سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-22-2018, 08:59 AM   #11


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( العاشر )

الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -2-دقائق المنهج الإلهي في خصائص النفس







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
إيضاحات حول مقومات التكليف:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العاشر من دروس العقيدة والإعجاز، تحدثنا في يوم سابق عن الفطرة، ولكن لا بد من بعض الإيضاحات.
1 – الإنسان كائن متحرك:
الإيضاح الأول: الإنسان كائن لكنه متحرك، ما الذي حركه ؟ الطاولة كائن، لكنه جامد، لو وضعت هذا الكأس على الطاولة مئة عام فهو في مكانه، أما الإنسان فكائن متحرك.
2 – حاجة الطعام والشراب والجنس والذِّكر سببُ حركته:

ما الذي يجعله متحركاً ؟ أن الله أودع فيه حاجةً إلى الطعام، يريد أن يأكل، أن يشرب، أن يتنفس، ثم يتزوج، ثم ينجب، لأن الله أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، وأودع فيه حاجة إلى الطرف الآخر على المرأة على بقاء النوع، وأودع فيه حاجة إلى تأكيد ذاته حفاظاً على الذكر، لولا هذه الحاجات الثلاث لكان الإنسان كائناً سكونياً.7
لولا هذه الحاجات الذي أودعها الله في الإنسان لما رأيت شيئاً على وجه الأرض، ما رأيت بيتاً، ولا طريقاً ولا جسراً، ولا مدرسةً ولا جامعة، ولا مستشفى ولا حديقة ولا شيء، الكائن الجامد لا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك الكائن الجامد، ولا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك، بينما الإنسان يحتاج إلى أن يأكل فيخرج من بيته ليبحث عن عمل، ويشتري بأجرة العمل الطعام والشراب، ثم صار في سن الزواج فيبحث عن زوجة، فيضاعف جهده يعمل بعد الظهر حتى يتزوج، أنجب الأولاد، ثم يحتاج إلى أن يكون شيئاً مهماً، هذا دافع تأكيد الذات، إذاً: الإنسان كائن متحرك، وليس شيئاً جامداً.
3 – الله سمح لنفسِه العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته:
نحن في درس سابق قلنا: إن الله عز وجل خالق، لكن سمح لذاته العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته كيف ؟ قال تعالى:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾
( سورة المؤمنون)
الله عز وجل سمى الإنسان خالقاً مزاجاً، كي توازن بين صنعة الإنسان وصنعة الواحد الديان، لكن خلق الله يخلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما الإنسان يخلق شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، فالغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطير، حتى العجلة تقليد لجذع شجرة يدور، فالإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، لكن الله عز وجل يصنع كل شيء من لا شيء، ومن دون مثال سابق.
إنّ الإنسان يصنع طاولة، يصنع كأسًا، كرسيًا، يبني بناء، كلها جمادات، لكن الإنسان ما صنع طاولة ذكرا وطاولة أنثى، وقال لها: تزوجوا يأتيكم آلاف الطاولات الصغيرة، أما الله عز وجل فجعل من كل زوجين اثنين، النبات يتوالد، والحيوان يتوالد، فلو اشترى شخصٌ سيارة فليس معقولا بعد سنة يرى سيارة أصغر منها فصارت اثنتين، أما أن يشتري حصانا فإنه يلد حصانا كل سنتين.
التوازن:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
الله سمى الإنسان خالقا مجازاً، وازن بين كُلية طبيعية بحجم البيضة صامتة هادئة، لا تشعر بوجودها، تصفي لك الدم في اليوم خمس مرات، وأنت تعمل، وأنت نائم، وأنت في عملك، وأنت راكب مركبتك، وأنت في الطريق تتنزه، أما الكلية الصناعية فبحجم نصف الطاولة، ولا بد من أن تستلقي على فراش ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، كل مرة ثلاثة آلاف ليرة، تسعة آلاف ليرة كل أسبوع من اجل تصفية الدم، لما قال تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
من أجل أن توازن بين صنعة الله، صنع الله الذي أتقن كل شيء، وبين صنعة الإنسان.
الفطرة:
1 – معرفة الهدف لرؤية الوسائل إليه:

الآن لازلنا في موضوع الفطرة، حينما تعرف الهدف تبرز أمامك الوسائل، وأخطر شيء في دروس العقيدة أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ لماذا خلقت ؟ حينما تعرف الهدف لماذا خلقك الله عز وجل تنبع أمامك الوسائل.
بصراحة إذا أرسل الأب ابنَه إلى باريس لينال الدكتوراه، يحمل إجازة في الطب من بلده، وأراده أن يكون متخصصا من بلد غربي، مدينة طويلة عريضة واسعة، فيها مقاصف، فيها ملاهٍ، فيها نوادٍ ليلية، فيها دور سينما، فيها معاهد، فيها متاحف، فيها حدائق، فيها بيوت سكن، فيها نهر، وفيها جامعة، الطالب الموفق يعلم أن علة وجدوده في هذه المدينة شيء واحد ؛ أن ينال الشهادة، لذلك إذا عرف علة وجوده تنبع أمامه الوسائل، وهذا مثل ضربته كثيراً، فأنت في فرنسا أو باريس من أجل الدكتوراه، أول عمل: تستأجر بيتا قريبا من الجامعة، وتوفر الوقت والجهد والمال، تصاحب صديقا يتقن الفرنسية، لا تصاحب صديقا عربيا تتكلم معه باللغة العامية حتى تضر بك أن تتكلم الفرنسية، تشتري مجلة تتعلق باختصاصك، تأكل أكلا خفيفا يعينك على الدراسة، إذاً: البطولة أن تعرف الهدف لماذا أنت في الدنيا ؟ واقرأ القرآن الكريم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
( سورة الذاريات)
2 – لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف هدفه:
لذلك احفظوا هذه القاعدة: لا تصح حركة الإنسان في الأرض إلا إذا عرف هدفه، لذلك أحد الإخوة الكرام درَس في أمريكا إدارة أعمال، قرأ آية والله اقشعر جلده، قال: والله هذه الآية تلخص دراسة عشر سنوات، ما هي الآية ؟ ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
( سورة الملك)
هدفه واضح، المؤمن يعيش حياة متميزة، هدفه الله، لذلك وسائله كلها في خدمة الهدف، يهمه أن يكون ساكنا في بيت فقط، لا يهمه بيت له مساحة معينة، إطلالة معينة، لا يضطر أن يأكل مالا حراما ليقتني مثل هذا البيت، يهمه مأوى، يهمه زوجة تحصنه، يهمه دخل يغطي نفقاته، يهمه أن يحقق رسالته، يهمه أن يحقق هدفه في الحياة، يهمه أن يتعرف على الله، فترى المؤمن واعيا جداً، وهدفه واضح، وسائله واضحة، يمشي قُدُماً في طريق هدفه، فإذا عرف الهدف صحت الحركة، فبالحركة يمتحن الإنسان، فيصدق أو يكذب، يخلص أو يخون، يتقن أو لا يتقن، ينصف أو يجحد، يرحم أو يقسو، هنا المشكلة، وأنت تتحرك من أجل كسب رزقك، وأنت تتحرك بعد زواجك، وأنت تتحرك من أجل تأكيد ذاتك تمتحن.
3 – الإنسان مخيَّرٌ وشهواته حيادية:

الإنسان مخير، ولأنه مخير كل شيء في حياته حيادي، قال تعالى:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾
( سورة آل عمران)
حب المرأة، وشهوة المرأة حيادية، ومعنى حيادية أنه يمكن أن تتخذ من هذه الشهوة سُلّماً ترقى بها، ويمكن أن تتخذ من هذه الشهوة دركات تهوي بها، تماماً كالوقود السائل في المركبة، هو هُو، ضعه في المستودع المحكَم ليسيل في الأنبوب المحكم، لينفجر في الوقت المناسب، فيولّد حركة نافعة، ضعه فوق المركبة، أعطه شرارة يحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هو هُو، الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بها.
إنسان شاب تزوج امرأة صالحة، فأنجب منها عشرة أولاد، خمس بنات، وخمسة ذكور، رباهم تربية دينية، الله عز وجل رزقه بأصهار مؤمنين، ترى هذا البيت مباركا، والله البيت مثل الجنة، مع أن الدخل وسط، لكن فيه حب، فيه هدف، فيه تصرف صحيح، فيه عقيدة، فيه عبادة، فيه صلة بالله، فيه هدف كبير.
4 – الإنسان مبرمج برمجة عالية:
أنا أقول: لأن الفطرة تكشف الحق من الباطل، والخير من الشر، وما يصح وما لا يصح، وما ينبغي وما لا ينبغي، فأنت مبرمج برمجة عالية جداً.
الآن حدثني أحد الطيارين عن أحدث الطائرات، ما فيها ولا ساعة، شاشات مغشاة، شاشة حليبية، ما دام لا شيء على الشاشة فكل شيء على ما يرام، إذا كان خلل تظهر رسالة، إذا كان لونها أسود فسهل جداً أن تعالجها، هناك جهاز آخر يعطيك على ورق كيف تعالج هذا الخلل، إذا كان الخلل ليس أسود اللون، لكنه لونه برتقالي، فهذا الخلل معه خطر، لكن ليس خطرَ سقوط، ومعالجته ممكنة، وأحياناً الرسالة على الشاشة باللون الأحمر الداكن، هذا خطر سقوط، فالطائرة مبرمجة، مادام لا خبر فالأمور على ما يرام، أيّ خلل تظهر رسالة، هكذا الفطرة، ما دمت مستقيما مرتاحا تنام نوما عميقا، تتعامل مع الناس تعاملا صحيًّا، لكن لما ترتكب خطأ لو لم يعلم به أحد ينشأ خلل داخلي، عندك ضيق، قلق، كآبة، تسأل، تدقق، تبحث، أنت مبرمج ومولّف على أنك إذا أخطأت عندك مشعر ذاتي، أنك أخطأت، والآن تقريباً حتى السيارات فيها شاشة، الأنواع الحديثة جداً، أيّ خلل في المركبة تظهر رسالة.
قال لي أحد الإخوة، إنه اشترى مركبة حديثة، قال له: قف فوراً، فإن لم تقف أطفأت لك المحرك، هناك نقص زيت حاد، قد يحترق المحرك.
أنت مبرمج أعلى برمجة أنت مبرمج أنك إذا أخطأت شعرت أنك أخطأت، البر ما اطمأنت له النفس، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلعه عليه الناس.
5 – لابد من الامتحان والابتلاء:
إذاً: الحركة من خلالها تمتحن، تكون صالحاً أو طالحاً لا سمح الله، الحركة من خلالها تكون محسناً أو مسيئاً، منصفاً أو جاحداً، مستقيماً أو منحرفاً، صادقاً أو كاذباً، مخلصاً أو خائناً، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
علة وجودك على وجه الأرض أنك ممتحن، قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة الجاثية)
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
( سورة العنكبوت)
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾
( سورة آل عمران)
اعلم علم اليقين أنك في دار امتحان، (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

[ ورد في الأثر ]
الناس قسمان لا ثالث لهما:صالح وطالح:
الآن بشكل مختصر: إذا قلنا: فلان له عمل صالح، ما معنى عمله صالح ؟ يعني أنه منضبط بمنهج الله، وبنى حياته على العطاء، الانضباط صفة سلبية، والعطاء صفة إيجابية، منضبط، ويعطي، منضبط لا يكذب، لا يسرق، لا يغتاب، لا يخون، كلها لاءات أو ماءات، يقول لك: أنا ما أغلط، ما آكل مالا حراما، ما أقصّر، ما أتأخر، ما أغش، هذه الاستقامة، وقدمت من وقتي، من مالي، من علمي، من خبرتي، فكلمة صالح تعني أنك منضبط، ومعطٍ، لذلك يمكن أن يندرج الناس جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم، وأنسابهم وطوائفهم، ومذاهبهم في نموذجين، نموذج عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج وغفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء لخلقه، فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة، هذا التقسيم القرآني:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾
( سورة الليل)
حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً:

الآن أتمنى عليكم أن تدققوا فيما أقول: حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً، لأنك إذا كنت أخلاقياً فأخلاقيتك ثمن الجنة، أنت خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض، ثمن هذه الجنة أن تزكي نفسك كي تكون أخلاقياً، أن تحملها على طاعة الله كي تتصل بالله، كي تشتق من الله كمالاً يؤهلك لدخول الجنة، هذا كلام دقيق جداً، تتعرف إليه، تنضبط بمنهجه، تقبل عليه، تشتق منه الكمال، هذا الكمال ثمن الجنة، لذلك قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
( سورة آل عمران)
لولا الرحمة التي أودعها الله في قلبك لم تكن ليناً لهم، بل كنت فظاً غليظ القلب، قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
( سورة آل عمران)
الفطرة مرسخة في الإنسان ولو لم يكن له علم:
أيها الإخوة الكرام، الآن بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه القرآن الكريم، ومعه الوحي والأحاديث مئات ألوف، الأمور واضحة جداً، لكن هذه المرأة التي اسمها خديجة رضي الله عنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام قبل نزول الوحي لما جاءه الوحي، وقال: دثريني دَثريني، ماذا قالت له ؟ قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك تحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر، هذه فطرتها، كلام فطري ما فيه قرآن ولا في سنة ولا في أحديث، ولا علم، ولا كليات شريعة، على الفطرة، إنسان صادق أمين عفيف، يقري الضيف، يطعم الفقير، يعين الأسير، يحمل الكَلّ، يعين على نوائب الدهر، قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، هذه الفطرة.
أنا أذكر أحد أصدقائي سافر إلى هولندا، رأى إعلانا عن هاتف خلوي، رجل دين على رأسه قبعة كهنوتية، والأنوار تشع منه، مرت فتاة متفلتة ملأ عينيه منها، فسقطت هذه القبعة عن رأسه، وقطع عن ربه، هذا الإعلام بمجتمع متفلت ما فيه شيء حرام، لكن هذه الفطرة حتى في المجتمعات المتفلتة، يقول لك: فضيحة ما، الفضيحة جنسية، الزنا غير محرم عندهم، لمَ هو فضيحة ؟ بالفطرة، الفطرة ثابتة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
( سورة الأعراف)
أي إنسان على وجه الأرض عنده الخطأ خطأ، والصواب صواب، والانحراف انحراف، والأذى أذى، فلذلك أنت مبرمج ومولّف توليفاً رائعا، لذلك قال الله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة الجاثية)
الفطرة لا تقبل ذلك إلا أن المحسن محسن، والمسيء مسيء، المحسن مكافَأ عند الله، والمسيء معاقَب.
أحياناً تقع مشكلة فترى الناس على اختلاف مشاربهم يعتقدون أن المسيء ناله عقاب، والمحسن نجاه الله هذه فطرتهم.
والله أيها الإخوة، بحث الفطرة بحث عميق جداً، ودقائق الشرع مركزة في أعماق أعماقك، والعمل الطيب في فطرة.
سمعت عن سائق سيارة بمدينة في أمريكا وجد محفظة فيها عشرة آلاف دولار، بحث عن صاحبها، ثمّ سلمها للشرطة، وأخذ إيصالا فيها، والمبلغ عداً ونقداً، بعد حين حاكم الولاية دعا أكثر المدارس الثانوية لحفل تكريم لهذا السائق، إنسان بحث عن صاحبة هذه المحفظة التي فيها عشرة آلاف دولار، عدّ هذا العمل في بلد كله جرائم، وكله تفلت عد عملاً عظيماً، الحق حق، والخير خير، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان.
بالفطرة أنت مبرمج على الحق، مبرمج على الإحسان، على الصدق، على الأمانة، على العفة، مبرمج على الحلم، فإذا فعلت شيئاً وفق برمجتك ارتحت.
تعب الطاعة ثمنها السعادة والراحة النفسية:
إنّ أكبر راحة يرتاح لها المؤمن حينما تأتي حركته في الحياة موافقة لفطرته، هذا المحل التجاري ما هدفه الأول ؟ أن يبيع، وأن يربح، فصاحب المحل إذا جاء إلى المحل، وعليه ضغط شديد، من يشتري، تحميل بضاعة، شحن بضاعة، تسجيل ثمن بضاعة، تراه اثنتي عشرة ساعة ما ارتاح، هو في قمة السعادة، لأن هذه الحركة تتناسب مع أصل إنشاء هذا المحل، لو أن السوق كاسدة، وهو قاعد، أحضروا له قهوة، ثم الشاي، ثم مجلة، ثم جريدة، تراه مسموم البدن، أنت مرتاح، هذا المحل برمجته أن يبيع ويشتري، فإذا تعب تعباً لا يحتمل من البيع والشراء هو في قمة السعادة.
أيها الإخوة الكرام، النقطة الدقيقة أنت مبرمج على طاعة الله، فإذا أطعته، ولو أن طاعته متعبة، صلاة فجر، وغض بصر، وضبط لسان، وإنفاق مال، لكنك في قمة السعادة، ولو أن الراحة مريحة لتركت الصلاة، ولملأت عينك مما لا ينبغي، ولو فعلت شيئاً لا ينبغي وأنت مرتاح فأنت في حضيض الشقاء.

لذلك أيها الإخوة، القضية دقيقة جداً، أنت حينما تأتي حركتك في الحياة موافقة لهدفك تكون أسعد الناس، لذلك أي إنسان يتوب توبة نصوحا نقول: لقد اصطلح مع فطرته، وهذا الذي ذهب إلى بلد غربي، ودخل إلى فندق ورأى لوحة على السرير كتب عليها: " إن لم تنَمْ فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك، إنها كثيرة "، وهناك حالة اسمها الانهيار الداخلي، لما يقترف الإنسان شيئًا لا يجوز يحس بانهيار داخلي، لو لم يعلم أحد بخطئه فهذه الكآبة، والآن أكبر مرض منتشر الكآبة، الكآبة عقاب الفطرة.
إذا كنت ماشيًا في الطريق، وجدت خطًّا عالي التوتر، وعليه لوحة كتب عليها: " ممنوع الاقتراب، خطر الموت "، لما تقرب هل يعاقبك أحد ؟ لا، التيار يعاقبك، لا شرطي، ولا مخالفة، ولا حجز مركبة، ولا توقيف، لكن هذا التيار إذا دخلت إلى ثمانية أمتار قبله يصبح الإنسان كالفحمة.
دقق حينما تخطأ التصور ما أحد يعاقبك، لكن نفسك تعاقبك، تحس بكآبة، بضجر، ترى أمراض الناس الآن من المعاصي، اعتدى على عرض، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
مرة قال لي أخ: غلطت غلطة، قال: والله من ثلاث وعشرين سنة ما تغادر مخيلتي هذه الغلطة، الخطأ نفسه يعاقبه، الانحراف نفسه يعاقبك، الذي عنده شفافية، الذي عنده نفس شفافة، لو ما أحد بلغه ما فعلت، حسب الإنسان عقاباً له أن ذاته تعاقبه.
الإيمان مضمون أخلاقي:
أريد من هذه المقدمة أن أصل إلى أن جوهر الدين الخلق، الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
النبي عليه الصلاة والسلام كان سيد الخطباء، كان سيد العلماء، كان قاضياً، كان فصيحاً، كان قائداً، كان زعيماً، لكن لما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه ؟ قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم﴾
( سورة القلم)
خلق، منه التزام، انضباط، سمو، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تفهم الدين شعائر، الدين خلق، الدين استقامة، الدين انضباط، الدين ورع، الدين رحمة، الدين تسامح، الدين عفو، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، وأنت ممتحن في الدنيا من أجل أن تكون أخلاقياً، فتستحق الجنة، فإن لم تكن كذلك فلا قيمة لعبادتك.
أيها الإخوة، كلكم يعلم أن في الأحاديث صيغة مشهورة: " ليس منا "، وهي من أشد أنواع الوعيد، أنت لست من المسلمين، شيء مخيف:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَسَأَلَهُ: كَيْفَ تَبِيعُ ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ))
[ أبو داود ]
لا قيمة لا لصلاته، ولا لصيامه، ولا لحجه، ولا لزكاته.
(( ليس منا من انتهب أو سلب ))
[ الطبراني عن ابن عباس بسند فيه ضعف]
هناك أشياء تخرجك من ملة المسلمين .
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ))

[ أبو داود ]
لو تتبعت الأحاديث الشريفة التي تبدأ بـ: " ليس منا " لرأيتم عجباً عجاباً، أشد أنواع الوعيد أن يأتي الوعيد بعد قول النبي عليه الصلاة والسلام: " ليس منا ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))
[ أبو داود ]
أن تفسد علاقة زوجين، أن تفسد علاقة أخوين، بين أم وابنها، بين أب وابنه، بين شقيقين، بين شقيقتين، ليس منا، نفى عنك أن تكون من المسلمين، وأتمنى عليكم أن تتبعوا الأحاديث ليس منا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ))
[ البخاري ]
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))
[ الترمذي ]
لذلك أيها الإخوة، المضمون أخلاقي،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ))
[ ابن ماجه ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ البخاري، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]
ومن حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، نادى منادٍ: أن لا لبيك، و لا سعديك، وحجك مردود عليك. ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
( سورة التوبة: الآية 53)

الذي أتمناه أن يكون واضحاً لديكم أن الإيمان مضمون أخلاقي، والآن المسلمون يزيدون على مليار وخمسمئة مليون، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولأعدائهم عليهم ألف سبيل وسبيل، أين وعود الله عز وجل ؟ أين قول الله عز وجل ؟
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
( سورة الصافات)
أين قول الله عز وجل ؟ ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
(سورة غافر)
أين قول الله عز وجل ؟ ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
(سورة الروم)
أين قول الله عز وجل ؟

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
( سورة النور)

البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة توافقاً مطلقاً:
دققوا أيها الإخوة، الإسلام بني على خمس، هذه الخمس ليست هي الإسلام، الإسلام هذا البناء الذي بني على خمس دعائم، بني الإسلام على خمس، الإسلام بناء أخلاقي، البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، فما من أمر أمرك الله به، وما من نهي نهاك عنه إلا ومركوز في أصل فطرتك لمجرد أن تطيع الله تشعر براحة لا توصف، والله كأن جبال أزيحت عن كاهلك، دخلك حلال، نصحتَ للمسلمين، الطبيب نصوح، المحامي صادق، المهندس أمين، المدرس مخلص، التاجر صدوق، العامل متقن، الموظف خدوم، هذا المؤمن والله أيها الإخوة، لو كان المجتمع كما ينبغي لكنا في جنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ))
[ الترمذي ]
دينك الإسلامي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، ولمجرد أنك أطعت الله، أو خضعت لقوانين فطرتك كانت النتيجة واحدة، تحس بسعادة، براحة نفسية، بتألق، بإقبال، المؤمن يصغي إلى صوت الفطرة، ومن أجمل ما مدح به الإسلام أنه دين الفطرة.
الله عز وجل خلق الذكر والأنثى، فلمَ خلقهما ذكراً وأنثى ؟ من أجل الزواج، الآن أي منهج يحرم الزواج فهو خلاف الفطرة، قال تعالى:
﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾
( سورة الحديد)
ولأنهم خالفوا فطرتهم ما رعوها حق رعايتها.
أحياناً ترى فضائح غير معقولة جداً، لأن هذا ابتدعوه هم، وما كتبه الله عليهم، بل كتبوه هم على أنفسهم، ولأنه خلاف الفطرة ما رعوها حق رعايتها، لذلك صحابي جليل في أعلى درجات القرب من الله أهمل زوجته، جاءت إلى السيدة عائشة بثياب بالية، سألتها عن حالها فقالت: إن زوجها صوام قوّام، في النهار صائم، وفي الليل قائم، كانت أديبة، النبي استدعاه، قال: أليس لك بي أسوة ؟ أنام وأقوم، أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، هذه سنتي، إن لجسدك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، الزائر، ولجسمك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه، يبدو أنه انصاع للنبي، والتفت لزوجته، ونالت منه حقها، في اليوم التالي ذهبت إلى السيدة عائشة عطرة نضرة متألقة، فقالت: ما الذي حلّ بكِ ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس، انظر إلى الأدب الراقي.
الإسلام دين الفطرة:
ديننا دين الفطرة، إنسان لا يتزوج، ليس من الفطرة، إنسان لا يشتغل، ليس من الفطرة، أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد صحابي وهي خشنة، قال: إن هذه اليد يحبها الله ورسوله، الدين دعم الأسرة، دعم العمل، دعم الترتيب والأناقة والنظافة، قال:
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ ))
[ أبو داود وأحمد عن أبي الدرداء ]
أي شيء تحبه أنت وارد في دينك، أي شيء تكرهه منهي عنه في دينك.
أبلغ مِن ذلك، الله سمى الأعمال الصالحة معروفاً، فلمَ سُمّيت معروفاً ؟ لأن الفطر السليمة تعرفه ابتداءً من دون تعليل، ولمَ سمّيت الأعمال القبيحة منكراً ؟ لأن الفطر السليمة تنكره ابتداءً، لذلك المعروف فطري.
الإنسان البار بوالديه إن كان في مجتمع متدين إسلامي أو غير إسلامي، مجتمع ملحد، مجتمع متفلت، مجتمع إباحي، الإنسان الذي يبر والده محترم في أي مجتمع، لأن هذا من الفطرة.
إذا سافرت إلى بلاد عديدة ترى فطرة سليمة، إنسان يساعدك في المطار، حدثني أخ قال: وصلت إلى المطار ما معي قطع نقدية صغيرة، بحاجة إلى عربة أضع عليها محافظي، جاءت امرأة دفعت عنه، بالفطرة، الخير مركوز في أصل الفطرة، ودقق، اعمل عملا طيبا تشعر براحة لا توصف.
أقسم لي أخ بالله قال: وجدت في الطريق امرأة تضم صبيا، وتبكي، وإلى جانبها زوجها، توقفت، خير، في أثناء أحداث لبنان، الابن حرارته إحدى وأربعين، وامرأة غريبة لا تعرف، ماذا تفعل الساعة الثانية عشرة ليلاً ؟ قال: أخذتهم إلى مستشفى، وانتظرت معهم حوالي خمس ساعات حتى انتهت المعالجة، واشترينا من صيدلية مناوبة الأدوية، ورجعنا إلى المستشفى، وأخذنا الإبر، قال لي: للساعة الخامسة، قال: والله عشرة أيام وأنا في قمة السعادة، كأني أعيش في جنة.
اعمل عملا طيبا.

أحد إخواننا الكرام طبيب أسنان، زارته مريضة معها أسنان تحتاج إلى تقويم، والمبلغ غالٍ جداً، وهي معلِّمة وفقيرة، فإذا ابتسمت ظهر عيب أسنانها، فتخجل بنفسها، والمبلغ فوق طاقتها، فاعتذرت، قال: نويت أن أقوم بهذا العمل لله، قال: أنا أقدم لك هذا العمل هدية، بقيت عندي ستة أشهر، أقسم لي بالله في هذه الأشهر الستة كأنه في قمة السعادة، فطرة.
سعادتك بيدك، تملكها أنت، اخدم الناس، كن صادقا، كن أمينا، كن عفيفا، كن حليما، كن عفوا، كن خير، أعط من وقتك، من جهدك، أنت أسعد إنسان.
والله مرة في مجلة ليدر دايجست المختار، مجلة عالمية، أنا كنت مغرما بهذه المجلة، لها طبعة عربية، معنى مختار أي مختارة من كل مجلات العالم، أجمل مقالة بأي مجلة مجموعة بهذه المجلة، لها طبعة عربية، قديماً كنت أقرأ المجلة في ليلة واحدة، وهناك مقالة انتهت بأول الصفحة، صفحة فارغة، وضعوا حكمة، هذه الحكمة أربع كلمات، أقسم لكم بالله كأن هذه الحكمة حفرت في عظامي، ما الحكمة ؟ قال: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، حاول أن تطعم هرة، حاول أن تفرح طفلا، حاول أن تطعم جائعا، حاول أن تدل إنسانا ضالا، تحس براحة لا توصف، دينكم دين الفطرة، وكل سعادتك وراحتك النفسية أساسها أعمالك الصالحة، لذلك العمل الصالح يرفعك عند الله.
الذي أريده في هذا اللقاء الطيب دقائق المنهج الإلهي فيما يقابله في خصائص نفسك، تحب الصدق، تحب الأمانة، تحب الرحمة، تحب الإنصاف، إنسان زوجته صالحة، والأم ضدها، والأب ضدها، إذا وقف موقفا أخلاقيا مع زوجته، موقفا مشرفا، امرأة صالحة، وإنسان يتملق والده ووالدته، يطلقها، يشعر أنه مجرم، ما عملتْ شيئًا، صالحة، مستقيمة، صائمة، مصلية، مطيعة لك، لأن أباك كرهها، ما أطلقها، فالموقف المنصف المخلص صاحبه بطل يصبح.
أيها الإخوة الكرام، أتمنى أن يكون هذا الموضوع واضحاً عندكم، إسلامنا دين الفطرة، أنت إذا أطعت الله وجدت نفسك، اصطلحت مع نفسك، كنت أسعد الناس.
الموضوع العلمي:سرعة الضوء:
1 – نظرية إنشتاين:
الموضوع العملي، من أشهر النظريات في القرن العشرين النظرية النسبية التي جاء بها إنشتاين، هذه النظرية اكتشفت السرعة المطلقة في الكون، هذه سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، وأن أي جسم سار بهذه السرعة يصبح ضوءاً، هل ممكن لإنسان من لحم ودم وزنك سبعون كيلوا، لو ـ فرضاً علمياً ـ أتيح لك أن تمشي في الفضاء بسرعة الضوء تختفي، تصبح ضوءًا كهذا الضوء، وأي جسم سبق الضوء تراجع الزمن، أيضاً افتراض، لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لرأينا بأم أعيننا معركة بدر وأحد والخندق واليرموك، هذه معارك كلها مشرفة، والقادسية، فإذا قصر عن الضوء تراخى الزمن، فإذا سار مع الضوء توقف الزمن، هذه النظرية العملاقة قلبت مفاهيم الفيزياء في الأرض، صاحبها من أعلم علماء الأرض اسمه إنشتاين، لكن أتمنى أن أكون منصفاً معه، قال مرة: كل من لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، هو إنسان حي، ولكنه ميت.
2 – سرعة الضوء كما جاءت في القرآن الكريم:
كان مؤمناً بالله، هل يعقل أن هذه النظرية العملاقة التي غيّرت مفاهيم الفيزياء، مفاهيم الحركة والسرعة، أن تكون مدرجة في كتاب الله، وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
( سورة الحج )
العرب مخاطبون بهذه الآية، يعدّون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، لو أخذنا مركز القمر، وأخذنا منه خطاً مددناه إلى مركز الأرض، وطالب في الإعدادي يستطيع أن يحسب طول هذا الخط، نصف قطر القمر مع نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما، هذا الخط بين مركز القمر ومركز الأرض يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، أليس كذلك ؟ ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )، المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، ألف سنة، أنا حينما أعرف محيط الدائرة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض باثني عشر بسنة، بألف، بألف سنة، أنا حينما أحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يستطيع طالب في الإعدادي إن أعطيناه قطر الأرض وقطر القمر، يأخذ نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما، المجموع نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )، المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، دقائق الرقم تظهر، هذا الرقم عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض، لو قسمته على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة، لأن الضوء سرعته بالثواني، أما ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد. ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
( سورة الحج )
أنتم تعدون السنة القمرية، أما الناتج فليس ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، أدق من ذلك مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون ( 299752 )، هذه سرعة الضوء الدقيقة جداً.
إذاً: نظرية عملاقة مدرجة في آية واحدة في كتاب الله، وقد عرض الموضوع مفصلاً في مؤتمر الإعجاز العملي الخامس الذي عقد في موسكو، وأصل الموضوع عندي، وأرجو الله سبحانه وتعالى بأن يعرفنا بقيمة قرآنه الكريم، فهو الصراط المستقيم.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:02 AM   #12


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الحادى عشر )

الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -3-التصور الصحيح عن الدين يؤدي إلى سلوك صحيح









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإنسان كائن متحرك:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الحادي عشر من دروس العقيدة والإعجاز.
أردت في هذا الدرس أن أعالج موضوعاً دقيقاً وخطيراً، ألا وهو أن كل حركة من حركات الإنسان، أو أن كل سلوك من سلوكياته، أو أن كل موقف من مواقفه، أو أن كل خطوة من خطواته يسبقها تصور، إن صح التصور صحت الحركة.
1 – ما معنى الحركة ؟

ما معنى حركة ؟ ذكرت هذا من قبل، هذه الطاولة جامدة ليس فيها شهوات، ولا تحتاج إلى الطعام، لا تحتاج إلى الزواج، لا تحتاج لتؤكد ذاتها، إذاً: هي ساكنة، تدعها في هذا المكان سنوات وسنوات في مكانها، أما الإنسان فأودع الله فيه حاجة إلى الطعام، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، فلا بد من أن يتحرك، يتحرك ليكسب رزقاً ليشتري به طعاماً ليأكل، يتحرك لينال شهادة، ليكون في وظيفة تدر عليه دخلاً فيتزوج، يتحرك ليثبت للناس أنه متفوق، فحياتنا أساسها حركة، والإنسان كائن متحرك، هذه الحركة طبعاً قد تكون خيرة، وقد تكون شريرة، قد يكون فيها عدوان، أو فيها عطاء، أو فيها إحسان، أو فيها ظلم، فيها طهر وعفاف.
سيدنا يوسف تحرك:
﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّه﴾
( سورة يوسف)
وهناك أشخاص يتحركون نحو الفاحشة.
2 – كلُّ حركة للإنسان يسبقها تصوُّرٌ:
النقطة الدقيقة الآن: أي حركة يسبقها تصوّرٌ، هذا الذي سرق لماذا سرق ؟ السرقة حركة، لكن سبقها تصور خاطئ ؛ أن السارق يأخذ مالاً وفيراً بجهد قليل، وفاته أن هناك عقاباً قاسياً، كل إنسان يتحرك فإنه يسبق الحركة تصور.
3 – إنْ صحّ التصوّرُ صحت الحركةُ:

الآن إن صح التصور صحت الحركة، ولا يمكن أن تكون هناك حركة من دون تصور، فلو أنه لا علاقة بين التصور والحركة نقول له: تصور ما شئت، واعتقد بما شئت، وآمن بما شئت، لكن لأن هناك تلازماً حقيقياً ثابتاً مستمراً بين التصور والسلوك ندقق على التصور، أي ندقق على العقيدة، فلا بد من أن تصح العقيدة، فإن صحت صح العمل، وإن صح العمل سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة.
آتي بمثل: لو أن طالبا تصور إما باجتهاده الشخصي، أو بكلمة ألقيت في أذنه ؛ أن الأستاذ قبل الامتحان، إنْ قدّمت له هدية ثمينة، يعطيك الأسئلة هذا التصور ماذا يقابله ؟ إلغاء الدراسة، فيمضي هذا الطالب عامه الدراسي كله مع أصدقائه في التنزهات، في السينمات، اعتماداً على تصور ؛ أن الأسئلة يأخذها، ويقرأ أجوبتها ليلاً، فينجح، فلما طرق باب المعلم، ومعه الهدية الثمينة من أجل أن يعطيه الأسئلة فوجئ هذا الطالب أن الأستاذ صفعه على وجهه صفعة قاسية وطرده، نقول: هذا الطالب كان ضحية التصور الخاطئ، فلو أن الطالب كان تصوره صحيحا ؛ أن الأستاذ نزيه، والامتحان نزيه، والتصحيح دقيق، ولا بد من أن يدرس، فدرس، الأول أخطأ في التصور، فخسر العام الدراسي، والثاني أصاب في التصور، فربح العام الدراسي، وعلى وسّع هذا المثل.
أحيانا يتصور إنسان إذا غش الناس يربح، وفاته أن الله له بالمرصاد، يغش الناس، يسلب الله منه لبّه وعقله، فيرتكب حماقة كبيرة جداً في مخالفة الأنظمة، فتصادر أمواله كلها، كل الذي جمعه من الغش دفعه في ثانية واحدة، هذه المصادرة، وهذا الإيقاع المؤلم لثروته بسبب غشه، فلو تصور أن الغاش سوف يعاقب في الدنيا ما غش الناس.
صدقوا أيها الإخوة، هذا الدرس يدور مع الناس جميعاً، في كل شؤون حياتهم، يتصور أنه إذا فعل كذا اغتنى، لكنه فعل كذا بمعصية، يتصور أن المعصية أحياناً قد تقوده إلى ربح وفير، وفاته أن لكل معصية عقاباً، وفاته أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، وأن تطيعه وتخسر.
4 – مشكلات الناس ناتجة من تصوّرٍ خاطئ:
أكاد أقول لكم: كل مشكلات الناس ناتجة من تصور خاطئ، ناتجة من ضعف العقيدة، ناتجة من ضعف التوحيد، ناتجة من فهم ساذج، لأنه حينما تؤمن أن لهذا الكون إلهاً، وأنه يراقبنا، وهو يربينا، ويحاسبنا في الدنيا قبل الآخرة عندئذ تستقيم على أمر الله، فإذا استقمت على أمر الله سلمت، وسعدت.
مرة ثانية ما من تصور تتصوره في أي موضوع إلا وينتج عنه سلوك.
مثلاً: لو أن رجلاً حضر مجلس علم لإنسان معلوماته ضعيفة، تحليلاته ضعيفة، فقال: شفاعتي، والحديث صحيح، لكن له تفسير دقيق، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ))
[ الترمذي وأحمد ]
اطمأن، وبدل أن يستقيم انحرف، بدل أن يستقيم تفلت، اعتماداً على مفهومٍ لشفاعة ساذج، فحينما يأتي يوم الدين، ويضعه الله عز وجل في حساب عسير، وقد تتلى عليه الآية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾
( سورة الزمر)
تصوره عن الشفاعة التصور الخاطئ أوقعه في المعاصي والآثام، ثم فوجئ أن هذه المعاصي والآثام لا بد من دفع ثمنها باهظاً.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة، ولكنه من أخطر دروس العقيدة، إنسان يأكل مالاً حراماً، ويظن نفسه متفوقاً، ثم يتلف ماله.
إنسان يعتدي على كرامة الآخرين، يضعه الله في موقف مهين، فالذي امتلك تصورا صحيحا، تصورا عن الإله صحيح، أنه عادل، أن لكل سيئة عقابا، ولكل حسنة ثوابا، أن المستقيم في مأمن من عذاب الله عز وجل، الآن بعض النصوص:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ:
(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
( متفق عليه )
هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لا ينطق عن الهوى، وفي بعض الأحاديث التي نقلت عن سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: << ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى انصرف منها >>.
فالمؤمن حينما يقول النبي شيئاً يفهمه، ويوقن به، ويطبقه، فيسلم، أما الذي يتوهم أن أكل أموال الناس بالباطل يعد ربحاً مغرياً، ويجهل أن الله سيدمره، لأن المال الحرام يذهب، ويذهب بصاحبه، وأن المال الحلال ينفق، ولكن يبقى صاحبه موفور الكرامة.

