كَلِمةُ الإِدَارَة |
جديد المواضيع |
[ منتديات رياض الأنس ] | الشرح المختصر للاحاديث الشريفة |
ريآض الآحاديث النبوية آحاديث نبوية ، آحاديث الصحابة عن رسول الله وآحاديث قدسية |
الإهداءات |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
04-18-2018, 02:48 PM | #1 |
|
الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الاول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين. أيها الإخوة كرام، كلُّ عامٍ وأنتم بِخَير، صعد النبي عليه الصلاة والسلام منبره فقال: آمين وصعِد الدرجة الثانية فقال: آمين وصعد الدرجة الثالثة فقال: ((آمين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ... )) [ رواه أحمد ] هل فينا واحدٌ فقط يضمن أن يعيش إلى رمضان آخر ؟ فهو فُرصةٌ لا تُقدّر بِثَمن للصلح مع الله وفرصة لِمَغْفرة الذنوب يقول عليه الصلاة والسلام:" (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) [ رواه البخاري ] ولكن أيها الإخوة الصوم أحْياناً يأخذ شكل عادات اجتماعية حتى المصطلح الحديث فُلْكْلور نصوم ونعكس الطعام والشراب من النهار إلى الليل والولائم كلها في رمضان واللِّقاءات والسهرات الممتعة في رمضان وأجمل البرامج في رمضان وكل فندق يحوي خِيَم خاصة بِرَمضان كل شيءٍ موجود فَرَمضان الاجتماعي نحن أبعد الناس عنه إنما نودّ رمضان كَعِبادة لا كَلِقاءات وولائم وسهرات فَرَمضان للعبادة وهو الذي يحوي طاعة الرحمن، فيا أيها الإخوة الكرام من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه فَتَرْكُ الطعام والشراب فقط هذا لا يليق بالمسلم وهذا صِيام البهائم أما إذا جعلك رمضان ممن يصْطلحون مع الله أوَّلاً تضبط لسانك وثانياً تضبط جوارحك فالعَين تضْبطها واللسان تضبطه واليد والرِّجل تضبطهما والدَّخْل تضبطه والإنفاق تضبطه والبيت تضبطه حينما تُجري مسْحاً لكل شؤونك ولكل منحى حياتك ؛ أين المعصية وأين التقصير ؟ وأين المخالفة والبُعْد ؟ إذا أقَمْتَ سداً منيعاً بينك وبين المعصِيَة في رمضان نرجو الله سبحانه وتعالى أن يغدُوَ هذا السير وهذا السلوك ديدنك بعد رمضان، أقول لكم هذه الكلمة وهي دقيقةٌ جداً: معظم المسلمين يتحرَّكون في رمضان حركة صعود وبعد رمضان يعودون إلى ما كانوا عليه وهذا الذي لا يُريده الله من الإنسان، بِرَمضان يغضّ بصره ويصلي الفجر في جماعة وكذا العشاء في جماعة ويُحاول أن لا تكون منه مخالفات فإذا ولى رمضان ؛ رمضان ولى كما قال الشاعر شوقي: رمضان ولى هاتِها يا ساقي مُشْتاقَةً تسعى إلى مُشْتاقي فهذا الذي ينضبط في رمضان ويتفَلَّت بعد رمضان شَبَّهَهُ النبي بِالناقة بالبهيمة ربطها أهلها فلا تدري لما عُقلت ولا لما أُطلقت ؛ لماذا مُنع عن الطعام والشراب ؟ لا يدري أما الذي يدْريه أنه جاء رمضان وقدَّم التهاني بِرَمضان وأقام الولائم به وزار أهله وسهر على الشاشة إلى ساعة مُتأخِّرة من الليل وفاتَتْهُ صلاة الجماعة بِرَمضان وهو هو بِعلاقاتِهِ وانتِماءاتِهِ وإطلاق بصره ومِزاحه هذا ليس صوم المؤمنين إنما هو صومٌ فُلْكْلوري وصومٌ اجتماعي وجزءٌ من تقاليدنا وعاداتنا هذا الذي لا نُريدُهُ بِرَمضان نريد صِيام المؤمنين وصيامُهُم ضبط الجوارح واللسان وضبط المال مِن أين اكْتسَبْتَهُ وفيم أنْفقْته ؟ وصيام المؤمنين أن تُبَرْمِج حياتك على أنْ تقوم رمضان أما قيام رمضان بِحَسب الولائم فإذا كنت معْزوماً ولم يكن هناك جامع تُصليها بالليل وإذا انتقل إلى زيارة أكل وبرك ويقول: لا نستطيع الذهاب للصلاة فإذا برْمَج الإنسان حياته على أساس قيام رمضان تجده يعْتذر عن عشرات الولائم والدعوات يُبرْمج حياته وِفْق رمضان لا أنْ يُبرْمِج رمضان وِفق حياته اليومية ؛ أقول لكم كلاماً دقيقاً: إما أن تُمضي هذا الشهر كَجُزء من عادات المسلمين أكْلات الحُلو برمضان وبائِعوا الأكْلات برمضان وولائم وسهرات رمضان ؛ هذا الذي لا نريده إنما نريد رمضان العبادة والانضباط ورمضان الاستقامة والاقبال على الله ورمضان الوُقوف بين يدي الله عشرين ركعة، هذه فُرْصة سنويَّة قد لا تعود ماذا قال نبينا لمُعاذ: لعلي لا ألْقاك بعد عامي هذا ؛ فلا أحدَ منا يعرف متى ينتهي الأجر فقد يكون آخر رمضان وقد نعيش إلى رمضانات عديدة فهذا بِعِلم الله وحده ولكن رمضان فُرْصةٌ الآن، كنت أضرب هذا المثل وهو: كيف إذا كان على الإنسان دَين كبير فوق طاقتِهِ ودخْلُهُ لا يسْمح لِوَفاء الدَّين وصاحب الدَّين شديد يُزْعِجُهُ بالهاتف واللقاء الشخصي ويقسو معه في الكلام ثم يأتي من يقول له: أنا الذي أتكفَّل لك بِهذا الدَّين ونفْتح صفحة جديدة فكُلُّ ما عليك من آثام وتقصيرات إذا صُمت رمضان إيماناً واحْتِساباً غفرها الله لك وعُدْتَ من يومك كيَوْم ولدَتْكَ أُمُّك ويمكن العُمر كلُّه على ما فيه من تقْصيرات وتجاوُزات وإضاعة حقوق تُلْغى في رمضان وتعود مع علاقتك الصفيَة في رمضان فلِذلك أيها الإخوة أرجو من هذه الكلمة المُخْتصرة: أن يكون صِيامنا في رمضان مقْبولاً وأن نكون من عُتقاء الله في رمضان وهذا الشهر إنْ صحَّ التعبير دورة مُكَثَّفة وهناك نقطة بِرَمضان وهي أنَّ الله منعك من الأكل والأكل مُباح لك أن تأكل خارج رمضان ولك أن تشْرب وما لذَّ وطاب فأنت مُنِعْت عن المُباحات فإذا لم تترك المعاصي يخْتلّ توازنك فهل معْقول أن تترك الأكل والشراب وبعدها يُطلق بصره في الحرام يختلّ توازنه فالله حينما منعك من الأكل والشراب منعك من هذا لِتَقِف موْقِفاً حرِجاً مع نفْسك فإذا تركْتُ الطعام والشراب وهو مُباح تنْفيداً لأمر الله عز وجل فَلَأنْ أدَعَ كل الملاهي والمعاصي والآثام والصغائر من باب أوْلى فَلِذلك الإنسان لا يتوازن بِرَمضان إذا وقع بِمَعْصيَةٍ أو وقع في تقصير أو مُخالفة وحتى يتوازن يجب أنْ ينْضبط أما البطولة أنَّ رمضان درَج واستمر إلى رمضان الثاني فصعِد الدرج الثاني وهكذا كلما حققْت إنجازاً برمضان ينبغي أنْ تُحافِظ عليه والحقيقة أنّ صعود القِمَم سهلٌ أو صعب لكن البطولة ليس الوُصول إلى هذه القِمَّو ولكنَّها الذي يبْقى فيها فإذا صلَّيْت الفجر في جماعة برمضان هل تعْلم ما هي بُطولتك ؟ أن تُحافِظ على صلاة الجماعة بعده على مدار العام وإذا كان الله مكَّنَك بِرَمضان من عضِّ البصر غضاً حازِماً وشعرْتَ أنَّك قريب من رمضان فالبُطولة بعد رمضان أنْ تُتابع غضّ البصر على مُستوى العام كلِّه وكذا إذا صلَّيْت العشاء في جماعة فالبطولة أن تُتابع صلاتها في باقي العام فالذي تُحَقِّقُه في رمضان ينبغي عليك تحْقيقه في مدار السنة فلو أنَّك جلسْتَ تذكر الله بعد صلاة الفجر إلى طلوع الفجر والذِّكْرُ واسِعٌ جداً وهو إما أنْ تتْلُوَ القرآن وإما أن تُسبِّح وإما أن تستغْفره أو تُصلِّيَ على نبِيِّه وإما أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله وسبحان الله وبِحَمده وإما أن تتفكَّر في خلق السماوات والأرض وإما أن تُصلي صلاةً نافلة فهذه الجلْسة مع الله من صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس تُعَدُّ حجَّة تامَّةً تامَّةً فإذا فعَلْتها في رمضان ينبغي أن تسْتمرّ عليها على مدار العام فالقضيَّة أن تضعَ برْنامجاً حازِماً وأن تبْتعد عن كلٍّ مناسبة اجْتماعِيَّة تُبْعِدُك عن هذا البرنامج وهناك إحْدى عشر شهْراً للولائم والسهرات اِجْعل هذا الشهر لله عز وجل والْزَم مسْجِداً تثِقُ بِخَطيبِهِ واحْضر صلاة التراويح وقِفْ بين يدي الله عز وجل وأعظم أجْر على الإطلاق أن تقْرأ القرآن أو أن تسْمع إليه وأنت في صلاة وأنت في المسْجد قائماً وهذه أعلى درجة فإذا أُتيح لك أن تسْمع القرآن كله وأنت واقِفٌ بين يدي الله عز وجل فهذه فُرصة ذهَبِيَّة، هناك من يغْتنِم الذهاب إلى المساجد التي كل صلاتها عشرون ركعة: صراط الذين أنعمت عليهم ولا الضالين: مُدْهامَّتان فنحن نريد أن نسمع شيئاً في هذا الشهر فإذا قلت: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ولا الضالين ؛ لقد سألت الله الصراط المستقيم فأصبح هناك سؤال وجواب قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾ [ فصلت: الآية 30 ] يقول عليه الصلاة والسلام: ليس للمرء من صلاة إلا ما عقل منها " واسْجُد واقْترب فالصلاة قُرْبٌ وذِكر ومُناجاة ولو يعلم المُصلي من يُناجي ما فتل والصلاة عقلٌ وليس له منها شيء إلا ما عقله وهي نور يُقْذف في قلبك أثناء الصلاة ترى به الخير خيراً والشرّ شراً وغير المؤمن قد يرْتكب حماقات لا توصف والصلاة طهور يغْدو بها قلبك سليما يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بِقَلْبٍ سليم والصلاة حُبور أرِحْنا بها يا بلال فالصلاة نور وطهور وحبور فمن وفى اسْتَوْفى وميزان وعلاقتك بالله هي الصلاة وهي عقل ومناجاة عروج لله وقُرب وذِكر ودعاء فَمِن دعاءٍ إلى ذِكرٍ إلى قرب إلى نور إلى حبور إلى طهور إلى مناجاة إلى عروج إلى عقل فَرَمضان استقامة وصلاة والصلاة مناسبة لِقَبْض ثمن الاستِقامة بالنهار ضبط اللسان والجوارح فالجائزة تتناولها بِصلاة التراويح لأنك وقَفْت بين يدي الله عز وجل وأدَّيْت هذه العبادة كما أراد الله عز وجل فلعلَّ الله عز وجل في صلاة التراويح يهبُك بعض الأنوار:" إن لربكم في أيام دهْركم نفحات ألا فتعَرَّضوا لها ثلاثون يوماً فإذا كنت حازما فيها وأُعْتِقْت من النار هذا من أعظم الفوز قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾ [ الأحزاب: الآية 71 ] والحمد لله رب العالمين |
|
04-18-2018, 02:51 PM | #2 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الثانى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. أيها الإخوة المؤمنون: في موضوعات دروس هذا المسجد بدأنا في تفسير القرآن الكريم وأمضينا فيه سنوات عدة ثم انتقلنا إلى أسماء الله الحسنى وفي دورةٍ جديدة اخترت لكم كتاباً من أفضل كتب الحديث كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري ولكن نظراً لأن في هذا الكتاب بعض الأحاديث الضعيفة صدرت طبعةً عنوانها إتحاف المسلم في ما في الترغيب والترهيب من صحيح الإمام البخاري ومسلم. هناك من اختار من كتاب المنذري في الترغيب والترهيب ما تطابق فيه مع صحيح البخاري ومسلم، كتاب صغير فيه نفع كبير إن شاء الله وسف أبدأ شرح الأحاديث تباعاً بفضل الله تعالى. وحديث اليوم: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) [ متفق عليه ] القلب كما يقول بعض العلماء منظر الرب، لأن الله ينظر إليه وقد ورد في بعض الآثار القدسية أن عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة، إن الله ناظر إلى قلبك هل فيه غل لأحد ؟ هل فيه حقد على أحد ؟ هل فيه عجب بالذات ؟ هل فيه استعلاء على خلق الله ؟ هل فيه حب للذات على حساب أداء الحقوق، نظراً للآية الكريمة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ [ سورة الشعراء] فرأسمالك في الحياة الدنيا قلبك السليم، وحينما يكون قلبك سليماً أنت مع الله ومعية الله نوعان، معية عامة تشمل كل المخلوقات لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [ سورة الحديد: الآية 4] أي معكم بعلمه، ومعية خاصة تخص المؤمنين بالذات لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾ [ سورة الأنفال: الآية 19] ﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾ [ سورة البقرة: الآية 194] وفي تفصيل أشد: ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [ سورة المائدة: الآية 12] إذا كان القلب سليماً كان الله معك وإذا كان الله معك فمن عليك، إذا كان القلب سليماً كان الله معك ورأسمالك الأكبر في الحياة الدنيا وفي الآخرة أي حينما تلقى الله هو القلب السليم بنص القرآن الكريم: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾ الإنسان أحياناً يحب أن يلمع ذاته يعني يطلي جدار بيته، ينظف مركبته، يغير فرش بيته لأن هذا منظر الخلق، الناس يعجبون بالبيت الأنيق والجميل والذي فيه أثاث جميل، يعجبون بمركبة نظيفة مرتبة فالإنسان من طبيعته أنه يحسن منظر الخلق، الأولى أن يحسن منظر الرب، كيف يحسن ؟ بنية طيبة، بقلب سليم، بقلب متواضع، بقلب يحب الآخرين، بقلب يحب العلم الصالح. قال سيدنا عمر: " تعاهد قلبك " إخواننا الكرام: أمراض الجسد تنتهي عند الموت مهما تكن وبيلة، إنسان معه مرض بقلبه، مرض خبيث، يموت انتهت العملية، انتهى العلاج وانتهى الدواء، وانتهى التصوير، والإيكو، كل شيء انتهى، لو مات أصح الناس يستوي بالموت الصحيح والقوي، لكن مشكلة أمراض القلب تبدأ بعد الموت وإلى أبد الآبدين، فشتان بين أمراض الجسد التي تنتهي عند الموت وبين أمراض القلب التي تبدأ عند الموت وتشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، وربما كان صبرك على مرض الجسد رقي لك عند الله لكن أمراض القلب تردي لا ترتقي بها، ترديك في النار. قال سيدنا عمر: " تعاهد قلبك " ينبغي أن تهتم بأمر قلبك، هل فيه زيغ ؟ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [ سورة الصف: الآية 5] هل فيه نفاق ؟ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)﴾ [ سورة البقرة: الآية 14] والإنسان حكيم نفسه يجب أن يراقب قلبه مراقبةً شديدة، أن يراقب نواياه، في مواقف كثيرة هي عند الله ساقطة، أنا ما كنت أعلم إنساناً يعمر مسجد من أجل الدنيا ولا شأن له في الآخرة إطلاقاً، يمكن أن يقدم أرض لمسجد تتحسن أرضه وتنظمت وارتفع سعرها، هذا عند الله ساقط وعند الناس إنسان عظيم قدم عشر دونمات لمسجد فرضاً لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (( عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )) [ ابن ماجه ] يوجد نفاق، موقف معلن وموقف مبطن، حينما قال الله عز وجل: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ [ سورة غافر: الآية 19] من أجمل ما قرأت حول هذه الآية أن الرجل يكون بين أصحابه وهو حريص على مكانته الدينية تمر امرأة فيغض بصره عنها كي يحافظ على مكانته عند أصحابه فإذا شعر أنهم غافلون عنه نظر إليها، فإذا شعر أنهم انتبهوا غض بصره عنها، إنه يبتغي بهذا سمعته عندهم أما في أعماقه يتمنى أن يراها عارية ولو رآها كذلك لنظر إليها بشهوة، فهذا الإنسان له مكانة طيبة في المجتمع لكن عند الله ساقط. محور هذا اللقاء الطيب أن تنتبه إلى قلبك، أن تتعاهد قلبك، أن تستبصر فيما في قلبك إن رأيت زيغاً أو نفاقاً أو كبراً أو عجباً أو حقداً أو ضغينةً أو كبراً يجب أن تبحث عن الحل أن تبحث عن شفاء قلبك كما تبحث عن شفاء عينك، لو رأيت ذبابةً أمامك هذه تسمى ذبابة العين لا تنام الليل تبحث عن أعلى طبيب وقد يؤجلك إلى شهرين وأنت قلق جداً وتقول عين ليس معها لعب، والقلب أخطر، أخطر بكثير. يا أيها الإخوة الكرام: قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ )) [ متفق عليه ] فهذا قلبك منظر الرب فحسنه بالصفاء وحسنه بالطهر وحسنه بالنوايا الطيبة. والحمد لله رب العالمين |
