حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ قَنَادِيـل الفِكـر بـ الحُجَّة وَ البيَان ~| > رِيَاض الدُرَرُ المَنْثُــورَة .. " للْمَنْقُــول"

رِيَاض الدُرَرُ المَنْثُــورَة .. " للْمَنْقُــول" ( مَاتَشْتَهِيهِ ذَائِقَتَكُم مِن مَقَالَات وَ مَوَاضِيعٌ مَنْقُـــولَة )

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 12-14-2018, 09:24 PM   #1



الصورة الرمزية منال نور الهدى
منال نور الهدى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : يوم أمس (09:41 PM)
 المشاركات : 22,812 [ + ]
 التقييم :  6713
 الدولهـ
algeria
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 الاوسمة
صاحب الموقع 
لوني المفضل : Darkgreen


افتراضي الفرح والغضب



الفرح كسائر ما يَعْرِضُ للنفوس ، فهو حكم يَتَرَاوَحُ ، فَتَارَةً يكون محمودا كما في قوله تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) ،
فلا يكون الفرح إلا بالخير الذي يَرْضَاهُ الله ، جل وعلا ، وأخرى يكون مذموما كما في قوله تعالى : (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) ،
فقال القوم ولا يخلو الكلام من دلالة الإيجاز بحذف المضاف ، على تقدير : وقال له بعض قومه ، فكان من دلالة اللام في "له" ما يفيد التَّبْلِيغِ ،
ولم يقل القوم كلهم ، بداهة ، بل قال بعضهم فذلك يشبه من وجه ما اصطلح أنه من العام الذي يُرَادُ به خاص ، أو ما هو عام قَدْ خُصَّ بالعقل ،
والتخصيص بالعقل مِمَّا اشْتُهِرَ في كلام أهل الشأن سواء أقيل إنه من المجاز أم ليس منه ، فَلَمْ يَقُلْ ذلك إلا الذين أوتوا العلم ، كما قد أبان عنه السياق
في مَوْضِعٍ تَالٍ ، فـ : (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) ، فقال له قومه :
(لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) ، فكان من النهي ما أَفَادَ التَّحْرِيمَ ، فَتِلْكَ دلالة النَّهْيِ في وضع اللسان الأول ،
ولا يخلو من دلالة التحذير والزَّجْرِ ، فكان النهي الذي يَنْصَرِفُ إِلَى النهي عن الاسترسال لا النهي عن المبادئ فلا يكاد يسلم منه أحد ،
وَلَوْ وَسْوَاسًا يَعْرِضُ ، فلا يُنْهَى الإنسان عَمَّا لا يطيق دَفْعَهُ فالوسواس ليس من عمله إنشاء ، وإنما يُؤَاخَذُ بِمَا يكون من عمله استرسالا ،
فيشبه ذلك ، من وجه ، النهي عن الغضب في قول صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "لاَ تَغْضَبْ" ،
فليس ذلك نَهْيًا عن العرض فلا يكاد يمنعه أحد إذا حصلت أسبابه في الخارج ، وإنما النهي عن الاسترسال فضلا عن تَقْيِيدٍ بمواضع أخرى ،
فمن الغضب ما يحمد فليس كله يُذَمُّ بل من الغضب ما يَجِبُ حَمِيَّةً للوحي أن يُعَطَّلَ أو يُحَرَّفَ ،
فكان من وصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
"مَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ قَطُّ إلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ بها لله" ،
فكان من النَّفْيِ ما تَسَلَّطَ على المصدر الكامن في الفعل "انْتَقَمَ" ، وَثَمَّ عموم آخر إذ "شيء" نكرة في سياق نَفْيٍ ،
فأفادت العموم في قياس اللسان الأول ، وكان من القصر ما حُدَّ بأقوى الأساليب ، النَّفْيِ والاستثناء ، وهو ما يحمل على الحقيقة بِقَرِينَةِ العصمة ،
فلا يغضب صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا لانتهاك الحرمة ، وإضافتها إلى رب العزة ، جل وعلا ، مما يجري مجرى العموم ، فهي الحرمات ،
ولا تخلو أن تكون من الأوامر والتكليفات وذلك ما يرشح في الإضافة أنها من إضافة الحكم إلى الحاكم أو الوصف إلى الموصوف
فإن حرمات التكليف من وصف الرب الحميد المجيد ، تبارك وتعالى ، فهي تجاوز ما قد يَتَبَادَرُ من معنى الحرمة الذي يَنْصَرِفُ
إلى المحرَّم في الاصطلاح ، فهو يستغرق كل ما جاء به الوحي ، من الخبر والحكم ، فكان من الإضافة ما استغرق كل وحي ، من الأمر والنهي ،
من الإثبات والنفي ، ولا تخلو الإضافة ، من وجه آخر ، أن تكون من إضافة المخلوق إلى الخالق ، جل وعلا ، بالنظر في فعل الْمُقْتَرِفِ
الذي يخرق ناموس الوحي وَيَهْتِكُ أستار الشرع بما يُقَارِفُ من المحرمات ، فالحكم قد نَزَلَ من السماء فهو من وصف ذي الجلال والإكرام ، جل وعلا ،
وَفِعْلُ العبدِ إذ يمتثل أو يخالف ، فعل العبد من خلق الرب ، جل وعلا ، فلا تَعَارُضَ إذ الجهة قد انْفَكَّتْ ، فجهة الفعل من الخالق ، جل وعلا ،
تُغَايِرُ عن جهة الخلق لأعيان المخلوقين وأقوالهم وأفعالهم سواء أكانت على جادة الوحي أم خالفت عنه ، فكان من الغضب ما يحمد ،
وهو ما صدقته آحاد من الوقائع ، غضب فيها صاحب الشرع أن انْتُهِكَتْ محارم الوحي ، كما في الخبر المشهور ، خبر المخزومية السارقة وفيه :
"أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ،
وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا»" ،