أريد أن أقول: ما من خطأ يصيب الإنسان، أو ما من مشكلة تصيب الإنسان، أو ما من محنة تصيب الإنسان إلا بسبب خطأ في السلوك ناتج عن خطأ في التصور.
أحياناً يموت الأب، ويترك أولادا، أحد أولاده قوي، أكبر أولاده، وله سطوة على إخوته، يأخذ الثروة كلها، ويدع لأخوته الفتات، ويظن أنه بحكم قوته وعمره، وسيطرته وهيمنته، هذا من حقه، ولم يدخل الله في حساباته النتيجة.
والله سمعت قصصاً كثيرة ؛ أن هذه الثروة التي اغتصبها من إخوته، وتمتع بها تذهب أدراج الرياح، ويضطر أن يعمل محاسباً عند إخوته الذين حرمهم من هذه الثروة، لو كان طالب علم لا يقدم على هذا العمل، هناك حساب، هناك متابعة، هناك عقاب، هناك تأديب، هناك نتائج للعمل.
لذلك أيها الإخوة، اعتقد يقيناً أنه ما من مشكلة تصيب إنساناً إلا بسبب معصية ارتكبها، دقق الآن، وما من معصية ارتكبها إلا بتصور خاطئ، لذلك فلنصحح تصوراتنا حتى تصح أعمالنا حتى نسلم، ونسعد في الدنيا والآخرة.
طبعاً الأمثلة كثيرة جداً، مثلاً: إنسان يتوهم أن هذا الرزق الوفير يأتيه من معصية، يقول: ماذا نفعل ؟ نحن مضطرون، عندنا أولاد، فيرتكب هذه المعصية ليأخذ مالاً وفيراً، فيمحق الله له ماله.
إنسان آخر موقن أن الاستقامة التامة هي سبب الربح، فيرفض دخلاً فيه شبهة، فيعوضه الله خيراً منه.
والله هناك مقولة أيها الإخوة، والله أنا لا أرتوي من تردادها:
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
فلذلك التصور خطير جداً، أنا أقول: تصور، وأعني به العقيدة، أنت ماذا تعتقد ؟ حينما تعتقد أن هذه المرأة ضعيفة الآن لا تعجبك، تزوجتها، وكنت فقيراً، فقبلت بها، وهي قبلت بك، فلما أصبحت غنياً هي لا تعجبك، فأهملتها، وطلقتها، وأنت تظن أنك سوف تسعد بامرأة أخرى، حق هذه المرأة الضعيفة التي طلقتها، وأنت ظالم في تطليقها لن يذهب عند الله، سوف تحاسب عليه، لذلك بقدر ما تخاف الله تكون عاقلاً، وبقدر ما تقف عند حدوده تكون فقيهاً، بقدر ما تدخل محاسبة الله في حساباتك اليومية تكون ذكياً وعاقلاً.
أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي:
أيها الإخوة الكرام، أحيانا يأكل الإنسان، لكن هذا الأكل قد يكون نفيسا، قد يكون رخيصا، قد يكون خشنا، قد يكون رائعا جداً، لكن بعد حين انتهى الطعام، وانتهت لذة الطعام، وامتلأ البطن، وشعرت بالشبع، نوع الطعام ما له أثر مستقبلي، أكلنا، والحمد له، لكن أحياناً الإنسان يرتكب عملا، هذا العمل له أثر مستقبلي، هذا أخطر شيء.
مثلاً: الإنسان اعتدى، هذا العدوان سوف يجر له مشكلة كبيرة، أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي، كإنسان جلس في حوض الحمام، شعر براحة، ارتاح ربع ساعة، لكن ما ليس هناك أثر مستقبلي، أما إذا قرأ الإنسان باباً في العلم فانتفع به الآن إلى نهاية الحياة، كلما عرض له موضوع متعلق بهذا الحديث وقف في جانب الطاعة لله، فسلم، وسعد.
فرق بين عمل طارئ، عمل عارض، عمل ليس له علاقة بالمستقبل، وبين عمل قد يسبب لك متاعب، قد يسبب لك عقابا من الله، قد يسبب لك فقراً، قد يسبب لك إهانة، قد يسبب لك ذلاً، قد يسبب لك علاقة مع أهلك سيئة، قد يسبب لك علاقة مع أولادك سيئة، فكل عمل خاطئ وراءه تصور خاطئ، والعمل الخاطئ الذي وراءه تصور خاطئ له أثر مستقبلي، قال تعالى:
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾
(سورة الشورى)
أيها الإخوة، إنسان تصور أن الله غفور رحيم، هذا التصور صحيح ؟ صحيح، وغير صحيح، صحيح هو غفور رحيم، لكن متى ؟ قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
( سورة النحل )
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾
( سورة الحجر)
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾
( سورة البقرة)
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
(سورة الزمر)

استنبطوا التصورات الصحيحة حين قراءة القرآن:

أيها الإخوة، حينما تقرأ القرآن يجب أن تستنبط منه تصوراً صحيحاً.
بعض الأمثلة، قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
(سورة الجاثية)
نقول: في الآخرة، فالآخرة شيء بديهي، دعك من الآخرة في الدنيا، قال تعالى: ﴿سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
(سورة الجاثية)
يأتي إنسان يقبل على عمل فيه شبهة، فيه معصية، فيه حرمة، ودخله كبير، يطمع بهذا الدخل أن يعيش حياة ناعمة، أن يقتني بيتاً مريحاً، ومركبة فارهة، أن يختار زوجة بارعة الجمال، ثم يفاجأ أن هذا المال دمر، وأن هذا الزواج لم ينجح، والعمل ما نجح، والسكن ما نجح، لماذا يتعظ بعد فوات الأوان ؟ لو أنه قرأ القرآن، وهذا القرآن أدى له تصورا صحيحا، فما عصى الله عز وجل، لذلك المؤمن يرضى بدخل محدود حلال لا شبهة فيه، ويركل بقدمه دخلاً فلكياً في شبهة، المؤمن حياته بطولة، المؤمن رقم صعب، المؤمن لا يباع ولا يشترى، كلمة ( لا ) داخلة في حياته اليومية، قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾
( سورة يوسف)
شاب غير متزوج، غريب، تأمره سيدته، وهي بارعة الجمال، وليس في صالحها أن تفضح نفسها، وكل شيء مهيأ، ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
طبعاً القصص في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى.
أيها الإخوة، يلقون بعض الوقائع على مسامعي هي مصداق لِمَا أقول في هذا المعنى، دخلٌ غير مشروع اركله بقدمك، وقل: (( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
أحد إخوتنا الكرام عنده مركبة جيدة، استأجرتها شركة كبيرة جداً من اليابان برقم فلكي، هو مهمته أن ينقل الموظفين من دائرتهم إلى بيوتهم، في أثناء الانتقال يأخذونه إلى بعض المحلات ليشتروا حاجاتهم، لمح مرة أنهم يشترون الخمر، هو خاف من الله أن تستخدم هذه المركبة لنقل شراب حرمه الله عز وجل، فقدم اعتذاره عن متابعة العمل، ودخْلُه عشرة أضعاف دخل الناس العاديين، من أجل هذه الشركة الكبيرة، فلما رفض، ووضع هذا الدخل الكبير تحت قدمه اعتماداً على أن الله عز وجل لا ينساه ما الذي حصل ؟ شيء لا يصدق، بدل أن يرفضوه يأتيهم مئة إنسان، بدل عنه بهذا الدخل الكبير ومركباتهم أرقى، تمسكوا به، ومنعوا موظفيهم أن يقتنوا هذا المشروب إذا ركبوا معه، ثم وثقوا منه ثقة بالغة، سلموه مفاتيح بيوتهم إذا عادوا إلى بلادهم، أعطوهم مركباتهم الفخمة ليرعاها في غيبتهم، سبحان الله، (( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
أيها الإخوة الكرام، تتصور إنسانا أحيانا من أجل شهادة يلغي دروس العلم، لو تصور تصورًا صحيحا ؛ أنك إذا طلبت العلم سوف توفق في دراستك، المشكلة أن تضيع الدنيا والآخرة معاً، لذلك أي إنسان آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، وأي إنسان آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
مثلاً: الله عز وجل قال:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
( سورة البقرة)
الزنا حد الاقتراب منه صحبة الأراذل، الاقتراب منه الخلوة بامرأة أجنبية، الاقتراب منه إطلاق البصر، الاقتراب منه أن تمشي بطريق موبوء بكاسيات عاريات، الاقتراب منه أن تقرأ شيئاً مثيراً، أو أن تشاهد شيئاً مثيراً، هذا كله اقتراب منه، فإذا ما صدق إنسان كلام الله عز وجل، وكان تصوره غيرَ صحيح يقول: أنا إرادتي قوية، فاقترب من حدود الله، يفاجأُ أنه وصل إلى الفاحشة، لأنه ما صدق الله عز وجل، ولم يكن تصوره صحيحاً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
البطولة أن كل آية تقرأها، وأن كل حديث تقرأه ينبغي أن تستنبط منه تصورا يكون إضاءة لك لكل شؤون حياتك، المال الحرام يذهب، ويذهب معه أهله، والمال الحلال يبقى.
الواقع الموضوعي ينبئ بالتصورات الصحيحة وغير الصحيحة:
والله أعرف شخصاً يعمل في سلك يمكن أن يحقق منه دخل فلكي، أقسم لي بالله قال: أنا أمضيت في هذا السلك أربعين عاماً، ما أكلت درهماً واحداً حراماً، أنا تتبعت حياته فوجدت أنه عاش تسعين سنة في بحبوحة، وبصحة جيدة، أولاده أمامه، وكل ولد الله يسر له عملا، وله مكانة اجتماعية، والسلك نفسه فيه إنسان مد يده للحرام، وبنى ثروة كبيرة جداً على غذاء الناس، وابتزاز أموالهم، والله انتهى نهاية شهد الله لا يرضاها الإنسان لعدوه، أقول: يا رب، لو يعلم الناس قوانين الله عز وجل.
التقيت مع إنسان قال لي: أنا عمري ست وتسعون سنة، أجريت البارحة تحاليل كاملة، قال لي: كلها طبيعية، قال: والله يا أستاذ، الحرام لا أعرفه، لا حرام النساء، ولا حرام المال.
التقيت مع إنسان في بلد إسلامي قال لي: أنا كنت أعمل عتالاً في سوق الخضرة، الآن هو من أكبر تجار الخضراوات في ذلك البلد، عنده خمسون أسطول شاحنة براد للفواكه، قال: والله ما فاتني في حياتي فرض صلاة، ولا أكلت قرشاً حراما.
أيها الإخوة الكرام، لو تعرفوا قوانين الله عز وجل، لو تعرفوها ترون التوفيق والحفظ والتأييد، والنصر، إياك أن تقترب من الحرام، الحرام مدمر، وكل إنسان يقترب منه، ويأخذه عنده تصور خاطئ، تصور المبلغ الكبير، وكيف يستمع به، وينفقه، ويشتري به بيتاً جديداً، يوسع بيته، فإذا بالمال يذهب سدى، ويبقى العقاب الأليم.
فلذلك أيها الإخوة، ما من سلوك جيد، أو سيئ إلا ووراءه تصور وعقيدة، لذلك كانت هذه الدروس في العقيدة أخطر شيء في الدين، فإن صحت عقيدتك صح عملك، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة، وإن فسدت عقيدتك فسد عملك، فشقيت في الدنيا والآخرة.
مثلاً: كلمة ( الله غفور ) يجب أن يكون التصور الصحيح أن الله يغفر الذنوب بعد أن تؤمن، وبعد أن تتوب، وبعد أن تصحح الخطأ السابق، قال تعالى:
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
( سورة النحل)
تصور آخر: قد يتصور الإنسان أنه إذا حج إلى بيت الله الحرام عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا حديث صحيح، لكن لو لزم دروس العلم، وتلقى العلم عن علماء كبار متمكنين ورعين لأنبؤوه أن حقوق العباد لا حج، ولا مليون ركعة، ولا صيام الدهر يلغيها، حقوق العباد مبنية على المشاححة، لكن حقوق الله مبنية على المسامحة.
حينما تتصور أن الله لا يغفر لك في الحج إلا ما كان بينك وبين الله، وأن الله لا يغفر لك في الصيام إلا ما كان بينك وبينه، وأن الله لا يغفر بالتوبة النصوح إلا ما كان بينك وبينه صح تصورك، فأديت الحقوق لأصحابها، بدل أن تقول: أنا حججت، والله غفر لي، هذا وهم وتصور خاطئ، حقوق العباد لا تغفر إلا بالأداء والمسامحة.
أحياناً تتصور أن هذا الشيخ أفتى لي، إن شاء الله برقبته، لا، لو استطعت أن تنتزع من فم سيد الخلق وحبيب الحق فتوى نطق بها بفمه الشريف نطق بها، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله، هذا التصور الصحيح، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))
[ البخاري]
أنا أمام أمثلة كثيرة جداً، أحياناً تتصور مفهوم الشفاعة تصور خاطئ هذا التصور الخاطئ يدفعك إلى ارتكاب المعاصي اعتماداً على شفاعة النبي لك يوم القيامة، أحياناً تتصور المغفرة أن الله غفور رحيم، يا رب اغفر لي، بلا ثمن، بلا سبب، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
( سورة الزمر)
لكن: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾
( سورة الزمر)
تصورات غير صحيحة في العبادات:
هذا التصور الصحيح، لذلك أيها الإخوة، مفهوم الحج يحتاج إلى تصور صحيح، قضية أنه أنا ذهبت إلى هناك، أم عقدت توبة نصوحا في الحج، قضية العمرة يجب أن تملك لها تصورا صحيحا، قضية الصلاة، أنا صليت، لكن هل صلاتك حجزتك عن الحرام، ونهتك عن الفحشاء والمنكر ؟ هل الصلاة عند الله مقبولة ؟ يجب أن تملك التصور الصحيح للصلاة والزكاة والحج والصيام والشهادة أن لا إله إلا الله.
مثلاً: هناك وهم: يكفي أن تنطق بالشهادة للجنة، لا، أبداً، ليس هذا صحيحاً،
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
[ البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ ].
يجب أن تملك تصورا صحيحا عن الصلاة.
الصيام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
يجب أن تملك تصوراً صحيحاً عن الحج:
(( من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ رواه الشيرازي وأبو مطيع عن عمر ].
إنفاق المال يجب أن تملك عنه تصورا صحيحا، قال تعالى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
( سورة التوبة )
الإسلام بناء شامل متكامل:
نجاحنا أيها الإخوة، فلاحنا، سعادتنا، سلامتنا، تألقنا أن نملك تصورا صحيحا عن الدين، وقد يكون التصور خطيرا جداً، الدين يختصر عنده بأداء الصلاة والصيام والحج والزكاة، لكن بيته غير إسلامي، احتفالاته غير إسلامية، عقد قرانه غير إسلامي، عمله فيه غش، عمله فيه مادة محرمة، عمله فيه كذب، عمله فيه احتيال، عمله فيه احتكار، هذه مشكلة المسلمين الأولى، يتصورون الدين أن تصلي الصلاة، هذه أحد أركان الدين، والخمسة أركان ليست هي الدين، (( بني الإسلام على خمس ))
[ متفق عليه عن ابن عمر ]
الإسلام بناء هذه أركان الإسلام، الإسلام بناء أخلاقي، الإسلام استقامة، الإسلام عفة، الإسلام ورع، الإسلام أمانة، المسلم إذا حدثك فهو صادق، إذا عاملك فهو أمين، إذا استثيرت شهوته، فهو عفيف.
إن خطأ المسلمين في التصور جعلهم في مؤخرة الأمم، فهموا الدين عبادات شكلية فقط، يضع المصحف في مركبته، وفي عيونه يبحلق في محاسن النساء، والمصحف للبركة، يكتب في محله التجاري:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًاً مُبِيناً ﴾
وفيه غش وكذب، واحتيال ومادة محرمة، وصفقة محرمة، هذه المشكلة، تصور خاطئ عن الدين، فما لم يكن التصور صحيحا لم تكن هناك استقامة.
مثلاً: مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تطيعه وتخسر، هذه حقيقة، إن كان عندك هذا التصور تركل بقدمك مبلغا فلكيا، لأنه حرام، وتقبل بمبلغ محدود لأنه حلال.
من التصور الخاطئ أنك تريد امرأة جميلة بارعة الجمال، لا يهمك دينها، تقبل عليها وتتزوجها، تعيش معها جحيماً لا يطاق، لأنك ما صدقت رسول الله،

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
هناك تصور خاطئ: يتصور أن المرأة البارعة تسعده، تسعدك امرأة تعرف الله مؤمنة، ترعى حقك وحق أولادك.
الدرس واسع جداً، المسلمون مع الأسف الشديد يملكون تصورا خاطئا عن حقيقة دينهم، تصوروه ديناً شعائرياً، دينك بعيادتك، دينك بمكتبك الهندسي، دينك بدكانك، دينك بمعملك، دينك بحقلك، يضع مادة مسرطنة تكبر حجم الفاكهة، وهو يصلي، العمل يتناقض مع الصلاة، هذه مادة مسرطنة، أنت تؤذي الناس، مستشفى فيه أدوية مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وأدوية يمكن أن تصيب المريض بالموت المفاجئ، وهناك ثلاث حالات موت، والمستشفى له جو ديني، تدخل فتقرأ: ﴿وَإِذَا مَرِضَتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
والأدوية التي تستخدمها مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وهناك حالات وفاة شيء مخيف، فلما فصل المسلمون دينهم عن سلوكهم فهموا الدين شعائر، ما فهموه سلوكا، فهموا الدين أداء عبادات شعائرية، ما فهموه ورعا، ولا دقة في المعاملة
من قوانين الحياة المعقدة:
أيها الإخوة الكرام، الحياة معقدة جداً، في الحياة المعقدة يمكن أن تستنبط قوانين، أن الإنسان إذا كذب يربح، أحياناً يشتري قماشا من بلد غير جيد في الصناعة، يحضر شريطا ذهبيا كتب عليه: صنع في إنكلترا، بالمكواة يثبته على القماش، يظن حاله ذكيا، تأتي امرأة فيبيعها قماشا على أنه قماش من أرقى دولة، سعره عشرة أضعاف بهذه الحاشية التي وضعها هو بنفسه على القماش، يظن نفسه ذكيا، تأتي الجمارك فيدفعونه سبعمئة ألف مثلاً، من أين أتت المشكلة ؟ لأنه تصور أن الله لا يعلم، ولن يحاسب والله يعلم، ويحاسب.
أيها الإخوة، دققوا في تصوراتكم، فأيّ تصور خاطئ معه سلوك خاطئ.
من شواهد سير الصحابة في صحة التصور:
مع سيدنا كعب بن مالك:
أيها الإخوة، كشاهد من السيرة حول صحة التصور:
أحد الصحابة، وهو سيدنا كعب تخلف عن رسول الله في الجهاد، حينما عاد النبي من تبوك حضره همه، ماذا يقول له ؟ يقول عن نفسه: أنا أوتيت جدلاً، بالتعبير المعاصر عنده قوة إقناع، وهذه ملَكة كبيرة في الإنسان، هناك إنسان يقنعك بأفكاره، مع أن أفكاره غير صحيحة، لكن عنده قوة إقناع قوية جداً، فلما اقترب النبي من المدينة وقع هذا الصحابي في صراع شديد، يكذب عليه، يقدر أن يعطيه تعبيرا أو تفسيرا أو وقائع يقتنع النبي بها، لكن الذي حصل أنه يملك تصورا صحيحا، قال: لقد أوتيت جدلاً، ولأن خرجت من سخطه ليوشكن الله أن يسخطه علي، قال: فأجمعت صدقه، تصوره أن هناك إلها، مهما كنت ذكياً فالله عز وجل بالمرصاد، أنا أوتيت جدلاً، أوتيت قوة إقناع، بإمكاني أن أذكر له قصة لم تكن مقنعة، فيقول: معك حق، انتهى الأمر، فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام، واستقبل الذين تخلفوا عنه ثمانين رجلاً، وكل واحد أدى عذرا رائعا، والنبي قبِل أعذارهم، هم منافقون تخلفوا في الجهاد، فلما جاء النبي استقبلوه، وذكروا له أعذاراً مقنعة، وقبِل النبي أعذارهم، جاء دور سيدنا كعب قال: والله يا رسول الله، ما كنت في حالة أقوى ولا أشد، ولا أغنى حينما تخلفت عنك، لكن لا عذر لي، كان مني تقصير، النبي لماح قال: أما هذا فقد صدق، ثمانون رجلا كذبوا، والقصة معروفة، كيف الصحابة بأمر إلهي حاربوهم، وصاروا بالقمم، قال تعالى:
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى﴾
( سورة التوبة)
قال: والله لقد أوتيت جدلاً، إن خرجت منه بهذا الجدل ليوشكن الله أن يسخطه علي، هذا التوحيد.
صحة التصور أساسها التوحيد:
أيها الإخوة، صدقوا أن صحة التصور أساسها التوحيد، الله لا يغفل، كل شيء بحسابه، أعرابي سأل النبي موعظة بإيجاز شديد، قال: عظني، ولا تطل، تلا عليه النبي فقرة من سورة، قال: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال: كفيت.
إذاً: البطولة أن تملك تصوراً صحيحاً، أن الله بيده كل شيء، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الموفق، هو الحافظ، هو الناصر، هو كل شيء، عليك أن تطيعه، لذلك:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
( سورة الزمر)
لك مهمة واحدة ؛ أن تعبده، وعلى الله الباقي، لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، اقلق على نفسك ما إذا سمح لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.
الموضوع العلمي:الحكمة من تذكية الذبيحة:

أيها الإخوة الكرام، تعودنا أن نعالج موضوعاً في الإعجاز العلمي، لكن دائماً نحن إذا قرأنا آية قرآنية فيها إعجاز نقول: هذه إعجاز، لكن في الحديث الشريف قد يكون فيه ما يشبه الإعجاز، لكن نسميه نحن من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
النبي عليه الصلاة والسلام وجهنا إن ذبحنا الدابة أن نذبحها من أوداجها فقط، دون أن يقطع رأسها، حديث شريف ليس في الأرض كلها لا في مشارقها، ولا في مغاربها مركز علمي متقدم بإمكانه أن يحلل، ويبين حكمة هذا التوجيه، نبي أمي نشأ في الصحراء، يقول لنا: لا تقطعوا رأس الذبيحة، اقطعوا أوداجها فقط، مضى مئة عام، مئتا عام، خمسمئة عام، ألف عام، ألف وثلاثمئة عام، ألف وأربعمئة عام، وليس في الأرض كلها جهة علمية يمكن أن تفسر هذا التوجيه إلا قبل عقدين من الزمن، فقد ثبت أن قلب الإنسان العضو النبيل التي تتوقف الحياة على نبضاته، لأنه عضو نبيل وخطير جداً، لا يتلقى أمراً بالنبض من الشبكة العامة، بل يتلقى أمراً بالنبض من مركز فيه مستقل عن الشبكة العامة في مركز كهربائي القلب يعطي أمراً بالنبض، إذا تعطل هذا المركز فهناك مركز آخر، إن تعطل الثاني هناك مركز ثالث، ثلاث بطاريات، والإنسان قد يصاب بإضراب بالنبض، فيضعون له بطارية بقلبه، لاضطراب بالنبض، هذا القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر ذاتي، لكن هذه النبضات لا تزيد على الثمانين، لكن الإنسان، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾
( سورة التين)
هناك آلية معقدة، يمشي الإنسان في الطريق، فوجد ثعبانا، صورة الثعبان انطبعت على شبكية العين إحساساً، فانتقلت إلى الدماغ مركز الرؤية، هناك ملفات للثعبان، درس العلوم، سمع قصتين أو ثلاثا، سمع من جدته قصة أن الثعبان في بيت عربي دخل إلى متحف، فوجد بعض الثعابين مصبّرة عنده لما صورة الثعابين انتقلت من الشبكية إلى الدماغ في الدماغ، قرأت قراءة في ضوء ملفات الثعابين، الدماغ ملك الجهاز العصبي أدرك الخطر، فأعطى أمر لملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية عندها وزير داخلية اسمه الكظر، فوق الكلية، أعطت له أمرا أن يواجه الخطر، الكظر أعطى أمرا للقلب فرفع النبض مئة وثمانين، ارتفاع النبض مئة وثمانين من أين يأتي ؟ يأتي بدءاً من الدماغ إلى الغدة النخامية إلى الكظر إلى القلب، إنسان يكون وراءه عدو، أو يصعد درجا، أو يحمل حملا ثقيلا يحتاج إلى طاقة أكبر، الطاقة الأكبر تحتاج إلى دم أغزر، والدم الأغزر يحتاج إلى سير أسرع، والسير الأسرع يحتاج إلى نبض أعلى، هذا شأن الإنسان.
الأمر الذاتي للقلب ذاته ثمانون نبضة، أما الأمر الاستثنائي فمئة وثمانون، يأتي من الدماغ للكظر للدماغ للنخامية للكظر للقلب، ومعظم الحيوانات التي نعيش معها لها النظام نفسه.
هذا الخروف إن قطعت رأسه كلياً يبقى الأمر النظامي ثمانين نبضة، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم، وثمانون ضربة لا تكفي لإخراج الدم كله، يخرج ربعه، فتبقى الدابة زرقاء مكتنزة، يصعب نضجها، أما لما تقطع الأوداج فقط فيبقى الرأس متصلا، الآن أنت سمحت للآلية المعقدة الثانية أن تعمل، من الرأس للنخامية للكظر نبض القلب مئة وثمانون نبضة، الدم كله يخرج، عندئذ تسمى هذه الدابة دابة مذكّاة، يعني خرج دمها كله، إذاً: قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
( سورة النجم)
لي صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري لحماً، بمهمة رسمية، فلما طالبهم بذبح على الطريقة الإسلامية رفعوا السعر، هذه الدابة فيها ثمانية كيلو دم، فإذا ذبحنا على طريقتكم نخسر هذا الوزن، إذاً: هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:06 AM   #13


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى عشر )

الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -4- طبيعة الانسان قبل ان يؤمن







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس العقيدة والإعجاز، ومع الدرس الثاني عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في درس سابق إلى موضوع الفطرة، وهي إحدى مقومات التكليف، ولنتابع في هذا الموضوع.
مقدمة:الإنسان خصائصه وأحواله قبل أن يعرف الله:
أيها الإخوة الكرام، القرآن الكريم كلام الله، وحي السماء، كلام الخبير، كلام العليم، كلام الذي خلق الإنسان، كلام الذي يعلم السر وأخفى، في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن حقيقة الإنسان، وقد تنتمي موضوعات هذه الآيات إلى ما يسمى في العصر الحديث بعلم النفس الإسلامي، فهذا الإنسان المخلوق الأول ما حقيقته ؟ ما جوهره ؟ ما طبيعته ؟ ما خصائصه ؟ ما أحواله ؟ ما الذي يسعده ؟ ما الذي يشقيه ؟ ما خصائصه قبل الإيمان ؟ ما خصائصه بعد الإيمان ؟ متى يسلم ؟ متى يسعد ؟ متى يرقى ؟ متى يسقط، هذه قضايا دقيقة جداً القرآن الكريم، عالجها، ولكن العلماء لهم أحياناً توجه، بأن كلمة الإنسان إذا جاءت معرفة بـ ( أل ) تعني الإنسان قبل أن يؤمن.
1 – هلوع:
مثلاً، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج)
خصائص الإنسان قبل أن يؤمن:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج)
فقبل أن يؤمن، وقبل أن يتصل له خصائص، وبعد أن يؤمن، وبعد أن يتصل له خصائص أخرى، على كلٍّ، من خصائص الإنسان آيات كثيرة، اخترت لكم بعضها.
2 – ملتجِئٌ إلى الله في الضرّاء:
من هذه الآيات الكريمة: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ﴾
(سورة يونس)
الإيمان بالله مركب في أصل فطرته، فذا أصابه الضر يدعو الله وحده، بل إنني سمعت قصة عجيبة، هي أن طائرة تقل خبراء من بلاد رفعت شعار ( لا إله )، ركاب هذه الطائرة لا يؤمنون بالله أصلاً، ملحدون، دخلت هذه الطائرة في سحابة مكهربة، فاضطربت، وكادت تسقط، فإذا بهؤلاء الخبراء يرفعون أيديهم إلى الله متوسلين. ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ﴾
(سورة يونس)
كذلك الذي يركب البحر، فإذا اضطرب الموج، قال تعالى: ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة يونس)
إن الإنسان حين الشدة في أصل فطرته يتجه إلى الله، لكن ما بطولة المؤمن ؟ أن يعرفه في الرخاء، أن يعرفه وهو على الأرض، قبل أن يكون راكبًا طائرة، أو باخرة، أن يعرفه وهو صحيح قوي نشيط، أن يعرفه وهو شاب، لذلك المؤمن يعرف الله في الرخاء، وغير المؤمن يعرف الله في الشدة.

حدثني أخ قال لي: في بلدة إسلامية عاصمة كبيرة فيها حوالي خمسة عشر مليونًا، أصابها زلزال، أقسم لي أن المصلين في المساجد ضاقت بهم المساجد في الصلوات الخمس، الحرم لا يكفي، الصحن لا يكفي، الأروقة لا تكفي، صلى الناس خارج المسجد في أثناء الزلزال، لكن بعد أن نسي الناس الزلزال عادوا إلى ما كانوا عليه، لذلك لا تفرح لإيمان يأتي عند الشدة، هذا الإيمان سريعاً ما يذهب، يأتي ويذهب، افرح بإيمان ثابت مستقر مستمر، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾
(سورة يونس)
أحياناً ترتفع حرارة الابن الصغير، يشم من بعض أقوال الأطباء أنه مرض عضال، التهاب سحايا، فالأب يصلي، ويدعو، ويدعو، ويدعو، فإذا زال المرض وعاد الشفاء إلى الصغير يقول لك: هذا طبيب ماهر، والأدوية فعالة، وينسى أنه دعا الله عز وجل، هذه خصيصة من خصائص الإنسان قبل أن يعرف الله.
3 – يَئُوسٌ كَفُورٌ:
شيء آخر، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾
( سورة هود)
إيمانه بالله لا يكفي لفهم حكمة هذا الحدث، حتى إنهم قالوا: " من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر "، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ﴾
(سورة هود: الآية 9)
صحة، دخل كافٍ، زوجة، أولاد، منصب رفيع. ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ ﴾
(سورة هود: الآية 9)
لا يفهم أن لهذا النزع حكمة، الله عز وجل يقول: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
(سورة آل عمران)
فإيتاء الملك خير، ونزعه خير، والإعزاز خير، والإذلال خير:

﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
(سورة آل عمران)
إذاً: حينما تنزع منه هذه الرحمة إنه ليئوس كفور، يقنط من رحمة الله، أما المؤمن فلا يقنط، لا ييئس، لا يشعر بالإحباط، يرى أن هناك حكمة بالغة، يقول: يا رب، أنا راض بقضائك وقدرك، أنا راض بما أنا فيه، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، (( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف ]
بطولتك لا تبدو في الرخاء، تبدو في الشدة، والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وإذا أحب الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.
إذاً: لا يمكن أن يكون المؤمن يئوساً ولا كفوراً، لذلك أخطر شيء يصيب الأمة أن تهزم من الداخل، أن تيئس، أن تحس بالإحباط، أن يقول المسلم: انتهينا، لما ننتهي الله معنا، ولن يترنا أعمالنا.
أيها الإخوة الكرام.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾
(سورة هود)
يغلب على الإنسان قبل أن يؤمن أنه يؤوس، ويغلب على الإنسان قبل أن يؤمن أنه كفور، لكن المؤمن متفائل شكور، لأن الله عز وجل طمأننا، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
(سورة التوبة)
لم يقل: علينا، خط البيان المؤمن صاعد صعوداً مستمراً، بل إن الموت نقطة على هذا الخط الصاعد، ويستمر هذا الخط صاعد بعد الموت، لذلك من نعم الله الكبرى على المؤمن أن نعم الآخرة تتصل بنعم الدنيا.
3 – خَصِيمٌ مُبِينٌ:
قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾
(سورة النحل)
يكون نطفة لا ترى بالعين يستحيا بها لو كانت على الثياب، هذه النطفة تخرج من عورة، وتدخل في عورة، ثم تخرج من عورة، ويكون طفلا جميلا في بطن أمه، ثم وليدا يحتاج إلى عناية، إلى تنظيف، إلى إرضاع، فإذا صار شخصية مرموقة بدأ ينشر أفكار الكفر والإلحاد، ويقول: أنا، وإنسان العصر، والتأله، قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾
(سورة النحل)
يستخدم طلاقة لسانه وبيانه في تفنيد بعض ما في الدين من حقائق، زاعماً بأنه حر التفكير، لا يخضع لشيء إلا لعقله، ونسي أن الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴾
(سورة المدثر)
إلى آخر الآية.
4 – وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ:
ومن خصائص الإنسان قبل أن يؤمن الحديث اليوم عن الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ﴾
(سورة الإسراء)
يلوح له مكسب مادي، وفيه شر، وفيه حساب، ويعقبه عذاب ومساءلة، وقد ينتهي إلى النار. ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ﴾
(سورة الإسراء)

