حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة > ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية

ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية كل مآ يهم الحضآرة الإسلآمية والفتوحآت التي كآنت لهآ أثر وغيّرت العآلم لتوجه الإسلآم من شخصيآت وحوآدث و فتوحآت.

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 09-20-2018, 03:08 PM   #21


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( التاسع العاشر )


الموضوع : زيـــــد بن علي زين العابدين بن الـحــسيـن رضي الله عنهم








هو سليل آل البيت إمام وفقيه جليل، حفظ القرآن صغيراً بقرائته السبع، وأخذ من علم أبيه زين العابدين الذي توفي وتركه في الرابعة عشرة من عمره.
ولد سنة 80 هجرية، أمه أم ولد سندية (باكستان حالياً)، أهداها المختار الثقفي - صاحب ثورة الثأر لمقتل الحسين في العراق أيام عبدالملك بن مروان، حيث قام المختار ومن تبعه بأحتلال العراق التي كانت خاضعة لخلافة عبدالله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة على الحجاز والعراق، فقام المختار بقتل مصعب بن الزبير الذي قاومه ببسالة، وكان يدعو لمحمد بن الحنفية لأنه ولي دم الحسين، حتى تبرأ منه ابن الحنفية على الملئ بعد أن تمادى المختار بطلب الثأر وأنحرفت أفكاره، وأنشأ الفرقة الكيسانية التي أنشقت عن الشيعة وعن الإسلام.
تكفله أخوه الإمام محمد الباقر بالرعاية وأكمال تعليمه، وقد يظن البعض أن أقتصار دراسة الإمام زيد لعلومه الأولى على علم آل البيت فقط، قد يدل على نقص في حصيلته العلمية، وهذا غير صحيح، فآل البيت يعتمدون على التركة الفقهية الكبيرة التي خلفها لهم الإمام علي بن أبي طالب من أقضية وفتاوى ومرويات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تولى خلافة المسلمين لما يقارب الخمس سنوات، تولى فيها القضاء والإفتاء منفرداً ، أضافة إلى دوره في الفتاوى زمن الخلفاء الراشدين الذين سبقوه، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كلما عضلت مسألة قال: " مسألة ولا أبا حسن لها"، مما يدل على مكانة الإمام علي في الفتوى.

وهنا يجب أن أشير إلى أن الكثير من الرواة والفقهاء من التابعين أتفقوا على أن أفقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هما الإمام علي وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، ومن الغريب أن المصنفين والفقهاء في القرن الثاني الهجري وما بعده قاموا بجمع أقضية أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفترة خلافته كانت قصيرة، ثم جمعوا أقضية الفاروق رضي الله عنه، كما قام فقهاء العراق بجمع أقضية ابن مسعود رضي الله عنه، ولم يلتفت أحد إلى أقضية وفتاوى الإمام علي رضي الله عنه.

وكان أئمة آل البيت يدرسون ميراث الإمام علي الفقهي ويزيدون عليه، فعلي زين العابدين درس وأجتهد وأخذ عن التابعين في المدينة، وكذلك فعل أبنائه من بعده، ألا أنهم حرصوا أشد الحرص على أن لا يخلطوا أقوال الإمام علي بغيره، فكانت دراستهم لفقه الغير وأخذ العلم عنهم أنما هي تنمية لفقههم وزيادة في معارفهم، سواء أتفقوا معهم أو أختلفوا. والمدقق في الأحاديث المروية عن آل البيت يجد أن معظمها لا يختلف عن المروي في كتب السنة، بإختلاف الرواي أو بعض الألفاظ.

ولعل أئمة آل البيت حرصوا على المحافظة على تراث الإمام علي، ونقله جيلاً بعد جيل دون أن يخلطوه بآراء غيره من كبار الصحابة والمفتين، بعد أن لعبت السياسة في عهد بني أمية دورها، في عزل آل البيت وسب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على منابر المساجد، مما جعل الباحثين عن العلم يتجنبون بطريقة أو بأخرى تراث الإمام علي الفقهي، أو الأستشهاد بمروياته وفتاويه.

وعندما شب الإمام زيد عن الطوق أنطلق في المدينة يأخذ عن فقهائها ويلتقي بعلمائها، إلا أنه لم يروي إلا عن آل البيت، حتى لا تندثر مرويات الإمام علي رضي الله عنه، وأما روايات غيره من الصحابة فقد وجدت من يهتم بها ويجمعها.

ولم يلبث الإمام زيد أن طلب من الأذن من أخيه الإمام الباقر لينطلق إلى العراق ليأخذ عن علمائها، وكانت العراق مقراً للعديد من الفرق الفكرية والسياسية والعقائدية، وكان هدفه دراسة أفكار ومعتقدات هذه الفرق، وبالتالي كان الإمام زيد على عكس غيره من الأئمة الذين برزوا في القرن الثاني، فقد جرت العادة أن يتلقى العلماء علومهم في أقاليمهم ثم ينتقلون لأخذ العلم من فقهاء الحجاز، إلا أن الإمام زيد أخذ العلم في الحجاز وأنتقل للعراق .

ولقد كان لهذا الأنتقال أثر سلبي على مسيرة الإمام زيد، تمثل في:
1) أنتقاله للعراق، أدى إلى أثارة مشاعر أهلها من الشيعة العلويين، وتحدثهم في السياسة وحق آل البيت بالخلافة، ويبدو أنهم يعتنقون هذه الأفكار قولاً لا عملاً.
2) لفتت تحركاته وكثرة أسفاره أنظار الأمويين إليه، فكانت سبباً في تعمد هشام بن عبدالملك أحراجه أمام الناس وخلق مواقف لإذلاله، مما ترتب عليه خروجه عليهم.

وفي العراق ألتقى الإمام زيد بواصل بن عطاء مؤسس فرقة المعتزلة (سنتعرف عليه اكثر في محطتنا التالية)، وكان في سن الإمام زيد وتدارس معه زمناً، خاصة وأن واصل بن عطاء هذا قد تتلمذ على يد عبدالله بن محمد بن الحنفية ابن عم الإمام زيد.
أدت هذه المدارسة بين العالمين إلى تقارب وجهات النظر بينهم وتبينهم نفس الأفكار وخاصة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوصلا إلى دور العقل في حياة الإنسان، فكانا أول المتكلمين في الإسلام عن دور العقل وأهميته في إدراك العلاقة بين العبد وربه.



الوضع السياسي:
آلت الخلافة في سنة 105 هجرية إلى هشام بن عبدالملك، أقوى ملوك بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان وأبوه عبدالملك بن مروان، وفي عهده نشطت الدعوة للإمام الهادي من آل البيت من بني هاشم، وكان خلف هذه الدعوة بنو العباس من أبناء محمد بن علي بن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، وظن الناس أنهم يدعون لإمام من آل البيت الطالبيين أو هكذا أوهمهم بنو العباس، حتى تمكنوا من الأمر وجلسوا على كرسي الخلافة.

وبما أن هذه الدعوة نشطت في خراسان، وكانت عيون هشام تنقل إليها أخبارها، وأخبار العالم الشاب الفقيه من آل البيت الذي يجوب العراق ويناظر علمائها من مختلف الفرق الإسلامية، وأصبح له قاعدة جماهيرية من شيعة العراق، وظن هشام أن زيداً بن علي هو هذا الإمام الذي تتم الدعوة له في خراسان، وأن لم يظهر منه ما يثير الريبة والشك، فعمد إلى التضييق عليه وإحراجه عله يكشف عما في نفسه.


v الأيقاع بين أحفاد السبطين:

أوعز هشام إلى واليه على المدينة خالد بن عبدالملك أن يزيد التنازع بين الحسنين والحسينيين، وأن لا يبت ولا يفصل الخلاف البسيط الذي نشأ بين زيد بن علي وابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن على بعض أوقاف الإمام علي، وتوفي جعفر والخلاف لم يحسم، وأنتقل الأمر إلى عبدالله بن الحسن بن الحسن بعد أخيه، ويروي ابن الأثير في الكامل وصف الخصومة بين أبناء العمومة كما تناقله الرواة " وأندفع عبدالله بن الحسن وقال لزيد في الخصومة: يابن السندية، فضحك زيد، وقال: قد كان أسماعيل أبناً لأمة، ومع ذلك صبرت بعد وفاة سيدها، إذا لم يصبر غيرها" ([1])، وقد ندم الإمام زيد على هذا القول ولم يدخل على عمته زمناً حتى أرسلت إليه " يابن أخي: أني أعلم أن أمك عندك كأم عبدالله عنده" وقد نهرت أبنها عبدالله بقولها "بئس ما قلت لأم زيد أما والله لنعم دخيلة القوم كانت"، وكان ابن عبدالملك يحاول أطالة أمد الخلاف لتزداد الشقة بين أبناء آل البيت، ويعرض بهم أمام الناس يتبادلون الشتائم، وأرسل إليهم ليجتمعوا إليه في الغداة وأجتمع معهم الناس بين مهموم وشامت، وفطن الإمام زيد بفراسته لذلك، "فلما أراد عبدالله أن يبدأ الكلام، قاطعه زيد قائلاً: لا تعجل يا أبا محمد، أعتق زيد ما يملك أن خاصمك إلى خالد أبداً، ثم أقبل على خالد فقال: أَجمَعت ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأمر ما كان يجمعهم عليه أبوبكر ولا عمر"، في أشارة إلى أنهما تصالحا دون الحاجة إليه ليحكم بينهم.... "وقام ابن عبدالملك يحرض الجالسين على زيد لإحراجه وإيذائه قائلاً: أما لهذا السفيه أحد، فتكلم رجل من ذرية الأنصار، فقال: يابن أبي تراب، وابن حسين السفيه، أما ترى للوالي عليك حقاً ولا طاعة، فقال زيد: أسكت أيها القحطاني فإنا لا نجيب مثلك، فرد عليه الرجل: ولم ترغب عني، فوالله إني لخير منك، وأبي خير من أبيك، وأمي خير من أمك، فتضاحك زيد وقال: يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب، فذهبت الأحساب فوالله ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم، فتكلم عبدالله بن واقد بن عبدالله بن عمر بن الخطاب فقال: كذبت والله أيها القحطاني فوالله لهو خير منك نفساً وأماً وأباً ومحتداً، وتناوله بكلام كثير وأخذ كفاً من حصباء وضرب بها الأرض ثم قال: إنه والله مالنا على هذا من صبر".


v مواجهة الإمام زيد لهشام بن عبدالملك:

وما كان من الإمام زيد ألا التوجه إلى الشام لمقابلة هشام بن عبدالملك، ليشكو إليه أمر خالد بن عبدالملك، وكان هشام لا يأذن له بالدخول، وكلما رفع إليه كتاباً بأمر كتب هشام أسفله ارجع إلى منزلك. وأقسم زيد على أن لا يعود للمدينة حتى يلقى هشاماً، وأذن له الأخير بعد طول أمتناع، وعندما دخل عليه الإمام زيد وعرض عليه بعض ما كان "قال هشام: لا أصدقك، فقال زيد: يا أمير المؤمنين إن الله لا يرفع أحداً عن أن يرضى بالله، ولم يضع أحداً عن أن لا يرضى بذلك منه، فقال هشام: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هنالك وأنت أبن أمة، فقال زيد: إن لك جواباً، فقال هشام: فتكلم، فقال زيد: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع عنده من نبي أبتعثه، وقد كان أسماعيل عليه السلام ابن أمة وأخوه أبن صريحة فأختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر، وما على أحد من ذلك إذ كان جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبوه علي ابن أبي طالب ما كانت أمه، فقال له هشام: أخرج، فقال له الإمام زيد: أخرج ثم لا أكون ألا بحيث تكره" ([2]).

وفي هذا النص دليل واضح على أن الإمام زيد لم يكن ينوي الخروج على الخلافة الأموية وما أجبره على ذلك إلا سوء معاملة هشام له وتجنيه عليه، مع الأخذ بعين الأعتبار دعوات أهل العراق له.

v دعوة الإمام زيد:

لم يخرج طامعاً في ملك، أو ساعياً لجاه وسلطان، وإنما دفع الظلم، وأقامة الحق، وأصلاح ذات البين، وقد قال مخاطباً أصحابه: " إني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيراً لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل" ([3]).

وقال يوماً لأحد أصحابه: " أما ترى هذه الثريا، أترى أحداً ينالها؟ قال صاحبه: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع على الأرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يجمع بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم" ([4]).

ومن ما سبق نستلخص أن أهداف دعوته كانت كالتالي:

1)إقامة الحكم على أساس من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والعوده إلى سنن السلف الصالح.
2)أصلاح ما بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان الثمن حياته.


v مبايعة أهل العراق:

لم يألوا أهل العراق جهداً في محاولة إبقاء الإمام زيد عندهم، وأقناعه بالخروج على بني أمية ورد الحق لأصحابة من آل البيت، مع وعدهم له بالنصرة أن خرج لقتال الأمويين، ومما ذكره ابن الأثير في الكامل في التاريخ، أن جماعة من أهل الكوفة لحقوا به أثناء خروجه منها للمدينة في أحد رحلاته وقالوا له: " أين تخرج عنا رحمك الله، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بها بني أمية دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة، فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع إليهم" ([5])، وتم لهم ما أرادوا إذ أيقن الإمام زيد بعد مواجهته لهشام بن عبدالملك في الشام، أنه لا مفر من الخروج عليه وخلع طاعته، فأتجه من الشام إلى العراق، وأستتر بالكوفة متنقلاً بين منازل ساداتها، والشيعة يتوافدون إليه يبايعونه ومعهم جمع غفير من وجوه الكوفة والعراق.

وكان الإمام زيد يبايعهم بالتالي: " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، ورد المظالم ونصر أهل البيت، أتبايعون على ذلك؟ قالوا: نعم، فيضع يده على أيديهم ويقول: عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لتفين بيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية، فإذا قال نعم، مسح يده على يده ثم قال اللهم أشهد.... فبايعه خمسة عشر ألفاً وقيل أربعون ألفاً" ([6]).


خلال أقامته بالكوفة كاتب الإمام زيد العديد من الفقهاء والمحدثين في العراق، ومن بينهم أبو حنفية وسفيان الثوري، منهم من لبى دعوته بالخروج على الظلم ومنهم من أعتذر.



موقف الهاشميين من خروجه:
لم يكن الإمام زيد وحده في تعرضه لظلم هشام بن عبدالملك، ولم يكن هو الوحيد المقصود بالأذى بل كان معه في ذلك داود بن علي بن عبدالله بن العباس، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وقد رافقوه في رحلته إلى الشام، وحاولوا أثنائه عن عدم الخروج على طاعة هشام والعودة معهم إلى الحجاز، وفي ذلك قال له محمد بن عمر: " أذكرك الله يا زيد لما لحقت بأهلك ولا تأتِ أهل الكوفة فأنهم لا يفون لك فلم يقبل وقال: خرج بنا أسرى على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى العراق، إلى قيس ثقيف يلعب بنا (وتلك مكيدة أخرى دبرها له هشام ليوقع به ولكنه فشل) وقال:

بكرت تخوفني المنون كأنني أصبحت عن عرض الحياة بمعزل
فأجبتها إن المنية منهل ولا بد أن أسقى بكأس المنهــل

ثم قال: أستودعك الله وإني أعطي الله عهداً أن دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت" ([1]).

أما داود بن علي فقد قال له: " يابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك، أليس هم من خذلوا من كان أعز عليهم منك، جدك علي ابن أبي طالب حتى قتل، والحسن من بعد بايعوه ثم وثبوا عليه، فانتزعوا رداءه وجرحوه، أو ليس هم قد أخرجوا جدك الحسين، وحلفوا له وخذلوه وأسلموه، ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه، فلا ترجع إليهم، وإني خائف إن رجعت إليهم ألا يكون أحد أشد عليك منهم، وأنت أعلم" ([2])، ومضى داود إلى المدينة وذهب زيد إلى الكوفة.

وفي روايات أخرى أن داود بن علي رافقه إلى الكوفة، ولحق بهم بعض من بني العباس ليقاتلوا إلى جانبه (بعض المصادر تذكر أنهم بايعوا محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى على السمع والطاعة ومن بينهم أبو جعفر المنصور) بناءاً على وصية شيخهم محمد بن علي بن عبدالله بن عباس، هذا والله أعلم.

وقد كتب له عبدالله بن الحسن بن الحسن: " أما بعد فإن أهل الكوفة نفخ في العلانية، خور في السريرة، هرج في الرخاء جزع في اللقاء، تتقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم، ولقد تواترت إليّ كتبهم بدعوتهم، فصمت عن ندائهم، وألبس قلبي غشاء عن ذكرهم، يأساً منهم، واطراحاً لهم، وما لهم مثل ألا كما قال علي بن أبي طالب: إن أهملتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن أجتمع الناس على إمامة طعنتم، وإن أجبتم إلى مشقة نكصتم" ([3]).

وأتاه في الكوفة سلمة بن كهيل الحضرمي ([4])، " فذكر له قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحقه، فأحسن ثم قال له: ننشدك الله كم بايعوك؟ قال: أربعون ألفاً، قال: فكم بايع جدك؟ قال: ثمانون ألفاً، قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلاثمائة، قال: أنشدتك الله أنت خير أم جدك؟ قال: جدي، قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال: ذلك القرن، قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدك؟ قال: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم، قال: أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي، فأذن له فخرج إلى اليمامة" ([5]).

وكانت طائفة من الشيعة قد أتت جعفرالصادق بن محمد الباقر في المدينة قبل خروج زيد، فأخبروه ببيعة زيد، فقال: " بايعوه فهو والله أفضلنا وسيدنا" ([6])، وعادوا إلى العراق وقد كتموا هذا الخبر عن الإمام زيد.

ومما سبق من الأخبار التي تناقلاتها المصادر التاريخية، يتبين إن معظم من عاصروه من آل البيت والهاشميين حاولوا أثنائه عن الخروج عن طاعة هشام بن عبدالملك، لكن قناعة الإمام زيد بأنه هالك لا محالة سواء خرج عن طاعة هشام أو صالحه، فبنو أمية لا يؤمن جانبهم، وأعتناقه لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الظلم عن العباد جعلته يمضي في طريقه دون تردد، يدعو الناس إلى بيعته ويعد العدة لمواجهة الأمويين.

v أنقلاب الرافضة:

لما وصلت الأخبار إلى هشام بن عبدالملك، بخروج الإمام زيد في العراق يدعو لنفسه، ومبايعة أعداد كبيرة لهن أرسل إلى واليه على العراق يوسف بن عمر كتاباً جاء فيه: " أنك لغافل، وأن زيد بن علي غارز ذنبه بالكوفة يبايع له، فألح في طلبه وأعطه الأمان، وإن لم يقبل فقاتله" ([7])، فما كان من يوسف بن عمر ألا التحرك في طلب الإمام زيد ومن معه من أعيان الكوفة، فبدأ يدعو من عُرف بأنهم بايعوا الإمام زيد، وما أن رأى هؤلاء الشدة وأستشعروا بدنو المواجهة، أكثروا من مناقشة الإمام زيد ومجادلته، وأثاروا أمراً وهم يعرفون أن آل البيت لا يثيرون هذا الأمر ولا يتحدثون فيه، وقد حوت كتب التاريخ والرواة، الجدل الذي دار بين الإمام زيد وشيعة العراق، وننقلها لكم من البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير " فقالوا له: ما قولك يرحمك الله في أبي بكر وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيراً، قالوا: فلم تطلب إذا بدم أهل البيت؟ فقال: إنّا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذا؟ قال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه ونقضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا: الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا: الزيدية"([8])، ويقال أن الإمام زيد هو من سماهم الرافضة لأنهم رفضوه، وقد أعلن هؤلاء الرافضة أن جعفر الصادق بن محمد الباقر هو إمامهم.

v في ساحة المعركة:

أثار الرافضة هذا الخلاف، والعدو بدأ في مهاجمة الإمام زيد وأتباعه، مما أضطره إلى الخروج لقتالهم قبل الموعد الذي أتفق عليه مع أصحابه وكان ذاك الموعد أول ليلة من صفر – بعد أكثر من شهر، ولما بلغ الوالي تحرك زيد ومن معه، أمر جنده بجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم وحصرهم فيه، وخرج الإمام زيد ومن معه ليلاً يدعون الناس للخروج وكانت الدعوة التي أتفقوا عليها " يامنصور يامنصور"، ولما طلع عليهم الفجر، ونظر الإمام زيد إلى الناس حوله، لم يجد إلا مائتين وثمانية عشر رجلاً، "فقال زيد: سبحان الله أين الناس؟ فقيل: أنهم في المسجد الأعظم محصورون، فقال: والله ما هذا بعذر لمن بايعنا"، ([9])، وكان قد بايعه من الكوفة وحدها على القتال والنصرة خمسة عشر ألفاً.