وكما في غضبته إذ كافحه الخارجي بما يقدح ، فأجابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يَفْدَحُ ، فـ : "قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ" ،
فما غضب لنفسه وإنما غضب للرسالة إذ القول يقدح فِيهَا لا سيما على رواية الخطاب لا التكلم ، فَلَقَدْ خَابَ المخاطبُ وَخَسِرَ ،
فإن القدح في صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَدْحٌ في العصمة في البلاغ وَالْبَيَانِ وما يكون من تَأْوِيلِهِ من الأحكام ،
من الأقوال والأعمال ، فَيَضِلُّ التابع بضلال المتبوع فهو خائب خاسر من هذا الوجه ، فالغضبة في هذه الحال تدخل
فِي عموم قول المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "فَيَنْتَقِمَ بها لله" ، فكان من الغضب ، وهو محل الشاهد ، ما يحمد ،
فالغضب لله ، جل وعلا ، هو مناط الحمد ، بل ومناط التكليف ، فَلَا يخلو من إيجاب ولو بالجنان إنكارا هو الأدنى وَتَمَعُّرَ وجه هو ما يظهر ،
فهو يحكي ما قام بالجنان من الإنكار ، فتأويله في الخارج يَتَرَاوَحُ ، فَقَدْ يكون من المكنة ما يَتَأَوَّلُ به الغاضب غضبته في فِعْلٍ يُنْكِرُ به المنكر ،
مع فِقْهٍ به يُحْسِنُ يُرَاجِحُ فلا يغلو ولا يجفو وإنما يجتهد في إصابة الفضيلة فضيلةِ العدل في سائر الأحكام ، فيصدق الفعلُ القولَ ،
ويكون من المكنة ما يَتَأَوَّلُ به الغاضب غضبته في قول فلا يطيق الفعل ، ويكون من العجز ما به يسقط التكليف الظاهر ،
فلا يسقط التكليف الباطن ، ولو تصورا للحق وإرادة للخير ، وإن لم يطق تَأْوِيلَهَا في الخارج ، فَيَتَأَوَّلُ ما أطاق
كما قال أهل الشأن في الصلاة إذ لا تسقط أبدا إلا أن يغيب العقل بسبب يُبَاحُ ، على خلاف مشهور أَيَقْضِي بعد الإفاقة
أم يسقط القضاء لا سيما إن طال زمن الْغَيْبُوبَةِ ، فيقاس على تارك الصلاة إن طال زمن التَّرْكِ ، فيجتهد
في النَّوَافِلِ الجابرة فهي تُتَمِّمُ ما نَقُصَ من الفرض ، فإذا كان ثم عقل فلا يسقط الفرض ، ولو إِيمَاءً بالعين ، فإذا غاب العقل سقط خطاب الإلزام
إذ مناطه العقل وقد غاب فسقط الإلزام ، فالإلزام بالفعل يدور مع مناطه وهو العقل ، يدور معه وجودا وعدما ، خلافا لخطاب الإعلام
فلا يسقط أبدا فهو كالتكليف بالقوة ، فمناطه العقل مطلقا ، سواء أغاب أم حضر ، أَكَمُلَ أم نَقَصَ ، فيكون من التكليف بالقوة إعلاما
ما اتسعت دائرته ما لا تَتَّسِعُ دائرة التكليف بالفعل إلزاما فَبَيْنَهُمَا من العلائق ما اصطلح أنه العموم والخصوص المطلق ،
إذ خطاب الإعلام أعم من خطاب الإلزام ، فخطاب الإعلام يَتَوَجَّهُ إلى كل من صح تكليفه ولو بالقوة فلم يكن
من أهل التكليف بالفعل ، كخطاب الصغير الذي لا يعقل أو الحائض زمن الحيض فخطاب التكليف إعلاما لم يسقط
وإن سقط التكليف إلزاما فهو التكليف بالفعل مباشرة ، فسقط لعارض يطرأ وهو مانع الشرع إذ يمنع الحائض من الصلاة والصيام ،
فإذا ارتفع المانع ثَبَتَ التكليف بالفعل إذ قد خَلَا المحل من الموانع ، فتوجه خطاب الإعلام إلى كل أحد ، موجودا أو معدوما ،
فالمعدوم مكلف لا بالفعل فليس ثم محل موجود يقوم به التكليف ، وإنما تكليفه بالقوة فَلَوْ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ وَبَلَغَ بعد صِغَرٍ
وَاسْتَيْقَظَ بَعْدَ نَوْمٍ وَأَفَاقَ بَعْدَ جنون ، فَلَوْ كان ذلك فَتِلْكَ قرينة ناقلة عن التكليف بالقوة إلى التكليف بالفعل ، فَيَنْتَقِلُ الخطاب
من الإعلام إلى الإلزام ، وهو في نَفْسِهِ يَتَفَاوَتُ فإذا كان ثَمَّ طاقة إتمام فلا عذر يُسَوِّغُ النقصان ،
فذلك العيب الذي ذمه الشرع وذمته الحكمة كما يحكي أبو الطيب في بَيْتِهِ المشهور :
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً ******* كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ .


فكان من النَّفْيِ في "لم أَرَ" ما قَدْ عَمَّ إن بالنظر في تَسَلُّطِهِ على المصدر الكامن في فعل الرؤية المجزوم ، فاستغرق رؤية البصر ورؤية العلم ،

فهو يَنْظُرُ بالباصرة في أحوال من يعاصر ، وينظر بالبصيرة في أحوال من يطالع أخباره وما يَبْلُغُهُ من أَنْبَائِهِ ، فرؤية العلم ، لو تدبر الناظر ،
أعم ، فَبِهَا يطالع ما كان من أخبار السابقين ، وبها يستقرئ ما يكون من أخبار المعاصرين وبها يستشرف ما لم يكن بَعْدُ من أخبار اللاحقين ،
لا كهانة وتخرصا ، وإنما نظرا في سنن التكوين ، سنن الرب القدير الحكيم ،
جل وعلا ، فهو الذي أجرى الكون على ناموس محكم ،
فكان من الرؤية ما قد عم وهو ما يجاوز حد الرؤية البصرية ، وكان من التَّنْكِيرِ في "عَيْبًا" ما أفاد عُمُومًا آخَرَ ، فَضْلًا عن دلالة النوعية
وما يَرْجُحُ من دلالة التعظيم ، فهو عيب عظيم وإن لم يكن الأعظم ، فلا يخلو السياق من المبالغة ، وبعد النفي المجمل
الذي أفاد المخاطب تَشْوِيقًا كان البيان في الشطر الثاني ولا يخلو من دلالة الطباق إيجابا على وجه به يَزْدَادُ المعنى تَقْرِيرًا وَتَوْكِيدًا ،
وبه انقطاع العذر ، فلا يخلو ذكر القادرين من احتراز فليس ثم من العجز ما به يسوغ العذر ، وإذا كان ثم بعض طاقة فلا يكلف الله ،
جل وعلا ، نفسا إلا وسعها ، وذلك عموم تَوَاتَرَ في الوحي ومنه استنبط أهل الشأن قواعد وأصولا ، فالقدرة مناط التكليف ،
كما العقل ، إذ العقل مناط النظر والتصور فلا بد من العلم ، بادي الرأي ، فالتكليف ، كما يُقَرِّرُ أهل الأصول ،
لا يكون إلا بمعلوم مقدور معدوم ، فلا بد من العلم أولا ، ومناطه العقل ، ولا بد من القدرة ثانيا ، ومناطها الجوارح ،
سواء أكانت باطنة أم ظاهرة فَثَمَّ من التكليف الباطن ما يَتَفَاوَتُ فيه الناس كما في الأثر المشهور :
"مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ؛ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ" ،