إقبال الناس على الدنيا، على مالها حلالاً أو حراماً، على نسائها نكاحاً أو سفاحاً، إقبال الناس على الدنيا من دون أن ينتبهوا إلى مشروعية عملهم، أو عدم مشروعيته، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا ﴾ً
(سورة الإسراء)
المؤمن يسعى إلى أهداف بعيدة، يسعى إلى الجنة، والجنة بعد الموت، يتحمل في الدنيا كل شظف، وكل عيش خشن في سبيل مبادئه وإيمانه ونقائه، ويرفض أي دخل فيه شبهة، يرفض أية امرأة لا تقيم شعائر الله، يرفض أي منصب لا يستطيع أن يوظفه لخدمة الخلق، بعيد عن المكاسب المادية، مؤمن بما عند الله، لذلك لأنه آمن بالله، وآمن باليوم الآخر نقل أهدافه الكبرى إلى الآخرة، فيتحمل كل متاعب الحياة من أجل أن يبقى منيباً لله، مطيعاً له، قال تعالى: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا ﴾ً
[ سورة الإسراء]
لذلك المؤمن يختار هدفاً بعيداً، يختار الآخرة، بينما غير المؤمن يختار الدنيا، الشيء العجول الذي أمامه، حق أو باطل، خير أو شر، مشروع أو غير مشروع، يرضي الله، أو يسخط الله، يريد المال، يريد المنصب، يريد المتع، هكذا الإنسان قبل أن يؤمن، اختياره حسي، اختياره مادي أحياناً.
5 – وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ:
يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾
[ سورة الإسراء]
يعني بادر بالأعمال الصالحة، قال عليه الصلاة والسلام:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ مفاجآت كبيرة، معك وكالة لشركة سحبت منك، معك مشروع تجاري لأسباب طارئة أصابه الإخفاق، أعلنت إفلاسك ـ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ كاد الفقر أن يكون كفراً ـ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ غنى حملك على معصية الله.
سمعت عن أخت كريمة مؤمنة مستقيمة محجبة، لها زوج له دخل محدود، سافر إلى بلاد حيث المال والغنى، فجمع ثروة جيدة، أرسل لها رسالة: إن لم تأت إلي بأحدث صرعة من صرعات الأزياء فلن أستقبلكِ، ما اسم هذا الغنى ؟ الغنى المطغي.
يبادر بالأعمال الصالحة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك ]
أيها الإخوة الكرام، مستحيل، وألف ألْف ألف مستحيل أن تستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، لا بد في أحد الأيام، وهذا نخضع له جميعاً من طارئ يطرأ على الصحة، وقد يكون هذا الطارئ سبب الموت، أنا أسميه بوابة الخروج، في المطار بوابات، وفي الدنيا بوابات، البوابة التي تخرج منها من الدنيا إلى الآخرة هي مرض الموت.
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك]
﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾
(سورة الإسراء)
نسي الله، نسي واجباته الدينية، نسي الآخرة، نسي المرض، نسي العقاب، نسي البلاء، نسي أن الله له بالمرصاد، نسي أنه في قبضة الله. ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾
(سورة الإسراء)
أما المؤمن فيزداد في الرخاء إقبالاً على الله، يزداد في الرخاء محبة لله، فإذا لحكمة بالغة تحولت عنه هذه النعمة، هو شاكر وراض عن الله.
إن إنسانًا كان يطوف حول الكعبة يقول: يا رب، هل أنت راضٍ عني ؟ كان الإمام الشافعي يمشي رواءه، قال له: " يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال: أنا محمد بن إدريس، قال: كيف أرضى عن الله، وأنا أتمنى رضاه ؟! قال: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ".
﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾
(سورة الإسراء)
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾
(سورة الإسراء)
6 – وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا:
ومن صفات الإنسان قبل أن يؤمن أنه قتور، يحرص على ما في يديه لا ينفق حتى أنه يعيش فقيراً ليموت غنياً بل إن الشح مرض خبيث من أمراض النفس، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
(سورة الحشر)
لذلك: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
لا ينفق، يده ليست سحاء، يده قابضة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
إذاً: الإنسان لا ينفق، يجمع الأموال، والله هناك قصص لبخلاء هم في غباء لا يوصف، يعيش أحدُهم مقتراً على نفسه، والله هناك أناس حينما ترى حالهم البائس تتوقع أنهم فقراء، وقد تحدثك نفسك أن تعطيهم مساعدة، فإذا هم يملكون الملايين، لكنه قتور، كيف عندنا في الجسم أمراض خبيثة عضالة قاتلة مميتة ؟ الشح مرض يصيب النفس، مرض عضال قاتل مهلك، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
الإنسان حريص على ما في يديه، يتمسك بما في يديه.
7 – وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا:
أيضاً أيها الإخوة الكرام، من صفات الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
(سورة الكهف )
جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، تلا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فقرة من سورة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال: كفيت، اكتفى بجزء من سورة، اكتفى بآيتين، قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ً﴾
( سورة النساء )
ألا تكفي ؟
قوله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
( سورة فصلت: الآية 46)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى:
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
( سورة سبأ )
ألا تكفي ؟
قوله تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾
( سورة الرحمن)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
ألا تكفي ؟
ستمئة صفحة، كل آية قانون وقاعدة ومبدأ، ومنهج ودستور، ومع ذلك يقرؤون القرآن، ولا يعملون به، عندها يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ورُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ))
[ ورد في الأثر]
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
يحب المجادلة، يحب المماحكة، يحب الكلام الفارغ، يغرق في الجزئيات، ينسى مقاصد الشريعة، ينسى سر وجوده وغاية وجوده، يدخل في خصومات، في موضوعات صغيرة جداً.
إنّ مسجدا في عصور قديمة اختلف رواده على صلاة التراويح، أهي ثماني ركعات، أم عشرون، فتجادلوا، ثم تماسكوا، ثم تراشقوا التهم، وكان فيه عالم جليل، أصدر فتوى بإغلاق المسجد، قال: لأن التراويح سنة، ووحدة المسلمين فرض.
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
مرة ألقيت كلمة في مناسبة عقد قران، فذكرت أن النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر كان أصحابه لا يزيدون على ثلاث مئة إلا بقليل، والرواحل قليلة، ما الحل ؟ هو قائد الجيش، هو زعيم الأمة، هو سيد الخلق، هو حبيب الحق، فقال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، لقطة رائعة جداً، ما هذا التواضع ؟ قائد الجيش، زعيم الأمة، قمة المجتمع، رسول الله يسوي نفسه مع أقل جندي، قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فلما انتهت كلمتي، وجلست في مكاني كان إلى جانبي رجل يعمل في الدعوة، قال: هناك خطأ، قلت: أين الخطأ ؟ قال: الرواحل كانوا ثلاثمئة وأربعة عشر، الرقم الآن غير معني إطلاقاً، المعني أن ثلث هذا العدد رواحل، فالنبي قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة.
أحيانا ترى الإنسان غارقا بالجزئيات، لدرجة أنه نسي الكليات، ونسي مقاصد الشريعة.
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف)

والله أيها الإخوة الكرام، الجدال ليس ممدوحاً في القرآن الكريم، نحن في عصرنا المطلوب هو الحوار، أما الجدال ففيه مماحكة، حتى يقول الإمام الغزالي: " ما جدلت عالماً إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني ".
إذا قلت: الأعور نصف بصير، أليس كذلك ؟ والأعور نصف أعمى، الآن في الرياضيات إذا كان حدان يساويان حداً مشتركاً فهما متساويان، نصف البصير يساوي أعور، ونصف الأعمى يساوي أعور، وعندنا حد واحد مشترك يساوي الحدين، إذاً: الحدان فيما بينهما متساويان، إذاً: نصف الأعمى يساوي نصف البصير، اضرب باثنين الأعمى كالبصير.
في القرآن بالعكس، هل يستوي الأعمى والبصير ؟ بالجدل استويا، عند شخص عنده نفَسٌ طويل للجدال.
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
تسعة أعشار وقته في مناقشات وجدل لا يقدم ولا يؤخر، آدم كان طوله ستين مترا، إذا كان ستين، وإذا كان مترين، ماذا يبنى على هذا الحكم ؟ عندنا قاعدة مهمة جداً: أيّ قضية في الدين لا يبنى عليها حكم فهي باطلة.
مرة سألني أخ على الإذاعة قال: كيف قَتل قابيل هابيل ؟ قلت له: بمسدس ستة ميلي، مَن كان وقتها ؟ أنا أشعر عند شخص أسئلة سخيفة جداً لا تقدم ولا تؤخر.
مرة أخ كريم ألف كتابًا عن مرض النبي عليه الصلاة والسلام الذي توفي به، قال لي: ما رأيك ؟ قلت له: هل تسمح أن أقول لك رأيي ؟ قلت له: لا جدوى منه، النبي عليه الصلاة والسلام مات، كيف مات ؟ موضوع صغير، لو ألفت كتاباً في وصايا النبي الصحية لانتفعنا منه جميعاً، هو مات، مات بالتهاب سحايا، مات بأي مرض، لذلك القاعدة: أيّ قضية في الدين لا يبنى عليها حكم شرعي ننتفع به لا جدوى منها، بل في رأي آخر قضايا التاريخ كلها، دعك من المتخصصين، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
( سورة البقرة: 134)
ما الذي يعنينا أن نستورد حوادث تاريخية، ثم نتقاتل من أجلها، ثم تسيل الدماء، والخلافات القديمة، الفتنة ماذا تنفعنا ؟ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة البقرة: 134)
التاريخ كله بهذه الآية، ينتهي الجدال فيه، لنا هدف واضح، والوسائل واضحة، ونحن قادمون على دار آخرة فيها جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفذ عذابها.
إذاً:
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
8 – أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى:
أيها الإخوة، محور الدرس: طبيعة الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
هل يستقيم إيمانك حينما ترى في الأرض أقوياء وضعفاء وفقراء، وظالمون ومظلومون ؟
لا بد من الحساب:
إنسان عاش عمرا مديدا، وإنسان مات في سن مبكرة، امرأة وسيمة جداً، وامرأة دميمة جداً، وتنتهي الحياة، ولا شيء بعد الموت !!! أيعقل هذا ؟ أيستقيم إيمانك بهذا ؟ قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
أن يأتي طاغية يفني بحرب عالمية ثانية خمسين مليون إنسان بقرار منه، يدير حربا عالمية، وتنتهي الحياة، ولا شيء عليه ؟!
إنسان ألقى قنبلة ذرية على اليابان، الذي اصدر قرار بإلقاء القنبلة لا شيء عليه، وتنتهي الحياة هكذا ؟!
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
ما من حساب، ولا إله يحاسب، والله الذي لا إله إلا هو مرة ثانية، ما من قطرة دم تراق من آدم إلى يوم القيامة إلا ويتحملها إنسان يوم القيامة: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه ]
فكيف بمن يبيد أمما، مليون قتيل، أربعة ملايين مشرد، مليون معاق، بقرار واهم، من أجل شيء لم يعثر عليه، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
زوج ظالم يسحق زوجته، يبالغ في إذلالها وإهانتها، وضربها وأخذ أموالها، ثم يطلقها، وتنتهي الحياة هكذا ؟!
إنسان يتاجر بالمخدرات، يفسد شباب الأمة، وينتهي الأمر هكذا !؟
إنسان يدير ملهى يفسد به الشباب والرجال والسائحين، وتنتهي الحياة هكذا !؟
قال تعالى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
كأنه يحسب، هذا يظن القضية بقوته وبغناه، وبقراره، ولن يحاسب.
9 – فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ:
قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

( سورة الفجر)
يقوم بسياحة حول العالم، يرتكب المعاصي والآثام كلها، يقول لك: إذا أحب عبده أراه ملكه، من قال: إن الله يحبك ؟ إذا أحب عبده أطلعه على ملكه، من فندق إلى فندق، ومن فاحشة إلى فاحشة، ومن ملهى لملهى، ومن نواد ليلية إلى نوادٍ ليلية، ويقول لك: إذا أحب عبده أطلعه على ملكه، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
( سورة الفجر)
لولا الله أن يحبني لما جعلني غنياً، لا، الله أعطى المال لقارون، وهو لا يحبه، قال تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾

( سورة القصص الآية: 81)
أعطى الملك لفرعون، وهو لا يحبه، فلذلك أيها الإخوة، الإنسان غير المؤمن ساذج، يستند إلى أشياء مضحكة، لأنه جعله غنيا يعد الغنى محبة من الله، لأنه جعله قويا يعد القوة محبة من الله.
10 – كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى:
ومن صفات الإنسان قبل أن يؤمن: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق
ما دام قويا وغنيا، وبيده الأمور، أب قوي، أمره نافذ، معه سلاح الطلاق أمام زوجته، معه سلاح الحرمان لأولاده، أمره نافذ، ينسى أن الله سيحاسبه.
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
لذلك المؤمن دائمُ الافتقار إلى الله، ولو كان غنياً، ولو كان متمكناً، يقول: يا رب، تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين.
في بدر الصحابة افتقروا إلى الله فانتصروا، لكن في حُنين، وهم علية القوم، وهم صفوة الله من خلقه، وفيهم رسوله، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

( سورة التوبة
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
11 – إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ:
الإنسان قبل أن يعرف الله خاسر، أيّ إنسان، قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
لماذا هو خاسر ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
تصوروا إنسانا عمره عند الله سبع وستون سنة، وثمانية أشهر، وثلاثة أسابيع، وأربعة أيام، وخمس ساعات، وثمانية عشر دقيقة، وأربع ثوان، هذا عمره، كلما مرت ثانية يقترب من عمره، لأن مضي الزمن يستهلكه. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
مضي الزمن يستهلكنا جميعاً، بعد مئة عام في الأعم الأغلب لن نجد واحداً فوق الأرض، كلنا تحت الأرض، قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾

( سورة الإنسان )
مرة راجعت شريطا فيه إجابات آلية على الهاتف، سمعت هذه الإجابات أكثر من عشرة أشخاص في هذا الشريط ماتوا، وأحيانا دليل الهاتف، كل مرة تشطب اسما مات، فلذلك:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
طبعاً إلا الذين آمنوا، بعد الإيمان هناك وصف آخر، أما الحديث اليوم فعن حقيقة الإنسان قبل أن يؤمن، فهو خاسر، عنده تسعون مليار دولار ( بيل غيت )، هو خاسر، أنت وكيل شركة عملاقة، أرباحك اليومية مليونا ليرة، خاسر، هذا كلام الله، أنت عندك وكالة حصرية، خاسر، عندك ألف دنم، الدنم بخمسة آلاف، ثمن الدنم خمسة ملايين، أنت خاسر، الرقم فلكي، الآن هناك أراضٍ من خمسة آلاف إلى خمس ملايين، ارتفعت، يقول لك: بيته في الجنة، فوق الرياح، هذا كلام فارغ. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
لأن هناك الموت، والانقطاع.
12 – لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
في ضعف، أيّ خثرة دم تشله، أنت وعظَمتك ومكانتك، وهيمنتك وحجمك المالي، وشهاداتك الكثيرة ومناصبك العديدة، كل عظمة الإنسان مرتبطة بسيولة الدم، فإذا تجمدت خثرة صغيرة لا ترى بالعين في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل.
الإنسان قوته وحجمه المالي، ومكانته وهيمنته، ومناصبه ومكتسباته، وشهاداته وسيرته الذاتية، وكم بلدا زار، وعضو في عشرين أو ثلاثين جمعية، حضر أربعين مؤتمرا، كله منوط بنمو الخلايا، فإذا نمت نمواً عشوائياً يأتي النعي على الجدران، عظم الله أجركم، انتهى.
لذلك:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
أحياناً يبقى طريح الفراش ثلاثين سنة، أحياناً يموت في ثانية، وبلا سبب ظاهر، سكتة قلبية، سكتة دماغية: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
الإنسان أقل سبب ينهي له حياته.
أعرف قريبًا طالبا طب، من أسرة راقية جداً، وبيت علم، حدث معه فقر دم، وغذاؤهم جيد جداً، فقر دم، لم يدَعوا طبيباً، بعد ذلك النتيجة أن هذا الطحال هذا مقبرة كريات الدم الحمراء، فالكريات الميتة يموت في الثانية مليونان ونصف مليون كرية، هذه الكريات تذهب إلى الطحال، تحلل إلى عواملها الأولية، تحلل إلى هيموغلوبين، يؤخذ إلى الصفراء، وتحلل إلى حديد، يعاد تصنيعه في معامل نقل الدم.
هذا القريب مات بمرض، أن الطحال له نشاط زائد، بدل أن يأخذ الكريات الميتة، ويحللها يأخذ الميتة والحية، نشاط زائد أنهى حياة إنسان.
الإنسان تحت رحمة هرمون تفرزه الغدة النخامية، الغدة النخامية وزنها نصف غرام، ملكة الغدد، كل هرمون لو قلّ إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
الإنسان سريع العطب.
أعرف رجلاً مركز التنبيه النوبي للرئتين عنده تعطل، يجب أن يبقى طوال الليل كي يتنفس تنفساً إرادياً، وإلا يموت، أنت تنام نوماً عميقاً، التنفس يجري آلياً، لكن هذه نعمة كبيرة جداً، فلا ينام أبداً، إذا نام يموت فوراً، يجب أن يبقى ساهراً، شهيق وزفير، اكتشفوا دواء يأخذ كل ساعة حبة، غال جداً، فعنده أربع منبهات إذا أراد أن ينام الساعة الحادية عشرة يبرمج المنبهات على الساعة الثانية عشر، يأخذ حبة، والساعة واحدة حبة، الساعة الثانية حبة، ثلاثة حبة، أربعة حبة، للصباح، له ابن جاء من أمريكا من فرحه الشديد المنبهات أصدرت صوتاً لم يسمعها، فوجدوه ميتاً صباحاً، مركز التنبيه النوبي بالمخيخ تعطل، لابد من أن تبقى ساهراً كي تتنفس: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
فالإنسان ضعيف، والإنسان يطغى أن رآه استغنى، والإنسان في خسر، والإنسان عجول، الإنسان يتوهم أنه يترك سدى، وهذا كله من ضلال الإنسان قبل الإيمان.
خلاصة الإنسان قبل الإيمان:
أيها الإخوة الكرام:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
حدثني أخ كان مضيفا بطائرة دخلت في سحابة مكهربة، فتحطمت واجهة الطائرة، وتعطل جهاز الرادار، وكادت أن تسقط، قال لي: أوضاع الركاب شيء مخيف، بعضهم يبكي، بعضهم يندب حظهم، بعضهم يصرخ بويله، بعضهم يمزق ثيابه، بعضهم يقول: يا ولدي، قال لي: غير معقول، الطيار اضطرب جداً، قال له: هدئ الركاب، قال له: ما استجابوا، قال له انتقِ شخصًا من الركاب، فوجد شخصاً جالسا بشكل هادئ، ساكت، فاختاره، فوجده مغمى عليه، الإنسان شيء مخيف: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
14 – وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا:
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
( سورة النساء )
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
في هذا اللقاء الطيب تحدثت عن آيات كريمة تصف الإنسان قبل أن يعرف الله، هذه صفاته، أما إذا عرف الله صار إنساناً آخر .

والحمد لله رب العالمين








 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:08 AM   #14


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث عشر )

الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -5-التطابق والتوافق بين منهج الله وبين فطرة الإنسان







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التطابق بين منهج الله وفطرة الإنسان:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدروس السابقة إلى موضوع الفطرة، وإلى حقيقة الإنسان قبل أن يعرف الله عز وجل، ولكن في هذا الدرس نحن في حاجة إلى بحث دقيق متعلق بالفطرة، وهو هذا التطابق العجيب بين منهج الله وفطرة الإنسان، وأن الإنسان إن لم يتبع منهج الله فما الذي يحصل، وإن اتبعه فماذا يحصل ؟ هل هو تطابق أم تخالف ؟
1 – تشريعات الله متوافقة مع النفس البشرية:

أيها الإخوة، كنت أضرب هذا المثل: لو جئنا بخارطة مجسمة، ووضعنا حولها إطاراً، وصببنا مادة سريعة التجمد، وبعد التجمد فتحنا القالب عن شقه الآخر، نرى تطابقا مئة في المئة على مستوى عُشر الميليمتر، خارطة مجسمة، والمادة أمامنا، التطابق مئة في المئة، أي أن أيّ شيء أمرَ الله به لو طبقته لارتاحت نفسك، ولو خالفته لشعرت بالضيق، فأنت من حيث خصائصك النفسية متوافق تماماً مئة بالمئة مع منهج الله.




2 – تطبيق أوامر الله راحة للنفس وسكينة لها:
حينما تصطلح مع الله بتطبيق منهجه تصطلح مع نفسك.

والله أيها الإخوة، في نفس المؤمن المطبِّق لمنهج الله من الراحة النفسية، من الطمأنينة، من السكينة، من الاستقرار، من الرضى، من الشعور بالفوز، من صلاح البال، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الدليل: قال تعالى:

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 )
تطمئن.
أنت صادق، والله يأمرك أن تكون صادقا.
أنت عفيف لا تتطلع على عورات المسلمين، تغض البصر، فإذا غضضت البصر عن امرأة لا تحل لك تشعر بانتصارك، فأنت صاحب إرادة، ولست عبداً لشهوتك، أنت سيد لها.
حينما تقول الحق ولو كان مُراً تشعر بانتصارك على ذاتك، وتشعر بعزة، فكلما طبقت منهج الله شعرت بالتفوق.
3 – الإنسان مجبول على حب السلامة والسعادة والتفوق:

بالمناسبة أنت مجبول على حب سلامتك وعلى حب سعادتك، وعلى حب التفوق.
سيدنا يوسف، هذا النبي الكريم عدّ العلماء أكثر من عشرة أسباب تدعوه إلى الاستجابة لامرأة العزيز، فهو شاب، غريب، غير متزوج، تدعوه سيدته، ليس من صالحها أن تقول كلمة، هو معذور، هذا الإنسان قال: معاذ الله، كان عبداً، فأصبح ملكاً، ولو ـ افتراضاً ـ جمع شاب مع فتاة دعته إلى نفسها، واستجاب لها لسقط في الوحل، وانتهى، ما الذي رفع هذا النبي الكريم إلى الأوج ؟ عفته.


4 – الفطرة تحب الخير:
الفطرة تحب العفة، الفطرة تحب الصدق، الفطرة تحب الوفاء
الفطرة تحب الإحسان، الفطرة تحب الرحمة، أنت دون أن تشعر إن رأيت عملاً رحيماً تذوب فيه، إن رأيت وفاءً، إن رأيت صدقاً، إن رأيت تضحية، الذي يعجبك في الناس مطابق لفطرتك.
والله أيها الإخوة، لولا الفطرة لما تاب أحد من ذنبه، يقول الإنسانُ: أي ذنب عملت ؟ لكن أشد الناس انحرافاً يعرف أنه منحرف، فيتألم أحياناً، ويندم، ويبكي أحياناً، أكبر معاونة لك من قِبل الله أنه فطرك فطرة عالية، فإذا أخطأت عذبتك فطرتك، للتوافق التام بين الفطرة ومنهج الله.
قد تجد إنسانا فقيرا ضئيل الشأن، خشن الطعام، خشن الثياب، يسكن في بيت كأنه كوخ، لكنه مستقيم، رافع الرأس، عزيز النفس، متفائل، واثق من الله عز وجل، وقد تجد إنسانا يملك الملايين، لكنه دنيء النفس، يحتقر ذاته.

5 – بين احترامِ الذات واحتقارِها:
أيها الإخوة الكرام، هناك مصطلح اسمه احترام الذات، أو احتقار الذات
قد تكون في أبهى زينة، وقد تكون في أقوى موقع، وقد تكون في أكبر ثروة، لو أن فيك خيانة وكذبا ودجلا ونفاقا وتجميع الأموال من ابتزاز أموال الناس، ومن إدخال الرعب على قلوبهم، فمثل هذا الإنسان منهار من الداخل، يحتقر ذاته، ومهما عظمه الناس، مهما بجلوه، مهما رفعوه، مهما تأدبوا أمامه فهو يحتقر ذاته، أما حينما يكون صادقاً أميناً، لا يخون، لا يكذب، لا ينافق، قد يكون ضئيل الشأن، قد يكون من عامة الناس، لكنه يشعر بعزة الكمال، وعزة الاستقامة، من هنا الدعاء الشريف:

((... وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ... ))
[ أبو داود عن الحسن بن علي ]
6 – حبُّ الكمال من الفطرة، والكمال من الصبغة:
يجب أن نعلم علم اليقين أنك مبرمج وموَلّف ومفطور ومجبول على الكمال، وأن تحب الكمال لا يعني أن تكون كاملاً، فحب الكمال شيء
هذا فطرة، وأن تكون كاملاً شيء آخر، هذه صبغة، الصبغة أن تصطبغ بالكمال الفطرة أن تحب الكمال، أهل الأرض من دون استثناء يحبون الكمال، وقد لا يعني هذا أنهم كاملون، لكن المؤمنين حصراً الذين اتصلوا بالله عز وجل، واستقاموا على أمره هم كُمَّلٌ، اصطبغوا بالكمال، هذا الكلام مفاده أن هناك تطابقاً مذهلاً بين أدق دقائق الشرع وجبلة الإنسان، فأيّ إنسان أطاع الله عز وجل نقول له: أنت اصطلحت مع نفسك.
أحياناً تلتقي مع إنسان شهم كريم عفيف، يحس بعزة، والله أقول له: كأنك ملِك.
إنّ رجلا أوصل أم سلمة من مكة إلى المدينة دون أن ينظر إليها، يقود جملها، وبعد مرحلة متعبة ينيخه ويبتعد، التاريخ لا ينسى له هذا الموقف، إنه رجل في عزة.
يا أيها الإخوة الكرام، اعلم علم اليقين أن الله برمجك على كمال أمرك به، فإن فعلت الكمال وجدت نفسك، واصطلحت معها، وارتحت راحة نفسية لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
7 – تطبيق مبادئ الفطرة السليمة طريق السعادة والفلاح:
الآن التوافق حينما تأتي أفعالك مطابقة لفطرتك، حينما تصدق، وقد أمرت أن تكون صادقاً
حينما ترعى العهد، وقد أمرت أن تفعل ذلك، حينما ترحم، وقد أمرت أن ترحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، تشعر بشيء لا يوصف، تسميه تجليًّا، أو سكينة، أو رحمة، أو رضى، أو سرورا، أو غنى، فهو شعور بالغنى على شعور بالرضى، وبالراحة، وبالسكينة، وبالتماسك، وبقوة الشخصية، وبرفع الرأس عالياً، لأنك طبقت منهج الله أو وفي الوقت نفسه اصطلحت مع نفسك، فصار الوفاق.
أيها الإخوة الكرام، هل هناك رجلٌ واحد لا يبحث عن السعادة ؟ السعادة في طاعة الله، وتطبيق مبادئ فطرتك، السعادة في أن تصطلح مع الله، وحينما تصطلح مع الله دون أن تشعر تصطلح مع نفسك، حينما تصطلح مع نفسك دون أن تشعر تصطلح مع الله، لأن منهج الله وخصائص نفسك متطابقان تطابقاً تاماً، هذا أول قسم في الموضوع.
8 – تطبيق مبادئ الفطرة طريق العزة والكرامة:
القسم الثاني طبقت المنهج لا يستطيع أحد أن ينال منك، هذا عز الطاعة، قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26) ﴾
( سورة يونس )
معي شواهد كثيرة:
أنت تحب أن تكون موظفا في الدرجة العاشرة، تحب أن تكون كاتبا، مراسلا، عاملا على الهاتف، تحب أن تكون رئيس دائرة، أو معاون وزير، تحب أن تكون مليونيرا، تحب أن تكون مديوننيرا، أنت عزيز، كريم، رحيم، واثق من الله عز وجل، فالتوافق يعني مؤمنا اصطلح مع نفسه، يقول لك: مؤمن سعيد، يقول لك: مؤمن قوي الشخصية، مؤمن عزيز، مؤمن متواضع، مؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم، هذا التوافق. 9 – معظم الأمراض النفسية بسبب الخروج عن مبادئ الفطرة:
لا سمح الله ولا قدر التعارض انهيار داخلي، اختلال توازن، احتقار للذات، شعور بالذنب، كآبة، إحباط، ردود قاسية، تصرف غير حكيم، من نتائج عدم الانسجام مع النفس، والعياذ بالله الذين يبنون مجدهم على أنقاض الناس، أو غناهم على إفقار الناس، أو قوتهم على إضعاف الناس، أو عزهم على إذلال الناس
هم أشقى الناس، لأنهم اختل توازنهم، فهم في قلق، في خوف من المجهول، في ردود فعل قاسية جداً، ليس لهم حكمة أبداً، هناك آلاف الشواهد، الذي انسجم مع فطرته هادئ وديع، الأمور عنده ميسرة، حياته بسيطة غير معقدة، كلامه لطيف، أعصابه متينة، حليم، أما حينما يقف موقفا عنيفا بلا مبرر يكون فيه غليان داخلي، واضطراب داخلي، وقلق داخلي، وخوف داخلي، خوف من المجهول.
مِن أطرفِ ما سمعت في ألمانيا أن فندقا كُتِب على السرير: " إذا لم تَنَمْ هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكنها في ذنوبك، إنها كثيرة ".
إذا كان الإنسان مستقيما يقول لك: ما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى غرقت في نوم عميق، يقول: فلان نائم على ريش نعام، لا ذنب له، ما أكل مال أحد، ما ظلم أحدا، ما كذب على أحد، ما نافق، ما سبّب انهيار أسرة، ما ابتز أموال الناس، ما أخافهم، ما أرهبهم، نائم على ريش نعام، والذي يبني مجده على أنقاض الناس ما إن يضع رأسه على الوسادة فتبدأ متاعبه، يقول لك: إنسان ببذل الجهد يحس بضيق في الصدر
هذا معه تضيّق، وهناك أشخاص معهم تشنج، في الراحة يشعر بضيق الصدر، ينام، ويقول: أنا ضائق الصدر، معي شيء ليس طبيعيا، لما كان النهار فهو مشغول بالعمل، ولما آوى إلى الفراش استيقظت أمامه ذنوبه وأخطاءه فأقلقته، فشعر بالضيق، وأحياناً الشدة النفسية تضيق الأوعية، يقول لك: ارتفاع ضغط تشنجي، وارتفاع ضغط وعائي، وأحيانا الوعاء تضعف مرونته من ترسب مواد دهنية حوله، فالذي معه تضيق حقيقي يظهر هذا الألم على الحركة، والذي عنده ذنوب كثيرة يظهر هذا الألم عند النوم، لأنه حينما يأوي إلى الفراش بدأ يحاسب نفسه، بدأت فطرته تعذبه، ما الذي يحصل ؟ الذي يحصل أن الإنسان إذا خالف منهج الله وخرج عن مبادئ فطرته، وأساء للخلق، ابتز أموالهم، اغتصب بيتا، اغتصب شركة، اغتصب حقوق موظف عنده، هو قوي، ولفّق له تهمة، وطرده، وما أعطاه تعويضا، وله معه مبالغ ضخمة متراكمة، قال له: ما لك عندي شيء، وقال له: أنت خنتني، والموظفون يسكتون لأنهم يخافون منه، أما هو في أعماق أعماقه اعتدى عليه، وأكل ماله، وشوه سمعته، وطرده، فترى صاحب هذه المؤسسة عنده قلق، عنده قلق من المجهول، عنده خوف من لا شيء، عنده قسوة غير معقولة، عنده ردود فعل قاسية جداً، لأن حدث له اختلال توازن، وشرخ عميق، واحتقار للذات، وشعور بالذنب وكآبة.
صدقوا أيها الإخوة الكرام، تكاد تكون معظم الأمراض النفسية وراء خروج على مبادئ الفطرة.
نحن درسْنا في الجامعة في علم النفس أو في الصحة النفسية مرضا اسمه: ( الهستيريا )، طبعاً باللغة الدارجة تستخدم لرجل مختل التوازن مجنون مهستر، أما في المصطلح العلمي الهستيريا شلل لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية.
قصص من واقع الناس في اختلال التوازن:
القصة الأولى:
تُروى قصة في بريطانية ؛ أن إنسانا مريضا استدعى طبيبا عنده فتاة جميلة جداً، هذا الطبيب خان الأمانة، وتحرش بالفتاة، فأصيبت يده بالشلل، شعوره بالذنب أنه إنسان عمله إنساني، جاء إلى بيت ليسعف مريضا أغرته هذه الفتاة فتحرش بها، واليد التي تحرش بها شلت، هذا المرض شلل عضوي لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية، لا حل له إلا أن يعمل عملاً بطولياً حتى ينسى هذه الخيانة.
القصة الثانية:

حدثني أخ من بلد مجاور أن إنسانا أرسل ابنه إلى البقالية الساعة الثانية في الليل بمنطقة في شمال بيروت، فإذا سيارة مسرعة دهسته، ومات فوراً، لكن في الساعة الثانية ما لم يكن هناك شرطة ولا شهود ولا أحد، كتبت هذه الحادثة ضد مجهول، والذي دهسه نجا من كل مسؤولية، أول يوم ما قدر أن ينام أبداً، ثاني يوم ما نام، مضى عشرون يوما ما نام لحظة، التقى مع طبيب نفسي، قال له: لن تستطيع النوم، نفسك تعذبك، طفل مثل الوردة دهسه، وخاف من المسؤولية فهرب، لكن هناك حساب النفس، قال: ليس هناك حل ثانٍ إلا أن ترسل لأهل هذا الطفل الذي كنت سبباً في موته الدية، ولتكن مجزية من أجل أن تنام.
والله أيها الإخوة، إذا ما انتبه إنسان لنفسه يُعذَّب عذابًا لو أخطأ، لو أكل حقوق الناس، لو طلق زوجته ظالماً، أنا والله لا أرى أكثر حمقًا ممن يستهين بمحاسبة النفس، حتى إنه أقيم استبيان، ووزعوه على مئة زوج، لماذا لا تخون زوجتك ؟ جاءت الأجوبة وصنفت تصنيفا أخلاقيا: أدنى الأجوبة: لا أستطيع، لأنها معه في العمل، هناك جواب أرقى: لا أتحمل الشعور بالذنب، الخيانة ذنب كبير، وأرقى من هذا: لا أحب الخيانة. من نتائج التوازن النفسي في الإنسان:
اختلال التوازن النفسي سبب للتعلُّقِ بالعقائد الفاسدة:
أيها الإخوة، لما يختل توازنُ الإنسان يلجأ إلى ما يلي: إلى التعلق بعقيدة فاسدة، فأيّ فكر يغطي انحراف الإنسان، ويعفيه من المسؤولية يتشبث به، فإذا قدّم الرجلُ بضاعة مغشوشة للمسلمين، بضاعة غذائية، حليبا مضافا إليه الماء، هو في قرية ما عنده ثقافة، عنده مشكلة في الداخل، حضر درس علم، الموضوع عن الشفاعة، يطرب لهذا البحث طربا أيّما طربٍ:
(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ))
[ الترمذي عن أنس ]

أمّن نفسَه، لأنه تعلق بهذا الموضوع غير الصحيح، الحديث صحيح، لكن الشفاعة لها بحث طويل ودقيق، وقد يفهمها الناس فهماً ساذجاً، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾
( سورة الزمر )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ:
(( يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))
[ مسلم ]
(( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
لكن الذي ألقى هذا الكلام في المسجد ضعيف المعلومات، ما عنده إمكانية أن يحلل، فأوهم الناس أن أيّ إنسان يشفع له النبي، ويغفر الله له ذنوبه، والإنسان الذي يغش الناس تمسك بهذا الحديث، وتعلق بهذا الدرس، ورواه لمئة إنسان، هل سمعت ما قال الشيخ ؟ ما هذا الدين العظيم ! لأنه غطى له انحرافه، ولما يخالف الإنسان فطرته يتعلق بأي نص ضعيف، بأي فكرة غير صحيحة، بأي تفسير ضعيف، بأي رأي شاذ، بأي فتوى ضعيفة، حتى يرتاح.
كنت أقول دائماً: يمكن أن تصدق فكرة ليست صحيحة، ولا تبحث عن الدليل إطلاقاً، كمثل إنسان أراد أن يشتري سيارة، وله صديق آخر أراد أن يشتري سيارة، الآخر اشترى، والأول ما اشترى، بعد يومين سرت إشاعة في البلد أن ثمة مشروع قانون أو مرسومًا بتخفيض الرسوم خمسون بالمئة، رسوم السيارة مئتا ألف صار مئة، الذي اشترى يكذب، ويقول: هذا غير صحيح، سمعناها مليون مرة، ولم يحدث شيء، كله كذب، التكذيب يريحه، والذي ما اشترى يقول: أعوذ بالله، كيف يكون هذا كذبا ؟! البلد بحاجة إلى تخفيض رسوم، أنا واثق أن الكلام صحيح. فلا الأول طالب بالدليل، ولا الثاني، لكن الأول أزعجه الخبر، فدافع عن نفسه بتكذيبه، والثاني أراحه الخبر، فتشبث به، فأيّ إنسان ينحرف بأخلاقه وسلوكه دون أن يشعر يتعلق بأي فكرة دينية ضعيفة غير صحية، لأنها تريحه.

شارب الخمر يفتح القرآن فيقرأ قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ (90)﴾
( سورة المائدة ).
يقول: الله ما حرمه، بل قال: ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
هذا أمر إرشادي، هات آية الخمر فيها حرام ؟ صار الإنسان فقيها، لأنه قال:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
ارتاح، إذاً: الخمر ليس حراما.

إنّ أيّ إنسان ينحرف يأكل الربا، ويقول: الله ما حرم الربا إلا بأضعاف مضاعفة، الدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (130) ﴾
( سورة آل عمران ).
فأنا آخذ بالمئة خمسة.
لما ينحرف الإنسان، ويختل توازنه، وينكشف أمام نفسه يحاول أن يعيد التوازن بتعلقه برأيٍ شاذٍّ، بفتوى ضعيفة، باستنباط شخصي، برأي منحرف يتمسك به.
لذلك اسمعوا هذه الحقيقة، أنا لا أوافق أبداً أن يظهر على الشاشة ملحد مع مسلم، الملحد يدلي بأدلة على أن الإله غير موجود، الذي عنده رغبة أن يكون ملحدا يعجبه الدليل، ولا يصغي للرد إطلاقاً، ويسمع عشرات الملايين الكلام الباطل، هذه مشكلة كبيرة، لذلك لا تقبل أن تكون طرفا في مناظرة، ولو كنت أقوى من الطرف الآخر، لكن الذي يعجبه اتجاه الطرف الأول يأخذ أدلته على أنها يقينية، ويتمسك بها.
أول ظاهرة من ظواهر اختلال التوازن التعلق بعقيدة زائغة.
الطعن في الصالحين:
والظاهرة الثانية الطعن في الصالحين: هو غير مستقيم، يقول لك: لا أحد مستقيم.
مرة سألت طالبا: أين وظيفتك ؟ قال: لسنا كاتبين كلنا يا أستاذ، قلت له: أنت كم واحد ؟ إذا قال: لست كاتبا لها، فهو وحيد، إذا قال: لسنا كاتبين يريد أن يوسع الغلط حتى يرتاح.