أما جيش يوسف بن عمر فقد تجاوز الخمسة آلاف بين فارس وراجل، وقد أثار هذا الذعر في نفوس أهل الكوفة الضعيفة، فجبنوا عن نصرة الإمام زيد ونكثوا عهودهم بنصرته، وألتفت الإمام زيد إلى أحد رجاله وقال: " أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية، قال: أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت وإن في المسجد فأمضِ بنا نحوهم" وجاء زيد ومن معه حتى أنتهوا إلى باب المسجد، وهم ينادون: "ياأهل المسجد أخرجوا من الذلّ إلى العز، أخرجوا إلى الدين والدنيا فأنكم لستم في دين ولا دنيا" ([10]).

ولم يلبي النداء عند المسجد ألا عددٌ يسير من أهل الكوفة، وتقدم الإمام زيد بمن معه لمواجهة الجيش الأموي، المتفوق عدداً وعدةً، وقاتلوهم وأكثروا فيهم من القتل وأنهزم جناح الجيش الأموي، ودب الرعب في نفوس جنوده، من قتال هؤلاء الأبطال الصابرين.

وتذكر المصادر أن رجلاً من جند الأمويين خرج على فرس رائع، وبدأ يشتم فاطمة الزهراء أبنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شتماً قبيحاً (وهي من خير نساء العالمين)، فبكى الإمام زيد حتى أبتلت لحيته، وجعل يقول: " أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما أحد يغضب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما أحد يغضب لله تعالى... فأستتر أحد رجال زيد، وسار وراء الجند الأمويين وقتل ذلك الرجل وهو فوق فرسه، فرماه عنها وركب الفرس، ولما أهم بالرجوع كاد الأمويون أن يقضوا عليه لولا كبر أصحاب زيد وحملوا عليهم حملة شديدة، وأستنقذوا من ثأر لكرامة بنت رسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد طابت نفس زيد رضي الله عنه بهذا، فجعل يقبل ما بين عيني الرجل الذي ثار لكرامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكرامة الإسلام، ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها" ([11]).



ولما أشتد الأمر على الأمويين، ودب بين جنودهم الذعر وبدؤوا بالأنسحاب، فأستعان قادة الجيش بالرماة بعد أن فشلوا في المواجهة المباشرة، ولم يتمكنوا من زيدٍ وأصحابه ألا بالنبل، ونال زيداً سهم في جبهته، ورجع أصحابه عن ساحة المعركة بعد أن حل الظلام، وأحضروا طبيباً لمعالجة زيد، فأنتزع السهم من جبهته وأستشهد الإمام زيد رضي الله عنه في لحظته، وهو في سن الثانية والأربعين، في سنة 122 هجرية.

أوصى من بعده لولده يحيى، وفي رواية أخرى أنه أوصى لمحمد (النفس الزكية) بن عبدالله بن الحسن المثنى.

v التمثيل بجــســده:

نظراً لعلم أصحاب زيد بما أعتاد عليه بنو أمية من تمثيل بأجساد أعدائهم، فقد قرر أصحابه ومعهم أبن الإمام زيد يحيى، دفنه في حفرة يستخرج منها الطين، ثم أجروا الماء على قبره. وذكر ابن الأثير أن مولىً سندياً للإمام زيد هو من دل شرطة الكوفة على قبره، فأستخرجوا جثمانه وحزوا رأسه وأرسلوه إلى هشام في الشام فصلبه على باب مدينة دمشق، ثم أرسله للمدينة، أما جسده فقد صلب عارياً في كناسة الكوفة إلى أن مات هشام سنة 125 هجرية، حين تولى الوليد بن يزيد الخلافة وأمر بإنزال جثمانه وحرقه ونسفه في اليم، لا حباً في عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنما بعد ما بلغه خبر قتل يحيى بن زيد في خراسان، فلم يرد أن يتذكر الناس زيداً وأن يثوروا لمقتل أبنه.


ولقد تداول شعراء بني أمية مجموعة من الأبيات في قتل الإمام زيد وصلبه، يخاطبون بها الطالبيين وشيعتهم، ومنها هذا البيت:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ***ولم أر مـهدياً على الجذع يصلبُ

أيفاخر أحد بقتل حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،،،

v وعلى الباغي تدور الدوائر:
كان مروان بن الحكم قد أوصى أولاده عندما ثبت له أمر الخلافة، بأن لا يتعرضوا لأولاد علي ابن أبي طالب ولا ينالوهم بأذى، فنهاية الحكم في البيت السفياني لم تكن ألا تحقيقاً للعدالة الألهية بعد الظلم الذي تعرض له الإمام علي و والداه الحسن والحسين رضي الله عنهم، ولذلك صادق مروان بن الحكم علي زين العابدين وبالغ في تقديره وتكريمه، وكذلك فعل عبدالملك بن مروان، فكان علي زين العابدين محط ترحيب وتكريم من قبلهم.

ويبدو أن مروان بن الحكم كان محقاً في تشاؤمه من المصير الذي قد يلحق، بمن ينالون آل البيت بأذى، وما هي ألا سنوات قليلة لم تتجاوز العشر، وإذا بنو العباس يستخرجون الأمويين من قبورهم ويمثلون بما بقي من أجسادهم ويحرقونها، ولقد أحدث العباسيون مقتلةً عظيمة في الأمويين، حتى قيل أن عدد من قتلوا في دمشق في يوم واحد قد تجاوز المائة أموي.

وعندما دانت خراسان لبني العباس على يد أبو مسلم الخراساني، أمر بإنزال جثمان يحيى بن زيد (ظل مصلوباً خمس سنوات) الذي كان مصلوباً منذ مقتله، وصلى عليه ودفنه، وأمر بالنياحة عليه في خراسان، بل أنه أستولى على ديوان بني أمية في خراسان وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى بن زيد، فمن كان حياً قتله، ومن مات خلفه في أهله بسوء، وكان ذلك في عام 130 هجرية.

ولعل الحكمة الآلهية أقتضت بأن لا يتم الأمر لزيد بن علي أو أيٍ من آل البيت، لتكون نهاية الأمويين على يد من أهم أشد منهم قسوة، وما فَعَله بنو أميةَ بعترةِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعله بنو العباس بهم، وصدق الله وعده إذ قال: )وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (([1]).

v قالوا عــــــــــــــنه:

§ الإمام أبو حنيفة: " شاهدت زيد بن علي فما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أعلم، ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً، لقد كان منقطع القرين"([2]).
§ عبدالله بن الحسن بن الحسن: "لم أر فينا ولا في غيرنا مثله"([3])، " العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي" ([4]).
§ الإمام علي بن موسى الرضا: " إن زيد بن علي كان من علماء آل محمد" ([5]).
§ هشام بن عبدالملك: " أمنع أهل الكوفة من حضور مجلس زيد بن علي، فإن له لساناً أقطع من ظبة السيف، وأحد من شبا الأسنة، وأبلغ من السحر والكهانة، ومن كل نفث في عقده"([6]).

صفات الإمام زيــــد:
1)الإخلاص، فإخلاصه في طلب العلم دفعه لأن يهاجر طلباً للعلم في كافة الأمصار الإسلامية، وخاصةً البصرة، موطن الفرق الإسلامية. ولم يمنعه إخلاصه لطلب العلم ولآل بيته من أن يجالس واصل بن عطاء ويذاكره، وأن أختلف معه في الرأي.
2)الشجاعة، وقد أتاه الله الشجاعة الأدبية لقول كلمة الحق لا يخشى فيها لومة لائم في ظل أحلك الظروف التي كانت تحيط به، فطرح مبدأ التقية الذي أعتمده آل البيت وأعلن عن آرائه وأن كانت ستؤدي لهلاكه، ولم يقبل بتكفير أبا بكر وعمر رضي الله عنهم، وأن أدى ذلك إلى أن يفقد النصرة التي وعده إياها أهل العراق. وشجاعته في الحرب والإقدام ونصرة الحق جعلته يواجه جيش الأمويين الذي يزيد عن عشرة الآف، بمن معه ولم يتجاوزوا الثلاثمائة.
3)الصبر، وقد نقش الإمام زيد على خاتمه "أصبر تؤجر، وتوق تنج"، وقد كان مثالاً للصبر على ما أحتمله من أقوال السفهاء وموالي بني أمية، والشجاعة بدون صبر تهور وأندفاع، وكان دائماً ما يحض أتباعه على الصبر.
4)الوعي الفكري، وهذا ليس بغريب على رجل من آل البيت، فقد حفظ كل أحاديث آل البيت التي سمعها من أبيه وأخيه، وأحاديث التابعين التي رواها أبوه وأن لم يروي ألا ما أتصل منها بجده الإمام علي رضي الله عنه، ولم يكتف بما ناله من العلم في بيته وفي المدينة، بل أرتحل للبلاد التي فيها علوم لا يعرفها ليتلقاه عن أهلها. ولعل أبرز النماذج على وعيه الفكري، تعليله للوقائع وربطه الأسباب بالمسببات، وخير مثال على ذلك آراؤه في ولاية المفضول.
5)الفصاحة، فجده محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب، وجده الآخر علي ابن أبي طالب خطيب المسلمين وإمام البلاغة، فليس بمستبعد على واحد من آل البيت أن يؤتى الفصاحة وجودة البيان، ومما نقل عنه أنه "سئل يوماً: الصمت خير أم البيان؟ قال: قبح الله المساكتة، ما أفسدها للبيان، وأجلبها للعيّ والحصر" ([1])، ومناظراته مع أبن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن، وأجتماع الناس عليهما ليحفظا منهما خير دليل على بلاغته وحسن بيانه، هو وابن عمه. حتى أن هشاماً بن عبدالملك كان يخشى الإمام زيد لبلاغته وحسن بيانه وتأثيره على الناس.
6)قوة الفراسة، ولم تنقص الإمام زيد الفراسة في التعرف على أحوال الناس وآرائهم دون أن يحتك بهم بشكل مباشر، وقد أستدل على ما يبطنه له والي المدينة خالد بن عبدالملك، فأنهى خصومته مع أبناء عمه الحسنين حول أوقاف الإمام علي.
7)الهيبة، آتى الله سبحانه وتعالى الإمام زيد بسطة في الجسم، بمقدار ما آتاه من قوة في العقل، وكان مهاب الجانب ليس من عامة الناس وحسب، بل حتى أن هشاماً بن عبدالملك كان يتجنب لقائه.
وكان أخوه الأكبر محمد الباقر معجباً بصفاته، ومحباً له، كثير الثناء عليه، ومثله أبنه جعفر الصادق، والذي كان يقاربه في العمر.



v آراء الإمام زيـــــــــد:
بعد أكتمال تجربة الإمام زيد العلمية، ومناظرته لعلماء ومفكري العراق والشام من مختلف الأطياف الفكرية والعقائدية تبلورت لدى الإمام زيد أفكار سياسية وفقهية كانت هي الأساس للفرقة الزيدية، كان تكون هذه الآراء أما للرد على بعض المغالين أو لتعليل بعض الأحداث.

§ آراؤه في السياسة:

أشرنا إلى ظهور أفكار غريبة لدى بعض الفرق، التي أنشقت بسبب الخلافات السياسة، ومعظم تلك الأفكار تدور حول الخلافة وأحقية آل البيت بالخلافة، وتمثلت تلك الأفكار بالتالي:
1- أن الخلافة بالوراثة، وليست بالأختيار، فالإمام علي قد أوصى له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بأسماء الأئمة من بعده!! ، بشكل مباشر، وهو بدوره أوصى لمن بعده.
2- رفض إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لأنهما أغتصبا الخلافة من الإمام علي رضي الله عنه، وهما أولى بالسب واللعن ([2]).
3- عصمة الأوصياء عن الخطأ، لأن إمامتهم قدسية، وهم الهداة الأعلام.
4- فكرة المهدي المنتظر، والتي قالها المختار الثقفي عن محمد بن الحنفية.
وقد أنتشرت هذه الأفكار، وبدأ الشيعة بتداولها كجزء من عقيدتهم، ومناقشتها في أجتماعاتهم في العراق، وفارس وخراسان، وبالتالي كان لا بد من خروج إمام من آل البيت إلى العلن، ليرد على هذه الأفكار، ويخلص الشيعة من بعض الأفكار الغريبة، ولم تخرج آراء الإمام زيد في الخلافة عن آراء جده الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
1) ولاية المفضول: وهي أن الخلافة ليست بالوراثة المطلقة، وقد تكون في بيت معين من ناحية الأفضلية لا من ناحية الأصل، فلا يوجود ما يمنع أن تكون الخلافة في غيره، على أن لا تتعارض مع مصلحة المسلمين، ولم ينكر الإمام زيد بأن الإمام علي كان أفضل من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، لكنه قال بشرعية خلافتهما، وأن كان الإمام علي أفضل بمناقبه في الإسلام، ومواقفه في الحروب. ولعل هذه المقولة التي رويت عنه توضح فكرته: " كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة، وتطيب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين عليه السلام من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل، ولا تنقاد له الرقاب كل الأنقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن لمن عرفوا باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله ، ألا ترى أنه لما أراد أبو بكر في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر إلى عمر بن الخطاب صاح الناس، وقالوا: لقد وليت علينا فظاً غليظاً، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشده، وصلابه، وغلظ له في الدين، وفظاظة على الأعداء، حتى سكنهم أبو بكر" ([3]).
ويستفاد من هذا النص أمور ثلاث، أولها أن الخلافة أختيار ولم ينص عليها النبي عليه الصلاة والسلام ، لا لعليٍ ولا لغيره، وثانيها أن علياً بن أبي طالب أفضل من الشيخين وكافة الصحابة، لا لقرابته من رسول الله ، وإنما لمواقفه في الإسلام، وثالثها أن المصلحة كانت حينها في تولي الشيخين للخلافة، لطاعة الناس لهما لسبقهما في الإسلام ولتقدمهما في السن. هذا ولم يتطرق الإمام زيد لذكر خلافة عثمان رضي الله عنه لا من قريب ولا من بعيد.. وهنا لنتذكر قول الحسن المثنى في الفرق بين الولي والوالي،،،


وهذا خلاف ما ورد في كتاب مجموع رسائل الإمام زيد بن علي، والمنشور في الموقع الألكتروني الخاص بالزيدية ، حيث ورد في مناظرته مع أحد أهل الشام ما نصه " فقتله أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكتاب اللّه تعالى، حين خالف كتاب اللّه تعالى، وكان أول الناكثين على نفسه، وأول من خالف أحكام القرآن، آوى طريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الحكم بن أبي العاص، ومروان ابنه، مع نَفْيِه أبا ذر رحمه اللّه تعالى من المدينة إلى الرَّبذَة، وإنما ينفى عن مدينة رسول اللّه صلى اللّه الفُسَّاق والمخبثون، ومع ضربه ابن مسعود رضي اللّه عنه حتى مات، ومع مشيه على بطن عَمَّار بن ياسر رحمة اللّه عليهما حتى سَدِمَ من ذلك دهراً طويلا، ومع أخذه مفاتيح بيت مال المسلمين من عبدالله بن الأرقم، وإنفاقه المال على من أحب من أقاربه" ([4]). وهذه الحوادث تأكدها المصادر التاريخية كافة، وأن غيبت قصة موت ابن مسعود رضي الله، لكن الثابت أن عثمان رضي الله عنه لم يصلي عليه ودفن ليلاً، وكان قد أوصى قبل وفاته إلى الزبير بن العوام، نحن لا نصدق هذه الرواية عن الإمام زيد ولا نكذبها، وأن كان لها شواهد في المصادر المعتمدة، ونكتفي بما أتفق عليه جمهور العلماء من موالاة كافة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفضلهم في الإسلام،،،

) شروط الإمامة: شرط الإمام زيد، أن يكون الإمام عدلاً فاطمياً، أي من ذرية الإمام علي من فاطمه رضي الله عنهما، من أولاد الحسن والحسين، ليخالف بذلك الإمامية والكيسانية، وهذا شرط أفضلية، فالأفضل من ذرية الحسن والحسين موجود، ولكن المصلحة العامة للمسلمين أقتضت بتولي غيره.
2) لا عصمة لإمام: وبما أنه نفى الوراثة عن الخلافة، و وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لعليٍ من بعده، فأنه رفض بشكل قاطع فكرة عصمة الأئمة، بسبب كونهم الأوصياء على الأمة، وأنهم يثبتون وصايتهم بالمعجزات.
3) هجر مبدأ التّقيّة: وأشترط لكي يكون الشخص إماماً أن يخرج داعياً لنفسه، وبذلك هجر مبدأ التّقيّة الذي ألتزمه أبوه من قبله، مع الأخذ في عين الأعتبار مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يتعارض مع مبدأ التقيّة.
4) خروج إمامين في قطريين: بالرغم من عدم وجود مستند شرعي يؤكد هذا الرأي للإمام زيد في زمانه، ألا أنه على ما يبدو لاحظ أتساع رقعة الدولة الإسلامية، وقّدر حدوث مثل ذلك في قطريين إسلاميين متباعدين، وأن لم يكن وارداً في أيامه، بشرط أن لا يبغى أحد الأئمة المختارين على الآخر، وأن يكون بينهما تعاون و ود.
5) لا مهدية ولا إمام مكتوم: وبما أن الإمام زيد قد أشترط أن يخرج الإمام داعياً لنفسه، فقد نفى فكرة الإمام المستور كما عند الإمامية، أو المهدي المنتظر التي نادى بها الكيسانية، ويكون بذلك نفى الأفكار المصاحبة لهذه الفكرة من أن الأئمة يحيّون لقرون بسبب عصمتهم وقدراتهم الآلهية الخاصة.
وهذا لا يعني أن الزيدية لا يقرون بالإمام المهدي الذي سيظهر في آخر الزمان ليملئ الأرض عدلاً، بعدما ملئت جوراً وظلماً، وهو أمر متفق عليه بين جمهور الفقهاء، ولكنهم يرفضون الفكرة التي يعتنقها الإمامية والكيسانية من قبلهم ([1]).


§ آراؤه في أصول الدين:

بدأت الفرق التي تكون بعضها وأنشق بعضها الآخر بسبب الخلافات الساسية في بلورة أفكارها الأعتقادية، متأثرة بفكر أصحاب الديانات القديمة في بلاد فارس، وبأفكار اليهود والنصارى الذين كانوا يقيمون بين المسلمين، بالإضافة إلى تناقل الفلسفات الفارسية والهندية القديمة وأعتناق بعض أصحاب تلك الفرق لأفكارها. ومن أبرزهم الكيسانية الذين أنشقوا عن الشيعة ونادوا بإمامة محمد بن الحنفية، وغيرهم من القدرية والجبرية، وأن ظهرت أفكار أخرى في مراحل زمانية لاحقة، لكن آراء الإمام زيد في أصول الدين تكونت للرد على ما كان سائداً في عصره من آراء ومعتقدات.
1) في مرتكب الكبيرة:
أتفق رأي الإمام زيد مع رأي الإمامية ([2])، والمعتزلة في أن مرتكب الكبيرة، بمنزلة بين الإيمان والكفر، ويسمى فاسقاً ويسمى مسلماً، و زادت المعتزلة في ذلك بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، أما الإمام زيد والإمامية فيرون أنه لا يخلد في النار ألا غير المسلمين، والمسلمون من مرتكبي الكبائر أنما يذبون بمقدار ذنوبهم، ثم يدخلون الجنة.
2) في القدر:
ينسب إلى علي زين العابدين خاصةً، وإلى آل البيت عامة أن علم الله سبحانه وتعالى أزلي، وإرادته أزلية، وإيمان الأنسان بالقضاء والقدر لا يسقط التكليف، فهو يقوم بأفعاله أختياراً، ومسئول عما يفعل امام الله سبحانه وتعالى، وبمقتضى إرادته وحريته يستحق الثواب والعقاب. ولم يكن غريباً أن يتبنى الإمام زيد هذه الفكرة المعتدلة وسط الآراء المنحرفة التي سادت في ذلك الزمان وسبق الأشارة إليها، علماً بأن هذا الرأي كان هو الرائج في آخر عهد الصحابة، ونسب هذا الرأي إلى عبدالله بن عباس في نهره للجبرية من أهل الشام.
3) نفي البداء:
سبق وأشرنا إلى الرأي المنحرف الذي أعتنقه الكيسانيون، في أن إرادة الله سبحانه وتعالى تتغير بمقتضى تغير علمه تعالى الله عما يقولون، وأستشهدوا على ذلك بقوله تعالى) وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ(([3])،وقد خالفهم الإمام زيد في ذلك وأتفق رأيه ورأي جمهور العلماء في أن علم الله تعالى أزلي وإرادته خالدة، ولا يقع شيء ألا بعلمه وتقديره، وأما الآية التي أستشهدوا بها في تدل على بُدُو بعض من علمه للناس وقد كانوا لا يحتسبون هذا العلم ولا يقدرونه. هذا وقد أعتنق الإمامية مبدأ البداء بعد وفاة أسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، قبل أبيه وهذا يخالف نظريتهم في الإمامة بأنها تنتقل من الأب للأبن، فنقلوا الإمامة من أسماعيل إلى الإمام موسى الكاظم الأبن الثاني للإمام جعفر، وهنا أنشقت عنهم الفرقة التي نادت بولد أسماعيل بن جعفر إماماً، وتكونت الفرقة الإسماعيلية.