فالوحي لم يأت بمحال لا يَتَصَوَّرُهُ العقل وإن كان ثَمَّ في خطابه ما يجري مجرى الفرض لمحال لا على حد الإقرار بجوازه وإنما تَنَزُّلًا في الجدال مع المخالف ،
فلم يأت الوحي بمحال ولكنه أتى بمحار يحار العقل في حده ، وقد يكون منه أَنْبَاءٌ لا يُطِيقُهَا كل عقل فإن لم يكن له من العلم ما به
يحكم حكومة العدل فلا يَتَعَجَّلُ في إِثْبَاتٍ أو نَفْيٍ ، بل عنده من الحلم والأناة ، وعنده من آلة الفهم والاستنباط ، فإن لم يكن
ثَمَّ عقل هذا وصفه فلا يشرع التحديث بل قد يكون فتنة ، فليس ثم طاقة في هذا المحل المخصوص ، وإن كان ثم محال أخرى
تُطِيقُ الخبر فعندها من الرسوخ والفقه ما ليس للأولى ، ولا يكون ذاك ، بداهة ، في أصول الدين التي لا يحصل أصل الإيمان
ولا كماله الواجب إلا بِهَا ، وإنما يكون في فضول من الأخبار لا سيما قصص الأولين وما فيها من الخوارق والآيات ،
فلا يطيقها كل أحد ، فالفقه ، كل الفقه ، أن يخاطب كل أحد بما يطيق فذلك ، كما تقدم ، مما يدخل في الأصل المحكم أن : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ،
فلا تكليف إلا بمقدور فإن زال العقل فلا تكليف أبدا ، وإن كان المحل محل تكليف بالقوة بما جُبِلَ فيه من غريزة العقل
وإنما قام المانع من الفساد بجنون أو نحوه ، فسقط التكليف فعلا وإن لم يسقط قوة ، وإذا عجز العقل أن يبلغ الحديث
فهو عجيب وإن لم يكن محالا ، إذا كان ذلك فالفقه ألا يكلف هذا العقل المخصوص ما لا يطيق ، وإن تَوَجَّهَ التكليف
إلى غيره إذ يطيق ما لا يطيق الأول فعنده من الرسوخ والعلم ما به يَقْبَلُ الْخَبَرَ ، فلا مشقة تحصل له ولا حيرة تَعْرِضُ له خلاف الأول
فَثَمَّ من المشقة ما يجلب التيسير ، فلا يُعَسِّرُ الفقيه ما قد يَسَّرَ الرب الحميد المجيد ، جل وعلا ، ولا يُكَلَّفُ ضعيف العقل
ما لا يطيق من دقيق الخبر ، فالفقه أن يَقْصُرَهُ على الأصول وما لا تَبْرَأُ الذمة إلا به من الفرائض والواجبات فلا يخوض معه
في دقيق التأويلات فَيَفْتِنَهُ بعد إيمان ، فكان من التفاوت في التكليف ، ولو في تصور الباطن ، ما يعم كل أمر ونهي ،
فقد يُرْفَعُ التكليف كله ، كما تقدم من تكليف النائم أو المجنون بالصلاة ، فلا يسقط عنه خطاب الإعلام وإن سقط خطاب الإلزام ،
وقد يُرْفَعُ بَعْضُ التكليف ولا يُرْفَعُ كله ، فيجري مجرى الضرورة التي تُقَدَّرُ بقدرها ، فمن لم يطق الصلاة قائما فقاعدا ،
فإن لم يطق فَعَلَى جنب ، كما في خبر عمران بن حصين ، رضي الله عنه ، وهو أصل في هذا الباب ،
ومن لم يطق على جنب فَمُسْتَلْقِيًا على كلام في إسناد الخبر وإن كان صحيح المعنى وإن آلت به الحال إلى لحظ العين .
وكذلك الشأن في الإنكار آنف الذكر ، فإنكار المنكر يَتَفَاوَتُ ، فمن أطاق باليد فلا تَبْرَأُ الذمة إلا به ، ومن لم يطق سقط في حقه بعض التكليف