لو كنت عالم نفس ترى ردود فعل الناس عندما يرتكبون المعاصي والآثام، وحينما يسألون تسمع أشياء مضحكة، يقول لك: لولا أن المرأة لها أن تظهر مفاتنها، وهذا شيء شرعي لما كان من موجبٍ لغض البصر، شيء جميل، هذا فقه جديد، إذا كان له زوجة متفلتة تبرز كل مفاتنها للناس، يفكر لماذا هناك غض بصر، لأنه مسموح للمرأة أن تبرز كل مفاتنها، إذاً: غُضَّ بصرك !!!
والذي يحب المال يقول: الله عز وجل جعل الزكاة فرضا من أجل أن نكون أغنياء، فإن كنا فقراء فقد عطّلنا هذه الفريضة !!! يا الله، لو أن إنسانا خالف منهج الله عز وجل تخرج منه أفكار غير معقولة إطلاقاً.
مرة قال لي إنسان: النصب مقرَّرٌ في القرآن، ما هذا الكلام ؟ قال: قال تعالى:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾
شيء عجيب أيها الإخوة، حينما تخالف فطرتك، حينما تخالف منهج ربك أول شيء تتعلق عقائد زائغة، وبأحكام باطلة، وفتاوى شاذة، وآراء فقهية ضعيفة.
والشيء الثانية: تطعن في الصالحين، وكلّ إنسان مهما تألق، مهما ارتقى عند الله، مهما أخلص، مهما أناب، مهما تواضع فله مآرب، يقول: لا تعرفون شيئًا، يشكّك بكل شيء، وصدّق هذا شيطان، يشكك بأي إنسان، لا يصدق إنسانا مستقيما، ولا إنسانا يخاف من الله، تريدون دليل: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ (24) ﴾
( سورة المؤمنون).
اتُّهِم نبي كريم أن دعوته من أجل الاستعلاء والهيمنة.
أول شيء: الطعن في الصالحين.
الشيء الثاني: التعلق بعقائد زائغة. الحل لمشكلة اختلال التوازن:
هل هناك حل حقيقي لاختلال التوازن ؟

أن تتوب إلى الله، الخطأ تب منه، ترجع سويا.
عندنا ثلاثة حلول، حل سوي صحيح يرضي الله، أن تعود إلى الصواب، وأن تقبل بالصواب، وأن تتوب إلى الله، وأن ترجع إليه، فإن كان فيك توازن مختل يُرَمَّم، أو كآبة تزول، أو حاجة إلى طبيب نفسي تنتهي هذه الحالة، أو وساوس ترتاح منها، أو شعور بالانهيار يرمم هذا الشعور بالتوبة، بالصلح مع الله، أما أن تقيم على هذه المعصية فلا بد من أن تفكر تفكيرا آخر، فتشكّ بكل إنسان، لأن الذي يشك هو غير مستقيم.
تذكية الذبيحة: أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى موضوع علمي عنوانه: تذكية الذبيحة.
1 – عدمُ قطع رأس الذبيحة حكمةٌ بليغة:
النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا نذكي الذبيحة
أيْ أن نجعل دمها يخرج منها كله، عن طريق أنه نهانا عن أن نقطع رأسها، بل أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، لماذا ؟ لا نعرف، الأمر بقطع أوداج ومعظم مسالخ العالم تعلق الدابة من رجليها، ويقطع رأسها، فلا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بعد مئة عام، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وأربعمئة عام هناك جهة في الأرض تستطيع أن تفسر هذا الأمر.
شيء ثابت عندكم جميعاً أن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ليست من اجتهاده، ولا من خبرته، ولا من بيئته، ولا من معطيات عصره، ولا من ثقافته، إن هي إلى وحي يوحى.
2 – التعليل العلمي لعدم قطع رأس الذبيحة:
لماذا أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، والمسلمون في شتى بقاع الأرض الذبح عندهم دون قطع رأس الدابة، بل يبقى موصولاً، التعليل العلمي:

لأن القلب أنبل أعضاء الإنسان، ولأنه إذا توقف انتهت حياة الإنسان، ولأنه من أعضائه النبيلة جعل الله له مركزاً كهربائياً يعطيه الأمر بالنبض، فالقلب ما له علاقة بالشبكة العامة، له علاقة بكهرباء ذاتية، تماماً كمستشفى تجرى فيها عمليات قلب مفتوح، والمريض حينما يفتح صدره توصل أوعيته بقلب صناعي، ويخدر القلب، ويجرى فيه العمل الجراحي، بعد أن ينتهي هذا العمل يصعق القلب صعقة كهربائية فينبض، ويعود الدم من القلب الصناعي إلى القلب الطبيعي، لو أن الكهرباء قطعت في هذه المستشفى لتوقف القلب الصناعي ومات المريض، إذاً: أي مستشفى فيها عمل جراحي تحتاج إلى مولّدة خاصة.
القلب البشري يتوقف حياة الإنسان على نبضه، لذلك الله عز وجل زوده بمركز كهربائي ذاتي يعطي الأمر بالنبض، لو تعطل هذا المركز فهناك مركز ثانٍ، لو تعطل الثاني فهناك مركز ثالث، ثلاثة مراكز، الأول هو الأصل، والثاني والثالث هما الاحتياط، إلا أن هذه المراكز الثلاثة لا تعطي إلا الأمر النظامي ثمانين ضربة في الدقيقة، والإنسان قد يكون حاملا لأثقال، يصعد درجا عاليا فيحتاج إلى نبض أعلى، يحتاج إلى مئة وثمانين نبضة، القلب ينبض من ثمانين الحد الأدنى إلى مئة وثمانين نبضة، كيف ينتقل القلب للنبض العالي ؟
آلية النبض الاستثنائي عند الإنسان:
هناك آلية معقدة جداً أوضحها لكم عند الإنسان، بعدها ننتقل إلى الدابة، إذا مشى الإنسان في بستان، ورأى أفعى ماذا يحدث ؟ صورة هذا الثعبان تنطبع على شبكية العين إحساساً، إلا أن الشبكية لا تقرأ الصورة، ثم تنتقل للدماغ إدراكاً، في الدماغ مفهومات الثعبان، هذه جمعت من دراسته، من قصص سمعها، درس في كتاب العلوم درساً عن الأفاعي والثعابين، ساهمت هذه المعلومات في تكوين الأفعى
الدماغ يدرك حقيقة هذا الشيء، الدماغ ملِكُ الجهاز العصبي، أدرك الدماغ أن هناك خطراً قاتلاً، هناك ملكة هي ملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية ملكة، وزنها نصف غرام، تفرز تسعة هرمونات، كل هرمون لو تعطل إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، ملك الجهاز العصبي يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني أن تواجه عن طريق ضابط اتصال هو تحت السرير البصري خطرَ الأفعى، هذه الملكة توجه أمراً هرمونياً إلى غدة الكظر، وهي غدة فوق الكلية كي تواجه الخطر، ماذا تفعل غدة الكظر ؟ هي مكلفة بمواجهة الخطر، ترسل أول أمر إلى القلب برفع النبض من ثمانين نبضة إلى مئة وثمانين نبضة ليواجه الخطر، فالخائف لو قست نبضه لوجدتَه مئة وسبعين أو مئة وثمانين، ولأن هناك علاقة بين القلب والرئتين فلا بد للرئتين أن يرتفع وجيبُهما، لذلك هناك أمر ثانٍ يتجه من الكظر للرئتين، فيزداد وجيب الرئتين، فالخائف يلهث، الخائف عنده أوعية محيطية، هذه الأوعية تعطيه اللون الوردي، فهو خائف في هذه اللحظة الحرجة، ولا يحتاج للون وردي أبداً، يحتاج للنجاة، لذلك يأتي أمر هرموني للأوعية المحيطية فتضيق لمعتها، فيصفر لونه، فالخائف يصفر لونه، مثل الكهرباء أصفر، ثم الكظر يرسل أمرا للكبد بطرح كمية سكر إضافية للدم، لو فحصت دم خائف لوجدت سكره مئة وثمانين أو مئتين وخمسين، الأحوال الطبيعية خمسة وثمانين، السكر طاقة يحتاج إلى بذل جهد، وهناك أمر خامس هو طرح هرمون التجلط، هذا يتم في ثوانٍ، أمر للقلب، أمر للرئتين، أمر للأوعية، أمر للكبد، الآن القلب ينبض مئة وثمانين نبضة.
آلية النبض الاستثنائي عند الحيوان:
الآن ننتقل إلى الدابة، نفس الجهاز، نفس الآلية، لما نقطع رأسها نعطل الأمر الاستثنائي لرفع النبض، لأن الرأس إذا بقي الرأس موصولاً فالأمر الاستثنائي جاهز، فحينما نذبح الدابة يرتفع النبض مئة وثمانين نبضة، وجميع الدم يخرج، ولو كان الرأس مقطوعا كان النبض ثمانين نبضة، فيخرج ربع الدم فقط، والدم مكان لكل الجراثيم والأوبئة والأمراض
لذلك الدابة لا تذكَّى إلا بإخراج دمها، ولا يخرج دمها إلا إذا بقي الرأس موصولاً، مَن علم النبي ذلك ؟
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
هذا يندرج تحت دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
لكن أيها الإخوة الكرام، حدثني صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري اللحم صفقة للحكومة السورية، لما طلب الذبح بهذه الطريقة رفعوا السعر، فكان جوابهم: البقرة فيها ثمانية كيلوات من الدم، لو ذبحناها بهذه الطريقة لخرج الدم، وينقص الوزن ثمانية كيلو، ادفع لنا ثمانية كيلو زيادة بكل دابة، القضية واضحة، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمرنا لا نقطع رأس الدابة من أجل أن يكون دمها كله خارجاً منها عند الذبح.
إن هو إلا وحي يوحى:
إذاً: هو رسول الله، لم يستنبط هذا التوجيه لا من ثقافته، ولا من معطيات بيئته، ولا من اجتهاده. ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:12 AM   #15


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع عشر )

الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -6- الفرق بين الفطرة والصبغة وبين الطبع والتكليف









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
( 1 ) بين الفطرة والصبغة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، والموضوع اليوم فرع من فروع الفطرة، وهو الفرق بين الفطرة والصبغة، وبين الطبع والتكليف.
1 – الفطرة متوافقة مع المنهج الرباني:

أيها الإخوة الكرام، الفطرة جبلة النفس خصائص النفس، ما فطرت عليه النفس قال تعالى:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾
( سورة الروم: 30)
فخصائص النفس تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله مع أحكام الدين: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾
( سورة الروم: 30)
أي: إذا أقمت وجهك للدين، أي خضعت لكل أوامره، واجتنبت كل نواهيه فهذه الأوامر، وهذه النواهي هي نفسها الفطرة التي جبلت عليها. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾
( سورة الروم: 30)

لكن قد يتبادر إلى الذهن أن الإنسان ما دامت فطرته كاملة فهو كامل، الجواب: لا، أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر، أن تحب الرحيم شيء، وأن ترحم شيء آخر، المؤمن الذي عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، واتصل به، واشتق منه الكمال يصبح رحيماً، فالرحمة صبغة صبغ بها من قِبل خالقه، أما قبل أن يؤمن، قبل أن يعرف الله، قبل أن يصطلح معه، قبل أن يستقيم على أمره في أصل تركيبه يحب الرحمن، يحب الرحيم، حتى إن أبعد الناس عن الله عز وجل يحب الموقف الرحيم، يحب الموقف العادل، يحب الإنصاف، يحب العدل، هكذا فطرنا، ولولا محبتنا للكمال لما عذبتنا نفوسنا إذا خرجنا عنه.
دقق أيها الأخ، لولا أن الله عز وجل فطر الناس فطرة عالية ما تاب أحد من ذنبه، لماذا يتوب ؟ لو توافقت خصائصه مع المعصية، مع الجريمة، مع الظلم، يظلم، ويعصي، ويأخذ ما ليس له، وهو في قمة الراحة النفسية، لكن لأنه فطر، ولأنه جُبِل، ولأنه بُرمِج، إن صح التعبير، وفق الكمال، فأيّ خروج عن هذه الخصائص تعذبه النفس، من هنا ظهرت الأمراض النفسية، المرض النفسي معاقبة الفطرة لذاتها، تعاقب الفطرة صاحبها إذا خرج عن مبادئها، وأكبر رادع، أكبر حافز إلى التوبة وطاعة الله هو الفطرة، يقول: لست مرتاحًا، لماذا هو لا يرتاح ؟ لأن فطرته تعاقبه على خروجه عن مبادئها.
نستنبط أنه سواء عصى الإنسان ربه، أو خرج عن مبادئ فطرته فالمؤدَّى واحد، والنتيجة واحدة.
2 – الصبغة كمال في الإنسان :
الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة من دون أن تنظر إلى أحد، من دون أن ترجو أحدا، من دون أن تخشى من أحد، أنت كامل، لا تفعل إلا الكمال.
مثلاً: لما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح سبعون ألف إنسان مسلم في يومين، أما لما فتحها صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ لم تُرَقْ قطرة دم واحدة، لأن الإنسان الموصول بالله مصطبغ بالكمال، و يقع الإنسان في صراع وشد ورد، وإقدام وإحجام، أما إذا كان مصطبغاً بكمال الله فهو في الأعماق.
صدق، ولا أبالغ، إذا اتصلت بالله عز وجل وحدك ومع الناس، في خلوتك وفي جلوتك، أمام مشاهد كثيرة أو أمام مشاهدين كثيرين، أو وحدك في البيت، لا تفعل إلا الكمال، لأن الكمال أصبح صبغة لك.

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (138) ﴾
( سورة البقرة)
أيها الإخوة الكرام، إذا لم يكن الفرق بين المؤمن و غير المؤمن فرقا صارخا فليس هذا هو الإيمان، ليس الإيمان الذي يظهر لأداء عبادات، ولكن الإيمان يظهر في كل دقيقة من دقائق حياتك، إن تكلمت فأنت صادق، إن حكمت فأنت منصف، إن قدرت فأنت تعفو
ولا يشد الناس إلى الدين إلا الكمال الذي ينبغي أن يتحلوا به، ولا يشد الناس إلى الإسلام صلاتنا ولا صيامنا، ولا حجنا ولا زكاتنا، يشد الناس إلى الإسلام صدقُنا وأمانتنا، ورحمتنا وإنصافنا، الموقف الأخلاقي له قوة تأثير مذهلة، فما الذي فعله النبي الكريم حتى قال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
كان صادقا، أمينا، رحيما، متواضعا، ما تكلم كلمة إلا طبقها، ما في قلبه على لسانه، والذي يقوله في قلبه حق وحقيقة.
إذاً: الإيمان يحتاج إلى جهد كبير، أما إذا جهدت، وتعرفت على الله، وطبقت منهجه، واتصلت به يغدو الأمر إليك سهلاً جداً، لا تظلم، لا تأخذ ما ليس لك، إن كنت تحت رقابة، أو من دون رقابة، إن كنت وحدك أو مع الناس.
قال ابن عمر لرجل: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال له الراعي: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ >>.
لعلك تقول: هناك مبالغة، إن لم يحبك الناس من أعماق أعماقهم ففي الإيمان خلل.
صور من الصبغة الأخلاقية في حياة الصحابة:
كنت أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهِموا الإسلام كما نفهمه نحن الإسلام لما خرج من مكة، ما الذي جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ؟ ما الذي جعل الناس يقبلون على هذا الدين إقبالاً منقطع النظير ؟ لأنهم يروا أناساً يتحركون وفق منهج الله المبادئ كبيرة جداً.
بين سيدنا عمر وجبلة بن الأيهم:
في عهد سيدنا عمر ملك اسمه جبلة بن الأيهم وأعرابي من قبيلة فزارة، بالتعبير المعاصر من الدهماء، من السوقة، من الطبقة الدنيا، يقف في حضرة عمر أمام جبلة نداً لند، جبلة ملِك دخل في الإسلام، فرحّب به عمر، طاف جبلة بن الأيهم حول الكعبة فداس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي اشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملِك جبلة، وقف أمامه نداً لند، وقال له:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة:
لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر:
أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
صعق جبلة.
قال:
كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
قال عمر:
نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها.
أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة:
كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر:
عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الدين.
قصة فتح سمرقند:

هل من المعقول لجيش ضخم ذهب إلى سمرقند وفتحها واحتلها، إن شئت أن تقول: يذهب وفد سراً من سمرقند إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويخبر الخليفة أن فتح هذه المدينة لم يكن شرعياً، الفتح الشرعي أن يعرض الإسلام على أهل المدينة، فإن أسلموا فهُم منا ونحن منهم، ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو الإسلام، فإن أبوا يدعون إلى دفع الجزية، فإن أبوا يقاتلون، يبدو أن هذا الجيش تجاوز الشرط الأول والثاني، وفتح المدينة، تروي الروايات أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كتب على قصاصة ورق صغيرة، وأعطى أمراً لقائد الجيش أن يخرج هؤلاء الوفد، نظروا، القصة مثل الخيال، هم في الطريق يشككون، فلما وصلوا يأتي أمر من خليفة إلى قائد الجيش أن انسحب، واسلك الطريق الشرعي في فتحها، حينما أعطوا هذه الورقة لقائد الحملة قبلها، وأعطى أمرا بالانسحاب، قالوا: لا، نحن أسلمنا جميعاً، ما دام الأمر هكذا فيه عدل.
والله أيها الإخوة، نقرأ التاريخ أحياناً من شدة غرابته لا يصدق، العدل بهذه الرحمة، بهذا الصدق، بهذه الأمانة، هكذا فتحت البلاد، فتحت بالعلم، فتحت بالإحسان، فتحت بالرحمة، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطعمون الأسرى أطيب الطعام، ويأكلون أردأه، حتى أسلم الأسير، الفرق كبير جداً، لقد رضي الله المؤمنين، والآن لا تطمع من أحد أن يقتنع بالإسلام إن لم تكن كاملاً، إن لم تكن منصفاً، إن لم تكن رحيماً، إن لم تكن حكيماً، معك فكر، ومعهم فكر، تتكلم، ويتكلمون، تؤلف كتابا، ألفوا مئة كتاب، قضية معلومات ومناقشة وحوار قضية سهلة جداً، أما الموقف الأخلاقي فهو الموقف البطولي.
صحابي جليل وقصة الوفاء بالعهد:
هل من المعقول لصحابي جليل في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه، فقال لمن قبض عليه: عهدُ اللهِ إن أطلقتموني فلن أحاربكم، فأطلقوه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرّ به سروراً عظيماً، بعد سنتين هناك غزوة، هذا الصحابي دون أن يشعر نسي وعده، فانخرط مع الجنود، قال له النبي: ارجع، ألم تعاهدهم ؟ هذا هو الدين، الدين صدق، الدين أمانة.
الآن يا أيها الإخوة، ليس هناك شيء يشد الناس إلى الإسلام إلا أن يراك الناس بأعلى درجة من الصدق والأمانة والاستقامة.
النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان صادقاً، وكان أميناً، الآن يقول لك بعض المتطرفين: إن مال الكفار مباح لنا، من قال لك ذلك ؟ النبي عليه الصلاة والسلام لماذا وضع ابن عمه علياً رضي الله عنه مكانه في السرير ؟ ليؤدي الأمانات إلى أهلها، هذه أمانات من ؟ أمانات المشركين، لمَ لمْ يقل: هؤلاء مشركون، ومالهم حلالٌ لنا ؟ قال تعالى:
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾
( سورة المائدة)
والله أيها الإخوة، لما تعامِل إنسانا غير مسلم فعليك حساب مضاعف، لأنك إن أساءت إليه فهذا إنسان غير المسلم، لا يقول: فلان أساء إلي، يقول: الإسلام أساء إلي.
(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))
[ ورد في الأثر ]
إن أسأت إلى مسلم يقول لك: فلان أساء إلي، أما إذا أساءت إلى غير المسلم فيقول لك: المسلمون سيئون، فيعمم القول والتهمة، يتهم الدين كله بالتقصير.
قصة إمام في عصرنا:
يا أيها الإخوة الكرام، دائماً كنت أروي هذه القصة لأنها معبرة، إمام سكن في لندن، ثم نُقل إلى ظاهر لندن إلى مانشيستر، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له السائق التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، ودخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، يروي كاتب القصة وهو الإمام نفسه أنه وقع مغشياً عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
لما باع المسلمون دينَهم بتوقيع كاذب، بتصريح كاذب، لما اغتصب بعضهم بعضاً البيت أو الشركة انتهى الإسلام، الإسلام كفكر هناك فكر آخر يقابله، كمؤلفات هناك مؤلفات، كمحاضرات هناك محاضرات، أما إن لم تتميز عن بقية الناس بخلق قويم، بصدق وأمانة، بإنصاف ورحمة فلا أحد يلتفت إلى هذا الدين، وهذا الطريق الآن واضح جداً، يجب أن يرى الناس عظمة الإسلام من خلال السلوك، يجب أن يشار إليك بالبنان، يجب أن يقال: والله هذا إنسان عجيب، ما هذه الأخلاق ؟ إن لم يقل الذين حولك هذا الكلام فلا يمكن أن تقنع الناس بالإسلام.
قصة لمستأجر مع المؤجِّر:
كنت أروي قصة شابين على مقاعد الدراسة، الأول مسلم، والثاني غير مسلم، لما كبرا المسلم له دكان بسيطة بقالية، وغير المسلم صار من كبار تجار الأبنية، لما أراد هذا المسلم أن يتزوج خطر في باله أن يسأل صديقه ورفيق دراسته لعله يقدم له بيتاً أجرة، طلب منه بيتَ أجرةٍ، اعتذر، قال له: أنا ما عندي بيت للإيجار، أنا عندي بيت للبيع فقط، طلب منه ثانية، فاعتذر، والثالثة، يبدو أن المسلم بحاجة ماسة لبيت، وزواجه تعطل، والمشكلة كبيرة، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك، وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيامٍ ثلاثة، هذا الصديق غير المسلم تأثر من هذا الكلام، أعطاه بيتا في أحد أحياء دمشق، لما ارتفعت الأسعار ارتفاعا جنونيا صار للبيت قيمة كبيرة، فجاء من يشتريه، فجاء إلى المستأجر، وقال له: أنت وعدتني بالخروج بعد ثلاثة أيام، وجاء من يشتري البيت، أنا سأعطيك ستة أشهر، قال له: طيب، في اليوم الثالث طرق صاحب البيت، قال له: هذا المفتاح، صاحب البيت صعق، الآن الأمر ميسّر، أما قبل تعديل قانون الإيجار ما كان هناك أمل ولا بعشر سنوات أن تجد بيتا للأجرة إلا شراء، ما صدق، لما غادر المستأجر اتجه مالك البيت إلى البيت، ما صدق، فتح البيت فإذا هو فارغ نظيف مرتب صالح للسكن فوراً، صعق، لما غادر البيت فتح أحد الجيران الباب، قال له: بالله عليك هذا الجار الذي ترك البيت من أيام ثلاثة كم دفعت له حتى خرج ؟ قال له: ما دفعت له شيئاً، هو عاهدني، ونفذ عهده فقط، قال: لمَ السؤال ؟ قال: باع أثاث بيته كله بأبخس الأسعار، وسكن في الفندق، إنسان قدّر هذا العهد، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيام ثلاثة، القصة مثل الخيال، ذهب إليه، وقال: هذا البيت بيتك، وسوف أبيعك إياه بسعر اليوم الذي سكنته، وكل الأجرة الذي أخذتها منك أقساط من ثمنه، وأثاث البيت سأجدده لك على حسابي، لو أن الناس مثل هذا لما كانت أزمة سكن وأزمة إسكان، وأزمة ثقة.

الصبغة تطبيق عملي لما تعرف:
والله أيها الإخوة، لو طبقنا هذا الدين العظيم لكانت حياتنا جنة والله، اقرأ التاريخ اقرأ مواقف الصحابة، اقرأ التابعين، اقرأ عن الورع، والرحمة، والإحسان، الدين ما انتشر في العالم المعلومات، لا بإلقاء المحاضرات، ولا بالمؤتمرات، الدين لا ينتشر بهذه الطريقة، ينتشر أن تكون حياة المسلمين متميزة صارخة، هذا الفرق بين الفطرة والصبغة، الآن الناس في الأرض جميعاً البطولة يقدروها، الموقف العدل يقدرونه، الرحمة يقدرونها، هم لا يعدلون، ولا يرحمون، لكنهم يقدرون الرحمة والعدل، أما الصبغة فأن تكون رحيماً، وأن تكون منصفاً، وأن تكون وقافاً عند حدود الله، وما مِن قصة تهز مشاعرنا إلا إذا كانت تعبّر عن تمسك المسلم بإسلامه.
عندنا تجارب معاصرة لمثل هذا، ذكرت مرة أن بلد إسلامي طابعه علماني، لأن أحد رؤساء الوزراء أراد أن يؤذن باللغة العربية فشنق، ولأن نائبة في البرلمان وضعت على رأسها الخمار فسحبت منها الجنسية، وطردت من المجلس، إنه موقف عنيف جداً ضد المسلمين، لكن بعد حين قدمت خدمات عن طريق البلديات رائعة لأناس مسلمين، فقنع الناس بهذا الإسلام، وألغيت الرشوة، أنشأ السدود، قدمت خدمات كبيرة جداً، القصة طويلة، وهؤلاء الذين قدموا الخدمات ما تكلموا عن الإسلام ولا كلمة، لكن الأسعار انخفضت، والديون قلّت، وسعر العملة ارتفع، ثلاثة عشر ألف مومسا تابت وتزوجت، قدموا إنجازا حضاريا، الآن الأمر بيدهم، وتعديل الدستور بيدهم، وسن القوانين بيدهم، وما تكلموا في الإسلام ولا كلمة واحدة، بل قالوا: نحن علمانيون من أجل أن تكونوا مطمئنين، القضية واضحة جداً كالشمس، تتكلم أتكلم، تقيم مؤتمرا أقيم مؤتمرا، أما لما تكون وقافا عند حدود الله تكسرني، تكون مستقيما تكسرني.
والله يا أيها الإخوة، لا تتصور أن الله عز وجل يفرج عنا إلا إذا عدنا إلى حقيقة هذا الدين، أما النشاط الإعلامي، والنشاط السياسي، والنشاط الاقتصادي، هذا كله لا يشكل بمجموعه سببا كافيا لأنْ ينصرنا الله عز وجل .

لذلك الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة أن ترى موقفا أخلاقيا، أن ترى إنصافا، أن ترى صدقا، أن ترى أمانة، أن ترى ورعا.

(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]
الصبغة اتصال بالله، الصبغة اشتقاق الكمال من الله عز وجل، الصبغة ورع، الصبغة رحمة، الصبغة عدل، الصبغة حب، الصبغة عمل الصالحات.
أما الفطرة فبصراحة لو أن مجموعة لصوص سرقوا ماذا يقولون لزعيمهم ؟ لا تظلم، وزِّع بالعدل، هم سارقون، لكن الفطرة في أصل جبلتهم، وليس لك فضل بالفطرة، هكذا جبلت، هكذا جبلت على الفطرة، أما فضلك فبالصبغة، لذلك الفرق بين الفطرة والصبغة فرق كبير، بين أن تحب الخير وأن تكون خيراً، بين أن تحب العدل وأن تكون عادلاً، بين أن تحب الإنصاف وأن تكون منصفاً فرقٌ كبير. قمّة عدل النبي عليه الصلاة والسلام:
القصص كثيرة جداً، يمكن أن يسرق درعٌ، ويوضع في كيس طحين / والكيس مثقوب، وأخذ هذا الدرع إلى بيت يهودي ليكون أمانة عنده، واليهودي قبِل هذه الأمانة درع، ثم يفتقد الدرع صاحبُه، فبحث عنه، وقيل له: اليهودي هو السارق، والذي دبر هذه الحيلة أنصاري محسوب على المسلمين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تمنى، وهذا شأن كل إنسان، تمنى أن يكون الخبر صحيحاً، اليهودي هو السارق، والأنصاري بريء، والحقيقة معاكسة، الأنصاري هو السارق، واليهودي بريء، أيعقل أن يأتي وحي السماء ليخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:
﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا ﴾
( سورة النساء )
هذا الدين، الوحي دافع عن إنسان عدو لدود، واتهم إنسانا محسوبا على المسلمين، هذا هو العدل، إن لم نكن كذلك فلا نتصور أن الله عز وجل سوف ينفذ وعده بالنصر لنا، النصر له ثمن. هذا ملخّص ما بين الفطرة والصبغة:
الصبغة والفطرة، فالفطرة أن تحب الخير، لكن الصبغة أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب الرحمة، لكن الصبغة أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب العدل لكن الصبغة أن تكون عادلاً، والصبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان، أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان أنك تصطبغ بكمال الله عز وجل.
لذلك أيها الإخوة الكرام:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
أي: أنك لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بوسيلة أكبر من أن تتخلق بالكمال الإلهي، الله رحيم فارحم مَن دونك.
أيها الإخوة الكرام، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
[ البخاري عن سهل بن سعد]
هذا الضعيف، ضعيف يمكن أن تهمله، يمكن أن تسحقه، يمكن أن تعتم عليه، لا معه إعلام ولا معه قوة، ضعيف مقهور مظلوم، أنت كمؤمن لو أنصفت هذا الضعيف، إن أطعمته إن كان جائعاً كسوته إن كان عارياً، أنصفته إن كان مظلوماً، علمته إن كان جاهلاً، آويته إن كان مشرداً، هذا الضعيف لأنه ضعيف ولأنك قوي ولأنك لست بحاجة إليه بل هو بحاجتك لأنك بدافع من خلق نبيل أكرمته الآن الله يكافئك بمكافئة من جنس عملك ينصرك على من هو أقوى منك لأنك نصرت من هو أضعف منك ينصرك على من هو اقوى منك، هذا الطريق إلى النصر.
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
حينما تنصر الضعيف، فتعطيه حاجته وتنتصر له يتفضل الله عز وجل علينا بالنصر إن شاء الله.
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
دائماً النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أشياء كثيرة، رجل دخل إلى بستان أنصاري، وأكل من دون إذنٍ، فشكاه الأنصاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وسيق إليه على أنه سارق، ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال له:
(( هلاّ علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً ))
[ ورد في الأثر ]
انظر إلى المعالجة، هل بحثت عن أسباب المشكلة ؟ قبل أن تقيم عليه الحد، قبل أن تعاقب، قبل أن تثور، قبل أن تغضب، قبل أن تتوعد، هل قلت: لماذا فعل هذا ؟ أحياناً يقول لك: ضبطته بسرقة، السارق سارق، لكن يا ترى هل من المعقول أن تعطيه مبلغا لا يكفيه يومين طوال الشهر ؟ هناك سبب، وأنا لا أدافع عن الخطأ أبداً، لكن كل خطأ له سبب، أنت كمؤمن تبحث عن السبب، وإذا ظهر السبب بطل العجب، هناك ظلم شديد، أحياناً ظلم من قِبل صاحب العمل، هناك يد عاملة متوافرة كثيرة، يضع رقما أقلّ من حاجة الإنسان بكثير، فيقبل الإنسان، لكن للإيمان الضعيف، وقد وأتيح له أن يأخذ ما ليس له فأخذ، فضبطته أنت، العمل خطأ كبير، وأنت مخطئ لأنك ما أعطيته حاجته، ما أعطيته ما يستحق، فلا بد من مراجعة الحسابات.

أيها الإخوة، عندنا في حياتنا خلل كبير، عندنا وضع خطير، عندنا عدوان شرس، عندنا دول تتكالب على ثرواتنا، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود ]
وقد وقع مثل هذا الشيء، ثلاثون دولة محتلة لأفغانستان، والعراق والصومال محتلة وفلسطين كلها بلدان محتلة.
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، مليار وخمس مئة مليون، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود ]
هذه هي المشكلة، الوضع واضح جداً، نحن أمة الإسلام، نحن أمة القرآن الكريم، نحن أمة الوحيين، معنا وحي، فإذا عدنا إلى هذا الدين العظيم، نصلي جميعاً، نصوم جميعاً، نحج جميعاً، في الحج أحياناً أربعة ملايين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ].
العبرة لا بالكم بالنوع. ( 2 ) بين الطبع والتكليف:
1 – بين الطبع والتكليف تناقض حادٌّ:
أيها الإخوة، بقي موضوع الطبع والتكليف، بين الطبع والتكليف تناقض، الطبع شيء فطرت عليه، فأنت تميل إلى النوم، ففي أيام الشتاء الباردة تكون في فراش وثير، ومن الصعب بمكان أن تنزع عنك الغطاء، وأن تتوضأ بالماء البارد، وأن تصلي، الطبع أن تبقى نائماً، والتكليف أن تستيقظ، الطبع أن تأخذ المال، والتكليف أن تعطيه، الطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء، والتكليف أن تغض البصر، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تسكت، فالطبع يتناقض مع التكليف.
2 – الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة:

لكن الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة دقق الآن، الطبع أقرب إلى الجسم، الجسم يرتاح بالنوم، فلو أن إنسانا سمع أذان الفجر، وما صلى، يستيقظ يشعر بكآبة وانقباض، لكن جسمه مرتاح، لأنه شبع من النوم، أما لو قام وصلى، ورجع فنام يستيقظ الساعة التاسعة براحة نفسية لا توصف، لأنه صلى الفجر في وقته.
إذاً: الطبع أقرب إلى الجسم، والتكليف أقرب إلى النفس، لما يكون الأمر بيده، ويقدر أن يأخذ مبلغا فلكيا دون أن يعلم أحد، ثم يأخذه، فإنه يمكن أن يشتري سيارة به، ويمكن أن يغير بيته، لكن يشعر بكآبة لأنه أكل مالا حراما، واعتدى على حقوق غيره، أو لم يقسم هذه التركة بالعدل، أما لما يؤدي الحقوق لأصحابها تماماً يشعر براحة نفسية، فصار التكليف أقرب إلى الفطرة، والطبع أقرب إلى الجسم.
3 – تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة:
ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
( سورة النازعات)
من تناقض الطبع مع التكليف تكون الجنة، والله عز وجل يمتحن عباده جميعاً بقضايا مهمة، قد تكون صفقة رابحة، لكن فيها شبهة، حينما تتركها تتخذ قرارا بطوليًّا، والله بعد حين يعوض عليك أضعافاً مضاعفة لكن امتحنك بامتحان صعب البطولة أن تنجح بامتحان الله عز وجل.
إذاً الطبع يتناقض مع التكليف، الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب على النفس، فإذا أديت ما عليك من تكاليف ترتاح نفسك، وتشعر أن الله راض عنك، وأن الله يحبك، أما إذا لبيت حاجة الجسد بخلاف منهج الله عز وجل تشعر بالكآبة.
أقول لكم كلاما دقيقا: لا يمكن أن يحتاج المؤمن الصادق إلى طبيب نفسي، هذا مستحيل، لأن الله عز وجل منحه السكينة، لما أطاعه منحه السكينة، وبالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء، ومن دون سكينة تشقى ولو ملكت كل شيء.
هذا هو الفرق بين الطبع والتكليف، وبين الصبغة والفطرة، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع موضوعات مقومات التكليف، وهي من ألصق موضوعات العقيدة.
من الإعجاز العلمي في القرآن:
1 – وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَال
عندنا بعض القضايا في الإعجاز.

