سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات
منال نور الهدى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) منال نور الهدى : (حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ) منال نور الهدى : (اجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً) منال نور الهدى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) منال نور الهدى : (رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 08-04-2018, 07:29 AM   #1


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي اسماء الله الحسنى 2008 م





بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الاول )

الموضوع : مقدمة - 1 - مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
توطئة:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله.
1 – القوة الإدراكية في الإنسان:
بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة.
فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سر وجوده، وإلى غاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض.

2 – أصلُ الدين معرفةُ الله:
النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضلً معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، وكم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وأن تعرف خالق السماوات والأرض، المسافة كبيرة جداً، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))
[رواه الدارمي في سننه]
والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، فلذلك ما من معرفة تعلو على أن نعرف الله عز وجل:
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))
[ورد في الأثر]
أيها الإخوة الكرام، لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ ؟ نقدره مئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً للحرب، فإنك تقدره مئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
( سورة النساء )
3 – لا شيء يعلو على مرتبة العلم:
لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، وإذا أدرت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
بالمناسبة، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاًَ.

4 – معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر:
أيها الإخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً ؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
كأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قلة، وقد وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي فإننا لسنا ممكَّنين، والله عز وجل يقول:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي (55) ﴾
( سورة النور)
نحن كما في الآية الكريمة، وهذا هو الواقع المرّ، نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾
( سورة مريم)
إذاً: الفرق واضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
على كلٍّ ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، يعني عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية علم نفس، ظواهر اجتماعية علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم.

5 – العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا، والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة:
لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها فيها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات )
العبادة:
1 – تعريف العبادة:س
والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
2 – الكليات الثلاث في العبادة:
هذا التعريف فيه كليات ثلاث، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية:
الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية.
المؤمن ملتزم، المؤمن مقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، عنده فرض، عنده واجب، عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.

3 – العبادات شعائرية وتعاملية:
بالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية منها الصلاة والصوم لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:
(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]
العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين:
هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولا بد من أن يتعرف الإنسان إليها، لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل.
إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
( سورة فاطر الآية: 19 )
العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله ؟ من أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه، فالعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.
العلمُ بأمر الله يحتاج إلى دراسة، والعلم بالله يحتاج على مجاهدة:
لكن بقي العلم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مدرس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة.
أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جل جلاله، فلذلك العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً والعلم بخلقه وبأمره أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.

طرق معرفة الله تعالى:
الحقيقة نحن أمام طرق ثلاثة سالكة:
الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية:
أول بند آياته الكونية، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لا بد من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكراً مستمراً، والفعل المضارع ( يتفكرون ) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته.
هذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
أول شيء، هناك آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يعد مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع الدرس الأول.
ترى في الكون رحمة، إذاً: الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً: الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق إلى معرفة الله.
بالمناسبة في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون.
أيها الإخوة الكرام، بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة تقتضي هذه الآية أن تسعى لدخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشق تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء.
الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ تقتضي هذه الآية أن تفكر في خلق السماوات والأرض.
أيها الإخوة الكرام، ألف وثلاث مئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
هذا طريق سالك إلى الله، وهو التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.
الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى:
هناك طريق آخر، قال تعالى:
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) ﴾
( سورة النحل )
الآن الطريق الثاني في معرفة الله: أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وأراده الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
بالمناسبة، هناك آيات كونية هي خَلقه، وهناك آيات تكوينية هي أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً: طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية.
ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرنا
و لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا
***

آية فيها سلامة الإنسان: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
أيها الإخوة الكرام:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 )
في القلب فراغ لا يملأه المال، ولا تملأه المتع، ولا تملأه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
الإنسان مجبول على حب وجوده، وعلى جب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.
أربع مساحات في الإسلام:
1 ـ مساحة العقيدة:

العقيدة أخطر المساحات الأربع:
أيها الإخوة الكرام، إذا: يمكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل.
بالمناسبة، الإسلام يقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم فأنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سر الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما حكمة المرض ؟ ما حكمة المصائب ؟ لماذا هناك موت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين جئت ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ ولماذا عندك أمن عقائدي ؟
لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يفاجأ مفاجأة صاعقة، أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يفلح.
فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، فالميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة فالوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم فهذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر.
لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك.
للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد شيئا غير صحيح، خرافة أحياناً، شيئا شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق أن الله لو قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾
( سورة محمد )
لا تقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية التقليد مرفوضة، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾
( سورة محمد )
2 ـ مساحة العبادة:
الأصل في العبادات المنعُ والحَظْرُ:
المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، لأن العبادات قربات إلى الله، والله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات )
والعبادة علة وجودنا، بل هي سر وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات دقيقة جداً، ولها مفهومات واسعة.
العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه فلذلك، المساحة الثانية العبادات.

لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية:
أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
هذه الصلاة.
الصوم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
الزكاة، قال تعالى:
﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾
( سورة التوبة الآية: 53 )
شهادة أن لا إله لا الله:
(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))
[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]
فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات.
3 ـ مساحة المعاملات:
والمساحة الثالثة مساحة المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما لما سأله النجاشي عن الإسلام ماذا قال ؟ قال:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))
[ أحمد عن أم سلة ]
إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))
[ متفق عليه عن ابن عمر ]
الإسلام بناء أخلاقي، والعبادات الخمس أركان الإسلام، لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان.
أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات:
ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام.
والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا.

4 ـ مساحة الأخلاق:
المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
ما لم تكن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنك لن تقطف ثمار هذا الدين.
خاتمة:
أيها الإخوة الكرام، هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾
( سورة طه )
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
[ متفق عليه ]
وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة السعيد ; 08-26-2018 الساعة 08:13 AM

رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:32 AM   #2


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الثانى )

الموضوع : مقدمة - 2 - مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
حديث عظيم أصل في أسماء الله:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وما زلنا في المقدمات.
في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
[ متفق عليه ]
معنى: أَحْصَاهَا:
هذا حديث صحيح اتفق عليه الشيخان، وهو من أعلى مراتب الصحة، لكن كي نفهم معنى: مَنْ أَحْصَاهَا، نقرأ الآية الكريمة:
﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) ﴾
(سورة مريم)
الفرق بين الإحصاء والعدِّ:

يبدو أن الإحصاء شيء، والعد شيء آخر، فأنت كمعلم يمكن أن تعد طلابك بشكل سريع، أما أن تحصيهم، أن تعرف إمكاناتهم، مستوياتهم، تفوقهم، وضعهم العائلي، وضعهم في البيت، مدى تقيدهم بمنهج الله عز وجل، الإحصاء دراسة شاملة، النبي عليه الصلاة والسلام يجعل إحصاء الأسماء سبباً وحيداً كافياً لدخول الجنة:

(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))


وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ
أقرّب هذا المعنى بآية ثانية:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
حينما قال: " وَالْبَاقِيَاتُ "، معنى ذلك أن المال والبنين شيء زائل، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***

و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمـــــول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة فاعلم بأنك بعدهــا محمـــــول
***

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ﴾
(سورة الكهف)
ودقة الآية أن المال من دون بنين مشكلة كبيرة، وأن البنين من دون مال مشكلة أكبر.
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ﴾
(سورة الكهف)

لكن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
متع الدنيا زائلة، فما الباقيات الصالحات ؟
قال بعض العلماء: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، دقق، إن سبحته أي نزهته عن كل نقص ومجدته، وحمدته ووحدته وكبرته، فقد عرفته، وإن عرفته عرفت كل شيء، وإن عرفته صغر في عينك كل شيء، وما معنى: الله أكبر ؟ أكبر من كل شيء، بل أكبر مما عرفت.
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
أنت أيها الإنسان زمنٌ:

البطولة أيها الإخوة، أنت زمن، في أدق تعاريف الإنسان، أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، هذا تعريف الإمام الجليل الحسن البصري، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، وتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة، بل إن الإنسان بضعة أيام، وهو في الحقيقة زمن فقط، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، لذلك جاءت الآية الكريمة:
﴿ والْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} ﴾
( سورة العصر )

جواب القسم أن الإنسان خاسر لا محالة، لماذا ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه فقط، لكنه يستطيع تلافي هذه الخسارة إذا تعرف على الله، وتعرف إلى منهجه، وحمل نفسه على طاعته، وتقرب إليه بالأعمال الصالحة.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
قال الإمام الشافعي: " هذه أركان النجاة في الدنيا "، لا بد من أن تتعرف إلى الله، ولا بد من أن تحمل نفسك على طاعته، ولا بد من أن تدعو إليه، فالدعوة إليه فرض عين على كل مسلم، الدليل:
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ]
لكن الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف.
لذلك أيها الإخوة الكرام، الإنسان إما أن يستهلك عمره استهلاكاً، أو أن يستثمره استثماراً، إذا تعرف إلى الله، وتعرف إلى منهجه، وحمل نفسه على طاعته، وتقرب إليه يكون قد أنفق وقته استثماراً، أنفق وقته في عمل جليل ينفعه بعد مضي الزمن.
أهمية العلم بأسماء الله تعالى:
لذلك أيها الإخوة الكرام، موقع أسماء الله الحسنى من العقيدة موقع كبير:
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))

ماذا يقول العالم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى ؟ يقول: العلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))
[ رواه الدارمي ]
الآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه.
إنسان يحمل أعلى شهادة في الفيزياء النووية، إذا انتهى أجله انتهت هذه الشهادة، يقول لك: الدكتور فلان عميد أسرتهم، انتهى، لكن إذا تعرف إلى الله ينتفع بهذه المعرفة بعد الموت وإلى أبد الآبدين، لهذا كل علم ممتع، لكن ما كل علم ممتع بنافع، والعلم النافع قد يكون غير مسعد، ما كل علم نافع بمسعد، إلا أنك إذا تعرفت إلى الله فهو علم نافع ممتع مسعد في الدنيا والآخرة:
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
معرفة الله لابد أن تكون مصحوبة برحمة مستقرة في قلب المؤمن:
كيف نحصيها ؟ قالوا إحصائها أن تتعرف إلى ألفاظها وعددها، وقالوا: إحصائها أن تفهم معانيها ومدلولاتها، وقالوا: إحصاءها الدعاء بها كما ينبغي، دعاء، وثناء وعبادة، ودعاء، مسألة، وطلب، هذا معنى إحصائها عند ابن القيم رحمه الله تعالى.

الآن أيها الأخوة، ينبغي أن تتعرف إلى الله، وأن تشتق منه كمالاً إذا اتصلت بالرحيم، لا بد من أن يستقر في قلبك الرحمة، دقق في قوله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159) ﴾
( سورة آل عمران)
يا محمد، بسبب رحمة استقرت بقلبك عن طريق اتصالك بنا لنت لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ (159) ﴾
( سورة آل عمران)
أي لو كنت بعيداً لامتلأ القلب قسوة، فإذا امتلأ قسوة انعكس غلظة، فإذا انعكس غلظة انفض الناس من حولك، هذه معادلة رياضية، اتصال، رحمة، لين، التفاف، انقطاع، قسوة، غلظة، انفضاض، معادلة رياضية بالتمام والكمال.
فلذلك أيها الإخوة، إذا كان للإيمان مؤشر، ومؤشر للرحمة يمشي مع هذا المؤشر تماماً، فكلما ازداد إيمانك ازدادت رحمتك، ومن لا يرحم لا يرحم، يا عبادي، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، وأبعد قلب عن الله القلب القاسي.
الآن أقول لك: حينما تعرف اسم الرحيم، وتتصل بالرحيم يمتلأ قلبك رحمة، وهذه ثمار الصلاة الحقيقية.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 )
من أدق ما قال المفسرون حول هذه الآية: ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، فإذا ذكرته أديت واجب العبادة، أما إذا ذكرك الله عز وجل ملأ قلبك رحمة، ملأ قلبك أمناً، ملأ قلبك غنىً، ملأ قلبك رضىً، ملأ قلبك يقيناً، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، لذلك ورد في الأثر:
" بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر "
بالحكمة تسعد:
إذا دخلت إلى بيت صديق يقدم لك بعض الضيافة، لكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله فقد يهبك الله الحكمة.
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾
( سورة البقرة)
بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تسعد بالمال، ومن دون حكمة تبدد المال.
أيها الأخوة الكرام، من أجل عطاءات الله الحكمة، أنت إذا اتصلت بالحكيم تغدو حكيماً من معاني:
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
تخلق بالكمال الإلهي، اشتق من الله الحكمة، اشتق منه الرحمة، اشتق منه العدل، حينما تتعرف إلى الله، وتستقيم على أمره، وتتصل به تشتق منه الكمال الإلهي، فلذلك:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {10} ﴾
( سورة الشمس )
الفلاح كل الفلاح، النجاح كل النجاح، الفوز كل الفوز في أن تعرفه، يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
أيها الإخوة الكرام، ورد في الأثر:ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الـذي رأوه لــما وليت عـنا لغيرنـا
ولــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبـنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــا
***

أيها الإخوة الكرام،
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
تعرف إليه، ثم استقم على أمره، ثم اتصل به تشتق منه كمالاً تتقرب به إلى الله عز وجل، الرحيم يقبل الرحيم، الحكيم يقبل الحكيم، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))
[ مسلم ]
منزلة الأخلاق في الإسلام:

أيها الإخوة الكرام، في النهاية حينما أثنى الله على رسوله بماذا أثنى عليه ؟ أثنى عليه بالخلق العظيم:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة القلم )
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9}﴾
( سورة الشمس )
من معاني زكاها أن هذا الإنسان اشتق من الله الكمال، فصار خيراً وعطاءً وانضباطاً ورحمة، ولطفاً وتواضعاً، ما الذي يلفت النظر في الإنسان ؟ ليس علمه، وليست إمكاناته، وليس ماله، يلفت النظر في الإنسان أخلاقه، والذي يجلب الناس إليك الأخلاق، لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
النقطة الدقيقة أيها الإخوة،
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
1 – الدعاء هو العبادة:
هل تصدقون أن الدعاء مخ العبادة، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أخرى الدعاء هو العبادة، بل إن الله عز وجل حينما قال:
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (77) ﴾
( سورة الفرقان)
دقق، حينما تدعو جهة ما فأنت موقن أنها موجودة، وما من إنسان يدعو جهة غير موجودة يكون أحمق، وحينما تدعو الله فأنت حتماً موقن بوجوده، وأنت حتماً موقن بأنه يسمعك، والله عز وجل إن تكلمت فهو يسمعك، وإن تحركت فهو يراك، وإن أسررت شيئاً فهو يعلم ما في قلبك، إن تكلمت فهو يعلم، وإن تحركت فهو يراك، وإن أسررت فهو عليم بذات الصدور، لذلك قال العلماء: " علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ".
حينما تدعو الله فأنت موقن قطعاً أنه موجود، وموقن قطعاً أنه يسمعك، وموقن قطعاً أنه قادر على كل شيء، وهو على كل شيء قدير، القوانين بيده، الأقوياء بيده، مَن فوقك بيده، مَن تحتك بيده، من حولك بيده، صحتك بيده، رزقك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، قال تعالى:

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
( سورة الشعراء )
أحد أكبر عذاب نفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر، فلذلك:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
أسماءه حسنى، وكماله مطلق.
أيها الإخوة الكرام، القاضي إذا حكم ألف حكم، وخمسة أحكام منها غير عادلة، ناتجة عن خطأ في التصور، أو في المعلومات، يسمى عند أهل الأرض قاضياً عدلاً، هذا شأن البشر، لكن شأن خالق البشر أنه لا يمكن أن نجد خطأً واحداً في أفعال الله عز وجل، هذا معنى: سبحان الله، الله عز وجل مطلق، منزه عن كل نقص إطلاقاً، فلذلك حينما تتصل بالإله المطلق تشتق منه الكمال، والذي يلفت النظر في شخصيتك الكمال الذي اكتسبته من اتصالك بالله عز وجل.
نعود بالآية مرة ثانية:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (159) ﴾
( سورة آل عمران)
ملمح دقيق فدقِّقوا فيه:
هناك ملمح دقيق جداً أيها الإخوة، أنت أيها النبي، أنت سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، وحبيب رب العالمين، ويا من بلغت سدرة المنتهى، ويا من أوتيت الوحي والقرآن والمعجزات، على الرغم من كل ذلك: " وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "، فكيف بإنسان ليس نبياً ولا رسولاً، ولا يوحى إليه، ولا معه معجزات، ولا عنده بيان ولا فصاحة، وفيه غلظة ؟ لمَ الغلظة ؟ مَن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾
( سورة فصلت )
بين أخلاق الدعوة وخلاق الجهاد:
ما لم تعامل الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم فأنت لست في المستوى المطلوب، لكن هناك أخطاء كثيرة تداخلت، فقد أخلاق الجهاد مع أخلاق الدعوة إلى الله، أخلاق الدعوة إلى الله قال تعالى عنها:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾
( سورة فصلت )
أما أخلاق الجهاد.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) ﴾
( سورة التوبة )
هذه أخلاق الجهاد، وأكبر خطأ أن يستخدم الدعاة أخلاق الجهاد في الدعوة إلى الله.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) ﴾
( سورة آل عمران)
فلذلك حينما تدعو الله فأنت موقن أنه موجود، وحينما تدعو الله فأنت موقن بأنه يسمعك، وحينما تدعو الله فأنت موقت بأنه قدير على كل شيء، وحينما تدعو الله فأنت موقن، فضلاً عن كل ذلك أنه يريد أن يستجيب لك، ويحبك:
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 119 )
خَلَقنا ربُّنا ليرحمنا:
في الأثر القدسي:
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلى، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين ))
[ ورد في الأثر ]

وإذا قال العبد، وهو راكع: يا رب، يقول الله له: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد وهو ساجد: يا رب، يقول الله: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد وهو عاصٍ: يا رب، يقول الله له: لبيك، ثم لبيك، ثم لبيك.
دققوا في هذه الآية:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾
( سورة طه )
إنسان ناجى ربه فقال: يا رب، إذا كانت رحمتك بمن قال: أنا ربكم الأعلى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾
( سورة طه )
فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى ؟
وإذا كان رحمتك بمن قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص: 38)
فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله ؟ لذلك:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم (77) ﴾
( سورة الفرقان)
حينما تدعو الله فأنت موقن بأنه موجود، وموقن بأنه يسمعك، وموقن بأنه قدير على كل شيء، وموقن بأنه يحب أن يرحمك. ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 119 )
لذلك:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم (77) ﴾
( سورة الفرقان)
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
خاتمة:
تعرفوا إليه تعرفوا إلى منهجه، احملوا أنفسكم على طاعته، تقربوا إليه بالأعمال الصالحة، اتصلوا به، إن اتصلتم به تشتقوا الكمال الرائع من الذات العلية، من الذات الإلهية، عندئذ الكمال ليس تصنعاً، الكمال سجية، فيه لطف، فيه تواضع، فيه رحمة، فيه إنصاف، فيه حكمة بالغة، لذلك حينما تتصل به تذكره، وذكرك له أقلُّ من ذكره لك، إذا ذكرك منحك القرب، منحك السعادة، منحك الرضى، منحك اليقين، منحك الأمن، هذه نعم الله الكبرى.
أيها الأخوة، فلذلك نحن في هذا الدرس إن شاء الله مهدنا لأسماء الله الحسنى، وفي لقاء آخر إن شاء الله تعالى نتابع هذا الموضوع.


