذى في مركبتي، أردت ألا أفسد عليه نزهته، قلت له: سامحتُك، ما الذي دعاه للبكاء ؟ أن الله ما ضيع له هذا الموقف.
والله الذي لا إله إلا هو لو أنقذت نملة في أثناء الوضوء فهذا العمل عند الله لا يضيع، لو أطعمت هرة فهذا العمل لا يضيع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ))
[ متفق عليه ]
امرأة بغي رأت كلباً يكاد يموت من العطش، نزلت البئر وملأت خفها ماءً، وارتقت، وسقت الكلب، فشكر الله لها فغفر لها، هي في الصحراء لا ترجو سمعة، ولا مديحاً، لكنها أرادت إنقاذ هذا الحيوان.
والله الذي لا إله إلا هو سأسمعكم هذا النص وأنا مؤمن به: ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أم في الآخرة.
تعمل عملا طيبا، ترحم إنسانا، تكرم إنسانا، تعالج إنسانا، تطعم إنسانا، تستر إنسانا، تعين إنسانا، ويضيع هذا العمل ؟!
الكفار لا يرحمون أحدًا:
ماذا يعاني المسلمون اليوم من أعداء أشداء أقوياء ؟ في غفلة من الدهر بنوا قوتهم العملاقة، وفرضوا ثقافتهم على العالم كله:
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر )
لم يقل: طغوا في بلدهم، بل: ﴿ فِي الْبِلَادِ ﴾
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
( سورة الفجر )

في مكان يقصفون، وفي مكان يفسدون بأفلامهم، هؤلاء مستكبرون متغطرسون، قالوا: مَن أشد منا قوة ؟
يقول بعض زعماء هذه البلاد العملاقة: سياستنا الخارجية كالداخلية، في الأساس السياسة الداخلية أوامر للوزراء أما الخارجية فمفاوضات، الخارجية أيضاً أوامر، وتعليمات، وإملاءات، وضغوط.
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾
تغطرسوا. ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
تفوقوا في العمران : ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
تفوقٌ عمراني، وتفوق صناعي، وتفوق عسكري، وتفوق علمي، و: ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
( سورة العنكبوت )
وغطرسة.
وما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها قال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً (15) ﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
يعني ما كان فوقها إلا الله ومع ذلك: ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
( سورة الفجر )
الله عز وجل لا تضيع عنده مثقال ذرة:
﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾
﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾
( سورة الأنبياء)
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) ﴾
( سورة الإسراء)
خيط بين فلقتي النواة، هذا هو الفتيل:
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ﴾
( سورة النساء)
والنواة أحد رأسيها مؤنف كالإبرة، هذا النقير، ولا تظلمون مقدار قطمير، غشاء رقيق يلف النواة، ولا حبة من خردل.
حينما يستقيم الشاب قبل الزواج أول مكافأة له زوجة تسره إن نظر إليها، وتطيعه إن أمرها، وتحفظه إن غاب عنها. الزوجة الصالحة حسنةُ الدنيا:
مرة كنت في دعوة في استنبول، أوصلني سائق إلى المطار، هو لا يتكلم العربية، صديقه يتكلم العربية، لأنه تبرع بإيصالي، أردت أن أشكره، قلت له: أنت متزوج ؟ قال: لا، قلت له: أدعو لك بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، قال لي: والله أتمنى أن أوصلك إلى دمشق، من شدة فرحه بهذا الدعاء، لذلك قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) ﴾
( سورة البقرة )
قال علماء التفسير: المرأة الصالحة حسنة الدنيا، ستيرة عفيفة قنوعة:
(( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ))
[ أحمد ]
أعظم النساء بركة أقلُّهن مهراً.
هناك صحابي طلبت منه زوجته حاجات لا يملك ثمنها، بالتعبير المعاصر ضغطت عليه، فقال: << اعلمي أيتها المرأة، أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداها على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأَن أضحي بكِ من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك >>.
الصحابية الجليلة التي كانت تودِّع زوجها، وتقول: << اتقِ الله فينا، نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام >>.

في عصور التخلف الإيماني تضغط المرأة على الرجل إلى أن يأكل المال الحرام، فإذا أكل المال الحرام سقط من عين الله، ومن عين الناس، وهذا المال الذي جمعه بالحرام يتلفه الله عز وجل.
إذاً: شهوة الجنس شهوة حيادية، ويمكن أن تصل بها إلى أعلى عليين، فلو تزوجت امرأة صالحة، وأدعو لكل الشباب بزوجة صالحة، وأنجبت منها غلاماً، هذا الغلام ربيته تربية إيمانية، أحد الإخوة خطباء المساجد استيقظ مرة متأخرا، فهيأ لابنه شطيرة، قال له: كلها في الطريق، لا يوجد وقت، وقف الطفل، وقال: قال عليه الصلاة والسلام: الأكل في الطريق دناءة، أعطى درسا لأبيه، هذا هو الطفل المربى الذي ينشأ على طاعة الله، على حفظ كتاب الله، والله أحياناً يكاد يخلع قلبك محبة له إذا تكلم طفل صغير.
مرة دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفدٌ من الحجاز، تقدَّمهم غلام صغير، غضب سيدنا عمر، وقال: " اجلس أيها الغلام، وليَقُم مَن هو أكبر منك سناً، قال له: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه ؛ قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً ذاكراً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس "، إنها فصاحة ما بعدها فصاحة. كل شهوة لها سبيل شرعيٌّ لإروائها:
أيها الأخوة، ننتقل إلى فكرة دقيقة جداً، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فلا حرمان في الإسلام:
((... إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))
[ البخاري ]

ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل اللهُ لها قناة نظيفة تسري خلالها، فيمكن أن تتحرك فيها مئة وثمانين درجة، لكن المؤمن يوقع حركته بدافع شهوته في الحيز الذي سمح الله به، هذا يكون بالصبر، الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر، الصبر إيقاع الحركة بدافع الشهوة في الحيز الذي سمح الله به، ولعل بعضهم فسر قوله تعالى:
﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 86 )
مسموح لك أن تتزوج، وأن ترى من النساء أمك وأختك، وابنتك وعمتك، وخالتك وبنت أخيك، وبنت أختك، هذه المحارم، لذلك الآية الكريمة: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
المعنى المعاكس أو المخالف في أصول الفقه: الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، فمن الممكن أن تتزوج، ويصير لقاء، وأن تستيقظ لقيام الليل، وأن تبكي في الصلاة، لأنك ما فعلت شيئاً، فعلت شيئاً وفق منهج الله، وفق أمر الله ونهيه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
أقول لكم ولا أبالغ: الأصل أن تحب الله، وأن تحب رسوله من فروع محبة الله، وأن تحب صحابته الكرام جميعاً، وأن تحب المؤمنين، وأن تحب الصالحين، وأن تحب العلماء العاملين، والعلماء الربانيين، وأن تحب بيوت الله، وأن تحب كتاب الله، ومن فروع محبة الله أن تحب زوجتك، لأنها حليلتك، لأن الله أمرك أن تحبها، والنبي علمنا ذلك:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
والحب تصنعه أنت بيدك، يدخل الرجل إلى البيت فيسلم، ويبتسم، إذا رأى إنجازًا يثني عليه، وبعضهم يجد البيت مرتبا، والطبخ جاهزا، الزوجة مرتدية أجمل ثيابها، لا تسمع الزوجةُ منه: السلام عليكم، فلذلك قل: الله يرضى عليكِ، أنا سعيد جداً بهذا الزواج، أنت أمل حياتي، كلام لطيف، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان يقول:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
[ الحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر بسند ضعيف ]

أكثر المشكلات التي أطلع عليها من خلال الهاتف أن الزوج لا يتكلم كلمة في البيت، ومرة أحصيت على خطيب قال لي: المكالمة مع خطيبتي استمرت ثلاث عشر ساعة، بعدها بسنتين لا يتكلم كلمة في البيت، ثلاثة عشر ساعة بعد سنتين تجر منه الكلام جرًّا، الحب يستمر ويتنامى بالبسمة، بالكلمة الطيبة، بالشكر، بالاعتذار أحياناً، والبطولة أن تنجح مع ربك، ومع أهلك، ومع أولادك، وفي عملك، ومع صحتك، احفظ هذه الرباعية، أن تنجح مع الله، ومع أهلك، وأولادك، ومع عملك، ومع صحتك، وليس هناك نجاح جزئي، النجاح شمولي.
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، هذا من فضل الله علينا جميعاً فلا حرمان في الإسلام، ولا قيود، ولا حواجز بين الزوجين، فإذا كان الزوج معلوماته ضعيفة منع زوجته من أشياء هي مباحة لها، مباح لها أن تتزين له كما يبدو لها، لأنها حلال له، بلا في قيد ولا في شرط، إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( اتقوا الحيضة والدبر ))
[ ورد في الأثر ]

والباقي لا داعي للتفاصيل المحرجة، هذان شيئان محرمان فقط، والباقي مسموح، الزواج سنة رسول الله، والزوجة الصالحة حسنة الدنيا، ومحبة الزوجة من فروع محبة الله، لأنها أم أولادك، ولأن حبك لزوجتك يرفع من قدرك عند الله.
الفكرة الدقيقة أن الشيطان له نشاطات كثيرة، من يقول لي أخطر نشاط له، وأكبر نشاط ؟ هو التفريق بين الزوجين.
﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (102) ﴾
( سورة البقرة )
لذلك عمل الشيطان أن يكرِّهك بزوجتك، بينما الإيمان يدعوك أن تحب زوجتك، أنا أرفض أشد الرفض مقولة يتداولها العامة: أن بعد فترة يألف الزوجين بعضهما، هذا كلام ليس صحيحا، إن كان كذلك فهناك خطأ استراتيجي في العلاقة بينهما، الحب الزوجي يتنامى، وفي كل سن المرأة لها جمال، وهي عروس لها جمال، وهي أم، وهي جدة، وهي أكبر امرأة في الأسرة يسمونها عميدة الأسرة، لها جمال من نوع آخر. عقدُ الزواج أقدس العقود:
فلذلك المرأة بالزواج لها مستقبل، لكن بالزنا ما دام فيها مسحة جمال حينما يزوي جمالها تلقى في الطريق، فلا مستقبل للمرأة من دون زواج
وأنا أقول: إنسان يفكر أن يتزوج زواجا مؤقتا الإمام الأوزاعي يرى أنك إذا عقدت عقداً، وفي نيتك التطليق بعد حين لقيتَ الله وأنت زان، عقد الزواج على التأبيد، هل ترضى بنت في الأرض أن تتزوج لأمد بسيط ؟ لا تقبل، هل يقبل أب ؟ لذلك عقد الزواج على التأبيد، بل إن عقد الزواج أقدس عقد على الإطلاق، قال تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾
(سورة النساء)
أقدس عقد على الإطلاق في الأرض عقد الزواج، لأن هذا عقد ينتج عنه أولاد وأحفاد، وتنشأ عنه ذرية، وأكثر مكافأة للزوجين: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾
( سورة الطور)
فلذلك الحديث الذي تقشعر منه جلود الإنسان: أن الله عز وجل فيما يروي النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في الجامع الصغير:
(( ومن تزوج ثقة بالله، واحتسابا كان حقا على الله تعالى أن يعينه، وأن يبارك له ))
[ الجامع الصغير عن جابر بسند ضعيف ]
شاب يطلب العفاف الأمر ميسر من قِبل الله عز وجل، لا تقلق ما دمت تطلب العفاف، فالأمر ميسَّر، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى عن شباب خطبوا، وليس في يدهم شيء، والله عز جل أكرمهم، وتفضل عليهم بزوجة صالحة، سعدوا بها وسعدت بهم.
على كلٍّ شهوة المرأة يمكن أن نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن يكون لنا أولاد طاهرون.
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
حتى إن سيدنا عمر يقول فيما تروي الروايات: << أقوم إلى زوجتي، وما بي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي >>.
والولد استمرار لك.
الموضوع العلمي: معامل كُريًات الدم الحمراء:
أيها الإخوة، الموضوع العلمي:
1 – معامل كُريًات الدم الحمراء أخطرُ المعامل في الجسم:
في نِقْيِ العظام معامل من أخطر المعامل، إذا أكل الإنسان لحما مطبوخا بعظمه، فالعظمة لو هزها كثيراً ينزل ماسورة سمراء منها، هذه هي معامل كريات الدم الحمراء، هذه أخطر معامل في الجسم البشري.
2 – نقيُ العظام مكان معامل كُريًات الدم الحمراء:

أين وضعها الله ؟ ضمن العظام، الدماغ ضمن الجمجمة في حصن حصين، والقلب ضمن القفص الصدري، والعين ضمن المحجر، والنخاع الشوكي ضمن العمود الفقري، ومعامل الكريات الحمراء ضمن العظام.