|
04-19-2018, 09:57 AM | #3 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الثالث الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. أيها الإخوة المؤمنون: لازلنا في كتاب الترغيب والترهيب بل ما توافق فيه مع صحيح البخاري ومسلم، والكتاب عنوانه إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم. (( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً )) [ متفق عليه ] أيها الإخوة: هذا الحديث دقيق جداً ولكن يحتاج إلى تفصيل، من هم بحسنة فلم يعملها لا لأنه غير رأيه ولكن لن يستطع، نوى أن يعطي زيداً من الناس الفقير مبلغاً من المال ولم يتيسر له فهو عند الله قد فعل حسنةً وكتبت له وكأنه فعلها، أما هذا الذي ينتكث ويغير رأيه ينكص على عقبيه، هذا ليس له علاقة بهذا الحديث، هم بحسنة فلم تمكنه ظروفه من أن يفعلها لكنه متحرق على فعلها، قال تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)﴾ [ سورة التوبة: الآية 92] هذا الذي يحال بينه وبين حسنته، هم بحسنة فجاءه مرض منعه منها، هم بحسنة فجاءه سفر، هم بحسنة فجاءه ضيق مادي، من هم بحسنة فلم يفعلها إما لضيق أو لشيء منعه منها كتبت له حسنة كاملة، حتى أنه في بعض الأحاديث من أقعده مرض عن عبادة كتب له ثواب هذه العبادة وإن لم يؤدها، ومن أقعده سفره عن عبادة كتبت له هذه العبادة وكأنه مقيم لأنه الأعمال بالنيات ونية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله، ومن أخطر ما قرأت من أحاديث أقوال الصحابة أن صانع الخير خير من الخير، وصانع الشر شر من الشر، لأن أي شر مهما كان كبيراً ينتهي يوم قيام الساعة، هذا الذي دمر مدينتين في اليابان وقتل ثلاث مائة ألف إنسان في بضع ثوان حينما ألقيت قنبلة ذرية وهذه الحروب التي تسمعون عنها في العالم حروب التطهير العرقي، يقال أربع مائة ألف قتلوا على الهوية، خمس مائة ألف في رواندا قتلوا في يوم واحد، هؤلاء الذين يقتلون أبناءنا في فلسطين، هذا الحدث متى ينتهي ؟ عند يوم القيامة لو فرضنا إنسان ما مات لابد من أن يموت فأكبر شر ينتهي عند قيام الساعة ما الذي يبقى؟ يبقى صانع الشر يشقى بنيته السيئة إلى أبد الآبدين، فصانع الشر شر من الشر، وصانع الخير خير من الخير، عمرت مسجداً عند قيام الساعة انتهى المسجد كل من عليها فان ماذا يبقى ؟ صانع الخير يسعد بخيره إلى أبد الآبدين. فتعقيباً على درس البارحة أنه بالقلب السليم تسعد به إلى أبد الآبدين وبالمرض الخبيث في النفس تشقى بهذا المرض إلى أبد الآبدين، وأن أمراض الجسد تنتهي عند الموت وأن أمراض القلب تبدأ عند الموت لأن الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، متى ينتبه بأمراضه ؟ حينما يحال بينه وبين ما يشتهي، قال تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [ سورة سبأ: الآية 54] الناس في التخدير، يتابع المحطات الفضائية، يقرأ ما يحلو له، يلتقي مع يحب، يأكل ما لذ وطاب، ينام في بيت فخم، يمتع عينه بجمال الحسناوات إن في الطرقات أو في الفضائيات أو في المجلات متى يشعر بالشقاء ؟ حينما يحال بينه وبين ما يشتهي. ((.. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ... )) الحد الأدنى يعني ثوابك على نيتك بعمل لم تفعله أو حيل بينك وبين أن تفعله حسنة كاملة، أما إذا فعلته من عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح. ((... فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا.. )) سمعت عن شاب حج في وقت مبكر لأنه حج مع والدته كمحرم، عمره ثمانية عشر، وانتهى الحج وعنده مكتبة في المهاجرين جاءته فتاة ساقطة وفاسقة أغرته فتبعها ونسي، وكان في حوافل كهربائية وأكثر أخواننا الذي عمرهم معقول رأوها وآثارها موجودة، ومشي وراءها مسافة طويلة طبعاً ليقترف الزنا، ثم قال: أنا حاجج يبدو أن غلبت عليه خشيته لله فركب في الترين ورجع، وعاد إلى محله، يقسم بالله العظيم وأنا أعرف أنه من عشرة سنوات كان حي يرزق، جاءه رجل من وجهاء الحي وبكل بساطة ومباشرةً قال له: يا بني أنت متزوج ؟ قال له: لا، وهذا الرجل من وجهاء الحي الكبار ومن كبار تجار الزيت في سوق الزيت و قال له: ابعث أمك إلى عندنا. هو ماذا ظن ؟ أن عنده بنت كاسدة جمالها دون الوسط وعندها مشكلة لأنه عرض عليه فأرسل والدته فوجد الخبر بالعكس بنت في ريعان الشباب وجميلة جداً ومن أرقى الأسر، وبعد يومين زاره وقال له: يا بني هل بعثت والدتك ؟ قال له: نعم، قال له: ماذا وجدت ؟ قال له: ممتازة ولكن أنا لا أملك شيء، فقال له: هذا ليس عملك، جعله شريك له في التجارة واشترى له بيت وزوجه. ماذا عمل هذا الشاب ؟ قال إني أخاف الله رب العالمين، هو هم بالسيئة لكن لما لم يعملها ؟ لأنه أدركته خشية الله، إذا إنسان دخل ليزني ودخلت الأخلاقية وداهموا البيت فما زنا هل له أجر ؟ لا ليس له أجر ليس معنياً بهذا الحديث. يقول عليه الصلاة والسلام: (( فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا...)) لا لأنهم داهموا البيت بل لأن أدركته خشية الله، غلب عليه خوف الله عز وجل. ركبت مع أخ في سيارته سؤال خطأ مني وفضولي قلت له: هذه السيارة متى اشتريتها ؟ وأنا أريد أن أتحدث معه وأؤنسه ؟ قال لي: هذه السيارة لها قصة، قلت له: ما قصة هذه السيارة ؟ فقال لي: أنا أسكن في المزة وعملي في البزورية وعندي أولاد ويجب أن آخذ بضاعتي من الشام لأنها أرخص وأحمل هذه البضاعة فينكسر البيض وتتلف البندورة، وكان في أزمة خانقة جداً والناس فوق بعضها، فذهبت واشتريت ورقة يانصيب، وقلت لعلي أربح وأشتري سيارة، فقال لي: ساقتني قدماي بأول يوم جمعة بعد أن اشترى الورقة إلى جامع لا على التعيين والخطبة كلها على اليانصيب لا حول ولا قوة إلا بالله إلى هنا لحقني المشايخ، فأخرج الورقة ومزقها في الجامع خوفاً من الله، طالما حرام مزقها. يقسم بالله العظيم في اليوم التالي وهو عنده مطبعة ورق، تسمى مطبعة حرارة تطبع على القماش، بالعادة كل صفقاته ألف، ألف وخمس مائة، يعني مستور، قال لي: جاءني زبون يريد خمسين ألف قميص، أول مرة يأتي هذا الزبون واتفقت أنا وهو ودفع الرعبون، قال لي ربحي من هذه العملية ثمانية وعشرين ألف ثمن هذه السيارة. والله أنا بكيت قلت يا رب مزق الورقة في الجامع خوفاً منك أنت ما نسيته لماذا مزقها ؟ خوف من الله، هو خطط أن يتابع الأمر ولكن حينما سمع الخطيب يقول حرام مزق الورقة خوفاً من الله، كأن الله عز وجل يخاطبه أنت مزقتها خوفاً مني وأنا أدعك بلا مركبة فأرسل له المركبة، هذه حقائق. ((... وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً.)) إذا عملها وغلط قال: ((... فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً )) هذا من كرم الله عز وجل إن لم تفعل الحسنة حيل بينك وبينها كتبت لك حسنة وإن فعلتها كتبت لك عشرة حسنات إلى سبع مائة إلى أضعاف كثيرة، فإن هممت بسيئة ولم تعملها خوفاً من الله كتبت لك حسنة فإن فعلتها كتبت لك سيئة واحدة. يوجد رواية ثانية تدعم الأولى يقول عليه الصلاة والسلام: (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ )) [ متفق عليه ] ((... وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي... )) هنا المعنى أكد المعنى الأول وإن تركها من أجلي. ا والحمد لله رب العالمين |