4) لا رجعة للمهدي:
بما أن شرط الإمام زيد الأساسي للإمامة هو الخروج والدعوة، فهو قد نفى فكرة الإمام المكتوم والتي أرتبط بفكرة رجعة المهدي المنتظر، فلا رجعة ولا إمام مكتوم عند الإمام زيد، وهي أحد أفكار الكيسانية التي أبتدعوها ونشروها بين الناس برجعة محمد بن الحنفية، وكذلك قالت السبئية برجعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو رأي يتفق مع رأي جمهور العلماء.
5) لا معجزة لإمام:
رأى الإمام زيد أن الإمام من بني فاطمة ككل البشر، ليس بمعصوم عن الخطأ، وليس علمه فيضاً من الله تعالى تعالى، أنما علمه بالبحث والدرس، يخطئ ويصيب كغيره من الناس، وبما أنه كذلك فهو لا يحتاج لخوارق العادات ومعجزات الأنبياء لإثبات إمامته، كما تدعي الإمامية، وكل ما عليه هو التقدم وأثبات أحقيته في الإمامة بالحجة والبرهان على معارضيه وحمل السيف على الخارجين عليه، وليس بغريب أن يتبنى الإمام زيد هذا الرأي وهو الذي ينادي بأستخدام العقل في أستيعاب الشرع، وهو رأي جمهور العلماء.
6) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
بعد مأساة كربلاء أخذ آل البيت عامة وعلي زين العابدين خاصة بمبدأ التّقيّة، مستشهدين بقوله تعالى : )لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ( ([4])، والتّقيّة هي السكوت عن مقاومة الباطل من غير رضا به، وهي جائزة في حال الخوف على النفس، ويروي الإمامية عن الإمام جعفر الصادق قوله: "التّقيّة ديني ودين آبائي"([5])، وقد ألتزم الإمام زيد بمبدأ التّقيّة، وظل مهادناً للخلفاء الأمويين، حتى ضيّق عليه هشام بن عبدالملك وبالغ في أحراجه وإذلاله، حتى خرج عليه بعد أن أغراه أهل العراق بالنصرة، وكان الأساس الأول في دعوته هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ([6])، ولا بد من أن نشير إلى تأثر آراء الإمام زيد بآراء المعتزلة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أحد أصول العقيدة الأعتزالية، وهذا أدى إلى أن تخلى الإمام عن مبدأ التقية لما رآه من أن قول الحق خير من السكوت على الظلم.

7) الصفات ليست غير الذات:
أتفق رأي الإمام زيد مع رأي واصل بن عطاء شيخ المعتزلة في زمانه بأن الصفات ليست غير الذات الآلهية، مخالفين بذلك الآراء التي أنتشرت في ذلك الوقت بأن الصفات غير الذات فالله سبحانه وتعالى يتصف بكل الصفات التي ذكرت في القرآن، فهو عالم سميع بصير مريد، وعلم الله تعالى غير ذاته ولكن صفات الله اذا أشتركت في الأسم مع صفات المخلوقين فإن صفات الله تليق بذاته ولاتشابه صفات البشر في شيء. أما رأي المعتزلة والإمام زيد أن الله تعالى يتصف بأنه حي قادر سميع بصير، ولكن بذاته ومن غير قدرة زائدة على الذات، وما كان قولهم هذا ألا لتفادي قول النصارى بأن الله ثالث ثلاثة و وضعوا له صفات.
وقد أضاف الإمامية وأكثر الزيدية بعد الإمام زيد إلى أن لله صفة قديمة وردت في القرآن منسوبة لله تعالى وغير مقرونة بالذات العليّة، وهي صفة الكلام... وقد أختلفت آراء العلماء حول هذا الموضوع الفلسفي، وكان للإمام أحمد بن حنبل بالذات العديد من المناظرات مع المعتزلة حول هذا الموضوع.
8) التكليف بالعقل:
وهذا الموضوع يحتاج للشرح والأسهاب وبالمختصر هو أن الأنسان يتعرف إلى الله عز وجل ويدرك الرسالة المحمدية وتكاليف الشرع بأستخدام عقله، فالعقل يسبق التشريع، لأنه الأداة التي ستوصل الأنسان لفهم التشريع، وهذا الدور الأول للعقل، أما الدور الثاني للعقل فيتمثل بحكم العقل على الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي.

v الزيدية كمذهب فقهـــــــــي:
بالرغم من أن من ناصروا الإمام زيد لم يكونوا كلهم من المتشيعين لآل البيت، إلا أنه تم تصنيف المدرسة الفقهية الزيدية كمدرسة شيعية، والشيعة الإمامية يصفون المذهب الزيدي بأنه خامس (أو سادس) المذاهب السنية، ولا يخفى عليكم السبب بعد أن عرفنا الأفكار التي دحضها الإمام زيد عن الإمامة والعصمة.
لم تختلف مصادر التشريع في الفقة الزيدي عنها عند الأئمة السنة الأربعة، مع الأخذ بعين الأعتبار دور العقل الذي أضافه الإمام زيد لمصادر التشريع، وكذلك تقسيمه للإجماع، إلى إجماع عام خاص بفقهاء الأئمة، وإجماع خاص، والمقصود فيه إجماع أئمة العترة من آل البيت، كما أقر الإمام زيد بصحة فتوى الصحابة ولكن بشروط، هذا التقارب الفقهي جعل من الزيدية تأخذ من كافة المدارس الفقهية ما يناسبها، ويناسب الأفكار الأساسية للإمام زيد، وهو ما جعل فقهاء الزيدية على اطلاع واسع بمختلف المدارس الفقهية.
أكثر ما لفت نظري عند قراءتي عن مصادر التشريع في الفقة الزيدي هو تعريفهم للقرآن، وجاء التعريف على النحو التالي: " هو كلام الله المنّزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، للإعجاز بأقل سورة منه، أو بعدة آيات موتواترات، وهو الموجود بأيدي الأمة من غير زيادة فيه إجماعاً، ولا نقصان عما في العرضة الأخيرة، ولا إزدياد بخلاف الإمامية، ومنه البسلمة في غير براءة، وهي آية من أول الفاتحة، وأول كل سورة عند جمهور السلف وأئمتنا والشافعية وقراء مكة، خلافاً لبعض السلف ومالك وأبي حنيفه والثوري والأوزاعي وقراء البصرة والمدينة والشام، وقال بن المسيب ومحمد بن كعب، و روى عن الشافعي، هي آية من الفاتحة فقط".
ويستفاد من هذا التعريف مايلي:
1) أن القرآن الكريم منّزل من عند الله تعالى، وهو معجزة محمد ، الكبرى الذي تحدى به العرب على أن يأتوا بسورة مثله أو حتى آية، ولم يتمكنوا لأنه ليس بكلام بشر.
2) إجماع علماء الأمة على عدم وجود أي زيادة فيه ولانقص، بإستثناء الإمامية الذين أدعوا بوجود نقص فيه وبحذف الآيات الخاصة بآل البيت، وذكروا ما أسموه بمصحف فاطمة، وهذا أفتراء على آل البيت، وقد نفى ذلك الإمام جعفر الصادق، وأعتبر من يقول ذلك غير مسلماً.
3) أن القرآن ثبت متواتراً ولا يعرف أن كتاباً من الكتب تواتر كتواتر القرآن.
4) أن التفصيل الخاص بالبسملة وتحديد كونها جزء من سورة الفاتحة أو من سورة في القرآن، على حسب رأي كل فريق أنما يدل على أتصال الفقه الزيدي بفقه الجمهور وأعتماده عليه بغض النظر عن الفريق الذي ينتمي إليه الفقه.
كان لتدارس الإمام زيد مع الإمام أبوحنيفة في المدينة أثره في تلاقي المذهبين في أكثر من مجال (علماً بأن المذهب الحنفي هو الأكثر أنتشاراً في العالم الإسلامي اليوم)، وربما كان هو سبب أعتبار المذهب الزيدي (بالنسبة للإمامية) كمذهب سني خامس (أو سادس)، مع الأخذ بعين الأعتبار أن الإمام أبو حنيفة لازم أئمة آل البيت وأخذ عنهم طريقة أستنباط الأحكام الفقهية.
وكغيره من أئمة المذاهب الفقهية التي أنتشرت في القرن الثاني كان للإمام زيد تلاميذ، قاموا بتدوين علمه ونسخ مصنفاته ونشرها في أصقاع الدولة الإسلامية.

v تركــــة الإمام زيد:
بالرغم من أن عصر الإمام زيد لم يكن عصر تدوين علوم، الإ أن الزيدية يقررون أن الإمام زيد كتب كتباً، وصنف في العلوم بل أنهم يعتبرونه أول من قام بالتدوين من آل البيت رضوان الله عليهم، وقالوا بأنه ألّف كتاب تفسير الغريب، وكتاب الحقوق، وكتاب المجموع في الحديث، وكتاب المجموع في الفقه، والكتابان الأخيران هما عماد الفقه الزيدي ويسميان المجموع الكبير.
ولقد قام تلميذ الإمام زيد، أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، الذي رافقه في المدينة وفي العراق برواية كتب الإمام زيد وتدوينها، وهو الذي قام بجمع مجموع الحديث ومجموع الفقه في كتاب واحد.
ولقد تعرض الإمامية وبعض علماء السنة لأبي خالد الواسطي وطعنوا في روايته، ألا أن فريقاً آخر من علماء السنة يعتبرونه ثقه وقبلوا روايته.
ولم يتوقف الأمر عند حد الطعن في الراوي، فالمجموع ذاته تعرض للطعن بسبب وجود بعض الأحاديث الموضوعة فيه، وعدم ثبوت نسبة ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب إليه، وتفرد أبي خالد بالرواية، ومخالفة الإمام الزيدي الهادي لبعض ما أشتمل عليه المجموع.
ولقد قام علماء الزيدية بالرد على هذه الطعون في شرح المجموع ([7])، ولا يتسع المجال هنا للتعرض لتلك الطعون والرد عليها (مع العلم أن علماء الزيدية قاموا بتفنيد تلك الطعون، وذكروا أن معظم الأحاديث الموضوعة رويت بإسناد آخر في كتب الصحاح ومع تغيير بسيط في المفردات التي لا تضر المعنى العام، أما مخالفة الإمام الهادي فهي طبيعية لتغير بعض الأحكام بتغير ظروف الزمان والمكان)، ونكتفي بذكر أن المجموع الكبير مقبول لدى الزيدية وقبله من قبلهم أئمة آل البيت رضي الله عنهم، ولم يطعنوا فيه، وبعض علماء السنة.

v أنتشار المذهب الزيدي:
بالرغم من كون الإمام زيد من البيت الحسيني إلا كافة اللأئمة الذين أعتنقوا المذهب الزيدي ونادوا به وسعوا في أنتشاره هم من البيت الحسني، وبالرغم من أضطهاد العباسيين لهم ومطاردتهم إلا أنهم نجحوا في نشر المذهب الزيدي وأقامة دويلات صغيرة هنا وهناك، ومن أبرز أنجازات أئمة الزيدية هو إسلام معظم سكان الديلم في جنوب بحر قزوين على يد أحد أئمة الزيدية، بالرغم من الفتوحات الإسلامية وصلت لتلك المنطقة في مرحلة مبكرة، لكن سكانها بقوا علي وثنيتهم... كما نجح أحد الأئمة الزيدين بتكوين المملكة الأخيضيرية في اليمامة والتي أستمرت لما يقارب القرنين.
كما برز الكثير من العلماء والفقهاء في شتى العلوم ممن كانوا على المذهب الزيدي، حتى نجح الإمام الهادي في تكوين أول دولة للزيدية في صعدة في اليمن، أستمرت لقرون طويلة حتى أنهارت بقيام الجمهورية اليمنية...


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-20-2018, 03:17 PM   #22


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( العشرون )


الموضوع : واصل بن عـــــطاء





أبو حذيفة واصل بن عطاء، ولد في المدينة سنة 80 هجرية (لم أجد في المصادر التي قرأتها اي بيان لنسبه)، لقب بالغزال الألثغ، أو الغزّال الألثغ، وقيل الغزال لطول رقبته، وقيل الغزّال لأنه أعتاد أن يرتاد سوق الغزّالين في الكوفة ليتصدق على النساء النعففات، أما الألثغ لعلة في لسانه فكان ينطق الراء غيناً.
تتلمذ على يد عبدالله بن محمد الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم أنتقل إلى العراق وهناك لازم الحسن البصري.

v واصل وحرف الراء:
عندما علم الناس بالعلة في لسان واصل، بدء خصومه بمحاولة إحراجه وجره للمناظرات علناً أمام الناس، لكن واصل بن عطاء كان خطيباً مفوهاً، وداهية في البلاغة وحسن البيان، ونقلت المصادر أنه دعي يوماً ليعظ الناس بحضور الوالي، فألقى خطبة فذة تجنب فيها حرف الراء بكل أقتدار، وهو من أكثر الحروف دوراناً في الكلام، بالرغم من إلتزامه بالأسلوب العام للخطب الإسلامية، وتكمن قيمة هذه الخطبة من الناحية التاريخية واللغوية في أنها نموذج على تطور فن الخطابة الإسلامي في القرن الثاني الهجري، مع التمكن بكل أقتدار من تجنب الكلمات التي يرد فيها حرف الراء والإتيان بمردافاتها في اللغة... وكان نصها كالتالي:

"الحمد لله القديم بلا غاية, والباقي بلا نهاية, الذي علا في دنوه, ودنا في علوه, فلا يحويه زمان, ولا يحيط به مكان, ولايؤوده حفظ ما خلق, ولم يخلقه على مثال سبق, بل أنشأه ابتداعاً, وعد له اصطناعاً, فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته, وأوضح حكمته, فدل على ألوهيته, فسبحانه لا معقب لحكمه, ولا دافع لقضائه, تواضع كل شيء لعظمته, وذل كل شيء لسلطانه, ووسع كل شيء فضله, لايعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا مثيل له, إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه, علا عن صفات كل مخلوق, وتنزه عن شبه كل مصنوع, فلا تبلغه الأوهام, ولا تحيط به العقول ولا الأفهام, يُعطي فيحلم, ويدعى فيسمع, ويقبل التوبة عن عباده, ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون، وأشهد شهادة حق, وقول صدق, بإخلاص نية, وصدق طوية, أن محمد بن عبدالله عبده ونبيه, وخاصته وصفيه, ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق, فبلغ ملته, ونصح لأمته, وجاهد في سبيله, لا تأخذه في الله لومة لائم, ولا يصده عنه زعم زاعم, ماضياً على سنته, موفياً على قصده, حتى أتاه اليقين، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى, وأتم وأنمى, وأجل وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه, وخاصة ملائكته, وأضعاف ذلك, إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته, والمجانبة لمعصيته, فأحضكم على ما يدنيكم منه, ويزلفكم لديه, فإن تقوى الله أفضل زاد, وأحسن عاقبة في معاد،ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها, وفوائن لذاتها, وشهوات آمالها, فإنها متاع قليل, ومدة إلى حين, وكل شيء منها يزول, فكم عاينتم من أعاجيبها, وكم نصبت لكم من حبائلها, وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها, أذاقتهم حلواً, ومزجت لهم سماً،أين الملوك الذين بنوا المدائن, وشيدوا المصانع, وأوثقوا الأبواب, وكاثفوا الحجاب, وأعدوا الجياد, وملكوا البلاد, واستخدموا التلاد، قبضتهم بمخلبها، وطحنتهم بكلكلها،وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم من السعة ضيقا، ومن العز ذلاً، ومن الحيلة فناء، فسكنوا اللحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لاتعاينُ إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولاتحسس منهم أحد ولا تسمع لهم نَبساً.
فتزودوا عافاكم الله فإن أفضل الزاد التقوى, واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه, ويعمل لحظه وسعادته, وممن يستمع القول فيتبع أحسنه, أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، إن أحسن قصص المؤمنين, وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله, الزكية آياته, الواضحة بيناته, فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله القوي, من الشيطان الغوي, إن الله هو السميع العليم، بسم الله الفتاح المنان، قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم, وبالآيات والوحي المبين, وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم.. وأدخلنا جنات النعيم.. وأقول ما به أعظكم, وأستعتبُ الله لي ولكم."


v واصل بن عطاء وبشار بن برد:

ربطت واصل بن عطاء والشاعر بشار بن برد علاقة صداقة، وعندما أستمع بن برد لخطبة بن عطاء قال فيه يمدحه:
تكلّف القول والأقوام قد حلفوا *** وحبّروا خطباً ناهيك من خطب
وجانب الرّاء ولم يشعر به أحد *** قبل الصفّح والإغراق في الطلب

لكن بعد أتهام بن برد بالزندقه، قطع بن عطاء علاقته به لما ظهر من مما يخالف عقيدة واصل، فهجاه بن برد قائلاً:
مالي أشايع غزّالاً له عنق *** كنقنق الدَوّ إن ولى وإن مثلا
عنق الزرافة ما بالي وبالكم *** تكّفرون رجالاً! كفّروا رجلاً
v واصل بن عطاء والخوارج:
عُرف عن الخوارج أنهم كانوا يغتالون كل من يخالفهم، وهددوا بن عطاء بالقتل، ونقل الرواة أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسّوا بالخوارج ، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقال واصل لأهل الرفقة : إنّ هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني و إيّاهم ، فقالوا : شأنك... فقال الخوارج له : ما أنت و أصحابك؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ، ويقيموا حدوده فقالوا : قد أجرناكم ، قال : فعلّمونا أحكامه ، فجعلوا يعلّمونه أحكامهم ، وجعل يقول : قد قبلت أنا ومن معي ، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنّكم إخواننا ، قال لهم : ليس ذلك لكم. قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) ( التوبة / 6 ) فأبلغونا مأمننا فساروا بأجمعهم حتّى بلغوا الأمن.

v من فقه واصل:
كان يقول: " أراد الله من العباد أنّ يعرفوه ثمّ يعملوا ثمّ يعلّموا، قال الله تعالى (يا مُوسى إنّي أَنَا اللّهُ) فعرّفه نفسه ، ثمّ قال: (اخلَعْ نَعْلَيْكَ) ( طه / 12 ) فبعد أنّ عرّفه نفسه أمره بالعمل قال: والدّليل على ذلك قوله تعالى: ( وَالعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْر * إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا ـ يعني صدقوا ـ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَواصَوْا بِالحقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ) علموا و عملوا و علّموا.
ونقل عن زوجة واصل أنها قالت: " كان واصل إذا جنّه اللّيل صفّى قدميه يصلّي ولوح ودواة موضوعان ، فإذا مرّت به آية فيها حجّة على مخالف ، جلس فكتبها ثمّ عاد في صلاته".
توفي واصل بن عطاء سنة 131 هجرية، قيل بالمدينة مسقط رأسه وقيل بالعراق، بعد أن كون فرقة قوية لها أتباع في مختلف أصقاع العالم الإسلامي.




لم يحسم المؤرخون بداية ظهور الفكر الأعتزالي، فمنهم من نسبه إلى الإمام علي رضي الله عنه، عندما أعتزل أمور السياسة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتفرغ للتفقه في الدين، ومنهم من نسبه إلى الصحابة الذين أعتزلوا السياسة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كأبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد رضي الله عنهم.
إلا أن المعتزلة كفرقة فكرية بدأت عند دخول أحدهم للحسن البصري ليسأله عن منزلة مرتكب الكبيرة، في ظل أفكار الخوارج التكفيرية وآراء المرجئة المبتدعون ، وتفكّر الحسن البصري في الإجابة، وقبل أن يجيب أجاب تلميذه واصل بن عطاء، بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (الكفر والإيمان)، ثم قام وأعتزل إلى أحد أعمدة المسجد وأنضم له جماعة من أصحاب الحسن ليوضح له فكرته، فقال الحسن البصري" أعتزل عنّا واصل" فسمي هو وأصحابه معتزلة.