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:36 AM   #3


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الثالث )

الموضوع : اسم الله الاكرام - 1 -







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الأكرم):
أيها الأخوة الكرام، الاسم اليوم الأكرم، هذا الاسم ورد في أول سورة أنزلت من القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق)
لكل إنسان حاجات دنيا متعلقة بالأرض وحاجات عليا متعلقة بالسماء:
بادئ ذي بدء الله عز وجل أودع في الإنسان قوة إدراكية يتميز بها على بقية المخلوقات، ولأنه أودع فيه قوة إدراكية أصبحت عند هذا الإنسان حاجة إلى المعرفة، وهذه الحاجة يمكن أن توصف بأنها حاجة عليا، له حاجات دنيا متعلقة بالأرض وله حاجة عليا متعلقة بالسماء، فركّب الملك من عقل بلا شهوة وركب الحيوان من شهوة بلا عقل وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾
( سورة البينة )
فوق الملائكة وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فالله عز وجل سخر لهذا الإنسان ما في السماوات، قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 13 )
طلب العلم فريضة على كل مسلم:

أمره أن يقرأ أي يتعلم وطلب العلم فريضة على كل مسلم، هذا العلم أنواع قال اقرأ باسم ربك، يعني ما لم ينقلك العلم إلى معرفة ربك فليس علماً، العلم ما هداك إلى الله، العلم ما عرفك بهذا الإله العظيم، العلم ما حملك على طاعته، العلم ما دفعك إلى التقرب إليه، العلم ما هداك إلى سرِّ وجودك، العلم ما هداك إلى غاية وجودك، لذلك اقرأ أما المفعول به فهو محذوف وحينما يحذف المفعول يطلق الفعل، يعني اقرأ في الكون، الكون قرآن صامت واقرأ في القرآن فهو كلام الخالق، واقرأ في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام فهو قرآن يمشي، يعني اطلب العلم، ما لم يطلب الإنسان العلم لا يؤكد إنسانيته، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم له شأن آخر لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (21) ﴾
( سورة البقرة)
الخالق وحده الذي ينبغي أن يعبد، الجهة التي صنعتك ينبغي أن تتبع تعليماتها.
ارتباط العلم بالإيمان:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
يمكن أن نسمي هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)

العلم مرتبط بالإيمان وما لم ينقلك العلم إلى الإيمان فليس علماً، وقد يكون ذكاءً ليس غير، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، إنسان عنده دماغ يمكن أن يفهم دقائق الأشياء فاختص باختصاص نادر وجلب له هذا الاختصاص دخلاً كبيراً فلكياً هذا ذكي جداً، لكن ما لم تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، ما لم تعرف الخالق والرب والمسير، ما لم تعرف أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فلست عاقلاً، العاقل من عرف الله وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ ورد في الأثر ]
وفي بعض الأدعية: ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
تجاوز الحالات السفلى إلى الحاجة العليا، ابحث عن الحقيقة اعمل بها.
الخاسر من لم يتحرك وفق منهج الله لأن الموت ينهي كل شيء:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
يقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
لو شخص دخله اليومي مليون دولار ولم يتعرف إلى الله عز وجل فهو بنص هذه الآية خاسر، لأن هذه الدنيا تنتهي بالموت والموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، ينهي أمن الآمن، ينهي خوف الخائف، الموت ينهي كل شيء.
لذلك ما لم تتعرف إلى الله، وما لم تتحرك وفق منهجه، وما لم تدعُ إليه فأنت خاسر، وبإمكانك أن تتلافى الخسارة بأن تعمل في هذا الوقت الذي سيمضي عملاً ينفعك بعد الموت، لذلك دائماً اجعل هذا المقياس الدقيق أي حركة، أي نشاط، أي مسعى له أثر بعد الموت هذا ينفعك، وأي نشاط وأي حركة تنتهي عند الموت لا قيمة لها، هذه من الدنيا لذلك دخلوا على سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وكان قائد الجيوش الإسلامية في الشام دخلوا على غرفته فيها قدر ماء مغطاة برغيف خبز، وسيفه معلق، قالوا: ما هذا يا أمين هذه الأمة ؟ قال هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيت ؟ لذلك الدنيا لأنها تنتهي بالموت ليس لها شأن عند الله.
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
[ الترمذي، ابن ماجه عن سهل بن سعد]
أول قراءة ينبغي أن نقرأها قراءة البحث والإيمان لنبحث عن الحقيقة:
إذاً لا بد من أن نبحث عن الحقيقة، ولا بد من أن تتحرك وفق الحقيقة، ولا بد من أن ندعو إلى هذه الحقيقة، وقد يكون هناك عقبات وقد تكون هناك صوارف فلا بد من الصبر.
﴿ وَالْعَصْر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
إذاً أول قراءة ينبغي أن تقرأها قراءة البحث والإيمان، ابحث عن الحقيقة، ابحث عن الذي خلقك، تساءل لماذا خُلقت ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ ما العمل العظيم الذي ينبغي أن أفعله ؟ ماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين وإلى أين ولماذا ؟ ابحث. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
العلم الذي أراد الله أن نتعرف إليه هو قراءة البحث والإيمان:
أي العلم ما انتهى بك إلى الإيمان، فإن لم ينتهِ بك إلى الإيمان فهو ذكاء فقط، والذكاء ينتهي عند الموت، هو ذكاء أو ثقافة، أما العلم الذي أراده الله حينما قال الله عز وجل:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 9 )
العلم الذي أراده الله أن تتعرف إليه، وأن تتعرف إلى منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، وأن تبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
نفسك التي بين جنبيك أقرب آية إليك للتفكر في خلق الله تعالى:

أقرب آية إليك نفسك التي بين جنبيك، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
( سورة البلد)
يوجد بالشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، بالميليمتر مربع في أرقى آلة تصوير رقمية احترافية في عشرة آلاف مستقبل ضوئي، في الميليمتر مربع في شبكية العين مئة مليون مستقبل، لذلك العين تفرق بين ثمانية ملايين لون.
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) ﴾
( سورة البلد)


إكرام الله عز وجل الإنسان بالبيان:
الله أكرم، أكرمك بماذا ؟ بالبيان، قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
( سورة الرحمن)
بالبيان يتواصل الناس أرقى تواصل، التواصل بيان، بالبيان تتكلم فتعبر عن أفكارك، تعبر عن مشاعرك، بالكلام تنتقل العلوم من إنسان إلى إنسان، بالمعاصرة، ومن جيل إلى جيل بالكتابة، ومن أمة إلى أمة بالترجمة، لذلك:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
( سورة الرحمن)
هذه القراءة الأولى أكرمك الله بأن منحك نعمة الإيجاد ومنحك نعمة الإمداد ومنحك نعمة الهدى والرشاد، إنه الأكرم، و أكرم اسم تفضيل وهذا الاسم ورد معرفاً بأل، مراداً به العالمية دالاً على كمال الوصفية، الأكرم، لا عطاء يعدل عطاءه.
من خسر الآخرة خسر كل شيء:
منحك نعمة الإيجاد والإيجاد إلى متى ؟ لا إلى الموت، الموت نقطة محطة في الطريق، كل نفس ذائقة الموت لا تموت لكنها تذوق الموت وفرق كبير بين أن تذوق الموت وبين أن تموت، قال تعالى:
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) ﴾
( سورة الزخرف)
الإنسان خلق ليبقى إلى أبد الآبدين، يبقى في جنة عرضها السماوات والأرض أو في نار لا ينفذ عذابها، البقاء مستمر لكن إما في جنة أو في نار لهذا أيها الأخوة الكرام، أكبر خسارة يمكن أن نتصورها أن تخسر الآخرة، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (15) ﴾
( سورة الزمر)
هذه القراءة الأولى، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق)
على كل إنسان أن يقرأ ليصل بقراءته إلى معرفة سرّ وجوده وغاية وجوده:
أقرب آية لك نفسك التي بين جنبيك، قال تعالى:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾
( سورة الأعلى )
هذا الماء الدافق ثلاثمئة مليون حوين، تحتاج البويضة إلى حوين واحد، قال تعالى: ﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) ﴾
( سورة الطارق )
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾
( سورة عبس)
أمر إلهي لذلك هذه قراءة، اقرأ ولتنتهي قراءتك إلى معرفة ربك، اقرأ ولتنتهي قراءتك إلى معرفة سر وجودك وغاية وجودك.
القراءة الثانية المتعلقة باسم الأكرم قراءة الشكر و العرفان:

في قراءة ثانية متعلقة باسم الأكرم، القراءة الثانية:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
ماذا منحك ؟ نحن موجودون لو اطلعت على كتاب نضدت حروفه قبل تاريخ ميلادك، أثناء تنضيد حروف هذا الكتاب أنت من ؟ لا شيء، قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾
( سورة الإنسان )
إطلاقاً ما لك وجود، ما لك اسم، ما لك اسم بالنفوس، ليس لك أي اسم بأي مكان، لم يكن لك وجود، إذاً الله عز وجل أكرمك أي منحك أكبر عطاء أنه أوجدك، منحك نعمة الإيجاد أوجدك وأودع فيك حاجات، أودع فيك حاجة إلى الهواء، والهواء موجود بنسب رائعة لو أن هذه النسب تغيرت لاحترق كل ما في الأرض، الأوكسجين إلى الأزوت، منحك نعمة الإيجاد ومنحك نعمة الإمداد وهذا الكون سخره لك بنص قرآني: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 13 )
ما نوع التسخير ؟ قال تسخيران تسخير تعرف وتسخير تكريم، كل شيء في الأرض مسخر لك تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم.
من آمن و شكر الله عز وجل حقق الغاية من وجوده:

إذا قرأت كتاباً عن العسل ذابت نفسك بهذا الشراب الذي فيه شفاء للناس، وقد لا يتاح لك أن تلعق لعقة عسل واحدة لكنك إذا عرفت الله من خلال العسل حققت الهدف من العسل أنه عرفك بالله، والذي يأكل العسل ليلاً ونهاراً ولم يفكر في هذا الشراب الذي جعل الله فيه شفاء للناس عطلت أكبر هدف من خلق هذه الآية، تأكد أن أي شيء في الأرض له وظيفتان، له مهمتان، سخر لك تسخيرين تسخير تعريف وتكريم، تماماً كما لو قدم لك صديق هاتفاً فيه خصائص مذهلة من اختراعه وقدمه هدية لك أنت دون أن تشعر ينطوي قلبك على شعورين، شعور الإعجاب بهذا الاختراع وشعور الامتنان بأنه هدية، فدقق لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: نظر إلى هلال قال هلال خير ورشد.
هذا الكون مسخر لنا تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت، دقق الآن حققت الهدف من وجودك فإذا حققت الهدف من وجودك توقفت المعالجات الإلهية، الآية:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية: 174 )
لأنه منحك الكون، لأنه سخر لك الكون تسخير تعريف ينبغي أن تؤمن ولأنه سخر لك الكون تسخير تكريم ينبغي أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك إذاً تنتهي المعالجات، طبيب قرر استئصال كلية قبل أن يستأصلها عمل فحصاً تعمل، ألغى العملية، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك لذلك ربك الأكرم ينبغي أن تكون قراءتك للكون قراءة شكر وعرفان.
أول قراءة قراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، يوجد هواء، يوجد ماء عذب زلال، يوجد زوجة، يوجد أولاد، يوجد طعام، شراب، فواكه، معادن، كل شيء، لذلك القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، ما لم يمتلئ قلبك شكراً لله فأنت بعيد عن الإيمان.
أنواع الهدى:
1 ـ هداية المصالح:
لذلك أول كلمة في الفاتحة الحمد لله رب العالمين، منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، أما الهدى أيها الأخوة الكرام، على أنواع أول هدى، هداك إلى مصالحك، يعني لما الإنسان تكسر يده مصممة اليد على أن تلتئم، حينما يجرح الجلد مصمم على أن يلتئم، هداك إلى مصالحك لولا جهاز التوازن المتمثل بالقنوات الهلالية في الأذن الداخلية لما وجدت إنسان يمشي على الأرض

أنت تمشي أعطاك قدمين لطيفتين لكن يقابلهم جهاز توازن لولا جهاز التوازن لما أمكنك أن تمشي على قدميك، لذلك الميت لا يقف ما في توازن، التوازن ثلاث قنوات متداخلة فيها سائل، فيها أهداب لما تميل السائل يبقى مستوياً يرتفع بمكان دون مكان، بالمكان المرتفع في أهداب يصلح الإنسان، لولا جهاز التوازن ما في إنسان يمشي على قدمين، ما في إنسان يركب دراجة.
إذاً هداك إلى مصالحك، الطعام فيه سم تتقيأه، الجرثوم دخل في جهاز مناعة، تحدثت عنه البارحة هداك إلى مصالحك، الأشياء التي تؤذي تكرهها، الأشياء التي تحبها محببة إليك تنفعك، لو أنه جعل الطعام كريهاً، لن يأكل، الطعام التفاحة مثلاً حجمها مناسب قوامها هش فيك أن تأكلها لا تحتاج إلى آلة طحن أحجار، فيها غذاء، فيها رائحة طيبة، فيها شكل جميل هداك إلى مصالحك هذا أول هدى.
2 ـ هداية الوح
ثم هداك بالوحي، جاءك وحي من السماء، بيّن لك من أنت، أنت المخلوق الأول، لماذا خلقت ؟
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
( سورة الذاريات )
فأول هداية هداية المصالح، ثاني هداية هداية الوحي.
3 ـ هداية التوفيق
ثالث هداية هداية التوفيق، قال تعالى:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
التوفيق هداية، أنت فكرت في خلق السماوات والأرض، تمنيت أن تقدم عملاً بين يديك يمنحك المال، يمنحك القوة، تمنيت أن تكون داعية يطلق لسانك في التعريف به، منحك نعمة الإمداد.
4 ـ هداية الجنة:
آخر هداية إلى الجنة، قال تعالى: ﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) ﴾
( سورة محمد)
هداك إلى مصالحك، الطفل أول ما يولد لو أنه مال يتابع الميل حتى يقع، بعد ثلاثة أشهر يكون جهاز التوازن بدأ يعمل، لو أنت ميلته يجلس، هذه هداية، هداك إلى مصالحك، أحياناً التقيؤ هو إخراج ما في المعدة يكون الطعام فاسداً، إذا في فساد الإنسان يتقيأه، إذا الجنين في تشوه يسقط، السقط هو جنين مشوه، في أشياء بالطب وأشياء بالتشريح وأشياء بالفيزيولوجية مذهلة.
السعال في أشعار هدبية بالقصبة الهوائية تتحرك نحو الأعلى باستمرار، و حتى الآن لم تنجح جراحة الرئتين لأن الذي تزرع رئته لا يسعل، و السعال أساسي في سلامة الرئة، فالسعال هداك إلى مصالحك، التقيؤ هداك إلى مصالحك، التوازن هداك إلى مصالحك، الآن أعراض الأمراض هداك إلى مصالحك، لكل داء دواء، الأمس ذكرت طبيب من إنكلترا، درس بأمريكا، عُين مع شركة عملاقة في الصين، داوى شخص ياباني، هو إنكليزي و درس بأمريكا و عمله بالصين و المريض ياباني، إذا لم يوجد بنية واحدة للبشر، بنية تشريحية واحدة و وظائف فيزيولوجية واحدة، كان لا يوجد طب، هذا التوحد، أما يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع، كل إنسان له شكل وجه، له هوية، قزحيته هوية...
من عبد الله و استعان به وفقه وهداه إلى الجنة:
إذاً منحك نعمة الإيجاد، و منحك نعمة الإمداد، و منحك نعمة الهدى و الرشاد، الهدى هداك على مصالحك، و الهدى هداك إليه بالوحي، و الهدى وفقك، هداية التوفيق، و أوضح شيء:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
هذا معنى قوله تعالى:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾
(سورة الفاتحة)
أي لا حول يا رب عن معصيتك إلا بك، و لا قوة على طاعتك إلا بك، و إياك نعبد و إياك نستعين هذه هدى التوفيق، ثم يهديك إلى الجنة:﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
( سورة محمد)


والحمد لله رب العالمين








 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:43 AM   #4


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الثالث )

الموضوع : اسم الله الاكرام -2-





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الأكرم):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم الأكرم الذي يدل على العلمية وكمال الوصفية وقد ورد هذا الاسم في قوله تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق)
وهذه أول آية في أول سورة تشير إلى أن العلم ينبغي أن يرتبط بالإيمان.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ: أول آية تشير إلى أن العلم ينبغي أن يرتبط بالإيمان:
إذا عبرنا عن طلب العلم بالقراءة فيجب أن تنتهي القراءة إلى الإيمان بالله عز وجل موجوداً وواحداً وكاملاً، وإلى الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى
ثم إن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان نعمة الإيجاد ومنحه نعمة الإمداد ومنحه نعمة الهدى والرشاد.

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾
( سورة العلق)
ينبغي أن تنتهي القراءة الأولى بالإيمان بالله، وينبغي أن تنتهي القراءة الثانية بالشكر والعرفان، القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، وإذا كان من قراءة ثالثة فهي قراءة الوحي والإذعان. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق)
أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، أخبرك الله عن الماضي السحيق وعن بداية الخلق وعن المستقبل البعيد، وأخبرك عن سرّ وجودك وعن غاية وجودك وأخبرك عن ذاته العلية إذاً القراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان.
قضايا الدين تصنف في دوائر ثلاث هي:
1 ـ دائرة المحسوسات:
كما تعلمون أيها الأخوة هناك قضايا تصنف مع المحسوسات
وأداة اليقين بها الحواس الخمس، واستطالتها كالميكروسكوب والتليسكوب مثلاً.

2 ـ دائرة المعقولات:
هناك موضوعات تصنف مع المعقولات أي شيء غابت ذاته وبقيت آثاره، وأداة اليقين بها العقل وهذه تسمى المعقولات
فالكون كله ظاهر لكل إنسان ويمكن أن تقرأ فيه بل إنه قرآن صامت ولكن أداة اليقين في المعقولات هو العقل البشري، فالكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، والقرآن الكريم إعجازه يدل عليه، والقرآن الكريم يدل على النبي عليه الصلاة والسلام لأنه جاء به.