|
04-19-2018, 10:01 AM | #4 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الرابع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. أيها الإخوة الكرام: لازلنا في كتاب الترغيب والترهيب وقد كان درس البارحة الترغيب في الإخلاص، واليوم الترهيب من الرياء. (( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ")) [ مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد ] هل هناك أعلى ممن قدم روحه في ساحة المعركة ؟ و هل هناك أعلى ممن عاش عمره يعلم الناس و يقرأ القرآن ؟ و هل هناك أعلى ممن أنفق ماله للناس ؟ و مع ذلك إن كان هذا رياء فالله سبحانه و تعالى مطلع عليه و يعلم سريرته، و يعلم خبايا نفسه، و الله عز وجل يحول بين المرء و قلبه، فالإخلاص الإخلاص، نحتاج إلى أن نعرف أنفسنا، أن نستبطن مشاعرنا، أن نحلل بواعثنا، أن ندقق في نوايانا، أن نمتحن أنفسنا من حين إلى آخر، لأنه لو غفلنا عن هذه النقاط الثلاث و لو متنا في ساحة المعركة، و لو علمنا العلم طوال حياتنا و لو أنفقنا مالنا كله و لم نكن مخلصين لله عز وجل لا نكون عند الله مقبولين، لذلك قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2)﴾ [ سورة الزمر: الآية 2] من الظاهر عبادة، من الباطن إخلاص، فإن لم يكن إخلاص فالعبادة لا قيمة لها، إذاً هل الإخلاص نصف الدين ؟ الجواب لا، الدين كله، لو عبدت الله في الظاهر و لم تكن مخلصاً في الداخل فالظاهر لا قيمة له، إذاً الحقيقة المرة أن الإخلاص هو الدين كله و ليس نصف الدين، إن لم تكن مخلصاً لا قيمة لعبادتك الظاهرة، و لا لموتك في ساحة المعركة، و لا لإنفاقك مالك كله، و لا لتعلم القرآن و تعليمه، لذلك يقول عليه الصلاة و السلام في أحاديث الإخلاص كما قلت البارحة و قبل البارحة: (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) [ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك ] أي طائرة تحلق في الجو أصابها خلل فسقطت و مات كل ركابها، كيف يحاسبون ؟ فيها أربعمائة راكب، يقول لك: و قد مات جميع ركابها، شخص على متن هذه الطائرة يسافر من بلده إلى أمريكا ليحصّل العلم و في نيته أن يبذله للمسلمين حينما يرجع، و أن يقوي المسلمين يموت على نيته، و آخر كره أمته و كره وطنه و أراد أن يذهب إلى هناك ليستقر و يبقى فيها إلى أن يموت، يموت على نية أخرى، وآخر بلغه أن هناك في تفلت أخلاقي ويستطيع أن يفعل كل شيء دون أن يحاسب يموت زانياً أربعمائة راكب كل راكب يموت على نيته، هذه الحقيقة قالها النبي عليه الصلاة والسلام. (( عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ )) [ متفق عليه ] يوجد أناس ليس منهم في الأسواق ليس لهم ذنب، لو كان الموت جماعي، لو طائرة سقطت، لو حريق شب في بناء، لو زلزال أطاح بمائة ألف كل واحد يموت على نيته، لو تساووا في الموت يتفاوتون بالنية. رجل مقيم في مكة أعجبته امرأة مقيمةٌ في المدينة على جانب من الجمال فطلب أن يتزوجها فاشترطت عليه أن يهاجر إلى المدينة فهاجر، اسمها أم قيس، قال عليه الصلاة والسلام: (( يَقُولُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )) [ متفق عليه ] أيها الإخوة: كان عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك فقال أنس بن مالك رضي الله عنه رجعنا من غزوة تبوك مع النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ )) [ البخاري، ابن ماجه ] إذا تخلفت عن جهاد، أو عن صلاة، أو عن صيام بسبب مرض إذا كنت معذوراً يكتب لك أجر العبادة كما لو كنت صحيحاً، وإذا كنت معذوراً بسفر يكتب لك أجر هذه العبادة كما لو كنت مقيماً، يعني إنما الأعمال بالنيات. لذلك هذا الذي استشهد في أرض المعركة أو تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن وقرأه، أو أنفق ماله يمنةً ويسرة وكان بهذا مرائياً يسحب على وجهه فيلقى في النار، ونعوذ بالله أن نعمل عملاً صالحاً في ظاهره يستحق النار في باطنه، لذلك ورد في بعض الأدعية أن أحد الصالحين دعا فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً فيه رضاك ألتمس أحداً سواك، وأن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأن أكون عبرةً لأحد من خلقك، وأن يكون أحد أنفع بما علمتني مني أو أسعد مما علمتني مني، أربع أشياء قاسمات للظهر. أن تعلم علماً وأن توضح حقيقةً وأن تشرح آيةً وأن تشرح حديثاً فيأتي الناس فينتفعون بهذا الشرح ويطبقونه ويسعدون به والذي تكلم وشرح وبين وفصل لا يطبق هذا الحديث فشقي، أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، وأن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس فيه أحد سواك، وأن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، يعني رجل يوم الجمعة لبس كلابية مكوية، وتعطر، ووضع مسك، وحمل سبحة، ولبس قلنسوة وجاء إلى المسجد متزيناً بهذا الزي الإسلامي وكان ليلة الجمعة يسهر حتى الساعة الخامسة على القنوات الفضائية يطلع على النساء العاريات، هو ماذا فعل يوم الجمعة ؟ تزين للناس بشيء يشينه عند الله، أو أن تقول قولاً حقاً من أجل أن ترضي زيداً أو عبيداً لا من أجل أن ترضي الله عز وجل، أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس فيه أحداً سواك. وأن أكون عبرةً لأحد من خلقك، في بعض الأدعية: (("ٍعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ )) [ أبو داود، النسائي، ابن ماجه، أحمد ] (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ )) [ أحمد، النسائي ] و أعوذ بك من عضال الداء، و من السلب بعد العطاء. و في حديث آخر: ((عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ )) [ البخاري، مسلم، ابن ماجه، أحمد ] هو هدفه السمعة، يعطيه الله هذه السمعة و ماله في الآخرة من خلاق، هدفه المراءاة يثني الناس عليه في الدنيا و ماله في الآخرة من خلاق، اعملوا ما شئتم كل عمل له جزاؤه إن في الدنيا أو في الآخرة، فإذا كان رياء كان جزاؤه في الدنيا، فإذا كان إخلاصاً كان جزاؤه في الدنيا و الآخرة. والحمد لله رب العالمين |
|
04-19-2018, 09:24 PM | #5 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
جزاك الله خير جزاء لهذا الطرح و الشرح القيم للمختصر الأحاديث النبوية الشريفة
في أمان الله وحفظه |
أطروحاتكم وردودكم الراقية تعكس ما مدى توازن فكركم و ثقافتكم. جملوا حضوركم بتفاعلكم الذي يترك أثار طيبة وينثر روائح زكية.