التقرحات تحصل لمن لا يستطيع التقلب والحركة

أيها الإخوة الكرام، الإنسان ينام على سريره، ما الذي يحصل ؟ له هيكل عظمي، له وزن، وفوق الهيكل العظمي عضلات، إنسان نائم بنصف جسمه تقريباً، في العمود الفقري عظم الفخذ، عظم الساق، القفص الصدري، الجمجمة، هناك عظام فوق العظام، ولحم وعضلات، وزن العظام مع ما فوقها من عضلات تضغط على ما تحت الهيكل من عضلات، هذا الضغط يسبب ضيقا في الأوعية الدموية، إذا استمر هذا الضغط يشعر الإنسان بتنميل أو خضران، وإذا جلس إنسان في درس على ركبتيه فترة طويلة يشعر بتنميل إنسان، ثم خضران، ثم لا يشعر برجله إطلاقاً، الذي يحصل أن الأوعية الدموية في المنطقة المضغوطة تنضغط وتضيق لمعتها، فتقلّ التروية، وتشعر بهذا التنميل، الله عز وجل هيأ آلية بالغة التعقيد في الجسم، ووضع في كل مكان في الجسم مراكز إحساس بالضغط، فإذا انضغطت المراكز فيما تحت الهيكل العظمي تعطي إشارة إلى الدماغ، وأنت نائم، وأنت غارق في النوم، يعطي الدماغ أمرا إلى الجسم فيقلب إلى ناحية اليمين، ثم تمضى نصف ساعة ما تحت الهيكل العظمي ينضغط، فيعطى استغاثة للدماغ، الدماغ يعطي أمرا فتقلب قلبة ثانية، فتصوّروا إنسانا نائما ثماني ساعات قلب ثمانية وثلاثين مرة، الله عز وجل قال: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
الأماكن الحساسة التي نتجنبها عند من هم في غيبوبة بتقليبهم حتى لا يتفسخ جسدهم

أهل الكهف لو ما قلَبهم الله عز وجل خلال شهر يتفسخون تفسخا كاملا.
الآن عندنا أمراض أيها الإخوة، مرض السبات، هذا بغيبوبة كاملة، لو أن أهله ما قلبوه يتفسخ اللحم، وينزعون اللحم كمادة متفسخة من تحته، فما مِن إنسان يمكن أن يعيش لو لم يتقلب جسمُه في نومه، يموت رأساً. ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
والحكمة مرة على اليمين، ومرة على الشمال ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
وأنت نائم الدماغ صاحٍ، وجهاز الضغط يعمل بانتظام، ويعطي رسائل استغاثة، الدماغ يأمر الجسم فيغيّر نومته دون أن تشعر، هذه الآية في الحديث عن أهل الكهف من إعجاز القرآن الكريم: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
2 – بلع اللعاب والإنسانُ نائم:

قدرة الله تجعل لسان المزمار يغلق طريق التنفس كي تستطيع بلع اللعاب أثناء النوم

وأنت نائم غارق في النوم، يتجمع اللعاب في الفم فتذهب رسالة من الفم إلى الدماغ، أن اللعاب زاد، فيأتي أمر من الدماغ إلى لسان المزمار، فيفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك وأنت نائم، كل ربع ساعة وأنت نائم لسان المزمار كان قد أغلق طريق المريء، ويفتح طريق التنفس، يفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك، هذا تقدير مَن ؟ تصميم مَن ؟ حكمة مَن ؟ علم من ؟ قدرة من ؟ وأنت نائم شيء مذهل.
أيها الإخوة، قال تعالى:
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾
( سورة التين ).
3 – رد فعل الإنسان اللا إرادي:

رد فعلك اللا إرادي على بوق سيارة وتوجهك عكس مصدر الصوت يقوم به جهازك العصبي بفارق يساوي واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية

وأنت تمشي في الطريق سمعت بوق سيارة فاتجهت نحو اليسار، فالصوت دخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن بفارق يساوي واحدا على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، وفي جهاز الدماغ أدرك الفرق، وعرف جهة الصوت هنا قبل هنا، والفارق هكذا، يعطي الدماغ أمرا إلى الإنسان أن انحرف نحو اليسار، كيف عرفت جهة الصوت ؟ من جهاز بالغ الدقة، لذلك قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

من التقليب وأنت نائم، إلى إنسان عند طبيب الأسنان مضطر أن يفتح فمه فترة طويلة، ماذا يفعل معه الطبيب ؟ يضع له شراقة حتى لا تشط ريالته، لأنه لا يستطيع أن يغلق فمه، وأنت نائم ينتقل اللعاب آلياً عن طريق آلية معقدة جداً بإغلاق ممر التنفس، وفتح ممر المعدة. ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
( سورة لقمان )


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:17 AM   #16


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس عشر )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 1 - يمكن أن نقلب شهواتنا إلى عبادات ونرقى بها صابرين وشاكرين









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الشهوة مقوِّمٌ من مقومات التكليف:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس عشر من دروس العقيدة والإعجاز ، والموضوع اليوم " الشهوة "، وقد أنهينا موضوع الكون كأحد مقومات الإعجاز، وكأحد مقومات التكليف، وأنهينا موضوع العقل كأحد مقومات التكليف، وأنهينا موضوع الفطرة كأحد مقومات التكليف، وننتقل اليوم إلى موضوع " الشهوة ".
1 – الشهوات سلَّم للرقيّ إلى رب الأرض والسماوات:

أيها الإخوة، بادئ ذي بدء: قد يتوهم واحد من الناس أنه لولا الشهوات لما كانت المعاصي والآثام، وبالتالي لما كانت النار عقاباً لمن عصى لله في الدنيا، والحقيقة الصحيحة أنه لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، كيف نرتقي إلى رب الأرض والسماوات ؟ كيف نقبل عليه ؟ كيف نثق أنه يحبنا ؟ كيف نطمع برحمته ؟ كيف نناجيه إن لم ننضبط ؟ أعطانا شهوات، أعطانا معها حرية الاختيار، فأيّ شهوة يمكن أن تتحرك بسببها 180 درجة سمح لك بمئة درجة، الدين كله، الانضباط كله، الصبر كله، أن توقع حركتك مع هذه الشهوة ضمن الحيز الذي سمح الله به، هذا إن أردت أن تضغط الدين كله.

2 – كلُّ شهوة لها قناة نظيفة:
الإنسان يحب المرأة، في أعماقِ أعماقه أودع الله في الإنسان حب الأنثى، وفي أعماق الأنثى أودع الله فيها حب الرجل، وهيأ قناة نظيفة طاهرة، ترقى بالإنسان، هي قناة الزواج، فهذه الشهوة تلبَّى في هذه القناة.

والإنسان أودع الله فيه حب المال بكل إنسان، رسم له طريق لكسب المال الحلال طريق العمل، طريق التجارة، الصناعة، الزراعة، الوظيفة، الخدمات، الإرث، الهبة ، الصدقة، إنها طرائق عديدة لاكتساب المال، كلها شرعية، لكن هناك سرقة، وغش، واحتيال، وتدليس، وكذب، هناك طرائق عديدة لكسب المال الحرام، ما هو الدين ؟ أن توقع حركتك في الحيز الذي سمح الله به، هذا المعنى أشارت إليه آية كريمة، قال سيدنا شعيب:
﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 86 )
الذي تبقى لكم من كل شهوة الحيز الذي أباحه الله لنا من كل شهوة هو الذي يسعدنا ويسلمنا، فلذلك قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
عندنا في أصول الفقه ما يسمى المعنى المخالف، المعنى العكسي: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
هناك إنسان يلاحظ إنسانا يخطب فتاة، وفي عقد القران هناك إشهار، وإيجاب، ووليّ، وشهود، ومهر، وتهانٍ، واحتفالات، وهدايا، لأنه أمرٌ مشروع، ما هو عقد الزواج ؟ يفضي إلى علاقة جنسية بين الزوج وزوجته، لكن لأنه وفق منهج الله يسمو به الإنسان، يتزوج، ويأتي ابن من هذه الزوجة يملأ البيت سعادة، يكبر، يتربى تربية عالية ، يصبح إنسانا ذا شأن، داعية، طبيبا، أستاذا جامعيا، تاجرا كبيرا، صناعيا كبيرا، تربى تربية إسلامية، تربية أخلاقية، تجده معطاء، كريما، منضبطا، صادقا، أمينا، تجد هذه الأسرة أنجبت أولادا قمة في الكمال، أساس المشروع كله علاقة جنسية، والزنا علاقة جنسية، لكنه سقوط وفضيحة وانهيار.
مرة حدثني صديق طُرق بابه الساعة الرابعة فجراً، فتح الباب فلم يجد أحدا، حانت منه التفاتة نحو الأسفل فوجد كيسا يتحرك، فيه طفل ولد لتوه من الزنا، وضع في كيس أمام بيت طُرق بابُه، ثم هرب الذي وضعه.
أجريت موازنة، حينما يأتي طفل من أب وأم، من بيت فيه زواج مشروع، تجد الفرح والتهاني والتبريكات والضيافة والهدايا، والفرح يعم الأسرتين، ولما يأتي هذا المولود من الزنا يكون وصمة عار وفضيحة وشيئًا لا يحتمل، فالشهوة هي هي في الحالتين.
أدق مثل أرويه: أن هذا البنزين في السيارة، الوقود السائل إذا وضع في المستودع المحكَم، وسال في الأنبوب المحكم، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولّد حركة نافعة، أقلّتك هذه السيارة أنت وأهلك في يوم جميل من أيام الربيع إلى الحدائق، وسعدتَ بهذه النزهة، ما الذي يجري ؟ انفجارات، لكنها منضبطة وفق تصميم السيارة، صفيحة البنزين نفسها صبَّها على السيارة، أعطها شرارة، أحرقت المركبة ومن فيها، السائل هوهو، كان حركة دافعة نافعة مسعدة، فأصبح حركة مدمرة محرقة قاتلة، هذه الشهوات، فهي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها.
قبل أيام دعاني أخ كريم من كبار علماء القرآن الكريم، سنه فوق 95، قال لي: أنا في من أحفادي 13 دكتورا، أساس العلاقة كلها علاقة جنسية، هذه هي الشهوة.
لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، كيف أنت في الصلاة تخشع وتبكي، لأنك في الطريق إلى المسجد مررت على عشرات الفتيات الكاسيات العاريات المائلات المميلات، فغضضت البصر عنهن، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، لو ما الله أودع الله فيك الشهوة، وحبِّ الأنثى، وأن تمتع عينيك بمحاسنها، ثم أمرك بغض البصر ، وغضضت البصر لا تستطيع في الصلاة أن تبكي.
(( انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي ))
[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ].
سيدنا يوسف عبدٌ في بيت دعته امرأة ذات منصب وجمال، سيدة القصر دعتْه إلى نفسها. ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
( سورة يوسف الآية: 23 ).
أودع في السجن، فصار عزيز مصر.
إذاً: دققوا لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لم تكن جنة، ولولا الشهوات لم يكن نعيم مقيم، لولا الشهوات لم يكن اتصال بالله، لولا الشهوات لم يكن شعور بالتفوق، أنت قوي، وبإمكانك أن تفعل كل شيء، لكن الله عز وجل قيّدك بمنهج.
سأل أحدُهم سيدنا عمر، قال له: << أتحبني ؟ قال له: والله لا أحبك، قال له: هل يمنعك بغضك لي أن تعطيني حقي ؟ قال له: لا والله، قال له: إذاً إنما يأسف على الحب النساء >>.
إنسان غير المنضبط ينكل به، لا تحبني ؟ ينكل به، لكن سيدنا عمر لا يقدر لأن:
(( الإيمان قيد الفتك ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة وأحمد، و أبو داود عن معاوية ].
المؤمن قوي، لكنه مقيد، غني لكنه مقيد.
إذا سافر رجلٌ مؤمن غني إلى بلاد الغرب لا يستطيع أن يفعل شيئًا، يجلس بفندق ويأكل، يزور المكاتب التجارية، أكثر من هذا لا يستطيع، لكن الغني غير المنضبط يسهر كل يوم سهرة حمراء، وثاني يوم سهرة خضراء، لأن المؤمن مقيَّد.
(( الإيمان قيد الفتك ))
يرقى بهذا الشيء، وما مِن واحد من إخواننا الكرام إلا كان أحد أسباب اتصاله بالله وظيفة أتيحت له، لكن لا ترضي الله، البضاعة محرمة، العلاقة مشبوهة، الأسلوب بالتعامل غير شرعي، فيركل بقدمه الملايين المملينة، ويكتفي بالآلاف المؤلفة، يقول: هذا مال حلال، ولولا الشهوات لم يمكن أن نرتقي إلى رب الأرض والسماوات. 3 – بالشهوات ترقى إلى الله صابرً وشاكرا:
لكن الشهوات أيها الإخوة فيها شيء رائع جداً، فيها رقي إلى الله مرتين.
مثلاً: إذا كان المسلم يمشي في الطريق، ومر على نساء كاسيات عاريات، فقال:

﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
غض بصره عنهن، يرقى إلى الله صابراً، تزوج، واختار فتاة ضمن طموحه، جلس معها، سعد بها، ملأ عينيه من محاسنها، يرقى إلى الله، يصلي قيام الليل، لأن هذا شيء مشروع.
فأنت ترقى إلى الله صابراً، وترقى إلى الله شاكراً، مرة صابراً، ومرة شاكراً.
جاءتك وظيفة دخلها كبير جداً، لكن أساسها إيذاء الناس، أو إلقاء الرعب فيهم، معاذ الله، ثم أتيحت لك وظيفة بربع الدخل، لكنه مال حلال، في التعليم، تقبض المال، تشتري الطعام والشراب، تأتي لأولادك بهدايا، يفرحون، يقبّلونك، هذا المال هو هو، بالحرام حجبك عن الله، وبالحلال دفعك إلى الله. 4 – لابد للإنسان من حركةٍ في الحياة:
قضية الشهوة إياكم أن تتوهموا أن الإنسان بالشهوة تزل قدمه، أو يتوهم أنه لولا الشهوات ما كانت نار تحرق العصاة، الشهوات لا بد منها، الشهوة هي كالمحرك في السيارة.

هذه الطاولة اتركها مئة سنة هنا، لا تتحرك، لأنه ما فيها شهوات، أما الإنسان فقد أودع الله فيه حاجة إلى الطعام والشراب، فهل تبقى جالسا في مكان واحد ؟ نريد أن نأكل، يبحث عن عمل، يدرس، يتعين بوظيفة، يداوم، يعمل، يأكل، الشهوة قوة محركة، ولولا الشهوات والله ما رأيت على وجه الأرض شيئا، لا جسرا، ولا جامعة، ولا بناء، ولا بستانا، ولا زراعة، ولا معملا، ولا باخرة، ولا سيارة، لماذا تعمل ؟ لأنك مضطر أن تعمل من أجل أن تكسب المال، من أجل أن تأكل، لذلك من أوصاف ربنا البليغة للأنبياء على أنهم بشر، وليسوا آلهة:

﴿ ليَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 20 )
لمجرد أنك تأكل الطعام فأنت من بني البشر.

﴿ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 20 ).
هم مفتقرون إلى طعام يقيمون به أودهم، ومفتقرون إلى مشيهم بالأسواق لكسب ثمن الطعام، أنت تعمل من أجل أن تكسب المال، من أجل أن تشتري به الطعام، من أجل أن تأكل.
إذاً: ما أودع الله في الإنسان الشهوات إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، الشهوات سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، قوة دافعة، أو قوة مدمرة.
5 – كلّ شيء في الحياة حيادي:
الفكرة الدقيقة جداً: لأنك مخير فكل شيء في حياتك حيادي، كيف ؟ شهواتك حيادية، وحب المال حيادي، يمكن أن تكسبه من طريق مشروع، وأن تنفقه في طريق مشروع، فترقى به إلى أعلى عليين، بالمال، ويمكن أن تكسبه من طريق غير مشروع، وأن تنفقه إنفاقا غير مشروع، فتهوي به إلى أسفل سافلين، والمال هو هُو.
إنسان يبني مسجدا، أو ميتما، أو معهدا شرعيا، أو مؤسسة خيرية، يموت وهذا الخير يستمر إلى يوم القيامة، وهو في صحيفته، وقد يبني ملهى أحياناً، أيضاً صدقة جارية، لكن من نوع ثانٍ، يموت ويمضى مئة سنة على موته، كلما دخل واحد إلى الملهى كان وزرُه في صحيفته.
والله مرة دُعينا إلى فتح مسجد في منطقة يعفور، سبحان الله ! الذي بنى المسجد استقبلنا على الباب واحد واحداً، دعا علماء دمشق، وألقينا كلمات، وقدّم لنا طعاما نفيسا، أنا لا تغيب عني صورة وجهه المتألق، يا رب هذا جامع ! يبدو أنه عمّره وحده، ما أخذ مساعدة من أحد من الأرض، والبناء، والكسوة، والأثاث، وكل شيء، سبحانك يا رب ! لحكمة بالغة لما انتهى الاحتفال خرجت من هذا المسجد إلى الطريق العام، يقابل الطريق العام بالضفة الثانية ملهى، بلغني أن فيه من الموبقات ما لا يوصف، وأن صاحبه بعد افتتاحه بسبعة أيام مات، قلت: يا رب ! واحد يرقى إلى أعلى عليين، وواحد يهوي به إلى أسفل سافلين، والعمليتين عملية شهوة، والمال محبوب، لكن أُنفق المال فيه بخلاف طبع الإنسان، فهذا عمر مسجدا فارتقى بهذا المسجد إلى أعلى عليين، والذي عمر ملهى أنفق ماله أيضاً، المال شقيق الروح، لكن هوى بهذا الإنفاق إلى أسفل سافلين، هذه الشهوات.
ليس عطاء الله إكراما ولا منعُه حرمانا:

من هنا يقول الله عز وجل:

﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
هذا الكلام ربنا عز وجل ما قبله، هذا قول الإنسان: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
جاء الجواب: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 ).
هذه أداة ردع ونفي، لا يا عبادي، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، الله أعطى المال لمن لا يحب، أعطاه لقارون، أعطاه لمن يحب، أعطاه لسيدنا عثمان، أعطى الملك لمن لا يحب، أعطاه لفرعون، أعطاه لمن يحب، لسيدنا سليمان. ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ﴾
( سورة ص ).
فالشهوات حيادية.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

الجواب:
﴿ كَلَّا ﴾
ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، كيف هو ابتلاء ؟
الله امتحنك بالمال، فإما أن تنجح، وإما ألاّ تنجح، إذا أنفقته في طرق مشروعة ترقى به ، فصار سلماً ترقى به، أما إذا أنفق في طرق غير مشروعة تهوي به إلى أسفل سافلين، المال هو هُو، كالبنزين هو هُو، ولّد حركة نافعة، أو دمر المركبة ومَن فيها.
فهذه الشهوات هي قوى محركة، تصور مركبة فيها محرك هي الشهوات، فيها مِقود هو العقل، فيها الشرع هو الطريق، مهمة المحرك أن ينطلق بالسيارة، مهمة العقل أن يبقيها على الطريق، بطولتك أن تستخدم عقلك لتضبط حركة السيارة المندفعة بقوة المحرك، أن تضبطها على الطريق. 6 – التفكر في الموت يضاعف السرعة إلى الله:

والله مرة كنت في شيكاغو، ففي المطار شريط متحرك، وقفت عليه شيء مريح، أنت واقف وهو يمشي، فإذا مشيت عليه كانت السرعة مضاعفة، وعلى اليمين حاجز ، وعلى اليسار حاجز، سبحان الله ! كيف تمثل لي هذا الشريط بالتفكر بالموت، التفكر في الموت يضاعف السرعة إلى الله، ويمنعك أن تنزلق يمنة أو يسرى.
ادرس وخذ الدكتوراه، وأقِم مشروعا صناعيا كبيرا، مشروعا زراعيا، صل إلى منصب رفيع وفق منهج الله، التفكر في الموت يضاعف سرعتك إلى الله، والتفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله، العمل مطلوب.
قال عمل لأحدهم: << مَن يطعمك ؟ شاب يتعبد الله في وقت العمل، قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك >>.
صدقوا أيها الإخوة، حينما أرى شاباً يتقن عمل، معه شهادة، يتقن مهارة معينة، يتقن حرفة معينة، ويذهب إليها باكراً، ويعود مساء، وقد تعب، والله الذي لا إله إلا هو هذا الشاب هو في عبادة، أتى بمال وتزوج، أنجب أولادا وأطعمهم، وكساهم، أكرم زوجته، فقد حقق رسالته.
سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>.

الجهاد وأهمية كلِّ نوعٍ منه:
وحينما نتحدث عن الجهاد فهناك جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد الأساسي والجهاد الدعوي هو الجهاد التعليمي.
(( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن علي أحمد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عثمان ].
والجهاد البنائي هو أن تطور عملك، أن تطور خبراتك، معلوماتك، أن تنهض بحرفتك، بمهنتك، أن تكون في خدمة أمتك، هذا الجهاد البنائي، والدليل، طبعاً الجهاد الدعوي دليله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت ).
الجهاد النفسي دليله:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 69 ).
الجهاد البنائي دليله:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 ).
وآخر جهاد، ظهر جديدا هو الجهاد الإلكتروني، تدمير مواقع العدو، وجهاد أخير هو الجهاد القتالي، فإذا نجحنا في الجهاد النفسي وهو الأصل، تعليم أساسي، ثم نجحنا في الجهاد الدعوي، في الدعوة إلى الله، ثم نجحنا في الجهاد البنائي، طورنا صناعاتنا، استخرجنا الثروات، أنشأنا السدود، أصلحنا الأرض، نمينا قدراتنا، وخبراتنا، اكتفينا بمنتجاتنا عن أن نستورد، صدرنا، اغتنينا، هذا جهاد بنائي، أعددنا قوة لأعدائنا، طورنا أنفسنا، صنعنا السلاح الذي يحمي كرامتنا وأرضنا وبلادنا، هذا الجهاد جهاد بنائي، وهناك جهاد دعوي، وجهاد نفسي، وجهاد إلكتروني، وجهاد قتالي، فإذا نجحنا في الجهاد الأول النفسي، والجهاد الثاني الدعوي، والجهاد الثالث البنائي يُنتظر أن ننجح في الجهاد القتالي، أما أن نذهب مباشرة إلى القتالي فلا ينجح.
قدّم رجلٌ أميّ طلبا إلى جامعة السربون حتى يعطوه درجة دكتوراه، اذهب وتعلم القراءة أولاً، هو أميّ لا يقرأ ولا يكتب، فوراً إلى الدكتوراه باللغة الفرنسية، ودكتوراه دولة أيضاً يريدها.
الجهاد قبل الإعداد الدقيق، قبل إنشاء جيل مؤمن، ملتزم، مستقيم، شهواته تحت قدمه، يعبد الله، لا بد من هذه الشروط:

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
هذه الشهوات لا أحد يتأفف منها، لولا الشهوات لا نرقى إلى رب الأرض والسماوات، كل واحد من الشباب الأكارم ما سر إحساسهم أن الله يحبهم، لأنه ضابط نفسه لأنه، ضابط عينه، ضابط لسانه، ضابط أذنه، ضابط ماله، لا يأكل مالا حراما، ضابط إنفاقه، ما دام ضبط سمعه، وبصره، ولسانه وإنفاقه، وحركته، ويده، ورجله، لذلك الله عز وجل يكرمه في الدنيا والآخرة.
فالشهوات طريقنا إلى الله، لكن كلمة شهوات يُظن أنه شيء قميء، لا ، الإنسان كلما ارتقى مع الله ترتقي شهواته، كان يحب المرأة فصار يحب الحق، يحب البطولة، يحب التضحية، يحب الفداء، يحب الالتزام، يحب أداء العبادات بشكل متقن، يحب إنفاق المال، يسميها علماء النفس تصعيد الأهواء، كان يحب الدرهم والدينار، إذاً: به يحب الإنفاق. بين الطبع والتكليف:
وبالمناسبة دخلنا إلى موضوع دقيق: أنت معك طبع، ومعك تكليف، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة الطبع يتناقض مع التكليف.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات ).

الطبع أن تنام، أن تبقى نائماً في السرير الوثير، في فصل الشتاء، البرد شديد، والفراش دافئ، والغطاء يعطي الدفء، أنت مرتاح، الطبع أن تبقى نائماً، والتكليف أن تنزع الغطاء من جسمك، وتتوضأ بالماء البارد فتصحو، وتصلي، الطبع يناقض التكليف، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، والتكليف أن تنفقه، الطبع يقتضي أن تملأ العين من محاسن امرأة لا تحل لك، والتكليف أن تغض البصر، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تضبط لسانك، هذه الشهوات هي سبب الرقي إلى الله عز وجل، واللهُ عزوجل يباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
صدقوا أيها الإخوة، صدقوا أيها الشباب، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، إن الله عز وجل يباهي به الملائكة.
سيدنا يوسف لو خضع لعرض امرأة العزيز هل صار سيدنا يوسف ؟ لا أحد كان يعرفه، ما الذي ارتقى به وقال:
﴿ مَعَاذَ اللّهِ ﴾
والله هناك من المواقف أيها الإخوة شيء صعب أن تتصوره، تنعم بهذا الموقف إلى أبد الآبدين، لأنه موقف شريف.
إذاً: الطبع يناقض التكليف، لكن التكليف يتوافق مع الفطرة، والطبع يتوافق مع الجسم، الجسم يحتاج إلى راحة، فيميل إلى النوم، أما الفطرة تحب أن تكون على صلة وثيقة بالله عز وجل فتستيقظ، وهكذا.
حينما تفهم الشهوات قوى دافعة، ولا ينبغي أن تكون قوى مدمرة تكون فقيهاً.
النقطة الدقيقة: لما تجد في القرآن تحريما كيف تفهم التحريم ؟ حقل واسع مكتوب على لوحة: حقل ألغام، ممنوع التجاوز، أنت كإنسان مدني، وحضاري، هل تشعر بحقد على من وضع هذه اللوحة ؟ أبداً، بالعكس، تكون ممتنا لمن وضعها، لأن واضع اللوحة حريص على سلامتك، لمجرد أن تراها حداً لحريتك فأنت لست بفقيه، أما إذا علمت علم اليقين أنها وضعت ضماناً لسلامتك فأنت فقيه.
أيها الإخوة، إذاً: موضوع الشهوة موضوع دقيق جداً، هو سر اتصالك بالله، هو سر فوزك بالجنة، هو سر دخولك الجنة، هو سر قربك من الله، هو سر إقبالك على الله ولو أن كائنا لا يشتهي شيئاً كيف يتقرب إلى الله ؟ فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشهوات سلماً نرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، ولكن مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يكون في الإسلام حرمان. لا حرج في اتبع الهوى والشهوة وفق منهج الله:
الحقيقة الآن الدقيقة: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل قناة نظيفة تسري خلالها، فالإنسان يحب أن يكون له شأن، أن يكون له مكانة، متفوق في القمة، لا في الحضيض، باختصاص، بعلم، بحرفة، بدخل، بصنعة، بمنصب، بشكل، بوسامة، ببيت، بمركبة، بحب التفوق، هذا ميل، وشهوة، وحاجة أساسية، يمكن أن تتفوق في معرفة الله، وفي العمل الصالح، وفي الدعوة إليه، وفي نشر الحق، يمكن أن تكون في قلوب الآلاف، بل الملايين، بل مئات الملايين، ويمكن أن يشار إليك بالبنان، حينما ينغمس في شهوات منحطة، كشخص فتح ملهًى، يتفنن بعرض الموبقات على رواد هذا المكان، أيضاً يشار له بالبنان، دخله فلكي، بيته فخم جداً، مركبة رائعة، وأساساً أعلى دخل في العالم دخل تجار المخدرات، يسكن بيتا هو قصر، فيه خمسون سيارة، وطائرة خاصة، تاجر مخدرات، هذا علو، لكن الميل حيادي، يمكن أن ترقى به، أو أن تهوي به.
فتأكيد الذات، أن تشعر بأهميتك، أن تتوق إلى العلو، إلى التفوق، هذا حيادي، هناك طريق مشروع للتفوق، وطريق مشروع للسقوط.
هل أمرُ سيدنا صلاح الدين شيء قليل ؟ قائد مسلم يواجه 27 جيشاً أوربياً، ويفتح القدس ؟! هل أمرُ سيدنا عمر قليل ؟ هناك أعلام، هؤلاء أكدوا ذاتهم، وارتقوا في سلم العظماء، وأسماءهم في لوحة الشرف.
يقف أحدهم أمام سيدنا رسول الله، بعد قليل ينتقل إلى مقام سيدنا الصديق، هل مقام الصديق شيء قليل ؟

(( ما طلعت شمس على نبي أفضل من أبي بكر ))
[ ورد في الأثر ]
أكد ذاته، تفوق في خدمة الدعوة، وأبو جهل أكد ذاته في المعارضة، فأصبح في مزبلة التاريخ، فأنت تؤكد ذاتك بالخير، فيشار إليك بالبنان وتؤكد ذاتك لا سمح الله ولا قدر بالشر، ويشار إليك بالبنان.
الأقوياء في العالم، كهتلر سبّب حربين عالميتين، كل حرب فيها خمسون مليون قتيل، وخمسون مليون معاق، مئة مليون، الذي ألقى قنبلة على هيروشيما ونكازاتي شخص مهم جداً، أخذ قرارا، مات 300 ألف في ثلاث ثوان، والحرب انتهت بهاتين القنبلتين.
إنّ تأكيد الذات حيادي، التفوق حيادي، هناك تفوق بعمل ساقط، تقول الراقصة: الله وفقني في هذه الرقصة، عمل ساقط، وهناك كتاب أدب إباحي، وهناك إقبال على كتبهم بشكل عجيب، وكتّاب الأخلاقيين كتبهم في أعلى مستوى، الأمرُ حيادي، تأكيد الذات حيادي،و حب المرأة حيادي، يمكن أن تكون أسعد زوج، ولك منها ذرية صالحة.
أحياناً الذي في سن 60 ـ 65 ـ 70 عنده 25 حفيدا، هذا طبيب، هذا مهندس، هذه البنت داعية كبيرة، تزوجت، لها أولاد، ربت بناتها، كلهم مِن رجلٍ واحد، والعملية كلُّ أساسها شهوة، أساس هذا الزواج مشروع شهوة، لكن وفق منهج الله، أقمت أسرة، وأنجبت أولادا، وبنات، ولك أصهار، وأحفاد، وذرية، هذه أساسها شهوة، والتفوق أساسه شهوة، لكن هذه الشهوات حيادية، يمكن أن نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن نهوي بها إلى أسفل سافلين، لا أحد يتألم من كلمة شهوة، طريقنا إلى الله، إما بالكف أو بالممارسة ، تعمل لتكسب مالا حلالا، تشتري بذلة للعيد، تدخل إلى البيت لتزور أقرباءك، ما هذه الأناقة ! هذه شهوة، لكنها مشروعة.
(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس ))
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا:
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ ))
[ أحمد ]
فيا أيها الإخوة الكرام، الشهوة أحد أهم مقومات التكليف، من أجل أن تصل إلى الله، أن تصل إلى الجنة، أودع الله فيك الشهوات، لترقى بها مرتين مرة صابراً، ومرة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها. مقدمة لموضوع في الإعجاز العلمي:
أيها الإخوة، ننتقل لموضوع في الإعجاز كمقدمة لا بد من ذكرها.
1 – لكل نبي معجزة دالة على صدق رسالته:
النبي عليه الصلاة والسلام أرسله الله للشعوب والأمم كافة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
أما الأنبياء السابقون فكل نبي لقوم، لذلك اقتضت حكمة الله أن تكون معجزة النبي التي هي شهادة الله لعباده أنه رسوله. 2 – معجزة الأنبياء السابقين حسية:
سابقا كانت المعجزة حسية:
معجزة سيدنا موسى:
سيدنا موسى:

﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف ).
ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً.
سيدنا إبراهيم:
سيدنا إبراهيم ألقي في النار فلم يحترق.
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
سيدنا عيسى:

﴿ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 49 ).
هذه معجزات، هذه شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبيائه ورسله. 3 – معجزة النبي هي القرآن، لأنه رسولٌ للعالمين:

لكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعثته لكل الأمم والشعوب، ولآخر الزمان ، وكتابه كتاب الخاتم، فلابد من شهادة مستمرة، وهناك شهادة منقطعة كتألق عود الثقاب، تألق مرة وانطفأ، أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، ولكن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام لكل الأمم والشعوب، وكتابه كتاب خاتم، إذاً: لا بد من أن تكون المعجزة علمية عقلية، من هنا كان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، من هنا ورد في القرآن إشارات علمية اكتشفت قوانينها بعد 1400 عام، وقد قال الله عز وجل:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية: 53 ).
هذا الذي حصل. من الإعجاز الرباني في جسم الإنسان:
(1) خلايا الدماغ لا تتغير:
هناك نقطة دقيقة: أن كل خلية في جسم الإنسان لها عمر، أقصر عمر 48 ساعة، هذه خلايا بطانة الأمعاء، الطبقة التي تمتص الكيلوس، خلاصة الطعام ، هذه زغابات الأمعاء الداخلية، هذه خلاياها أقصر خلية في جسم الإنسان، عمرها 48 ساعة، فأنت أيها الإنسان كل 48 ساعة تتجدد خلايا الأمعاء عندك، أطول خلية العظمية تتبدل كل خمس سنوات، فأنت بأكملك جملة وتفصيلاً، بشعرك، بجلدك، بعظامك، بعيونك، بآذانك، بلسانك، بأنفك، بالمريء، بالقصبة الهوائية، بالرئتين، بالقلب، بالمعدة، بالأمعاء، جملة وتفصيلاً تتبدل تبدلا كليًّا كل خمس سنوات، لكن لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة خلايا الدماغ لا تتبدل، لو تبدلت لكانت الطامة الكبرى، يقول الرجل: والله كنت طبيبا، سبحان الله ! رجع أميًّا، كنت مهندسا، كنت خياطا، المهارات أين هي مودعة ؟ في الدماغ، الذاكرة، من أنت ؟ لا أعرف، ابنه، انتهى لتبدل خلايا الدماغ ؟ ما عرف أولاده، يقول: من أنتِ ؟ ابنته، لا يعرفها، أين هويتك ؟ لو تبدلت خلايا الدماغ فما مِن شيء اسمه علم، ولا ذاكرة، ولا خبرة، ولا مهارة، ولا قدرة، كله ينتهي، هذه حكمة مَن ؟ قدرة مَن ؟ رحمة مَن ؟ الذاكرة ثابتة.
لكن الله أحياناً، سبحانك يا رب، يحدِث حالات نادرة لتأكيد هذه القاعدة، أحيانا يحدُث للإنسان فقدُ ذاكرة جزئيٌّ.
حدثني أخ كريم، قال لي: أبي عنده معمل، فخرج من معمله إلى البيت، قال لي: بقي ساعتين ما عرف أين بيته، ابنه ساكن في منطقة الجسر الأبيض، تذكّر بيت ابنه، جاء إليه، فال له: أين بيتي ؟
رجلٌ آخر فقدَ ذاكرته، جاء ابنه من أمريكا قال له: من أنت ؟
هذه الذاكرة الله عز وجل في حالات نادرة يعرّفك بقيمة دماغك، دماغك فيه ذاكرة، الذاكرة بحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة.
مرة صار تفجير بمدينة عربية بفندق، طبعاً لمحته بالأخبار، زرت هذه المدينة بالفندق نفسه، هذا الفندق نفسه، الصورة تلتقطَ في ثانية، تصور من خمس سنوات الصورة محفوظة في الدماغ، فلما تطابقت الصورة قلت: هذا الفندق نفسه.
فالذاكرة شيء عظيم جداً، والدماغ لا يتغير، طمئن نفسك، ذاكرتك، خبراتك معلوماتك، أصدقائك، أولادك أقرباؤك، قدراتك العامة، مهاراتك كله محفوظ بذاكرتك.
هناك طرفة: دخل رجلٌ إلى الجامع، يضع حذاءه، له محل بدماغه، الدليل أنه قد يكون في حديث حميم مع صاحبه، فيدخلون إلى الجامع لا يتركز بذهنه أين محل حذائه، ينسى أين وضعه ؟
(2) خلايا القلب لا تتغير:
والله إنها آيات مذهلة دالة على عظمته، واضحة جداً، لكن يقول الإنسان: أنا لي عشرون سنة، خلايا القلب أيضاً لم تتغير، لماذا ؟ لا أعلم، القلب هو هوَ، لما تأتي آية قرآنية:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
( سورة الحج الآية: 179 ).
الله أعلم، ثم اكتشف أن القلب موطن الأحاسيس والمشاعر والأذواق، كيف عُرف هذا ؟ بعد ما زرعوا 73 قلبا من إنسان لإنسان، كل مشاعر وهوايات الذي أُخذ القلب منه انتقلت لمن أُخذ القلب إليه، هذا إن شاء الله في درس قادم سأشرحه لكم بالتفصيل، هذا إنجاز علمي كبير.
إذاً: حينما قال الله عز وجل:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
هذا القلب في قوة إدراكية، القلب الصنوبري، المضخة في خلايا عصبية إدراكية تفوق الخلايا الدماغية بخمسمئة ضعف، وهي تأمر القلب، هذا إنجاز علمي عمره قريب جداً.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:20 AM   #17


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس عشر )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 2 - تحكم الشهوة بالانسان -خصائص الماء







بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.
الشهوة مقوِّمًا للتكليف:
1 – مَن هو عبدُ الشهوة ؟
أيها الإخوة الكرام، مع درس السادس عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وفي الدرس الماضي بدأنا موضوع " الشهوة "، والشهوة إحدى مقومات التكليف، هناك تساؤل عند معظم الناس أنه لولا الشهوات لما وقع الناس في المعاصي والآثام، وقد يأتون ببعض الشواهد أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ))

فالإنسان عبدٌ للدينار، وعبدٌ للدرهم، وقد يكون عبداً لبطنه، وقد يكون عبداً لفرجه، وقد يكون عبداً للخميصة لثيابه.
الحقيقة أن هذا الحديث يشير إلى فئة من الناس عبدت شهواتها من دون الله، وقد أكد الله هذا المعنى فقال: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 43 )
وكما تعلمون أن العبادة نوعان، هناك عبيد، وهناك عباد، العبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر، فالإنسان الذي عرف الله، بمبادرة منه، وأحبه، وأطاعه وأقبل عليه، والتزم بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، هذا عبد الشكر، وجمعه عباد. ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾
( سورة الفرقان الآية: 63 )
بينما الذي ركب رأسه، وتحكمت به شهوته، وعبد شهواته من دون الله فهذا عبد القهر، هو عبد لله، لأنه مقهور، لأنه في قبضة الله، ففي أية ثانية ينتهي عند الله، فهذا عبد القهر جمعه عبيد. ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
( سورة فصلت الآية: 46 )
2 – الشهوة حيادية:
كما قلت في درس سابق: الشهوة حيادية، لأنك مخير يمكن أن تكون الشهوة سلماً ترقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون الشهوة نفسها دركات يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين، هي حيادية، ولا أدلّ على ذلك من هذا المثل الذي استخدمه كثيراً:

الوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة، وسال في الأنابيب المحكَمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة، السائل هوهو، إذا صُب على المركبة أعطى شرارة أحرقت المركبة ومَن فيها، فكما أن هذا الوقود السائل قوة محركة نافعة رائعة، هو قوة مدمرة ماحقة، هكذا الشهوة، اعتقد اعتقاداً يقينياً أن الشهوات حيادية، فهي سلَّمٌ ترقى بها إلى أعلى عليين، ودركات يهوي بها الإنسان أحياناً إلى أسفل سافلين.
ضربت مثلا، إنسان يتزوج امرأة صالحة تسره إن نظر إليها، تطيعه إن أمرها، تحفظه إذا غاب عنها، ينجب منها أولاداً أبراراً، وبنات مؤمنات يتزوجن شباب مؤمنين، تجد الأسرة رائعة، أحفاد وأحفاد الأحفاد أناس صالحون، تربيتهم عالية، وعناصر طيبة في المجتمع، رأس هذه الأسرة له مكانة مرموقة جداً، مع أنّ أصل هذا المشروع علاقة جنسية ، أليس كذلك ؟
والإنسان قد يفتح ملهى ليليا، يمارَس المعاصي والآثام، يسمح لرواد هذا الملهى أن يقعوا في الزنا والحرام، وما إلى ذلك، تجد هذا المكان بؤرة فساد، والأصل علاقة جنسية.
فالشهوات حيادية، يمكن أن ترقى بها إلى أعلى عليين، وبالشهوة يمكن أن يهوي الإنسان إلى أسفل سافلين، والشهوة هي هيَ.