3 – كم تنتج معامل كُريًات الدم الحمراء في الثانية ؟
هذه المعامل تنتج في الثانية الواحدة مليونين ونصف مليون كرية، ويموت في الثانية الواحد مليونان ونصف مليون كرية حمراء.
4 – أين تذهب الكريات الحمراء الميتة ؟
هناك ملمح اقتصادي: هذه الكريات الحمراء الميتة من الممكن أن تطرح خارج الجسم بسهولة
لكن ربنا عز وجل يعلمنا درساً في الاقتصاد، هذه الكريات الحمراء الميتة تذهب إلى الطحال، الطحال مقبرة الكريات الحمراء، تحلَّل إلى عواملها الأولية، فيها حديد وفيها هيموغلوبين، الحديد يفرز عن هيموغلوبين، الحديد يعاد شحنه إلى معامل كريات الدم الحمراء، ليعاد تصنيعه ثانية، و الهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليكون المادة الصفراء، ربما عز وجل كن فيكون، لكن علَّمنا أن نستفيد من كل شيء، فهذه الكريات الحمراء الميتة، وفي الطحال مقبرتها، الطحال يحللها إلى عواملها الأساسية، ويعيد شحن الحديد إلى معامل كريات الدم الحمراء داخل العظام، ويشحن هيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء، والصفراء مادة فعالة جداً في هضم الدهون والشحوم، إذا استأصلت الصفراء لا يستطيع الإنسان يأكل دهنا، لأن الدهن يتعطل هضمه باستئصال الصفراء.

5 – ماذا لو كفَّت هذه المصانع عن تصنيع الكريات الحمراء ؟
عندنا مرض خطير اسمه فقر دم لا مصنع، هذه المعامل حين تكفُّ عن تصنيع الكريات الحمراء حتى الآن لا يعرف السبب، هذا مرض خطير جداً، اسمه ابيضاض الدم، أو فقر الدم اللامصنع، معامل كريات الدم الحمراء تكف عن تصنيع الكريات، ما علاقة هذا الكلام بموضوع هذا اللقاء ؟
6 – نقص الدم المنتظمُ بالحجامة تنشيط لمعامل الكريات الحمراء :
النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالحجامة، ويجب أن يعلم لديكم أن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لا علاقة لها بثقافة العصر، ولا علاقة لها باجتهاد النبي، ولا علاقة لها بمعطيات العصر، ولا علاقة لها بأي شيء:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم)

يجب أن تعتقد أن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن تكون من بيئة العصر، يقول لك: بيئة بسيطة جداً، العلاج كان بالحجامة، العمل أكبر من هذا، ما دام النبي أمر بالحجامة فالحجامة ليست من معطيات العصر، ولا من خصائص البيئة، ولا من ثقافة النبي، ولا من اجتهاد النبي.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم)
الحكمة لا أحد يعلم، ثم اكتشف أن معامل الكريات الدم الحمراء صيانتها الوحيدة في نقص الدم المنتظم، صيانتها الوحيدة في نقص الدم المنتظم، فحينما تأخذ الدم ينقص الدم في الجسم، وهذه المعامل تنشط، فتنشيط هذه المعامل بشكل مستمر يتم عن طريق نقص الدم المنتظم، هذا الذي قال هذا الكلام ليس مسلماً، ولا يعرف عن الإسلام شيئاً، بل لا يعرف عن الحجامة شيئاً، إلا أنه اكتشف أن نقص الدم المنتظم يصون المعمل الذي إذا توقف كان الموت المحقق، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتجم. 7 – فصدُ الدم من الوريد ليس كالحجامة:
بعضهم يقول: لو أخذنا الدم من الوريد، يمكن، لكن يبدو أن الحجامة تأخذ الدم من سطح راكد، المفصل فيه دم، لكن مع الحركة الدورة الدموية هنا نشطة، من أين أخذت هذا ؟ الذي عنده شعر ضعيف ينصح بفرشاة لها رؤوس حادة حتى تحرك فروة الرأس، و بالتحريك تنشط الدورة الدموية
فلو فركت يديك تحمر يديك، فالدورة الدموية تنشطت بالحركة، فأي مكان فيه حركة فيه دورة دموية نشطة، أما الظهر فهو سطح ما فيه حركة، فلذلك حينما يؤخذ الدم من الظهر تتنشط الأوعية الدموية وتتجدد، لأن نقص الدم المنتظم يسهم بشكل أو بآخر في صيانة هذا الجهاز الخطير الذي يعاني منه العالم ما يعاني، والمرض الخطير اسمه ابيضاض الدم، فحينما تكف هذه المعامل عن تصنيع الكريات الحمراء لا تبقى إلا البيضاء، فيصبح الدم أبيض، وهو مرض اسمه ابيضاض الدم.
سبحان الله ! اكتشفوا الآن أن الدم الذي في حبل السرر هذا الدم في أي مكان يوضع في الجسم تتشكل منه خلايا كالخلايا المجاورة، فهناك بنوك، هذه اسمها الخلايا الجذعية، دم حبل السرر يؤخذ، ويوضع في بنك، وأي إنسان أصابه ورم خبيث لا بد من استئصال هذا النسيج، لو وضع مكان الاستئصال دم من حبل السرر تتشكل منه خلايا مماثلة للخلايا المجاورة، ولا زال الإنسان يكتشف حقائق في الجسم مذهلة
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

حدثني طبيب قلب قال: حينما يسد شريان في القلب يتخلق لهذا المريض عشرة شريانات، مجموع أقطارها يساوي قطر الشريان المسدود، صيانة ذاتية، هذا من فضل الله علينا. ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:44 PM   #28


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السابع و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 13 - شهوةالجنس -2- تعرية المرأة مسلك شيطاني والتستر مسلك رحماني









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة بين يدي شهوة الجنس:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وفي هذه الدروس تحدثنا عن مقومات التكليف، وقفنا وقفة متأنية عند الكون كأحد أكبر مقومات التكليف، ثم وقفنا عند العقل، وبعد العقل وقفنا عند الفطرة، وانتقلنا إلى الشهوة، وأمضينا حلقات عديدة في الحديث عن شهوة المال، وفي الدرس الماضي انتقلنا إلى شهوة الجنس، أما اليوم فنتابع هذا الموضوع، لكن أحببت أن أضع بين أيديكم هذه المقدمة: العقيدة أهمُّ مقاطع الإسلام الأربعة:

إذا صح أن الإسلام هرم، فإنّ هذا الهرم مقطع إلى أربعة مقاطع: وأعلى مقطع هو العقيدة، وهو أخطر ما في الدين، فإن صحت صح العمل، وإن صح العمل سلم الإنسان، وسعد في الدنيا والآخرة، هذا كلام دقيق، إن صحت العقيدة، بتعبير معاصر: إن صح التصور، إن صحت العقيدة، أو صح التصور صلح العمل، وإذا صلح العمل سلم الإنسان، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن فسدة العقيدة أو فسد التصور شقي الإنسان في الدنيا والآخرة.
تقريباً: العقيدة يمثلها الميزان، والخطأ الكبير الذي لا يصحح هو الخطأ في الميزان نفسه، إذا كان الميزان غير متساوٍ لو استخدمته مليون مرة ففي كل هذه المرات الوزن غير صحيح، لأن الخطأ في الميزان، أما الخطأ في الوزن فلا يتكرر، فلو وزنت حاجة، وتوهمت الكيلوين واحدا فهذا خطأ مرة واحدة، والخطأ في الميزان لا يصحح، لكن الخطأ في الوزن لا يتكرر.
أول مقطع في الإسلام الهرمي العقيدة، إن صحت صح العمل والإنسان سلم، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن لم تصح العقيدة ساء العمل، وشقي الإنسان، وهلك في الدنيا والآخرة.
مثل صارخ: أنت راكب مركبة، وفي لوحة البيانات تألق ضوء أحمر، إذا تصورت أن هذا التألق تألقًا تزيينيًّا ليسلِّيَك في الطريق، فتابعت السير احترق المحرك، وتوقفت السيارة، وتعطلت الرحلة، وألغي الهدف، وإن فهمت هذا التألق تألقا تحذيريًا أوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وسلم المحرك، وتابعت السير، وبلغت الهدف، فالفرق كبير بين أن تتصور هذا التألق تزيينيا أو تحذيريا.
مثل آخر: أنت مظلي، وحينما انطلقت بمظلتك من الطائرة لا تعرف ما شكل هذه المظلة، أعطوك إياها كحقيبة تفتح في أثناء الهبوط، يا ترى شكلها دائري، بيضوي، مستطيل، مربع، عدم معرفتك لشكل المظلة لا يقدم ولا يؤخر، يا ترى كم حبلا فيها ؟ الحبال من خيوط طبيعية أم صناعية ؟ ما ألوان هذه الحبال ؟ ما قطر هذه الحبال ؟ قد تجهل مئات المعلومات، وهذا الجهل لا يؤثر في نزولك سالماً، إلا معلومة واحدة إذا جهلتها نزلت ميتاً ؛ طريقة فتح المظلة.
العقيدة تمثل طريقة فتح المظلة، والعقيدة تمثل تألق هذا الضوء، لماذا ؟ قضية حضور درس علم ليست قضية مزاجية، وعلى وقت الفراغ، وشيء ثانوي، حينما أرى وقتاً فارغاً أذهب، وأحضر درس علم، قضية طلب العلم مطلب مصيري، لأن طلب علمك يحدد مصيرك، يجب أن تعلم علم اليقين أن ما مِن مشكلة على سطح الأرض في الخمس قارات، ومن آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، وما من خروج عن تعليمات الله عز وجل إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
شهوة الجنس:
1 – دليل شهوة الجنس في القرآن:
شهوة الجنس شهوة أودعها الله فينا، الدليل:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران )
2 – شهوة الجنس حيادية، تكون سبب رقيٍّ كما تكون سببَ انحطاط:
لكن مَن منكم يصدق أن هذه الشهوة يمكن أن تكون سبباً رقياً في الدنيا والآخرة، الشهوة نفسها، ويمكن أن تكون أحد أكبر أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، وهِي هي، صفحة البنزين تضعها في مستودع الوقود المحكم، ويسيل في الأنابيب المحكمة، وينفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، فيولد حركة نافعة تقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، والصفيحة نفسها لو صببتها على المركبة، وأصابها شرارة أحرق المركبة ومَن فيها، الصفيحة هِي هي، وعي سبب نزهة جميلة جداً، وسبب دمار أسرة بأكملها، هذه هي الشهوة.
3 – اتباع شهوة الجنس وفق منهج الله سبب السعادة :

الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً ترقى بها، أو دركات تهوي بها، يمكن أن تكون مسعدة، أو أن تكون مهلكة، هي مسعدة إذا طبقتها وفق منهج الله:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾
( سورة القصص)
المعنى المعاكس: الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل فلا شيء عليه، فلذلك أخطر ما في هذا اللقاء الطيب أن الشهوة نفسها أودعها الله فينا يمكن أن ترقى بنا إلى أعلى عليين والعكس.
والله هناك أُسر في هذه المدينة الطيبة يقول لك أحدهم: عندي ثمانية وثلاثون حفيدًا، شباب مؤمنون، فتيات صالحات، أصهار وأحفاد حفّاظ لكتاب الله، أكثرهم مثقفون ثقافة عالية، هي علاقة جنسية بين إنسان مؤمن وزوجة صالحة، أنجبا أولادا، أنجبا أولادا، وزوج البنات، وجاءه أصهار، بعضهم في الطب، بعضهم في الهندسة، بعضهم في التجارة، فيهم ولاء ومحبة ومودة، وطاعة، ترى أسرة مباركة، فقد تكون الأسرة جنة، الأسرة التي وفق منهج الله قطعة من الجنة، حتى إن الله عز وجل حينما قال: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾
( سورة البقرة الآية: 201 )
قال علماء التفسير: " المرأة الصالحة حسنة الدنيا التي تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت وتطيعك إن أمرتها ".
إياك أن تقول: لولا الشهوات لما عصينا ربنا، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، تصور بماذا تتقرب إلى الله ؟ أودع فيك شهوة، وقال لك: مسموح لك هذا الحيز، فأنت كل بطولتك أن توقع هذه الشهوة في هذا الحيز، أودع فيك حب المرأة، وقال لك: تزوج، الزوجة حليلتك مباحة لك، لذلك يمكن بالشهوة أن ترقى دائماً مرتين: مرة إذا عففت عن الحرام، وغضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة البقرة )
ومرة حينما تملأ عينيك من زوجتك التي جعلها الله هدية لك، ترقى إلى الله شاكراً، وترقى إلى الله صابراً، كالمنشار تماماً، هو صاعد يستخدم، وهو نازل يستخدم، ترقى إلى الله صابراً بغض البصر، وترقى إلى الله شاكراً بأن تستمتع بالتي أحلها الله لك. 4 – غض البصر عبادة الإخلاص:

الإسلام ليس في الإسلام حرمان، أنا أخاطب الشباب، لكن هناك ملمح لطيف جداً، أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، كل بلد فيه أنظمة، أيّ بلد في العالم فيه قوانين وأنظمة، وتقريباً معظم المحرمات في أي بلد تتوافق مع الدين تقريباً، السرقة في الدين حرام، وفي القانون حرام، فإذا لم يسرق الرجل فالله أعلم به، يا ترى عنده مدير عام مخيف دقيق جداً مسيطر، معه معلومات دقيقة، وسائل ضبط عالية جداً، أو أنه يخاف من الله، قد لا نعرف الذي لا يسرق، هو لا يسرق خوفاً من الله، أو خوفاً من المساءلة، لكن لحكمة بالغة جعل الله بعض الأوامر في الدين لا علاقة لها بأي قانون أرضي، فما من قانون في الأرض يمنعك من أن تنظر إلى المرأة إلا الدين الإلهي:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور: 30)
معنى ذلك أنك حينما تغض بصرك يتأكد لك أنك تحب الله، لأن جهة في الأرض لا تستطيع أن تحاسبك على هذا، إذاً: أسمِّي هذه الطاعة، أو هذه العبادة عبادة الإخلاص، لذلك هناك شيء اسمه جمال التعري، يعشقه أهل الدنيا، وشيء اسمه جمال الاحتشام، والله الذي لا إله إلا إن المرأة حينما تكون محجبة ومحتشمة، والله الذي لا إله إلا هو كأنها ملِكة في جمال خاص، امرأة ثيابها فضفاضة ثخينة، لا تشف هذه ملكة، لأنها حققت جمال الاحتشام، وأدت عبادة اسمها عبادة إعفاف الشباب، بربك هل يمكن لشاب ساقط أن يتحرش، أو أن يُسمِع امرأة محجبة كلاماً بذيئاً ؟ مستحيل، ما بدا منها شيء حتى تثير اهتمامه، فالحجاب من صفات المرأة المسلمة، وأنا أقول دائماً: إما أن تكون المرأة محجوبة عن الله، أو أن تكون محجّبة. 5 – مبدأ اللذة هدفًا ألمٌ وشقاءٌ:
حقيقة دقيقة: أن مبدأ اللذة حينما يصبح هدفاً ينقلب مبدأ ألم وشقاء، فما مِن إنسان ركّز على الاستمتاع بالحياة إلا كان هذا التركيز سبب شقائه، والإنسان الذي لا هدف له، الذي ما عرف ربه يعيش لشهوته، إلهه هواه، فشيء طبعي جداً أنه كلما انتقل من امرأة طمع في الثانية، هذا شيء طبيعي عنده، أن يشقى لأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل علاقة زواج، فأنت عندك امرأة، ولها شكل معين، فلو طمعت بأشكال عديدة فهذا غير متاح لك، أما إذا كان لك هدف كبير في الحياة ؛ هدف أن تعرف الله، هدف أن تعبده، هدف أن تحقق شيئاً في الحياة سمت أهدافك، وهذه الزوجة التي قسمها الله لك ترضى بها، وتراها أكبر هدية من الله.
6 – المرأة فتنة عظيمة:
أيها الإخوة، أكاد أقول لكم: إن أكبر مشكلة أن الإنسان إذا لم يكن له هدف كبير، وعاش حياة متكررة مملة يبحث عن المتعة بطريق مشروع أو بطريق غير مشروع، أنت عرفت الله عز وجل، أنت تعبده تغض بصرك، أؤكد لك أنك أسعد الناس في بيتك، أما إذا غفلت عن الآخرة، ولم تعبأ بأهداف الدين العظيمة، وعشتَ للمتعة لا ترضيك أية امرأة، وأنت متزوج تبحث عن أخرى، وتبحث عن خليلة، وهذا شيء مألوف وواضح، وشيء مكرر، وكأنه من طبيعة النفس، أنها إذا غفلت عن الله عز وجل تاقت إلى المتعة من أي طريق، والله عز وجل من ملامح منهجه في المرأة أنه أمر المرأة بالاحتشام، وأمر الرجل بغض البصر، فغض البصر مدرسة في هذا الدين، أنا أخاطب الشباب، يمكن أن أخاطب إنسانا في سن الخمسين تاجر كبير، أحذره من الكسب الحرام، أما إذا التقيت بشاب فما عندي شيء أخاف عليه أكثر من أن يفتن بفتاة لا تحل له، لذلك:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
(( فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
والشيطان ما له هدف إلا تعرية المرأة، والتعرية مسلك شيطاني، والتستر مسلك رحماني. 7 – عفة المرأة أثرها عظيم على المجتمع:

لكن لا بد من ذكر حقيقة توضيحها يتم بمثل: أنت معك هاتف، حولك خمسون صديقًا ليس لواحد منهم هاتف، هل لهاتفك قيمة ؟ أما إذا كان الخمسون صديقًا كلهم معهم هاتف فهاتفك له قيمة كبيرة، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾
( سورة النور)
لا نقطف ثمار حجاب المرأة وغض البصر إلا من مجتمع ملتزم كله.

8 – شهوة الطعام داخلية، لكن الجنس شهوة خارجية:
أنتم في العمرة باعتبار أن الحجاب هناك كامل في مكة والمدينة، والإنسان قد يمكث هناك أيامًا وأسابيع، ولا يأتيه خاطر نسائي واحد، المرأة شيء غير ظاهر، كلهن محجبات، لكن الطعام غير الجنس، الطعام يبدأ من الداخل، أجلِسْ إنسانا في غرفة وحده، ليس هناك أي علاقة بالطعام، ولا صورة، ولا رائحة، ولا مطبخ، ولا منظر فواكه يجيع، الجوع يبدأ من الداخل، الجنس يبدأ من الخارج، فإذا كان البيت نظيفا والطريق نظيفا، والنساء محجبات، وفي مكان ليس فيه اختلاط تحس بإحساس عجيب، تحس بالنقاء والطهر، الناس ينصرفون إلى أعمالهم، والطلاب إلى جامعاتهم، والصنعة إلى صنعاتهم، والإنسان ينصرف إلى عمله ليحقق هدفا كبيرا، أما الاستفزاز في الطريق، في المجلة، في الجريدة، في الإنترنت، في الفضائيات، استفزاز مثير، فتاة لا تخفي من مفاتنها شيئاً، وبين الشاب والزواج عشرون عاما قادمة، تحدث هذه الفتاة مشكلة، فأنا أهنئ كل فتاة محجبة، أقول لها: أنت عبدت الله فيما أقامك، أقامك أنثى، والأنثى محببة إلى الذكر، فهذه المفاتن سترتها، وتقربت إلى الله بسترها، وانتظرت من الله زوجاً مؤمناً صالحاً يحميها، ويكرمها، ويرقى بها إلى الله عز وجل.
9 – عظمة الشاب العفيف ومنزلته عند الله:
وأقول لشاب ضبط نفسه، ضبط شهوته، وقف عند حدود الشرع، أقول له: هنيئاً لك، وأسمعه هذا الحديث الشريف:
(( ما من شيء أحبُّ إلى الله من شاب تائب ))
[ الجامع الصغير عن سلمان، وسنده ضعيف ]
وإن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
سهل جداً لرجل في سن الخامسة والثمانين أن يستقيم، البطولة أن تستقيم وأنت شاب، كتلة نشاط، كتلة شهوات، ضابط لسانك، ضابط عينك، ضابط أذنك، وكل شيء بحسابه، أنا أخاطب الشباب، أقول لكم: هذه الآية والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن للشباب إلا هي لكفتهم: ﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم ﴾
( سورة الجاثية)
دققوا دنياهم: ﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 )
مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يعامل شاب مستقيم تائب عفيف غاض لبصره، ضابط لسمعه، ضابط للسانه، ضابط لحركته، بار لوالديه، أن يعامل هذا الشاب كما يعامل شاب متفلت منحرف، غارق في ملذاته التي لا ترضي الله عز وجل.
سأقول كلمة أخرى: والله الذي لا إله إلا هو أن يعامل شاب مستقيم ورع، طاهر، عفيف، كما يعامل شاب متفلت، والله هذا يتناقض مع وجود الله.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 ).
هذا وعد إلهي، وزوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق وعوده لهذا الشاب. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
10 – تنتهي حرية الإنسان حينما تبدأ حرية الآخرين:

أيها الإخوة، أن يقال: إن هذه الفتاة حرة، غير حرة، تنتهي حرية الإنسان حينما تبدأ حرية الآخرين.
حدثني إنسان أن امرأة محجبة راكبة مع ابنتها بسيارة عامة، سائق السيارة وضع شريط لأغنية ساقطة، الإنسان العفيف يخجل أن يسمعها وحده، وقفت، وقالت للسائق: هذا الشريط اسمعه في بيتك، هذه مركبة عامة، ليست ملكك، هي ملك جميع الركاب، فأنت بهذا الشريط تعتدي على حريتهم.
الإنسان حر، لكن حر في بيته، أما في مركبة عامة أن تسمِع الناس أشياء ساقطة، لأنك تطرب لها فهذا اعتداء على حريات الآخرين.
مفهوم الحرية في زماننا مفهوم تفلُّتي، الحرية أساسها انضباط، عكس المفهوم السائد، مَن الحُر ؟ الدابة المفتلتة، أنت منضبط، والعوام يقولون: متعصب، لا، هو متمسك، فرق كبير بين متعصب ومتمسك، المؤمن متمسك، المؤمن مطبق لمنهج الله عز وجل.
لكن أيها الإخوة، لما يكون للإنسان مجلس علم، فبهذا المجلس يشحن، تماماً كالهاتف الخلوي، لو لم تشحن تنطفئ الشاشة، ويسكت، أما بالشحن فأنت في خطبة الجمعة تشحن، وفي الصلوات الخمس تشحن، وفي درس العلم تشحن، وفي تلاوة القرآن تشحن، ما دام هناك شحن بدرس علم، أو بعبادات فأنت قادر أن تستقيم على أمر الله، فلذلك القضية تحتاج إلى انضباط.
11 – تحرُّشُ المرأة بالرجل !!!
أنا أذكر قصة غريبة جداً حدثني عنها إنسان، في محطة فضائية، وفي بلد عربي: شاب اغتصب عشر فتيات، وذبحهن، باحثة اجتماعية أرادت أن تجري معه حوارا في فضائية، والفضائية إسلامية، فاستأذنت وزير الداخلية في هذا البلد، فوافق على أن تحاوره، وليأتي به من السجن، وأن تحاوره على مسمع من الملايين، أنا أحفظ بالضبط ما الذي جرى، سألته: ما اسمك ؟ فقال لها اسمه، هل أنت متعلم ؟ قال: لا، أنا لا أقرأ، ولا أكتب، قالت له: هل تصلي ؟ قال لها: مستحيل أن أصلي، هل تحفظ الفاتحة ؟ قال: لا أحفظها، أنا آتي بالتفاصيل لأبين لكم كم هو جاهل، فلما دخلت في الموضوع: لماذا تفعل هذا ؟ قال: هن السبب، ببساطة، كيف ؟ قال: من ثيابهن، قالت له: لو رأيت فتاة محجبة ؟ قال: والله الذي يتكلم معها كلمة أقتله.
هذا الشاب المجرم الجاهل الذي اغتصب عشر فتيات، وقتلهن وضع يده على المشكلة، هن السبب، أنا على أثر هذه المقابلة خطر في بالي مصطلح جديد، تحرش المرأة بالرجل، المألوف أن الرجل يتحرش بالمرأة إما باللمس أو بالكلام، أما الثياب الفاضحة فهي تحرش المرأة بالرجل، فلذلك أيها الإخوة، الآن هناك ظاهرة مؤلمة جداً، تضع المرأة على رأسها غطاء، وثيابها ضيقة، كيف هي متوازنة ؟ والعورة الغليظة بادية.
12 – الحجاب الشرعي الكامل ضمان وسلمة:

بالمناسبة، الحجاب خصائصه ألا يصف لون البشرة، الثياب الشفافة ممنوعة، ومحرمة أشد التحريم، وألا تصف الثياب خطوط الجسم، والضيقة كذلك، وأن تكون سابغة، من الأعلى ومن الأسفل، إذاً: ألا تكون شفافة أو رقيقة، وألا تكون ضيقة، وأن تكون سابغة، علواً وسفلاً، وألا تكون ذات ألوان صارخة:

﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ(69) ﴾
( سورة البقرة)
هناك ألوان براقة تلفت النظر، هذا الحجاب غير كامل. 13 – الفضائح إما مالية أو جنسية:
أيها الإخوة الكرام، لا يغيب عن ذهنكم أن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بالمال والنساء، لأنهما أكبر شهوتين يطغى بهما الإنسان، فلذلك المؤمن حينما يحصن نفسه من المال الحرام والمرأة الحرام ينجو.
لي صديق أزوره في العيد، مرة والده يبلغ من العمر ستة وتسعين عامًا، توفي ـ رحمه الله ـ الآن كلما أزوره أسمع منه قصة جديدة، اشتهيت أن أسمع منه قصة مرتين، ذاكرته قوية، قال لي مرة: أنا البارحة أجريت تحليلات كاملة كلها طبيعية، وعقب تعقيباً تأثرت له، قال: والله في كل حياتي ما عرفت الحرام، يقصد به حرام المال وحرام النساء، ما أكل قرشاً حراماً، ولا نظر نظرة مريبة، ومن عاش تقياً عاش قوياً.
لذلك أيها الأخوة، تاريخ البشرية فيه فضيحتين، جميع أنواع الفضائح لا تزيد على فضيحتين: فضيحة جنسية وفضيحة مالية، فالمؤمن محصن من خطأ في علاقته بالمرأة، فالخلوة محرمة.
14 – لابد من هامش أمان كبير بين الرجل والمرأة الأحنبية:
أقول لكم كلاما دقيقا جداً: هذه الشهوة شهوة النساء مشكلتها لها قوة تأثير كبيرة ما دمتَ في المنطقة المحرمة، كنهر عميق جداً له شاطئ مائل زلق، وشاطئ مستوٍ جاف، المشي على الشاطئ المائل الزلق احتمال الوقوع في النهر بالمئة تسعون، الأمر الصارم لا يتعلق بالنزول في النهر وهو عميق جداً، بل يتعلق أن تمشي على الشاطئ المائل الزلق، هذا الشاطئ المائل الزلق يقودك إلى الغرق، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
فالخلوة اقتراب من الزنا، صحبة الأراذل اقتراب من الزنا، إطلاق البصر اقتراب من الزنا، أن تستمع إلى مغامرة غير أخلاقية من شاب اقتراب من الزنا، فيجب أن تغادر المكان، أن تطالع المجلات اقتراب من الزنا، أن تتابع بعض المواقع التي لا ترضي الله اقتراب من الزنا، أن تقرأ قصة ماجنة اقتراب من الزنا، أن تتنزه في الطرقات اقتراب من الزنا.
والله مرة قال لي أخ اتصل بي من لوس أنجلس قال: أنا اسمي فلان، قال لي: أنا سمعت لك شريطاً خمسين مرة، وكانت توبتي بهذا الشريط، قال: لي عمل قذر جداً، قلت: ما هو ؟ قال إخراج الأفلام الإباحية، سمع لي شريطَ تفسير، وذكرت في هذا الشريط أن إنسانا هوايته أن يتنزه في الطرقات، وأن يملأ عينيه من الحسناوات عمره خمسة وستون عامًا، أصيب بمرض ارتخاء الجفون، لا يرى إلا بطريقة فتح الحفن بيده، قال: والله سمعت هذا الشريط خمسين مرة، وتبت إلى الله، أنا التقيت به في واشنطن.
لما تستقيم تحس بعزة، تحس بقوة، تحس بمكانة عند الله.
ملخّص الدرس:
فيا أيها الإخوة الكرام، ملخص هذا الدرس أن نغض البصر، ملخص هذا الدرس أن نبتعد عن أسباب المعصية، وهناك قول للسيد المسيح رائع جداً: " الشريف مَن يهرب من أسباب المعصية ".
هذه الشهوة عندما تبدأ بأول خطوة في الأعم الأغلب تصل على آخر مرحلة، كالصخرة المتمركزة في قمة الجبل، أنت أردت أن تدفعها في المنحدر خمسة أمتار، هيهات أن تبقى خمسة أمتار، لن تستقر إلا في قعر الوادي ما دام أمط دفعتها، كل هذه المعاني مأخوذة من قوله تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
إطلاق البصر، متابعة قصة، شراء كتاب، متابعة موقع لا يرضي الله، صحبة الأراذل، التنزه في الطرقات، هذا كله من أسباب الفاحشة، لذلك الآية: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
أي ابتعدوا عن أسبابه. الموضوع العلمي:
1 – البويضة:
1 – حجم البويضة:
أيها الإخوة الكرام، في خلق الإنسان آيات عظيمة جداً تدل على عظمة الله، فقالوا: البويضة حجمها بحجم ذرة الملح، ضع شيئًا مِن لعابك على طرف أصبعك، وضعها على كمية ملح دون أن تضغط إطلاقاً، ثم ائت بمكبر، وانظر إلى البويضة التي في المرأة لا تزيد في الحجم على حبة الملح، والحوين الذي يلقحها أصغر منها بكثير.
هذه البويضة الملقحة تنتقل من المبيض إلى الرحم عن طريق قناة فالوب، هنا سؤال دقيق: كيف تتحرك ؟ ألها أرجل ؟ لا، مَن يدفعها ؟ هل هناك كائن في هذه القناة يدفعها ؟ لا، هل هناك جاذبية ؟ الطريق مستوٍ فكيف تنتقل ؟
2 – كيف تُلَقَّح البويضةُ ؟

لو سألتني قبل قليل: كيف لقحت ؟ الحوين في رأسه مادة نبيلة تذيب جدار البويضة، فإذا اصطدم أقوى حوين في البويضة مزق الغشاء، والمادة تحت الغشاء تذيب جدار البويضة فيدخل، ثم يغلق الباب، تحتاج البويضة واحداً حوينًا في اللقاء الزوجي، قد يتم فرز ثلاثمئة مليون حوين، وتحتاج البويضة إلى حوين واحد، البويضة الملقحة من قناة فالوب إلى الرحم تنقسم إلى عشرة آلاف جزء، دون أن يزيد حجمها، فلو زاد حجمها وكبرت توقفت، وهو أنبوب دقيق جداً.



3 – كيف تسير البويضةُ في قناة فالوب ؟
أقول لكم: بدهيات الطب ليس أشياء معقدة، فالطلاب في الثانوي يقرؤون هذا الكلام، أما السؤال: كيف تمشي البويضة في قناة فالوب ؟ لو ما مشت ما كان هذا الدرس، ما كان في دمشق كلها، وما كان في سوريا، وما كان في آسيا إنسان واحد، فكيف تمشي ؟
في هذه القناة أشعار تتحرك فتدفعها، ومرة عرضت هذا في فيلم في هذا المسجد، أشعار تتحرك هكذا، فتدفعها إلى الرحم وتنقسم.

4 – ظاهرة التمايز في خلايا البويضة
أما الشيء الدقيق جداً أن هذه البويضة تنقسم إلى عشرة آلاف جزيء، وهناك حالة في أثناء تشكل الجنين في رحم أمه اسمها التمايز، ملايين الخلايا تصبح قلباً، ملايين أخرى تصبح رئتين، ملايين ثالثة تصبح دماغاً، ملايين رابعة تصبح أوعية، ملايين خامسة تصبح عظاماً، هذا التمايز يد مَن ؟
الإنسان الذي يكفر بوجود الله نقول له: انسجاماً مع ما تقول يجب أن تنمو هذه البويضة من الانقسامات بنسيج واحد، فعظمة كبيرة، أو عضلات، أو جلد، أو أوعية، أو دماغ، أو خلايا عصبية، أما أن الملايين دماغ، والملايين رئتان، والملايين جهاز هضمي، والملايين عظام، والملايين عضلات، هذا التمايز هو أكبر دليل قطعي على وجود الله عز وجل.
والله أيها الإخوة، لو أتيح لكم أن تتطلعوا على علم الأجنة أقسم لكم بالله لابد لكل واحد منكم أن يبكي خشوعاً لله عز وجل.

2 – العين:

في شبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، حجم الشبكية ميليمتر وربع، وفي الميليمتر مربع مئة مليون عصية ومخروط، الآن أكبر آلة تصوير حديثة احترافية بالميليمتر مربع فيها عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما في شبكية العين فهناك مئة مليون مستقبل ضوئي، ميليمتر وثلاثة بالعشرة فيها مئة وثلاثون مليونًا من أجل أن تميز العين البشرية بين ثمانية ملايين لون، وإذا ذهبت إلى بلاد بعيدة في الشمال الحرارة تسعة ستون تحت الصفر، كل شيء يتجمد، وفي العين ماء بحسب قواعد الفيزياء يجب أن يفقد كل الأشخاص هناك عيونهم، لكن الله أودع في العين مادة مضادة للتجمد، الآن كل الجسم من دون استثناء يتغذى عن طريق الأوعية إلا قرنية العين فتتغذى عن طريق الحلول، والخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، والغذاء يتسرب عبر الغشاء الخلوي:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
العين وحدها آية، الأذن وحدها آية، الشعر وحده آية، القلب وحده آية، من فتح ثقب بين الأذينين، وعند الولادة تأتي جلطة، وتغلق هذا الثقب ؟ الله عز وجل. خاتمة:
يا أيها الإخوة، حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )
والله أتمنى عليكم أن تفكروا في هذا الجسم، في هذا الشعر، فلو أن الشعر فيه أعصاب حس للزم منه عملية حلاقة في المستشفى بتخدير كامل، العين، الأنف، الأسنان، ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الأرض، أقسى عنصر الماس، وبعده ميناء الأسنان، هذا خلق مَن ؟ حكمة مَن ؟ قدرة مَن ؟
أيها الإخوة الكرام، كلما تفكرتم في خلق السماوات والأرض ازددتم تعظيماً لله عز وجل، وهذا التعظيم يؤدي إلى الخشية، وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:47 PM   #29


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثامن و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الاختيار -1- الإنسان مسير ومخير -1- الإنسان مخير في حمل الأمانة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى سلسلة من الموضوعات الفرعية المتعلقة بالشهوة، والشهوة أحد مقومات التكليف، وقبلها تحدثنا عن الفطرة، وقبلها تحدثنا عن العقل، وقبلها تحدثنا عن الكون، فالكون والعقل والفطرة والشهوة من مقومات التكليف.
1 – الإنسان مخلوق مكرَّم مكلَّف:
الإنسان هو المخلوق الأول، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 73 )
والإنسان هو المخلوق المكرم: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
( سورة الإسراء )
والإنسان هو المخلوق المكلف، مكلف بعبادة الله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
( سورة الذاريات )
2 – الإنسان مُنِح مقومات التكليف وحمل الأمانة:
وما كلفنا ربنا أن نعبده إلا وقد أعطانا مؤهلات هذه العبادة، ومقومات هذا التكليف، في رأس هذه المقومات هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، أعطانا عقلاً كأداة كافية لمعرفة الله من خلال الكون، أعطانا فطرة كأداة كافية لمعرفة خطأنا، أعطانا شهوة كقوة دافعة نرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد أمضينا دروساً عديدة حول موضوع الشهوة.
الاختيارُ من مقوِّمات للتكليف:
1 – الإنسان مخيَّر في الجانب التكليفي:

وننتقل الآن إلى مقوِّم جديد من مقومات التكليف ؛ ألا وهو الاختيار، أنت مخير، وما من عقيدة شلت الأمة، وأخرتها كعقيدة الجبر، أي أن تتوهم أن الله أجبرك على أفعالك، فلو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مُكرًهاً.

2 – عقيدة الجبر شللٌ للأمة:
مثلٌ للتقريب: مديرُ مدرسة في أول يوم للعام الدراسي جمع الطلاب في الباحة، وتلا على الطلاب أسماء الناجحين في آخر العام مقدماً، وأسماء الراسبين، هل يستطيع الطالب أن يدرس ؟ هذا مصيره، فلا الذي نجح سيدرس، ولا الذي رسب سيدرس. آياتٌ قرآنية تثبت الاختيار للإنسان:
عقيدة الجبر عقيدة شلت الأمة، فيها أوهام معشَّشة في أذهان الناس ؛ أن كل شيء منتهٍ، الله كتب على إنسان الشقاء أو السعادة، لا:
الآية الأولى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)﴾
( سورة طه)
الآية الثانية:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
فهو إما شاكراً وإما كفوراً، لأنه مخير.
الآية الثالثة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
هو مولِّيها.