3 ـ دائرة الإخباريات:

لكن في قضايا غابت عينها وغابت آثارها ولا سبيل إلى العقل أن يؤمن بها إلا أنه يتلقى الخبر الصادق كالإيمان بالجن والملائكة، هذه إخباريات فنحن حينما نتعمق في أمور الدين نرى أن قضايا الدين تصنف في المحسوسات وأداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالتها، وفي المعقولات وأداة اليقين بها العقل، وفي الإخباريات وأداة اليقين بها الخبر الصادق، فإذا جاء في الوحيين الكتاب والسنة خبر عن الله عز وجل فهو عندنا يقيني، ولكن عند الذين اهتزت عندهم مسلمات الإيمان بالله قد يعترضون، لذلك الأولى الإنسان ألا يخوض مع الطرف الآخر الذي اهتزت عنده مسلمات الوجود الإلهي، على كل:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق)
من وظّف عطاء الله في طاعته أصبح نعمةً حقيقية:
الآن حينما قال الله عز وجل:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
( سورة الفجر)

هذه مقولته هو يتوهم أحياناً أن الله إذا أمدّ إنساناً بالمال وهذا الإنسان ليس على طاعة الله فهي علامة محبة له، لا، هذا فهم خاطئ وفهم خطير، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ (15) ﴾
( سورة الفجر)
فيقول هو من عنده متوهماً: ربي أكرمن: ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾
( سورة الفجر)
جاء الرد الإلهي لم يأتِ لا، بل جاء كلا، والفرق كبير بين لا وكلا، لا تنفي بل كلا تردع وتنفي، كلا ليس كذلك يا عبادي ليس عطائي إكراماً مطلقاً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، مع شيء من التفصيل، هل يعدّ المال نعمة ؟ الجواب نعم ولا، هل تعدّ الصحة نعمة ؟ الجواب نعم ولا، هل يعدّ الأولاد نعمة ؟ الجواب نعم ولا، هل تعد المكانة العلية في المجتمع نعمة ؟ الجواب نعم ولا، كيف ؟
هذا المال إذا وظف في العمل الصالح، في طاعة الله أصبح نعمةً حقيقية، أما إذا وظف في نشر الباطل للتمتع بالمتع الرخيصة التي حرمها الله، فهذا المال ليس نعمة لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
ما دام الإنسان يصلي ويقرأ القرآن الكريم ويطلب العلم يمتعه الله بعقله حتى يموت:
ممكن أن يستيقظ أحدنا كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل:
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا (يتابع النبي كلامه) هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً، أحياناً فقر ينسيك كل شيء وكاد الفقر أن يكون كفراً، غِنَىً مُطْغِياً، والغنى المطغي أحد المصائب الكبرى بسبب الغنى طغيت وبغيت،، أو مَرَضاً مُفْسِداً، تصبح حياته مع هذا المرض جحيماً لا يطاق ))

((غِنَىً مُطْغِياً، أو فَقْراً مُنْسِياً، أو مَرَضاً مُفْسِداً، أو هَرَماً مُقَيِّداً ))
يمله أولاده، يعيد القصة مئة مرة، يحشر أنفه في كل شيء، خرف، لذلك من تعلم القرآن متعه الله بعقله، المؤمن حينما يصلي الصلاة نشاط، أول ركعة الثانية الثالثة الرابعة، أول ركعة فاتحة مع سورة، الثانية فاتحة مع سورة، ثم قعود أول، ثالثة ورابعة فاتحة فقط، ثم قعود ثانٍ في نشاط، من يقرأ القرآن في نشاط دائم، في عندنا قاعدة في الطب العضو الذي يعمل لا يضمر، فما دام الإنسان يصلي ويقرأ القرآن الكريم ويطلب العلم يمتعه الله بعقله حتى يموت لذلك هذا العالم الجليل الذي عاش ثمانية وتسعين عاماً وكان منتصب القامة حاد البصر مرهف السمع أسنانه في فمه سئل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ قال يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر من عاش تقياً عاش قوياً.
المال نعمة إذا وظّف في طاعة الله:
لذلك أيها الأخوة الكرام، المال لا يعد نعمة مطلقاً ولا يعد نقمة مطلقاً.
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً، أو فَقْراً مُنْسِياً، أو مَرَضاً مُفْسِداً، أو هَرَماً مُقَيِّداً، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ، والساعة أدهى وأَمَرّ ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

يعني من معاني الأعور الدجال أنه يرى بعين واحدة، يرى مصلحته ولا يرى مصلحة الآخر، يرى ثقافته ويمحو ثقافة الآخر، يرى حظه من الدنيا وينسى حظ الآخرين من الدنيا، يرى كرامته ولا يرى كرامة الآخر، أعور ويتكلم بخلاف الواقع، وكأنه صفة جامعة مانعة لنموذج الإنسان المعاصر أنه أعور ودجال.
النقطة الدقيقة أن المال لا يعد نعمة ولا يعد نقمة، إذا وظف في الحق يعد نعمة، يقول بعض الصحابة: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي. المال يوظف توظيفاً رائعاً إذاً هو نعمة ونعمة كبرى، والذي آتاه الله مالاً يجب أن يذوب محبة لله عز وجل، أولاً يصون عرضه وثانياً يتقرب به إلى ربه
بالمال تحل معظم المشكلات بإمكانك أن تطعم جائعاً، أن تكسو عارياً، أن تعلّم جاهلاً، أن تؤوي مشرداً، أن تعالج مريضاً، بإمكانك أن تعيش في قلوب الآخرين، المال نعمة إذا وظف في طاعة الله:
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
المال موقوف على طريقة إنفاقه، إذا استعنت بالصحة على طاعة الله نعمة كبيرة فإذا استعان الإنسان بصحته على معاصي الله الصحة نقمة، إذا الله أعطاه بصراً حاداً تتبع به عورات المسلمين، تابع بها الأفلام الفاضحة، ونظر على عورات النساء، وإذا إنسان آتاه الله عينين رأى بهما آيات الله الدالة على عظمته وغض به بصره عن محارم الله، البصر نعمة.
كل شيء نعمة ونقمة إذا وظّف في طاعة الله فهو نعمة وإذا وظف في المعاصي والآثام فهو نقمة، لذلك سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى، لا بد من الابتلاء: ﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
ليس عطاء الله إكراماً ولا منعه حرماناً: إذاً أيها الأخوة الكرام:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
( سورة الفجر)
يقول هو، الآن يقول بعض الموسرين: الله إذا أحبّ إنساناً أطلعه على ملكه، يسافر شرقاً وغرباً، ويرتكب المعاصي والآثام ويتوهم أن الله يحبه لأنه عرّفه على ملكه، الله يحبك إذا أطعته، الله يحبك إذا عرفته، الله يحبك إذا أحسنت إلى خلقه، هناك أوهام كثيرة جداً، فلذلك: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
( سورة الفجر)
يقول هو، هذه مقولته، بل ربما نفهم هذا زعمه: ﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (16) ﴾
( سورة الفجر)
أيضاً يتوهم أن الله أهانه جاء الجواب ردعاً كلا، كلا يا عبادي ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء.
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء:

هذا يقودنا إلى موضوع دقيق جداً في عندنا شيء اسمه الحظوظ جمع حظ، المال حظ، الصحة حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، المرتبة الاجتماعية حظ، هذه الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، يعني أنت ممتحن فيما أعطاك، ممتحن فيما زوي عنك، ممتحن بالمال إن كنت غنياً، وممتحن بقلته إن كنت فقيراً، ممتحن بالصحة إن كنت صحيحاً، ممتحن بالمرض إذا كنت مريضاً، ممتحن بالتألق إن كنت متألقاً، وممتحن بالخمول إذا كنت خاملاً، أنت ممتحن فيما أعطاك وفيما زوي عنك، ومن أدق الأدعية الدعاء التالي:

(( اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ ))
[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ ]
أعطيتني صحة أن أستهلكها في طاعتك، أعطيتني مكانة اجتماعية أن أكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، أعطيتني منصباً رفيعاً في معه توقيع أن يكون هذا المنصب الرفيع في إحقاق الحق وإبطال الباطل، أعطيتني زوجة أن آخذ بيدها إلى الله عز وجل، أعطيتني أولاداً أن أربيهم تربية ترضى بها عني:
((.... مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ، الآن وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))
إنسان أحياناً يتمنى المال لا يناله، دخله محدود يبقى متحسراً على حاله طوال حياته، سيدنا الصديق يؤثر عنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط إطلاقاً.
كل شيء له أجر محدد إلا الصبر:
المؤمن الصادق يعتقد أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان
هو يسعى إلى أقصى درجة فإن انتهى به السعي إلى هذا الدخل يرضى به، يرضى بعد استنفاذ الجهد لكن قبل استنفاذ الجهد هذا كسل وليس رضا، إذا بذلت كل ما تملك من أجل رفع مستوى دخلك ولم تتمكن فاستسلم لله عز وجل، أما في عالم الكفر ينتحر، أما بعالم الإيمان يصبر، لذلك كل شيء له أجر محدد إلا الصبر، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ﴾
( سورة الزمر)
والآية لا ينبغي إلا أن تهز مشاعرنا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا (44) ﴾
( سورة ص)
﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ﴾
( سورة ص)
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (86) ﴾
( سورة يوسف)
لذلك قال بعضهم من شكا إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله ومن اشتكى لغير المؤمن فكأنما اشتكى على الله، فرق كبير بين أن تشتكي إلى الله وبين أن تشتكي على الله.
كل شيء ساقه الله تعالى للإنسان له حكمة تنكشف يوم القيامة:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
( سورة الفجر)
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (16) ﴾
( سورة الفجر)
أحياناً الأب الطبيب الرحيم يمنع ابنه أكلة يحبها لكنها تؤذي جهازه الهضمي هذا ليس منع إهانة منع حفظ، لذلك إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام، ويوم القيامة حينما تنكشف الحقائق ويظهر لك حكمة الذي ساقه الله إليك إن لم تذب مثل الشمعة محبة لله ففي الإيمان خلل، قال تعالى: ﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
( سورة يونس الآية: 10 )
عطاء الله ابتلاء وحرمانه دواء:
أيها الأخوة:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
( سورة الفجر)
هو متوهماً زاعماً ربي أكرمن. ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (16) ﴾
( سورة الفجر)
رحمة به وحفظاً له فيقول متوهماً وزاعماً: ﴿ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾
( سورة الفجر)
جاء الجواب الإلهي:
كلا ليس عطائي إكراما ولا منعي حرماناً عطائي ابتلاء وحرماني دواء.

الحياة توفيق إلهي والتوفيق بالطاعة:
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل هو الأكرم لكن ومن يهن الله فماله من مكرم، يعني إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، يعني إذا أراد الله بإنسان أن يهينه يتطاول عليه أقرب الناس إليه، وإذا أراد الله إعزاز إنسان جعل أعداؤه في خدمته دون أن يشعروا، لذلك وإذا كان الله معك فمن عليك ؟
وإذا كان عليك فمن معك ؟ إنسان أحياناً يفقد حركته قبيل أن يموت أقرب الناس إليه يتمنى موته، ويسمعونه هذا الكلام الله يخفف عنك، في إنسان آخر يموت بأعلى درجة من المكانة يفتقده من حوله، ابتغوا العزة عند الله، ابتغوا الرفعة عند الله، ادعُ الله أن يحفظ لنا صحتنا جميعاً، لذلك:

﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ (18) ﴾
( سورة الحج)
يعني إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا لم يحبك الله ألقى بغضك في قلوب الخلق، ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا، الحياة توفيق إلهي والتوفيق بالطاعة، من هاب الله هابه كل شيء ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء، أحياناً يخاف من مستخدم عنده، أما إذا كان مع الله.
كن مع الله تـر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***

إذا أحبّ الله عبده ابتلاه:
الآن بالقرآن الكريم وردت كلمة كريم، في مدخل كريم، في رزق كريم، في قول كريم، في مقام كريم، في قرآن كريم، في رسول كريم، في كتاب كريم، في زوج كريم
هذه الكلمات التي وردت في القرآن الكريم موصوفة بكلمة كريم، الكريم الخالص من كل شيء، حجر كريم صافٍ، الألماس، يوجد باسطنبول قطعة ألماس في المتحف ثمنها فيما علمت مئة وخمسين مليون دولار هي بحجم البيضة لو جئنا بحجم بيضة من الفحم كم ثمنها ؟ ما في قرش ثمنها والألماس أساسه فحم من شدة الضغط، يقول عليّ ضغوط، هذه معالجات إلهية لما الإنسان يخضع للمعالجة الإلهية ينتقل من فحم لألماس، إذا إنسان الله عز وجل تابعه إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، إذا أحب الله عبده عجّل له بالعقوبة، ما دمت ضمن المتابعة فهذه نعمة كبرى، أنت في العناية المشددة والمثل الذي أردده كثيراً إنسان معه التهاب معدة حاد، الطبيب يعطيه تعليمات بمنتهى القسوة، اشرب الحليب فقط لأن هذا المرض الشفاء منه يقيني لكن يحتاج إلى حمية، أما الذي معه مرض خبيث منتشر بكل جسمه قال ماذا آكل ؟ قال كلْ ما تشاء.


النعمة الكبرى أن يكون الإنسان ضمن المعالجة الإلهية:
إذا إنسان ضمن المعالجة الإلهية معنى في أمل كبير أن يصلح، من هنا يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
(سورة القصص )

الإنسان أفضل ألف مرة أن يكون ضمن العناية المشددة وتنتهي به العناية المشددة إلى سلامة في الدنيا والآخرة من أن يعطى كما قال الله عز وجل:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً (44) ﴾
(سورة الأنعام )
على كل إنسان أن يعامل من حوله بقدر عالٍ جداً من الهيبة و الإكرام:
الله عز وجل يقول:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾
(سورة الرحمن )

بقدر ما أنك تحبه تخشاه، بقدر ما تخشاه تحبه، أحياناً الإنسان يتعامل مع إنسان طيب لكن معلوماته ضعيفة جداً، شخصيته ضعيفة، وثقافته محدودة جداً، لكن طيب يقول والله أحبه، وإنسان يتعامل مع إنسان ذكي جداً لكن لئيم، يقول والله فهمان لكن لا أحبه، النموذج الرائع بقدر ما تعظمه تحبه، كمال هذه الصفة عند الواحد الديان:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾
(سورة الرحمن )
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) ﴾
(سورة الرحمن )
لذلك يجب أن تعامل من حولك بقدر عال جداً من الهيبة وبقدر عال جداً من الإكرام.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:45 AM   #5


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الرابع )

الموضوع : اسم الله الرب -1-









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الرب):
أيها الأخوة الكرام، كما تعلمون:

(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
وفي القرآن الكريم: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف )
وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن لله أسماً أعظماً، فما اسم الله الأعظم ؟ بعضهم قال الحي القيوم، وهناك اجتهاد مقبول أن اسم الله الأعظم هو الاسم الذي يتعلق بحالك، فالمريض اسم الله الأعظم له الشافي، والفقير اسم الله الأعظم له المغني، والمظلوم اسم الله الأعظم له العدل، والمقهور اسم الله الأعظم له الناصر، وقد ورد أن الرب اسم الله الأعظم لأنه أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان، لذلك قال تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) ﴾
( سورة البلد )
نظام الأبوة من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله:
الحقيقة نظام الأبوة من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله، أن إنسان سعادته بسعادة ابنه، طمأنينته بطمأنينة ابنه، نظام الأبوية يدل على الله، إنسان يتمنى أن تسبقه، يتمنى أن تتفوق عليه، لا يسعده إلا سلامتك وسعادتك لذلك قال تعالى:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) ﴾
( سورة البلد )
يعني لو تصورنا أن مؤسسة ضخمة أرادت أن تعين موظفاً، هذا الموظف يخضع للتجريب في هذه الفترة التجريبية تحصى عليه أخطاؤه، فإذا كانت بحجم غير مقبول رفض، لكن لو أن مدير المؤسسة أراد أن يكون ابنه هو الموظف، ما الذي يحصل ؟ ليس القصد هنا إحصاء الأخطاء ولكن القصد أن يربى، فعند كل خطأ يُوَجّه، يعلم، يحاسب، هذا شأن الأب.
الرب هو الأب الحاني على أولاده:
إذا قلنا الحمد لله رب العالمين، ما معنى كلمة رب بالمعنى البسيط ؟ الأولي
البديهي أن الأب يهيئ لأسرته بيتاً، يهيئ لهذا البيت أثاثاً، يهي لهذا البيت أجهزة، يهيئ لهذا البيت طعاماً وشراباً، إن رأى ابنه مريضاً يسارع إلى معالجته ويشرف على إعطاء الدواء، وإن رأى بيد ابنه حاجةً ليست له يسأله يحقق معه قد يعاقبه، قد يؤدبه، يعني أبسط شرح لمعنى الرب هو الأب الحاني على أولاده، يهيئ المسكن والحاجات والطعام والشراب والمدرسة والغرفة الخاصة والتوجيه والتعليم والمحاسبة والتربية والعقاب أحياناً والمكافأة والتكريم.
يمكن أن نفهم معنى اسم الرب ببساطة من أب عالم، من أب رحيم، من أب يسعى لإمداد أولاده بكل ما يحتاجون، ويسعى لتربية أجسامهم، وتربية عقولهم، وتربية نفوسهم، وتربيتهم تربية اجتماعية، وتربيتهم تربية بدنية، وتربيتهم تربية جنسية، هذا الأب الحاني العالم الرحيم الذي لا يقلقه إلا مصير أولاده، لا يقلقه إلا سعادتهم، إلا إيمانهم، إلا سموهم، يمكن أن نفهم معنى هذا الاسم الذي يمكن أن يكون اسم الله الأعظم من مفهومات الأبوة والبنوة لذلك ليس عجيباً أن يأتي نظام الأبوة آية دالة على عظمة الله.
﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) ﴾
( سورة البلد )
الرب أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان لأن الله يربينا عن طريق آياته:
هذا الاسم أيها الأخوة ورد في القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) ﴾
( سورة يس )
﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) ﴾
( سورة سبأ )
ولعل هذا الاسم هو أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان، لأن الله عز وجل يربينا، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا ويربي عقولنا، عن طريق آياته الكونية، وعن طريق آياته التكوينية وعن طريق آياته القرآنية.
من أدق معاني الربوبية أن الله أعطى كل شيء خلقه التام ثم هدى:
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل في آيات كثيرة أشار إلى مفهوم الربوبية قال تعالى:

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
أعطاه القوام المناسب، الأجهزة المناسبة، الحواس المناسبة، النسج المناسبة، الخصائص المناسبة، أعطى كل شيء خلقه التام ثم هدى.
البعوضة من آيات الله الدالة على عظمته حيث زودها تعالى بعدة أجهزة منها:
1 – جهاز استقبال حراري:
لو أردنا أن نختار مخلوقاً من أتفه المخلوقات على الإنسان البعوضة
البعوضة في رأسها مئة عين، وثمانية وأربعون سناً في فمها، وثلاثة قلوب في صدرها، قلب مركزي وقلب لكل جناح، لكل قلب أذينان، وبطينان، ودسامان.
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
من أدق معاني الربوبية أن الله عز وجل أعطى كل شيء خلقه، هي بحاجة أن ترى الأشياء لا بألوانها، ولا بحجمها، ولا بشكلها، إنها ترى الأشياء بحرارتها، أعطى الله البعوضة جهاز استقبال حرارياً، حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية. ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
أعطاها جهاز استقبال حرارياً أي جهاز رادار.
2 ـ جهاز تحليل للدم:
عندها جهاز تحليل للدم ما كل دم يناسبها تحلل الدم أولاً، ثم تمتصه ثانياً، وقد ينام أخوان على سرير واحد يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض والثاني لم يصب بشيء.
3 ـ جهاز تمييع:
جهاز تمييع، لأن لزوجة دم الإنسان لا يسري بخرطومها.
4 ـ جهاز تخدير:
أعطى البعوضة جهاز تخدير لكي لا تقتل في أثناء امتصاص الدم
تمتص الدم وتطير وتبتعد ينتهي مفعول التخدير فيشعر الإنسان بوخز في يده فيتوهم أنها على يده فيضربها وهي في سماء الغرفة تضحك عليه.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
أعطاها جهاز تحليل، أعطاها جهاز تمييع، أعطاها جهاز تخدير، أعطاها جهاز استقبال حراري، في فمها ثمانية وأربعون سناً، في رأسها مئة عين، في صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي وقلب لكل جناح، الآن في خرطومها ست سكاكين، أربع سكاكين تحدث جرحاً مربعاً، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوبين لامتصاص الدم وفي أرجلها محاجم إذا وقفت على بلور على سطح أملس على الضغط، وفي أرجلها مخالب إذا وقفت على سطح خشن. ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
خلق الله عز وجل الإنسان بأحسن تقويم و يتجلى ذلك في:
قس على ذلك قال تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ﴾
( سورة التين)
1 – العين:
أعطاك عينين من أجل أن تدرك البعد الثالث، بعين واحدة ترى الطول والعرض بعينين ترى البعد الثالث
أعطاك أذنين من أجل أن تعرف جهة الصوت، قد ينطلق بوق مركبة من على يمينك يدخل هذا الصوت إلى الأذن اليمنى قبل اليسرى بفارق واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، يوجد بالدماغ جهاز يكشف تفاضل الصوتين فيكتشف أن البوق من الجهة اليمنى، فيعطي الدماغ أمراً بالانتقال إلى الجهة اليسرى.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
2 ـ الشعر:
لكل شعرة شريان، ووريد، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، لكل شعرة. ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)

في شبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، مئة وثلاثون مليون بمليمتر وربع يعني بواقع مئة مليون مستقبل ضوئي في كل مليمتر مربع من أجل أن تميز بين ثمانية ملايين لون.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
3 ـ الدماغ:

جعل في ماء العين مادة مضادة للتجمد، جعل الدماغ يتألف من مئة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
الحديث عن الجسم والله يستغرق سنوات وسنوات، قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذاريات)
دقق في معنى الربوبية. ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
4 ـ العظم:
هذا في الإنسان، الإنسان عظمه ينمو ويصل إلى الحد المناسب ويتوقف النمو، يعبر العلماء عن هذه الحالة بنوم الخلية العظمية يكسر العظم بعد سبعين سنة تستيقظ الخلية العظمية وترمم هذا الكسر.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
لم يجعل لك في الشعر أعصاب حس وإلا أنت مضطر إلى أن تذهب إلى المستشفى وتخدر تخديراً كاملاً كي تحلق شعرك. ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
عظمة الله عز وجل في خلق الجنين حيث:
1 ـ جعل الله في طحال المولود كمية حديد تكفيه سنتين إلى أن يأكل:
نحن نفهم الأشياء فهماً سطحياً، لو تعمقنا في خلقنا لرأينا عظمة الله عز وجل، معنى الرب أعطاك كل ما تملك، الطفل الصغير ليس في حليب أمه حديد، جعل الله في طحال المولود كمية حديد تكفيه سنتين إلى أن يأكل.
2 ـ تزويد الجنين بمنعكس المص:
أعطى الطفل الرضيع منعكس المص لمجرد أن يولد يلتقم ثدي أمه ويحكم الإغلاق ويسحب الهواء فيأتيه الحليب.
3 ـ تزويد الطفل عند الولادة بمادة مذيبة للشحم:
جهازه الهضمي ممتلئ بمادة شحمية عند الولادة في أول يومين لا يأتيه الحليب يأتيه مادة مذيبة للشحم. ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
جهاز التوازن عند الإنسان من أكبر آيات الله الدالة على عظمته:
الحديث عن هذا الموضوع لا ينتهي، لكن ما معنى الرب ؟ أعطاك
كل ما تستطيع، كل ما تحتاجه من أجهزة، من أدوات، من نسج، من خصائص، يعني في بالقلب شريان ليس له وظيفة واضحة جداً، وظيفته الواضحة عند انسداد بعض الشرايين يؤخذ هذا الشريان ويوضع كقطع غيار للقلب.
الحديث بخلق الإنسان لا ينتهي، لكن معنى الرب أنه أعطاك كل ما تحتاج، قال ثم هدى، هداك إلى مصالحك، أنت ماشي لكي لا تقع أودع في أذنك الوسطى جهاز توازن جهاز التوازن ثلاث قنوات فيها سائل وفي أشعار فوق السائل فأنت إذا ملت يمنة السائل يبقى مستوياً، يمس الجدار المائل، تتحسس الأشعار، تعيد وضعك لولا جهاز التوازن ما في إنسان يمشي على قدمين أبداً، والدليل لن تستطيع أن توقف الميت على قدمه، فقد التوازن، أنت بالتوازن لك أرجل لطيفة صغيرة لولا جهاز التوازن لاحتجت إلى قاعدة استناد واسعة جداً، والدليل في بعض محلات الأقمشة يضعون تمثال لامرأة انظر إلى القاعدة سبعين سنتمتر من أجل أن يبقى هذا الجسم منتصباً.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
المشيمة عند الأم:
في قرص لحمي ينزل مع الجنين في هذا القرص شيء لا يصدق تجتمع في هذا القرص دورة دم الأم مع دورة دم الجنين، ولا يختلطان، ولكل دم زمرة ومعلوم عند الأطباء أن الدم إذا جاءه دم من زمرة أخرى ينحل فوراً، لو أن دم الأم والابن اختلطا لماتت الأم والجنين فوراً، لا يختلطان، بينهما غشاء هذا الغشاء سماه الأطباء الغشاء العاقل
يأخذ الأوكسجين من دم الأم يضعه في دم الجنين، طبعاً لما أخذ الأوكسجين قام الغشاء العاقل بدور جهاز التنفس، يأخذ المواد السكرية من دم الأم فيطرحها في دم الجنين، قام بدور جهاز الهضم، يأخذ الأنسولين من دم الأم فيطرحه في دم الجنين، قام بدور البنكرياس، صار في الجنين سكر وأوكسجين وأنسولين، يحترق السكر عن طريق الأوكسجين بوساطة الأنسولين فالجنين حرارته سبع وثلاثين، ناتج الاحتراق ثاني أكسيد الكربون يأتي الغشاء العاقل يأخذ ثاني أكسيد الكربون من دم الجنين يضعه في دم الأم، جزء من تنفس الأم ثاني أكسيد كربون الجنين، يأخذ عوامل مناعة الأم عبر الغشاء العاقل إلى دم الجنين، كل الأمراض التي أصيبت بها أمه هو محصن منها، والغشاء العاقل يختار الغذاء المناسب، البروتين، الشحوم، السكريات، الفيتامينات، المعادن، أشباه المعادن، وكأنه عالم من علماء التغذية وهذه النسب تتبدل ساعياً وينفذها، لذلك سماه الأطباء الغشاء العاقل، ولو سلم الغشاء العاقل إلى مجموعة أطباء في قمة التفوق لمات الجنين في ساعة واحدة.
الآن الطفل بحاجة إلى مادة معينة ليست في دم أمه، الأم تشتهي طعاماً فيه هذه المادة، شهوة الأم الحامل حاجة ابنها إلى بعض الأغذية.
﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ (50) ﴾
( سورة طه)
من ازداد فهماً بدقائق آيات الله في خلقه ازداد تعظيماً له:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾
( سورة فاطر)

كلما ازددت فهماً بدقائق آيات الله في خلقه كلما ازددت تعظيماً لله عز وجل وخشية له وخضوعاً له.
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
التفكر في خلق السماوات والأرض أقرب طريق إلى الله:

أعطاه الخلق الكامل، الحوت وزنه مئة وخمسين طن، خمسين طن دهن، وخمسين طن عظم، وخمسين طن لحم، ويستخرج من الحوت تسعون برميلاً زيت سمك و يرضع وليده ثلاثمئة كغ في اليوم ثلاث مرات، طن من الحليب كل يوم.

﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ (50) ﴾
( سورة طه)
من بعوضة فيها أجهزة متنوعة إلى الحوت الأزرق الذي يزيد وزنه عن مئة وخمسين طناً. ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
أنت حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تجد نفسك أمام عظمة الله وكأن التفكر في خلق السماوات والأرض أقرب طريق إلى الله، وأوسع باب تدخل منه على الله، ولا تنسى هذه الآية: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه)
المتابعة عنصر هام و أساسي من عناصر التربية:
الآن موضوع المتابعة، انظر إلى الأب الكامل العالم الرحيم الحاني، كيف أنه يتابع أولاده متى جاء ؟ متى خرج ؟ من صديقه ؟ لماذا تأخرت ؟ المتابعة، ماذا قال الله عز وجل عن هذه المتابعة:

﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (33) ﴾
( سورة الرعد)
تصور الطبيب مرّ على مريض طلب التحليل، الضغط مرتفع يعطي توجيهاً أوقفوا الملح، يرى أن هناك فقر دم يعطي توجيهاً بإعطائه أدوية فيها حديد، دائماً الطبيب يتابع حالة المريض، وكل نقص أو زيادة أو تطرف في التحليلات في قرار يتخذه، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (33) ﴾
( سورة الرعد)
هذه هي التربية، مرة ثانية اسم الرب هو أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان، لأن الإنسان الأب أب لكن مرة كنت في الطريق أمشي فإذا إنسان يصيح لإنسان آخر قال له إذا ماله أب ماله رب ؟ له رب الله يربينا جميعاً ونحن في العناية المشددة إن شاء الله.
تفرد الله عز وجل بالخلق و لا خالق إلا الله:

الآن يوجد معنى آخر للربوبية الله خالق كل شيء وحده، هنا معنى جديد، الله عز وجل يتفرد بالخلق ولا خالق إلا الله.

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (62) ﴾
( سورة الزمر)
خلق. ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾
( سورة الزمر)
تصرف، لذلك سيدنا هود قال: ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
متحدياً، الله سبحانه وتعالى يتفرد بالخلق وبالتصرف.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف:
القاعدة الدقيقة جداً أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، وفي هذا الكون آيات باهرات دالة على قيوم الأرض والسماوات.
الله عز وجل له أسماؤه الحسنى وصفاته الفضلى، قال تعالى:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
رب العالمين لا يليق ولا يقبل ولا يعقل أن تعبد غيره:
الآن من معاني الربوبية، قال تعالى:

﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) ﴾
( سورة الشعراء)
من هو الله رب العالمين ؟ قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ﴾
( سورة الشعراء )
هذا هو الرب لذلك لا يليق ولا يقبل ولا يعقل أن تعبد غير الخالق، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
من أبرز خصائص عقيدة المسلم معرفة أسماء الله الحسنى:
لعل اسم الرب اسم الله الأعظم، بل إن اسم الله الأعظم هو الاسم الذي أنت في أمس الحاجة إليه
فالفقير اسم الله الأعظم له المغني، والمظلوم اسم الله الأعظم له العدل، والضعيف اسم الله الأعظم القوي، والمهزوم اسم الله الأعظم الناصر، والجاهل اسم الله الأعظم العليم، فأنت في أية حاجة تحتاج إلى أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾
( سورة الشعراء )
لذلك أيها الأخوة الرب هو الذي يربي عباده، يربي أجسامهم، ويربي نفوسهم ويهديهم إلى مصالحهم، ويهديهم إليه عن طريق الوحي، ويهديهم بالتوفيق ثم يهديهم إلى الجنة، يهديهم إلى مصالحهم بالأجهزة والخصائص التي منحوا إياها ويهديهم إليه بالوحي ويهديهم بالتوفيق، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
ثم يهديهم إلى الجنة لذلك أيها الأخوة، معرفة أسماء الله الحسنى جزء أساسي من عقيدة المسلم بل هو من أبرز خصائص عقيدة المسلم.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:48 AM   #6


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الرابع )

الموضوع : اسم الله الرب -2-







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الرب):
أيها الأخوة الكرام، اسم الرب مناسبة للحديث عن موضوعات مهمة جداً، لأن الله سبحانه وتعالى يربينا، يسوق لنا من المصائب ما يحملنا بها على التوبة، ومعنى قول الله عز وجل:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
( سورة التوبة)
من معاني هذه الآية أنه ساق لهم من الشدائد ما يحملهم بها على التوبة.
معرفة الحدث سهلة جداً لكن تأويل الحدث يحتاج إلى إيمان:
معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
(سورة لقمان)
قال علماء التفسير: النعم الظاهرة ظاهرة، الصحة، المال، الأهل، الأولاد، المأوى، العمل، السمعة، وباطنة المصائب، فهم الظاهرة سهل جداً، لكن فهم النعم الباطنة يحتاج إلى تأمل، فالإنسان يحب سلامته وسعادته، ويحب كل شيء إيجابي، لكنه بفطرته يتألم من النقص في المال والأنفس والأولاد، فلذلك يحتاج المؤمن ليفهم حقيقة النعم الباطنة ولأن الله سبحانه وتعالى رب العالمين يربينا، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا، فكيف نفهم النعم الباطنة ؟ لابد من مثل يوضح الحقيقة، تركب أنت مركبتك في لوحة البيانات، تألق ضوء أحمر، تألق أو لم يتألق ليست هي المشكلة، تألق حتماً ورأيت تألقه رأي العين، لكن المشكلة لماذا تألق ؟ تكمن المشكلة في فهم تألقه لا في إثبات تألقه، رأيته بعينك، وهذا ينسحب على ما يجري في العالم اليوم، معرفة الحدث سهلة جداً لكن تأويل الحدث يحتاج إلى إيمان.
أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة وأن تفهمها فهماً على خلاف ما أراد الله عز وجل:
ما يجري في العالم الآن مع التواصل الإعلامي وثورة المعلومات والأرض كانت خمس قارات أصبحت قارة واحدة، فأصبحت مدينة واحدة، فأصبحت بيتاً واحداً، فأصبحت غرفة واحدة، فأصبحت سطح مكتب، ما يجري في العالم بأي مكان في العالم تراه رأي العين بعد ثوان، إذاً في ثورة معلومات، الآن البطولة ليست في التأكد من صحة الخبر تراه بعينك، الآن البطولة في فهم الخبر، في تحليله، المؤمن يملك تحليلاً دقيقاً جداً بحسب الوحيين الكتاب والسنة.
أنت راكب مركبتك وتألق ضوء أحمر في لوحة البيانات لماذا تألق ؟ إن فهمته تألقاً تزيينياً وتابعت السير احترق المحرك، وتعطلت الرحلة، وتعطل الهدف، ودفعت مبلغاً كبيراً لإصلاح المحرك، وإن فهمت التألق تألقاً تحذيرياً أوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وتابعت الرحلة وتحقق الهدف، كم هي المسافة بعيدة بين أن تفهم الضوء فهماً تزيينياً أو أن تفهمه فهماً تحذيرياً، لذلك قالوا من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر. يعني أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة وأن تفهمها فهماً على خلاف ما أرادها الله عز وجل، لذلك من الموضوعات اللصيقة باسم الرب فهم المصائب، لأنه رب العالمين، لأنه يربينا، لأنه خلقنا للآخرة، لأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، لأن هذه الدنيا أحقر من أن تكون مكافأة لإنسان أو عقاباً لإنسان والدليل أن هؤلاء الذين شردوا عنه شرود البعير يقول الله في حقهم:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
سياسة الله في معاملة عباده تبدأ بـ:
1 – الهدى البياني:
و لأن من سياسة الله عز وجل في معاملة عبادة أنه يبدأ بهدايتهم عن طريق الهدى البياني توضيح وأكمل موقف لهذا الهدى البياني أن تستجيب، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) ﴾
(سورة الأنفال)
فإن لم تستجب، في تأديب تربوي هذه المصائب، قال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
(سورة السجدة)
تماماً كالطبيب حينما يخير المريض الذي أصيب بالتهاب معدة حاد، بالحمية الصارمة تشفى فإن لم تتبع هذه الحمية الصارمة لا بد من عمل جراحي، والإنسان حينما يستجيب لله وللرسول إذا دعاه الله لما يحيه تزول عنه احتمالات المصائب، الدليل: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية: 174 )
الإنسان حينما يحقق وجوده تنتهي المعالجات.
2 ـ التأديب التربوي:
أما إذا لم يستجب الآن يخضعه الله لمرحلة أقصى يخضعه الله للتأديب التربوي، لذلك: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
( سورة السجدة)
3 ـ الإكرام الاستدراجي:
فإن لم يستجب في حالة ثالثة قلما ينجو منها الإنسان: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
هذا الإكرام الاستدراجي.
4 ـ القصم:
فإن لم يستجب كان القصم.
الهدى البياني الموقف الكامل الاستجابة، التأديب التربوي الموقف الكامل التوبة، الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل الشكر، فإن لم يستجب كان القصم، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
لذلك أفضل ألف مرة أن تكون خاضعاً للتأديب الإلهي من أن تكون خارج التأديب الإلهي، إن كنت خاضعاً للتأديب الإلهي فهناك خير كبير ينتظرك، إذا أحب الله عبده ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن شكر اقتناه.
المصائب التي يسوقها الله للإنسان هي:
1 – مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع:
أيها الأخوة الكرام، فهم المصائب يحتاج إلى إيمان، لذلك قالوا مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، الله عز وجل يدفعنا إلى بابه، يسوق لنا من الشدائد ما يدفعنا إلى بابه:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
( سورة التوبة)
أي ساق لهم من الشدائد، في آية: ﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾
( سورة البقرة)
إذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد فهي قبول التوبة، وإذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد فهي سبب التوبة، لذلك حينما تفهم على الله حكمته تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله، حينما تفهم حكمة المصائب، و في بعض الآثار:
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
الله عز وجل غني عن تعذيب عباده لكنه يسوق لنا بعض الشدائد ليرفع مقامنا:
الله عز وجل عني عن تعذيبنا، غني عن أن يسوق لنا الشدائد لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ ))
[ البخاري وأبو داود، واللفظ لأبي داود عن أبي هريرة ]
وأنا أؤكد لكم أنك إذا دخلت إلى مسجد ورأيت فيه جمعاً غفيراً فاعتقد جازماً أن عدداً كبيراً من هؤلاء كان إقباله على الله عز وجل عقب معالجة حكيمة، ومعنى مصيبة أن الله عز وجل خبير بهذا الإنسان يعرف نقطة ضعفه، الذي عنده مال وفير لا يتأثر بفقد المال قد تخدش كرامته، والذي يحتاج أشد الحاجة إلى المال قد يكون نقص المال أحد وسائل تأديبه، فينبغي أن تفهم على الله حكمته وأنك إذا فهمت على الله قطعت أربعة أخماس الطريق على الله.
لذلك مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، أحياناً لك عند الله مرتبة عملك لا يكفي كي تنالها، لا بد من أن يسوق الله لك من بعض الشدائد حتى يرفع مقامك عنده، إذاً للمؤمنين الآية الكريمة: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾
( سورة البقرة)
مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، دفع إلى باب الله ؛ ورفع لمقام المؤمن عند الله.