|
04-21-2018, 01:13 PM | #7 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الخامس فعن ابن عباس بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقَبِّل الحجر أي الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِلك لما قَبَّلتك. من هذا الحديث ننطلق إلى حقيقة كبرى في الدين وهي أن الدين في الأصل نقل عن الله في قرآنه، وعن الرسول في سنته القولية والعملية والإقرارية، هذا هو الأصل في الدين ولكن الإنسان له عقل يعمل، شاء أم أبى، العقل مسموح له مع النقل أن يتأكد من صحة النقل وأن يفهمه، وليس مسموحاً له أن يلغي النقل، الدين في الأصل نقل عن الله، الآن أنت مع طبيب يحمل شهادة بورد من أمريكا لا يمكن أن تفكر في وضع نصيحته على مجال البحث أبداً، يقول لك: إن يفهم، هكذا قال لي الطبيب، دون أن تشعر إن كنت واثقاً من طبيب يحمل أعلى شهادة في العالم ومتفوق، ويعطيك توجيهات تأخذها وكأنها مُسَلَّم بها، فكيف بخالق الأرض والسماوات، فأنا عقلي مسموح له أن يتأكد من صحة النقل، يا أخي هل أنت متأكد من أنّ هذا الحديث صحيح، قد يكون موضوع، هذه من مهمة العقل، أين قرأته في البخاري لا بأس، أما في كتاب من الكتب الضعاف فهذا لا يجوز، فعقلك مسموح له أن يجول في موضوعين، موضوع التأكد من صحة النقل، وموضوع فهم النقل، أما إذا كان عقلك حَكَماً على النقل فهذا مستحيل. أيها الإخوة: أي عمل إذا كان واضحاً وضوح الشمس تضعف فيه الناحية التعبدية، وإذا كان غامضاً غموضاً شديداً تعلو فيه الناحية التعبدية، ضربن مثلاً تنظيف أسنانك، تنظفها لمصلحتك و مصلحة سلامة أسنانك، وبقاء أسنانك في فمك، وهذا العمل مع أن هناك أحاديث كثيرة جداً عن السواك أنت تفعل ذلك دون أن تشعر أنك ضحيت أو فعلت شيئاً عظيماً، الناحية التعبدية في تنظيف الأسنان تضعف لأنه واضح وضوح الشمس أنه لصالحك أما حينما تؤمر أمراً إلهياً فلا تجد هناك حكمة واضحة لكن بدافع من إيمانك ومحبتك لله تطبق هذا الأمر، وقد يضر بمصالحك القريبة طبعاً، وقد لا تجده منطقياً هذه الجملة من الأوامر في الدين لها وظيفة كبيرة، من أجل أن تُمتحن عبوديتك لله عز وجل أما إذا كنت لا تطبق أمراً إلا إذا رأيته لمصلحتك أنت إذاً لا تعبد الله تعبد ذاتك، الذي يعجبك تفعله، والذي تجده غير منطقي وغير معقول وغير واقعي وتتضرر منه لا تطبِّقه، إذاً أنت تخترع ديناً من عندك، انتقيت من الدين ما يعجبك وما يتوافق مع مصالحك، ورفضت ما لا يتوافق، أنت حينئذ لا تعبد الله أبداً إنما تعبد نفسك، أما المؤمن كما فعل سيدنا عمر، ما توضحت له الحكمة، قال: والله لولا أني رأيت رسول الله يُقَبِّلك ما قبَّلتك، لكنني أنا مُتَّبع لرسول الله، وهذا الموقف الكامل لكل إنسان، قال سيدنا الصِّديق: إنما أنا مُتَّبِع وما أنا بمبتدع، إذاً هناك بعض الأوامر التي قد لا تفهمها، أو التي تتضارب مع مصالحك القريبة، أو التي لا ترى لها حكمة بالغة، ما مهمتها في الدين ؟ مهمتها امتحان عبودية الإنسان لله، أب منطقي، غني متعلم، مُرَبي كبير، ربَّى أولاده، كل ولد له غرفة خاصة، وكمبيوتر، وحاجاته كلها مؤمنة وبيت مريح، عندها كل أوامر الأب منطقية، ما عدا مرة قد يقول لولده على الطعام لا تأكل يا بني، فيقول له: ولماذا لا آكل ؟ ألا يحق لأبيك أن يطلب منك طلباً مع كل هذا العطاء والإكرام طلباً لا يُقنعك، أما الابن الراقي يقول: حاضر يا والدي، أبي له حكمة لا أعرفها، هناك في الدنيا أوامر كهذه لا تجد حكمتها، ينبغي أن تنطلق إلى تطبيقها لأنها أمر، من هنا قال بعض علماء الأصول: علة كل أمر أنه أمر، يكفي أنّ الله أمرنا به، وإن كنت لا أفهمه أنا عبد، ليس من شأن العبد أن يناقش سيده دائماً، إن كان عندك موظف في العمل تقول له: ضع هذه الرسالة بالبريد، فيقول لك: ولماذا يا معلمي أرسله بالفاكس، هل يتحملك معلمك ؟ لا بل يقول لك: هذا ليس من شأنك، ضع الرسالة في البريد، فيقول لك: ولكن الفاكس أسرع يا معلمي، فيقول له: هذا ليس عملك، ضعها وحسب، فأنت لا تتحمل موظفاً عندك يناقشك في كل عمل تقوم به، فالأولى مع خالق الأكوان أن تقول يا ربي أنت أمرت بذلك وأنا حاضر، قال إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [ سورة الصافات: الآية 102 ] والله هذه الكلمة لو وُزنت بالأرض ذهباً لرجحت، يا أبت افعل ما تؤمر، الآن إن مرض واحداً منا، يقول: يا ربي أنا راضٍ، النبي عليه الصلاة والسلام ضُرِب في الطائف فقال: "إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي " هل هكذا تعامل ربك أنت، شيء غير منطقي، دخلك قليل وغير كاف وأنت مستقيم، ولك جار من أحقر الناس ومعه ملايين وملايين وتقول: يا رب أنا راضٍ لأنك تقول: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾ [ سورة الأحزاب: الآية 71 ] لا تقول الله يعطي الحلاوة لمن لا أضراس له، هذه كلمة كفر، يا رب أنا راضٍ، قال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)﴾ [ سورة القلم ] وقال: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾ [ سورة آل عمران ] كان سيدنا عمر إذا دخل مكان الخلافة يتلو قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)﴾ [ سورة الشعراء ] الدرس اليوم عن الترغيب في إتباع الكتاب والسنة، وأما الترهيب من ترك السُّنة وإتباع البِدع والأهواء فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )) [ مسلم، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، البخاري ] كنت مرة في بلد إسلامي فعرضوا في الأخبار أناس أرادوا أن يمشوا على أقدامهم ألف كيلو متر تقديساً لرجل دين، هذا لم يرد في الكتاب والسُّنة، قال الرسول الكريم: ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )) [ مسلم، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، البخاري ] فكل شيء أمر به النبي على العين والرأس، نهى عنه النبي على العين والرأس، أما أن أخترع أوامر لم يأمر بها النبي أو نواهي ما نهى عنها النبي هذا رد، هذا ينبغي أن يُرَد، مثلاً مات أبوها فتظل سنتين وهي مرتدية اللون الأسود حداداً عليه، وكل أربعاء مثلاً هناك أخذ خاطر، فهذا الزوج لا ذنب له، قال النبي: (("عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تَحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا )) [ النسائي، البخاري، مسلم، أبي داوود، الترمذي، ابن ماجة، أحمد، موطأ مالك، الدارمي ] أما على زوجها فأربعة أشهر وعشرة أيام، أما غير زوجها فثلاثة أيام فقط، أما أن تبقى سنتين وهي مرتدية الأسود، سنتين وهي حزينة ومقهورة هذا غير إسلامي، أن تقول أول أربعين له، أول خميس، هذا كله لا يجوز، كله بِدَع، ليس من الدين من شيء. (("عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ)) [ مسلم، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] الشاهد من هذا الحديث: (("إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.")) [ مسلم، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] (( "عَنْ أَنَسٍ قَال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.")) [ أحمد ] لذلك قيل طوبى لمن وسعته السُّنة ولم تستهوِه البِدعة، أحدهم اشترى آلة فيديو وصور نفسه بها وزوجته، بعد ذلك وسوس له الشيطان فصوًّرها من دون ملابس، ثم صوَّرها وهو معها في الفراش على فيلم، وكان قد استعار فيلماً من محل تأجير أفلام، وخطأً وضع فيلمه في غلاف فيلم المحل وأعاد الفيلم، وحين فتحه صاحب المحل وجد شيئاً جديداً وبدأ بتأجير الفيلم حتى وصل لأخوه، فاضطر إلى بيع بيته في دمشق والسكن في حمص هرباً من الفضيحة، فطوبى لمن وسعته السُّنة ولم تستهوه البِدع، عندي مليون مشكلة أساسها التصوير اتصلت معي ذات مرة امرأة وقالت لي: لقد طلبت قرضاً من شخص فقال لها: على شرط أن أتصور معك وهي متزوجة، فتساهلت في الأمر، وبسبب هذه الصورة ابتزّ بها كل أموالها، بحجة أنه سيُرِيها لزوجها، فسبحان الله لا تعرف قيمة تحريم النبي للتصوير إلا في هذا الزمن، الآن هناك مونتاج للصور عن طريق الكمبيوتر تضع فيه رأس امرأة فوق جسد امرأة أخرى، ممكن أن يأتي بامرأة عارية ويضع رأس امرأة شريفة ومحجبة فوقه، ويأخذ فيها مئات الألوف، لذلك طوبى لمن وسعته السُّنة، عندي بحكم عملي في الدعوة أكثر من مئة مشكلة أساسها صورة، وأساساً كل تحويل الفتيات من فتاة شريفة طاهرة إلى مومس عن طريق الصورة، استدرجوها إلى شقة وخدَّروها وفعلوا الفاحشة معها وأخذوا لها صورة، قدّموا لها هذه الصورة، في كل يوم عندها زبون بأعلى سعر، لأنها ليست محترفة بل هاوية وأساسها صورة. ((" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ.")) [ البخاري، مسلم، أحمد، النسائي ] لا تعرف خطورة هذا الحكم الشرعي إلا الآن، والله أعتقد أن هناك مشكلات بالملايين سببها صورة فطوبى لمن وسعته السُّنة ولم تستهوه البِدعة، هناك شركات تبيع أفلاماً إباحية ولكن بمائة ضعف من سعرها الطبيعي، لأنّ الفيلم ليس عن مومسات، وإنما عن أزواج، اكتشفوا أنّ بعض فنادق الخمسة نجوم إن أنت عملت عرساً في فندق يعطونك غرفة هدية للعروسين ليناموا فيها أول ليلة، بعض الفنادق فيها كاميرات خفية، تصور أول ليلة وترسلها إلى أمريكا وكندا، وتأخذ ثمن الفيلم مائة ضعف، والأُسر مسلمة، أقسم بالله شخص أنه اشترى فيلماً كان فيه أخته وصهره، فقضية خطيرة جداً يا إخوان، طوبى لمن وسعته السُّنة ولم تستهوه البِدع، هناك الآن كاميرات خفية لا تراها أبداً، حدثني أخ أنه عمل عرساً في فندق خمس نجوم، والتأكيدات والضمانات تفوق حدّ الخيال أن الجميع نساء، أحد الشباب خرج إلى غرفة في الأعلى فوجد تلفزيون كبير يراقبون الصالة، كان هناك خمسة شباب جالسين يشاهدون جميع المدعوات بثياب فاضحة والجماعة مستورين جداً ومعهم ضمانات أنّ هذه القاعة فيها نساء فقط ولكنها مراقبة تلفزيونياً من قِبَل شباب يجلسون في الأعلى، كل شيء كان مسجل، فانتبهوا يا إخوان أن تكون أعراضنا في أيدٍ غير مؤمنة، اجعل العرس تواضعاً في مكان مضمون، لا تبحث عن المظاهر، التصوير الآن خطير جداً، يمكن من خلاله أن يصبح معك مئات الملايين، سمعت في الأخبار أن هناك مواقع تُستدرج إليها الفتاة بشكل دقيق إلى شقة تصوّر فيها، وهنا تكون قد انتهت، لقد أصبحت مومساً إلى نهاية عمرها، وهناك آلاف القصص. والحمد لله رب العالمين |
|
04-21-2018, 01:17 PM | #8 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس السادس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. أيها الإخوة الكرام: لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم. والباب اليوم الترغيب في البداءة بالخير، ليُسْتَنَّ به، والترهيب من البداءة بالشر خوفاً من أن يُستنَّ به. ((عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ ( اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )) [ مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] أولاً أيها الإخوة: المؤمن ذو القلب القاسي بعيد عن الله بُعدَ الأرض عن السماء، قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [ سورة الزمر: الآية 22 ] وقال عليه الصلاة والسلام: (("والله ما آمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم )) ومن لم يتفقد شؤون المسلمين فليس منهم، أول استنباط يجب أن تملك قلباً رقيقاً يأسى ويتألم ويرحم الضعفاء والفقراء والمرضى، قلبك المريض رأسمالك في الآخرة، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ [ سورة الشعراء ] البعد عن الله يسبب القلب القاسي والقرب من الله يسبب القلب الرحيم، فالنبي عليه الصلاة والسلام تنعَّر وجهه، لم يحتمل هذا الفقر، وما أكثر الفقر في بلاد المسلمين، هؤلاء الذين ينفقون أموالهم على حظوظهم وعلى شهواتهم وعلى مظاهرهم الفارغة، قد ينفقون ثمانين مليون على عرس ليلة واحدة، ويمكن أن تزوج بالثمانين مليون ثمانية آلاف شاب، يمكن أن تمسح الدموع عن آلاف الفقراء، هؤلاء الذين إذا أنفقوا مالهم إسرافاً وتبذيراً هؤلاء قلوبهم قاسية، الآن يا إخوان، وضع المسلمين صعب جداً، الدخل قليل والتكاليف كثيرة، فإن كان أحدنا في بحبوحة فيجب أن ينفق الحد الأدنى، وأن يتصدق بما فَضَل من حده الأدنى عن حده الأقصى، هذا واجب المسلمين اليوم، أما هذا الذي لا يبالي يقول أنا أعيش ومن بعدي الطوفان، هذا إنسان لا ينتمي إلى المسلمين، هناك أُسَر فقيرة والله لا تذوق اللحم يا إخوان، ولا في الشهرين مرة، هناك أطفال جياع، هناك أطفال يقعون في