3 – الحظوظ الدنيوية حيادية:
الشهوات حيادية، والحظوظ حيادية، والذكاء حيادي، فقد تكون ذكياً فتستخدم هذا الذكاء في نشر الحق، وقد تكون ذكياً فتستخدم هذا الذكاء في إفساد البشر، وفي جمع الأموال الطائلة من طريق غير مشروع.
الوسامة قد تكون في خدمة الحق، لأن الإنسان إذا كان وسيماً أعانته وسامته على تحقيق أهدافه في الحياة، وقد تكون هذه الوسامة سبباً لوقوع هذا الشاب في آلاف المعاصي والآثام.

طلاقة اللسان، وجميع الحظوظ حيادية، وجميع الشهوات حيادية، وجميع الأعطيات الإلهية حيادية، أعطاك الله مالا، فإما أن ينفق في طاعة الله فترقى به إلى أعلى عليين، أو أن ينفق المال في إفساد الناس، وفي ممارسة شهوات لا ترضي الله.
الوجاهة: قد تكون في منصب رفيع فتستخدم هذا المنصب لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، فترقى بهذا المنصب إلى أعلى عليين، وقد تستخدم هذا المنصب لتجميع أموال طائلة بطريق غير مشروع،فتهوي إلى أسفل سافلين ف، الحظوظ، والشهوات، والأعطيات الإلهية كلها حيادية، لأنك مخيَّر فكل شيء حيادي، ترقى به أو تهوي به.
لذلك قرأ بعضهم هذه الآية، وهي قوله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
جاء الجواب الإلهي الرادع: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 ).
ليس كذلك، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
سؤال أطرحه كثيراً: هل المال نعمة ؟ نعم، ولا، هل الفقر نعمة ؟ نعم، ولا ، كيف ؟ المال نعمة إذا كان كسبه مشروعاً، وأنفق في طريق مشروع.
واللهِ زرت شخصا والد صديقي في العيد قبل سنوات، قال لي: أنا عمري 96 سنة، وقد أجريت البارحة فحوصا كاملة، والنتائج كلها طبيعية، في سن 96، قال لي: والله لا أعرف الحرام، لا حرام النساء ولا حرام المال، من عاش تقياً عاش قوياً. 4 – طاعة الله تجلب الأمن والسعادة والطمأنينة:
أيها الإخوة، الدنيا جميلة بطاعة الله، الدنيا مسعدة بطاعة الله ، هذا الذي يطيع الله عز وجل أعطاه الله عز وجل حقًّا عليه.

عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ:

(( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا... ))
[ متفق عليه ]
أنت أيها المؤمن، يا من تحضر هذا الدرس، ويا من يسمع هذا الدرس، إذا أطعت الله فيما أمرك أنشأ الله لك حقاً عليه، ألاّ يعذبك. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 30 ).
والله أيها الإخوة، أنا لا أصدق أن يجتمع في قلب المؤمن خوف، أو قلق، أو إحباط أو سوداوية، الله عز وجل طمأنك في القرآن الكريم قال لك: إنني أدافع عنك، الله في عليائه يدافع عنك. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
( سورة الحج الآية: 38 ).
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية: 296 ).
يؤتيك الرضى، أنت راضٍ عن الله، يؤتيك الأمن، وهي أغلى نعمة على الإطلاق. ﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش ).

يؤتيك السعادة، يؤتيك السكينة.
فلذلك أيها الإخوة، الشهوات حيادية، بالعكس لولا الشهوات لم ترقَ إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنة، تصور أن كل شيء مباح، بمَ تتقرب إلى الله ؟ فإذا وجِدت محرمات، فبغض البصر تتقرب إلى الله، وبترك دخل مشبوه تتقرب إلى الله، وبضبط اللسان تتقرب إلى الله، الغيبة محرمة، والنميمة كذلك، والإيقاع بين الناس، والكبر، وارتكاب خمسين معصية باللسان، فإذا اجتنبت كل هذه المعاصي، ضبطت سمعك، ضبطت بصرك، ضبطت لسانك، ضبطت حركتك، ضبطت يديك، ترقى إلى الله.
فلذلك أؤكد لكم لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنات، هذه الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.
﴿ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا ﴾
( سورة الرعد الآية: 35 ).
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
( سورة الحاقة ).
5 – في الإسلام تنظيم للشهوة، وليس فيه حرمان:
أيها الإخوة، أنا أخاطب الشباب، أنت في بداية حياتك، إياك أن تعتقد، أو أن تتوهم أن هناك في الإسلام حرمانا، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، الشعور بالحرمان لا أصل له في الدين، لأن هذا الدين دين الفطرة، وأيّة شهوة أودعها الله فيك جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، حتى شهوة العلو في الأرض موجودة في كل إنسان، لها أسماء متعددة، يسميها علماء النفس تأكيد الذات، يسميها بعضهم الشعور بالتفوق، يسميها بعضهم الآخر السيطرة، هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان يمكن عن طريق طلب العلم، والعمل الصالح أن تروى، وأن تكون في موضع تكريم لك، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح ).

ما مِن إنسان يطلب العلم إلا وله مكانة عند الله عز وجل، نحن في العمرة يأتي إلى هذا المسجد ملايين مملينة كل عام، يقولون: يا سيدي، يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد، لأنه عرف الله، وحمل لواء الدعوة.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾
( سورة الأحزاب )
ثم تقف أمام الصديق، تقول له: يا صاحب رسول الله، يا من قال النبي بحقك: ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، ما ساءني قط.
تقف أمام قبر سيدنا عمر، يا أيها الفاروق، لو كان نبي بعدي لكان عمر.
هؤلاء الذين صدقوا، وآمنوا، واستقاموا، وأخلصوا، وأحسنوا، رفع الله ذكرهم، والذين عارضوا وكذبوا أين هم ؟ في مزبلة التاريخ، أبو جهل، هل يقول أحد: سيدنا أبو جهل !!؟ مستحيل.
أيها الإخوة الكرام، الشهوة هي هي، ترقى بها أو تهوي بها، هي حيادية، وأنت مخير، أو لأنك مخير هي حيادية، أية شهوة أودعها الله فيك ترقى بها إلى أعلى عليين.
6 – حركةُ الشهوة، والشرع أعطاها حيزا محدودا:
لكن هناك شيء آخر: ما من شهوة أودعت فيك إلا لها قناة نظيفة تسري خلالها ، لذلك مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، أنت معك منهج، الآن الفكرة الدقيقة جداً الشهوة حيادية، لكن الحركة فيها 180 درجة.

أنت في طريق عن اليمين وادٍ سحيق، وعن اليسار وادٍ سحيق، تركب مركبة، المقود بيدك، لكن المقود فيه حركة واسعة، 90 درجة، و90، الـ90، الأولى على الوادي، والـ90 الثانية على الوادي، هلاك محقق، المقود يتحرك 180 درجة، 90 نحو اليمين، و90 نحو اليسار، والطريق عرضه 60 مترا، يتحمل تحريك المقود زاوية مع اليمين ثلاثين، وعلى اليسار ثلاثين، لكن الـ60 مسموح بها، الـ60 تبقى على الطريق، إذا حرفتَ المقود ضمن الـ60 درجة تبقى في الطريق، إذا تجاوزت هذا الرقم يكون صاحب هذه المركبة في الوادي، وقد انتهت حياته.
الشهوة حركتها واسعة، والمنهج أعطاك حيز محدود، الدين كله، فلسفة الدين كلها أن تأتي حركتك في هذه الدرجات الـ60، المال ممكن سرقة، ممكن اغتصاب ممكن احتيال، ممكن تزوير، ممكن مكر، ممكن كذب، ممكن غش، ممكن، ممكن في مليون ممكن، وفي كسب مشروع أساسة الأمانة والإتقان، ما دام المقود بالـ60 درجة أنت على الطريق، سالم، غانم سالم، فإذا الحركة تجاوزت هذه الدرجات الستين في الوادي ما هو الدين ؟ الدين
هو الضبط، أن تضبط حركتك بدافع شهواتك وفق منهج الله، وفق الحيز الذي سمح الله لك به، هذا هو الدين، هذه هي الاستقامة، هذا هو العمل الصالح، أن تأتي الحركة وفق منهج الله، أو أن تبقى حركة المقود بالستين درجة، الستين تبقى على الطريق، أكثر إلى الوادي، يمنة أو يسرى.
لذلك قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
الجنة كلها لمن ضبط شهواته، يقولون: حضارة المسلمين أساسها ضبط الذات، وحضارة الغربيين أساسها السيطرة وضبط الطبيعة.
حقل البترول في قعر بحر الشمال كيف حُفرت هذه الأبيار في قعر البحر ؟ وكيف لم يدخل الماء المالح إليها ؟ وكيف حصنت ؟ وكيف أودعت الأنابيب ؟ وكيف صب الاسمنت فوق المال ؟ شيء مذهل، استخرجوا النفط من قعر الشمال، وصلوا إلى القمر، وصلوا إلى المريخ، وصلوا إلى المشتري، نقلوا الصورة في العالم كله، نقلوا الصوت ، والعالم الآن قرية، وهناك إنجازات علمية مذهلة، الغرب سيطر على القرية، أصبح العالم سطح مكتب، فبقطعة صغيرة تخاطب العالم كله.
كنت في عرفات، طُلب مني كلمة على الفضائية السورية، ألقيت حديثا سُمع في الخمس قارات، أمامي قطعة تكلمت بها هذا الكلام عُمم على خمس قارات، شيء لا يصدق، وإنجاز مذهل.
7 – ضبطُ الشهوة ثمنُ الجَنة:
أيها الإخوة الكرام، ما من شهوة جعلها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أما ضبط إيقاع الحركة فوفق60 درجة بالضبط، جاءت الآية الكريمة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات )

ثمن الجنة هو الضبط، ثمن الجنة أن توقع الحركة وفق الحيز الذي سمح الله به ، فلك أن تأكل من طعام حلال، أي اشتُري بمال حلال، وهذا المال الحلال اُكتسب وفق الصدق والجهد الحقيقي، لا وفق الكذب والاحتيال.
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ رواه الطبراني عن ابن عباس ]
لك أن تتزوج امرأة تروق لك بالحلال، لا تخجل بهذا، هذا شيء شرعي، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أشار فقال:
(( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر ].
شيء غير معقول ! لو كانت في الحرام كان عليك وزر، إذاً هو في أجر، من هنا يرقى المؤمن بالشهوة مرتين، يرقى مرة شاكراً، ويرقى مرة صابراً، مثل المنشار يعمل طالعًا ونازلاً، شاكراً، وصابراً.
أنت تمشي في الطريق، مرت امرأة متبذلة متفلتة فغضضت بصرك عنها وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، ارتقيت، دخلت بيتك نظرت إلى امرأتك، مِن حقك أن تنظر إليها، شكرت الله على أن الله أكرمك بزوجة، ترقى إلى الله شاكراً.
تركت مالا حراما ترقى إلى الله صابراً، عملتَ عملا مشروعا، وكسبتَ مالا حلالا، واشتريتَ به طعاماً وشراباً وثياباً ترقى إلى الله شاكراً، ترقى بها مرتين، ترقى بها صابراً، ترقى بها شاكراً.

مرة ثانية: لولا الشهوات لما وصل الإنسان إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنات.
لابد أن تدَعَ بينك وبين المعصية هامش أمان:
الآن مع فكرة فرعية، الزنا محرم، الله عز وجل قال لك:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 ).
الحكمة الإلهية ما قال الله: لا تزنِ، قال:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
أي: اجعل بينك وبين هذه المعصية الكبيرة هامش أمان.
أوضِّح هذا بمثلٍ: تيار كهربائي 8000 فولت، وزير الكهرباء يضع لوحة: ممنوع الاقتراب من التيار، لأن للتيار ثمانية أمتار، مَن دخل في حرم التيار أصبح فحمة سوداء، فلا بد من ترك مسافة بينك وبين التيار، لأن قوة جذبه كبيرة جداً، وهناك شهوات قوة جذبها كبيرة، الله منع الخلوة، منع صحبة الأراذل، منع إطلاق البصر، منع مقدمات الزنا، فمن ابتعد عن مقدمات الزنا كرمه الله، وحماه من الزنا.
(( من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ))
[ متفق عليه ].
(( وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى اللَّه محارمه ))
[ متفق عليه ].

لا بد من أن تدع بينك وبين الزنا والمحرمات هامش أمان، تصور الشهوات المحرمة كنهر عميق مخيف له شاطئ مائل زلق، له شاطئ مستوٍ جاف، النهر هنا، بطولتك كمؤمن أن تمشي هنا، شاطئ مستوي جاف متمكّن، أما هذا الشاطئ فزلق ومائل، احتمال السقوط فيه كبير، من هنا جاء قول سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: " الشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة ".
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
( سورة البقرة الآية: 187 ).
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 152 ).
يجب أن تعرف مقام الله، الإيمان كله أن تخاف مقام الله. ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
( سورة الرحمن ).
جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
والله أحد العلماء يقول: " مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، أطيب ما فيها القرب من الله عز وجل "، بدليل: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة الروم الآية: 7 ).
الله عز وجل أثبت لهم علماً بظاهرها.
يقول عالِم آخر: " بستاني في صدري، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ ".
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن كبير جدا:
بصراحة الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ليس فرقاً بين إنسانين، الأول يصلي والثاني لا يصلي، لا، الفرق أعمق من هذا بكثير، بين إنسان متوازن، سعيد، متفائل، آمن، موفَّق، محفوظ، منصور، متقدم، متطور، وبين إنسان خامل، يائس، قلق، حذر، كئيب، معه إحباط، الفرق كبير جداً.

أنا أتمنى أن نوقن يقيناً قطعياً أن الفرق ليس شكلياً، هناك فرق شكلي أحياناً، يكون جسمُ الطالب غير وسيم، لكن الأول، والثاني أطول، الفرق فقط في الطول، وهذا فرق بسيط، هذا الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير جداً، فرق في البنية، فرق في النوع، فرق في الحالة النفسية، الفرق في الثقة بالله، الفرق في التوازن، الفرق في السعادة.
هناك معنى دقيق، الله عز وجل لما قال:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم ﴾
( سورة الحاقة ).
السؤال هنا: ما لم تؤمن بالله العظيم فلن تستقيم على أمره، إبليس آمن بالله، لكن ما عظّمه، قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
( سورة ص الآية: 82 ).
﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
( سورة الأعراف ).
قال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 12 ).

فالبطولة أن تؤمن بالله العظيم، فالأمر ينصب على تعظيم الله عز وجل، فلذلك الإنسان إذا لم يؤمن بالله العظيم لمَ يستحق النار ؟ سؤال عميق جداً، يستحق الإنسان النار إن لم يؤمن بالله العظيم، لأنه عندئذٍ لا يطيعه، وكل إنسان ما آمن بالله لا بد من أن يعتدي على الآخرين.
أوضح مثلٍ، الذي أراد التفلت في شهواته، فهذه فتاة لا تحل له، يمكن أن تكون أمًّا، تكون زوجة صالحة، أمًّا راقية جداً، لما أفسدها انحرفت، فشقيت في الدنيا والآخرة، وهو سبب شقائها، معنى ذلك: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
( سورة المؤمنون ).
لو ما آمنت بالله العظيم، وبقيت مستقيماً فلا مشكلة، لكن إذا ما آمن الإنسان بالله العظيم ففي الأعم الأغلب سوف ينحرف، وانحرافه يعني العدوان، أن يأخذ ما ليس له، فهذا ملمح دقيق في الآية، أن الإنسان إن لم يؤمن بالله العظيم فلا بد من أن ينحرف عن منهج الله القويم.
الإنسان مخيَّر في أعماله:
الآن كل ما يقال أن الشيطان أغوانا، الشيطان أفسدنا، الشيطان وسوس لنا، الآية الصارخة لحاسمة القاطعة، هذه الآية:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾
( سورة إبراهيم الآية: 22 ).

ما مِن إنسان يضل إنسانا، لكن في الظاهر إنسان يضل إنسانا عنده رغبة في الانحراف، أما في الأصل فالإنسان مخير.
الآية الثانية:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 42 ).
أيها الإخوة الكرام، هذه الشهوات سبب رقينا إلى الله، هذه الشهوات سبب دخولنا الجنة، هذه الشهوات سلم نرقى به، هذه الشهوات حيادية، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، إذاً: لولا الشهوات لما ارتقينا إلى الجنة، هي نعمة أم نقمة ؟ هي نعمة.
هناك شعراء لا ينطلقون لا من كتاب ولا من سنة، قال أحدُهم:
خلقتَ الجمال فتنةً وقلت يا عبادي اتقون
***

هذا كلام شعراء. ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾
( سورة الشعراء ).
موازنة سريعة بين صنفين:
الآن مع موازنة سريعة:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا ﴾
( سورة القصص الآية: 61 ).

إنسان انضبط، غض بصره، ضبط لسانه، ضبط أذنه، ضبط دخله، ضبط إنفاقه، أوقع حركته بـ 60 درجة، بقي على الطريق، مات على هذا الحال، هذا إنسان عند الله مكرم، قال تعالى:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
( سورة القصص الآية: 61 ).
بينهما بون شاسع:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
فلذلك هذه الشهوات تحقق للإنسان لذائذ، واللذائذ آنية، ومتناقصة، وتعقبها كآبة، أما الإيمان فيحقق سعادة، اللذائذ حسية، تأتيك من الخارج وآنية، ومتناقصة، تتبعها كآبة.
أيها الإخوة، إذاً: حينما يتعرف الإنسان إلى الله عز وجل يوقع حركته انطلاقاً من شهواته وفق الحيز الذي سمح الله به، عندئذٍ يسلم.
العمل الصالح له أثرٌ مستقبلي:
بالمناسبة في الإنسان سلامة وسعادة، بالاستقامة على أمر الله يسلم، لكن بالعمل الصالح يسعد، والفرق كبير بين السلامة والسعادة، أما الإنسان لو انكب على الشهوات وحدها، يقول بعض الفلاسفة: " إذا اتخذت الشهوة مبدأ انقلبت إلى ألم "، والذين يحرصون على شهواتهم دون غيرها، ولا يلتفتون إلى شيء آخر هؤلاء أشقى الناس، وإنّ أشقى الناس في الدنيا أرغبهم فيها، وأسعد الناس في الدنيا أبعدهم عنها، الإنسان له هدف كبير، له هدف نبيل، هدف عظيم أن يعرف الله، أن يقدم عملا صالحا لأمته، هذا الهدف، وهذا العمل يَسْمُوَان به، فيشعر نفسه إنسانا مقدسا، إنسانا عند الله مقربًا، أما إذا التفت إلى شهواته فالشهوات ليس لها أثر مستقبلي، وإذا غرق الإنسان في الملذات، وفي الطعام الطيب، وفي النزهات، هذه اللذائذ كلها لا تصنع له مكانة، ولا قيمة، ولا مستقبلاً.
ملأ أحدُهم حوض الحمام بماء فاتر، وجلس فيه، سُر به، هل تعلم شيئًا ؟ هل يصبح طبيبا ؟ هل يصبح تاجرا كبيرا ؟ الاستمتاع بالحياة ليس له أثر مستقبلي، أما العمل الطيب فله أثر مستقبلي، فإذا عاش الإنسان لشهوته يشقى بها، وإن أشقى الناس في الدنيا أرغبهم فيها، أسعد الناس في الدنيا أبعدهم عنها، لذلك ورد في بعض الأحاديث عَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ:
(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))
[ أخرجه أحمد ]
التنعم وحده يفضي بالإنسان إلى الشقاء، لذلك أعلى نسب انتحار في العالم في دخل أصحابها فلكي، وأكاد أقول: مشكلة الإنسان الآن أنه إنسان بلا هدف، الله عز وجل قال: ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة الملك )
حدِّدْ هدَفك في الحياة:

الذي أتمناه على الإخوة الكرام أنْ حدِّدْ هدفك، واجعل هذا الهدف الله، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، لو اخترت هدفاً آخر أقلّ من إمكاناتك بعد بلوغه تشقى، وتشعر بالفراغ وبالملل، لو اخترت أيّ هدف أرضي، ما دام بعيداً عنك لعلك تحلم به، فإذا وصلت إليه، وأحطت به، واستوعبته انتهى تأثيره، فيبدأ الشقاء.
فلذلك من اختار الله عز وجل اختار الحق الأبدي الأزلي.

من الإعجاز العلمي في القرآن: الماء:
1 – الماء أصل الحياة:
الآن ننتقل إلى موضوع في الإعجاز العلمي، الحقيقة هناك موضوعات ثلاثة، قد يعجب أحدكم أن الحياة على وجه الأرض متعلقة بها، لولاها لما كانت حياة على وجه الأرض، هذا الموضوع هو الماء.
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 30 ).
2 – من خصائص الماء التمدد والانكماش:
ليس الماء وحده، خصيصة فيه، خصيصة واحدة فيه، يتميز بها، وينفرد بها من بين كل عناصر الكون، هذه الخصيصة أن الماء شأنه كشأن أي عنصر، بالتسخين يتمدد، وبالتبريد ينكمش، وأيّ عنصر حتى الحجر، حتى المعادن كلها، حتى الغاز، حتى السوائل كلها، أي عنصر في الأرض تسخنه يتمدد، تبرده ينكمش، الأصل في ذلك أن الحرارة تسرع حركة الذرات، وإن تسرعت حركة الذرات تباعدت، فانقلب الجسم من صلب إلى لزج، إلى سائل، إلى غاز، وذرات الحركة في الغاز كثيرة جداً ومتباعدة، فالغاز ليس له حجم ثابت، ولا شكل ثابت، أما السائل فله حجم سائل، لكن شكله غير ثابت، أما الصلب فله شكل وحجم ثابتان، والشكل والحجم ثابت في الجماد، الشكل متبدل، الحجم ثابت في السوائل، الشكل والحجم متبدل في الغازات.

تنتقل المادة من حالة صلابة إلى سيولة، إلى حالة غازية بحسب التسخين، وبالعكس إذا كان الشيء سائلا فبرّدناه يجمَّد، كالثلج، والشيء الغازي إذا بردناه يصبح سائلا، اسطوانات الغاز تجد فيها سيولة لأننا بردناها، والتبريد يساوي الضغط، والتسخين يساوي رفع الضغط، فكل عنصر في الأرض بالتسخين ورفع الضغط يتمدد، وكل عنصر في الأرض بالتبريد وبالضغط ينكمش، إلا الماء، الماء فله استثناءات بدرجة واحدة، درجة زائد أربع، أنت تأتي بوعاء ماء في بدرجة 40، فضضته للـ35 طبيعي 20 ـ 25 ـ 20 ـ 10 ـ 5 ـ 4 ـ تنشأ آلية معاكسة، يتمدد.

فهذا الماء لأنه يتمدد بدرجة زائد أربع فهناك حياة في الأرض، لو انكمش زادت كثافته ما الكثافة ؟ نسبة الوزن لا الحجم، الآن البسمار كثافته عالية، يغوص، أما الفلين لا يغوص، فكلّ شيء كثافته أقلّ من الماء يطفو، وكل شيء كثافته أكبر يغوص.
لو أن الماء إذا تجمد انكمش فزادت كثافته يغوص، وفي بعض الحقب تتجمد جميع البحار، من قعرها إلى سطحها، فإذا تجمدت انعدم التبخر، وإذا انعدم التبخر انعدمت الأمطار، وإذا انعدمت الأمطار مات النبات، ومات الحيوان، ومات الإنسان، فكل حياتنا وحياة النباتات والحيوانات وجميع الكائنات أساسها أن هذا الماء في درجة زائد أربع تنعكس آليته من الانكماش إلى التمدد.
بالمناسبة الماء إذا تمدد فليس هناك قوة في الأرض تقف أمامه، الآن تقتلع الصخور عن طريق تجميد الماء، يحفر صخر، أربع ثقوب، يوضع فيها ماء، ويبرد، تقتلع الصخرة مكعبة من الرخام من أصل الجبل بهذه الطريقة، وأشد أنواع الخلائط المعدنية فيه محرك سيارة، إذا تجمد الماء ينفجر المحرك ويتصدع.
3 – الماء من النِّعم الربانية الكبرى:

فلذلك أيها الإخوة، هذا الماء من نعم الله العظمى، أولاً: هو شفاف، ثانياً: لا طعم له، لو كان له طعم معين، وجميع الأطعمة، وأنواع الطبخ، والمشروبات بهذه الطعمة، تخرج من جلدك، ما له طعم، ولا رائحة، ولا لون، لو كان لونه زهرا فكل شيء صار زهرا، ويتبخر بدرجة 14، شديد النفور، مهما تكن المسامات ضيقة يدخل منها، ويتبخر بدرجة متدنية، غليان بدرجة معتدلة.
هناك خصائص أنا أعتبر الماء أحد الآيات الكبرى الدالة على الله عز وجل، لولا الماء لما كانت حياة، ولولا أنه يتمدد في الدرجة زائد أربع لما كانت حياة:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
والإنسان 70% من وزنه ماء.

4 – سبعون بالمئة من جسم الإنسان ماء:

كملاحظة طريفة: لو ضغطنا الإنسان بمكبس ينزل منه 70% من وزنه ماء، والباقي تصنع لوحَ صابون من دهنه، وبسمار حديد، وعود ثقاب، مجموع ثمنه المادي لا يزيد على 20 ليرة سورية، 70% ماء، والمواد الأخرى سعرها منخفض جداً ، وقد أقسم الله بعمر النبي فقال:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
( سورة الحجر ).


خاتمة:

الإنسان له قلب يكبر، ولا ترى كبره، يتعاظم على كل عظيم، ويصغر ولا ترى صغره، يتضاءل أمام كل حقير.
اسمعوا هذه الكلمة: المؤمن إذا عرف الله فهو أكبر من أكبر مشكلة في الحياة، فإذا ما عرف الله فهو أصغر من أصغر مشكلة في حياته، إن عرفت الله فأنت أكبر من أكبر مشكلة، وإن لم تعرفه فأنت أصغر من أصغر مشكلة.
فليتك تحلــو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غــضاب
ولـيت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين الـــعالمين خراب
إذا صح منك الوصل فالــكل هين وكل الذي فوق التراب تراب




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:23 AM   #18


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السابع عشر )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 3 - العدالة والضبط - ثقب بوتال - آلية المص - خصائص الماء - التجمد







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من فروع الشهوة: العدالة والضبط:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وكنا في اللقاء السابق في موضوع الشهوة، والآن نتحدث عن بعض فروع هذا الموضوع.
(1) العدالة:
بادئ ذي بدء يقول عليه الصلاة والسلام:
(( مَن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
لكن من عامل الناس فظلمهم، وحدثهم فكذب عليهم، ووعدهم فأخلفهم، فقد سقطت عدالته. 1 – مفهوم العدالة:

العدالة هي الصفة التي لا بد من توافرها في المؤمن، فالمؤمن مستقيم، المؤمن لا يكذب، المؤمن لا يحتال، المؤمن لا يتكبر، المؤمن ليس بذيء اللسان، عدالته واضحة، ودائماً وأبداً الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير، في التفكير، في التصورات، في المشاعر، في الرؤية، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، يرى الآخرة، يرى ما بعد الموت، يرى عظمة الله عز وجل، يرى الشقاء الذي يصيب الإنسان لو عصى الله، يرى النعيم المقيم الذي يكافئ الله به عبده المؤمن، يرى الآخرة الأبدية، يرى أن قيمته في الحياة أن يؤمن، يرى أن أثمن شيء في الحياة أن يعمل صالحاً، يرى أن ذكاءه في العطاء لا في الأخذ، وفي خدمة الخلق لا في استخدامهم، يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون.


2 – هذا ليس من العدالة في شيء:
المؤمن ليس عنصرياً، ما معنى عنصري ؟

أكاد أقول لكم: العالم كله يصنف وفق هذين التصنيفين، إنساني أو عنصري، فهناك بلد يعامل شعبه معاملة تفوق حد الخيال، ويعامل بقية الشعوب معاملة بالقتل والقهر، والإذلال ونهب الثروات، معاملة سيئة تفوق حد الخيال، نقول: الذين في هذا البلد وطنيون، وقد يكونون قوميين، لكنهم حينما عاملوا بقية الشعوب معاملة وحشية كانوا غير إنسانيين، كانوا عنصريين، لو دققنا في هذا الموضوع، الزوج إذا توهم أن له ما ليس لزوجته فهو عنصري، وأن عليها ما ليس عليه فهو عنصري، لقوله تعالى:

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (228) ﴾
( سورة البقرة )
الأب الذي عامل زوجة ابنه في البيت معاملة لا يرضاها لابنته عند بيت زوجها فهو عنصري.
الموظف الذي يعامل المواطن معاملة لا يرضاها لنفسه لو كان مكانه فهو عنصري.
حينما تتوهم أن لك ما ليس لغيرك، وأن عليهم ما ليس عليك فأنت عنصري.
البلد الذي يعامل شعبه معاملة راقية جداً، ويعامل بقية الشعوب معاملة ظالمة جداً بلد عنصري.
البلد الذي يعطي حرية مطلقة لمواطنيه، ويمنع الحجاب في بلده الأوربي فهو عنصري، الحريات مطلقة.
البلد الذي يسمح للفتاة أن تتعرى، ولا يسمح لها أن تتحجب بلدٌ عنصري.
أكاد أقول لكم: العالم الآن منقسم قسمين: إنساني وعنصري، في أي موقع أنت، مدير معمل، مدير مؤسسة، صاحب شركة، إذا كان هذا الإنسان الذي عندك تعامله معاملة لا ترضاها لابنك فأنت عنصري.
الأم التي تعامل زوجة ابنها معاملة لا ترضاها لابنتها هي عنصرية.
وما دامت هناك في الأرض عنصرية، فإن أعمال العنف لا تقف، ولن تقف.
النبي عليه الصلاة والسلام تفقد امرأة تقمُّ المسجد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ:
(( أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ ))
[ متفق عليه ]
حينما تشعر أن أي إنسان هو أخ لك فأنت إنساني، وحينما ترحم شاباً في محلك التجاري كما ترحم ابنك فأنت إنساني، وحينما ترحم زوجة ابنك كما ترحم ابنتك فأنت إنساني.
لو صعدنا إلى مستوى أعلى، حق الفيتو عنصري، الحصار الاقتصادي عنصري، منع بلد نامٍ من تطوير حياته هذا منع عنصري، فلذلك المؤمن يتصف بالعدالة، معنى عدالة أي أنه مستقيم، وإنساني، وصادق، وأمين، وعفيف، ومتواضع، ومنصف.
إنسان قال لسيدنا عمر في حضرة أصحابه: " والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله ـ يا لطيف غلط غلطة كبيرة ـ فأحدّ فيهم النظر، وخافوا، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال له: من ؟ قال: أبو بكر الصديق، قال سيدنا عمر: لقد كذبتم جميعاً وصدق ـ عد سكوتهم كذباً ـ قال: والله كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك ".
(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
3 – مما يجرح العدالة:
أيها الإخوة، لو أنه عاملهم فظلمهم سقطت عدالته، وحدثهم فكذب عليهم سقطت عدالته، ووعدهم فأخلفهم سقطت عدالته، هذا اسمه سقوط العدالة، وعند الفقهاء مصطلح اسمه جرح العدالة، هذا الكأس لو أتيت بمطرقة، وحطمته أكون قد كسرته، وأحياناً يقع من يدي، فنرى فيه خطًّا، العوام يقولون: انشعر، هناك حالة ليست سقوط عدالة، ولكن جرح.

من مشى حافياً في الطريق جرحت عدالته، من بال في الطريق جرحت عدالته، من أكل في الطريق جرحت عدالته، من أطلق لفرسه العنان، الآن هناك سيارة، السرعة الزائدة تجرح عدالته، من قاد برذوناً، من مشى مع حيوان مخيف ككلب عقور، والكلب يخيف الصغار جرحت عدالته، من علا صياحه في البيت، وهناك بيت هادئ، يقول لك: ثلاثا وعشرين سنة ما سمعنا صوتهم، من علا صياحه في البيت حتى سمعه مَن في الطريق جرحت عدالته، من طفف بتمرة جرحت عدالته، إذا وزنتم فأرجحوا. أو يسلِّط المروحة على كفة معينة، أو الميزان عالٍ لا ترى ماذا فيه، فالتطفيف بتمرة يجرح العدالة، لقمة من حرام، أكل لقمة من حرام يجرح العدالة، تطفيف بتمرة يجرح العدالة، من علا صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق يجرح العدالة، من مشى حافياً في الطريق جرحت عدالته، من بال في الطريق جرحت عدالته، من أكل في الطريق جرحت عدالته.

صحبة الأراذل تجرح العدالة، إنسان منحرف، إنسان شارب للخمر، إنسان زانٍ كيف تذهب معه في نزهة طويلة ؟ كيف يكون انسجام بينكما، إنسان متفلت لا يعبد الله أبداً، وأنت إنسان ملتزم، فصحبة الأراذل تجرح العدالة.
من تنزه في الطرقات، وهناك طرقات في الصيف مليئة بالكاسيات العاريات المائلات المميلات، كل يوم في نزهة في هذا الطريق يمتع عينيه بهؤلاء.
حدثني أخ صديق له جار متقاعد، زوّج بناته، وزوّج أولاده، ليس له عمل، قال: أنا لي في الصيف سوسة، بالتعبير الدارج، يذهب إلى طريق من أوجه طرقات دمشق عصراً، طريق فيه باعة نسائية من أعلى مستوى، فهذا الطريق مفعم بالنساء، ينطلق من مكان إلى مكان، ويرجع، ومرة ثانية، ويرجع، ويملأ عينيه من محاسن هؤلاء النساء، حدثني هذا الأخ قال: والله أصابه مرض اسمه ارتخاء الجفون، حتى ينظر إلى إنسان يجب أن يفتح جفنه بيده، التنزه في الطرقات من أجل أن تملأ العين بمحاسن الكاسيات العاريات هذا يجرح العدالة.
عدّ الفقهاء حالات كثيرة قد تصل إلى ثلاثين حالة كلها تجرح العدالة.