2 ـ مصائب الذين شردوا عن الله مصائب ردع أو قصم
لكن مصائب الذين شردوا عنه مصائب ردع أو قصم، هؤلاء زمرة أخرى.

3 ـ مصائب الأنبياء مصائب كشف:
أما الأنبياء مصائبهم مصائب كشف، في كمالات بأنفسهم لا يمكن أن تظهر إلا عن طريق الشدائد، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام مشى على قدميه إلى الطائف ثمانين كيلو متراً ليدعوهم إلى الله فبالغوا بتكذيبه، وبالسخرية منه، وأغروا صبيانهم أن ينالوا منه، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين، وحتى ألجؤوه إلى حائط وهنا قال:

(( رب، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر بسند فيه ضعف ]
و مكنه الله من أن ينتقم، جاءه ملك الجبال، و قال له:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
[ متفق عليه عن عائشة]
مصائب الأنبياء مصائب كشف، مصائب الذين شردوا عن الله مصائب ردع أو قصم، مصائب المؤمنين مصائب دفع أو رفع.
مرة ثانية:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
( سورة لقمان)
النعم الظاهرة ظاهرة وفهمها سهل، لكن النعم الباطنة تحتاج إلى تأمل، وتحتاج إلى إيمان كي تفهمها.
ما يسوقه الله عز وجل لعبده المؤمن من مصائب هو بالحقيقة رسالة عليه أن يفهمها:
الشيء الآخر أيها الأخوة الكرام، آية دقيقة جداً يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
( سورة القصص )
في الآية الكريمة المصيبة رسالة، والآن في السياسة المعاصرة في رسائل غير كتابية وغير شفهية، يصير عرضاً عسكرياً، يقال هذا العرض العسكري رسالة إلى دول الجوار أحياناً، الآن بالسياسة المعاصرة يوجد رسائل كثيرة جداً (عمل معين) سحب سفير فرضاً يسموه رسالة، الآن يجب أن نفهم فهماً عميقاً أن ما يسوقه الله عز وجل لعبده المؤمن من مصائب هو بالحقيقة رسالة والدليل هذه الآية: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
( سورة القصص )
العاقل من عرف حكمة المصيبة التي ساقها الله له:
يوجد آية أخرى:
﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) ﴾
( سورة طه )
هذه الآية دقيقة جداً إنها تعني أن كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
هذه الآية تبين أنه: " من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر "، أوضح هذه المسألة بمثل: لو أن طالباً في الصف الرابع الابتدائي قال لأبيه مرة: أريد أن أترك المدرسة (والمثل تركيبي) فالأب ببساطة ما بعدها بساطة قال لابنه: كما تريد يا بني، في اليوم الثاني لا يوجد مدرسة، لا يوجد وظائف، لا يوجد أستاذ، لا يوجد شدة، لا يوجد قسوة، لا يوجد تكليف، لا يوجد رسالة للأب تعال ابحث معنا مشكلة ابنك، شعر أنه أفضل من أي طفل آخر في الأرض، نشأ على العطالة والبطالة، وارتياد الملاهي، ودور السينما، وصحبة الأراذل، فلما كبر لا عمل ولا وظيفة ولا شهادة ولا زوجة ولا بيت فحقد على والده، قال له مرة يا أبتِ، لمّا قلت لك: لا أريد أن أدرس لمَ لمْ تضربني، لما لم تسق لي بعض الشدة، لذلك يوم القيامة حينما يكشف الله عز وجل لنا سر هذا القضاء والقدر الذي ساقه لنا ليحملنا على طاعته، والإقبال عليه، والنجاة من النار، لذابت نفوسنا محبة له.
لذلك العبرة أن تعرف حكمة المصيبة ومرة ثالثة:" من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ".
المصيبة ليست عشوائية إنما من جنس العمل:
الآن:
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (22) ﴾
( سورة الحديد )
لك عند الله كتاب أعمال، إنسان اختلس مالاً حراماً أحياناً تأتي المصيبة بتدمير هذا المال، إنسان استعلى في الأرض أحياناً يأتيه عذاب مهين، هذه المصيبة لم تكن عشوائية الدليل: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾
( سورة المؤمنون )
مستحيل أن تُخلَقوا عبثاً، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾
( سورة القيامة)
أحياناً تكف يد موظف بقرار سبقه همسات، وسبقه وشايات، وسبقه تقارير، ولجنة تحقيق، وسبقه دراسة معمقة، وسبقه اجتماع الكبراء لتقرير مصير هذا الموظف، وتمت التحقيقات، والأدلة كافية وقطعية، والموقف موضوعي وعادل، تكتب مسودة قرار، يوقع المدير على المسودة والمجلس يوقع عليها أيضاً، تطبع على الآلة الكاتبة يوقعها المدير نسخة إلى كذا، إلى كذا، آخر شيء يبلغ هذا القرار، هذا القرار لم يكن مرتجلاً سبقته دراسة طويلة جداً.
بطولة الإنسان أن يحسن فهم المصيبة لأنه إذا أحسن فهمها استفاد منها:
كل شيء يصيب الإنسان في حكمة ما بعدها حكمة، فبطولة الإنسان أن يحسن فهم المصيبة لأنه إذا أحسن فهمها استفاد منها، وإن لم يحسن فهمها لم ينتفع بها، لذلك يقول: الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. هذا فهم غير صحيح للمصيبة، تحدث مشكلات في بعض البلاد الله عز وجل قال:
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ (65) ﴾
(سورة الأنعام:65)
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل )
بطولة المؤمن أن يعتمد التفسير القرآني في تفسير المصائب:
البطولة أن تملك التفسير القرآني لما يجري، الآن في تحليلات لا تنتهي، ودراسات للأحداث، وتأملات، وتطورات، وطروحات ما أكثرها، بطولتك كمؤمن أن تعتمد التفسير القرآني:
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل )
بالمناسبة أيها الأخوة، الآيات القرآنية المتعلقة بالمصائب لفظاً ومعنىً تقترب من مئة آية، في القرآن الكريم، في كتاب الله، في وحي السماء، ينبغي أن نفهم على الله حكمته من الشدة، وأحياناً الشدة سبب النجاة وفي بعض الحكم: " ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك "، وإذا فهمت الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، فبطولة المؤمن أن يفهم حكمة المصائب عندئذ بدل أن يحقد، بدل أن يتألم، بدل أن يسحق، بدل أن يصاب بالإحباط، يستبشر ويتفاءل ويتحرك.
الله عز وجل غنيّ عن تعذيب عباده:
الآية التي بعدها:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (165) ﴾
( سورة آل عمران)
اعتقد يقيناً أن الله غني عن تعذيبنا، وما يفعل هذا الإله العظيم، الرب الكريم، خالق السماوات والأرض، بعبد ضعيف ؟ ما يفعل بهذه المصيبة التي يسوقها إليه ؟ حتى إنه ورد في بعض أحداث السيرة:
(( رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْكَب ))
[ أحمد عن أنس ]
الله غني عن تعذيبنا، لذلك هناك حقيقة بالإسلام خطيرة جداً، لا يمكن أن تكون المشقة مطلوبة لذاتها إطلاقاً.
صباحاً في أيام الشتاء القارس يوجد صنبور ماء بارد لا يحتمل، وصنبور ماء دافئ، تقول: أنا أريد أن أتوضأ بالماء البارد حتى يكبر أجري، ما لك أجر، لأن المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها توضأ بالماء الدافئ.
تقول أنا سأسافر إلى الحج ماشياً حتى يتضاعف الأجر، ما لك أجر، لما كان الحج طريقه الوحيد هو المشي أو ركوب الجمل لك أجر كبير.
أثناء الطواف يوجد ازدحام كبير لك أجر كبير، أما حينما تبتغى المشقة لذاتها هذا فهم خاطئ في الإسلام: (( إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْكَب ))
[ أحمد عن أنس ]
آيات التوحيد:
الآن:
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (11) ﴾
ومن يؤمن بالله، الذي يؤمن بأن الله في يده كل شيء. ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف )
وأن الله عز وجل: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
( سورة هود)
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
( سورة هود)
وأنه: ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
( سورة الكهف)
هذه آيات التوحيد، ومن يؤمن أن الله فعال، في الأرض إله وفي السماء إله، والأمر كله بيده، قال تعالى: ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا (59) ﴾
( سورة الأنعام)
من آمن بالله يكتشف الحكمة من وراء المصيبة التي أصابته:
أنت حينما تؤمن بالله إيماناً دقيقاً تكتشف أن هذه المصيبة وراءها حكمة بالغة.
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (11) ﴾
( سورة التغابن)
إلى حكمتها.
أحياناً تأتي المصيبة من جنس المعصية، كمثل إنسان عليه زكاة مال، أحد عشر ألفاً وخمسمئة وعشرين ليرة بالضبط، ضغطت عليه زوجته ضغطاً لا يحتمل ليصلح البيت بهذا المبلغ فاستجاب لها، مركبته أصابها حادث، بعد أن أصلحها الفاتورة بالضبط أحد عشر ألفاً وخمسمئة وعشرين ليرة، توافق الرقمين رسالة من الله عز وجل، إذاً هذا إعلام من الله عز وجل.
بالمناسبة لا يمكن لمربي أن يعاقب دون أن يبين. ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (22) ﴾
( سورة الحديد )
إلى حكمتها.
لكل مصيبة حكمة فإذا فهم الإنسان الحكمة عاد المنع عين العطاء:
أنت اسأل الله عز وجل: يا رب ما حكمة هذه المصيبة ؟ لكل مصيبة حكمة ابحث عنها، أما أن تقبل هذا الأمر من دون فهم أو بفهم ساذج يقول: قلب لي القدر ظهر المجن. فهذا كلام مضحك لا معنى إطلاقاً، الأيام يومان: يوم لك ويوم عليك، هكذا شأن الحياة، حينما تفهم المصيبة فهماً وثنياً، فهماً بعيداً عن فهم الإيمان، فأنت واقع في خطأ كبير، يجب أن تفهم أن الله سبحانه وتعالى غني عن تعذيب عباده، فإذا ساق لهم بعض الشدائد لحكمة بالغة، وينبغي أن نفهم أيضاً أن تقنين الله ـ إن صحّ التعبير ـ لا يمكن أن يكون تقنين عجز، لا بد من أن يكون تقنين تأديب، حتى في الأمطار، قال تعالى:
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾
( سورة الجن )
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 96 )
آيات كثيرة، فمن ألصق الموضوعات لاسم (الرب) المصائب التي يسوقها الله لعباده، و المؤمن في ضوء القرآن الكريم، وفي ضوء النور الذي ألقي في قلبه يفهم حكمة الله من المصائب، فإذا فهم الحكمة عاد المنع عين العطاء.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:51 AM   #7


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الخامس )

الموضوع : اسم الله المولى -1-







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى ( المولى ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم من أسماء الله الحسنى، ومع اسم ( المولى ).

اسم ( المولى ) ورد مطلقاً ومضافاً
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم، ورد مطلقاً وورد مضافاً، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال )
وفي آية ثانية: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾
( سورة الحج )
ورد مضافاً: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
وقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾
( سورة التوبة)
الحاجة إلى التدين:
أيها الإخوة الكرام، أريدَ بهذا الاسم العلمية، وأريدَ به الدلالة على كمال الوصفية، وهذا الاسم ينقلنا إلى موضوع دقيق، وهو الحاجة إلى التدين.
الحاجة إلى التدين حاجة في أصل فطرة الإنسان، لماذا ؟ لأن الإنسان خلق ضعيفاً، هكذا خلقه الله عز وجل.

نقاط مهمة في خلق الإنسان:
1 – الضعف:
ضعفُ الإنسان لصالحه:
وهذه نقطة ضعف في أصل خلقه، ولكنها لصالحه تماماً ؛ كهذه الوصلة الضعيفة في الآلات الغالية جداً، لو جاء تيار كبير لساحت، وانقطع التيار، وسلم الجهاز، فطبيعة ضعف الإنسان لصالحه، لأن الإنسان خلق ضعيفاً، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ (15) ﴾
( سورة فاطر)
الإنسان بكامل قوته، وبكامل جبروته أحياناً، وبكامل طغيانه قطرة دم لا ترى بالعين تتجمد في بعض أوعيته أو في دماغه فيصاب بالشلل، وفي مكان آخر يصاب بالعمى، وفي مكان ثالث يصاب بفقد الذاكرة، فالإنسان ضعيف، وقد خُلِق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، لذلك أحياناً يغتني الإنسان أو يقوى فينسى ربه، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾
( سورة العلق )
مع أنه ضعيف، ومع أنّ أي خلل في جسمه يجعل حياته جحيماً، أحياناً قد يقوى بماله أو بمنصبه أو بعلمه المادي فيطغى، لذلك: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾
(سورة المدثر)
إذاً: من فضل الله علينا، ومن نعمته العظمى أننا ضعاف، ومع الضعف الافتقار إلى الله، ومع الافتقار إلى الله سعادة وأيّ سعادة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُم أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 123 )
أما في حُنين: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
أيها الإخوة الكرام، الآية: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾
( سورة النساء )
هكذا خلق، وهذا الضعف في أصل خلقه لصالحه.
أذكركم مرة ثانية، الضعف في الإنسان تماماً كالقطعة تسمى بالمصطلح الأجنبي الفيوز، قطعة في آلة غالية جداً، عظيمة النفع، معقدة التركيب، هذه القطعة الضعيفة إذا جاء تيار قوي من شأنه أن يحرق الآلة تسيح هذه الوصلة الضعيفة، فيسلم الجهاز، وكذلك الإنسان، هذا أول بند في نقاط ضعف الإنسان.

2 – العَجَل:
نقطة ثانية:
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) ﴾
(سورة الإسراء)
معنى الجزع:
يريد الشيء السريع، يريد المتعة الآنية، لذلك يعيش معظمُ الناس لحظتهم، يستمتعون، وينسون آخرتهم، ينسون مغادرة الدنيا، فلذلك البطولة لا أن تعيش الماضي، أو أن تتغنى بالماضي، ولا أن تعيش الحاضر، لكن البطولة والعقل والذكاء أن تعيش المستقبل، ماذا في المستقبل ؟ في المستقبل مغادرة الدنيا، وأخطر حدث في حياة الإنسان المغادرة، وما من إنسان أشد عقلاً مِن هذا الذي يعد لهذه الساعة التي لا بد منها، الإنسان عجول، يحب البيت الواسع، والمركبة الفارهة، والزوجة الجميلة، ولو أضر هذا بآخرته.
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) ﴾
(سورة الإسراء)
لذلك حينما يختار الإنسان هدفاً بعد الموت يرقى عند الله، لأنه عاكس طبعه، ومعظم الناس يبحثون عن متع آنية، وعن مكاسب وقتية، يعيشون لحظتهم، ولا يعيشون مستقبلهم والكيّس العاقل من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
إذاً: البطولة أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا.