ومن هذا الموقف يتضح أن الفرقة نشئت بجوابها عن سؤال شغل بال المسلمين في تلك الفترة بعد الفتن المتكررة بين المسلمين، وقتل المسلمين بعضهم بعضاً، فقد قام الخوارج على سبيل المثال بتكفير الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، لأنهم سفكوا دماء المسلمين ولم يعملوا بكتاب الله عز وجل، فيما قال مرجئة البدعة بأنهم بأن مرتكب الكبيرة يعذب في النار بقدر آثمه ثم يخرج منها للجنة فهو مؤمن فاسق... وهذه تأويلات غريبة للفرقتين، فظهرت المعتزلة وقالوا بوجود منزلة بين المنزلتين، فمرتكب الكبيرة فاسق ولكنه لا يخرج من عباءة الإسلام، وهذا الرأي رفضه جمهور الفقهاء السنة، وحتى أئمة الزيدية في القرن الرابع تراجعوا عن تبني هذا المبدأ، فيما أتفق الشيعة الإمامية مع المعتزلة في هذا الرأي.

v أصول المعتزلة:

وكغيرهم من الفرق الإسلامية لم تظهر أصول فكرهم بشكلها النهائي إلا في مراحل لاحقة ([1])، بعد أن أكتمل فكرهم ونضجت تجربتهم، وأهم أصولهم التي تتشابه مع بعض أصول الشيعة الإمامية وغيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، ولكن هذا لا يعني بأنهم معتزلة، فالمعتزلي يجب أن يؤمن بكل أصول المعتزلة:

1- التوحيد: لله سبحانه وتعالى، مع نفي الصفات والتجسيد الآلهي.
2- العدل: فالله سبحانه وتعالى عادل ولايظلم عباده.
3- المنزلة بين المنزلتين: وهما الكفر والأيمان، فمرتكب الكبيرة إذا مات دون توبة فهو خالد في النار.
4- الوعد والوعيد: وهما أمران نافذان من الله عز وجل فالمصيب ينال الثواب والمخطأ ينال العقاب، ولا عفو من الله سبحانه وتعالى دون توبة صادقه من العبد.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو الأصل العملي الوحيد بين أصولهم الأخرى النظرية، وقد حرص المعتزلة على ملاحقة الزدناقة والفسّاق، والدفاع عن العقيدة الإسلامية بالتصدي للملحدين وأصحاب الديانات الأخرى.


كانت المعتزلة وسطاً بين الخوارج والأشاعرة في آرائهم، فهم لم يرضوا بتشدد الخوارج وعملهم بظواهر أحكام الشريعة، ولم يرضوا بفكر الأشاعرة الفلسفي.
أما من ناحية الأصول فهم أقرب ما يكونون للشيعة الإمامية (وأن كان الإمامية هم من تأثروا بهم وأخذوا عنهم، فأئمة آل البيت من الحسينيين لم تربطهم أي موده بواصل وأصحابه بسبب رأيه في الإمام علي رضي الله عنه) حتى قيل قديماً أن كل شيعي هو معتزل وكل معتزل هو شيعي، وفي حقيقة الأمر أن واصل بن عطاء بالذات قد ألقى باللوم على الإمام علي رضي الله عنه فيما وقع في معركة الجمل وصفين (وهذا في رواية، والرواية الأخرى تقول بأنه قد وضع اللوم على طرف ٍ واحد دون تحديده)، في حين أتفق جمهور الفقهاء من السنة والشيعة على أنه كان على حق، مستشهدين بالأحاديث النبوية الصحيحة، وخاصةً الحديث الذي يخص عمار بن ياسر رضي الله عنه، حين قال له الرسول صلى الله عليه وسلم " تقتلك الفئة الباغية"، وقد عدّل المعتزلة الذين جاؤوا بعده موقفهم من الإمام علي رضي الله عنه.

أخذ عليهم العلماء تقديمهم للعقل على أحكام الشريعة الإسلامية، وأن صح ذلك عنهم فأعتقد أن الأمر لا يخرج عما تبناه الإمام زيد بأهمية العقل في فهم وإدراك وجود الله تعالى والدين.

v دور المعتزلة في الفكر الإسلامي:

وجود المعتزلة وأن لم يبرز دورهم بشكل واضح ألا خلال الخلافة العباسية، ألا أنه أسهم بلا شك في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على المشككين في الدين الإسلامي من أصحاب الديانات الأخرى، وحتى من المسلمين أنفسهم والذين آثاروا العديد من القضايا كالقدرية والجبرية، وغيرهم الكثير، وبالرغم من أن المعتزلة كفرقة فكرية أدينت من قبل عامة الناس، وأخذت عليها العديد من المآخذ، ألا أن هذا لا يقلل من أهمية دورهم الذي نما مع نمو الحضارة الإسلامية وتراجع بتراجعها، وفي هذا دليل على أن هذه الفرقة هي فرقة فكرية علمية نمت بنمو الحضارة الإسلامية ووصلت ذروتها في عهد المأمون، ثم تراجعت وأضمحلت بتراجع الحضارة الإسلامية.

وكان المعتزلة هم أول من خاضوا في قضية العقل، ودوره في التعرف على الشرع، وأحكامه ونواهيه، " يقول قاسم الرّسي: ثلاث حُجج أحتج بها المعبود على العباد وهي: العقل والكتاب والرسول، والعقل أصل الحجتين الأخيرتين لأنّهما عُرفا به، ولم يعرف بهما" ([2])، وهذا لايعني أن العقل مقدم على الكتاب، بل أن العقل البشري هو الأداة التي يستخدمها الأنسان ليعرف أن الكتاب هو من عند الله، وأن الرسول موحى إليه من عند الله، ولولا العقل لما تمكن الأنسان من أن يعي هذه الأمور، فالله سبحانه وتعالى أودعنا العقل لنتعرف بالعقل إليه وإلى أوامره ونواهيه التي أنزله في كتابه، أو أوحى بها لرسوله، فهو حجة على الأنسان، ومن البديهي أن لايأتينا الشرع بما يناقض العقل، وأن أشتبهت على الأنسان أمور في النصوص الشرعية، فإن العقل سيوصله لفهمها بالطريقة الصحيحة.

جاء بعدهم بقرون الفيلسوف الفرنسي ديكارت ليتحدث عن العقل ودوره في أستيعاب حياة الأنسان، فسمعه الناس وصفقوا له ولنظرية الشك، ويبدون أن من يستشهد بديكارت من المسلمين اليوم لم يطلع على فكر المعتزلة.

v المعتزلة وقضية خلق القرآن:

قال المعتزلة (وهم معتزلة بغداد في القرن الثالث الهجري) بأن القرآن مخلوق في محاولة للرد على النصارى الذين أستشهدوا بما ورد في القرآن بأن المسيح عليه السلام، هو كلمة الله ألقاه إلى مريم عليها السلام، فهي دليل على كون المسيح عليه السلام يتمتع بصفات آلهية وهو ابن الله (والعياذ بالله)، فقرر المعتزلة بأن القرآن مخلوق منذ الأزل ليردوا على ادعاءات النصارى... (الموضوع معقد أكثر من ذلك ويحتاج لكثير من الشرح والتفصيل، ولا يتسع المجال لذلك هنا)، وقد حظي هذا الرأي بدعم الخليفة العباسي المأمون الذي عين المعتزلة في أعلى المناصب وتأثر بفكرهم، في حين خالفهم الإمام أحمد بن حنبل مستشهداً بأراء الفقهاء ممن سبقوه وممن عاصروه، فوشوا به للمأمون الذي حاول أجباره على تغيير رأيه، وزج به في السجن.
هذه القضية كانت أهم ما أثار الناس ضد المعتزلة، ولكنها لا تلغي دورهم في محاكمة المرتدين عن الإسلام ومناظرة المشككين في الإسلام والتغلب عليهم.
نجد في أيامنا هذه من يصف العلمانيين بأنهم المعتزلة الجدد!! وفي هذه ظلم كبير للمعتزلة القدامى، فشتان بين هؤلاء وأولئك... فالقدامى أصحاب فكر يهدف إلى إثبات سيادة وهيمنة الإسلام، أما الجدد فأنهم أصحاب دعوات التغريب والحداثة ونبذ كل ما هو يربطنا بماضينا وحضارتنا،،،



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-21-2018, 01:22 PM   #23


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( الحادى و العشرون )


الموضوع : عبدالله المحض







عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي ابن سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أبومحمد الهاشمي المدني الملقب بالمحض لأنه أول مولد يولد لأبوين طالبيين من آل البيت، حيث يلتقي فيه الفرع الحسني متمثلاً في أبيه، بالفرع الحسيني متمثلاً في أمه فاطمة بنت الحسين. ولقب أيضاً بالكامل لكامل شبهه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم


تابعي جليل من الطبقة الخامسة وشيخ الطالبيين في زمانه والمقدم فيهم.
ولد في عام 70 هجرية، وذكرت بعض التراجم أن ولادته كانت في منزل جدته فاطمة بنت سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.
روى عن أمه فاطمة بنت الحسين وعن أبيه وعبدالله بن جعفر، وأبي بكربن حزم، وعبدالرحمن بن الأعرج وعكرمة وعمه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله (وهو كما ذكرت سابقاً أخو الحسن المثنى لأمه).
له روايات في مختلف كتب الصحاح، فقد ذكره البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود.
مهما تكلمنا عن هذه الشخصية العظيمة فلن نوفيها حقها من التقدير والإجلال والأعجاب، وأنقل لكم ما قاله أصحاب التراجم عنه:

§ تقريب التهذيب لابن حجر: ثقةجليل، مات أوائل خمس وأربعين ومائة وهوابن خمس وسبعين سنة.
§ قال ابن كثير في البداية والنهاية: "كان معظماً عند العلماء , وكان عابداً كبير القدر".
§ قال ابن حجر في التقريب (388) : ثقة جليل القدر من الخامسة , مات في أوائل سنة خمس وأربعين , وله خمس وسبعون , وقالفي الفتح (8/515) : وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما , وهو من صغار التابعين.
§ قال أبن حبان في تقريب الثقات : من التابعين وأتباعهم مات في حبس أبي جعفر المنصور بالهاشمية.
§ قال ابن شدقم في التحفة: كان سيداً جليل القدر , عظيم الشأن , رفيع المنـزلة , جم الفضائل حسن الشمائل , وجيهاً جميلاً حسن الصورة , كريماً سخياً , صالحاً عابداً ورعاً زاهداً , تقياً نقياً ميموناً , عالماً عاملاً فاضلاً كاملاً , شيخ بني هاشم ورئيسهم ومقدمهم في زمانه .
§ قال ابو نصر في السر: عبدالله بن الحسن بن الحسن , أول من جمع الولادة من الحسن والحسين عليهما السلام من الحسنية , كان يقال فيه : عبدالله من أكرم الناس وأجمل الناس وأفضل الناس واسخى الناس .
§ روى عنه الإمام مالك بن أنس.

في علمــــــــه:
§ روىا بن عساكرفي تاريخ دمشق عن مصعب بن عثمان أن مالكاً سُئل عن السدل (والمقصود سدل اليدين في الصلاة) فقال لابأس به فقد رأيت من يوثق به يفعل ذلك، فلما قام الناس قلت منهو؟ قال عبدالله بن الحسن، ومعلومٌ مكان الإمام مالك في نقدالرجال وتوثيقهم، لإن رواية مالك عن رجل تُعد عند كثير من المحدثين توثيقاً.
§ وروى ابن عساكرأيضاً أن عبدالله بن الحسن كان يكثرالجلوس إلى ربيعة الرأي، قال : فتذاكروا يوماً السنن فقال رجلٌ كان في المجلس : ليس العمل على هذا فقال عبدالله : أرأيت إن كَثُر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أَفَهُم حجةعلى السنة؟ قال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء. وربيعة الرأي هو ربيعة بن أبي عبدالرحمن التيمي، أشتهر بربيعة الرأي لأنه من فقهاء الرأي، مات في عام 136 هجرية وروى عنه الأوزاعي وسفيان الثوري.

موقفه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة:
كان للخلفاءالراشدين والصحابة رضي الله عنهم عند عبدالله بن الحسن المكانة العظيمة كسائرأهل بيته رضي الله عنهم
فمن ذلك ما رواه الحافظ ابن عساكرعن أبي خالد الأحمرقال :سألت عبدالله بن الحسن عن أبي بكروعمرفقال : "صَلَّى الله عليهما ولا صَلَّى على من لم يصلَّ عليهما".
وأيضاً فيه أنه قال: "إنهما ليعرضان على قلبي فأدعو الله لهما، أتقرب به إلى الله عزوجل".
وفيه أيضاً عن حفص بن عمرمولى عبدالله بن عبدالله بن حسن قال: رأيت عبدالله بنحسن توضأ، ومسح على خفيه قال : فقلت له تمسح؟ فقال" : نعم، قدمسح عمربن الخطاب ومن جعل عمربينه وبين الله فقد استوثق."
وفي تاريخ دمشق أيضاً أن حفص بن قيس سأل عبدالله بنا لحسن عن المسح على الخفين فقال : "امسح، فقدمسح عمربن الخطاب" فقال : إنما أسألك أنت أتمسح؟ فقال : "ذلك أعجز لك حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر كان خيراً مني، ومن ملئ الأرض مثلي"، قلت : يا أبا محمد إنّ ناسًا يقولون إنّ هذا منك تقية، فقال لي : ونحن بينا لقبر والمنبر: "اللهم إن هذا قولي في السَّر والعلانيةَ فلا تسمعنَّ قول أحد بعدي ثم قال : هذا الذي يزعم أنّ علياً كان مقهوراً وأّن رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم أمره بأمرٍ فلم يُنفْذُه فكفى بهذا إزراءً على عليّ، ومنقصة أن يزعم قوم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بأمرٍ لم يُنفِذُه".



عبدالله المحض ووالي المدينة عمر بن عبدالعزيز


كان له منـزلة عند عمر بن عبدالعزيز , عن سعيد بن أبان القرشي قال: كنت عند عمر بنعبد العزيز فدخل عليه عبد الله بن الحسن وهو يومئذ شاب في إزار ورداء، فرحب به وأدناه وحياه. وأجلسه إلى جنبه وضاحكه ثم غمز عكنة من عكن بطنه وليس في البيت يومئذ إلا أموي فلما قام قالوا له: ما حملك على غمز بطن هذا الفتى ؟ قال: إنى أرجو بهاشفاعة محمد صلى الله عليه وآله
سبحان الله، لاحظوا كيف ذكروه وكأنه نكره ليس بحفيد السبطين!! وكيف حفظ عمر بن عبدالعزيز وهو الوالي الأموي حق قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.<o:p></o:p>
في عفوه وسماحته:
ذكرت لكم ما جرى بينه وبين أبن عمه الإمام زيد بن علي بن الحسين من خلاف وتلاسن أمام الناس بعد أن ماطل والي المدينة في حل الخلاف ليزيد الشقه بين أبناء العمومة، وكيف أنه أصطلح مع أبن عمه بعد ذلك، عندما أدرك حيلة والي المدينة.
ولم يكن عبدالله المحض بمعزل عن غيره من آل البيت، فناله ما نال أبناء عمومته من تهكم وسخرية وسباب من بعض الموالين لبني أمية في المدينة، وكان يعرض عنهم وقال في رجل سبّه :

أظنتَّ سفاهاً من سفاهة رأيها أن أهجو لما أن هجتني محاربُ


فلا وأبيها إنني بعشيرتي هنالك عن ذاك المقام لراغبُ


ومن عجائب العفو، شفاعته في بني أمية عند عبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس ففي تاريخ دمشق عن الأصمعي أنه قال: عزم عبدالله بن علي على قتل بني أمية بالحجاز، فقال له عبدالله بن الحسن بن الحسن : يا ابن عم ! إذا أسرعت في قتل أكفائك فمن تباهي بسلطانك؟ فاعف يَعف الله عنك، ففعل.. وهكذا والله العفو عند المقدرة.
نزوحه للسويقة:
كان عبدالله بن الحسن أول من نزلسويقة المدينة من بني الحسن بن الحسن, ثم تبعه أخويه إبراهيم والحسن. قال ابنسعد في الطبقات (7/180) : عن مؤمل بن إسماعيل بن عبدالله عن عبدالله بن حسن أنه قال: كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم أجمعين، يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم, بعد العشاء الآخرة فكنت أجلس معهما, فتحدثا ليلة فذكرواجور من جار من بني أمية والمقام معهم وهم لايستطيعون تغيير ذلك, ثم ذكروا مايخافانمن عقوبة الله لهم, فقال عروة لعلي: ياعلي إن من اعتزل من أهل الجور والله يعلممنه سخطه لأعمالهم فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رُجي له أن يسلم مماأصابهم, قال فخرج عروة وسكن العقيق، قال عبدالله : وخرجت أنا فنزلت سويقة
من أقواله:
ورث عبدالله عن أبويه الحكمة والبلاغة، ومن درر أقواله:
§ "إياك وعداوة الرجال، فإنك لا تأمن مكر الحليم ولا مبادأة اللئيم".
§ "المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العُقَدَ الوثيقة، وأقل مافيه أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة".
§ وقال لأبنه محمداً ناصحاً: " يابني، إني مؤد إلى الله حقه عليَّ في نصيحتك فأدّ إلى الله حقه عليك في الاستماع والقبول، يابني،كف الأذى، وأفض الندى واستعن على السلامة بطول الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها، فإن الصمت حسن على كل حال، وللمرء ساعات يضر فيهن خطؤه ولاينفع صوابه، واعلم أن من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعدالفرصة . يابني، احذر الجاهل، وإن كان لك ناصحاً،كماتحذر العاقل، وإنْ كان لك عدواً فيوشك أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك، فيسبق إليك مكر العاقل وإياك ومعاداة الرجال، فإنها لا تعدم مكر حليم أو مبادأة جاهل".

مع أبناء عمومته العباسيين وبداية المحنة
من يقرأ كتب التاريخ والمراجع الخاصة بظهور الدولة العباسية يعلم علم اليقين، أن الدعوة العباسية أنطلقت بالدعوة للمهدي من آل البيت، وقد ظن أتباع الدعوة أن المقصود هو أحد الطالبيين من آل البيت، وأتجهت الأنظار إلى عبدالله المحض والإمام جعفر الصادق اللذان رفضا الخلافة عندما توجه نقباء بني العباس إليهم لحضهم على الخروج بعد أن بدء تحرك الجموع المناهضة للخلافة الأموية. وفي هذا أشارة واضحة على زهد هذين العالمين الفاضلين بأمور الخلافة أو على الأقل رفضهم فكرة أن تؤول إليهم الخلافة بهذه الطريقة.
ولعل أبو العباس السفاح أول خلفاء البيت العباسي الذي كان شاباً، أدرك ذلك فقرب عبدالله المحض الشيخ منه وخصه بالمجالسة ومنحه كما تذكر المصادر ألف ألف درهم بالإضافة إلى الكثير من الهدايا والعطايا، مما أوغر صدور بنو العباس على عبدالله المحض وبدؤوا بالوشاية لدى السفاح بأن أبني عبدالله المحض محمد بن عبدالله والملقب بالنفس الزكية، وابراهيم بن عبدالله الملقب بالنفس التقية (وهما اللذان آلت إليهما دعوة الإمام زيد بن علي بن الحسين) يخططان للخروج عليه والدعوة لنفسيهما خاصة ً وأنهما لم يبيعا السفاح عندما تولى الأمر ... (وفي هذا دليل على مكانة هذين الشابين لدى أهل الحجاز، وإلا لما حرص السفاح على يحضرا لمبايعته)، فكان السفاح دائم السؤال عنهما فقال يوماً لأبيهما عبدالله المحض: "ماخلفهما عني فلم يفدا علي مع من وفدعليّ من أهلهما؟"، وكان يعيد عليه المسألة دائماً، فشكى عبدالله المحض ذلك لأخيه الحسن بن الحسن، فقال له" : إن أعاد عليك المسألة عنهما، فقل له علمهما عند عمهما"، فلما سأله أبوالعباس قال : "علمهما ياأمير المؤمنين عند عمهما"، فبعث أبوالعباس إلى الحسن فسأله عنهما، فقال" : ياأمير المؤمنين أكلمك على هيئة الخلافة أو كماي كلم الرجل ابن عمه"، فقال أبوالعباس" : بل كمايكلم الرجل ابن عمه"، فقال له الحسن : "أنشدك الله يا أمير المؤمنين إن قدَّر الله لمحمد وإبراهيم إن يليا من هذا الأمر شيئاً فجهدت، وجهد أهل الأرض معك أن تردوا ما قدر لهما أيردونه؟"، قال: لا، قال : "فما تنغيصك على هذا الشيخ النعمة التي أنعمت بها عليه"، فقال أبوالعباس : "لا أذكرها بعداليوم"، فما ذكرها حتى فرّق الموت بينهما.
وكما قدر الله سبحانه وتعالى أن تؤول الخلافة إلى أبو العباس السفاح، بعد أن فقد بنو العباس الأمل في ظهور دولتهم، شاء الله سبحانه وتعالى أن تؤول الخلافة بعد السفاح إلى أبي جعفر المنصور الذي كان خارج حسابات الخلافة كون أمه أم ولد وليست عربية صريحة.
وفي عهد المنصور بدأت محنة السادة من آل البيت الطالبيين، فالإمام جعفر الصادق كبير البيت الحسيني تعرض للمضايقة وحمل عنوة إلى المنصور في العراق ليبايعه، وأكثر المنصور من مجادلته ليستكشف مكامن نفسه. وأما عبدالله المحض كبير البيت الحسني فلما أستشعر خطر المنصور أخفا أبنيه عن المنصور وعماله، فما كان من المنصور إلا إلقاء القبض على عبدالله المحض وابراهيم الغمر والحسن المثلث ومعهم أخيهم لأمهم محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، والملقب بالديباج لجماله (وهذه الشخصية ينكرها الشيعة الإمامية لنفي زواج فاطمة بن الحسين من حفيد عثمان بن عفان، رضي الله عنهم جميعاً) والذي أبى أن يترك أخوته يتعرضون للأذى دون أن يذود عنهم، وكانت أبنته زوجة لأبن أخية ابراهيم بن عبدالله، وكان ممن أخذ معهم محمد بن ابراهيم حفيد المحض والديباج.
وقد نظم أحد الشعراء هذه الأبيات في محمد الديباج:

وجدنا المحض الأبيض من قريش فتى بين الخليفة والرسول


أتاك المجد من هنا وهناك وكنت له بمعتلج السيول


فماللمجد دونك من مبيت وماللمجد دونك مقيل


فلا يمض وراءك يبتغيه ولا هو قابل بك من بديل

وفيه قال أخوه عبدالله المحض: " أبغضت محمداً ابن عبدالله بن عمرو بن عثمان أيام وُلدِبغضاً ما أبغضته أحداً قط ثم كبر وبرَّني فأحببته حباً ما أحببته أحداً قط".
وقد أورد ابن كثير تفاصيل القصة فقال في البداية والنهاية: "ألًح المنصورعلى عبدالله في طلب ولديه فغضب عبدالله من ذلك وقال : والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما، فغضب المنصور وأمر بسجنه، وأمر ببيع رقيقه وأمواله، فلبث في السجن ثلاث سنين، وأشاروا على المنصور بحبس بني حسن عن آخرهم فحبسهم، وجد في طلب إبراهيم ومحمد جداً، هذا وهما يحضران الحج، في غالب الأوقات، ولا يشعر بهما من ينم عليهما ولله الحمد، والمنصور يعزل نائباً عن المدينة ويولي عليها غيره، ويحرضه على إمساكهما والفحص عنهما، وبذل الأموال في طلبهما، وتعجزه المقادير عنهما لما يريده الله عز وجل. وقد واطأهما على أمرهما أمير من أمراء المنصور يقال له أبو العساكر خالد بن حسان، فعزموا فى بعض الحجات على الفتك بالمنصور بين الصفا والمروة فنهاهم عبدالله بن الحسن لشرف البقعة، وقد أطلع المنصور على ذلك وعلم بما مالأهما ذلك الأمير، فعذبه حتى أقر بما كانوا تمالؤوا عليه من الفتك به، فقال المنصور: وماالذي صرفكم عن ذلك، فقال : عبدالله بن الحسن، نهانا عن ذلك فأمربه الخليفة فغيب في الأرض فلم يظهر حتى الآن، وقداستشار المنصور مني علم من أمرائه و وزرائه من ذوي الرأي في أمر ابني عبدالله بن الحسن، وبعث الجواسيس والقصاد في البلاد فلم يقع لهما على خبر، ولم يظهر لهما على عين ولا أثر، والله غالب على أمره، وقد جاء محمد بن عبدالله بن الحسن إلى أمه فقال : ياأمه إني قد شفقت على أبي وعمومتي، ولقد هممت أن أضع يدي في يد هؤلاء، لأريح أهلي، فذهبت أمه إلى السجن فعرضت عليهم ماقال ابنها فقالوا : لا ولاكرامة بل نصبر على أمره، فلعل الله يفتح على يديه خيراً، ونحن نصبر وفرجنا بيدالله إن شاء فرج عنا وإن شاء ضيق، وتمالؤوا كلهم على ذلك رضي الله عنهم. ونقل آل الحسن من حبس المدينة إلى حبس بالعراق (بعد أن كره أهلها ما يفعل المنصور في آل البيت الحسنيين)، وفي أرجلهم القيود، وفي أعناقهم الأغلال، وكان ابتداء تقييدهم من الربذة بأمر أبي جعفر المنصور، وقدأشخص معهم محمد بن عبدالله العثماني، وكان أخا عبدالله بن الحسن لأمه وكانت ابنته رقيه تحت إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وقد حملت قريباً فاستحضره المنصور وقال: "قدحلفت بالعتاق والطلاق إنك لم تغشني وهذه ابنتك حامل فإن كان من زوجها فقد حبلت منه، وأنت تعلم به وإن كان من غيره فأنت ديوث"، فغضب الديباج لعرضه وأجابه جواباً حفظه به فأمر به فجردت عنه ثيابه فإذا جسمه مثل الفضة النقية ثم ضربه بين يديه مائة وخمسون سوطاً منها ثلاثون فوق رأسه أصاب أحدها عينه فسالت، ثم رده إلى السجن، وقد بقي كأنه عبد أسود زرقه الضرب وتراكم الدماء فوق جلده فأجلس إلى جانب أخيه لأمه عبدالله ابن الحسن الذي سالت عيونه لرؤية أخيه في تلك الحال، فاستسقى ماء (طلب ماء ليسقي أخاه) فما جسر أحد أني سقيه حتى سقاه خراساني من جملة الجلاوزة الموكلين بهم ثم ركب المنصور هودجه وأركب السجناء في محامل ضيقة وعليهم القيود والأغلال فاجتاز بهم المنصور وهو في هودجه فناداه عبدالله بن الحسن والله يا أبا جعفر ما هكذاصنعنا بأسراكم يوم بدر، فأخسأ ذلك المنصور وثقل عليه ونفر عنهم ولما انتهوا إلىا لعراق حبسوا بالهاشمية، وكان فيهم محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسنو كان جميلاً فتياً فكان الناس يذهبون، لينظروا إلى حسنه وجماله،و كان يقال له الديباج الأصغر، فأحضره المنصور بين يديه وقال له : أما لأقتلنك قتلةً ما قتلتها أحداً ثم ألقاه بين اسطوانتين، وسدعليه حتى مات. وقد جعلهم المنصور في سجن لا يسمعون فيه أذاناً، ولايعرفون فيه وقت صلاة إلا بالتلاوة، ثم بعث أهل خراسان يشفعون في محمد بن عبدالله العثماني، فأمر به فضرب عنقه وأرسل برأسه إلى أهل خراسان".
يروى لنا الخطيب البغدادي موقفاً مأساوياً آخر، لماوقفت فاطمة بنت عبدالله بن الحسن (تذكروا هذه الشخصية جيداً)بطريق أبي جعفر المنصور، وهو في طريقه إلى الحج فلما مر بها أنشدت تقول:

ارحم كبيراً سنه متهدم في السجن بين سلاسل وقيود


وارحم صغار بني يزيد فإنهم يتموا لفقدك لا لفقديزيد


إن جدت بالرحم القريبة بيننا ما جدنا من جدكم ببعيد

أختلف الرواة في تحديد كيفية وفاة عبدالله المحض (فمنهم من قال أنه قتل بعد ثورة أبنه محمد في المدينة، ومنهم من قال أنه توفي نتيجة التعذيب) لكنهم أتفقوا على أنه روحه فاضت في سجن المنصور صبيحة عيد الأضحى سنة 145 هجرية وعمره خمسة وسبعون عاماً، وصلى عليه أخوته في السجن ولم تقم له صلاة جنازة عامة، ويقال أن قبره موجود حالياً في العراق.
وتوفي في السجن معه من أخوته ابراهيم الغمر ومحمد الديباج وحفيده محمد بن ابراهيم الديباج الأصغر، أما من بقي من أهله فلم يخرجوا من السجن إلا بعد وفاة أبو جعفر المنصور، ولم تمض سنوات طويلة حتى أبيد عدد كبير من آل البيت الحسنيين في موقعة فخ سنة 169 هجرية، ولم ينج منهم إلا بعض الشخصيات من نسل عبدالله المحض كانت لها آثار باقية إلى يومنا هذا.
آثار عبدالله المحض
بالرغم مما قام به أبو جعفر المنصور من قمع وأضطهاد وقتل وتشريد لآل البيت الحسنيين إلا أن عبدالله المحض خلف من ورائه ذرية تركت آثاراُ باقيةً إلى يومنا هذا، فأبنه يحيى وهو أحد أئمة الدعوة الزيدية، توجه إلى أرض الديلم (وهي المنطقة الساحلية لجنوب بحر قزوين) ولم يكن أهلها قد دخلوا الإسلام بعد بالرغم من تقادم الفتح الإسلامي لتلك الأراضي، ونجح في جذب هؤلاء الوثنين إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى، ودخل عشرات الآف الإسلام بفضل جهود هذا الإمام الشاب.
أبنه أدريس الذي نجا من القتل في موقعة فخ، هرب إلى المغرب وهناك حماه أهلها فعاش بينهم ونجح أحد أبنائه في أعلان قيام الدولة الأدريسية في المغرب العربي، والأهم من ذلك أن العالم العربي الجليل الشريف الإدريسي الجغرافي والفلكي صاحب أول خارطة جغرافية للعالم المعروف آنذاك هو من أحفاد عبدالله المحض.
وفي محطتنا التالية سنتعرف على أحد تلامذة عبدالله المحض، كما سنتعرف في محطة أخرى على إمام ملئ صيته الدنيا، يعتقد بأنه حفيد عبدالله المحض لأمه.
كافة آل البيت من الحسنيين اليوم هم من نسل عبدالله المحض، فأي أثر أكبر من هذا الأثر تركه لنا عبدالله المحض.





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-21-2018, 01:33 PM   #24


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( الثانى و العشرون )


الموضوع : الإمام أبو حنيفة النعمان







ولد سنة 80 هجرية بالكوفة، أبوه هو ثابت بن زوطي، أسر جده في كابل (أفغانستان) على يد أحد فرسان بني تميم، وأحضره للعراق ثم أعتقه، فأصبح ولاءه لبني تميم (روى ذلك حفيد الإمام عمر بن حماد بن أبي حنيفة، وقد أنكر حفيده الآخر ذلك ونقل عنه قوله: " والله ما وقع لنا رق قط")... وأياً كانت الحقيقة فهي لا تنقص من قدر ومكانة أبي حنيفة، فهو وإن فقد فخر النسب، فقد أتاه الله سبحانه وتعالى فخر العلم، وهو أبقى وأزكى...

نقل الرواة أن أحد بني تميم الذين ينتمي إليهم ولاؤه قال لأبي حنيفة أنت مولاي, فقال له أبو حنيفة :"أنا والله أشرف لك منك لي"...

ولد في أسرة متدينة ميسورة الحال، فأبوه ثابت كان تاجر حرير موس ، التقى بالإمام علي بن أبي طالب رضي عنه طفلاً ودعا له ولذريته بالخير...
حفظ القرآن صغيراً، ونال قسطاً من العلوم في الحديث والنحو والفلسفة، وكان يرتاد المناظرات التي كانت تجري في الكوفة بين مختلف الطوائف ويناظر الملحدين وأهل الكتاب للدفاع عن الإسلام بفطرته السليمة...
أتجه للتجارة كأبيه، وفي أحد الأيام كان يجوب السوق فلمحه الفقيه التابعي الجليل عامر الشّعبي، وكان من سادة الفقهاء في الكوفة، يتفرس في وجوه المارّه، فوقع نظره على أبي حنيفة وهو يتعامل مع التجار فرأى فيه الفطنة والذكاء، فدعاه... وفي ذلك يروي أبو حنيفة: " قال لي : إلى من تختلف ؟ فقلت : أختلف إلى السّوق، قال : لم أعن الاختلاف إلى السّوق ، عنيت الاختلاف إلى العلماء ، فقلت له : أنا قليل الاختلاف إليهم ، فقال لي : لا تغفل ، وعليك النّظر في العلم ومجالسة العلماء؛ فإنّي أرى فيك يقظة وحركة ، فوقع في قلبي من قوله ، فتركت الاختلاف إلى السّوق, وأخذت في طلب العلم فنفعني الله به"...
أتجه أبو حنيفة للعلم وترك أمر تجارته لشريكه، وكان قد بلغ من العمر واحد وعشرين عاماً (وقيل أثنان وعشرون)، فأتخذ من حمّاد بن سلمان أستاذاً له وجالس في دروسه لمدة ثمانية عشر عاماً (وقيل عشرون)، منقطعاً له مقبلاً عليه ولزمه كظله، ينهل من علومه في شتى المجالات...
كان فقه حمّاد مطابقاً لفقه الإمامين الجليلين علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، وذلك لانّ هذا الفقه أخذه حمّاد عن شيخه ابراهيم النّخعي الذي اخذه عن ثلاثة اعلام وهم علقمة بن قيس والقاضي شريح بن الحارث ومسروق بن الاجدع الوادعي الذين هم بدورهم ورثوه عن الإمامين الجليلين علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود، وكان أبو حنيفة اشهر تلاميذ حمّاد وأقربهم إليه، وكان حمّاد يقول بالرأي كأستاذه النّخعي، ومن ثمّ كان انتماء أبي حنيفة الى مدرسة الرأي ثم تزعّمه لها...
كما سمع أبو حنيفة وهو صبي من أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما كان يزور الكوفة، ولذلك اعتبر أبي حنيفة تابعياً لأنه سمع من الصحابي الجليل أنس بن مالك، كما استمع الى التابعيّ الفقيه هشام بن عروة بن الزبير بن العوّام (الذي كان يعدّ شيخا للإمام مالك واللّيث بن سعد) ووكيع بن الجرّاح و سعيد بن مسروق والد الإمام سفيان الثوري، كما كان لأبي حنيفة حظّ الاستماع إلى الفقيه المحدث التابعي الجليل عطاء بن رباح...
ومن آل البيت رضوان عليهم، أيضا أخذ أبو حنيفة عن الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين، وأمتاز عن غيره بكونه مجمع ثقافات عديدة ووعاء للمعرفة... (وربما يكون هو سبب تأثر الإمام أبو حنيفة بعقيدة المعتزلة الفكرية)...
ومن شيوخ أبي حنيفة من آل البيت أيضاً، عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي ابن ابي طالب، رضي الله عنهم، والذي لازمه لفترة ليست بالقصيرة... أوليس جزء من علم الإمام أبي حنيفة بأثر ينسب إلى عبدالله المحض؟



مواقف أبو حنيفة السياسية

كان ابو حنيفة محبّاً للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وكان يفعل ذلك تديّناً وليس تشيّعاً، وكان يجلّ الخلفاء الرّاشين ويخصّ الإمام علي رضي الله عنه بمزيد من الحبّ لانه من آل بيت النبوة أولاً، ثمّ شعوراً منه بأن الخير والبركة التي تحفّه من كل جانب، وهي بركة العلم وبركة المال، هي ثمرة زكيّة لدعوة مباركة دعاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه لوالده ثابت حين التقى به في الكوفة...

عاش أبو حنيفة قرابة الخمسين سنة من عمره تحت حكم بني امية، ورآه حكماً عضوضاً يخاصم آل البيت ويحاربهم ويسفك دماءهم، فأتّخذ أبو حنيفة موقفاً معادياً من حكم بني أمية... وعند خرج الإمام زيد على هشام بن عبدالملك،سنة مائة وواحد وعشرون هجرية، كان أبو حنيفة داعماً لهذه الثّورة وأحد مموّليها، وقد بعث للإمام زيد بعشرة الاف درهم، ولما خمدت الثّورة بأستشهاد الإمام زيد رضي الله عنه، قال أبو حنيفة:"لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما لا يخذلون أباه لجاهدت معهم لانه إمام حق[1]"... ويروى ايضاً أنه قيل لأبي حنيفة: لما تخلفت عن المشاركة في القتال؟ فأجاب: "حبسني عن ذلك ودائع الناس، وقد عرضتها على ابن أبي ليلى فلم يقبل، فخفت أن أموت مجهلا[2]".
كما تعرّض أبو حنيفة النعمان هو نفسه للضّرب والأذى عندما دعاه الوالي الأموي على العراق ابن هبيرة لتولي القضاء أو بيت المال وقيل أن أبي هبيرة كان يريد أن يجعل خاتم الدولة في يد أبي حنيفة بحيث لا تخرج رسالة الإ من تحت يده، فأبى أبو حنيفة قائلاً: "لو أرادني أن أعدّ له أبواب مسجد واسط لم أدخل في ذلك، فكيف وهو يريد منّي أن يكتب دم رجل يضرب عنقه وأختم أنا على ذلك الكتاب؟ فوالله لا أدخل في ذلك أبدا[3]"، وقدر لأبي حنيفة أن أخلي سبيله فهرب الى مكة ومكث بها ست سنوات الى أن زال حكة بني أمية واستقر الامر لبني العبّاس...

استبشر ابو حنيفة بزوال الظّلم عن آل البيت وكافة المسلمين، وظن أن هذا العهد الجديد ستكون سمته العدل والتسامح وتكريم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعطائهم المكانة المرموقة التي يستحقّونها، فبايعهم الإمام ابو حنيفة بيعة رضى وصدق وطمأنينة أملا في أن يلتزموا بالعدل ويشيعوا الامان ويصونوا أموال الدولة وينتهي الظلم والعدوان...

لم يكن الامر كما توقّع أبو حنيفة خصوصاً بعدما آلت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور... الذي توجس خيفة من محمّد وابراهيم ابني عبد الله المحض بن الحسن، وأمر أبوهما بتسليمهما إليه، وكانا فد غابا عن العيون، فلما لم يستجب اليه، وضعه تحت الاقامة الجبرية مقيّدا في بيته، ثم نقله الى سجن بالكوفة حتى لقي ربّه وعمره انذاك خمس وسبعين سنة. وكان ذلك سنة مائة وخمس وأربعين هجرية، فلمّا علم محمد وابراهيم بموت أبيهما خرجا على المنصوركما سبق وأشرنا في المحطة السابقة، إلا أنّ ثورتهما لم يكتب لها النجاح رغم أن صفوة العلماء خرجوا معهما وأفتوا بمشروعية خروجهما، وفي مقدمتهم الإمامان الجليلان أبو حنيفة ومالك... من أسباب توجس المنصور من أبني عبدالله المحض هو أفتتان الناس بمحمد بن عبدالله الذي لقّب بالشّبه لشدّة شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم، و يلقّب أيضاً بالنّفس الزّكية لورعه وتقواه، وأمّا ابراهيم فكان يعرف بابراهيم الإمام وبالنفس التقية، (والدعوة العباسية أستندت إلى أن مهدي آخر الزمان هو من آل العباس وليس من الطالبيين، وأصبحت لديهم قناعة تامة بهذه الفكرة حتى أكثروا من تسمية أبنائهم بعبدالله ومحمد)...

أمام ما جرى لشيخه من سجن ومهانة، عمد أبو حنيفة إلى مساندة الثّورة بوسائل شتّى، فكان يثبّط قوّاد المنصور من حرب محمّد وابراهيم وكان أيضاً يدفع النّاس إلى خوض غمار الحرب ضد بني العبّاس، وكان يجهر بموقفه هذا في حلقه ومجالسه، "فأرسل المنصور الى عيسى ابن موسى أن أحمل أبا حنيفة، فحمله الى بغداد، فعاش بعد ذلك خمسة عشر يوما[4]"...

وهناك رواية أخرى ذكر فيها أن المنصور الخليفة العبّاسي طلب أبا حنيفة أن يتولّي منصب قاضي القضاة, فأمتنع أبو حنيفة (لعلمه بأنها وسيلة لإسكاته), فحلف وأغلظ المنصور إن لم يفعل ليحبسنّه وليشدّدن عليه, فأمتنع أبو حنيفة وشدّد في الامتناع، فكان جزاؤه أن يخرج به من السّجن ويضرب عشرة أسواط يومياً وينادى به في الأسواق حتى سال الدم من قدميه وضيّق عليه تضييقاً شديداً في مأكله ومشربه, واستمر هكذا حاله لمدّة عشرة أيام, فتوفّي بعد خمسة عشر يوما من سجنه، وقيل أنّه رفع إليه قدح فيه سمّ فأمتنع عن شربه، وقال: "انّي لا أعلم ما فيه ولا أعين على قتل نفسي"، فطرح ثم صبّ في فيه قهراً فمات وكان ذلك سنة 150 للهجرة...




ملامح من شخصية الإمام أبو حنيفة وصفاته:

كان الامام من السموّ بحيث حاز كل صفات الإمامة العلمية والريادة الفكرية والزعامة الدينيّة، كان ذا علم وفقه، وفصاحة وبيان، وورع وتقوى، وعقل وبديهة، وشجاعة وعفة، ومروؤة وجود، وتواضع وحلم، وسماحة ووقار، وأمانة وصدق، وبرّ ووفاء. سنقف عند بعض هذه الشمائل للامام[1].