وهو الفعل فَانْتَقَلَ إلى ما بعده من القول إذ ثَمَّ قَرِينَةٌ جَوَّزَتْ هذا الانتقال من التكليف الأعلى إلى ما هو دونه ، فإن لم يطقه سقط في حقه بعض آخر
وهو القول فَانْتَقَلَ إلى ما بعده وهو الاعتقاد والإرادة الباطنة والغضبة لما يُنْتَهَكُ من محارم الوحي مع عقد النية الجازمة أن يُنْكِرَ باليد أو اللسان إذا أطاق ،
فكل أولئك من الغضب الذي يحمد فَبِهِ الانتصار للشرعة أن تُنْتَهَكَ حدودها وإن وجب فيه التَّحَرِّي في تَحْرِيرِ القصد والنية
فلا يكون ظاهر الأمر انْتِصَارًا للحق وباطنه الانتصار للنفس بما لها من غَرِيزَةِ الانتقام والثأر فذلك دافع جِبِلَّةٍ لا يُنْكَرُ ،
بل قد حُمِدَ في مواضع من الوحي ، فكان من وصف المؤمنين أنهم :

(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ،
وإنما ذُمَّ منه ما يجاوز الحد فَيَكُونُ هو الأصل والباعث لا الانْتِقَامُ لما انْتُهِكَ من حدود الشرع النَّازِلِ .
فكان من النهي عن الْغَضَبِ ما يضاهي النهي عن الفرح ، فلا يُذَمَّانِ في كل حال ، ولا يَتَوَجَّهُ النهي عنهما حال الذم إلى الخاطر والباعث

الذي يخطر لكل أحد فلا يسلم منه ولو وسواسا يعرض ، فخطاب التكليف أن يدافعه فلا يسترسل ، فلا تفرح ، وذلك من التكليف
الذي يستجلب السؤال عن العلة على حد التقدير لمحذوف دل عليه السياق اقتضاء ،

فكان الجواب : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) ،
فلا يخلو الناسخ ، كما تقدم مرارا ، لا يخلو من دلالة التوكيد وهي الأصل بالنظر في وضع اللسان الأول ودلالة التعليل
لما تقدم من قرينة السؤال عن العلة ، فأنيط الحكم وهو انْتِفَاءُ الحب ولازمه ثبوت ضده من البغض والسخط ، أُنِيطَ بالفرح
الذي اشتق منه الوصف المشبه "الفرحين" ، فلا تخلو "أل" فيه من دلالة العموم إما دلالة عموم يستغرق آحاد المدخول فهي مئنة
من بيان جنس وزيادة فيستغرق آحاد الجنس ، وإما دلالة وصل إذا دخلت على مشتق على تقدير : إن الله لا يحب الذي يفرحون ،
فَثَمَّ عموم دل عليه الموصول بالنظر في أصل الوضع الأول في اللسان كما قرر أهل الأصول والنظر في صيغ العموم فمنها الموصول ،
وثم دلالة تعليل يطرد وينعكس إذ أنيط الحكم بالمعنى الذي اشتقت منه الصلة وهو الفرح فدار معه وجودا وعدما ، كما قرر أهل الأصول ،
وذلك مما عم ، من وجه آخر ، بالنظر في دلالة التغليب في ضمير الجمع المذكر في "يفرحون" أو دلالة الجمع السالم في لفظ الآية "الفرحين" ،
فلا يخلو من دلالة عموم يستغرق كل مكلف بما تقدم مرارا من قرينة العموم في خطاب التكليف ، وذلك ما قد خُصَّ
في مَوَاضِعَ يُشْرَعُ فيها الفرح فَلَيْسَ كله يذم ، فكان من فرح المؤمنين بنصر الله ، جل وعلا ، ما حمد صدر الروم ،
فـ : (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) ،
وكذلك الشأن في الغضب فإن النهي عنه في الخبر أن : "لَا تَغْضَبْ" ،
فإن النهي عنه قد أُطْلِقَ في هذا السياق فَقُيِّدَ بمواضع أخرى يُحْمَدُ فيها الغضب ،
فليس كله يذم ، وإنما ذم منه ما جاوز الحد في استيفاء الحق
وإن في حَدٍّ مشروع أو قصاص كما كان من خالد ، رضي الله عنه ، في حق الغامدية ، رضي الله عنها ،
فَلَمَّا سَبَّهَا نهاه صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد تابت توبة نصوحا لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم كما في الخبر المشهور ،
فلا يجاوز المكلف الحد المشروع وإن في استيفاء حق مشروع ، فضلا أن يكون ،
بادي الرأي ، حمية جاهلية يَنْتَصِرُ بِهَا لِنَفْسِهِ على وزان ما قال الجاهلي المتفاخر :
ألاَ لاَ يَجْهَلْنَ أَحَدٌ عَلَيْنا ******* فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينا .


وذلك مما يستأنس به بعض أرباب الجاهلية في هذا العصر ، ولو لسان حال يحكي ما لا يحكيه المقال ، فَيُقَارِفُ ما يُقَارِفُ من أفعال الجاهلية

وإن كان ذا نسبة إلى الوحي الذي نَسَخَ هذه الجاهلية فَأَبَتْ نفوس إلا أن تُحْكِمَ ما قد نسخ الوحي فكان من الحمية ما يذم انتصارا بحق أو بِبَاطِلٍ على وزان ما قال القائل :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت ******* غويت وإن ترشد غزية أرشد .

فكان من النهي عن الغضب ما قد أطلق فَقُيِّدَ بمواضع يحمد فيها الغضب فهي خارجة عن النهي ،

بل الأمر بالغضب فيها يَتَوَجَّهُ انْتِصَارًا لما انْتُهِكَ من حرمات الوحي وأحكامه ،
فَاقْتَصَرَ النَّهْيُ على مواضعِ الذمِّ كما تقدم من حمية الجاهلية قديما وحديثا ،
فالتكليف مما اتصل زمانه فاستغرق ظرف الدنيا كله فهي دار الابتلاء بالتصديق والامتثال ،
وعند الله ، جل وعلا ، تجتمع الخصوم فيكون الحساب والجزاء .
والله أعلى وأعلم .





.

.


 
 توقيع : منال نور الهدى





أطروحاتكم وردودكم الراقية تعكس ما مدى توازن فكركم و ثقافتكم.
جملوا حضوركم بتفاعلكم الذي يترك أثار طيبة وينثر روائح زكية.


رد مع اقتباس
قديم 12-15-2018, 01:25 PM   #2


الصورة الرمزية مداد اليراع
مداد اليراع غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1184
 تاريخ التسجيل :  Jul 2018
 أخر زيارة : 11-11-2022 (08:05 PM)
 المشاركات : 25,611 [ + ]
 التقييم :  6439
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الفرح والغضب



جعلنا الله ممن يغضب مما يغضبه عز وجل
ولانفرح بمصيبة اصابت غيرنا

جميل وكامل الدسم المدوّن هنا اختي القديرة منال


 
 توقيع : مداد اليراع







رد مع اقتباس
قديم 12-15-2018, 01:31 PM   #3



الصورة الرمزية آفراح
آفراح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 20
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : اليوم (05:28 AM)
 المشاركات : 15,156 [ + ]
 التقييم :  1818
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: الفرح والغضب



موضوع قيم جدا سيدتي منال
بورك فيك وفي ما جلبتي لما من روعة
تحية


 
 توقيع : آفراح


كلمة شكر لا تفي حقك على الاهداء مصممتنا المبدعة سوالف احساس على الرمزية والتوقيع


رد مع اقتباس
قديم 12-15-2018, 08:07 PM   #4



الصورة الرمزية منال نور الهدى
منال نور الهدى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : يوم أمس (09:41 PM)
 المشاركات : 22,812 [ + ]
 التقييم :  6713
 الدولهـ
algeria
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen


افتراضي رد: الفرح والغضب



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مداد اليراع مشاهدة المشاركة
جعلنا الله ممن يغضب مما يغضبه عز وجل
ولانفرح بمصيبة اصابت غيرنا

جميل وكامل الدسم المدوّن هنا اختي القديرة منال
تشرفت بحضورك الراقي أخي مداد اليراع
أسعدك الله وحفظك الرحمن


 
 توقيع : منال نور الهدى





أطروحاتكم وردودكم الراقية تعكس ما مدى توازن فكركم و ثقافتكم.
جملوا حضوركم بتفاعلكم الذي يترك أثار طيبة وينثر روائح زكية.


رد مع اقتباس
قديم 12-15-2018, 08:08 PM   #5



الصورة الرمزية منال نور الهدى
منال نور الهدى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : يوم أمس (09:41 PM)
 المشاركات : 22,812 [ + ]
 التقييم :  6713
 الدولهـ
algeria
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen


افتراضي رد: الفرح والغضب



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آفراح مشاهدة المشاركة
موضوع قيم جدا سيدتي منال
بورك فيك وفي ما جلبتي لما من روعة
تحية
الروعة في حضورك غاليتي أفراح
لروحك السعادة


 
 توقيع : منال نور الهدى





أطروحاتكم وردودكم الراقية تعكس ما مدى توازن فكركم و ثقافتكم.
جملوا حضوركم بتفاعلكم الذي يترك أثار طيبة وينثر روائح زكية.


رد مع اقتباس
قديم 12-17-2018, 09:25 AM   #6
سليلة الأبجدية



الصورة الرمزية عاشقة الأنس
عاشقة الأنس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 390
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-22-2023 (09:39 AM)
 المشاركات : 4,471 [ + ]
 التقييم :  2789
 الدولهـ
Algeria
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: الفرح والغضب



مقال رائع بحق افادني جدا
اختيار موفق أستاذة منال
ودي لك


 
 توقيع : عاشقة الأنس


كل الشكر للأستاذة المصممة البارعة سوالف احساس على التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 04-13-2019, 09:53 PM   #7


الصورة الرمزية وجدان
وجدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 368
 تاريخ التسجيل :  Feb 2014
 أخر زيارة : 12-14-2020 (09:51 PM)
 المشاركات : 2,219 [ + ]
 التقييم :  158
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: الفرح والغضب



يسلمووو وماننحرم يااارب
تشكرااات


 
 توقيع : وجدان



تشكرااات كثيراات على التوقيع سوالف القميييلة


رد مع اقتباس
قديم 04-14-2019, 06:10 PM   #8



الصورة الرمزية محمد العتابي
محمد العتابي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : 03-23-2024 (06:13 PM)
 المشاركات : 22,615 [ + ]
 التقييم :  6412
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: الفرح والغضب



جزاكِ الله خيرا اخت منال


 
 توقيع : محمد العتابي





رد مع اقتباس
قديم 10-07-2019, 02:12 AM   #9


الصورة الرمزية سما
سما غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1264
 تاريخ التسجيل :  Sep 2019
 أخر زيارة : 04-22-2020 (04:32 PM)
 المشاركات : 1,057 [ + ]
 التقييم :  337
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: الفرح والغضب



موضوع رائع
يعطيك العافية


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الفرد, والغضب


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معاقد الفرج.. كلماتٌ ثلاث منال نور الهدى رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 6 04-22-2015 06:06 AM
الفرح العابر آفراح رِيَاض الدُرَرُ المَنْثُــورَة .. " للْمَنْقُــول" 3 02-24-2015 11:56 AM
الفرح بولادة البنات منال نور الهدى رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية 2 12-05-2014 07:21 PM
الفرح بطاعة الله منال نور الهدى رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 7 07-20-2014 06:48 PM
سيأتي أوان الفرح آفراح رِيَاض الدُرَرُ المَنْثُــورَة .. " للْمَنْقُــول" 4 03-02-2013 01:33 PM


الساعة الآن 08:38 AM