هل يستطيع الراكب في المركبة أن يخاطب الراكب في المقعد الخلفي، ويقول له: خذ اليمين، أيّ يمين ؟ حدث السائق.
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
على من يعود الضمير هو ؟ إنّك إنْ أعدته على الله فإنه ينشأ في الآية تناقض: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
ليس الأمر بيدي،
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ﴾
الإنسان مُوَلِّيهَا، باختياره هذا.
عزو الأخطاء إلى الآخرين فكرٌ قديم:

هناك موقف حاسم لسيدنا عمر، جاءوا إليه بشارب خمر، قال: << أقيموا عليه الحد >>، الباطل قديم، والإنسان يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره، اسأل طالبًا رسب: لماذا رسبت ؟ يقول: هذا الأستاذ ليس معقولا إطلاقاً، هو ليس له ذنب، فقط الأستاذ، السؤال غير معقول، المنهاج غير معقول، لمَ لا تقول: أنا كسول، أنا ما درست، دائماً الإنسان يريد أن يعزو أخطاءه إلى غيره، كالنعامة تماماً تخفي رأسها في الرمال، وتنسى أنها مِن خطأها صادها الصياد، وهذا مرض مستشرٍ، فلو وجدنا حفرة في الطريق ماذا نقول ؟ الاستعمار، عندنا مشجب نعلق عليه كل أخطائنا، الاستعمار، الصهيونية، الإمبريالية، لا، نحن مخطئون، أخطائنا أودت بنا إلى ما نحن عليه، وما فينا جرأة، يجب أن تكون جريئًا أن تقول: أنا أخطأت، اسأل طالبا ما نجح يقل لك: الله ما كتب لي النجاح، لماذا أنت ما درست ؟ لمَ لا تقول: أنا ما درست، ما آن الأوان، هذا أمر الله ترتيب سيدك، كل إنسان يقع في خطأ بتقصير، ولا يؤدي الواجب، لا يتقن عمله، لا يحتاط، لا يأخذ بالأسباب، ويأتي جزاء التقصير، جزاء الإهمال، جزاء عدم الأخذ بالأسباب، جزاء الجهل، يقول: هذا من إرادة الله.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28) ﴾
( سورة الأعراف)
أيها الإخوة، أنا لا أبالغ، هذا الموضوع أعدُّه أخطر موضوع في العقيدة، ولمجرد أن تتوهم أن كل شيء منتهٍ، الشقي شقي، والسعيد سعيد، ولا أمل، ولمَ العمل ؟ ولِمَ الأمر أساساً ؟ ولمَ النهي ؟
وجودُ الأمرِ والنهيِ في القرآن دليلُ الاختيارِ:
بربكم بشكل صريح، لو قسنا عرض كتف إنسان قد يكون ثلاثة وستين سنتيمترا وثمانية ميليمترات، وبنينا جدارين، الفراغ بينهما ثلاثة وستون سنتيمترا وثمانية ميليمترات، فإذا سار هذا الإنسان بين الجدارين فإن الجدار الأيمن يلامس كتفه الأيمن، والجدار الأيسر يلامس كتفه الأيسر، ثم قلنا له: رجاءً خذ اليمين، هل هناك يمين ؟ والطريق ذو الممر الإجباري، ولا مسافة للاختيار هل الأمر له معنى ؟
اسمعوا الدليل: لمجرد وجود الأمر في القرآن الكريم، ولمجرد وجود النهي في القرآن الكريم فأنت مخير، ولو لم تكن مخيراً لما كان معنى إطلاقاً للأمر والنهي.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
الآية الرابعة:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
أما الآية الأصل في هذا الباب أن الإنسان مخير:
الآية الخامسة:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام)
هذه الآية أليست كافية ؟ أليس هذا كلام الله ؟ أليس هذا توجيه الله عز وجل ؟ مجالات كون الإنسان مسَيَّرًا فيها غير مخيَّر:
أنت مخير، لكن البحث يحتاج إلى تفصيل، أنت مخير في ماذا ؟
1 – الإنسان مسيَّر في كونه ذكرًا أو أنثى:

الحقيقة الدقيقة أنك مسيَّر ومخيَّر، بماذا أنت مسيَّر ؟ مَن منكم عرضوا عليه أن يكون ذكر أو أنثى، فاختار أن يكون ذكراً أو أنثى، لا أحد، أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، أليس كذلك ؟ أنت في هذا مسيَر، ولكن لو كشف الله لك الغطاء لوجدت أنه ليس في إمكانك إلا أن تكون كما سيّرك الله إليه، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أي ليس في إمكاني أفضل مما أعطاني، ولو كشف الله لك الغطاء لكانت الحكمة المطلقة أن تكون ذكراً، ولو كشف الغطاء للأنثى لكانت الحكمة المطلقة أن تكون أنثى، فأنت في كونك ذكرا أو أنثى مسيَّر.
2 – الإنسان مسيَّر في الانتساب إلى أبيه وأمه:

مَن منكم اختار أمه وأباه ؟ وأنت مسير في أمك وأبيه.
3 – الإنسان مسيَّر في مكان ولادته:
من كان مخيَّراً في مكان ولادته ؟ إنسان ولد في دمشق، وإنسان في شيكاغو، وأنت مسيَّر في مكان ولادتك.
4 – الإنسان مسيَّر في زمان ولادته:
ونحن جميعاً وُجدنا في القرن العشرين وجدنا، وبعد مئة عام لا أحد من الحاضرين على سطح الأرض، وقبل مئة عام ما لا أحد في كل هذا اللقاء الطيب كان على سطح الأرض، أنت مسير في زمن ولادتك، مسير في كونك ذكر أو أنثى، في أمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك.
5 – الإنسان مسيَّر في خَلْقِه وصورتِه:

أنت ذو قامة مديدة، هذا شيء رائع، هل كنت مخيراً فيها ؟ أنت ذو قامة ليست مديدة، هل أنت مخير ؟ أنت لونك أبيض، و إنسان آخر لونه أسود، هل هو مخير ؟ شكلك، لونك، خصائصك، عندك سرعة بديهة، عندك ذاكرة قوية، عندك قوة فهم، عندك محاكمة دقيقة، فخصائصك، وقدراتك أنت فيها مسيَّر.


ما أنت عليه هو أفضلُ وضع لك:
أما أخطر ما ينبغي أن نعلمه في موضوع التسيير أن الذي ساقه الله إليك، أو الذي أقامك الله فيه هو أفضل شيء يمكن أن يكون مسعداً لك، وحافظاً لك، لذلك البشر جميعاً يوم القيامة، وقد كشف لهم الغطاء يلخصون علاقتهم بالله بآية تقول:
﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
( سورة يونس الآية: 10 )
وهذا معنى بعض الأقوال: لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع، أنت مسير بكونك ذكراً أو أنثى، بأمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك، في خصائصك. الإنسان مخيَّر في مسائل الأمر والنهي التعبدية:
أما فيما أنت مكلف به فأنت مخير، الله عز وجل أمرك بالصلاة، فأنت مخير أن تصلي أو لا تصلي، أمرك بالاستقامة، أنت مخير بأن تستقيم أو لا تستقيم، أمرك بالصدق، تصدق أو لا تصدق، أمرك بالعدل، تنصف أو لا تنصف، أمرك أن ترحم مَن حولك، فأنت ترحم أو تقسو، أمرك ببر والديك، تبرهما أو تعقهما، أنت مخير فيما كلفت، أمرك أن تطلب العلم، أتيتم إلى هذا المسجد، وكل واحد منكم بإمكانه ألا يأتي، وأن يجلس في بيته، بل بإمكانه أن يتوجه إلى ملهى، أليس كذلك ؟ هذا شيء واقعي، وأنت مخير فيه، مخير فيما كلفت،
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (148) ﴾
( سورة البقرة )
أنت مخير، ولولا أنك مخير لما كان معنى للثواب والعقاب، والجنة والنار، والتكليف والأمانة، وما كان عملك مثمنًا إطلاقاً.
لو معك جهاز هاتف متطور جداً، و شهر عليك أحدُهم ـ لا سمح الله ـ مسدسًا، وقال لك: أعطني هذا الجهاز، أو أقتلك، فإنك تعطيه إياه، هل تشعر أن هذا عمل طيب قمت به ؟ هل تشعر بنشوة الإيمان أنك قدمت له هاتفا ؟ قلبك محروق، لأنك أُجبِرتَ على ذلك. المطلوب الهدى الاختياري لا الهدى القسري:
أريد أن أقول لكم كلمة: لو أن الله أراد أن نؤمن جميعاً:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا (99) ﴾
( سورة يونس )
لو شاء ربك لهدى الناس جميعاً، العملية سهلة جداً، الهدى القسري سهل جداً، لكن لا يكون هذا الهدى مسعداً إطلاقاً.

إن رئيس جامعة فكّر، وقال: سوف اجعل نسب النجاح مئة بالمئة، ما شاء الله، كيف ذلك ؟ قال: سأوزع على الطلاب أوراق الإجابة التامة، وعلى اليسار طبعت علامة مئة بالمئة، نجمع الطلاب في قاعة ونعطيهم الأوراق، نقول للطالب: اكتب اسمك فقط، واخرج، والنتيجة أن جميع الطلاب ناجحون، وكلهم أوائل بامتياز، لكن ما قيمة هذا النجاح عند الناس ؟ لا قيمة له، ولا قيمة لهذا النجاح عند الطلاب، ولا قيمة لهذا النجاح عند رئاسة الجامعة، فالهدى القسري لا قيمة له أبداً.
تصور وقد يكون هذا المثلُ طريفًا: لو أن كل إنسان نظر إلى فتاة يفقد بصره، ماذا يفعل الملحدون، يغضون البصر، الملحد يخاف على عينه، أساساً الأقوياء يطاعون هكذا، أقوياء الأرض وطغاة الأرض يطاعون مئة بالمئة، هل هذه الطاعة طوعية ؟ إنه مقهور مجبور، ولو أن الله أراد أن يجبرنا على الطاعة فالقضية سهلة جداً، لكن هذا الإجبار على الطاعة لا قيمة له إطلاقاً، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يسعد ولا يرقى بالإنسان، الذي يرقى بالإنسان أن يأتي الله مختارا، أن يأتيه طائعاً، أن يأتيه بمبادرة منه، أن يأتيه عن محبة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) ﴾
( سورة المائدة )
ولك أن تفهم جميع الآيات التي في مضمون: ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً في هذا المعنى، هذا الهدى القسري لا قيمة له إطلاقاً، ولا يرقى بك، ولا يسمو بك، ولا يسعدك، أما الذي يسعدك أن تمر أمامك فتاة، وبإمكانك أن تملأ عينيك من محاسنها، لكنك خوفاً من الله، ومحبة له، وطاعة له تغض البصر عنها، وتقول: إني أخاف الله رب العالمين، وبإمكانك ألا تصلي، لكن الوقت شتاء، والبرد شديد، والفراش وثير ودافئ، وسمعت أذان الفجر، جسمك يدعوك أن تبقى نائماً، لكنك تنزع عنك الغطاء، وتقوم إلى الوضوء وتصلي، أنت مختار، أرادك أن تأتيه مختاراً، أرادك أن تأتيه طائعاً، أراد أن تأتيه بمبادرة منك، أراد أن تكون علاقتك به علاقة حب، علاقة ود. بين عبدِ القهر وعبد الشكر:
من هنا كان البشر عبادا أو عبيدا، العباد جمع عبد الشكر، والعبيد جمع عبد القهر، كل واحد عبد لله، حتى الملحد، حتى الكافر، حتى العاصي، حتى الفاجر، ومعنى عبد أنه في قبضة الله، في أي لحظة يتجمد الدم في إحدى أوعية الدماغ، وقد كان بأعلى درجة من الحيوية والنشاط فيقع في الأرض من الشلل، فيفقد النطق، فيقال لك: خثرة في الدماغ، سكتة دماغية، في أي لحظة يضيق الشريان فيشعر الإنسان بذبحة صدرية، بأي لحظة تنمو الخلايا نمواً عشوائياً، وهذا مرضٌ تحدى أهل الأرض، وهم في أعلى درجة من التقدم، الورم الخبيث حتى الآن مرض عضال لا دواء له، أنت في قبضة الله، أنت بهذه الطريقة عبد قهر، وإذا فكر الإنسان في هذا الكون تعرف على الله، أقبل عليه، أحبه، قرأ كتابه، أدى عباداته، عمل أعمالاً صالحة لخدمة خلقه، هذا عبد جمعه عباد:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) ﴾
( سورة الفرقان)
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
( سورة فصلت الآية: 46 )
والعبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر.
أنت مخير، ولولا أنك مخير فلا قيمة لعملك إطلاقاً، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
سأل رجلٌ الإمام عليًّا رضي الله عنه: << أكان مسيرُنا إلى الشام بقضاء الله وقدره ؟ قال: ويحك، لو كان قضاء لازماً وقدراً حاتماً إذاً لبطل الوعد والوعيد، ولانتفى الثواب والعقاب، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مكرهاً >>. الموقف العلمي من الآيات التي ظاهرها الجبر والقسر:
أيها الإخوة، أحياناً الإنسان في بعض آيات القرآن الكريم يحتاج إلى عالم، ففي آية يقرأها قراءة أولية قد لا يفهم أبعادها الدقيقة، من ذلك هذه الآية: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
ظاهر الآية معنى مخيف، لكن حقيقة الآية: يا عبادي، أنتم تزعمون أنني أجبرتكم على أعمالكم، لو كنت مجبركم على عملٍ ما لما أجبرتكم إلا على الهدى، ولو كان من الممكن أن أجبركم على عمل لأجبرتكم على الهدى، ولو شئنا أن نلغي اختياركم، ولو شئنا أن نلغي تكليفكم، ولو شئنا أن نلغي حملكم للأمانة، ولو شئنا أن لغي الرسالة التي كًلِّفتم بها، لو شئنا أن نلغي هويتكم كمخلوق مكلَّف قال:يا رب أنا لها للأمانة حينما قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 72 )
لو شئنا أن نلغي اختياركم، لو شئنا أن نلغي تكيفكم، لو شئنا أن نلغي هويتكم، لو شئنا أن نلغي أنكم المخلوق المكلَّف، لو شئنا أن نلغي حمل الأمانة لما أجبرناكم إلا على الهدى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا 13) ﴾
( سورة السجدة )
ولكن أعمالكم ليست من إجبار الله لكم، بل من اختياركم، ولذلك سوف تحاسَبون عليها، وتدفعون الثمن باهظاً: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
هذا جزاء عملهم، وجزاء جريمتهم، وجزاء عدوانهم، لذلك أخطر ما ينبغي أن تعتقده ألا تعزو خطأك لجهة أخرى، وأوضح مثلٍ، بل هو مثل صارخ: طالب ما درس أبداً، طبعاً لا ينجح، فلما رسب قال: هذه مشيئة الله، الله عز وجل ما كتب لي أن أنجح، سبحان الله ! ألا تضحك عليه بهذا الكلام ؟ هذا كلام مرفوض، وهذا كلام المسلمين اليوم للأسف، تقول لأحدهم: ألاَ تصلي ؟ يقول: الله لم يهدني، لمَ لا تستقيم ؟ الله ما كتب لي الهدى، كل أخطائه، كل معاصيه، كل تقصيره يعزوها إلى الله عز وجل، هذه أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون، لذلك لا يعدّون لأعدائهم العدّة، والله عز وجل قال: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
هم أعدُّوا لنا، ولم نعدّ لهم، أعدّوا لنا أسلحة فتاكة، فأجبروا العاَلم كلَه على ثقافتهم، وعلى إباحيتهم، وعلى أنماط حياتهم، هذه هي العولمة، هذا أدق مفهوم للعولمة، يعني جهة قوية جداً تفرض ثقافتها وتفلتها وإباحيتها على العالم كله، والتقصير مِن قِبَلنا، هم أعدوا لنا، هم يعملون في ظلام الليل، ونحن نائمون في ضوء الشمس.
أنا أتمنى ألاّ يفكر إنسان مسلم أن يعزو الخطأ إلى غيره، لو تعمقنا أكثر في هذا الموضوع، أكثر أخطاء أولادك منك أيها الأب، أيها المعلم أكثر أخطاء طلابك منك، لا تتهرب مِن تحمُّلِ المسؤولية، كن جريئاً وشجاعاً، قل: أنا مخطئ، أخطائي في تربية أولادي أودت بهم إلى ما هم عليه.
أيها الإخوة، هذا موقف شجاع، موقف جريء أن تتحمل أخطاءك.
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
أيها الإخوة، ولكن لابد من حقيقة، وهي أن الله يعلم، يعلم ما سيكون علْمَ كشفِ لا علمَ جبرٍ.
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ...
أيها الإخوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطير جداً، له معنى خطير ومصيري:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ... ))