  • احترامه وتقديره لمن علّمه الفقه، فقد ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: "ما صلّيت صلاة مُذ مات حمّاد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلّمت منه علماً، أو علّمته علماً".
  • سخاؤه في إنفاقه على الطّلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم، وتعاهدهم مما غرس محبّته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، ولك أن تتخيّل ملايين الدّعوات له بالرّحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض... نسأل الله من فضله، ونسأل الله لإمامنا أن يتغمّده بواسع رحمته، ومن عجائب ما ورد عنه أنّه كان يبّعث بالبضائع إلى بغداد، يشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الشيوخ المحدّثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول : "أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم، فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره"... وحدث حجر بن عبد الجبّار، قال: ما أرى النّاس أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه... وقال حفص بن حمزة القرشي: "كان أبو حنيفة ربما مرّ به الرّجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده"...
  • حرصه على هيبة العلم في مجالسه، فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت كثيرالعقل...
  • الاهتمام بالمظهر والهيئة بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه قال: "كان أبي جميلاً تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لايتكلّم إلا جواباً ولا يخوض _رحمه الله_ فيما لا يعنيه"... وعن ابن المبارك قال: "ما رأيت رجلاً أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة."
  • كثرة عبادته وتنكسّه - رحمه الله، فقد قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرّعاً. وذكروا أن أبا حنيفة _رحمه الله_ صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة... وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبويوسف قال: " بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لاينام الليل فقال أبو حنيفة والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاةً وتضرّعا ًودعاءً" , ومثل هذه الروايات عن الأئمّة موجودة بكثرة، والتشكيك في ثبوتها له وجه، لإشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة _رحمه الله_ قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله... وإن كانت عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه _رحمه الله_... فقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
  • خوفه من الله تعالى... فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله _تعالى_ " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " القمر (46) ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
  • ومن مظاهر القدوة شدة ورعه، وخصوصاً في الأمور المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين العيب... فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدّق بثمن المتاع كله...
  • تربيته لنفسه على الفضائل كالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقاً أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
  • حلمه مع عامة الناس، لأن من تصدّى للنّاس لا بد وأن يأتيه بعض الأذى من جاهل أو مغرر به، ومن عجيب قصصه ما حكاه الخريبي قال: كنا عند أبي حنيفة فقال رجل: إني وضعت كتاباً على خطك إلى فلان فوهب لي أربعة آلاف درهم فقال أبو حنيفة إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه... وقد شهد بحلمه من رآه، قال يزيد بن هارون ما رأيت أحداً أحلم من أبي حنيفة , وكان ينظر بإيجابية إلى المواقف التي ظاهرها السوء، فقد قال رجل لأبي حنيفة اتق الله فانتفض واصفر وأطرق وقال جزاك الله خيراً ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا , وجاء إليه رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز , فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا , فقال له: اصبر حتى يقع، وآخذه لك، _إن شاء الله تعالى_ , فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهماً , فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ , قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
  • الجدية والاستمرار وتحديد الهدف، فقد وضع نصب عينيه أن ينفع الأمة في الفقه والاستنباط، وأن يصنع رجالاً قادرين على حمل تلك الملكة.
  • ترك الغيبة و الخوض في الناس فعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن يسلّط على حسناته ما يذهب بها... بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمين شيئاً عجيباً، ففي تاريخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنيفة يقول: "فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال: كان أبو حنيفة يكثر من قول: "اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له".
  • ومن أهم مظاهر القدوة في شخصيته حرصه على بناء شخصيات فقهية تحمل عنه علمه، وقد نجح أيّما نجاح... ومن طريف قصصه مع تلاميذه التي تبين لنا حرصه على تربيتهم على التواضع في التعلم وعدم العجلة , كما في (شذرات الذهب): لما جلس أبو يوسف _رحمه الله_ للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلاً فسأله عن خمس مسائل وقال له: إن أجابك بكذا فقل له: أخطأت، وإن أجابك بضده فقل له: أخطأت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال "تزبيت قبل أن تحصرم" – يعنى تصدرت للفتيا قبل أن تستعد لها فجعلت نفسك زبيباً وأنت لا زلت حصرماً.
  • ومن أشد مظاهر القدوة في شخصيته تصحيحه لمفاهيم مخالفيه بالحوار الهادئ، قد كان التعليم بالحوار سمة بارزة لأبي حنيفة، وبه يقنع الخصوم والمخالفين، وروي عن عبد الرزاق قال: شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف فسأله رجل عن شيء فأجابه فقال رجل: إن الحسن البصري يقول كذا وكذا قال أبو حنيفة أخطأ الحسن قال: فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال: أنت تقول أخطأ الحسن ثم سبّه بأمّه ثم مضى فما تغير وجهه ولا تلوّن ثم قال: إي والله أخطأ الحسن وأصاب بن مسعود.
  • ومن مظاهر القدوة عدم اعتقاده أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن غيره من العلماء على خطأ؛ فقد جاء في ترجمته في تاريخ بغداد عن الحسن بن زياد اللؤلؤي يقول: سمعت أبا حنيفة يقول قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا .
أهم ما تركه أبو حنيفة للفقهاء ولعامة المسلمين:





ذكرت لكم أن أبا حنيفة جالس الإمام زيد بن علي وتأثر بعلمه، ويبدو أنه أخذ عنه طريقته في أستنباط الأحكام الفقهية فيما لم يرد فيه نص، وذلك بالأخذ بالقياس... وأن كان الفقهاء ينسبون القياس للإمام أبي حنيفة، إلا أني رأيت أن أشير لهذه النقطة عملاً بمبدأ إعطاء كل ذي حق حقه، فالقياس اليوم هو أحد أهم مصادر التشريع فيما يستجد من أمور على المسلمين لا يوجد فيها نص شرعي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة،،،





يمكن أن نستكشف أصول مذهب أبو حنيفة من خلال مقولته المشهورة: " إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا"... فكان له الفضل بفتح باب الأجتهاد وعدم حصره على الفقهاء والعلماء من التابعين، كما أنه فرق بين الصحابة، فوضع الخلفاء الراشدين وبعض الصحابة من أهل الرأي كعبدالله بن مسعود في منزلة أعلى من حيث وزنهم العلمي وقدرهم الفقهي، عن غيرهم وأعتبر أقوالهم وفتاوهم من مصادر التشريع، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم"، وكان لأبي حنيفة أسلوباً مميزاً في أستخدام القياس للبحث عن الأحكام، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة... وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، كما يظهر علم الأستاذ وفضله، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من العسير نقدها فضلاً عن نقضها، ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع... وقد عاب البعض على الحنفيين مبالغتهم في أفتراض المسائل التي تم تقع بحجة إيجاد الرأي الشرعي فيها، حتى أطلق البعض عليهم جماعة " ال أرأيتين"، بسبب قولهم عند أفتراض المسائل "أرأيت لو حدث كذا وكذا"،،،





وقد جادل فقهاء المدينة أبو حنيفة على أكثاره من أستخدام القياس، لكنه نجح في أقناعهم بوجهة نظره ونقل لنا الرواة موقفه مع أحدهم... " لقد أتّهم أبو حنيفة على أنّه يقدّم القياس على السنّة وتوسّعت دائرة الاتّهام حتى بلغ الى أسماع الإمام الجليل محمّد الباقر، فلما التقيا بالمدينة المنورة وكان ذلك أول مرّة، قال الباقر لأبي حنيفة: أنت الذي حولت دين جدّي وأحاديثه بالقياس؟ فقال أبو حنيفة: معاذ الله، فقال محمّد: بل حوّلته، وهنا قال له أبو حنيفة: اجلس مكانك كما يحقّ حتّى أجلس كما يحقّ لي، فإن لك عندي حرمة كحرمة جدّك صلّى الله عليه وسلّم في حياته على أصحابه، فجلس، ثم جثا أبو حنيفة بين يديه ثم قال: إني سائلك عن ثلاث كلمات فأجبني: الرجل أضعف ام المرأة؟ فقال محمد: المرأة، فقال أبو حنيفة: كم سهم المرأة؟ فقال الباقر للرّجل سهمان وللمرأة سهم، فقال أبو حنيفة: هذا قول جدّك، ولو حوّلت دين جدّك لكان ينبغي في القياس أن يكون للرّجل سهم، وللمرأة سهمان لأن المرأة أضعف من الرجل.. ثم قال: الصّلاة أفضل أم الصّوم؟ فقال محمّد: الصّلاة أفضل، قال: هذا قول جدّك ولو حوّلت قول جدّك لكان القياس أن المرأة اذا طهرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصّوم.. ثم قال: البول أنجس أم النطفة؟ قال البول أنجس. قال: فلو كنت حوّلت دين جدّك بالقياس لكنت أمرت أن يغتسل من البول ويتوضأ من النطفة، ولكن معاذ الله أن أحول دين جدّك بالقياس... فقام الامام محمد الباقر فعانقه وقبل وجهه وأكرمه.[1]






وصف الإمام أبو حنيفة بأنه من أقوى الفقهاء حجةً وبياناً، ولم تقتصر مناظرته على الفقهاء في المدينة، والملاحدة في العراق بل أمتدت لتشمل الخوارج والشيعة في العراق والجبريين والجهميين، فأفحمهم جميعاً وألزمهم الحجة... فلا عجب أن يشن الروافض وعلى فترات مختلفة من التاريخ هجوماً عنيفاً على أبي حنيفة في محاولات بائسة للتقليل من شأنه وقدره العلمي ومكانته عند أهل السنة، متهمينه بأخذ العلم والتتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق، وقد رد عليهم بعض العلماء في ذلك بأنه لو صح فلما الأختلاف في العقيدة والأصول والفقة بين المذهب الجعفري والمذهب الحنفي؟





وللأسف وجد أيضاً من أهل السنة من أتهم أبا حنيفة بالإرجاء والقول في خلق القرآن، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: " إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله عز وجل، ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يُرى في الآخرة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين فقط، مالك بن أنس، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد".




أنتشار المذهب الحنفي:
نشأ المذهب الحنفي بالكوفة مسقط رأس ومكان نشأة إمامه أبو حنيفة النّعمان ثمّ تدارسه العلماء بعد وفاة شيخه الى بغداد ثم شاع بعد ذلك في أصقاع الدّنيا... وقد ساعد المذهب على الإنتشار تولي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة منصب قاضي القضاة سنة سبعين ومائة، حيث لا يولّى قاض في كل البلاد الإسلامية من أقصى المشرق الى بلاد أقصى المغرب إلا من يشير به ويرتضيه، وحتما لا يولّي الّا أصحابه الذين يرتضون طريقته في الإجتهاد والفتيا، وهي طريقة أبي حنيفة... ولذلك قال ابن حزم:" مذهبان انتشرا في بدء امرهما بالرياسة والسّلطان، الحنفيّ بالشرق والمالكيّ بالاندلس[1]". كما ساعد على انتشاره نشاط العلماء فيه والعمل على نشره، ومن المناظرات التي كانت تقوم بينهم وبين غيرهم من أصحاب المذاهب الاخرى.
وعمل على نشره أبي عبد الله أسد بن الفرات لما تولى القضاء بإفريقيّة حتى شاع فيها... قال ابن فرحون:" ان المذهب الحنفيّ ظهر ظهورا ًكثيراً بإفريقية الى سنة أربع مائة، وانقطع بعدها، ودخل منه شئ الى ما وراءها من المغرب قديماً الى الاندلس[2]".

أماّ مصر فقد عرفت المذهب الحنفيّ لما تولّى قضاءها اسماعيل بن اليسع الكوفي، وكان كذلك مع القاضي الحنفي قضاة من المذاهب الشافعي والمالكي، فكان القضاء بين هذه المذاهب الثلاثة، فيتولاّه الحنفية تارة والمالكيّة أخرى والشافعية ثالثة... وأستمرّ الامر كذلك إلى أن استولّى الفاطميّون على مصر، فجعلوا مذهب الشيعة الاسماعيليّة هو المذهب الرسمي... فكان منهم القضاة الا أن ذلك لم يقضي على المذاهب الاخرى، بل كان الناس يتبعون مذاهبهم السنية، والدولة تغض الطّرف عنهم ولا ينظرون الى المذاهب الاخرى نظرة معاداة الا أنّهم لم يسمحوا للمذهب الحنفي بالظّهور، ولم يصنعوا ذلك مع الأخذين بالمذاهب الأخرى وذلك يعود لإنّ المذهب الحنفي مذهب الدولة العباسيّة الرسمي...

ولما قامت الدّولة الأيّوبيّة، اتّجهت إلى اعادة المذهب الشافعي والمذهب المالكي وذلك لإن صلاح الدّين الايّوبي شافعيّ والشّعب كان مالكيّاً، ولكن لمّا آل الأمر الى نورالدين الشّهيد في الشّام وكان حنفيّاً، نشر مذهبه في الشّام، ومن الشّام قدم إلى مصر وانتشر بين كل فئات الشّعب، فكثر المعتنقون للمذهب، وقوي بعد ذلك وانتشر لما توثّقت العلاقة بين صلاح الدّين والدّولة العبّاسيّة وأنشأ للحنفيّة المدرسة السيوغية بالقاهرة.

ولما استولى العثمانيّون على مصر كان القضاء كلّه على مذهب أبي حنيفة، فرغب كثير من طلبة العلم في معرفته ...

وأمّا بلاد المشرق والعراق وما وراءه أي خرسان وسجستان وما وراء النهر كان المعتنقون للمذهب الحنفي كثير (بسبب أصل أبي حنفية)... وكان المذهب الحنفي غالباً على أهل أرمينية وأذريبيجان وتبريز وأهل الري والأحواز ثم كان في أقليم فارس كثير من الحنفية ثم غلب عليها المذهب الشيعي الإثنا عشري المنسوب للإمام جعفر الصادق... أما الهند فيكاد المذهب الحنفي ينفرد بالسلطان ومسلمو الصّين أكثرهم من الحنفية...

إمام وشهيد آخر... ترك أثراً كبيراً في العالم الإسلامي ولازال أثره باقياً إلى اليوم، ويكفي أن كل عقود الزواج تتم وفق المذهب الحنفي، لأنه كان أول من قال بإن الزواج علاقة شراكة بين فردين تقتضي وجود عقد نكاح،،،

أقيمت له صلاة الجنازة أكثر من مرة يوم وفاته لما حضي به من حب وتكريم من قبل عامة الناس... شخصية أخرى تحبس الأنفاس وتثير في النفس الكثير... أرجو أن نتعلم منها ونقتدي بها في بعض أمور حياتنا،،،








 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-21-2018, 01:53 PM   #25


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( الثالث و العشرون )


الموضوع : الإمام جعفــــــــــر الصادق







الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبدالله القرشي الهاشمي العلوي المدني، جعفر بن محمد بن علي زين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عبد مناف بن شيبة وهو عبد المطلب ابن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي، وأمه أم فروة (وقيل فاطمة) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي أبكر.

جده لأبيه الإمام علي زين العابدين بن الحسين، رضي الله عنهما، وجده لأمه أعيمش قريش سيد فقهاء المدينة القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه... ولد عام 80 هجرية، وأدرك جديه وأخذ عنهما الكثير، وشب في بيت النبوة ينهل من علم أبيه وجده مع عمه الإمام زيد بن علي والذي ولد في نفس العام... يعتقد بأنه رأى أنس بن مالك وسهل بن سعد، حدث عن أبيه الإمام الباقر وعبيدالله بن أبي رافع وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح وجده القاسم بن محمد، ونافع مولى ابن عمر والزهري، وكغيره من آل البيت رضوان الله عليهم، لم يكن بالمكثر إلا في مرويات أبيه.

ورث علم آبائه رضوان الله عليهم، وورث علم جده القاسم بن محمد فكان أن جمع فقة العترة وفقة المدينة، وينسب إليه اليوم المذهب الجعفري الذي تعتنقه الشيعة الإمامية الأثنا عشرية، والإمام جعفر عندهم هو الإمام السادس.

تزوج الإمام جعفر الصادق من أبنة عمه فاطمة بن الحسين بن علي وأنجبت له اسماعيل وعبدالله وأم فروة، وأنجبت له أمهات الأولاد أولاد شتى ومنهم موسى وأسحاق ومحمد والعباس وعلي وأسماء وفاطمة. أما ولده البكر اسماعيل فتوفي في حياة أبيه بعد أن أنجب محمداً... ويبدو أن بعض الشيعة في ذلك الزمن لم يصدقوا قصة وفاة اسماعيل وأدعوا بأنه حي وأن أبوه أقام جنازة وهمية ليخفي دعوة أبنه عن العباسيين المتربصين بهم، وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق رحمه الله، أنشقت هذه المجموعة عن الشيعة ودعت بالإمامة لمحمد بن اسماعيل بن جعفر، وكانت تلك بداية الفرقة الإسماعيلية التي تنسب أفكارها ومعتقدتها الغريبة إلى الإمام جعفر أيضاً.
حدث عنه أبنه موسى الكاظم، وأبو حنيفة وسفيان الثوري ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وخلق كثير، وله العديد من الروايات في كتب الصحاح، وأن كان بعض أئمة الصحاح آثروا عدم نقل مروياته لضعف بعض الرواة أو لعدم الوثوق برواياتهم، إلا أن علماء عصره ومن جاء بعده شهدوا بأنه ثقة وصادق الحديث ومن أئمة المدينة.

لن أقتبس كثيراً من أقوال العلماء والمؤرخين، ولن أشرح وأطيل في الشرح فلعل البعض قد يستنكر وجود هذه الشخصية هنا، وللأسف تألمت كثيراً عندما فكرت بقراءة بعض ما كتب عن هذا الإمام الجليل في بعض المنتديات، وهالني جهل البعض بالمكانة التي يجب أن ننزل بها الإمام جعفر الصادق، وأقتبس لكم هنا أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية (وأتمنى أن لا ينكر البعض ابن تيمية):

§ "وجعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين ، أخذ العلم عن جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعن محمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر والزهري وعطاء بن أبي رباح وغيرهم ، وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن جريج وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وحفص بن غياث ومحد بن إسحاق بن يسار " منهاج السنة 4/ 52.

§ " وأيضا جعفر الصادق أخذ عن أبيه وعن غيره كما قدمنا ، وكذلك أبوه أخذ عن علي بن الحسين وغيره ، وكذلك علي بن الحسين أخذ العلم عن غير الحسين أكثر مما أخذ عن الحسين ، فإن الحسين قتل سنة إحدى وستين وعلي صغير (وهذا يثبت وجهة نظري في في أن علي بن الحسين رضي الله عنهما لم يكن في سن الثالثة والعشرين كما تذكر المصادر التاريخية... وقد تناولت هذه النقطة بالشرح عندما كتبت عنه في بداية الموضوع) ، فلما رجع إلى المدينة أخذ عن علماء أهل المدينة ، فإن علي بن الحسين أخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية وأخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب " منهاج السنة 7/ 534.

§ " فإنه قد كذب على جعفر الصادق رضى الله عنه، ما لم يكذب على غيره ، وكذلك كذب على علي رضى الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضى الله عنهم " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 2 ، صفحة 217.

§ " والإسماعيلية والقرامطة والباطنية الثنوية والحاكمية وغيرهم من الضلالات المخالفة لدين الإسلام ، وما ينسبونه إلى علي بن أبى طالب ، أو جعفر الصادق ، أو غيرهما من أهل البيت ، كالبطاقة والهفت والجدول والجفر وملحمة بن عنضب وغير ذلك من الأكاذيب المفتراة بإتفاق جميع أهل المعرفة ، وكل هذا باطل فإنه لما كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم به اتصال النسب والقرابة ، وللأولياء الصالحين منهم ومن غيرهم به اتصال الموالاة والمتابعة ، وصار كثير ممن يخالف دينه وشريعته وسنته يموه باطله ويزخرفه بما يفتريه على أهل بيته وأهل موالاته ومتابعته ، وصار كثير من الناس يغلو إما في قوم من هؤلاء أو من هؤلاء ، حتى يتخذهم آلهة أو يقدم ما يضاف إليهم على شريعة النبي وسنته ، وحتى يخالف كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه السلف الطيب من أهل بيته ومن أهل الموالاة له والمتابعة وهذا كثير في أهل الضلال " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 11 ، صفحة 55.

§ " ولهذا كان أعظم الأبواب التى يدخلون منها : باب التشيع والرفض ، لأن الرافضة هم أجهل الطوائف وأكذبها وأبعدها عن معرفة المنقول والمعقول ، وهم يجعلون التقية من أصول دينهم ويكذبون على أهل البيت كذباً لا يحصيه إلا الله ، حتى يرووا عن جعفر الصادق أنه قال : " التقية ديني ودين آبائي " و التقية هي شعار النفاق ، فإن حقيقتها عندهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهذا حقيقة النفاق ، ثم إذا كان هذا من أصول دينهم صار كل ما ينقله الناقلون عن علي أو غيره من أهل البيت مما فيه موافقة أهل السنة والجماعة يقولون هذا قالوه على سبيل التقية ثم فتحوا باب النفاق للقرامطة الباطنية " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 13 ، صفحة 263.