3 – الهلع:
نقطة ضعف ثالثة في حياة الإنسان، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
هكذا خلق.
معنى الهلع:
معنى ( هلوعًا ) جاء شرحه بعد قليل:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
إذا شعر الإنسان أن فيه ورما بسيطا إلى أن يتأكد ما إذا كان ورماً حميداً أم خبيثاً لا ينام الليل، هذا شأن أيّ إنسان، إن شعر أن في قلبه خللا، والحياة منوطة بالقلب، لذلك لا ينام الليل.
طبيعة الإنسان أنه خلق هلوعا، إذا مسه الشر كان جزوعا، ولولا أنه هلوع لما تاب تائب إلى الله، ولولا أنه هلوع لما اقتيد الإنسان إلى باب الله عز وجل، ولولا أنه هلوع لما اصطلح مع الله، لأنه هلوع فالله عز وجل جعله بهذه الصفة لتسهل توبته، وتسهل عودته إلى الله، وليصطلح مع الله.
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلان فقد اصطلح مع الله ))
[ ورد في الأثر ]
أيها الإخوة الكرام، ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
الهلوع: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
ثلاث نقاط ضعف هي موضع قوة الإنسان:
الإنسان حريص على سلامته وعلى رزقه، فأيُّ شبح مصيبة لاحَ له في الأفق يهدد سلامته، أو يهدد رزقه انخلع قلبه له، إذاً: الله عز وجل يسوقه إلى بابه، يسوقه إلى التوبة، يحمله على التوبة، يقوده إلى الصلح مع الله عز وجل، فهذه نقاط ثلاث لصالح الإنسان، أن الإنسان عجول وضعيف وهلوع.
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
فهو حريص على ما في يديه، لماذا ؟ لأن هذا الحرص يرفع مقامه عند الله إذا أنفقه، أنت حريص على المال، فإذا أنفقته ترقى عند الله، مع أن المال محبَّب، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران)
لأن هذه الأشياء محببة إلينا فبإنفاقها يرقى الإنسان، إذاً: هذه نقاط أساسية في أصل خلق الإنسان لصالحه، هذه النقاط الثلاث نقاط الضعف في أصل خلقه هي سبب كبير في حاجته إلى التدين، وأيّ إنسان بحاجة إلى التدين، حتى الذي يعتقد اعتقادات خاطئة، حتى الذي يعبد الحجر والشمس والقمر، ويعبد أشياء من دون الله، الدافع الأساسي للتدين أنه ضعيف، خلق الإنسان ضعيفا، فالبطولة وأنت بحاجة ماسة إلى التدين أن تعبد الإله الحقيقي، أن تعبد خالق السماوات والأرض، أما الذين عبدوا من دونه وثناً وشمساً وقمراً وحجراً هم يبحثون عن شيء يطمئنهم، هم ضعاف، حتى الإنسان غير المؤمن في منصب رفيع في العالم الغربي يلجأ إلى فلكي ليرسم له مستقبله، الإنسان ضعيف، وهذه نعمة كبرى لصالح المؤمن.
الإنسان محتاجٌ إلى مولى:
أيها الإخوة الكرام، دققوا في قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال)
أنت بحاجة إلى مولى، بحاجة إلى مرجع، بحاجة إلى مربٍّ، بحاجة إلى سند، بحاجة إلى من يدعمك، بحاجة إلى من تتوكل عليه، بحاجة إلى من يطمئنك، بحاجة إلى جهة قوية تحتمي بها من شرور أعدائك، هذا شيء طبيعي جداً في الإنسان، إلا أن المؤمن وصل إلى الإله الحقيقي، وصل إلى خالق السماوات والأرض، وصل إلى مَن بيده كل شيء، وصل إلى من بيده مصائر الخلائق، والله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
( سورة هود)
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك، فلابد أن تعتقد أن الله هو المعطي وحده، وهو المانع، وهو الخافض، وهو الرافع، وهو المعز، وهو المذل، وهو الناصر، وهو المغني، وهو الرازق، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى يد الله تعمل وحدها، التوحيد أن تتجه إلى الله، فلذلك التوحيد يقود إلى طاعة الله عز وجل، وهو نعم المولى، هو عليم، لا تحتاج مع الله إلى إيصال، ولا إلى حلف يمين، هو يعلم، وبعضهم قال: الحمد لله على وجود الله، هو يعلم هو معك، أعداءك بيده، أقرب الناس إليك بيده، فإذا أحبك الله سخر لك أعداءك ليخدموك، وإذا تخلى الله عنك ـ لا سمح ولا قدر ـ يتطاول عليك أقرب الناس إليك، فهذه كلمة دقيقة جداً: ليس إلا الله، وهذا معنى: لا إله إلا الله.
وكما بينت في لقاءات سابقة أنه لا ينبغي أن تقول: الله ضار، الله ضار نافع، يضر لينفع، ومانع معطٍ، يمنع ليعطي، وخافض رافع، يخفض ليرفه، ومذل معز، يذل ليعز، إذاً: أسماء الله تعالى كلها حسنى، والذي يبدو لك من شدة و جبروت هي لصالح المؤمن:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) ﴾
( سورة الأنعام)
مثلٌ للتوضيح: تصور ابنا له أب محترم جداً، عالم أخلاقي، وضعه المادي جيد جداً، وهذا الأب حريص على ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له غرفة خاصة، تابع تربيته الأخلاقية، تربيته الإيمانية، تربيته الدينية، تربيته العلمية، تربيته الاجتماعية، تربيته النفسية، تربيته الجسمية، تربيته الجنسية، تابعه ووضعه في أفضل المدارس، هيأ له أفضل المدرسين، اهتم بصحته، اهتم بعاداته، وتصور ابنا ماله أب، وأمه مشغولة عنه بالأسواق، وهو في الأزقة ومداخل البنايات، من مخفر إلى مخفر، من مكان إلى مكان، عنده تُهَمٌ كثيرة جداً، تُهَمٌ أخلاقية، و تُهَمٌ مالية، وعنده سرقات، وله إضبارة واسعة، وازن بين هاذين الشابين، شاب بأعلى درجات الانضباط والكمال، وشاب بأسوأ درجات التفلت والانحلال. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
اسمعوا الآية:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد)
لك مرجع، لك كتاب تقرأه، هذا حرام، هذا حلاب، لك إله تدعوه في الليل، لك إله عظيم تسأله فيجيبك، تستغفره فيغفر لك، تتوب إليه فيتوب عليك، لك مرجع، في حياتك منظومة قيم، هناك شيء حلال وشيء حرام، شيء ممكن وشيء غير ممكن، شيء مباح وشيء مكروه، شيء واجب وشيء مستحسن، أنت تعيش بمنظومة قيم، وهذا من فضل الله علينا. ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد)
يصعد صعوداً حاداً، ويسقط سقوطاً مريعاً، يأتيه المال من كل جهة فينفقه بلا وعي، مع الكبر والغطرسة، فيسحقه الله عز وجل، ويدمر ماله، الفرق كبير جداً. ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
( سورة السجدة)
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
( سورة القلم )
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾
( سورة القصص )
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
أيها الإخوة، من نعم الله الكبرى أن يكون الله عز وجل وليك، قال تعالى:
﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال)
آية واحدة تملأ قلبك طمأنينة: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 216 )
إذا فتح الله عليك باب الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))
[ أخرجه مسلم]
لذلك أيها الإخوة، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
الله عز وجل يتولى أمرنا، وقد تضيق علينا الدنيا، وأحيانا تشح السماء، فيقيم المسلمون صلاة الاستسقاء، ويلجؤون إلى الله، أحياناً يأتي شبح مرض، هذا المرض سبب توبة نصوح، أحياناً يأتي شبح فقر، هذا الفقر يسوقنا إلى باب الله، بطولتك أن تفهم حكمة الله في المصائب، البطولة أن ترى حكمة الله في أفعاله، لأن الله عز وجل حكيم.
كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
نعم المولى، فهو عليم، حكيم، قدير، وقعت في ورطة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ إن دعوته أولاً فهو موجود، ثانياً يسمعك، ثالثاً قادر على أن يلبيك، رابعاً يحبك، فهو موجود وسميع، وقدير ورحيم.

تولِّي الله حفظ ونصرَ أنبيائه:
1 – موسى عليه السلام:
لذلك قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم. ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
2 – يونس عليه السلام:
سيدنا يونس كان في بطن الحوت:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 88 )
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا
شيء آخر:
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ﴾
( سورة التوبة الآية: 15 )
أنت حينما تطيع الله عز وجل وحينما تعبده دقق ينشأ لك حقاً عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة: 18 )
لو أن الله قبِل دعواهم لما عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه.
هذا ما يتمتّع به المؤمن الذي تولاّه الله:
1 – الأمن:
المؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به أحد على الإطلاق، والدليل:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، أي لهم ولغيرهم، هذه البلاغة عبارة قصر وحصر. ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
2 – الحكمة:
يتمتع المؤمن بالحكمة:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾
( سورة البقرة)
3 – الرضى:
يتمتع المؤمن بالرضى، فلذلك حينما يسوق الله الإنسانَ إلى بابه عن طريق مصيبة، أو شبح مصيبة، أو ضيق، أو عدو جاثم على صدره، أو شبح فقر، أو شبح مشكلة، فهذه في الفهم الإيماني نعمة باطنة:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان: 20)
إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى:
وأقول لكم هذه الكلمة: حينما يتابعك الله عز وجل، وحينما يخضعك لتربيته فأنت في خير عميم، وأنت في نعمة كبرى، إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى، لكن المصيبة الكبيرة أن يتابع الله نعمه عليك، وأنت تعصيه، المصيبة الكبيرة أن تكون خارج العناية الإلهية:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا (11) ﴾
( سورة محمد )
أحياناً يشدد عليهم أحياناً يضيق عليهم أحياناً يسلط عليهم عدوهم. ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
( سورة القصص )
الآن دققوا: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
( سورة القصص )
لذلك إذا كنت ضمن العناية المشددة فالله يتولى أمرك، وإذا تولى الله أمرك فأنت في نعمة كبرى، في متابعة من ضمن الله عز وجل.
إذا أخطأت جاء العقاب، أو أسرفت في الإنفاق جاء التقتير، أو استعليت على إنسان جاء التأديب الذي من نوع هذه المعصية فصار تحجيما، كإنسان تطاول عليك، لأن الإنسان حينما يتطاول على غيره الله يؤدبه من جنس الذنب.

الخاتمة:
الخلاصة: مادمت خاضعاً للعناية الإلهية فأنت في نعمة كبرى، لأن الله مولاك، نعم المولى ونعم النصير، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 257 )
فيا أيها الإخوة الكرام، هذا الاسم ( المولى ) من أقرب الأسماء للإنسان، ولي أمرك، يتولى شؤونك، ينعم عليك، يقتر عليك، يرفعك، يخفضك، يملأ قلبك طمأنينة، أو يملأ قلبك خوفاً، يتولى أمر جسمك، وأمر نفسك، وأمر مستقبلك، وأمر إيمانك، وأمر عقيدتك، وأمر علاقاتك، هذا التولي نعم المولى ونعم النصير.
هذا الاسم أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية، من أقرب الأسماء للإنسان، ولأن الإنسان عنده نقاط ضعف ثلاث ؛ خلق هلوعا، وكان عجولا، وخلق ضعيفاً، نقاط الضعف تستوجب أن يكون له سند قوي يلجأ إليه، يحتمي به، يستعيذ به، يتوكل عليه، يعتمد عليه، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 07:52 AM   #8


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( السادس )

الموضوع : اسم الله المولى -2-









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع اسم الله ( المولى ):
أيها الإخوة الكرام، لازلنا مع الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى ( المولى )، أيْ أن الله عز وجل يتولى عباده المؤمنين، يتولاهم بالرعاية، يتولاهم بالتربية، يتولاهم بالمعالجة.
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (257) ﴾
( سورة البقرة )
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
المعية العامة والمعية الخاصة:
لذلك أيها الإخوة الكرام، فرّق العلماء بين معية الله العامة ومعيته الخاصة، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (4) ﴾
( سورة الحديد )
أي: معكم بعلمه، مع أيّ مخلوق ؛ مع المؤمن، ومع الكافر، معكم بعلمه، أما إذا قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾
( سورة الأنفال)
هذه المعية الخاصة، أي هو معهم بالتأييد والنصر، والحفظ والتوفيق، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
المعية الخاصة تستلزم الولاية الربانية:
الحديث النبوي الشريف الذي يبين هذه المعية، ويبين هذه الرعاية وهذا الحفظ هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
[ البخاري ]
ولم تَرِد كلمة الحرب إلا في موضعين، في موضع في القرآن الكريم، وموضع في الحديث الشريف، الموضع الأول: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
( سورة البقرة )
في موضوع الربا، وما من معصية توعد الله في القرآن مرتكبها بالحرب إلا الربا، وفي الحديث الشريف الصحيح:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
قبل أن تقف في خندق مُعادٍ للحق، هل تعلم مَن هو الطرف الآخر ؟
إن الإنسان في الحياة المدنية قبل أن يتطاول على إنسان يمثل الحكومة هل تعلم من هو الطرف الآخر في حياتنا اليومية ؟ فإذا تطاول الإنسان على دين الله، وعلى شرع الله، ووصل إلى الأشياء التي هي مقدسة في حياة المسلمين فلينتظر الحرب من الله عز وجل.:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
المفهوم القرآني للولي:
1 – الوليُّ هو المؤمن بالله:
مَن هو الولي ؟ المفهوم القرآني للولي:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) ﴾
( سورة يونس)
إنَّ أيَّ مؤمن يجب أن يكون ولياً لله.
2 – الوليُّ هو المتَّقي الله:
تعريف الولي في القرآن الكريم:
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) ﴾
( سورة يونس)
لو ضغط الدين كله في كلمتين لكانت الكلمة الأولى: أنك آمنت بالله، والكلمة الثانية: تتقي أن تعصيه، لذلك يمكن أن تضغط رسالات الأنبياء كلها في كلمتين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
( سورة الأنبياء)
لذلك قال العلماء: " نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى "، فإذا وحدت الله، واتقيت أن تعصيه فقد حققت الهدف من وجودك، وقد وضعتَ يدك على حقيقة الدين.
هذا الراعي الذي امتحنه سيدنا عبد الله بن عمر، قال له: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ .
هذا الراعي وَضع يده على جوهر الدين.
في أيّة لحظة تقول: أين الله فقد وضعت يدك أيها الأخ الكريم على حقيقة الدين، لذلك يمكن أن يضغط الدين كله في كلمة واحدة، وهي الاستقامة، وما لم نستقم على أمر الله فلن نقطف من ثمار الدين شيئاً، لذلك الحديث الشريف الذي جاء على صيغة حديث قدسي:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... ))
هنيئاً لمن وقف مع الحق، والويل لمن وقف في خندق معادٍ للحق، فالولي الذي آمن بالله واتقى، أن يعصيه، لأن نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فإذا وحّدتَ الله وعبدته فقد حققت الهدف من وجودك، لذلك قال تعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
( سورة النساء)
معرفةُ الله مقرونة بالتقرب إليه وطاعته:
الآن لا معنى لأن تعرف الله من دون أن تتقرب إليه:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾
( سورة الكهف)
الآية: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
( سورة فصلت)
كأن الله عز وجل أراد أن يلخِّص القرآن كله في كلمة واحدة: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
( سورة فصلت)
ماذا يوحى إليه ؟
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾
( سورة الكهف)
إذاً: لو قلت: إن الشمس ساطعة، ويا لها من شمس ساطعة، وأنت في أمسِّ الحاجة إلى ضوء الشمس، ولم تتعرض لأشعة الشمس، وأنت تعاني من مرض جلدي، وعلاجه الوحيد التعرض إلى أشعة الشمس، فمهما تحدثتَ عن أشعة الشمس، مهما أثنيتَ على أشعة الشمس، مهما بينتَ فائدة أشعة الشمس، وأنت قابع في غرفة مظلمة فهذا الكلام لا قيمة له إطلاقاً ما لم تتحرك نحو أشعة الشمس.
لا تكن صاحبَ إيمانٍ إبليسيٍّ:
الإيمان من دون عمل قد يوصف أحياناً بأنه إيمان من نوع إيمان إبليس، قال تعالى:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ﴾
( سورة ص)
إبليس قال: رب، آمن به رباً، وآمن به عزيزاً، وقال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ (12) ﴾
( سورة الأعراف)
آمن به خالقاً، وقال: ﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾
( سورة الأعراف )
لذلك ترداد كلمات الإيمان من دون عمل لا قيمة لها إطلاقاً: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
( سورة الكهف )
مراتب التقرُّبِ إلى الله لنيلِ منزلةِ الولاية:
1 – وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ:

قد بينت من قبل أن الإنسان إذا استقام على أمر الله يَسلم، أما إذا عمل الصالحات يسعد، وفرق كبير بين السلامة والسعادة، مع أن كل إنسان على وجه يتمنى السلامة والسعادة، لذلك الحديث القدسي الشريف:
((... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... ))
[ البخاري عن أبي هريرة ]
الفرائض أولاً، أداء الفرائض مقدم على أي شيء، أعظم قربة إلى الله أن تؤدي الفرائض:
((... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... ))
أيها الإخوة، حينما يقول الإنسان: هذه فريضة، ما معنى فريضة ؟ أي أن سعادتك تتوقف عليها.
للتقريب: كيف نقول: إن استنشاق الهواء فريضة، لأن حياة الإنسان متوقفة على استنشاق الهواء.
شرب الماء فريضة، لأن حياة الإنسان متوقفة على شرب الماء.
تناول الطعام فريضة، لأن أي حياة الإنسان متوقفة على تناول الطعام، فتناول الطعام، وشرب الماء، واستنشاق الهواء فرائض، بمعنى أن حياة الإنسان متوقفة عليها.
أما الحرام فهو الذي يحرم النفس من سعادتها وسلامتها، وحينما تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك، وليست حداً لحريتك تكون فقيهاً، فإذا رأيت لوحة كتب عليها: " ممنوع التجاوز، حقل ألغام "، فأنت لا تشعر أن واضع هذه اللوحة أراد أن يقيد حريتك، بل تعلم علم اليقين أنه أراد أن يضمن لك سلامتك، لذلك في اللحظة التي تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك وسعادتك تكون فقيهاً، وحينما تفهم أن أوامر الدين قيد لحريتك تكون بعيداً عن فهم الدين الصحيح.