تستسلم، ما بيدنا شيء، انتهينا، أعداءنا أقوياء، هذا خطأ كبير.
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ـ فكّر، دبِّر، خذ بالأسباب، تحرك، استعن بالله، ولا تعجز ـ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود وأحمد ]
متى ينبغي أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل ؟ إذا غلبك أمر (( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
المثل الأول: طالب ما درس إطلاقاً، بدأ يقول: الله ما كتب لي أن أنجح، هذا خطأ، الله ما قدر لي النجاح، هذا خطأ، الأستاذ كان ظالما بأسئلته، هذا خطأ، قل: أنا ما درست، لذلك أنا لم أنجح، هذا الموقف العلمي، الموقف الإيماني، الموقف الأخلاقي، لكن إذا درست دراسة بأعلى درجة، وحال بينك وبين تقديم الامتحان مرض مفاجئ الآن:
(( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج، فقال: << مَن أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله >>.
تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وتتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذا هو الإيمان، الإيمان أخذ بالأسباب، الإيمان:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )

بين فقر الكسل وفقر القدَر وفقر الإنفاق:
الإيمان أن تطوِّر عملك، أن تنمِّي اختصاصك، أن تنمِّي خبرتك، الإيمان أن تبحث عن كل ثغرة في حياتك، بعد ذلك تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، بعد أن تستنفذ كل الجهود تستسلم لقضاء الله وقدره، الاستسلام لقضاء الله وقدره يكون بعد أن تستنفذ الأسباب، وإلا يمكن أن أقول، وأنا لا أتورع عن أقول: هناك من الفقراء فقر الكسل، عمله غير متقن، مواعيده غير مضبوطة، بضاعته سيئة جداً، ليس له اهتمام، ولا إنجاز، ولا متابعة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً سيفتقر، هذا فقر الكسل، إياك أن ترى أن هذا الفقر من الله عز وجل، هذا من فعلِ نفسك، هذا فقر الكسل، لا إتقان لا إنجاز، لا صدق، لا أمانة، لا اهتمام بالطرف الآخر، ولا معاملة طيبة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً المحل يتراجع، والمشترون يتفرقون عن هذا المحل التجاري، فيقول صاحبه: يا أخي، ليس هنا رزق، الله ما كتب لي رزقا، هذا كرم مضحك، قل: أنا مقصر، فنفر الناس من هذا العمل، فانصرفوا عني إلى غيري، هذا فقر الكسل.
لكن هناك فقر القدر، إنسان امتحنه الله بعاهة، هذه العاهة تحول بينه وبين أن يكسب رزقا وفيرا، هذا فقر القدر.
وسيدنا الصديق افتقر، لكن افتقاره كان افتقار الإنفاق، يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله، فهناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الكسل صاحبه مذموم، وفقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه محمود.
كنا مرة في مؤتمر إسلامي ضخم في ماليزيا، فألقيت كلمة، ووجهت للأمة العربية، والكلمة مؤلمة جداً، قلت: أنتم في بلادكم تعزون أخطاءَكم إلى القدر، وهذا سبب تخلفكم، تقولون: ما كتب للأمة النصر، انتظروا النصر، إنه لا يأتي بالانتظار، بل يأتي بالعمل:

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
الأخذ بالأسباب أمر ضروري شرعا وعقلا:

لكن نمط المسلم المعاصر نمط غير مقبول إطلاقاً، لا يفعل شيئًا، سيدنا عمر رأى مع رجل جملا أجرب قال: << ما تفعل يا أخا العرب ؟ قال: أدعو الله له، قال: هلاّ جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
خذ بالأسباب، << هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
قد يسافر المسلم، ولا يراجِع مركبته، وقد يكون فيها أخطاء كبيرة جداً، يمشي بسرعة عالية وما ليس معه مكابح، فوقع حادث، فيقول: سبحان الله ! هذا قضاء الله وقدره، لا، هذا جزاء التقصير، القضاء والقدر شيء آخر، لما تراجع المركبة، تراجع المكابح، تراجع العجلات، تراجع كل شيء في المركبة تقول: يا رب، توكلت عليك، ولحكمة بالغة وقع حادث، هذا الحادث قضاء وقدر، إياك أن تفهم القضاء والقدر أن نتائج أخطائك هي قضاء وقدر، نتائج أخطائك جزاء التقصير، والقضاء والقدر حينما تأخذ بكل الأسباب، وتتوكل على رب الأرباب، والذي يأتي بعد هذا هو القضاء والقدر، ولهذا البحث له تتمة إن شاء الله في درس قادم.
الموضوع العلمي:
أيها الإخوة، الغرب يزهو بعالم فيزيائي كبير، اسمه إنشتاين، لكن هذا العالِم له عندي مكانة خاصة، هو من ألمانيا، السبب أنه قال: " كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، فهو إنسان حي، ولكنه ميت ".
1 – نظرية النسبية:
هذه الكلمة الرائعة لهذا العالم الذي جاء بنظرية النسبية التي قلَبت مفاهيم الفيزياء في العالم، هذه النظرية ما فحواها ؟
هذه النظرية تؤكد أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء، الضوء سرعته تقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كيلومتر، فالدرس ستون دقيقة، اضرب ستة في ثلاثة، ثمانية عشر، الدقيقة ستون ثانية، عندنا صفر وثلاثمئة ألف خمسة أصفار، وصفر ستة، ثمانية عشر أمامهم ستة أصفار، سرعة الضوء بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، الضوء قطع بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، فهذا العالم اكتشف السرعة المطلقة في الكون، إنها سرعة الضوء التقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، الآن أيّ شيء مشى بسرعة الضوء أصبح ضوءاً ، فهذه الساعة لو أتيح لنا أن نجعلها تنطلق بسرعة الضوء لفقدت كل خصائصها، وأصبحت ضوءاً ، وأيّ جسم يمشي بهذه السرعة يصبح ضوءاً.
2 – الزمن هو البعدُ الرابعُ للأشياء:

لو حركنا نقطة تحريكاً مستقيماً، أقلُّ مفهوم في الهندسة النقطة، لو حركت حركة مستقيمة لشكلت خطاً، لو حرك الخط حركة مستقيمة لشكل سطحاً، هذا خط، أما هذا فهو سطح، لو أن السطح حركناه حركة مستقيمة لشكّل حجماً، هذا الحجم إذا حركناه شكّل زمناً، فقالوا في تعريف الزمن: هو البعد الرابع للأشياء، فهذه الطاولة لها طول وعرض وارتفاع، وهذه الطاولة بعد عشرين سنة يتغير لونها، فتغيُّر اللون هو البعد الرابع، بعد عشرين سنة يكون هذا المكان ثقيلا أكثر من حركة اليدين عليه، ودرج الأبنية القديمة مع الاستعمال الشديد يذهب لونه، وآلة خياطة مستعملة منذ عام 1930 تجد الخيط حافرا حفرة على هذه الآلة.
الزمن البعد الرابع، بالحركة والاستعمال ينشأ تغيرات، هذا القميص له وزن، له أبعاد، لكن عندما تلبسه خمس سنوات يصبح في مكان ما ضعيفًا، واللون يتغير، وكل تطور يأتي بفعل الزمن الذي يعدّ البعد الرابع للأشياء، كل شيء له وزن.
3 – الجماد والنبات والحيوان والإنسان:
بالمناسبة الجماد شيء له وزن، له أبعاد ثلاثة، يشغل حيزاً، هذا الجماد.
النبات شيء يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، لكنه ينمو.
الحيوان يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، يمشي وينمو، النبات لا يمشي، أما الدابة فتمشي.
الإنسان له وزن، ويشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، يكون ابنك طوله أقل منك، وفي الثامنة عشر يصبح أطول منك، ويتحرك، و يفكر، فأنت الميزة الوحيدة التي ميزك الله بها أنك تفكر.
4 – كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً:
نظرية النسبية أن كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، هذا واضح تماماً، وهذا الدرس فيه إضاءة، هذا منبع ضوئي، ونحن مستقبل ضوئي، المستقبل الضوئي يصدر موجات ضوئية سرعتها ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، لو تصورنا أن مركبة فضائية تمشي مع الضوء، هذا الدرس يبقى على ما هو عليه إلى مليارات السنين، لو تصورنا أننا ركبنا مركبة أسرع من الضوء، وسبقنا الضوء لرأينا بهذه العين معركة بدر، هذا شيء علمي، لو سبقنا الضوء لتراجع الزمن، نرى بهذه العين موقعة بدر وأحد والخندق والقادسية واليرموك، لو سرنا مع الضوء لتوقف الزمن، هذا المنظر يبقى إلى أبد الآبدين، لو قصرنا عن الضوء يتراخى الزمن، تكون الساعة في الفضاء الخارجي ألف سنة.
5 – السبق العلمي القرآني في نظرية النسبية:
في مؤتمر الإعجاز الخامس الذي عقد في موسكو طرح موضوع خطير، موضوع أن هذه النظرية العملاقة التي جاء بها إنشتاين مدرجة في بضع كلمات في القرآن الكريم ، الآية:
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
( سورة الحج )
العرب مخاطَبون بهذه الآية، وهم يعدُّون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، ولو أخذنا مركز القمر و مركز الأرض، ووصلنا بينهما بخط، ما هذا الخط ؟ القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، الخط الواصل بين مركز الأرض ومركز القمر يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض.
هل من الممكن أن نعرف طول هذا الخط ؟ طبعاً، نصف قطر القمر يُضاف إليه نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما، هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنان، هو القطر، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر ( البي )، هو المحيط، ضرب اثني عشر، هو السنة، ضرب ألف، ألف سنة، فنصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، والتي نأخذها من نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما ضرب اثنين، القطر، ضرب 3.14 المحيط، ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، أحد الطلاب اليوم يحسبها على الآلة الحاسبة بطريقة سهلة جداً، هذا الرقم هو الشاهد، لو قسمناه على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء لا التقريبية، ولكنها الدقيقة، وهي مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون كيلومتر، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لأن سرعة الضوء تقاس بالثواني، تقسم على ثواني اليوم: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
( سورة الحج )
هذا البحث يزيد على ثمانين صفحة، إلا أنني عرضته لكم ملخصاً، وهذا البحث عرض في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عقد في عاصمة كانت ترفع شعار: ( لا إله )، فقط، ولحكمة بالغة الباطل كما قال الله عز وجل: ﴿ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾
( سورة الإسراء )
زهق الباطل، وعقد مؤتمر في موسكو في الإعجاز العلمي.