§ " ونحن نعلم من أحوال أئمتنا أنه قد أضيف إلى جعفر الصادق - وليس هو بنبي من الأنبياء - من جنس هذه الأمور ما يعلم كل عالم بحال جعفر رضى الله عنه أن ذلك كذب عليه ، فإن الكذب عليه من أعظم الكذب حتى نسب إليه أحكام الحركات السفلية ، كاختلاج الأعضاء وحوادث الجو من الرعد والبرق والهالة وقوس الله الذي يقال له قوس قزح وأمثال ذلك ، والعلماء يعلمون أنه بريء من ذلك كله ، وكذلك نسب إليه الجدول الذي بنى عليه الضلال طائفة من الرافضة ، وهو كذب مفتعل عليه افتعله عليه عبد الله بن معاوية أحد المشهورين بالكذب مع رياسته وعظمته عند اتباعه ، وكذلك أضيف إليه كتاب الجفر والبطاقة والهفت ، وكل ذلك كذب عليه باتفاق أهل العلم به ، حتى أضيف إليه رسائل إخوان الصفا ، وهذا في غاية الجهل ، فإن هذه الرسائل إنما وضعت بعد موته بأكثر من مائتي سنة ، فإنه توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه الرسائل وضعت في دولة بنى بويه في أثناء المائة الرابعة في أوائل دولة بنى عبيد الذين بنوا القاهرة ، وضعها جماعة وزعموا أنهم جمعوا بها بين الشريعة والفلسفة فضلوا وأضلوا ، وأصحاب جعفر الصادق الذين أخذوا عنه العلم ، كمالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، وأمثالهما من الأئمة ، أئمة الإسلام براء من هذه الأكاذيب ، وكذلك كثير ما يذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السَلَمي في كتاب "حقائق التفسير" عن جعفر من الكذب الذي لا يشك في كذبه أحد من أهل المعرفة بذلك .. ، وكذلك كثير من المذاهب الباطلة التي يحكيها عنه الرافضة ، وهي من أبين الكذب عليه ، وليس في فرق الأمة أكثر كذباً واختلاقاً من الرافضة من حين نبغوا ، فأول من ابتدع الرفض كان منافقاً زنديقاً يقال له : عبد الله بن سبأ ، فأراد بذلك إفساد دين الإسلام كما فعل "بولص" صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى ، حيث ابتدع لهم بدعاً أفسد بها دينهم ، وكان يهودياً فأظهر النصرانية نفاقاً فقصد إفسادها ، وكذلك كان ابن سبأ يهودياً فقصد ذلك " مجموع فتاوى شيخ الإسلام 35/183 ، وانظر أيضا : منهاج السنة 4/54.

نستخلص مما سبق النقاط التالية:
· الإمام جعفر الصادق هو أحد أئمة أهل السنة والجماعة مثله في ذلك مثل الأئمة الأربعة.
· جمع هذا الإمام علم العترة النبوية وعلم أهل المدينة فأسس قاعدة فقهية عريضة نهل من معينها بعض الأئمة ممن عاصروه كمالك وأبي حنيفة والثوري.
· المذهب الجعفري المنسوب إليه لا يعبر عن آراء وفقة الإمام جعفر، وكذلك المذهب الإسماعيلي المنسوب إليه.
· هو أكثر من كذب عليه من الأئمة، وتجد تناقضاً واضحاً فيما يروى عنه.
· مقولة "التقيّة ديني ودين آبائي" لا تصح نسبتها لإمام جليل من آل البيت النبوي رضوان الله عليهم، لما فيها من زيف وخداع وتدليس لا يليق بأئمة آل البيت، وقد سبق وبينا رأي الحسن المثنى في التقيّة، والإمام جعفر فاق كافة أئمة آل البيت في العلم وحضي بمكانةٍ لما يحضى بها أقرانه لما له من شرف النسب، فمن غير المعقول أن يكون شخص بمثل هذه المكانة منافقاً، يقول ما لا يعتقد في قرارة نفسه.
· كونه من آل البيت فإن هذا يوجب علينا محبة هذا الإمام، ناهيكم عن ذكر مكانته العلمية.


الإمام جعفر وموالاته للشيخين
§ عن علي بن الجعد عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر فقال جعفر: "برىء الله من جارك والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ولقد أشتكيت شكاية (ألم به مرض) فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم".
§ قال ابن عيينة حدثونا عن جعفر بن محمد ولم أسمعه منه قال: "كان آل أبي بكر يُدعون على عهد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، آل رسول الله".
§ قال حفص بن غياث سمعت جعفر بن محمد يقول: "ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، لقد ولدني مرتين".
§ كتب إلى عبد المنعم بن يحيى الزهري وطائفة قالوا أنبأنا داود بن أحمد أنبأنا محمد بن عمر القاضي أنبأنا عبد الصمد بن علي أنبأنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي حدثنا محمد بن الحسين الحنيني حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال: "إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه بريء ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء". وبه عن الدارقطني حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حنان بن سدير سمعت جعفر بن محمد وقد سئل عن أبي بكر وعمر فقال: "إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة".

هذه الأقوال المنقولة عن الإمام جعفر متواترة، ومذكورة في العديد من المراجع التاريخية، وأستغرب من بعض المصادر التي تنكر نسب أمه أم فروة حفيدة الصديق رضي الله عنه، وتنسب إليه من الكلام ما لا يليق بسليل البيت النبوي ووريث علمه وعلم سيد فقهاء المدينة القاسم بن محمد.

قال الذهبي رحمه الله في "السير" (6/255): "وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علمأنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهراً وباطناً، هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلةقد هوى بهم الهوى في الهاوية، فبعداً لهم".

مناظرة الإمام جعفر للرافضي




هذه مناظرة بين الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، مع أحد الرافضة وتوجد منها نسختان: النسخة الأولى نسخة تركيا في خزانة شهيد علي باشا بأسطنبول ضمن مجموع رقمه 2764 حوى عدة رسائل في العقيدة والحديث هذه الرسالة الحادية عشرة منه. النسخة الثانية نسخة الظاهرية وقد وقعت ضمن مجاميعها في المجموع رقم 111 وهي الرسالة التاسعة عشر منه. محقق الكتاب : علي بن عبدالعزيز العلي آل شبل. ا





حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سعيد الأنصاري البخاري - قرائه عليه بمكة حرسها الله سنة خمس وثلاثين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مسافر قال أخبرنا أبو بكر بن خلف بن عمر بن خلف الهمذاني قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أزمة قال: حدثنا أبو الحسن بن علي الطنافسي قال : حدثنا خلف بن محمد القطواني قال : حدثنا علي بن صالح قال : جاء رجل من الرافضة إلى جعفر بن محمد الصادق كرم الله وجهه ، فقال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه السلام فقال الرجل :
1- يابن رسول الله من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال جعفر الصادق رحمة الله عليه : أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
2- قال : وما الحجة في ذلك ؟
قال : قوله عز وجل "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها "{التوبة 40} فمن يكون أفضل من أثنين الله ثالثهما ؟ وهل يكون أحد أفضل من أبي بكر إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
3- قال له الرافضي : فإن علي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع،
فقال له جعفر : وكذلك أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع .
4- قال له الرحل : فإن الله تعالى يقول بخلاف ما تقول !
قال له جعفر : وما قال ؟
قال : قال الله تعالى "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" فلم يكن ذلك الجزع خوفاً ؟ - في نسخة الظاهرية " أفلم يكن.."
قال له جعفر : لا ! لأن الحزن غير الجزع والفزع ، كان حزن أبي بكر أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدان بدين الله فكان حزن على دين الله وعلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن حزنه على نفسه كيف وقد ألسعته أكثر من مئة حريش فما قال : حس ولا ناف!
5- قال الرافضي : فإن الله تعالى قال "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "{المائدة 55} نزل في علي بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الحمد لله الذي جعلها في وفي أهل بيتي "، فقال له جعفر : الآية التي قبلها في السورة أعظم منها ، قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه "{المائدة 54} وكان الارتداد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرتدت العرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجتمعت الكفار بنهاوند وقالوا : الرجل الذين كانوا يتنصرون به - يعنون النبي - قد مات ، حتى قال عمر رضي الله عنه: أقبل منهم الصلاة، ودع لهم الزكاة ، فقال : لو منعوني عقالاً مما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولو أجتمع علي عدد الحجر والمدر والشوك والشجر والجن ولإنس لقاتلتهم وحدي ... وكانت هذه الآية أفضل لأبي بكر.
6- قال له الرافضي : فإن الله تعالى قال " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية" نزلت في علي عليه السلام كان معه أربعة دنانير فأنفق ديناراً بالليل وديناراً بالنهار وديناراً سراً وديناراً علانية فنزلت فيه هذه الآية، فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر رضي الله عنه أفضل من هذه في القرآن ، قال الله تعالى "والليل إذا يغشى " قسم الله ، "والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى " أبو بكر "فسنيسره لليسرى" أبو بكر "وسيجنبها الأتقى" أبو بكر "الذي يؤتي ماله يتزكى" أبو بكر "وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى" أبو بكر ، أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً حتى تجلل بالعباء ، فهبط جبريل عليه السلام فقال الله العلي الأعلى يقرئك السلام ، ويقول : اقرأ على أبي بكر مني السلام ، وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا ، أم ساخط ؟ فقال : أسخط على ربي عز وجل ؟! أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض . ووعده الله أن يرضيه.
7- قال الرافضي : فإن الله تعالى يقول "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله" { التوبة 19} نزلت في علي عليه السلام، فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر مثلها في القرآن ، قال الله تعالى "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى "{ الحديد 10}... وكان أبو بكر أول من أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من قاتل ، وأول من جاهد، وقد جاء المشركون فضربوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى دمي ، وبلغ أبي بكر الخبر فأقبل يعدو في طرق مكة يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا أبا بكر فضربوه ، حتى ما تبين أنفه من وجهه،
وكان أول من جاهد في الله ، وأول من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أنفق ماله ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما نفعني مال كمال أبي بكر".
8- قال الرافضي فإن علياً لم يشرك بالله طرفة عين، فقال له جعفر : فإن الله أثنى على أبي بكر ثناءً يغني عن كل شئ ،قال الله تعالى "والذي جاء بالصدق " محمد صلى الله عليه وسلم ، "وصدق به"{الزمر33} أبو بكر، وكلهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كذبت وقال أبو بكر : صدقت ، فنزلت فيه هذه الآية : آية التصديق خاصةً ، فهو التقي النقي المرضي الرضي ، العدل المعدل الوفي.
9- قال الرافضي : فإن حب علي فرض في كتاب الله، قال الله تعالى "قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى"، فقال جعفر : لأبي بكر مثلها ، قال الله تعالى "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا أنك غفور رحيم"{الحشر10}، فأبو بكر هو السابق بالإيمان ، فالاستغفار له واجب ومحبته فرض وبغضه كفر.
10- قال الرافضي : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما"، فقال له جعفر : لأبي بكر عند الله أفضل من ذلك، حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وليس عنده غيري، إذ طلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابهما -في الظاهرية شبابهم- فيما مضى من سالف الدهر في الأولين وما بقي في غابره من الآخرين ، إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ما داما حيين"، فما أخبرت به أحداً حتى ماتا".
11- قال الرافضي : فأيهما أفضل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر ؟ فقال جعفر :

"يس والقرآن الحكيم" ، "حم والكتاب المبين"، فقال : أسألك أيهما أفضل فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر ، وتقرأ القرآن ؟!
فقال له جعفر : عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في الجنة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة، الطاعن على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه الله ، والباغض لإبنة رسول الله خذله الله .
12- فقال الرافضي : عائشة قاتلت علياً ، وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جعفر : نعم ، ويلك قال الله تعالى "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" {الأحزاب 53}.
13- قال له الرافضي : أتوجد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في القرآن ؟ قال جعفر: نعم ، وفي التوراة والإنجيل، قال الله تعالى "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات " {الأنعام165}، وقال تعالى "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض "{النمل62}، وقال تعالى "ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم"{النور55}.
14- قال الرافضي : يابن رسول الله ، فأين خلافتهم في التوراة والإنجيل ؟ فقال له جعفر : "محمد رسول الله والذين معه" أبو بكر ، "أشداء على الكفار" عمر بن الخطاب ، "رحماء بينهم " عثمان بن عفان ، "تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " علي بن أبي طالب " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " أصحاب محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، " ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل"، قال الرفضي : ما معنى في التوراة والإنجيل ؟ قال : محمد رسول الله والخلفاء من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم لكزه في صدره ! ، وقال : ويلك ! قال الله تعالى "كزرع أخرج شطأه فآزره" أبو بكر " فأستغلظ " عمر "فأستوى على سوقه" عثمان "يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" علي بن أبي طالب "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً "، أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ، ويلك !، حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، ويعطيني الله من الكرامة ما لم يعط نبي قبلي ، ثم ينادي قرّب الخلفاء من بعدك فأقول : يا رب ومن الخلفاء؟ فيقول: عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق، فأول من تنشق عنه الأرض بعدي أبو بكر، فيوقف بين يدي الله، فيحاسب حساباً يسيراً، فيكسى حلتين خضراوتين ثم يوقف أمام العرش، ثم ينادي منادٍ أين عمر بن الخطاب؟ فيجئ عمر وأوداجه تشخب دماً فيقول من فعل بك هذا؟ فيقول : عبد المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ويوقف أمام العرش، ثم يؤتى عثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً فيقال من فعل بك هذا؟ فيقول: فلان بن فلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ثم يوقف أمام العرش، ثم يدعى علي بن أبي طالب فيأتي وأوداجه تشخب دماً فيقال من فعل بك هذا؟ فيقول : عبدالرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ويوقف أمام العرش".
قال الرجل : يابن رسول الله ، هذا في القرآن ؟ قال: نعم قال الله تعالى "وجئ بالنبيين والشهداء" أبو بكر وعمر وعثمان وعلي "وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون"، فقال الرافضي : يابن رسول الله ، أيقبل الله توبتي مما كنت عليه من التفريق بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ قال : نعم ، باب التوبة مفتوح فأكثر من الأستغفار لهم، أما إنك لو مت وأنت مخالفهم مت على غير فطرة الإسلام وكانت حسناتك مثل أعمال الكفار هباءً منثوراً... فتاب الرجل ورجع عن مقالته وأناب .
تم بحمد الله وصلواته على محمد وآله وأصحابه وأزواجه وسلامه ، على يد العبد المذنب الراجي عفو الله الخائف من عقاب الله يوسف بن محمد بن يوسف الهكاري في شهر الله الأحد رجب من سنة تسع وستين وستمائة، رحم الله من ترحم عليه وعلى والديه وعلى جميع المسلمين...

من وصايا الإمام جعفر




أوصى الإمام جعفر أبنه موسى فقال: "يا بني من قنع بما قسم له أستغنى ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن أستصغر زلة غيره أستعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره أنكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به ومن أحتفر بئراً لأخيه أوقعه الله فيه، ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء أتهم... يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك... يا بني قل الحق، لك وعليك تستشار من بين أقربائك كن للقرآن تالياً، وللإسلام فاشياً وللمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً ولمن قطعك وأصلاً ولمن سكت عنك مبتدئاً ولمن سألك معطياً، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في القلوب وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف، و إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن وللمعادن أصولاً وللأصول فروعاً وللفروع ثمراً ولا يطيب ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل ولا أصل إلا بمعدن طيب، زر الأخيار ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها وأرض لا يظهر عشبها".
§ عن الأصمعي قال، قال جعفر بن محمد: "الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، وأستنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد والتقدير نصف العيش وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه فقد عقهما ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة وينزل الرزق على قدر المؤنة ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه الله".


§ عن الإمام مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد قال لما قال له سفيان الثوري: "لا أقوم حتى تحدثني"، قال: "أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله قال في كتابه { لئن شكرتم لأزيدنكم } [إبراهيم 7] وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله قال في كتابه { استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال } [ نوح 10-13] الأية، يا سفيان إذا حزبك أمر من السلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنز الجنة"... فعقد سفيان بيده وقال: "ثلاث وأي ثلاث"... قال جعفر: "عقلها والله أبو عبد الله ولينفعنه الله بها".


§ عن منصور ابن أبي مزاحم حدثنا عنبسة الخثعمي وكان من الأخيار، سمعت جعفر بن محمد يقول: "إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق".
§ يروى عن جعفر بن محمد أنه قال: "إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك فلا تغنم.. فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها".

§ "الفقهاء أمناء الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فأتهموهم".



من روائع الإمام جعفر الصادق في تعليل وتفسير بعض الأحكام:



· روي عن سفيان الثوري أنه قال: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد قد أناخ بالأبطح فقلت: يا ابن رسول الله لم جعل الموقف من وراء الحرم ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله والحرم حدابه والموقف بابه، فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون فلما أذن لهم في الدخول أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم فلما رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجاباً بينه وبينهم أمرهم بزيارة بيته على طهارة... قال سفيان: فلم كره الصوم أيام التشريق؟ قال: لأنهم في ضيافة الله ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه.. قال: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنقع شيئاً؟ قال: ذاك مثل رجل بينه وبين رجل جرم فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك ذاك الجرم.


· سئل الإمام جعفر عن سبب تحريم الربا، فقال: " لئلا يتمانع الناس المعروف"... سبحان الله، لم يتمكن الفقهاء خلال عقود طويلة من وضع أجابات مباشرة حول الحكمة الألهية في تحريم الربا، ولو أستخدمت محركات البحث على النت فلن تحصل على أجابة واحدة وصريحة لسبب المنع والتحريم، وفي العصر الحاضر ظهرت عدة بحوث ودراسات ترتكز على الآثار الناتجة عن العمليات الربوية، ولكن الدارسين لفقه مقاصد الشريعة الإسلامية، أدركوا أن أسباب التحريم ليست بالضرورة أقتصادية وإنما هي أجتماعية بالدرجة الأولى، والإمام جعفر أختصر كل ذلك في اربع كلمات منذ أكثر ثلاثة عشر قرناً.


· قال سفيان الثوري رضي اللهعنه: سمعت جعفر الصادق يقول: "عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فإن تك في شىءفيوشك أن تكون في الخمول، وإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في العزلة والخلوة، فإن لم توجد في العزلة والخلوة فيوشك أن تكون في كلام السلف، والسعيد من وجد في نفسه خلوة تشغله عن الناس".


· من بليغ قول جعفر وذكر له بخل المنصور فقال: "الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه".
من درر أقواله:

· "لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره وستره".
· "ما كل من رأى شيئًا قدر عليه، ولا كل من قدر على شىء وفق له، ولا كل من وفق أصاب له موضعًا، فإذا اجتمعت النية والمقدرة والتوفيق والإصابة فهناك السعادة".
· "تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله هلكة والإصرار على الذنب من مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون."
· " أربعة أشياء القليل منها كثير: النار والعداوة والفقر والمرض".
· وسئل: لم سمي البيتالعتيق؟ قال: لأن الله تعالى عتقه من الطوفان.
· " إذا دخلت منزل أخيك فاقبل الكرامة ما خلا الجلوس في الصدور".
· " البنات حسنات والبنون نِعم، والحسنات يثاب عليها والنعم مسؤول عنها".
· " من لم يستح عند العيب ويرعوِ عند الشيب ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه".
· " إياكم وملاحاة الشعراء فإنهم يضنون بالمدح ويجورون بالهجاء".
· "اللهم إنك بما أنت له أهل من العفو أولى بما أنا له أهل من العقوبة".
· " من أكرمك فأكرمه ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه".
· "ثلاثة لايزيد الله بها الرجل المسلم إلا عزًّا: الصفح عمن ظلمه، والإعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه".
· "المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حقوإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل".
· " للصداقة خمس شروط فمن كانت فيه فانسبوه إليها ومنلم تكن فيه فلا تنسبوه إلى شىء منها وهي: أن يكون زين صديقه زينه،وسريرته له كعلانيته، وأن لا يغيره عليه مال، وأن يراه أهلاً لجميع مودته، ولايسلمه عند النكبات".
· "من لم يغضبْ من الجفوةِ لم يشكر النعمة".

الإمام جعفر والسياسة



كأبيه وجده، أنصرف الإمام جعفر بكليته إلى طلب العلم وأنصرف تماماً عن السياسة، حتى عندما خرج عمه الإمام زيد في ثورته لم يخرج معه وأن شجع الناس على نصرته.