2 – وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ ))
أول مراتب القرب من الله أداءُ الفرائض، والفريضة ما تتوقف عليها سعادتك وسلامتك.
عندنا أشياء في الدين حدية، وعندنا أشياء نسبية، فتركُ المحرمات حديٌّ، لا تفاوت في ذلك ولا تفاضل، كما أن عندنا في اللغة العربية أفعالا لا تقبل التفاوت، كفعل ( مات )، لا تقل: فلان أموت من فلان، الموت حدي، له حالة واحدة، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تنوعت الأسباب والموت واحد، فهناك أفعال لا تقبل التفاوت بل هي حدية، وهناك أفعال تقبل التفاوت، تقول: أنا أكثر منك مالاً، المال نسبي يزيد وينقص، فالاستقامة ما فيها تفاوت، الاستقامة حدية، فالذي نهانا عنه النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن ننتهي عنه كلياً.
تقريباً: كمستودع الوقود السائل، له صفة سلبية وصفة إيجابية، الصفة السلبية أنه محكم، والإحكام حدي، هي حالة واحدة، إذا قلت: محكم، يعني أنه محكم، تضع فيه ألف لتر، وتغلقه بإحكام، وتغيب مئة عام، ترجع وتجده كما تركتَه، لأنه محكَم، إن لم يكن محكَماً فعدم الإحكام نسبي، قد تقلّ الكمية بعد شهر، أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، أو بعد ساعة، فعدم الإحكام نسبي، أما الإحكام فحدي، الاستقامة حدية، لا تقبل التفاوت، لذلك إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فأقلّ ممرض في المستشفى مع أعلى طبيب في المستشفى لابد من تعقيم الإبرة، أما العلم فمتفاوت، الفرق كبير جداً بين الممرض والطبيب، أما من حيث تعقيم الإبرة فلو أراد طبيب متفوق جداً أن يعطي إنسانا حقنة فلا بد من تعقيمها، ولو جاء ممرض ليعطيه هذه الحقنة فلا بد من تعقيمها بقواعد ثابتة وحدية، فالاستقامة حدية، والأعمال الصالحة متفاوتة، هذا المستودع له صفة واحدة، هي أنه محكم، حدي، أما إملاءه فبحسب الرغبة، فإنسان وضع فيه مئة لتر، وإنسان آخر وضع مئتين، وإنسان آخر خمسمئة، وهكذا.
لذلك أول قربة إلى الله حدية، وهناك فرائض طوعية،
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
بينَ عبدِ الشكر وعبدِ القهرِ:
بالمناسبة كلمة ( عبد ) تجمع على جمعين، هناك عبد جمعه عبيد، وعبد جمعه عباد، والفرق كبير بين العبيد والعباد، العبد عبد القهر يجمع على عبيد، وعبد الشكر يجمع على عباد، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
( سورة الحجر: 42)
هذا عبد الشكر، وكل إنسان عبد لله، بمعنى أنه مقهور، كل إنسان سلامته متوقفة على سيولة دمه، فأيّ إنسان تجمدت قطرة دم في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل، فالإنسان مقهور، مقهور بخثرة في الدماغ، مقهور بتشمع الكبد، مقهور بفشل كلوي، مقهور بورم سرطاني، فكل إنسان عبدٌ لله، عبد بمعنى أنه في قبضة الله، فهذا العبد عبد القهر يجمع على عبيد: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) ﴾
( سورة فصلت:46)
أما العبد الذي عرف الله، وأقبل عليه، وانضبط بمنهجه فهذا العبد يجمع على عباد: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
( سورة الحجر:42)
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ﴾
( سورة الحجر)
واللغة دقيقة جداً، والفرق بين الجمعين واضح جداً، لذلك:
التقرُّب إلى الله سهلٌ جدا:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي ))
وهذه نسبة تشريف، فقد شرفنا الله عز وجل بأن نسبنا إلى ذاته العلية:
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
معنى ذلك أن العلاقة مع الله واضحة، الله عز وجل يحب من يتقرب إليه، وأحياناً يكون التعامل مع جهة صعب جداً، جهة مزاجية، ليس لها قاعدة تضبط تعاملها مع الآخرين، التعامل مع إنسان مزاجي صعب جداً، لكن التعامل مع رب العالمين سهل جداً، الله يحب الصادقين، يحب المتوكلين، يحب التائبين، وهناك عدد من الآيات تثبت هذا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾
( سورة آل عمران)
﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾
(سورة البقرة)
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) ﴾
(سورة البقرة)
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ (222) ﴾
(سورة البقرة)
وهكذا فالتعامل مع الله سهل جداً
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ ))
هناك صلاة نافلة، وصيام النوافل، وصدقة وقيام ليل:
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
هناك شيء دقيق جداً، لو أن الإنسان مشى إلى الله خطوة مشى الله إليه خطوات، لمجرد أن تفكر أن تتقرب إلى الله رأيت أن الله عز وجل قد ملأ قلبك سعادة، ملأ قلبك طمأنينة، ملأ قلبك رضى، وهناك تجاوب سريع جداً من الله عز وجل، بل إن الله ينتظرك، وقد ورد في بعض الآثار:
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلى، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين ))
[ ورد في الأثر ]
حينما تقبل على الله لا تدري أن الله أَفرَحُ بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد.
النبي عليه الصلاة والسلام قدّم صورة رائعة جداً لأعرابي ركب ناقته:
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ))
[ مسلم ]
(( لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته ))
[ متفق عليه ]
فلذلك حينما ترجع إلى الله وتتوب إليه يفرح الله بك، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض: أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
وإذا أحبك الله فلا تعبأ بشيء آخر، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39) ﴾
(سورة طه)
لذلك إذا أحبك الله خدمك أعداءك، وإذا تخلى الله عنك يتطاول عليك أحبابك.
(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))
كيف تتجلّى ولاية الله للمؤمنين ؟
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟
1 – فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ:
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
الآن بدأنا باسم الولي، الإنسان يستمع إلى ملايين الموضوعات في حياته، أما المؤمن فسمعه منضبط بالمنهج الإلهي.
بالمناسبة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستوعب الباطل، حياتنا جميعاً، حياة أهل الأرض لا تكفي لاستيعاب الباطل، لأن الباطل متعدد، تماماً كما في الهندسة ؛ بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، حاول أن تمرر مستقيما آخر يأتي فوقه تماماً، لذلك الحق لا يتعدد، والدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾
( سورة الأنعام: 153 )
بين نقطتين يمر مليون خط منكسر، يمر مليون خط منحنٍ، لكن لا يمر إلا خط مستقيم واحد، لهذا قيل: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، أما المعركة بين باطلين فلا تنتهي، وفرق كبير بين معركة لا تكون أصلاً، وبين معركة لا تطول، وبين معركة لا تنتهي.
الآن:
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ (257) ﴾
(سورة البقرة )
جمع: ﴿ إِلَى النُّورِ (257) ﴾
(سورة البقرة )
مفرد: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
( سورة الأنعام: 153 )
لذلك أيها الإخوة الكرام، حياتنا جميعاً لا تكفي لاستيعاب الباطل، الباطل متنوع، ويمكن أن تمضي عشر سنوات أو عشرين سنة في دراسة فئة ضالة، والفئات الضالة تنتظمها قواعد تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد نصوص موضوعة، ونزعة عدوانية، فالباطل لا تكفي حياتنا لاستيعابه، لكن الحق واحد، من السهل جداً أن تستوعب الحق في عمر معتدل، فصار كل شيء خلاف الحق باطلا، لذلك الطريق سالك، ويمكن أن تستوعب الحق.
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
الإنسان يستمع إلى ملايين المقولات، فيغربلها، استوعب الحق، هذه الفكرة خلاف القرآن، هذه الفكرة خلاف الحديث الصحيح، هذه الفكرة خلاف المنهج، هذه الفكرة خلاف ما في كتاب الله عز وجل، فالأصل كتاب الله، هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(( فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))
هناك كلمات لا معنى لها، كلمات فيها تناقض مع القرآن الكريم، لذلك قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، هذه من صفات القلب السليم، السمع مضبوط بمنهج الله عز وجل، إنسان يردّ مليون مقولة، بل ويركلها بقدمه إن خالفت منهج الله عز وجل، عنده حق، عنده ميزان، عنده مقياس.
2 – وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ:
قال:
(( وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ))
لو أن إنسانا نظر إلى بناء يأخذ بالألباب، لكن صاحبه تاجر مخدرات، جمعه من مال حرام، فإنه لا يحترم صاحب هذا البناء، يحتقره لأن عنده ميزانًا، لذلك المؤمن منضبط، سمعه منضبط، وبصره منضبط، الأشياء لها صورة ولها حقيقة، يمكن أن يحترم إنسان دخله محدود جداً من حلال، ويحتقر إنسان بنى مجده على أنقاض الناس، أو على حياة الناس، أو على أمن الناس، أو على خوف الناس، فالآن تقييمه للأشياء مبني على نور ألقاه الله في قلبه، فيقيّم الأشياء بميزان دقيق، بمنظومة قيم رائعة جداً.
3 – ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا:
((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا ))
لا يتحرك حركة إلا وفق منهج الله، إن أعطى أَعطى لله، وإن منع مَنع لله، وإن رضي رَضي لله، وإن غضب غَضب لله، وإن وَصل وصل لله، وإن قطع قَطع لله، هكذا.
4 – ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا:
((ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا ))
لا تقوده رجله إلا إلى عمل صالح، أو أمر بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو لارتياد بيوت الله، أو لإصلاح بين شخصين، حركته كلها في سبيل الله.
5 – وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ:
((وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ))
أصبح مستجاب الدعوة. ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) ﴾
( سورة البقرة )
هذا معنى الولي.
6 – وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ:
((وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))
إذا التجأ إنسان إلى الله عز وجل فإنّ الله يلبي فوراً، أصبح مستجاب الدعوة
(( وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
قرأت تاريخ سبعين صحابيا من الصحابة الأجلاء، ما منهم واحد إلا كان في ساعة الموت في أسعد لحظات حياته، قال تعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة يس )
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟ أن هذا المؤمن تحت رعاية الله، وحفظه، وتأييده، ونصره، يتولاه بالرعاية، يتولاه بالحفظ، يتولاه بالتأييد، يتولاه بالمعالجة، فلذلك من أقرب أسماء الله الحسنى إلى المؤمن اسم الولي.

والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 03:38 PM   #9


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( السابع )

الموضوع : اسم الله النصير -1-









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( النصير ):
النصير كمالٌ في الوصف ومبالغة فيه:

أيها الإخوة الكرام، الاسم اليوم هو ( النصير )، وهذا الاسم ورد مطلقاً مراداً به العلمية، ودالاً على كمال الوصفية، وهو صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة تعني شيئين ؛ تعني مبالغة الكّمّ، ومبالغة النوع، أي مهما يكن العدو قويا فالله هو النصير، ومهما تكن الأعداء كثيرة فالله سبحانه وتعالى نصير.





الآيات والأحاديث الوارد فيها اسم النصير:
الله نصير مع أقوى عدو، ونصير مع أكثر الأعداء تنوعاً، لذلك هذا الاسم ورد مطلقا، وورد مقرونا باسم المولى في آيتين فقط.
الآيات:
الآية الأولى:
الآية الأولى:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال )
الآية الثانية:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾
( سورة الحج )
الأحاديث:
وورد هذا الاسم أيضا مقيداً في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ:
(( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ ))
[ الترمذي وأبو داود ]
قواعد النصر:
لكن ما من اسم يحتاجه المسلمون اليوم كهذا الاسم، لكن هذا النصر له قواعد.
النصر من عند الله:

أول قواعد النصر أن النصر من عند الله، وحينما يتوهم المسلمون أن النصر من عند زيد أو عبيد فقد وقعوا في وهمٍ كبير، قال تعالى:
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 10 )
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 160 )


أنواع النصر:
1 – النصر الاستحقاقي:
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ولكن هناك نصر استحقاقي، فالمؤمن حينما يكون على ما ينبغي وينتصر فهذا نصر سماه العلماء النصر الاستحقاقي، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 123 )
كان أصحاب النبي من الافتقار ومن الاستقامة ومن التوحيد ما استحقوا به نصر الله عز وجل.
بالمناسبة، حينما قال تعالى:
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 10 )
النصر الاستحقاقي ثمنه الإيمان والإعداد:
معنى ذلك أنه من عند الله، ولكن له ثمن، ما ثمن هذا النصر ؟ الإيمان والإعداد:
الإيمان:
الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ـ والإعداد المتاح فقط.
الآية الأولى:
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم الآية: 47 )
كلام خالق الأكوان، وزوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ﴾
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
( سورة النور الآية: 55 )
الشرط الأول للنصر هو من عند الله ولكن له ثمن، والبند الأول في الثمن الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، أما الإيمان الذي لا يحمل على طاعة الله فلا قيمة له إطلاقا.
الإعداد:
الآن الإعداد: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
لكن رحمة الله أنه كلفنا أن نعد العدة المتاحة، وليست المكافئة، وفرق كبير بين أن نعد العدة المكافئة، وهذا مستحيل الآن، وبين أن نعد العدة المتاحة.
عندما أؤمن الإيمان الذي يحملني على طاعة الله، وحينما أعد لأعدائي العدة المتاحة عندئذ أكون قد دفعت ثمن النصر، وما لم يدفع ثمن النصر فالنصر مستحيل، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إذن النصر من عند الله، وله ثمن، والثمن له بندان الأول الإيمان، والثاني الإعداد.
إذا آمنا ولم نعد فلا ننتصر، وإذا أعددنا ولم نؤمن فلا ننتصر، لذلك قالوا: الإيمان والإعداد شرطان كل منهما لازم، لا يحقق الثاني إلا إذا كان الأول، فكل شرط من هذين الشرطين لازم غير كاف، وما لم يتحقق الشرطان معاً فلن يكون النصر.

حينما نتعامل مع الله وفق قواعده القرآنية، ووفق نواميسه نقطف الثمرة، أما إذا تعاملنا مع الله تعاملا ضبابياً مزاجياً، ولم ندفع الثمن فلن ننتصر، إذًا: النصر من عند الله، وله ثمن، ثمنه الإيمان والإعداد، لكن أي إيمان ؟ الكلّ يدعي أنه مؤمن، الإيمان الذي يترجم إلى استقامة، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، لذلك لماذا لم ينتصر المسلمين في أُحُد ؟ لأنهم عصوا، ولو أنهم انتصروا لسقطت طاعة رسول الله.
ولماذا لم ينتصر المسلمون في حنين ؟ في أُحُد وقعوا في معصية، وفي حنين وقعوا في شرك خفي، فقالوا: لن نهزم مِن قلة، إذًا: إما لسبب سلوكي في أُحد، أو لسبب اعتقادي في حنين، قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ﴾
( سورة التوبة )
درسان بليغان من معركة أُحُد وحُنين:
الآن نستنبط من وقعة أحد ووقعة حنين أن هناك درسين بليغان، الأول: حينما تقول: الله، يتولاك الله عز وجل، وحينما تقول: أنا، يتخلى عنك، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم، بل كل ساعة، قل: أنا بعلمي، واختصاصي النادر، وخبراتي المتراكمة، ومالي العريض، وجاهي الكبير، يتخل الله عنك، في حرفتك، في مهنتك، لا تقل: أنا، أنا كلمة مهلكة، قل: الله، في زواجك، في عملك، في حرفتك، حينما تقابل عدوا فإذا قلت: الله، يتولاك الله، فإذا قلت: أنا، يتخلى عنك، وما أشد هذين الدرسين عظة وفهما لما يجري في العالم.
لذلك حينما نعتد بأنفسنا يتخلى الله عنا، " وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هويا تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه ".
فلذلك أيها الإخوة الكرام، النصر من عند الله، وله ثمن، وما لم ندفع الثمن فلن نشم رائحة النصر، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، فالنصر الأول هو النصر الاستحقاقي، حينما ندفع ثمنه إيماناً مترجماً إلى التزام، إلى وقوف عند الحلال والحرام، إلى فعل ما ينبغي، إلى تطبيق منهج الله، إلى أن يرانا الله حيث أمرنا، وأن يفتقدنا حيث نهانا، والثمن الثاني أن نعد القوة المتاحة.
لذلك التوكل من دون إعداد تواكل، وهو معصية، أن تقول: يا رب، توكلت عليك، ولا تفعل شيئا، سيدنا عمر وجد رجلا معه جمل أجرب، قال: << يا أخا العرب، ما تفعل بهذا الجمل ؟ فقال: أدعو الله أن يشفيه، قال: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً >>.
ورأى سيدنا عمر أناسا يتكففون الناس في الحج، قال: مِن أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، بل أنتم المتواكلون، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله.
والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود عن عوف بن مالك ]
أن نستسلم، ونقول: ما بيدنا شيء، انتهينا، هذا كلام الضعفاء، كلام ضعاف الإيمان، كلام الجهلة، الله موجود: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم )
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الله موجود، الله فعال: ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
( سورة الكهف )
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
( سورة هود)
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ (84) ﴾
( سورة الزخرف)
آيات التوحيد، وما تعلم العبيد أفضل من التوحيد.
2 – النصر التفضُّلي:
إذاً: النصر الأول هو النصر الاستحقاقي، حينما يدفع ثمن النصر إيمانا بالله يحمل على طاعته، وإعدادا للقوة المتاحة، الآن هناك نصر آخر سماه العلماء النصر التفضلي دليله الآية الكريمة:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الروم )
في هذه الآية إعجاز، فبعد أن اكتشفت أشعة الليزر أمكن قياس المسافات بدقة متناهية، وأمكن قياس المسافة بين الأرض والقمر بدقة متناهية، وأمكن قياس المنخفضات والأغوار بدقة متناهية، وبعد أن اكتشفت هذه الأشعة تبين أن أخفض نقطة في الأرض غور فلسطين، والروايات التاريخية تؤكد أن هذه المعركة التي جرت بين الروم والفرس كانت في غور فلسطين، فقال الله عز وجل: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الروم )

الروم أهل كتاب، وأهل الكتاب مشركون، ومع ذلك انتصروا، هذا النصر ليس استحقاقياً، ولكنه نصر تفضلي، فنحن في عبادتنا نقول: يا رب، إن لم نكن نستحق النصر الاستحقاقي فانصرنا نصراً تفضلياً، والنصر التفضلي يعني أن المنتصر ليس كما ينبغي، لكن حكمة الله اقتضت أن ينتصر، لذلك أثبت الله للصحابة الكرام وهم نخبة البشر فرحهم بهذا النصر.
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الروم )
هذا هو النصر التفضلي، إذا كانت فئة ليست كما ينبغي، وانتصرت على الكفار وأعداء الله فهذا شيء ينبغي أن نفرح له بنص هذه الآية.
هذا هو النصر الثاني النصر التفضلي.
3 – النصر المبدئي:
لكن هناك نصر ثالث، ما هو ؟ النصر المبدئي:
﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) ﴾
( سورة البروج )
الآن كلام دقيق، أصحاب الأخدود هل انتصروا ؟ بالمقياس التقليدي لم ينتصروا، لكنهم انتصروا نصرا مبدئياً، لأنهم ثبتوا على إيمانهم بالله.
بالمناسبة، مسيلمة الكذاب قبض على صحابيين، وقال للأول: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: ما سمعت شيئا، فقتله، وقال للثاني: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: أشهد أنك رسول الله.
الآن استمعوا إلى ما قاله النبي الكريم عن هذه الحادثة، قال: أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله، الذي قتل النبي عليه الصلاة والسلام عدَّه منتصرا، لأنه صمد على مبدئه، ومن هذا النوع من النصر ماشطةُ بنتِِ فرعون، جاؤوا بأولادها الخمسة، لأنها قالت لما وقع المشط من يدها: يا الله، البنت قالت لها: ألك رب غير أبي ؟ قالت: الله ربي ورب أبيك وربك، فحدثت أباها، فجاء بقدر من النحاس، وجعل فيه زيتا مغليا، وجاء بأولادها الخمسة، وأمسك الأول، وقال: ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، فألقى الأول في الزيت المغلي فظهرت عظامه طافية على سطح الزيت، وأمسك ولدها الثاني، ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، فألقى الثاني، وألقى الثالث، وألقى الرابع، الخامس رضيع، فلما قال لها: ألك رب غيري ؟ سكتت، تضعضعت، ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، فأنطق الله ولدها الرضيع، قال: اثبتي يا أمي، فأنت على الحق، وألقاه في الزيت، ثم ألقاها في الزيت، هذه انتصرت نصرا مبدئيا، أي ثبتت.
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شم رائحة لم يشم مثلها إطلاقا، فقال: يا جبريل، ما هذه الرائحة ؟ رائحة طيبة جداً، قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون، ففي النصر المبدئي يمكن أن لا تنتصر بالمقياس التقليدي، لكنك مُتنا على الإيمان، وهذا نصر مبدئي، وفي هذا المعنى تسلية وتطمين لكل مَن قُتِل وهو على حق.