(2) الضبط:
الضبط صفة عقلية:

يا ترى المؤمن يتمتع بهذه الصفة وحدها أم معها صفة أخرى ؟ صفة العدالة صفة نفسية، فالمؤمن صادق، أمين، عفيف، يغض بصره، يضبط لسانه، إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، فهناك صفة تلازم العدالة هي الضبط، فالمؤمن يتمتع بصفتين: الأولى عقلية هي الضبط، والثانية نفسية هي العدالة.
لا ينقل حديثا موضوعا، بل يتأكد منه، وإذا قرأ آية يتأكد من ضبطها، فهو واعٍ، مدقق، يطلب الدليل، المؤمن المنضبط لا يقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا يرفض شيئاً إلا بالدليل، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
فالعدالة شيء، والضبط شيء آخر، الضبط صفة عقلية، والعدالة صفة نفسية، فالمؤمن من لوازم إيمانه أنه يتمتع بصفة الضبط وصفة العدالة، هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
أيها الإخوة، كما أقول لكم دائماً: بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، والطاعة مطلوبة. الأمر يفيد الوجوب ما لا تصرفه قرينة عن ذلك:
الله عز وجل حينما قال:
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
( سورة آل عمران الآية: 31 ).
الأمر الإلهي فاتبعوني، هذا الأمر له لوازم ؟ إذا قال لك الله عز وجل : ﴿ َأَقِمِ الصَّلَاةَ (45) ﴾
( سورة العنكبوت)
الصلاة لها شيء من لوازمها ؟ ما لوازمها ؟ الوضوء، لأن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية.
أوضح من ذلك إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
( سورة الحشر )
كلمة خذوه هل لها ما يلزمها ؟ أنا أقول متى يمكن أن تعالج ضغطك المرتفع ؟ الضغط المرتفع القاتل الصامت، الجواب بسيط جداً حينما تعلم أن الضغط مرتفع، من لوازم معالجة الضغط المرتفع أن تعلم أن الضغط مرتفع، وكيف تعلم ؟ أنت بحاجة إلى مقياس ضغط، من لوازم معالجة الضغط المرتفع أن تقتني جهاز ضغط، تقيس الضغط من حين إلى آخر، دققوا: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7) ﴾
( سورة الحشر )
من لوازم وما آتاكم، ما الذي آتانا ؟ كيف تأخذ شيئاً لا تعلمه ؟ إذاً لا بد من معرفة سنة رسول الله، فرض عين، وللأصوليين قاعدة، وهي: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، الله عز وجل حينما قال: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
هذه اللام ما إعرابها في الفعل الثاني فليكفر ؟ هل هذه لام الأمر ؟ أيعقل أن يأمرنا الله بالكفر ؟ نقول: هذا أمر تهديد، هذا أمر خرج عن أصل الأمر، أصل الأمر يقتضي الوجوب، أما هذا الأمر فيقتضي التهديد والتخويف لا الوجوب. ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
(سورة الأعراف)
هذا أمر، لكن قد لا يأكل الإنسان، نقول: هذا أمر ندب لا أمر وجوب، فما كل أمر يقتضي الوجوب، لكن أيّ أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
كلمة زهرة ماذا تعني ؟ نبات، إذا قلت: في بيتنا زهرة تلعب، فهناك قرينة تمنع تصور المعنى الحقيقي ـ فمادامت هذه الزهرة تلعب إذاً هي طفل جميل في البيت، نقول: هناك قرينة مانعة من تصور المعنى الحقيقي، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، الله عز وجل قال: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7) ﴾
( سورة الحشر )
معرفة سنة رسول الله من لوازم الضبط والعدالة:
من لوازم هذا الأمر أن تعلم ما الذي آتاك، وعن أي شيء نهاك، من هنا يمكن أن نقول: إن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، لأنها من لوازم تطبيق هذه الآية، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) ﴾
( سورة الأحزاب)
كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أسوة لنا إن لم نعرف كيف عاش ؟ كيف كان في بيته ؟ كيف عامل زوجته ؟ كيف ربى أولاده ؟ كيف عامل أصحابه ؟ كيف كان في وقت السلم ؟ كيف كان في وقت الحرب ؟ كيف تصرف وهو فقير، وهو غني، وهو منتصر، وهو مضطهد في الطائف ؟ فلا بد ليكون النبي عليه الصلاة والسلام أسوة لنا من أن نقرأ سيرته، إذاً: معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان.
نحن في موضوع الشهوة وأحد فروع هذا الموضوع العدالة والضبط، العدالة صفة نفسية، والضبط صفة عقلية، من لوازم أن تكون عادلاً، وضابطاً أن تعرف سنة النبي القولية وسنة النبي العملية، أيْ سيرته. العلمُ من لوازم الضبط والعدالة:
الآن كلكم يعلم أن هذه الطاولة جماد، ما معنى جماد ؟ شيء أولاً يشغل حيزاً في الفراغ، له حجم، طول وعرض وارتفاع و وزن، فالجماد يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، وله وزن، أرقى من الجماد النبات، وهو شيء يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، له طول، وارتفاع، وعرض، وله وزن، لكنه ينمو، يمتاز النبات على الجماد بالنمو، والحيوان يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، له طول وارتفاع وعرض، وله وزن، لكن يمتاز عن النبات أنه يتحرك ويمشي، النبات ينمو، أما الفيل فينمو ويمشي، الإنسان وزنه ثمانية وثمانين كيلوًا، له وزن، ويشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، ويتحرك كالحيوان، لكنه يفكر، إذاً: أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، إذاً: هو بحاجة إلى علم، هذه القوة الإدراكية تحتاج إلى علم، إذاً: الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، هذه القوة تدعوه إلى المعرفة، فإن لم يطلب العلم هبط هذا الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، إذاً: طلب العلم فرض واجب على كل مسلم، ومجيئك إلى الدرس كي تتعرف على الله، وإلى منهجه، مجيئك هذا ليس ناشئًا من فراغ، وما عندك حل لهذا الفراغ إلا حضور الدرس
المعنى أعمق بكثير، حضور الدرس كي تعرف الله، فأنت تحقق الهدف الذي من أجله خلقت، أنت خلقت لمعرفة الله، والله عز وجل خلقك لتعرفه، وأنت إذا عرفته عبدته، وإن عبدته سلمت وسعدت في الدنيا والآخرة، وحققت الهدف من وجودك، إذاً: من لوازم موضوع الشهوة أن تطلب العلم كي تعرف الحلال والحرام، وما ينبغي وما لا ينبغي، والخير والشر، والحق والباطل، والدنيا والآخرة والمادة والروح، أما هذا الإنسان الجاهل الذي يتوهم أن الإنسان هكذا:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)﴾
( سورة القيامة )
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (116) ﴾
( سورة المؤمنون )
تعالى الله أن يخلق إنساناً عبثاً.
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الشهوة، فالشهوة قوة اندفاع، هناك شهوة إلى الطعام والشارب، شهوة إلى الجنس، شهوة إلى العلو في الأرض، هذه الشهوة تحتاج إلى منهج، إذاً: لا بد من طلب العلم كي تكون ضابطاً، ولا بد من أن تتصل بالله كي تكون عادلاً، فالضبط صفة عقلية والعدالة صفة نفسية، لا بد من أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، ولا بد من أن تزكو نفسك باتصالك بالله، فمن أجل أن تكون هذه الشهوة منضبطة وفق منهج الله عز وجل لا بد من هذا وذاك.
لكن أحياناً لما ينحرف الإنسان، ويقصّر في طلب العلم يرتكب الموبقات، ويقصر في أداء الواجبات، وينتهك حرمات الله عز وجل، رب العالمين مُرَبٍّ كيف يؤدبه ؟ عن طريق المصائب بالضبط، السيارة لماذا صنعت في الأصل ؟ من أجل أن تسير، وفيها مكبح، ويبدو أن المكبح يتناقض مع علة صنعها، المكبح ضمان لسلامتها، والمصائب في الدنيا تماماً كالمكبح ضمان لسلامة هذه المركبة. المتابعة والمعاقبة الربانية:
عندنا شيء اسمه متابعة، وشيء اسمه معاقبة، فالإنسان القوي الظالم يعاقب فقط، أما الإنسان الرحيم فيتابَع، المتابعة شيء والمعاقبة شيء آخر، الله عز وجل قال:
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾
( سورة السجدة).
هناك متابعة من الله عز وجل، أقول لكم هذا الكلام: حينما تشعر أن الله يتابعك في الخطأ يسوق لك مصيبة، وفي العلو في الأرض يسوق لك موقفاً حجّمك، وفي الإسراف في إنفاقك يضيق عليك، وفي التقصير في المعاملة ينشب خلاف بينك وبين أهل بيتك، وفي التقصير في بر والديك تطاول ابنك عليك، الله عز وجل يعالج، هذه المعالجة إذا فهمها الإنسان على الله فقد قطع أربعة أخماس الطريق إليه.
إذا أحب الله عبده ابتلاه، وكنت أقول لكم دائماً: فرق كبير بين مريضين:الأول معه التهاب معدة حاد، هذا المرض قابل للشفاء التام، لكن يحتاج إلى حمية قاسية، والورم الخبيث المنتشر هذا مرض عضال غير قابل للشفاء، مرض قاتل، لو أن الأول سأل الطبيب: ماذا آكل ؟ يقول له: الحليب فقط، لو أن الثاني سأل: ماذا آكل ؟ يقول له: كُلْ ما شئت، لا أمل، فما دام الله عز وجل أدخلك في العناية الإلهية، مادام تابعك، ما دام حاسبك، ما دام نبهك، ما دام أيقظك، ما دام ضيق عليك، ما دام شدد عليك، ما دام ساق لك بعض المصائب، ما دام خوفك، ما دام لا سمح الله أمرضك أو أفقرك، هذه المصائب رسائل من الله عز وجل، إذاً: الله عز وجل رب العالمين، لذلك علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول: الله خافض، هو خافض، ولا أن تقول: الله ضار، هو ضار، ولا أن تقول: الله مذل، هو مذل، ينبغي أن تقول: هو المذل المعز، والضار النافع، والخافض الرافع، والمعطي المانع، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع، يذل ليعز، هذه الأسماء الحسنى ينبغي أن تذكر معاً، الضار النافع، والخافض الرافع، والمعطي المانع، لذلك قال ابن عطاء الله السكندري: " ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ".
أحياناً بلد فيه ثروات طائلة، وغنى فاحش، الغنى يتوهمه الناس نعمة، وأحياناً يكون نقمة، ليس في هذا البلد حضارة ولا تفوق علمي، بل فيه أناس يستهلكون، لا عندهم علم ولا حضارة، ولا تفوق ولا ألمعية، بل إن وفرة المال منعتهم أن يتابعوا العلم.
أحيانا ترى ابن يتيم ليس أمامه إلا العلم، يجتهد من شدة الحاجة للمال، فيتفوق وينال الدكتوراه، ويحتل منصبا رفيعا جداً، يأتيه دخل وفير، له قريب والده غني جداً، السيارة موجودة، والطعام الطيب موجود، والبيت موجود، ليس له دافع إلى الدراسة إطلاقاً، أليس هذا الفقر للأول نعمة باطنة جعلته عالماً كبيراً ؟ و أليس هذا الغنى للثاني نقمة ؟ " ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ". الشر المطلق ليس له وجود في الكون:
فقرة أخيرة مهمة جداً، وهي أن الشر المطلق ليس له وجود في الكون، لأن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله.
إذا ركب رجل مركبة، وكان مخمورا، ونزل في الوادي، والمركبة أصابها العطب، منظرها مخيف، صورناها، هل تعتقد أن هناك معملا صنعها هكذا ؟ مستحيل، المصنع يصنعها كاملة، خطوطها انسيابية، ألوانها زاهية أنيقة، أما هذا الوضع فلا يحتاج إلى معمل، يحتاج إلى سائق مخمور فقط، فالشر ليس إيجابيا، الشر سلبي، الشر ناتج عن سوء استخدام فقط، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
[ مسلم عن علي بن أبي طالب ]
الشر لا يحتاج إلى خالق، يحتاج إلى سوء استخدام، الملح مادة نفيسة جداً، لكن لا يوضع في الحلويات، هذا سوء استخدام.
عندك مسحوق تنظيف غالٍ جداً، ضعه في الطبخ انتهى الطبخ.
لسكر له استعمال، والملح له استعمال، ومسحوق التنظيف له استعمال، أحياناً سوء الاستخدام ينتج عنه شر، هذا الشر لا يحتاج إلى خالق، سببه سوء استخدام فقط، ينبغي أن تفهم الشر هكذا في الكون، سائق مخمور قاد المركبة، وهو مخمور نزل في الوادي، أصبح لها شكل مخيف، لا تقل لي: مَن صنعها هكذا ؟ لا تحتاج إلى معمل إطلاقاً، ولا إلى مصمم، ولا تصور إطلاقاً، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
أيها الإخوة، لهذا الموضوع متابعة في درس قادم إن شاء الله، وننتقل اليوم إلى موضوع في الإعجاز العلمي. من الإعجاز العلمي: ثقب بوتال :
الحقيقة في اللقاء السابق بينت لكم أن خاصة في الماء لولاها لما كان هذا الدرس، ولما كان هذا المسجد، ولما كانت دمشق، ولما كانت سوريا، ولما كانت حياة على وجه الأرض إطلاقاً، لولا أن هذا الماء يمتاز وحده بخاصة أنه عند التبريد إلى درجة زائد أربع يتمدد بدل أن ينكمش.

ثقب بوتال في قلب الجنين يغلق عند الولادة

في قلب الإنسان بين الأذينين وهو في بطن أمه ثقب كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، سمي هذا الثقب ثقب بوتال، لأن الجنين وهو في بطن أمه لا يتنفس هواء، الرئتان معطلتان، لكن كيف يجدد دمه ؟ كيف يكتسب الجنين الأكسجين ؟ عن طريق دم أمه عن طريق المشيمة.
عن طريق المشيمة يذهب دم الجنين الأزرق، ويعود، ويصفى عن طريق رئتي أمه، ويعود الدم إلى المشيمة أحمر اللون، ثم إلى الجنين محملاً بالأوكسجين.
في الجنين وضع استثنائي، لذلك الرئة معطلة، والقلب لا يضخ إلى الرئة، نحن الآن القلب يضخ إلى الرئة، فهناك تنفس الأوكسجين، يأخذه الدم، ويطرح ثاني أوكسيد الكربون، فإذا غطى إنسان رأسه في الليل بالغطاء يشعر بضيق لوجود ثاني أوكسيد الكربون، إلى أن يستنشق الأوكسجين فيعود إلى وضعه الطبيعي.
ليس عند الجنين هواء، والرئة معطلة، لذلك القلب لا يضخ إلى الرئة، فلا بد من وضع استثنائي، فهناك فتحة بين الأذينين ينتقل الدم من أذين إلى أذين، الطفل وُلِد.
والله مرة كنا في الجامعة قال الأستاذ: تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يا رب يد من هذه ؟ من ساق هذه الجلطة حتى أغلقت هذا الثقب، ولمجرد أن يغلق هذا الثقب الطفل يبكي، استنشق هواء، وهذا الثقب لو لم يغلق يصاب الطفل بمرض اسمه داء الزرق، يموت بعد سنوات، يبقى دمه أزرق اللون، لأنه في أثناء عمل القلب هناك طريق طويل للرئة و طريق قصير، إذا كان عندك مضخة، وأمامها أنبوب طويل وفي الأنبوب ثقب، الماء يقترب، أو يرى أن الثقب أقرب له من نهاية الأنبوب، ما دام الثقب مفتوحا فالدم لا يذهب إلى الرئتين، إذاً لا يأخذ الأوكسجين.
إن المشيمة انتهت، والجنين أصبح خارج الرحم، يد مَن تأتي وتغلق هذا الثقب ؟ ثقب بوتال.
والله أيها الإخوة، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته، إغلاق ثقب بوتال، ولحكمة بالغة، ولحالة نادرة مهمتها فقط تأكيد القاعدة أن الله عز وجل كل أربعمئة أو خمس مئة ألف طفل يسمح لطفل واحد أن لا يسدّ هذا الثقب، فيحتاج إلى عملية تكلف أربعمئة ألف ليرة، ونجاحها بالمئة خمسون، لإغلاق ثقب بوتال.
مرة أخ حدثني قال لي: إذا أكرم الله عز وجل إنسانا بغلام سليم قال: هذا الغلام معه هدية مليون ليرة، ما فهمت عليه، كيف ؟ أين المليون ؟ قال لي: ابن ابنتي ولد بشريان عكس الوريد، وفي ببلد عربي مجاور طبيب واحد مختص بإجراء هذه العملية، قال: طلب أربعمئة ألف، والمستشفى ثلاثمئة ألف، والسيارة من دمشق إلى بيروت بخمسين ألفا، قال: دفعت سبعمئة وخمسين ألف ليرة خلال ساعتين في الولادة، أو يموت الطفل.
هناك أشياء دقيقة جداً، هذا الثقب لو ما أغلق لما كان درس، لو كان كل الصغار بثقب مفتوح لا يبقى أحد على قيد الحياة، أنا آتي بأفكار يسمونها حدية، كيف هذه الخاصة بالماء تلغي الحياة، وثقب بوتال إذا لم يسد تلغى الحياة، ولا يعيش إنسان. آلية المص عند المولود:
شيء أخير، الطفل ولد الآن، في أثناء تنظيفه تمر أصبع الممرضة أمام شفتيه فيمصها، المص آلية معقدة جداً، يضع الطفل الذي ولد لتوه شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويحكم الإغلاق، ويسحب الهواء فيأتيه حليب.

المص آلية معقدة جداً يتقنها الوليد ليحصل على حليبه

بالمناسبة أول يومين يأتيه حليب أسود، يأتيه حليب هو ليس بحليب، بل مادة مذيبة للشحوم في جهازه الهضمي، لأنه ممتلئ بالشحوم، هذه الشحوم تقي أن تلتصق الأمعاء ببعضها، الأمعاء أنبوب، إذا لم يكن فيها شحوم تنمو مع بعضها، ويصبح الموت محققا، فهذه المادة تمنع التصاق الأمعاء، أول أربع وعشرين ساعة مادة مذيبة للشحوم، الطفل الذي ولد لتوه لونُ برازه أسود، هذا من الشحوم، ثم يأتي الحليب.
الآن سؤالي: هل هناك قوة في الأرض، أو أكبر جامعة في العالم بإمكانها أن تعلم طفل المص ؟ إنها آلية معقدة جداً، هذه يسميها علماء النفس منعكسا، كيف أنك أحياناً تمشي في الطريق، ومع أحدهم دخينة، تمس الدخينة بيدك فتسحبها، تسحبها قبل أن تفكر.
مرة كنت أمشي بسيارتي في شارع ضيق فيه مزاريب، والمطر غزير، وركب إلى جانب أخ، لما نزل المزراب على البلور رجع إلى الوراء، هناك بلور، لكن هذا منعكس، المنعكس الشرطي أسرع من التفكير.
الإنسان يولد معه منعكس واحد، منعكس المص، ولولا هذا المنعكس لما كان هذا الدرس، ولا جامع النابلسي، ولا دمشق، ولا سوريا، ولا أي مكان في العالم.
خاتمة:
ثلاث خواص، خاصة الماء، ثقب بوتال، منعكس المص، هذه من نعم الله الكبرى، وأحياناً يأتي طفل واحد من كل خمسمئة ألف طفل ليس معه هذا المنعكس فيموت ولا يعيش، يموت من الجوع، علّمه كيف يمص ثدي أمه !!! إنها آلية معقدة جداً تولد مع الطفل، وهذه آيات الله عز وجل:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة : طه ).
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة: التين ).
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) ﴾
( سورة النمل: 88 ).
التفكر في خلق السماوات والأرض يعد أقصر طريق على الله، وأوسع باب ندخل منه على الله.


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:28 AM   #19


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثامن عشر )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 4 - تفسيرات المصائب - البقرة مصنع كامل وصامت










الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة لموضوع الشهوة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الشهوة، وإلى الموضوع الفرعي وهو العدالة والضبط، واليوم ننتقل إلى موضوع آخر متعلق بالشهوة.
1 – الله ربُّ العالمين:

إن الإنسان حينما يتحرك في الحياة حركة بدافع من شهواته بخلاف منهج الله ما الذي يكون ؟ أول حقيقة أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين، معنى رب العالمين أي يربّينا، يربّي أجسامنا، ويربّي نفوسنا.
من أجل أن تتضح هذه الحقيقة لا بد من مثل: مدير مؤسسة عيّن موظفًا تحت التجريب لستة أشهر، مهمة هذا المدير أن يحصي على هذا الموظف أخطاءه، فإذا بلغت حداً لا يحتمل صرفه، لأن مهمته إحصاء أخطائه، فلو أن هذا الموظف هو ابن صاحب المؤسسة فهل تكون القضيةُ قضيةَ إحصاء ؟ إنها قضية تربية، عند كل خطأ ينبهه، يبين له، ينصحه، يرشده، يوجهه، بدافع من رحمة الأب، وحرصه على نجاح ابنه في هذه الوظيفة يتابع حركته، يدقق في أخطائه، يوجهه، ينصح، يرشد، وأحياناً يعاقب، وأحياناً يشدد، كل هذه المتابعة، كل هذا التشديد رحمة بهذا الموظف الناشئ لينجح في عمله.

2 – الشهوة حيادية:

لذلك الله عز وجل رب العالمين، خلقنا ليرحمنا، إذاً: هذه الشهوات كما قلنا في درس سابق حيادية، فإما أنها سلم نرقى بها إلى أعلى عليين، أو أنها دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين، هي حيادية، بل لأن الإنسان مخير كانت كل شهواته، وكل حظوظه، وكل خصائصه حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها.
الآن نحن أمام حالة، إنسان تحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، إما في كسب ماله، أو في علاقته بالنساء، ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل رب العالمين، النقطة الدقيقة أنه لا بد من لفت نظر، وقد يكون هذا لفت النظر كلاماً يسمعه من صديق، أو كلاماً يسمعه من مدرِّس، أو من شيخه، وقد يكون لفت النظر هذا مصيبةً تحل به، ولها علاقة بنوع خطئه، العلاقة بين المصيبة وبين الخطأ تعليم من الله أن يا عبدي أن هذه الشدة من أجل كذا، أي أنه لا بد من أن يتابعه الله عز وجل. 3 – المتابعة الربانية رحمة بالعبد:
بالمناسبة: أنت حينما تشعر أن الله يتابعك، هذا فضل من الله كبير، حينما تشعر أن الله سيحاسبك، سوف يلفت نظرك، بنصيحة، بشدة، بشبح مصيبة، بتضييق بإفقار، بموقف محرج جداً يضعك فيه هذا يعني أنك في العناية المشددة، هذا يعني أنه يمكن أن تشفى من هذا الخطأ، وأن هذا المرض الذي أنت فيه قابل للشفاء، وأنه يمكن أن تعود صحيحاً معافىً كما ينبغي أن تكون.

إذاً: حينما تشعر أن الله يتابعك، وأن الله يحاسبك، وأن الله يلفت نظرك، وأن الله يؤدبك، وأن الله يضيق الله عليك، وأنه يلقي في روعك أن هذه الشدة من أجل كذا، فإما إلقاء في الروع، أو شرح من إنسان تسأله، أو من علاقة متينة بين المصيبة والذنب الذي اقترفه الإنسان، حينئذ تنتبه إلى أعمالك.
رجل استحقت عليه زكاة ماله، زوجته ضغطت عليه، وضيقت عليه، وتمنت عليه أن يجدد أثاث البيت، فاستجاب لها، وجدد أثاث البيت بالمبلغ الذي كان يمكن أن يكون زكاة، والزكاة فرض حتمي، يقول لي هذا الإنسان: أصاب مركبته حادث، مجموع كلفة إصلاح هذا الحادث يساوي تماماً المبلغ الذي كان عليه أن يدفعه زكاة، ولم يدفعه، فتشابهُ المبلغين رسالة من الله أن يا عبدي لقد أخطأت، وأنا ألفت نظرك بهذا الحادث.
قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة السجدة )
بل إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾
( سورة البقرة )
أيها الإخوة: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة الروم )
الآن قد يسأل سائل: ما فلسفة المصيبة في الإسلام ؟ 4 – المصيبة ضمان لسلامة المؤمن:
بشكل مبسط واضح: لماذا صنعت السيارة ؟ الجواب: من أجل أن تسير، بتعبير منطقي علة صنعها هي السير، صنعت السيارة من أجل أن تسير، أي أن علة صنعها هو السير، ولماذا وضع فيها المكبح ؟ المكبح في فلسفته يتناقض مع علة صنع السيارة، السيارة صنعت من أجل أن تسير، والمكبح يوقفها، هناك تناقض بين علة صنع السيارة وحقيقة المكبح، المكبح يوقفها، وهي صنعت من أجل أن تسير، ألا ترى معي أن أخطر جهاز في المركبة هو المكبح، لأنه ضمان لسلامتها.
وتأكد ولا أبالغ أن كل أنواع المصائب في الدنيا هي ضمان لسلامة المؤمن.

وفي دروس أخرى لا بد من شرح معنى المصيبة، المصيبة التي تصيب الشاردين، والمنحرفين، والعتاة، والمجرمين مصيبة قصم، أو ردع، بينما المصائب التي تصيب المؤمنين هي مصائب دفع أو رفع، أما مصائب الأنبياء فهي مصائب كشف لكمالات كامنة فيهم.
إذاً: كما أن المكبح من أخطر الأجهزة في المركبة لأنه ضمان لسلامتها، كذلك المصائب مع أنها مؤلمة، مزعجة، بل إن الله سبحانه وتعالى سما في كتابه الكريم المصائب نعم باطنة.
﴿ وَأَسْبَغ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان الآية: 20 )
وحينما تدخل إلى مسجد، وترى في المسجد آلافا فاعتقد يقيناً أن عدداً كبيراً منهم ساقه الله إلى بابه بعد معالجة حكيمة، وحينما يكشف الله لك يوم القيامة عن سر ما ساقه لك من متاعب في الدنيا يجب أن تذوب محبة لله على كل ما ساقه لك.

أنت مخير فيما كُلفت، لكنك مسير في كونك ذكراً أو أنثى، مسير في أمك وأبيك ، مسير في مكان ولادتك، مسير في زمن ولادتك، مسير في قوامك وشكلك، مسير في قدراتك، هذه لصالحك، ويوم القيامة يكشف عن سر القضاء والقدر، ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، هذا كمال مطلق لوضعك.
إذاً: هذه الشدائد، وهذه المتاعب، وهذا التضييق للمؤمن تربية حكيمة من الله عز وجل، وحينما تقرؤون في سورة القلم قصة: ﴿ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾
( سورة القلم )
لا يطعمون أحداً من الفقراء من غلّة بساتينهم، الله عز وجل قال: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
( سورة القلم )
بالتعبير المعاصر أصاب البساتين موجة صقيع. ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
( سورة القلم )
كأنها بساتين قد قطفت ثمارها. ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾
( سورة القلم )
ليست بساتيننا، ثم تأكدوا أنها هي، قالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
الآن المغزى والشاهد: ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
( سورة القلم )
يا عبادي، جميع أنواع الشدائد التي أسوقها لكم في الدنيا من هذا النوع، رسالة ولفت نظر، فانتبهوا.
إذاً: حينما ينحرف الإنسان عن منهج الله، أو حينما يتحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، الله عز وجل لا بد من أن يربيه، لا بد من أن يؤدبه، لا بد من أن يلفت نظره، وبطولة المؤمن أن يفهم على الله سرَّ أفعاله معه، قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
( سورة النساء )
وفي الحديث الصحيح القدسي:
(( يا عِبادِي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه ]
كلام واضح كالشمس:
(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))
هذه حقائق، آيات قرآنية، أحاديث صحيحة، توجيهات نبوية المصائب لها حِكم بليغة، المصائب لها حِكم عميقة، المصائب في خدمة الإنسان، المصائب نعم باطنة، هذا للمؤمن. 5 – اتباع الهوى وفق شرع الله جائز:

أيها الإخوة الكرام، ماذا ينبغي أن يكون حينما يتحرك الإنسان في دنياه بعيداً عن منهج ربه، لكن بالمناسبة ينبغي أن تعلموا علم اليقين أن الذي يتحرك بدافع من شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه، الدليل:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
المعنى المخالف: أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، معنى ذلك أنه ليس في الإسلام حرمان، الإسلام دين الفطرة، الإسلام دين الواقعية، الإسلام راعى في الإنسان حاجاته وقيمه، راعى جسمه وروحه، راعى الدنيا والآخرة، ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، بل فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها. كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
أيها الإخوة، الآن الإله العظيم، الرب الرحيم، المربي الكريم كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
الحقيقة من خلال الكتاب والسنة هناك إجراءات في حق هذا الشارد.

1 – الدعوة البيانية:

أول إجراء بحقه الدعوة البيانية، وأنت صحيح معافىً، في بيتك، بين أهلك، بين أولادك، في عملك ما مِن مشكلة، ولا ضغط، هناك من ينصحك، هناك من يبين لك، إما من خلال خطبة، أو من خلال درس، أو من خلال كتاب، أو من خلال شريط، أو من خلال نصيحة، أو من خلال محاضرة، أو من خلال ندوة، هذه هي الدعوة البيانية، الهدى البياني كلام، وأرقى علاج إلهي، وأرقى إجراء إلهي لهذا الذي شرد عن منهج الله الدعوة البيانية، وأكمل موقف يقفه الإنسان من خلال هذا البيان الذي ساقه الله إليك أن تستجيب.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 24 )
دعوة إلى الهدى، نصيحة إلهية. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾
( سورة التحريم الآية: 8 )
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾
( سورة الحديد الآية: 16 )
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
أسعد إنسان ممن شرد عن الله عز وجل حينما يأتيه الهدى البياني، النصح الرباني، القرآن الكريم، البيان الإلهي، الحديث النبوي، خطبة، محاضرة، درس، نصيحة، مناظرة، ندوة، يصحو، يقول: يا رب عدت إليك، هذا أكمل شيء، وأنت صحيح، وفي بيتك، وأولادك أمامك، وأهلك معك، وفي عملك، كرامتك موفورة، صحتك موفورة ، جاءت نصيحة ربانية من خلال قرآن، أو سنة، أو عالم، أو داعية، أو ندوة، أو خطبة...إلخ.
فإن لم يستجب الإنسان لهذه الدعوة، وبقي مقيماً على معصية، مؤثراً شهوته أصم أذنيه عن نداء الله عز وجل، لم يرعه، لم يستجب، وغلبته شهوته.
﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾
( سورة المؤمنين الآية: 106 )
ما الذي يحصل ؟
أول مرحلة لطيفة، ناعمة، سلمية، دعوة بيانية، نصيحة، وتخلّق بهذا الخلق، قبل أن تعاقب، قبل أن تضرب، قبل أن تقطع، قبل أن تصب جام غضبك، انصح، بيّن، وضح. 2 – التأديب التربوي:
إن لم يستجب الإنسان للدعوة البيانية فهناك تأديب تربوي، هنا دخلنا في مرحلة أصعب.

أحياناً يقول الطبيب للمريض: معك قرحة في المعدة، أو معك التهاب حاد في المعدة، هناك طريقان ؛ إما أن تتبع حمية قاسية جداً لا تحتاج معها إلى عمل جراحي، حمية قاسية جداً شهرا بكامله، على الحليب فقط، هذا الالتهاب يزول، وإن آثرت أن تأكل ما تشتهي فلا بد من عمل جراحي، القضية بيدك.
لذلك الآية الكريمة:

﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة البقرة ).
﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ﴾
من أمراض،
﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾
الله عز وجل رب رحيم،
﴿ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
إن ذكرت أو لم تذكر، إن اعترفت أو لم تعترف، إن أخفيت أو أظهرت.

﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
اختر أيها المؤمن،
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ﴾
بالتوبة والاستقامة والاستجابة،
﴿ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾
بالتأديب التربوي.
إذاً: أول مرحلة الهدى البياني، الدعوة البيانية، إن لم تستجب تخضع لمعالجة أشد، ألا وهي التأديب التربوي، اعتقد يقيناً أن الله يحبك، وأن الله لن يدعك تفعل ما تشاء، من دون أن يربيك، اعلم علم اليقين إما أن تأتيه طائعاً، أو أن تأتيه مضطراً.
مرة أراد رجلٌ أن يسألني سؤالاً عن جوهر الدعوة إلى الله التي أمارسها، فأجبته إجابة فيها دعابة، قلت له: ملخص الدعوة بالتعبير الدارج طبعاً: إمّا أن تأتيه ركضا، أو يأتي بك ركضا، إما أن تأتيه طائعاً بمبادرة منك، بصلح معه بتوبة، بإنابة، بندم، أو الله عز وجل متكفل أن يأتي بك إليه مضطراً.
قال لي أحدهم: كان في موسم كبير جداً جاءته أرباح طائلة، القصة في السبعينات ، قال لي: أردت أن أذهب إلى بلاد بعيدة من دون زوجتي، حتى أنفق مبالغ فلكية على الملذات والشهوات، هكذا خطط، وصل إلى هناك شعر بآلام في ظهره، دخل إلى المستشفى، التشخيص ورم في النخاع الشوكي، قطع رحلته، وعاد إلى الشام، من مسجد إلى مسجد ، ومن طبيب إلى طبيب، وقد شفاه الله عز وجل.
الله عز وجل حكيم، كل واحد فيه نقطة ضعف، وأحيانا إنسان غني كبير المال ما له قيمة عنده، لكن كرامته لها قيمة كبيرة، كل واحد يعالجه الله عز وجل معالجة يأتي به إليه، لأنه يحبنا، لأنه خلقنا ليسعدنا، لأنه خلقنا ليرحمنا، لأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض.
والله أيها الإخوة، يوم القيامة حينما تكشف الحقائق يجب على الإنسان المؤمن أن يذوب محبة لله عز وجل على ما ساقه له من شدائد، فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
كنت أقول لكم دائماً: الماس أصله فحم، لكن هذا الفحم جاءته ضغوط، وحرارة قلبته إلى ألماس، وهناك ماسة في استنبول ثمنها 150 مليون دولار، لكن قطعة فحم بحجمها ما ثمنها ؟ خمسة قروش، الفرق بينهما أن الفحم حينما تأتيه الضغوط يصبح ألماساً.

لن تدخل الجنة إلا إذا كنت طاهراً، والتطهير في الدنيا معالجات إلهية حكيمة، لذلك ارضَ عن الله.
إنسان يطوف حول الكعبة قال: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ! قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وبطولتك إذا ساق الله لك مصيبة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أن تقول: الحمد لله رب العالمين، لأن الله عز وجل أفعاله كلها رحيمة، وكلها حكيمة، وكلها عادلة، فإمّا أن تستجيب لله إذا دعاك إليه، وإلا تخضع للتأديب التربوي، فيسوق من الشدة ما يحملك على طاعة الله، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
( سورة التوبة الآية: 118 )
يعني تابوا فقبِل الله توبتهم.
الآية الأخرى:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
في بعض معاني هذه الآية: أنه ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة.
البطولة أن تأتيه قبل أن تأتي الشدائد، أن تصلي قبل المصيبة، أن تتجه إليه وأنت صحيح شحيح، أن تتجه إليه وأنت قوي، أن تتجه إليه وأنت غني، أن تتجه إليه ولا تشكو شيئاً.
التأديب التربوي أهم شيء فيه التوبة إلى الله، فقد دعاك دعوة بيانية ينبغي أن تستجيب، الآن أخضعك للتأديب التربوي ينبغي أن تتوب، فإن جاء التأديب التربوي ولم تتب فهناك حل ثالث.
3 – الإكرام الاستدراجي:
الحل الثالث عدد الناجين فيه قليل، يخضعك إلى ما يسمى بالإكرام الاستدراجي، يعطيك الدنيا، بمالها، بمكانتها بمباهجها، بشهواتها، لعلك تستحي، لعلك تتوب، لعلك تشكر، الموقف الكامل فيه الشكر، الشكر ثم التوبة.
4 – القصم والإهلاك:

فإن بيّن لك ولم تستجب، وأدبك ولم تتوب، وأكرمك ولم تشكر، نعوذ بالله من المرحلة الرابعة، يأتي القصم.

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
أيها الإخوة، هذه مراحل.
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل منها أن تستجيب لله لأنه دعاك إلى ما يحييك.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل أن تتوب.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل أن تشكر.
المحلة الرابعة: يأتي القصم. إياك أن تصل مع الله إلى طريقٍ مسدود:
إن أخطر شيء في حياة الإنسان أن يصل مع الله إلى طريق مسدود، كيف ؟

ثمة إنسان ارتكب جريمة قتل ـ لا سمح الله ولا قدر ـ سيق إلى السجن، خضع إلى محكمة الجنايات، حكم عليه بالإعدام، نقل الحكم إلى التمييز، إلى محكمة النقض، محكمة النقض صدقت حكم محكمة الجنايات، رفع الحكم إلى رئاسة الجمهورية ليصدق عليه، وصدق عليه رئيس الجمهورية، وحُدد يوم معين لتنفيذ الإعدام، هذا الإنسان قبل أن يُعدم يحب أن يضحك فليضحك، لا بد من أن يعدم، يحب أن يبكي فليبكِ، يحب أن يتوسل فليتوسل، لا بد من تنفيذ هذا الحكم، نقول: هذا الإنسان مشى في طريق مسدود.
أنا أقول أنصح نفسي، وأنصح من حولي، إياك ثم إياك ثم إياك أن تمشي في طريق مسدود، أن تبالغ في إيقاع الأذى بالناس، عندئذٍ يأتي القصم، يأتي الانتقام، فدَع للصلح مكاناً، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، اسأل نفسك: هل عملي يرضي الله ؟ هل هناك ظلم أقترفه ؟ هل أبني مجدي على أقاض الآخرين ؟ هل أبني حياتي على موتهم ؟ هل أبني عزي على ذلهم ؟ هل أبني غناي على فقرهم، ماذا أفعل ؟ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
التعلّم بالنص سبيل الإنسان الذكي، والتعلم بالواقع من سبل الحيوان:
فسنة الله مع خلقه تبدأ من الدعوة البيانية، إلى التأديب التربوي، إلى الإكرام الاستدراجي، إلى القصم، فالبطولة أن تبقى في أول مرحلة، تستمع، وتستجيب، وهذا أكمل شيء في الإنسان، والإنسان كلما ارتفع مكانه تعلم بالنص، ولم يتعلم بالواقع.
إذا قرأ الإنسان موضوعا دقيقا عن أخطار التدخين، وترك الدخان لهذا الموضوع، أو لحكم شرعي، هذا يكون في أعلى مستوى، أما حينما يدع التدخين بعد الورم الخبيث يكون قد تعامل لا بعقله بل تعامل بأحاسيسه.