وبعد أن أهتزت أركان البيت الأموي وزادت الفتن والمؤامرات بين أفراده، وشعر الهاشميون بدنو أجل الخلافة الأموية مع بدء تردد شعار "الرضا من آل محمد" في خراسان، أجتمع الهاشميون في الأبواء في أحد موسم الحج، وكان منهم أفراداً من البيت العباسي، وآخرون من البيت الحسني... وخطب فيهم عبدالله المحض ودعا الحاضرين إلى تقديم من يرونه أهلاً للخلافة مع تقديمه لولده محمد النفس الزكية لما ظهر به من علامات المهدي، فأعترض بعض الحاضرون لغياب كبير البيت الحسيني الإمام جعفر، ولعدم ثقتهم بأن محمد بن عبدالله هو الشخص المناسب.


كثرت الروايات في المصادر التاريخية عن أجتماع الهاشميين في الأبواء، ومن الرواة من جزم بحدوث هذا الأجتماع ومنهم من أنكره ومنهم من شكك في الأسماء التي حضرت هذا الأجتماع... وبما أن المنتصر هو من يكتب التاريخ دوماً، فمن من الأولى تحكيم العقل والإقرار بوجود شواهد لحدوث أجتماع من هذا النوع، ولا يتسع هنا المجال لأخذ كافة الروايات وفحصها، فبشكل موجز أنكر مؤيدي الخلافة العباسية حدوث مثل هذا الأجتماع، أو على الأقل أنكروا مبايعة من حضر من بني العباس لمحمد النفس الزكية، وساقوا بعض الحجج التي لا تنفي حدوث هذا الأجتماع نفياً قاطعاً ولا تنفي مبايعة أبو جعفر المنصور بشكل قاطع، أما شيعة البيت الحسيني فأنكر معظمهم حدوث هذا الأجتماع لعدة أسباب من أهمها أن الإقرار به فيه هدم لركن مهم في العقيدة الأثنا عشرية، وهو الإمامة بالوصاية في الحسينين دون غيرهم من الفاطميين، وهي وصية متوارثة فيهم وترشيح عبدالله المحض لولده محمد فيه أنكار من كبير العلويين في زمانه عبدالله المحض لهذه الوصية... أما روايات آل البيت الحسنيين فتؤكد حدوث هذا الأجتماع ويؤيدهم في ذلك الزيديون.




ومع الأخذ بعين الأعتبار أن الدعوة العباسية كانت قائمة بالفعل بشكل سري قبل ذلك الأجتماع بعقدين من الزمان على الأقل، وتحت شعار "الرضا من آل محمد" فإن أنظار الأمويين كانت تتجه دائماً إلى العترة النبوية من أبناء علي وفاطمة رضي الله عنهما، وهو ما شكل غطاءاً مناسباً للعباسيين يتيح لهم التحرك دون رقابة، ومبايعة النفس الزكية جزء من ذلك الغطاء.



وما أحب أن أشير له في هذه القصة وهو رأي بنيته بعد قراءة مصادر معتدلة وحيادية لعلماء من أهل السنة، نقطتان مهمتان:




الأولى: أن أبا جعفر المنصور بايع محمداً وقد نقلت بعض المصادر التاريخية مقولته التالية" لأي شيء تخدعون أنفسكم، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع أستجابة منهم إلى هذا الفتى"... والدليل على هذه المبايعة هو مراسلاته مع محمد النفس الزكية بعد أن تولى أبا جعفر الخلافة وذاق حلاوة السلطان، ومحاولاته أنتزاع أعتراف من النفس الزكية بأحقية بني العباس بالخلافة بحجة أن العم أحق بأن يرث من البنت وأبن العم، في أشارة إلى فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم يكتف ذلك بل جعل الحكم العباسي حكم شرعي لا يخالفه مسلم... هذه المراسلات وأن لم تتضمن ذكر أمر المبايعة فإنها لا تخفي أن أبا جعفر وجهها للنفس الزكية دون سواه من شيوخ البيت العلوي وكبرائهم، وهي تعكس رغبته في نزع أعتراف شرعي بالحكم العباسي من النفس الزكية دون سواه... وسبب خوف أبو جعفر المنصور وخشيته من محمد النفس الزكية أن محمداً كما ذكرت سابقاً يلقب بالشبه لشدة شبهه بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من العباد الزهاد والمعتزلين، عالم بالفقة والحديث له عدة روايات في كتب الصحاح، وذا قوةٍ وبأس شديدين، والأهم من ذلك أن له شامةً بين كتفيه بحجم بيضة الحمامة تشبه الشامة بين كتفي أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... كل هذه الصفات جعلته محط أنظار أهل الحجاز وموضع محبتهم وتقديرهم، وتأويلهم بأنه المهدي المنتظر الذي يملئ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فالصفات التي وردت في الأحاديث النبوية تنطبق على محمد النفس الزكية، ولكن بني العباس بما ورثوه من علم عن جدهم ابن عباس رضي الله عنه، تأولوا أحاديث المهدي بطريقة مختلفة جعلتهم يعتنقون فكرة أن المهدي المنتظر هو من بني العباس، كما أن ثورة النفس الزكية كما تصفها المصادر التاريخية لم تكن خاصةً بالبيت الحسني فقط، ففي مقولة لأبي جعفر المنصور لأحد قادته، تناقلتها كتب التاريخ قال: "خرج عليَّ رجلٌ من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذو علمٍ وزهدٍ وورع، وقد اتَّبعهوُلْدُ عليّ وولد جعفر وعقيل، وولد عمر بن الخطَّاب، ووُلد الزبَيْر بن العوَّام،وسائر قريش، وأولاد الأنصار"... يتضح لنا أنها لم تكن ثورة فرد أو عشيرة، إنما هي ثورة لكبرى البيوت في المدينة ومكة، بل أن بعض المعتزلة في العراق وأتباع الإمام زيد خرجوا لنصرة هذه الثورة قبل أن تقضي عليهم الجيوش العباسية الخراسانية.




لم تقتصر ثورة النفس الزكية على هؤلاء وحسب، بل أن الإمامين مالك وأبو حنيفة أفتيا بجوازها و بايعاه على السمع والطاعة وكان أبو حنيفة يناظر قادة الجيش العباسي محاولاً أقناعهم بالعدول عن محاربة محمد النفس الزكية، والإمام مالك أصدر فتوى تجيز للناس خلع بني العباس من الخلافة لأنهم بايعوا مكرهين، وهو ما أدى إلى سجن الإمام أبو حنيفة وضرب الإمام مالك بالسياط حتى خلعت كتفه... وهو ما أعتبر فيما بعد أكبر أخطائهما من قبل بعض العلماء.




الثانية: ما كان من الإمام جعفر تجاه هذا الأجتماع، فمعظم الروايات تذكر أنه لم يحضر الأجتماع وأن عبدالله المحض أرسل إليه من يطلب منه الحضور، فلما وصل أبلغه بمعزل عن الحاضرين بما أتفق عليه الحاضرون في الأجتماع، فرد عليه الصادق: " إنك شيخ، وإن شئت بايعتك، وأما أبنك فوالله ما أبايعه وأدعك"... مما أغضب عبدالله المحض غضباً شديداً، فقال له الصادق: " إن هذا الأمر والله ليس إليك ولا إلى أبنيك، وإنما هو لهذا (وأشار بيده للسفاح) ثم لهذا (وأشار إلى المنصور)، ثم لولده من بعده ولا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان ويشاوروا النساء" فرد عليه المحض بقوله: " والله يا جعفر ما أطلعك الله على غيبه وما قلت هذا إلا حسداً لأبني"... فقال الصادق: " لا والله ما حسدت أبنك، وأن هذا (وهو يشير إلى أبي جعفر) يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده".




أختلفت الروايات في الأتفاق على تفاصيل أقوال الإمام الصادق، وفيها ما يقل عن ما نقلت لكم وفيها ما يزيد عن ذلك، وبغض النظر عن الأشخاص وترتيب خلفاء البيت العباسي وذكر القتل، إلا أن هناك ملاحظات مهمة يمكن أستنتاجها من تلك المحاورة:



· أن الإمام الصادق رفض مبايعة النفس الزكية، لأنه رأى أن في القوم من هو أكفأ منه وهو أبيه عبدالله المحض، وهو ما يؤكد بطلان فكرة الإمامة المنصوص عليها.


· أنه لم يدعو لنفسه بالرغم من أنه قد يجد القبول عند الهاشميين وغيرهم.


· قد يظن القارئ أن في كلام الإمام الصادق أخبار بالغيب، وهو ما نفاه عبدالله المحض بقوله لجعفر بأن الله لم يطلعه على الغيب، وفي هذا أنكار من أحد شيوخ آل البيت بما يدعيه أشياعهم عن علمهم لأمور الغيب.



ولا خلاف أن الله سبحانه تعالى يخص بعض عباده ممن صفت نفوسهم ونقت سريرتهم بأمور قد لا يدركها العقل البشري، وهي أقرب للفراسة الصادقة أو ما وصفه بعض العلماء بالكرامة أو الإلهام... ونحن هنا لا نؤكد هذه الأمور ولا ننفيها، وهناك شواهد كثيرة من تاريخ السلف تؤكد حدوث مثل هذا النوع من الحدس أو الإلهام، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قصة الفاروق رضي الله عنه، عندما أجرى الله سبحانه وتعالى على لسانه "يا سارية الجبل" وكان سارية بن زنيم في معركة ضد الفرس وعلى وشك الهلاك فسمع هاتفاً يقول "يا سارية الجبل" فأعتصم بالجبل ونصره الله عز وجل على الفرس... وبالرغم من وجود من ينكر هذه القصة من الرواة إلا أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيدها في مجموعة فتاواه ووصفها بأنها من كرامات الله لأوليائه الصالحين، وكذلك رؤية مسلمة بن عبدالملك بن مروان لسقوط دولتهم في المشرق وقيامها في المغرب، وما ظهرت من كرامات لعقبة بن نافع عند فتح شمال أفريقيا، وغيرها الكثير.


ويروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لو كان في هذه الأمة محدثون لكان عمر"، في أشارة لما كان يتمتع به من فراسة وحدس.



فليس بغريب أن يكون شخص بمكانه الإمام جعفر ونسبه وصدقه وعبادته، وأتفاق فرق وطوائف الأمة على فضله من أولياء الله، ولم يقل ما قال متباهياً أو مفاخراً وإنما قاله نصحاً وأرشاداً لأبناء عمومته، فقد كان على أتصال وثيق بالناس ولابد أنه لاحظ تحركات العباسيين وأستشعر ما يسعون إليه.






لقب الصادق




وقد وقع ما قاله الإمام جعفر فتولى السفاح الخلافة وخلفه أخوه أبو جعفر، فعلم عبدالله المحض أن جعفراً لم ينطق إلا بالحق فأسماه الصادق، فأصبح لقبه مذ ذاك الحين جعفر الصادق.... وهذه القصة أقرب للتصديق بأنها السبب في تلقيب الإمام جعفر بالصادق، فالقصة الثانية محض أفتراء وبعيدة كل البعد عن التصديق.






موقف الإمام جعفر من بعض القضايا التي أثيرت في عصره:




هذه المواقف مما أتفق عليه علماء السنة وتناقلته العديد من المصادر الموثوقة، أما ما يطرح الآن عن آراء الإمام جعفر الصادق فمعاذ الله أن تنسب له.




· خلق القرآن، أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره في أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى وهو ليس بمخلوق، وهو رأي أئمة العترة وجمهور فقهاء الأمة.


· خلافة الشيخين رضي الله عنهما، أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره ومن تبعهم بإقرار الخلافة للخلفاء الراشدين بنفس الترتيب، وهو في ذلك لم ينكر مكانة الإمام علي رضي الله عنه، ولكنه يقر بفضل من سبقوه وسابقتهم في الإسلام.


· نفى العصمة، وعلم الغيب والإلهام الإلهي عن آل البيت وفي ذلك قال حماد بن زيد عن أيوب سمعت جعفراً بن محمد يقول: "إنا والله لا نعلم كل ما يسألوننا عنه ولغيرنا أعلم منا"... والمتتبع لأقوال آل البيت الحسينين رضوان الله عليهم، يجد مقولات مشابهة... ويقول الإمام جفعر أيضاً: " كيف أعتذر وقد احتججت وكيف أحتج وقد علمت".


· بالرغم من جدارته وأهليته لتولي الخلافة كما شهد له أهل عصره ومن تبعهم، إلا أنه لم يسعى إلى الخلافة ولم يدعو لنفسه وهناك الكثير من الشواهد التي تدل على ذلك في سيرته.


· قصة أجتماع الأبواء وما تناقله الرواة عنه (أن صحت... وعلى الأقل هناك شواهد لها) والأحداث التي حدثت بعدها تؤكد حقيقة أن الإمامة ليست كما يدعي الأثناعشرية نقلاً عن الإمام جعفر، بأنها بالوصاية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في أولاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، بل أن الإمام جعفر وافق رأي الأئمة الأربعة في أن الإمامة في قريش، وقد يكون خص من قريش البيت العلوي الفاطمي كرأي عمه الإمام زيد، ولكنه لم يحصرها في البيت الحسيني ولم يذكر فكرة الإمام المكتوم ورجعته في المصادر الموثوقة والتي هي بين أيدينا.


· قد تتشابه بعض آرائه وآراء عمه الإمام زيد والإمام أبو حنيفة والمعتزلة فيما يتعلق بمنزلة مرتكب الكبيرة والقدر، ولا ننسى أن المعتزلة ينسبون الفكر الأعتزالي إلى آل البيت العلويين.


· أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره في عدم جواز الخروج على الحاكم إلا في ظروف معينة، خوفاً من الوقوع في الفتنة.



بناءاً على ما تقدم نلاحظ أن الإمام جعفر هو كما وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية، أحد أئمة أهل السنة والجماعة حيث أتفق معهم أكثر مما أختلف، مع وجود بعض التشابه في الآراء بينه وبين عمه الإمام زيد وذلك منبعه وحدة المصدر الذي انطلقا منه، وهناك بعض التشابه في أفكاره مع أفكار المعتزلة الذين ينسبون بدورهم الفكر الاعتزالي إلى أئمة آل البيت رضوان الله عليهم.



في علمــه وحكمته:




· سُئل أبو حنيفة يوماً: من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيىء له من مسائلك الصعاب فهيأت له أربعين مسألة ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي فجلست ثم التفت المنصور إلى جعفر فقال: يا أبا عبد الله تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها قد أتانا... (يقصد أنه رأه في المدينة)، ثم قال المنصور: يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله، فابتدأت أسأله فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا (أختلاف أجتهادات فقهاء العراق) وأهل المدينة يقولون كذا وكذا (في أشارة إلى أختلاف أجتهادات فقهاء المدينة)، ونحن نقول كذا وكذا (وهنا أشارة إلى أختلاف أجتهادات أئمة العترة) فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعاً... حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة ثم قال أبو حنيفة: " أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس".





· عن عمرو بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين، قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: "سلوني سلوني"... وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي".



· حدثنا أبو أحمد الغطريفي حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي حدثنا علي بن عبد الحميد حدثنا موسى بن مسعود حدثنا سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر إليه تعجباً فقال: ما لك يا ثوري.. قلت: يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك.. فقال: كان ذاك زماناً مقتراً وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه عزاليه.. ثم حسر عن ردن جبته فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل وقال: "لبسنا هذا لله وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه".



· كان أبو جعفر المنصور في مكة للحج فوقع عليه ذباب فذبه عنه، فألح.. فقال لجعفر بن محمد: لم خلق الله الذباب؟ فقال جعفر: "ليذل به الجبابرة".



· أبرز تلاميذ الإمام جعفر، عالم عربي مسلم ملئ صيته الدنيا وكان له الفضل في الكثير مما وصل إليه علم الكيمياء في العصور الوسطى، ولقب بأبو الكيمياء... وهو جابر بن حيان الأزدي، نشر مجموعة رسائل في الكيمياء والرياضيات تحت إشراف الإمام جعفر وتوجيهه، بل أن هناك رسالة في الفلك تنسب للإمام جعفر لم ينكر نسبتها إليه أحد، فيها من البلاغة والعلم الشيء الكثير.



من دعائه:




جاء في سير أعلام النبلاء عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفرًا يلحد في سلطاني قتلني الله، إن لم أقتله فأتيته فقلت: أجب أمير المؤمنين.. فتطهر ولبس ثياباً فأقبلت به فاستأذنت له، فقال المنصور: أدخله قتلني الله إن لم أقتله، فلما نظر إليه مقبلاً قام من مجلسه فتلقاه وقال: مرحبًا بالنقي الساحة البريء من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي، فأقعده معه على سريره، وأقبل عليه بوجهه وسأله حاله ثم قال: سلني حاجتك فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطائهم فتأمر لهم به.. قال: أفعل ثم قال: يا جارية، إئتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وأنصرف، فأتبعته فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: "اللهم أحرسني بعينك التي لا تنام وأكنفني بركنك الذي لا يرام وأحفظني بقدرتك علي ّ ولا تهلكني وأنت رجائي، رب كم من نعمة أنعمت بها عليّ قل لك عندي شكرها، وكم من بلية أبتليتني بها قل لها عندك صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدًا، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، أعني على ديني بدنيا وعلى آخرتي بتقوى، وأحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت، يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة أغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجًا قريبًا وصبرًا جميلاً والعافية من جميع البلايا وشكر العافية".





وفاته:



تشير المصادر إلى أن الإمام جعفر فارق الحياة في شوال عام 148 هجرية وهو في كامل قوته وعطائه في عمر الثامنة والستين... وقد أثار البعض وجود شبهة في أنه مات مسموماً بإيعاز من أبي جعفر المنصور، ولكن لا يوجد دليل على كذلك، بل أن اليعقوبي في تاريخه ذكر بأن أبي جعفر المنصور حزن حزناً شديداً وبكى حتى أبتلت لحيته وقال لأحد جلاسه أن جعفراً ممن قال الله فيهم: " ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا".





يروى عن الإمام مالك أن الرجل الصادق لا يصيبه خرف الشيخوخة ولا يفقد وعيه عند الحشرجة... ومن يكون أصدق ممن أجمع خصومه وأوليائه والتاريخ على صدقه... كان رضي الله كدأبه طوال حياته حتى لحظاته الأخيرة هادياً ومرشداً، وشدد في وصيته بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها فهي عمود الدين.




ونقل الإمام الزواوي في كتابه المؤلف في مناقب الإمام مالك، رحمه الله: " أن قوماً منأهل الكوفة، دخلوا على جعفر الصادق في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله، فسألوه أن ينصب لهم رجلاً بعده يرجعون إليه في أمر دينهم، فقال: " عليكم بقول أهل المدينة،فإنهاتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، عليكم بآثار من مضى، فإني أعلمكم أني متبع غير مبتدع، عليكم بفقه أهل الحجاز، عليكم بالميمون المعان المبارك في الإسلام، المتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أمتحنته فوجدته فقيهاً فاضلاً، متبعاً مريداً، لا يميل بهالهوى، ولا تزدريه الحاجة، ولا يروي إلا عن أهل الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أتبعتموه أخذتم بحظكم من الإسلام،وإن خالفتموه ضللتم وهلكتم، ألستم تقولون إني ملئ من العلم، غير محتاج إلى أحد من الخلق، فإنه قد أخذ عني كل ما يحتاج إليه، فلا يميل بكم الهوى فتهلكوا، أحذركم عذاب الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم...قالوا:من هو ؟ قال: مالك بن أنس" .... هذا والله أعلم،،،






الختام





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-21-2018, 04:14 PM   #26



آفراح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 20
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : اليوم (05:47 AM)
 المشاركات : 15,156 [ + ]
 التقييم :  1818
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



جوزيت كل خير وبورك فيك
تحية


 
 توقيع : آفراح

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-26-2018, 06:09 PM   #27



محمد العتابي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : 03-23-2024 (06:13 PM)
 المشاركات : 22,615 [ + ]
 التقييم :  6412
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: اعلام الائمة



جزاك الله خيرا واسعدك اخي السعيد على الطرح والمجهود الطيب
تحياتي


 
 توقيع : محمد العتابي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 11-05-2018, 10:48 AM   #28
سليلة الأبجدية



عاشقة الأنس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 390
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-22-2023 (09:39 AM)
 المشاركات : 4,471 [ + ]
 التقييم :  2789
 الدولهـ
Algeria
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



في ميزان حسناتك وبارك الله فيك


 
 توقيع : عاشقة الأنس

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الائمة, اعمال


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سيرة الائمة الاربعة السعيد ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية 12 05-28-2019 02:51 AM
اعمال مطلوبه قبل شهر رمضان المبارك محمد العتابي رِيَاض نَفَحَاتٌ رَمَضَانِيَة 3 05-20-2018 03:43 AM
اعمال متنوعه الدنيا فناء رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 4 01-10-2017 06:25 PM
اعمال فنية بالسمك جودي رِيَاضُ الصُوَر المَنْقُولَة 3 07-05-2014 05:57 AM


الساعة الآن 06:19 AM