فالنبي قال: أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله، القلق على من ؟ على الثاني الذي قال: أشهد أنك رسول الله، يا الله ما أعظم هذا الدين ! أما الثاني فقد قبل رخصة الله، ما كلف الله الإنسان فوق ما يستطيع، فلو أن الماشطة قالت: أنت ربي، فلا شيء عليها، ولكن لو أخذ كل المؤمنين بالرخص ما بقي هناك بطولات، فالإمام أحمد بن حنبل لم يقبل بخلق القرآن، فدخل السجن، وعذب.
لذلك الأمة في حاجة لمن يدفع ثمن مبدئه غاليا، ولو أن كل إنسان أخذ بالرخص فلن نجدد في الأرض بطولات إطلاقاً.
فهناك نصر مبدئي ؛ بأن يموت الإنسان على مبدئه صراحة، ولم يساوم عليه.
مرة كنت في بلد إسلامي، تركيا، وذكرت هذه القصة، وقلت: أما الأول، للتقريب، أعطي مائة ألف دولار، وأما الثاني فأعطي مائة ألف ليرة تركية، في الأجر ليس كالأول، الأول ضحى بحياته من أجل مبدئه، وكل شيء له ثمن، وكل شيء له حساب عند الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، درس بدر وحنين، تقول: الله يتولاك، تقول: أنا، يتخلى عنك، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم، وفي كل ساعة، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي حرفنا، وفي مواجهتنا لمن نخافهم، قل: الله، فإن الله يتولاك. ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
قصص القرآن قوانين سارية في كل زمان ومكان:
لا أمل، فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم، فرعون بطغيانه وجبروته وحقده ولؤمه وقوته وراءهم، والبحر أمامهم.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
لذلك الله عز وجل يقلب القصص القرآنية إلى قوانين، سيدنا يونس وهو في بطن الحوت:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء )
إذًا: أول نصر استحقاقي، والثاني تفضيلي، والثالث مبدئي، فالإنسان لا يعدم أن ينتصر نصرا مبدئيا، هذا بإمكانه.
لا للإحباط وسوءِ الظن بالله:

شيء آخر:

﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ (15) ﴾
( سورة الحج )
عنده وهم خاطئ ؛ أن الله لا ينصره، وقد يقع الإنسان في سلسة إحباطات يتوهم أن الله لن ينصره، فيسيء الظن بالله. ﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ (6) ﴾
( سورة الفتح )
وأقول لكم بكل صراحة: إن بعض المسلمين وقعوا في الإحباط واليأس، ولذلك هناك امتحانان صعبان:
الامتحان الأول: أن يقوِّي اللهُ الكافر حتى يقول ضعاف الإيمان: أين الله ؟ وأحيانا يظهِر الله آياته حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله.
نحن الآن في الامتحان الأول، وهو صعب جداً، الطرف الآخر قوي ومتغطرس، ويفعل ما يقول، فبعض المؤمنين ضعفوا: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
إذن النصر التفضلي والنصر المبدئي والنصر الاستحقاقي وموضوع بدر وحنين، تقول: الله، يتولاك، تقول: أنا، يتخلى عنك.
والموضوع الثاني: أُحُد وحُنين، في أُحد كانت المعصية سلوكية، وفي حنين كان الشرك الخفي، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله لم ينتصروا ؛ لأنهم قالوا: لن نغلب من قِلة، هذه بعض موضوعات النصر، لأن الله عز وجل هو النصير، ولا نصير سواه. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية: 7 )
أي تدفعوا ثمن النصر إيمانا يحمل على طاعته وإعدادا للقوة المتاحة.



والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2018, 03:40 PM   #10


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اسماء الله الحسنى



بسم الله الرحمن الرحيم

اسماء الله الحسنى


الدرس : ( الثامن )

الموضوع : اسم الله النصير -2-









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( النصير ):
من لوازم نصر الله للمؤمنين:

أيها الإخوة الكرام لازلنا مع اسم الله ( النصير )، والمسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى أن ينتصروا على أعدائهم، وما أكثرهم.
ولكن كما بينت في لقاء سابق أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية: 7 )
النصر بيد الله: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 10 )
النصر الذي نتمناه له ثمن، إن دفعنا ثمنه وصلنا إليه، لذلك الله عز وجل يبين أن المؤمن الذي يحمله إيمانه على طاعة الله يحقق أحد شَرطي النصر.
شروط النصر: الإيمان والإعداد:
وللنصر شرطان كل منهما شرط لازم غير كاف، فلابد من الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، ولابد من الإعداد، لقوله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
حقيقة الأخذ بالأسباب:
ويمكن أن ينسحب هذا على شؤون حياتنا، التفوق في العمل يحتاج إلى الأخذ بالأسباب، ويحتاج إلى التوكل على الله، وكلاهما شرط لازم غير كاف، لذلك المسلمون في معظمهم لا يأخذون بالأسباب، بل يتوكلون توكلا لا يرضي الله، سماه العلماء التواكل، وإذا أخذ بعض الناس بالأسباب وألّهها، ونسي الله، واعتمد عليها فقد أخطأ السبيل، فكأن الطريق الأمثل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ومن السهل أن تأخذ الموقف الحاد، أن تأخذ بها وتنسى الله، أو أن تتواكل على الله، ولا تأخذ بالأسباب، هذا درس بليغ، بل إن بعض المعاصرين يصفون كل إنجاز معركة، معركة مع العمل، مع الإنتاج، مع التنمية، فكلمة معركة تأخذ معنى واسعاً جداً، إن أردت أن تنتصر في أي معركة حقيقة أو مجازاً فلابد أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا حق وهذا قانون.
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ))
[ أبو داود]
أن نستسلم، أن نيئس، أن نحس بالإحباط، أن نقول: انتهينا، هذا نُلام عليه، هذا يأس، واليأس كفر، هذا تشاؤم، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن، لذلك لابد وأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وبعدها تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
بأوسع معاني المعارك، معارك قتالية، معارك التنمية، معارك البناء، سمِّ أي قضية أو مشكلة في حياة المسلمين معركة، والانتصار في هذه المعركة يحتاج إلى شرطين، كل منهما شرط لازم ليس كاف، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، وكأن الطريق الأمثل طريق ضيق عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق، إنك إن أخذت بالأسباب، ونسيت الله، واعتمدت عليها، وألهتها وقعت في واد الشرك، وهناك تأديب من الله، على من اعتدّ بغير الله، " ما من مخلوق يعتصم بمخلوق أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هويا بين قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه، وما من مخلوق يعتصم به من دون خلقه فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ".
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ

إذَا: المنهج الأمثل في كل معاركنا بدءًا من معركتنا مع أنفسنا، وانتهاء بمعركتنا مع قوى الشر في الأرض، تحتاج إلى شرطين، كل منهما شرط لازم غير كاف، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.

(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود]
اليأس الإحباط هذا يلام عليه أشد اللوم.
ولكن عليكم بالكيس، خذ الأسباب، فإذا غلبك أمر إن أخذتها، وبذلت الجهد في الأخذ بها، واستقصيتها، ثم لم تنجح، عندئذ نسمي هذا قضاء وقدر، عندئذ نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا يجوز أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل إلا بعد أن نستنفذ الأخذ بالأسباب.
الطالب يريد أن يقدم امتحانا، لكن لا يحضِّر للامتحان، ثم لا ينجح، ويقول: هكذا أراد الله، هذه مشيئة الله، هذا كلام باطل، أما حينما يدرس بأقصى ما يستطيع، ثم يحول حائل بينه وبين أداء الامتحان يقول عندئذ: حسبي الله ونعم الوكيل.
أنا أضع يدي على أخطر قضية في حياة المسلمين، هي التواكل، فلذلك النصر ثمنه هذا، الأخذ بالأسباب، والتوكل على رب الأرباب.
لكن أيها الإخوة، يحضرني في هذا الموضوع حديث شريف:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ))
[ الترمذي ]

هذا الحديث يحتاج إلى شرح، فالله عز وجل جعل قلب الإنسان بيده، يملؤه أمنا، أو يملؤه خوفا، يملؤه سعادة، أو يملؤه ضيقا وانقباضا، ما الناظم لهذا ؟ أراد الله أن يعلمه إن اتخذت قرارا صحيحاً سليما في التوبة إلى الله، والصلح معه، وطاعته يملأ الله قلبك رضى وسعادة، وتفاؤلاً وسروراً، وكأن الله بارك لك هذا القرار، وأعانك عليه، والدليل:
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) ﴾
( سورة الحجرات )
أي قرار صائب يجد له انشراحا. ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾
( سورة الزمر: من الآية 22 )
فأيّ قرار خاطئ في المعركة معه كآبة وضيق: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
تبعات القرار الصائب والقرار الخاطئ:
هذه معاونة من الله عز وجل، القرار الحكيم معه سرور، معه انشراح، معه راحة نفسية، معه طمأنينة، معه إقبال، معه تألق، والقرار الخاطئ معه انقباض معه تشاؤم معه كآبة ويكاد يكون مرض العصر الكآبة، من إعراض الناس عن الله عز وجل، بل إن كل ما يعانيه البشر من ضياع وتفلت وتشاؤم وإحباط هي أعراض لمرض واحد، هو الإعراض عن الله:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
كلُّ قوي جبّار بيد الله القوي الحبّار، فلا تخش أحدًا إلا الله:
الآن ما علاقة هذا الحديث بالنصر ؟ هذا الذي تراه قوياً، هذا الذي تراه طاغية قلبه بيد الله، كشاهد على هذه الفكرة.
الإمام الحسن البصري من كبار التابعين، وقد أدى أمانة العلم، وبيّن ما ينبغي أن يبيّنه، كان في عهد الحجاج، وكان الحجاج كما تعلمون، بلغه ما قاله فيه الحسنُ، فقال لجلسائه: " يا جبناء، والله لأرينّكم من دمه "، وأمر بقتله، القضية سهلة جداً، وجاء بالسياف، وأمر بإحضاره ليقطع رأسه أمام مَن حوله، جيء بالحسن البصري، ودخل على الحجاج، ورأى السياف، ومد النطع، وانتهى كل شيء، فحرك شفتيه، فإذا بالحجاج يقول له: أهلا يا أبا سعيد، أنت سيد العلماء، ومازال يدنيه، ويقربه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه في موضوع، وقد تروي الرواية أنه عطّره، وأكرمه، وشيعه إلى باب قصره، من الذي صعق ؟ الحاجب، تبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك ؟ قال: قلت له: " يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل فتنته علي بردا وسلاما كما جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم ".
هذا الذي تخافه قلبه بيد الله، هذا القوي الذي يتمنى إفناءك قلبه بيد الله، قد يملؤه الله هيبة منك، إذًا الله نصير، لأن قلوب الذين حولك بيد الله عز وجل، ألم يقل أحد الأنبياء:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ﴾
( سورة هود )
متحدياً لهم: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
هذه الآية وحدها تكفي: ﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
لذلك:
(( إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ))
[ الترمذي ]
أولا: يملأ الله قلبك انشراحا وسعادة وطمأنينة حينما تتخذ قراراً صواباً، ويملأ الله، القلب خوفاً وقلقاً وضيقاً وتشاؤماً وكآبة حينما تتخذ قراراً مخطئاً، إذًا: الله أعاننا بهذا.
إن قلبَ الذي تخافه بيد الله، يملؤه هيبة لك، ومن هاب الله هابه كل شيء، يملؤه رغبة في معاونتك، فإذا كان الله معك خدمك أعداؤك، وإذا كان الله عليك تطاول عليك أقرباؤك، يا رب، ماذا فَقَد مَن وجدك. وماذا وجد من فقدك ؟
إذاً: قلوب الذين تخافهم بيد الله، إذًا: هو النصير.
من لوازم معية الله الدائمة للمؤمنين:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد، من الآية 4 )
لكن الشركاء يمكن أن لا يكونوا معك في وقت حرج، وهو معكم في السماء، وأنت في الطائرة، وفي الأرض، وفي البحر، وفي بيتك، وفي الفلاة، وفي مكان ما فيه اتصالات، الإنسان معه هاتف جوال، يكون بأمسّ الحاجة إليه فلا يجد تغطية، أما أنت فمع الله دائما، وهو معكم بعلمه. ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد، من الآية 4 )

قال العلماء: " معكم بعلمه "، فإذا كنت مؤمناً فإن الله مع المؤمنين، ومعكم بتوفيقه وحفظه، وتأييده ونصره، لذلك فرق العلماء بين المعية العامة، والمعية الخاصة، فالمعية العامة هو معكم بعلمه، والمعية الخاصة هو معكم مؤيداً وموفقاً، وحافظاً وناصراً.
لذلك: الله عز وجل موجود، إن دعوته فهو موجود، والإنسان لا يمكن أن يدعو جهة لا يؤمن بوجودها، يكون أحمق، لمجرد أن تدعوه وتقول: يا رب، إذًا هو موجود.
الشيء الثاني: هو يسمعك إذا تكلمت، ويراك إذا تحركت، ويعلم ما في قلبك إن أضمرت، يسمع ويرى، ويعلم، لا يحتاج إلى وصي، ولا إلى سند، ولا إلى براءة ذمة، الله يعلم، ويرى، ويسمع، ويعلم، التعامل معه سهل جداً، لذلك قال بعضهم: الحمد لله على وجود الله، يراك إن تحركت، ويسمعك إن تكلمت، ويعلم ما في نفسك إن سكت، إذًا: موجود ويعلم.
الشيء الثالث: وهو على كل شيء قدير، بيده كل شيء، كن فيكون، زل فيزول:
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))
[ مسلم عن أبي ذر ]
ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام.
كن فيكون، زل فيزول، الآن دققوا:
(( إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر ]
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) ﴾
( سورة الشورى )
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن البراء بسند فيه مقال كبير ]
إذًا: هو معكم بعلمه، وإن كنتم مؤمنين فهو معكم بتوفيقه وحفظه، وتأييده ونصره.
الله موجود، ويسمع إذا نطقتم، ويرى إن تحركتم، ويعلم ما في القلب إن أضمرتم، وهو على كل شيء قدير.
من معاني ( النصير ) التي قد تخفى على بعض الناس:
هناك حالات لبعض الأطباء ربطوها بالخرافات، لكنهم أهملوها، الآن هناك بحوث حديثة جداً عن الشفاء الذاتي، يكون المرض عضالا قد أجمع الأطباء على أنه لا شفاء له، فيشفى الإنسان ذاتياً، وعندما يصدق الإنسان أن الله بيده كل شيء، وأن الله على كل شيء قدير، أحياناً يستجيب له استجابة لا تصدق.
والله لي صديق أصيب بورم خبيث في رئتيه، أخذت عينات إلى كل المخابر، الورم من الدرجة الخامسة، ولا أمل إطلاقاً، ثم في النهاية شفاه الله عز وجل، والقصة من اثتنين وعشرين سنة، والآن حي يرزق لا يشكو من شيء، والخزعات أخذت إلى بريطانية، أدق الفحوص أجريت له، وأمهر الأطباء عالجوه، وقالوا: لا أمل، لكن هناك شفاء ذاتي.
فلذلك ( النصير ) قد ينصرك على المرض، وقد ينصرك على العدو، وقد ينصرك على كل معركة تخوضها بأوسع معاني المعارك، فهو نعم المولى ونعم النصير.
أيها الإخوة، حينما تدعو الله عز وجل، وتقول: يا ناصر انصرني، يا نصير انصرني، هو موجود، ويسمع، ويقدر، ويحب أن يرحمك، ولن تدعو جهة إلا إذا أيقنت بوجودها وعلمها، وقدرتها ورحمتها، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فقد كذبتم (77) ﴾
( سورة الفرقان)
الله أكبر من كل شيء، فلا تقطع الأمل مهما حدث:

حينما تقول: الله أكبر، فهو أكبر من كل قوي، أكبر من كل جبار، قال تعالى:

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
فرعون بحقده وجبروته، وأسلحته وجيشه يتبع شرذمة من بني إسرائيل مع سيدنا موسى، وصلوا إلى البحر، لا أمل للنجاة، انتهى الأمل، الأمل صفر، قال تعالى: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي ﴾
( سورة الشعراء )
وسيدنا يونس، وهو في بطن الحوت الأمل صفر، والإنسان يمكنه أن يقف على فم الحوت على قدميه، ويمكن أن تقف في فمه، ووجبته الغذائية أربعة أطنان، والإنسان وزنه ثمانين كيلوًا، قال تعالى: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء)
وأروع ما في الآية أن الله قلب القصة إلى قانون، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
في كل عصر، في كل مصر، في كل زمان، في كل مكان، في الجو، في الأرض، طائرة تحطمت فوق جبال الألب، وانشقت، ووقع بعض ركابها، ونزل على غابة أرز في جبال الألب مغطاة بخمسة أمتار من الثلج، فكان هذا الثلج وهذه الأغصان ماصات للصدمة، فنزل واقفاً من أربعين ألف قدم.
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
إذًا: تقول: الله أكبر، أقوى من كل قوي، زلزال تسونامي يساوي والكلام من موقع معلوماتي دقيق جداً، يساوي مليون قنبلة ذرية، الله عز وجل قوي، فإذا كنت مع القوي حفظك القوي، فهو نعم المولى، ونعم النصير.
أيها الإخوة، المعركة تحتاج إلى معلومات، وإذا كنت مع الله، فهو يعلم ماذا يخطط لك أعداؤك، لذلك يلهمك خطة تحبط خططتهم، أنت أقوى إنسان إذا كنت مع الله، إذا أردت أن تكون قويا فادع الله سبحانه وتعالى، فالدعاء سلاح المؤمن، لكن الدعاء يحتاج إلى عمل، والذي يدعو الله ولا يعمل يستهزئ بالدعاء، قال سيدنا عمر لرجل:<< ماذا تفعل هنا يا أخا العرب مع هذا الجمل الأجرب ؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، فقال له: هلاّ جعلت مع الدعاء قطرانا >>.
العدو قد يكون قويا، لكن الله أقوى، والله أكبر، قد يكون العدو يخطط، دقق في الآية: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾
( سورة إبراهيم )
إله عظيم يصف مكر الكافرين بأن مكرهم تزول منه الجبال، يقول لك بعد قليل:
﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 120 )
خالق الكون، كلام رب العالمين، كل آلاتهم، كل أسلحتهم، كل أموالهم، كل أقمارهم الصناعية، كل حاملات طائراتهم، قال تعالى: ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 120 )
والآن يقول أحد أكبر الموظفين في البنتاجون: لا تجرؤ دولة في الأرض أن تحاربنا، ماذا نفعل بهذه الأسلحة ؟ ولكن هذا الذي أراد أن يموت ماذا نفعل به ؟ أقضَّ مضاجع أهل الأرض، هذا الذي أراد أن يهز أركانهم، ويقدم حياته رخيصة لهذا الهدف.
أيها الإخوة، لو أن إنسانا انتصر لإنسان، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (14) ﴾
( سورة فاطر )
والإنسان من شأنه أنه ليس معك دائماً، قد تكون في أمسّ الحاجة إليه، فيكون هاتفه مشغولا، أو خارج التغطية أ أو تعطل، إن اعتمدت على مخلوق فقد لا يسمعك، وإذا سمعك قد لا يستجيب لك، وأحياناً يتجاهلك، لذلك:
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
***

هذه ملة طه فخذ بها.
أطع أمرنا نرفع لأجـلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحـبنـــا
و لذ بحمانا واحـتــم بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقــنــا
و عن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل و أخلص لنا تلقَ المسرة والـــهنا
***

نعم المولى ونعم النصير، كن مع الله ولا تبال، والله عز وجل يحب أن ينصرنا، لكنه يطالبنا أن ندفع ثمن النصر.
زبدة القول:
ملخص هذا اللقاء الطيب، الطاعة مع الصبر سبيل إلى النصر، أما المعصية مع الصبر فليس بعدها إلا القبر.


والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الله, الحسنى, اسماء


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
متجدد ..أسماء الله الحسنى ومعانيها..~ منال نور الهدى رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 45 06-29-2022 09:36 AM
أسماء الله الحسنى السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 105 02-25-2018 02:13 PM
معرض أسماء الله الحسنى منال نور الهدى رِيَاضُ الصُوَر المَنْقُولَة 3 11-05-2014 11:25 PM
أسماء الله الحسنى: "الجبار" منال نور الهدى رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية 3 02-27-2013 03:13 AM
من أسماء الله الحسنى :"المبين .".الشيخ محمد راتب النابلسي منال نور الهدى رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية 5 02-27-2013 03:03 AM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 11:40 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.