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 04:50 PM   #30


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( التاسع و العشرون )

الموضوع : مقومات التكليف : الاختيار -2- الإنسان مسير ومخير -2- لو أن الإنسان مسير لبطل الثواب والعقاب







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، لازلنا في مقومات التكليف: الكون، العقل، الفطرة، الشهوة، الاختيار.
1 – الاختيار يثمِّن العمل:
وفي اللقاء السابق كان الحديث عن الاختيار، وبينت لكم بفضل الله عز وجل كيف أن الاختيار يثمِّن العمل، فقيمة العمل أنك تفعله مختاراً، لأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بين عباده وبينه علاقة حب، وعلاقة ود:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) ﴾
(سورة مريم)
وداً بينه وبينهم، ووداً فيما بينهم، ولو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب، فقيمة عملك أنك تفعله مختاراً.
2 – الإنسان مسيَّر في جوانب محدَّدة :
بينت أيضاً أن هناك قضايا لست مخيَّراً فيها، بل أنت فيها مسيَّر، كما لو عددت هذه النقاط: لسن مختاراً في كونك ذكراً أو أنثى، ولست مختاراً في أمك وأبيك، ولست مختاراً في مكان ولادتك، ولا في زمن ولادتك، ولست مختاراً في خصائصك وخبراتك، وقدراتك وطاقاتك وشكلك، لكن العلماء الأجلاء أجمعوا على أن الذي لست مختاراً به هو محض حكمة بالنسبة لك، عبر عن هذه الفكرة عالم جليل فقال: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، فلما أراد شرحها قال: " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني ".

يوم القيامة إذا كشف لك الغطاء، وتبينت لك الحكمة لا تملك إلا أن تقول: الحمد لله رب العالمين:

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
( سورة يونس الآية: 10 )
لكن الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام ربى أصحابه تربية حملت أحدهم على أن يقول: << والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً >>، فيقيني بحكمة الله، ورحمة الله، وعدل الله قبل كشف الغطاء كيقيني بعد كشف الغطاء، هذه درجة عالية في الإيمان، والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وحملت أحدَهم على أن يقول: << والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي >>.
هذه بطولة في الإيمان، بطولة في الاعتقاد الصحيح.
أيها الإخوة، نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن يكون اعتقادنا صحيحاً سليماً.
إذاً أنت مخير، واختيارك يثمن عملك، وأنت مخير فيما كلفت، كلفت أن تكون صادقاً، أنت مخير في أن تصدق أو لا تصدق، أمرت أن تكون أميناً، فأنت مخير أن تكون أميناً أو لا تكون، كلفت بالصلاة، أنت مخير أن تصلي أو لا تصلي، كلفت بالصوم، أنت مخير أن تصوم أو لا تصوم، أنت مخير فيما كلفت به، فقيمة التكليف أنك مخير فيه، وكل عمل أنت مخير به له قيمة كبيرة، لأنه بإمكانك ألا تفعله. 3 – لا معنى للثواب والعقاب بالتسيير:
وأكدت لكم في لقاء سابق أيضاً أنه لمجرد أن تكون مسيراً فلا معنى للثواب ولا للعقاب، ولا للجنة ولا للنار، بطل التكليف، ألغيت الأمانة، ألغي كل شيء في الدين حينما تتوهم أن الله أجبرك على أعمالك، وهذه عقيدة الجبر، وهي عقيدة فاسدة تشلّ الإنسان، وذكرت لكم من أقوال السلف الصالح كيف أن عملاق الإسلام الخليفة الراشد جيء له بشارب خمر، فقال: << أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين اللهُ قدَّر علي ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين ؛ مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >>.
4 – عزوُ الأخطاء إلى القدَر، والتهرُّب من المسؤولية:
ثم بينت لكم أيضاً أن الإنسان يميل إلى التهرب من المسؤولية، فكل أخطائه وتقصيره يعزوها خطأً متعمداً أو غير متعمد إلى القضاء والقدر، يقول لك: إن الله كتب علي الشقاء، أنت أشقيت نفسك باختيارك، يقول: الله عز وجل ما أعطاني ما أريد، و لم يشأ هدايتي، أعوذ بالله، الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
الله عز وجل ما ألهمني أن أصلي، كل هذا الكلام كلام باطل، ما كتب لي الهداية، ما شاء لي أن أصلي، لم يهدني بعد، هذا هروب من الحقيقة، إياك ثم إياك ثم إياك أن تعزو خطأك إلى القضاء والقدر. كلُّ شيء يقع بإرادة الله ولحكمة وخيرٍ:

وقد بينت أيضاً بشكل واضح أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، بدليل أن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية: 11 )
لماذا هو خير ؟ لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، ولا يقبل ولا يعقل أن يقع في ملك الله ما لا يريد، فالذي وقع أراده الله، بمعنى أنه سمح به، والذي أراده الله وقع، إلا أن هذه الإرادة متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، مِن هنا ينبغي أن نعتقد جميعاً أن الشر المطلق لا وجود له في الكون، الشر المطلق يعني الشر للشر، هذا يتناقض مع وجود الله، لكن الذي يليق بكمال الله أن الله يوظف الشر النسبي للخير المطلق، الدليل: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 26 )
لم يقل: والشر، إيتاء الملك خير، ونزع الملك خير، والإعزاز خير، والإذلال خير:
﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
الخطأ في العقيدة يساوي فساد العمل والشقاء:

مرة ثانية: أخطر شيء في الإسلام العقيدة، فإذا صحت صح العمل، وإذا صح العمل سلم الإنسان وسعد، ولأن أخطر شيء في الإسلام العقيدة لأنها إذا فسدت فسد العمل، وإذا فسد العمل شقي الإنسان وهلك، لذلك يمكن أن نصف الخطأ في العقيدة كالخطأ في الميزان، والخطأ في الميزان لا يصحح، فإحدى الكفتين تزيد مئة غرام على الكفة الأخرى، فلو استخدمت هذا الميزان مئة ألف مرة فالمئة ألف مرة الوزن خطأ، خطأ في أصل الميزان، والخطأ في أصل الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، وأفضلُ ألف مرة أن تخطئ في مفردات التكاليف من أن تخطأ في عقيدتك، فلا بد من مراجعة الحسابات، ولا بد من جرد عقيدتك جرداً دقيقاً، فما كان منها صحيحاً اقبله وتبناه، وما كان منها مغلوطاً فينبغي أن تبتعد عنه.
أيها الأخوة، ولكن لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.

(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
الأدلة على أن الإنسان مخيَّر:
بادئ ذي بدء، ما الدليل على أن الإنسان مخير ؟
للتوضيح والتبيين:هناك أدلة قرآنية، وهناك أدلة نبوية، وهناك أدلة من أقول السلف الصالح، وهناك أدلة واقعية.
1 ـ الدليل المنطقي الواقعي:
وجودُ الأمرِ والنهيِ في القرآن الكريم:

أذكِّركم بهذا المثل: لو قسنا عرض كتف إنسان، قد يكون ثلاثة وستين ونصف سنتيمتر، ثم بَنَيْنا جدارين، الفراغ بينهما ثلاثة وستون ونصف سنتيمتر، فإذا سار هذا الإنسان بين الجدارين، الآن دقق: لو قلنا له: خذ اليمين، هل لهذا الكلام من معنى ؟ هل هذا الكلام يطبَّق ؟ لو قلنا له: خذ اليسار هل لهذا الكلام من معنى ؟ هل هذا الكلام يطبَّق ؟ أتعتقد أن في القرآن الكريم كلام لا معنى له ؟ فإذا كان الإنسان مسيَّراً بحسب زعم الجهلة تسييراً كاملاً، وأنه مجبور على أعماله، فوجود الأمر والنهي في القرآن الكريم عبث، لا معنى للأمر ولا معنى للنهي إذا كان الإنسان مسيراً، هذا دليل واقعي، دليل عقلي، دليل منطقي، ما دام هناك أمر فهناك اختيار، وما دام هناك نهي فهناك اختيار.
إنسان مسجون، وباب الزنزانة مقفل، نقول له: إياك أن تتأخر مساءً، ما هذا الكلام ؟ هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، ما دام هناك أوامر إلهية في القرآن:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (114) ﴾
( سورة هود)
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾
( سورة الإسراء: الآية 78 )
أمرٌ آخر: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 152 )
القرآن طافح بالأوامر والنواهي، فإن لم تكن مخيراً، وكنت مسيراً فكل هذه الأوامر لا معنى لها، وكأنك تتهم القرآن الكريم أن فيه كلاماً لا معنى له إطلاقاً.
أول فقرة في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله أنه لمجرد وجود الأمر والنهي في القرآن وفي السنة فأنت مخير، هذه حقيقة.
2 ـ الأدلة القرنية:
الحقيقة الثانية الآيات القرآنية الواضحة الجلية الآيات قطعية الدلالة:
الآية الأولى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
الآية الثانية:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
الآية الثالثة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
ضمير ( هو ) يعود على من ؟ إذا توهمت أنه يعود على لفظ الجلالة نقول لك: فلمَ قال الله عز وجل بعدها:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
هل من المعقول أن تجلس في المقعد الخلفي للسيارة، وأن نقول لك: خذ اليمين، المقود ليس بيدك، ما دام الأمر موجها إليك:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
معنى ذلك أن المقود بيدك، أما الآية فهي أصلٌ في أنك مخير. الآية الثالثة:
الآية الفصل في أنك مخير قوله تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا (148) ﴾
( سورة الأنعام )
أرأيت إلى هذه الكلمات ؟ ينسحب عليها معظم كلام العوام، الله ما كتب له الهداية، ما شاء له أن يصلي، الله لم يهده بعد، أو ما هداه:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )
هذا وهم وظن، أن تتوهموا، أو أن تظنوا أن الله سبحانه وتعالى ما شاء لكم أن تهتدوا.
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )

كيف نفهم الآياتِ التي ظاهرها التسيير والإجبار ؟ الآن قد يسأل أحدكم: هذه الآيات واضحة محكمة، صارخة، قطعية الدلالة، لكن هناك آيات تحتاج إلى شرح، من هذه الآيات:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾
( سورة السجدة)
كأنك تظن أن الله ما شاء لك أن تهتدي: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة)
الآية تحتاج إلى شرح، يعني: يا عبادي، إنكم تزعمون أنني أجبرتكم على المعصية، أو على أعمالكم السيئة فأنتم واهمون، فلو أردت أن أجبركم على شيء ما أجبرتكم إلى على الهدى، لو أردت أن ألغي اختياركم، أن ألغي تكليفكم، أن ألغي حمل الأمانة، لو أردت أن ألغي الخصيصة التي أنتم بها مخيرون، ولو شئنا أن نجبركم على شيء ما لَمَا أجبرناكم إلا على الهدى، ولكن هذه الأعمال السيئة من اختياركم، ومن كسبكم، وسوف تحاسبون عليها.