أوضح مثل: إنسان ركب مركبته ليسافر إلى حمص، في أيام الشتاء، خرج من دمشق فرأى لوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك، مقصده حمص، وله مبلغ كبير جداً في حمص، الطريق مغلق، هو الآن في ظاهر دمشق ، ماذا يفعل ؟ يعود، ما الذي حكَمه ؟ اللوحة، أربع كلمات أعطته قرارًا بالعودة، لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع، حكم العاقل النص، وحكم الدابة الواقع.
اسأل نفسك سؤالا محرجا، ما الذي يحكمك ؟ نصوص القرآن والسنة، أم الواقع ؟ الذي يخاف بعقله إنسان راقٍ جداً، والذي يخاف بأحاسيسه إنسان غبي جداً، فكلما ارتقى مقامك تخاف بعقلك، تخاف من النص، تخاف من تحذير الله لك، تخاف من وعيد الله، وكلما هبط مستوى الإنسان، وجاءه قضاء الله، جاءته المصيبة عندئذٍ يقول:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
( سورة الفجر )
خيار الإنسان مع الإيمان مسألة وقت فقط:
إخواننا الكرام، هناك نقطة مهمة جداً، خيارك مع الإيمان خيار وقت، مع مليون موضوع أنت مخير خيار قبول أو رفض، عرضوا عليك بيتاً لم يعجبك، فرفضته، عرضوا عليك فتاةً كي تتزوجها لم تعجبك أخلاقها، فرفضتها، أنت مع مليون موضوع، مع مئة مليون موضوع، معك خيار قبول أو رفض، إلا مع الإيمان فخيارك خيار وقت، الدليل فرعون أكفر كفار الأرض، الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات ).
والذي قال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 )

هذا الإنسان الذي ادعى الإلوهية حينما أدركه الغرق قال:
﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
( سورة يونس الآية: 90 )
إذاً: آمن، لأن الإنسان أيّ إنسان لا بد من أن يؤمن عند الموت. ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
( سورة ق الآية:22 )
هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً، إذاً: خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض.
أيها الإخوة، هذا الدرس حول أن الإنسان إذا تحرك في الحياة الدنيا بدافع من شهواته، ومن دون منهج إلهي ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل يربيه، وتربية الله له لطيفة جداً، وفيها مراحل أربع:
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل الاستجابة.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل التوبة.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل الشكر.
المرحلة الرابعة: حينما لا ينفع معه البيان، ولا التأديب، ولا الإكرام القصم عندئذٍ يقصمه الله عز وجل. الموضوع العلمي:
الأمر القرآني للوجوب ما لم يدل دليل على خلافه:
أيها الإخوة ، إلى الموضوع العلمي، أو إلى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
أيها الإخوة، من مسلمات علم الأصول أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لكن يعلق علماء الأصول ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، فإذا فال الله عز وجل:

﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾
( سورة الكهف الآية: 29 )
هذا أمر بالكفر، لكنه أمر تهديد، وإذا قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى ﴾
( سورة النور الآية: 32 )
هذا أمر ندب، وإذا قال الله عز وجل: ﴿ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ ﴾
( سورة البقرة الآية: 187 )
أمر ندب، أمر إباحة، أما لو لم تكن هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.
البقرة مصنع للحليب:
1 – التفكر في حليب البقرة:

من هذه الأوامر، دقق:

﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
( سورة عبس ).
هذا أمر، أنت مكلف بنص هذه الآية أن تفكر في هذا الطعام، هذه البقرة تقدم لك الحليب، هي معمل صامت، تأكل الحشيش فتعطيك الغذاء الكامل، الغذاء الكامل في الحليب، والغدة الثديية في البقرة على شكل قبة، محاطة من أعلاها بأوعية دموية كثيفة جداً، والغدة الثديية تأخذ من الدم حاجتها لصنع الحليب. ﴿ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
( سورة النحل )
في الدم حمض البول، وفي الدم مواد سامة، ومواد لا يعلمها إلا الله، بروتينات، وشحوم، وسكريات، ومعادن، وأشباه معادن، و حمض البول، و مفرزات بعض الأجهزة...
2 – كيف تختار الخلية الثدييةُ من مكونات الدم مكونات الحليب ؟

هذه الخلية الثديية كيف تختار من مكونات الدم مكونات الحليب ؟ طبعاً هذه الخلية تأخذ من الدم حاجتها، ويرشح منها نقطة حليب، هذه النقطة تصب في ثدي البقرة، ثدي البقرة قد يتسع لـ20 أو 30 أو 40 كغ، هذا الثدي مقوى من الداخل بجدارين متعامدين، جدار هكذا، وجدار هكذا، ثدي البقرة مقسم إلى أربعة تجاويف، مع كل تجويف حلمة، لو أن أربعة إخوة يملكون بقرة، وأخذ كل أخ حلمة من حلم ثدي البقرة لأخذ ربع الكمية بالتمام والكمال، هذه الخلية الثديية تأخذ من الدم حاجتها، هل هي عاقلة ؟ الإنسان بحاجة إلى سكريات، تأخذ سكرا، بحاجة إلى بروتين، تأخذ البروتين، بحاجة إلى دهن، تأخذ الدهن، بحاجة إلى فيتامينات، مكونات الحليب غذاء كامل للإنسان، " وحاجة وليد البقرة إلى الحليب لا يزيد عن بضع كيلوات، الـ60 كغ والـ40 لمن ؟ للإنسان.

﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
( سورة النحل الآية: 5 )
خُلقت لكم خصيصى، ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
كلمة لكم، تعني صممت من أجلكم إنتاج الحليب في العالم يفوق حد الخيال.
انظر إلى الحليب، اللبن، الجبن، السمن، القشطة، مشتقات الحليب شيء مذهل،

﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
فكل 400 لتر دم تجول في حول الغدد الثديية من 400 لتر دم يصنع لتر واحدا من الحليب، وهو محصلة جريان 400 لتر فوق الخلايا الثديية بثدي البقرة، وحتى لآن لا أحد يعلم، وهذا في كتاب علمي يُدرس في جامعة دمشق لا أحد يعلم طبيعة عمل الغدة الثديية، الذي نعلمه أنها تختار من الدم حاجتها لصنع الحليب، الله عز وجل يقول:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
﴿ أنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
( سورة عبس )

هذه آية.
تأكل البقرة في اليوم ثلاث وجبات، هذا الخبز، هذا الحليب، هذا اللبن، هذه القشطة، هذه الجبنة صنع من ؟ تصميم من ؟
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ: بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ ))
[ أبو داود ]
أنا الذي أتمناه عليكم، وهذا أمر إلهي في القرآن الكريم، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، الذي أتمناه عليكم أن تتفكروا فيما تأكلون. تفكروا في الفواكه والمحاصيل:

الفواكه تنضج تباعاً، الله عز وجل برمج الفواكه في الصيف على مراحل، أول شيء اللوز، ثم الكرز، ثم المشمش، ثم التفاح، ثم الأجاص، ثم الدراق، ثم العنب، لو أنها نضجت كلها في يوم واحد، ماذا نفعل بها ؟ الآن الفاكهة الواحدة تنضج تباعاً، البطيخ ينضج خلال ثلاثة أشهر في أيام الصيف، فمِن ضمن حقل بطيخ يقطف منه كل يوم مركبة، أما المحاصيل فتنضج في يوم واحد، لو كان القمح ينضج خلال ثلاثة أشهر لكان عملا فوق طاقة الإنسان، يمسك سنبلة سنبلة ويقول: هل استوت لنقطعها ؟ القمح في يوم واحد، المحاصيل في يوم واحد
الفواكه مبرمجة فيما بينها على ثلاثة أشهر، مبرمجة في الفاكهة، هذا نوع من الفواكه في شهر، وعشرين يوما، وعشرة أيام، هذا تصميم من ؟ برمجة من ؟ حكمة من ؟.
انظر للتفاحة، حجمها معقول، لونها زاهٍ، رائحتها عطرة، قوامها معقول، تأكلها بأسنانك، لو كان التفاح كالصخر تحتاج إلى مطحنة، ولو أن التفاح له رائحة كريهة لا تأكله، فله رائحة طيبة على لون زاه، على حجم مقبول، بقشر يحميها، فكر فيها فَاكهةً فاكهةً، وجزء من إيمانك هذا طريق معرفة الله:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
الفواكه، القمح، الشعير، الحمص، العدس، هذا الطعام الذي نأكله، وهذا الحليب الذي نشربه، وهذه الفواكه التي نأكلها، تصميم من ؟ من يستطيع أن يصف لي طعوم الفواكه دون أن يذكر اسمها ؟ صف لي طعم الأجاص، حلو، والدراق حلو، والتفاح حلو ، والتوت حلو، وكل الفواكه حلوة، لكن كل فاكهة بطعم، هل بإمكانك أن تصف لي طعم الفاكهة دون أن تذكر اسمها ؟ لا تستطيع، طعم مشمش، تقول: مشمش من دون أن تصف الطعم ؟ لا تستطيع. يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ
الله عز وجل قال:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
( سورة الرعد الآية: 4 )

هذا قرآن، الله عز وجل يلفت نظرك بهذا:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
الفاكهة الواحدة، التفاح أصفر، وهناك تفاح أحمر، وتفاح حامض شتوي، و تفاح سكري، أنواع منوعة، إلى 400 ـ 500 نوع من التفاح، كل فاكهة أنواع منوعة، تصميم من ؟ فمن أجل أن نعرف الله لا بد من أن نفكر في مخلوقاته.
مرة ثانية:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
هذا أمر قرآني، وكل أمر يقتضي الوجوب.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 09:31 AM   #20


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: العقيدة و الاعجاز



بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( التاسع عشر )

الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 5 - الفرق بين اللذة و السعادة








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، لكن قبل أن نبدأ بموضوع الدرس سنذكركم بهيكلية هذه الموضوعات. هيكلة موضوعات الإعجاز:
في أول درس أكدت لكم أن علة وجود الإنسان أن يعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، إذاً: علة وجودنا أن نعبده، وما أمرنا أن نعبده إلا بعد أن أعطانا مقومات هذه العبادة، وأول مقوم من مقومات العبادة هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وهو الثابت الأول، هو قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
وقد وقفنا وقفات متأنية عند الكون، والمقوم الثاني هو العقل، وهو مناط التكليف، وكيف أن في العقل مبادئ ثلاثة، مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، وأن العقل مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل، ومهمته بعد النقل فهم النقل، ولا يمكن أن يكون العقل حَكماً على النقل، وأمضينا دروساً عدة في موضوع العقل.
ثم انتقلنا إلى الفطرة، وكيف أن الإنسان فطر فطرة سليمة، هذه الفطرة متطابقة تطابقاً تاماً مع منهج الله، فالعقل مقياس علمي، والفطرة مقياس نفسي، والكون دليل حسي.
ثم انتقلنا إلى الشهوة، وبينت لكم أنها القوة المحركة، وهي حيادية، يمكن أن تكون سُلّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، وبينت في دروس عدة الفرق بين الفطرة والصبغة، وكيف أن الإنسان المؤمن يتمتع بالعدالة والضبط، وكيف أن الإنسان إذا سلك طريق شهوته يتعرض لمراحل علاجية من الله عز وجل، أولها الهدى البياني، ثم التأديب التربوي، ثم الإكرام الاستدراجي، ثم القصم، ولازلنا في موضوع الشهوة.
اليوم أريد أن أبين لكم فرقاً دقيقاً بين اللذة والسعادة، والبون شاسع بينهما.
الفرق بين اللذة والسعادة:
1 – طابعُ اللذة حسيٌّ:
أيها الأخوة، اللذة حسية طابعها حسي تحتاج إلى مادة، اللذة تحتاج إلى طعام تأكله، تحتاج إلى منظر جميل تمتع عينيك به، تحتاج إلى مأوى واسع دافئ، تحتاج إلى مركبة تركبها، تحتاج إلى زوجة تتزوجها، تحتاج إلى مال تنفقه، فاللذائذ طبيعتها حسية، لا تأتي من الداخل، بل تأتي من الخارج، تحتاج إلى بيت، إلى مال، إلى أثاث في البيت، إلى طعام، إلى شراب، إلى زوجة، إلى شراب... والزوجة تحتاج إلى زوج فهناك تكافؤ.
2 – اللذة إمدادُها منقطع:
لكن سبحان الله ! لحكمة بالغة أرادها الله لم يشأ ربنا جل جلاله أن تمدك اللذة بإمداد مستمر، بل إمداد متناقص، فكل لذة لها فورة، وبعدئذٍ تصبح شيئاً مألوفاً تفقد بريقها، لذلك هؤلاء الذين نجحوا في الحياة بعد أن نجحوا شعروا بالفراغ، لأن في النفس فراغاً لا يملؤه المال، ولا المرأة، ولا المنصب، ولا مباهج الحياة.
لا بد من توضيح هذه الحقيقة، أنت أيها الإنسان، أنت مهيأ لمعرفة الله، فطبيعة نفسك لا نهائية، الخطر الكبير أن تختار هدفاً محدوداً، قبل أن تصل إليه أنت تحلم به، فإذا وصلت إليه، وأحطتَ به شعرت بفراغ لا يوصف، لأنك اخترت المحدود، وأنت مهيأ للامحدود، اخترت شيئاً يموت، وأنت مهيأ للإله عظيم حي باق على الدوام.
أنا أقول للشباب: الشيء الذي لم تصلوا إليه يبدو لكم كبيرا جداً، ويبدو متألقاً، فإذا وصلتم إليه خبا بريقه، وصغر حجمه، ويمكن في مرحلة ما أن تقول: هو لا شيء، فاللذائذ لا يمكن أن تمدك بمتعة مستمرة، بل بمتعة متناقصة، هذا إذا كانت في الحلال، فإذا كانت في الحرام فبعد المتعة كآبة، وشعور بالذنب، واختلال توازن، واحتقار للذات.
أنا أتحدث عن لذة بحثت عنها ضمن الحلال فتملّ، الدنيا تغر، ومعنى تغر أنها قد تبدو لك بحجم أكبر من حجمها بكثير.

كنت أروي هذه القصة كثيرا: شاب يعمل في محل تجاري، وهو ذو دعابة، فكان يكنس المحل، ويضع المخلّفات في علبة فخمة، ويغلف هذه العلبة بورق هدايا غالٍ، ويضع شريطا أحمر، وكأن هذه العلبة فيها قطعة ألماس غالية جداً، يضعها على طرف المحل التجاري، يمر إنسان فيظنها ألماسا، يأخذها، ويمضي سريعاً، فيتبعه صاحب المحل، بعد مئتي متر يفك الشريط أولاً، وبعد مئتي متر أخر يفك الورق، وفي مئتي متر الثالثة يفتح العلبة، فإذا فيها قمامة المحل، فيلعن، ويسب، وما إلى ذلك، هذه خيبة الأمل التي حصلت له والله سوف تحصل لكل إنسان أحب الدنيا، وجاءه ملَكُ الموت.
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) ﴾
( سورة الفجر )
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
( سورة المؤمنون)
الدنيا تغر، وتضر، وتمر، الدنيا زائلة، وقد جاء في كلام سيدنا علي: << يا دنيا غُرّي غيري، طلقتك بالثلاث، غرّي غيري >>، ليس معنى كلامي أن تدع الدنيا، ادرس، أسس عملا، تزوج، الزواج سنة، معنى كلامي ألا تغتر بها، ألا تظنها نهاية الآمال، ألا تظنها محطة الرحال، هي عارية مستردة.
والله هناك حديث أيها الإخوة يقصم الظهر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي ]
هذا كلام علمي، فهل من واحد منا وأنا معكم يمكن أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل، هناك بوابة خروج في المطارات، أنت تخرج من هذه البوابة، الله عز وجل عنده بوابات، فالورم بوابة، الجلطة بوابة، الاحتشاء بوابة، خثرة بالدماغ بوابة، فشل كلوي بوابة، تشمع كبد بوابة، حادث سير بوابة الخروج.
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا
ـ كاد الفقر أن يكون كفراً ـ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ
ـ الذي يأتي إلى بلاد المسلمين من أجل الحرية والديمقراطية، وينهب الثروات، ويقتل الناس ـ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
هذه هي الدنيا فدقق فيها، ربما بلغت أعلى منصب في العالم، ثم ماذا ؟ موت، الموت ينهي كل شيء، ربما جمعت أكبر ثروة في الأرض، ثم ماذا ؟ الموت، ربما استمتعت بكل مباهج الحياة، ثم ماذا ؟ الموت، ربما طفتَ أركان الدنيا، ثم ماذا ؟ الموت، لذلك الموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، وغنى الغني، وفقر الفقير، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء.
هناك طرفة ثانية أرويها دائماً عن رجل من أهل البادية له أرض شمالي جدة، فلما توسعت جدة كثيراً اقتربت من أرضه، فارتفع سعرها، نزل صاحب هذه الأرض، وباع الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً، اشتراها بربع قيمتها، وأنشأ على هذه الأرض بناء من اثني عشر طابقاً، أصحاب المكتب العقاري شركاء ثلاثة، الأول وقع من أعلى البناء فدقت عنقه، والثاني دهسته سيارة، فانتبه الثالث، وبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر، وعثر عليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته، فقال له هذا البدوي: أنت أدركت أمرَ نفسِك.
أيها الإخوة الكرام، (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ].
إذاً: اللذائذ لا يمكن أن تمدك بمتعة مستمرة، بل بمتعة متناقصة، فإن كانت هذه المتعة في معصية يعقبها كآبة ومرض نفسي: ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) ﴾
( سورة الزمر)
محبوس بالشقاء النفسي، محبوس بالكآبة، محبوس بالضيق، محبوس بالإحباط، محبوس بالتفاهة، أما المؤمنون: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
الهدى يرفعهم، المهتدون على، والضالون في، في كآبة، أو في سجن، ارتكب جريمة، إما في كآبة، أو في مرض نفسي، أو في سجن، أما المؤمنون: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
الهدى رفعهم إلى أعلى عليين.
أيها الإخوة، هناك شيء دقيق جداً، أن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، هذه السكينة صلة بالله، الشعور بالأمن الشعور وبالرضى، والتوفيق والتأييد والنصر، فاللذة إن كانت في مباح كانت متناقصة، وتمل منها، وإن كانت في معصية أعقبتها كآبة، وتحتاج إلى شيء خارجي، إلى مال. اللذة تحتاج إلى شيء خارجي:
بالمناسبة، قال بعض علماء النفس: تحتاج اللذة إلى شروط ثلاثة، تحتاج إلى وقت، وإلى مال، وإلى صحة، سبحان الله ! في بدايات الحياة الوقت موجود، والصحة متوافرة، لكن المال غير متوفر، يقول لك: شاب منتوف ما عنده شيء، وفي وسط الحياة استلم عملا وصار عنده مال، وصحة، لكن ليسس عنده وقت، كل يوم دوامه في المحل حتى يضبط أمره.
أقسم لي بالله رجلٌ عنده معمل نسيج، قال: والله ثلاثين سنة ما غادرت دمشق إلا إلى اللاذقية لتسلم سيارة، مرة واحدة في حياتي، الأيام كلها قابعٌ في المحل التجاري، فهناك مال وصحة، لكن الوقت مفقود، ثم تقدم في السن فسلّم التجارة لأولاده، الآن هناك مال ووقت، لكن الصحة مفقودة، في جسمه خمسون علة، أسيد أوريك، وشحوم ثلاثية، والتهاب مفاصل، وديسك في الظهر، شيء لا يحتمل، ترى كل واحد الآن معه من الأدوية الشيء الكثير، قبل الأكل، وبعد الأكل، على الريق، هذه يسبقها شيء، هذه بعد شيء، بعد ذلك يأتي النعي.
أيها الإخوة الكرام، هكذا هذه اللذة، تحتاج إلى مال، وإلى صحة، وإلى وقت، وهي خارجية، وطابعها حسي، ومتناقصة، وإن كانت في معصية تعقبها كآبة.
3 – السعادة تنبع من الداخل:

أما السعادة فتنبع من الداخل، فلستَ بحاجة إلى شيء، بحاجة إلى أن تستقيم على أمر الله، بحاجة أن تتصل بالله، بحاجة أن تذكر الله، بحاجة أن تصلي، بحاجة أن تقوم الليل، بحاجة أن تقرأ القرآن الكريم ، بحاجة أن تغض بصرك عن محارم الله، بحاجة أن تضبط لسانك، لا تحتاج إلى مال، ولا إلى صحة، ولا إلى وقت، تحتاج إلى إنابة.
والله أيها الإخوة، إن لم تقل: أنا أسعد من كل الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني، ففي الإيمان خلل، أنت متصل مع الله، وتقلق، متصل مع الله، وتخاف، متصل مع الله، وتذل، متصل مع الله، وتيأس، متصل مع الله، وتشعر بالضعف، هذا مستحيل.
السعادة تنبع من الداخل، وهي متاحة لنا جميعاً، ليس متاحا لنا جميعاً أن نسكن في بيت فخم جداً، بيت بأربعمئة متر، ثمنه ثمانون مليونًا، هذا ليس متاحا، والمركبة الفارهة ليست متاحة، لكن متاح لنا جميعاً أن نكون في قمة السعادة. بالإيمان أنت أسعد الناس ولو فقدَ الدنيا:

والله الذي لا إله إلا هو يمكن أن تصل إلى قمة السعادة وأنت في السجن، وأغني ما أقول، ولا أبالغ.
إذا كنت في كل حال معـــي فعن حملي زادي أنا في غنى
***
فليتك تحلو والـحيــاة مريرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب
وليـت الذي بيني و بينك عامر و بـيني و بين العالمين خراب
***
فلو شاهدت عيناك مـن حسننـا الذي رأوه لمـا وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضـحى قتيلاً بحبنا
و لـو نسمت من قربنا لك نسمة لمتّ غـريباً واشتيــاقاً لأجلنا
***
سعادة سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو في النار: السكينة والسعادة والتألق وجدها إبراهيم في النار:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
سعادة أهل الكهف في كهفهم:
السعادة والسكينة والتألق وجدها أهل الكهف في الكهف.
سعادة النبي عليه الصلاة والسلام وهو في غار ثور:
السعادة والسكينة والتألق وجدها النبي عليه الصلاة والسلام في غار ثور، يا رسول الله لقد رأونا قال:
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ ))
[ متفق عليه ]
والله أيها الإخوة الكرام، لو أذاقنا الله طعم القرب منه لنسينا الدنيا وما فيها، من عرف الله زهد فيما سواه.
السعادة عند ماشطة بنت فرعون:
ماشطة بنت فرعون، (( و هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ ))
[ أحمد ]
النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء العروج:
(( لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ بِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ))
قال يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ قال هذه رائحة ماشطة بنت فرعون.
أيها الإخوة الكرام، ابحث عن الأبد، هذه الدنيا تضر وتغر وتمر، ألا ترى جنازة في الطريق ؟ انتهت جميع المتع، والرجل يُحمَل إلى القبر، فإما أن يكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، هذه السعادة معك، ما تحتاج إلى مال، لا تحتاج إلى مركبة فارهة، لا تحتاج إلى بيت، لا تحتاج إلى مركز مرموق، لا تحتاج إلى امرأة جميلة، تحتاج إلى اتصال بالله.
لذلك أيها الإخوة، السعادة تنبع من الداخل.
4 – السعادة متنامية تعقبها راحة نفسية:
السعادة متنامية لا متناقصة، السعادة تعقبها راحة نفسية، وتوازن، واستقرار، وثقة، وتفاؤل، ويقين، ونفس متألقة، لأنها اتصلت بالله، لذلك الآية الدقيقة، دققوا معي:
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
أية قوة ؟ لماذا أكل المال الحرام ؟ من أجل أن يتزوج امرأة جميلة جداً، مهرها كبير، طلباتها كبيرة، تريد بيتا فخما، إذاً: أكل المال الحرام من أجلها. ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
قوة الجمال التي سبَتْك هي مسحة من جمال الله، شهوتك للمال الذي أغراك هو عطاء من الله، الله عز وجل عنده الجمال، وعنده الكمال، وعنده النوال، ونحن جميعاً نحب الجمال والكمال والنوال.
إذاً: أيها الإخوة، السعادة متنامية، والله الذي لا إله إلا هو خط المؤمن البياني خط صاعد صعوداً مستمراً، والموت نقطة على هذا الخط، والصعود مستمر، فإذا عرفت فأنت في سعادة متنامية، وكلما كشف لك من كمال الله شيء تقول: الله أكبر، أكبر مما كنت أظن، أكبر مما كنت أعرف، هذه هي السعادة، السعادة قد تكون في كوخ صغير، قد تكون مع مرض عضال.
والله أيها الإخوة، حدثني طبيب عن قصة من أندر القصص، قال: جاءنا مريض مصاب بمرض خبيث منتشر في أحشائه، هذا الورم الخبيث في الأحشاء له آلام لا يحتملها بشر، قال: كلما دخل عليه إنسان عائد يراه مبتسماً، يقول: اشهد أنني راض عن الله، يا رب، لك الحمد، تماسكه عجيب.
الحقيقة أنني قرأت مرة بحثا حلت عندي مشكلة، لماذا المرض نفسه يؤلم إنسانًا إلى درجة أنه يتكلم كلام الكفر من شدة الألم، وإنسان آخر ألمه واحد بالمئة والمرض نفسه ؟ العلماء قالوا كلاما غير مقنع، قالوا: هناك عتبة للألم، أنت غرفتك لها عتبة، أمام الباب قطعة مرتفعة من الرخام، فهناك عتبة مرتفعة تعني آلاما كثيرة، لكن لا ألم في عتبة منخفضة، هذا كلام الأطباء، لكن بعد هذا ثبت أن طريق الآلام عليه بوابات، طريق الآلام يبدأ من الأعصاب المحيطة للنخاع الشوكي للمخيخ إلى المخ إلى القشرة، هذا الطريق عليه بوابات، هذه البوابات إذا فتحت كانت الآلام مئة ضعف، وإذا أغلقت كانت الآلام واحدا في المئة، المقال مترجم، ويغلب على ظني أن كاتب المقال لا يعرف الله، قال: تتحكم في هذه البوابات الحالة النفسية للمريض، فإذا كان المريضُ مؤمنا بالله فالبوابات مغلقة، فيصل الألم بسيطا جداً معقولا.
هذا المريض كلما دخل عليه عائد يعوده يقول: اشهد أنني راض عن الله، يا رب لك الحمد، يقول لي الطبيب: إذا قرع الجرس يتهافت الممرضون على خدمته، والأطباء يأتون فوراً، وفي بهذه الغرفة نور، وجذب، وروحانية، إنسان معه ورم خبيث منتشر ولا يصيح، بل يقول: يا رب، لك الحمد، قال لي: جلس سبعة أيام، ثم توفي، لكن مات بحالة حلوة جميلة، مات بحالة راقية جداً، قال لي: لحكمة بالغة جاء إلى هذا الغرفة إنسان مريض بالمرض نفسه، ورم خبيث في الأحشاء، قال لي: ما من نبي إلا سبّه، يا لطيف، يكفر كفرا، يصيح، يشتم، يقذف بالسباب كل من رآه، فإذا قرع الجرس لا يأتيه أحد، الغرفة مظلمة مخيفة، غرفة كفر، غرفة سخط، مع أن المرض نفسه.
أيها الإخوة، السعادة تنبع من الداخل، ولا تحتاج إلى شيء مادي، قد تكون أسعد الناس في كوخ.
والله مرة كنت في مؤتمر إسلامي في المغرب في أكبر فندق في الدار البيضاء، عند الفجر سمعت قرآناً يُتلى، والله أبكاني، نظرت من الشرفة فإذا عامل الحدائق يصلي الفجر في وقته، وله صوت حسن، قلت: يا رب، لعل هذا العامل أقرب إليك من كل أعضاء المؤتمر، المؤتمر إسلامي، الصلة بالله لها ثمن، ثمنها أن تكون محباً لله، أن تكون مستقيماً على أمره.
الشهوة إذا كانت هدفا كانت ألمًا:
تعلقوا بالسعادة أيها الإخوة، هناك فيلسوف من مصر يقول: مبدأ اللذة إذا كان هدفاً أصبح مبدأ ألم.
أنت تتصور إنسانا دخله مليون في الشهر، ومعه كآبة، وينتحر بعد ذلك، أعلى نسب الانتحار في العالم في أغنى البلاد في العالم، الذي صمم ثاني أطول جسر في العالم يعبره ثلاثمئة ألف سيارة مهندس ياباني، في أثناء قص الشريط ألقى بنفسه في البوسفور، ذهبوا إلى غرفته، فكتب على ورقة: " ذقتُ كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت ".
الحياة ليس فيها شيء، أكاد أقول لكم: سافرت كثيراً شرقاً وغرباً، وجدت صفة مشتركة في العالم الشرقي والغربي، إنسان بلا هدف، هو غني ما عنده مشكلة، ولأن ما عنده مشكلة فهذه أكبر مشكلة، حياة مملة، ألِف كل شيء، أكل، شرب، شاهد أفلام، وبعد هذا ؟
والله أيها الإخوة، هؤلاء الذي ينجحون في حياتهم المادية يأتي وقت لا يحتمِلون ولا يُحتمَلون، فهم في مللٍ، وضجرٍ، وسأمٍ.
أيها الإخوة، الحقيقة أن الإنسان إذا لم يعرف الله عز وجل يصبح مبدأ الشهوة عنده مبدأ ألمٍ، لماذا ؟ لأنه بلا منهج، وسوف يعتدي، وحينما تعتدي، عندك زوجة، وإذا لم تكن لك زوجة كانت لك عشيقة، هذه العشيقة فتاة كان من الممكن أن تكون أمًّا عندها أولاد، عندها أصهار، هي أمٌّ محترمة، زوجة محترمة، أفسدها هذا الشاب، فنقلها من امرأة شريفة إلى امرأة ساقطة، عنده ضمير، عنده فطرة سليمة، هذه الفطرة تعذبه، فلذلك أي إنسان يتفلت من منهج الله يعاني من أمراض نفسية، أولها الكآبة، ثانيها اختلال التوازن.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) ﴾
( سورة المؤمنون)
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
المصائب نتائج حتمية للمعاصي:

ذكرت شيئًا: المصائب في الدنيا ليست عقاباً، وليست انتقاماً، وليست تشفياً، بل هي نتائج علمية للمعاصي والآثام، وكما أن المركبة علة صنعها السير، فلا بد لها من مكبح يتناقض مع علة سيرها، والمكبح ضروري، هو أخطر ما في المركبة، مع أنها صنعت من أجل أن تسير، والمكبح يتناقض مع علة سيرها، لهذا لما يختار الإنسان الشهوة المحرمة فأمامه سلسلة معالجات تحدثنا عنها في درس سابق، منها الهدى البياني، والتأديب التربوي، والإكرام الاستدراجي، والقصم.



5 – متعة الشهوة زائلة والمسؤولية باقيةٌ، والمجاهدة في الطاعة زائلة والتكريم باقٍ:
أيها الإخوة الكرام، المتع في المعاصي زائلة والمسؤولية باقية، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
الآن المجاهدة في الطاعات زائلة لا تستمر، بل تنتهي، والتكريم باق، المتعة آنية وزائلة والمسؤولية باقية، والمجاهدة في الطاعة زائلة ومنقضية والتكريم هو الباقي.
لكن أدق كلام أن في أنفسنا جميعاً فراغا لا يمكن أن يملأ إلا بمعرفة الله، المال لا يملؤه، ولا المنصب، ولا اللذة، ولا المتعة، هذا الذي نسعى إليه كي نملأ فراغ الإيمان.
مرة كنت في بلد في أمريكا، وفي مدينة إلى جانب مدينة إقامتي اسمها توليدوا اتصلوا بي وطلبوا زيارة، أول سنة اعتذرت، والثانية اعتذرت، والثالثة اعتذرت، الرابعة ذهبت، بعد أن انتهت المحاضرة والله الذي لا إله إلا هو قال لي أخ: أنا أخو فلان، وفلان صديقي، قال: تعرف كم مسافة قطعتُ وقدتُ مركبتي كي أستمع لهذه المحاضرة ؟ قلت له: كم ؟ قال ستمئة ميلا، أي ألف كيلو متر، هناك تصحر، إنسان يقود مركبته ألف كيلو متر ليستمع إلى محاضرة، نحن في الشام دروس، خطب، ندوات من فضل الله، العلم ثمين جداً، أنت حينما تعرف الله فقد وصلت إلى كل شيء، وإذا غابت عنك حقيقة الإيمان فما وصلت إلى شيء.
مرة أخيرة، يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
الموضوع العلمي: خلايا الجسم تتبدل كلها إلا...
1 – خلايا الدماغ:

وننتقل أيها الأخوة إلى موضوع علمي جديد، كلكم يعلم أن جسمك يتبدل تبدلاً كلياً كل خمس سنوات، لأن أطول عمر خلية الخلية العظيمة، خمس سنوات، وأقصر عمر خليةٍ خليةُ زغابة الأمعاء، عمرها ثمان وأربعون ساعة، زغابات الأمعاء تتبدل كل ثمانٍ وأربعين ساعة، والخلايا العظمية تتبدل كل خمس سنوات، أما أنت أيها الإنسان فبمجملك تتبدل كلياً كل خمس سنوات، لا الجلد هو هوَ، ولا الشعر هو هوَ، ولا شيء بجسمك هو هوَ، كل شيء يتبدل إلا خلايا الدماغ وخلايا القلب.
في الدماغ ذاكرتك، خبراتك، مهاراتك، معلوماتك، كل شيء حصلته في حياتك مودع في الدماغ، معارفك، أولادك، أصدقاءك، أقرباءك، اختصاصك، أنت طبيب، كل المعلومات في الدماغ، لو تبدل الدماغ ماذا كنت تعمل ؟ أنا كنت طبيبا، الآن أنا أميٌّ، شيء لا يحتمل، ضاعت ذاكرتك، ما عرفت أولادك، نسيت معلوماتك، فقدت اختصاصك، فقدت الدكتوراه.
جاء رجلٌ من أمريكا أصيب بفقد الذاكرة، دخل عليه ابنه، قال له: من أنت ؟
أحد إخواننا الكرام توفاه الله، قبل أن يموت خرج من معمله باتجاه بيته في المهاجرين، نسي بيته، بقي ساعتين، لكنه يعلم بيت ابنه في الجسر، ذهب إليه، قال: يا بني، أين بيتي ؟ فقَد ذاكرته.
لو أن إنسانا يتبدل دماغه لخسر كل شيء، خسر دراسة ثلاثٍ وثلاثين سنة، فالدماغ لا يتبدل، والحكمة واضحة جداً وضوح الشمس، هذا شيء قديم ذكرتُه لكم.
2 – خلايا القلب:

أما الشيء الجديد أن القلب أيضاً لا يتبدل، لماذا ؟ ما كنت أعلم، لكن الآن ثبت أن القلب مكان المشاعر والأذواق والميول، كيف عرفوا هذا ؟ بعد أن استطاع الإنسان أن يزرع قلب إنسان في إنسان آخر، رجل في الثمانين قلبه معطوب، شاب مات بحادث، أخذوا قلب الشاب إلى هذا المتقدم بالسن، هذا المتقدم بالسن عاش بالأربعينات، حيث كانت الموسيقى الكلاسيكية، وجد نفسه يحب موسيقى الجاز، ليس معقولا، تبدل في الميول عجيب، وجد نفسه يحب أكلات معينة، ما كان يحبها سابقاً.
في العالم الآن ثلاثة وسبعون حالة زرع قلب، القصص التي تروى عن أحوال هؤلاء الذين أخذوا قلوب الآخرين شيء ممتع جداً:
إنسان زرع له قلب إنسان يتكلم كلاما ليس له معنى، كلمة ليس لها معنى، من شدة قلقه اتصل بزوجة الذي أخذ قلبه، قالت له: هذه كلمة سر بيننا، تعني أن كل شيء على ما يرام، وبعض الأشخاص يحب أغاني ما كان يحبها من قبل، طبعاً القصص طويلة وممتعة، هذه كلها نجدها في مراجعها.
صار القلب مركز الأحاسيس والمشاعر والأذواق، لو تبدل يكون الإنسان الذي كان يحب أن يسمع القرآن الكريم فرضاً يصبح يحب أن يسمع شيئا ثانيا، أما الله عز وجل فثبت القلب في خلاياه.
أنا كنت أظن أن هذا القلب الصنوبري لا علاقة له بموضوع القلب في القرآن الكريم، والله أنا كنت أقول: إن هذا القلب الصنوبري مضخة، أما القلب الذي ورد في القرآن الكريم فهو قلب النفس، الآن ثبت أن القلب الذي ورد في القرآن الكريم هو هذا القلب نفسه، هذا مكان المشاعر والأحاسيس والأذواق، والحديث طبعاً طويل، ويمكن أن أروي لكم ثلاثاً وسبعين قصة عن أشخاص زرعت قلوب لهم، وانتقلت أحاسيس الآخرين إليهم وأذواقهم ورغباتهم وميولهم.
أخطر شيء في هذا الموضوع أن الله ثبت أن حول القلب خلايا عصبية إدراكية، قدراتها تفوق خمسمئة ضعف، وأن هذه الخلايا تأمر الدماغ، وأن الدماغ محكوم بالقلب، هذا بحث يمكن أن تراه في الإنترنت، والذين اكتشفوه لا علاقة لهم بالدين إطلاقاً.
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية: 53 ).
هناك خلايا عصبية محيطة بالقلب، وقدرتها أضعاف مضاعفة عن خلايا الدماغ، بل هي تحكم معظم خلايا الدماغ.
زارنا عالم من علماء الدين والدنيا، وذكر هذه المعلومات، أنا تابعتها في الإنترنت فوجدتها صحيحة كما قال.
أيها الإخوة الكرام، كلما تقدم العلم كشف عن جانب من عظمة هذا القرآن الكريم ، كلما تقدم العلم تبين أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن. ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
( سورة الواقعة ).
خاتمة:
الآن هناك نجوم تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، أو أربعة وعشرين مليار سنة، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربعة وعشرين ألف مليون سنة. ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة ).
جواب القسم:
﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)﴾
( سورة الواقعة ).
الإعجاز العلمي محوره أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
إن شاء الله في دروس قادمة نتابع في العشر دقائق الأخيرة من كل درس موضوع في الإعجاز العلمي.


والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الاعجاز, العقيدة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 5 )
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
و الناظر في هذه العقيدة ... ناصح أمين رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 6 01-21-2019 07:21 AM
العقيدة الطحاوية السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 22 09-16-2018 02:18 PM
[ذائقة نورانية] العقيدة الاسلامية السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 68 06-21-2018 03:20 PM
من الاعجاز القرآني ابوفهد رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 4 08-30-2016 10:03 AM
الاعجاز الاقرآني دلير عبدالله رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 5 09-08-2013 12:41 PM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 04:31 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.