الفكرة دقيقة: أنت صيدلي، وبحاجة إلى موظف يعمل بعد الظهر، لكن لا بد لهذا الموظف من ثقافة معينة في الأدوية، فأردتَ أن تمتحنه، الآن هو في طور الامتحان، وضعت له بعض الأدوية على الطاولة، قلت له: هذا المكان أدوية مضادة للالتهاب، هذا المكان أدوية مسكنة، هذا المكان أدوية مقوية، الآن أرني خبرتك في الأدوية، هذه مجموعة أدوية، ضع كل دواء في مكانه، الآن الطور طور امتحان، لو أمسك دواء السموم، وتوجّه إلى مكان الأدوية المقوية، ومنعته فقد ألغيت اختياره، وألغيت الامتحان، الآن هو في طور الامتحان، ومن لوازم الامتحان أن يكون مخيراً، فيجب عليك أن تبقى ساكتا، أخذ هذا الدواء، ووضعه في مكان غير مناسب، لو قلت له: ضع هذا هنا لألغيت الامتحان، ومن لوازم التكليف أن تكون مخيراً.
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة)
أعمالكم محض اختياركم، أعمالكم من كسبكم، وسوف تحاسبون عليها. الآيات المتشابهات مهْما كثُرتْ تٌحمَل على الآيات المحكًمات مهْما قلَّتْ:
إنّ أيّة آية ـ دققوا ـ يُشَمُّ منها رائحة الجبر فلها معنى دقيق جداً كما يلي:
عندنا قاعدة أصولية، لعل هذا الدرس فيه صعوبة، أنه مجرد أفكار دقيقة جداً مع أدلة نظرية، لكن نستعين بالله على شرحها وعلى فهمها، هناك آيات محكمات واضحات جليات، وهناك آيات متشابهات، القاعدة الأصولية: أن الآيات المتشابهات مهما كثرت تحمل على الآيات المحكمات مهما قلَّت، فإذا قلت: القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، معنى خطيرة هذا كلام متشابه، يا ترى خطيرة كالقنبلة تفجره، أم أنها خطيرة تعني هنا أنها مادية أساسية في حياته، ولولاها لما عاش الإنسان، فكلمة ( خطيرة ) كلمة متشابهة، تحتمل معاني كثيرة، أما لو قلت: القمح مادة أساسية مفيدة جداً لحياة الإنسان، فهذه واضحة، فأنا أمام عبارة متشابهة، القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، وأمام عبارة واضحة جلية محكمة، كيف أفهم العبارة المتشابهة: القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، مع المقولة الثانية: القمح مادة أساسية مفيدة جداً لحياة الإنسان، أحمل العبارة المتشابهة على العبارة المحكمة، هذا واضح .
الآيات المحكمة:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
محكمة: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
محكمة: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا (148) ﴾
( سورة الأنعام )
هناك آيات يُشمُّ منها رائحة الجبر: ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93) ﴾
( سورة النحل )
الإضلال الجزائي من الله مبنيٌّ على ضلال اختياري من العبد:
أروع ما قرأت حول هذه الآيات أن هذا الإضلال إذا عزي على الله عز وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، الدليل:
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
لما زاغوا عن منهج الله اختياراً أزاغ الله قلوبهم فعلاً.
للتوضيح: طالب في الجامعة ما داوم ولا ساعة، ولا اشترى الكتب، ولا قدم امتحانا، جاءه إنذار أول فلم يستجب، إنذار ثانٍ فلم يستجب، إنذار ثالث فلم يستجب، صدر قرار من إدارة الجامعة بترقين قيده، هذا القرار فيما يبدو ترقين القيد إلغاء تسجيله، أليس هذا القرار تجسيداً لاختيار الطالب حينما لم يداوم، ولم يلتحق، ولم يشترِ الكتب، ولم يقدم الامتحان ؟ قرار ترقين القيد تجسيد لاختيار الطالب: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
فلما اختاروا الضلال كتب الله عز وجل عليهم الضلال، فالضلال إذا عُزِي إلى ذات الله:
﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93) ﴾
( سورة النحل )
إذا عزي على الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياره، شاهده الدقيق والقوي: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
في اللغة العربية قواعد دقيقة، هذه القواعد فعل أفعل، أغفل، لا يعني أنه خلق الغفلة فيهم، بل يعني أنه وجدهم غافلين: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ (28) ﴾
( سورة الكهف)
نقول: عاشرت القوم فما أجبنتهم، ما وجدناهم جبناء، عاشرت القوم فما أبخلتُهم، ما وجدتُهم بخلاء: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ (28) ﴾
( سورة الكهف)
أيْ: مَن وجدناه غافلاً فقط، إذا عزي فعل الضلال إلى الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري. الإضلال الحُكمي:

شيء آخر، أنت ذاهب إلى حمص، والقصة قديمة جداً قبْل وضعِ اللافتات، وصلت إلى مكان فيه طريقان: طريق يمين وطريق يسار، وأنت في حيرة، وأمامك إنسان واقف، قلت له: مِن فضلك أيّ الطريقين إلى حمص ؟ قال: الطريق الأيمن، قلتَ له: جزاك الله خيراً، قال لك: انتظر، بعد خمسة كيلومترات تقاطع خطر، وبعد سبعة كيلومترات ممر زلق، وبعد كذا كيلو متر جسر ضيق، وفيه تفتيش دقيق إذا كان معك بضاعة ممنوعة، أعطاك معلومات دقيقة جداً، فأنت ازددت له شكراً، أما لو وصل غيرُك إلى هذا المفترق، وأمامه الإنسان نفسُه واقفا قال له: بالله عليك مِن أين حمص ؟ قال: مِن الطريق الأيمن، قال له: أنت كذاب ! هل بإمكان هذا الإنسان أن يعطيه التفصيلات، رفضت مشورته كلياً، هنا الإضلال السلبي، أنت حينما أعرضت عن الدين كلياً فكل تفاصيل الدين بَعُدت عنك، وكأن الله أضلك، بمعنى أنه مَنَعك من تفاصيل كانت تسلمك وتسعدك، هذا معنى آخر من معاني الضلال.
أيها الإخوة الكرام، إذا عزي فعل الضلال إلى الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، وعندنا إضلال حكمي، فحينما رفضت الدين أصلاً مُنِع منك كل التفاصيل التي يمكن أن ترشدك إلى الحق، وحينما رفضت الدين كله أصلاً مُنِع منك بعد أن قلت: أنت كاذب، لهذا الدليل الذي معه معلومات دقيقة جداً، كان من الممكن أن تنتفع بها، لكنك رفضت مشورته وعلمه كلياً، فمُنِعتَ من كل التفاصيل التي يمكن أن تنقذك مما أنت فيه، هذا الضلال حكمي.
الإضلال الحُكمي:
عندنا ضلال آخر، الله عز وجل يضل العباد عن شركائه:
﴿ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا (37) ﴾
( سورة الأعراف)
حينما تعلق الأمل على إنسان، وتنسى الواحد الديان، الله عز وجل بشكل واضح يضلُّك عنه، أو يضلّه عنك، يخيب ظنك، عقدت الأمل على إنسان قوي وقريب لك، ونسيت الله عز وجل، الله عز وجل يضلك لمصلحتك، أي يلهمه أن يتخلى عنك، وأن يتنكر لك، هذا إضلال من الله، أضلك عنه، وأضله عنك، غيرة عليك.
الصحابة الكرام هم قمم البشر، في حُنين وجدوا أنفسهم عددًا كبيرًا لم يسبق في الجزيرة أن اجتمع عشرة آلاف إنسان، فقالوا مطمئنين: لن نُغلَب اليومَ مِن قِلَّة، اعتمدوا دون أن يشعروا على كثرتهم، الله عز وجل أضلَّهم عن كثرتهم، ولم ينتفعوا بكثرتهم: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
هذا ضلال آخر، هذا ضلال لمصلحة التوحيد، حينما تتوهم جهة قوية تعتمد عليها، وتنسى الواحد الديان يلهم اللهُ هذه الجهةَ القوية أن تتخلى عنك، وأن تتنكر لك، تأديباً لك على هذا الشرك الخفي، وهذا أيضاً نوع من أنواع الإضلال، الإضلال عن الشركاء، وأيّة جهة تعتمد عليها، وتثق بها، وتنسى الله عز وجل يلهمها أن تتنكر لك.
قال لك صديق حميم: أنا بخدمتك، فاطمأننتَ، وقعتَ في مشكلة، دخلت عليه فتجهم في وجهك، لم يقل لك: تفضل اجلس، ما الموضوع ؟ أنا في مشكلة، قال لك: لا علاقة لي، هذا شيء خلاف صلاحياتي، أعتذر، أنت تُصعَق، هذا ضلال آخر من أجل التوحيد.
في هذا الدرس إن شاء الله تبين أن الإنسان مخير، ولو أنه مسير لبطل الثواب، ولبطل العقاب، << إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلَّف يسيراً، ولم يكلِّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مكرهاً >>. الموضوع العلمي: خَلْقُ الإنسانِ:
ننتقل الآن إلى الموضوع العلمي.
1 – عجائبُ خَلق الله هي أثرٌ مِن علْمِه:
هناك مقولة رائعة: أن كل ما في الكون من عجيب خلق الله: المجرّات، المذنَّبات، النجوم، الأرض، الجبال، الصحارى، الأنهار، البحيرات، الأسماك، الأطيار، النباتات، الإنسان، أن كل هذه العجائب عجائب خلق الله عز وجل هي أثرٌ من علم الله، ولنأْتِ على بعض التفاصيل في خلق الإنسان.
أيها الإخوة الكرام،

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين )
2 – البويضة الملقحة:

ضع بعض لعابك على رأس أصبعك، وضع يدك على ملحٍ، دون أن تضغط، بأقلِّ مسٍّ ممكن، وائتِ بمكبر، فإنك سترى ذرات صغيرة جداً من الملح، البويضة التي تُلقح مِن قِبل النطفة بحجم ذرة الملح، هذه البويضة الملقحة، هذه البويضة الملقحة بعد حين بعد، بعد تسعة أشهر تصير طفلا.

3 – شَعر الرأس:

مقطع في الشعرة

في رأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان، وعضلة وعصب، وغدة دهنية وغدة صبغية، ما هذا الخلق في رأس الإنسان، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان، وعضلة وعصب، وغدة دهنية وغدة صبغية. 4 – دماغ الإنسان:

دماغ الإنسان

في دماغ الإنسان مئة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء، إلى عام ألفين تقريباً لم تُعرَف وظيفتها، فوقها أربعة عشر مليار خلية قشرية، فيها الذاكرة والمحاكمة، والاستنباط والاستنتاج، والبصر والسمع والنطق، الخلايا القشرية، والدماغ أعقد شيء في الوجود، وهو عاجز عن فهم ذاته، هنا مكان الحكم: ﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) ﴾
( سورة العلق )
الأحكام هنا، وفي مكان آخر الرؤية، ومكان آخر السمع، ومكان آخر الذاكرة، حجمها بحجم حبة العدس، فيها ستون مليار صورة، الدماغ يقوم بوظائف يعجز عن فهمها هو:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾
( سورة الطور)
والدماغ خلاياه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير. 5 – العين:

العين

العين لها قرنية، وهي طبقة شفافة شفافية مطلقة، شفافة لأن لها خصائص تتميز بها ؛ أن العين تتميز بخاصة تنفرد بها في أن خلايا القرنية تتغذى عن طريق الحلول، لا عن طريق الأوعية الشعرية، ولو تغذت عن طريق الأوعية الشعرية لرأينا ضمن شبكة، ولكن هذه الطبقة في العين المتميزة التي أراد الله أن تكون شفافة شفافية مطلقة من أجل دقة الرؤية: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
( سورة المؤمنون )
في شبكية العين عشر طبقات، ومجموع العصيات والمخاريط في الشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، بمعنى أن مساحة الشبكية ميليمتر وثلث، بواقع ميليمتر في مئة مليون مستقبل ضوئي، وأكبر آلة رقمية احترافية في التصوير في الميليمتر عشرة آلاف مستقبل:
﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، وأن اللون الواحد لو درج ثمانمئة ألف درجة لتمكنت العين السليمة من إدراك الفرق بين درجتين. ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
الأجفان، والجسم البلوري، وماء العين لا يتجمد، العين فيها ماء فيه مادة مضادة للتجمد، ففي بلد بارد في بلاد الشمال بلاد المنطقة المتجمدة تهبط الحرارة إلى سبعين درجة تحت الصفر، لو لم يكن في العين هذه المادة لفقد الإنسان بصره، مِن تجمدِ هذا الماء، لكن الله عز وجل أودع في هذا الماء مادة مضادة للتجمد. 6 – حاسة الشمِّ:

حاسة الشم

العصب الشمي ينتهي بعشرين مليون نهاية، وكل عصب فرعي ينتهي بسبعة أهداب، وكل هدب مغطى بمادة لزجة تتفاعل مع الرائحة، فيتكون شكل هندسي، الشكل هندسي الرمز الرائحة يشحن إلى الدماغ، فيعرَض على الذاكرة الشمية، فيها عشرة آلاف رمز، فحينما توافق الرمزان تقول: في بالأكل النعناع ؟ الشم شيء رائع جداً، والذوق، والرؤية، والسمع، وما مِن جهاز عندنا من صنع الإنسان في آن واحد يكبر الصوت ويخمد الصوت إلا غشاء الطبل الذي خلقه الله، الصوت العالي يخمده، والصوت المنخفض يكبره، فهو جهاز تكبير وتخميد في آن واحد. 7 – القلب:
القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم، ما هذه المضخة، لا تكلُّ، ولا تمل، إلى أن ينتهي الأجل فتقف.
إن الطبيب له علم يدل بـــه إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلتـه حار الطبيب وخانته العقاقيــر
***



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الاعجاز, العقيدة


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
و الناظر في هذه العقيدة ... ناصح أمين رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 6 01-21-2019 07:21 AM
العقيدة الطحاوية السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 22 09-16-2018 02:18 PM
[ذائقة نورانية] العقيدة الاسلامية السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 68 06-21-2018 03:20 PM
من الاعجاز القرآني ابوفهد رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 4 08-30-2016 10:03 AM
الاعجاز الاقرآني دلير عبدالله رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 5 09-08-2013 12:41 PM


الساعة الآن 08:54 AM