المدرسة من شدة الجوع، يتناوب الأولاد في طعام الفطور، كل يوم ولدين، فمع هذا الفقر الشديد ينبغي أن يكون المسلم الذي في بحبوحة في عناية بالغة في إنفاق ماله، ينفق الحد المعقول، وإذا زاد عنده فضلٌ فهناك من يُنعشه ويعطيه، هذا أول استنباط. الاستنباط الثاني مرة دُعيت في رمضان إلى حضور طعام الإفطار في ميتم من مياتم دمشق القديمة، على أمل أن أُلقي كلمة في الإخوة المدعوين وهم من المُحسنين، والدعوة على حساب أحد المُحسنين، لم تؤخذ من مال الأيتام ـ هذه نقطة دقيقة ـ كل الحفلات في رمضان من أجل جمع التبرعات يكون ثمن الطعام على حساب أحد المُحسنين، لا على حساب صندوق الأيتام، فالفضل لله عز وجل ألقيت كلمة والتبرع علني، أنا أذكر أننا جمعنا ستة ملايين في نصف ساعة، بعد سنوات كان هناك توجيه ألا يكون التبرع علنياً فلم يصل المبلغ إلى مليون، فعندما قال ربنا: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [ سورة البقرة: الآية 271 ] هنا شجَّع الإنسان، أنا مائة ألف وآخر زميله أغنى منه فيخجل ويدفع مئة وخمسين، أما القضية سرِّية فيقول عندها: يكفي خمسة وعشرين ألفاً، يكفي عشرة، فالله عز وجل يقول: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ(271)﴾ أحياناً المؤمن عندما يُعلن عن تبرعه وعن عمله الصالح يُشجع الآخرين، لذلك قال الرسول الكريم: ((...مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ..)) [ مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] بالمناسبة حتى يكون كلامي دقيق جداً هناك بدعةٌ لغوية وهناك بدعةٌ في الدين، البدعة في الدين مرفوضة، لأن هذا الدين توقيفيٌ من الله، مقطوع أمره، مبتوت أمره، فهناك وحيٌ وحديث، وانتهى الأمر. لا أحد يستطيع أن يدخل على الأمر شيئاً، لذلك العلماء قالوا: هناك بدعة في الدين، وهناك بدعةٌ لغوية، من أتى بالسجاد الموحد جزاه الله كل خير، انتظمت الصفوف بها، هذه بدعةٌ لغوية، من هيَّأ تدفئة للمسجد، من هيَّأ تكبير صوت، ممكن أن نُحسِّن حياتنا، ممكن أن نحسِّنها إلى أعلى درجة، هذه كلها بدع لغوية مقبولة، وهذا الذي يعنيه النبي من هذا الحديث، من سن سنة حسنة في شؤؤن الدنيا، في التعامل مع الناس في تقديم الحاجات، لو أحدثنا صندوق للزواج، وقد أُحدِث، هذه بدعة حسنة، صندوق للعافية هذه بدعة حسنة، صندوق للقرض الحسن بدعةٌ حسنة، هناك آلاف البدع الحسنة. مرة حضرت مؤتمراً للأوقاف فمندوب أحد الدول الإسلامية أتحفنا بمشاريع العقل لا يصدقها، فمثلاً هناك صندوق للتوعية المرورية، لأن عدد الذين يموتون بحوادث المرور أكبر عدد ممكن فلا بد من أن نوعي هؤلاء، صندوق للوفاق الزوجي، كل واحد عنده مشكلة مع زوجته، فهناك خبراء، وهناك علماء دين، وسيارات، ومقر، وهناك صندوق لتحديد المطالعات للصغار، يؤلفون قصص إسلامية، يوزعونها على البيوت مجاناً حتى يحب الطفل المطالعة، سمعت عن تسعة صناديق لدولة إسلامية ؛ صندوق للقرض الحسن، شخص ميسور فيدفع مليون للقرض الحسن، تؤَسس لجنة ومكاتب وتحقيقات وضمانات، فعندنا بنك للقرض الحسن، وبنك للتمويل الرأسمالي مثلاً، ما دام الكمبيوتر أصبح لغة العصر فقد أصبح هناك صندوق للكمبيوتر يعلِّم الشباب الفقراء كيف يتعاملون مع هذا الجهاز، ديننا عظيم، حضرت مرة مؤتمراً سامياً في دمشق الأوقاف وخرجت بانطباع مذهل، قلت: العلة في المسلمين لا في الإسلام، الإسلام تشريع رباني يغطي كل حاجات المسلمين، أحدها التأمين، الإسلام لا أقول أنه سمح بالتأمين ولكنه نَدَب إليه، أي تأمين ؟ التعاوني، مثلاً هناك مائة أو ألف تاجر قماش يعملون صندوق للتأمين كل واحد يضع مبلغاً في السنة مما تسخو نفسه به ويسجل باسمه، هذا الصندوق صار فيه خمسة إلى ستة ملايين، أحد زملائنا المشتركين بهذا الصندوق بضاعته تَلِفَت، أو جاءت بضاعة رخيصة جداً منعت بيعها، صار عنده خسارة كبيرة فنعطيه من الصندوق، أما الباقي فهو لنا، إذا لم يتضرر أحد فالمال لنا، نستثمره كما نشاء نحن، هذا هو التأمين التعاوني، أي ما من مشكلة في الأرض لأنها تشريع ربنا إلا وهي مغطاة بالتشريع الإسلامي، أما العلة فهي ليست في الإسلام بل في المسلمين الذين يأبَون التحكيم إلى الشرع، هذا شيء أنا لاحظته في أمريكا، وهو شيء مخيف والعياذ بالله، الزوجة المسلمة تقيم دعوة على زوجها أمام قاضي أمريكي، لماذا ؟ لأنه بالقانون الأمريكي يعطيها القانون نصف أموال زوجها، وتأبى أن تحتكم لقاضي مسلم لأنه يعطيها مهرها فقط، فالعلة في المسلمين لا في الإسلام، لا توجد مشكلة نعاني منها إلا ولها حل تشريعي إسلامي رائع، فلما قال النبي: ((...مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَة...)) [ مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] يقصد بذلك في شؤون الدنيا، أما في شؤون العقيدة فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. الابتداع في العقيدة ممنوع، الابتداع في العبادة ممنوع، الابتداع في أعمال تنتمي للعبادة ممنوع، المسموح أن تُحسِّن شروط المعيشة للمسلمين، تُطَور، تستخرج الثروات من الأرض، تحفر الآبار، تنشئ المزارع، هيِّأ فرص عمل، أنشأ معامل، هذا كله نحن مطالبين به، هنا نبتدع، هنا نُطَور، هنا نجدد، أما الدين لا يقبل التجديد إلا بحالة واحدة نادرة، كرواق محطة الحجاز، تعرفونه سابقاً كان أسود اللون، كيف جددوه، جاؤوا بجهاز حديث ضرب الحجر برمل فاستعاد لونه الطبيعي، التجديد في الدين أن تنزع منه ما علق به مما ليس منه، هذا هو التجديد، لا يُسمح بالتجديد في الدين إلا بهذه الطريقة، أن تنزع عنه ما علق به مما ليس منه، أما أن نضيف للبيت غرفة، نحذف غرفة، نضيف طابقاً، نهدُّ حديقة، نحن نجدد، معنى ذلك أنَّك تتهم الدين بالنقص، أو بالزيادة، الدين لا يوجب ذلك، والعقيدة لا يُضاف عليها، ولا يُحذف منها والعبادات ثابتة، لا يُضاف عليها، مثلاً أنا شيخ أردت أن أُحمِّس إخواني فأقول لهم: اذكروا الله خمسين ألف مرة باليوم، يحتاج إلى خمس ساعات، طبَّقها ليومين فتعب منها، النبي أمر بشيء مقبول، أمر بصلاة الفجر، أن تجلس حتى شروق الفجر، هذا الدين، لا نضيف نحن عبادات لم تكن، ولا نحذف عبادات موجودة أما من سنَّ سُنَّة حسنة في أمور الدنيا قال عليه الصلاة والسلام: (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)) [ مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] مثلاً عمل عرساً مختلطاً لأنه من الصعب عليه أن يعمل حفلتين، لذلك حفلة واحدة، ماذا فعلت بهذه الحالة ؟ جمعت النساء مع الرجال، أو مثلاً رُبينا إن لا يكون عندنا في البيت مائدتين في رمضان لذلك ندعو جميع أصهرتنا وبناتنا على مائدة واحدة، فكل واحد منهم رأى زوجة الآخر، وتمناها لنفسه، أنت جمعت النساء مع الأصهار جميعاً وتقول هكذا رُبِّينا: يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عند هكذا علمنا والدي، هكذا رُبِّينا، هكذا بيئتنا إن لم يدخل العريس ويجلس معنا لا نقبل، لا نرضى إلا إذا جلس أمام خمسمائة امرأة شبه عارية، فإن لم يأتي فالعرس غير مقبول، من قال ذلك ! (("قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )) [ مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] وفي بعض الأحاديث يقول عليه الصلاة والسلام: (("َقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ )) [ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، أحمد ] هذا نوبل اخترع البارود، يبدو أنه علم أنه عمل أكبر جريمة في حياته، الله شرَّع لنا السيف، سيفاً مقابل سيف، هناك شجاعة، بالإضافة إلى أن سيفاً يغلب سيفاً، لكن ليس قنبلة تقتل مئتي شخص، إن كانت ذرية فهي تقتل ثلاثمائة ألف كما في هيروشيما، السلاح الحديث لم يَعُد به شجاعة، أجبن وأحقر إنسان أمام شاشة رادار، والطيارة على الشاشة ومعه مِقود، وهناك إشارة بكبسة زر تنفجر هذه الطائرة، قد يصعد على ارتفاع أعلى من المدى المجدي فتأتي القنبلة في وسط البيت، وسط المعمل، وسط الملجأ، الأسلحة الحديثة لا يوجد فيها شجاعة، فيها دناءة، ممكن لرجل حقير أن يغلب أمة بأكملها، أما الله تعالى فقد قال: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ﴾ [ سورة الحديد: الآية 25 ] السيف فيه شجاعة، لا ينقهر فيه رجل على حق، لأنه عدوه معه سيف مثله تماماً، فالمُرَجح هي القوة والشجاعة والإقدام، على كل هذا نوبل اخترع البارود وعرف أنه ارتكب جريمة بحق البشرية ورصد مالاً كبيراً لمن يقدم للبشرية عملاً جيداً، صار عندنا جائزة نوبل فهو سنّ سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. كل شيء اسمه سيارة مفخخة تقتل مئات الأشخاص في شارع مزدحم تجدها في صحيفة نوبل فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، احذر أن تعمل عملاً يُقتدى به من بعدك. والحمد لله رب العالمين |
|
04-21-2018, 01:21 PM | #9 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس السابع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. أيها الإخوة: لازلنا في إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، وكتاب اليوم كتاب العلم، والباب الأول الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين، كتقديم لهذا الباب، قد يركب الإنسان مركبة تقوده إلى أن يتسلم أعلى منصب في العالم، البيت الأبيض مثلاً، في مركبة تقوده إلى البيت الأبيض، وقد يركب مركبة تقوده إلى المشنقة، فالبطولة أن تعرف إلى أين أنت سائر، في طريق يفضي بك إلى الجنة، أم طريق يفضي بك إلى النار، من هذا المعنى يقول عليه الصلاة والسلام: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.)) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] هذا الأمر ينطبق على الأطباء، يأتيهم إنسان مكروب بمرض، وقد آتى الله الطبيب علماً، فيصف له الدواء الناجع فيُشفى من مرضه، وينطبق على محامي مؤمن، إنسان مكروب بقضية والمحامي بإخلاصه وعلمه أعطاه حقه وزيادة، ينطبق على إنسان يقدم من ماله مبلغاً يمسح بها دموع البائسين، يقدم من ماله مبلغاً يزوج بها المتزوجين الشباب. (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] تزوجها في الشهر الخامس وحملُها ليس خمسة أشهر، وإنما تسعة أشهر، إذن الحمل ليس منه، بإمكانه أن يسحقها، ويفضحها، ويطلقها. لكنه لجأ إلى الله عز وجل ماذا أفعل ؟ هل بإمكاني أن أجعلها تتوب، وأن أسترها فجاء بالممرضة، بالمُوَلِّدة وولَّدَتْها، وحمل الطفل ووضعه تحت إبطه ودخل المسجد بعد أن نوى الإمام الفرض، ووضعه على طرف الباب، واقتدى بالإمام فلما انتهت الصلاة، بكى الطفل تجمع المصلون حوله، جاءهم كأنه لا يعلم ماذا به، قال: ما الأمر، قالوا: هذا طفل وجدناه هنا، قال: أنا أكفله أعطوني إياه، فأخذه ودفعه إلى أمه وسترها وجعلها تتوب وجعلها امرأة صالحة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] الكافر يفضح، والمؤمن يستر، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، اسمعوا هذه الحقيقة، والله من تجربة شخصية، إما أن ترقد في خدمة الخلق، وإما أن ترقد في حل مشكلاتهم، الإنسان إذا خدم الخلق تولى الله حل مشكلاته، وإذا اهتم بذاته ونسي الخلق أشغله الله بمشكلاته، فإما أن تشد قدميك في خدمة الخلق وهم كما قال عليه الصلاة والسلام: (( الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله )) وإما أن تشغل نفسك، من طبيب إلى طبيب، من مشكلة إلى مشكلة، والمشكلات قد تنبع نبعاً، ولا شيء من قِبَلِك مسبباً له. (( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] مثلاً ارتدى ثيابه وركب السيارة العامة أو الخاصة، وجاء لدرس علم، هل تصدقون أن هذا طريق الجنة ؟ (( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] هناك طريق إلى الملهى إلى النار، طريق إلى القمار إلى النار، طريق إلى الزنى إلى النار، طريق إلى المسجد إلى الجنة. (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ـ علماً بالله وشرعه وواجباته تجاه خلقه ـ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) [ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ] موطن الشاهد في هذا الحديث الطويل، وعلاقة هذا الحديث بباب العلم: (( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) لذلك العبرة في الخاتمة، هناك أشياء ممتعة تنتهي إلى النار، ممتع أن تسهر إلى منتصف الليلُ َتِّقلب في المحطات الفضائية، ولكن هذه المتعة مُحَرَّمة، ولا سيما إذا كنت تطّلع على عورات، وعلى عُري، وعلى أفلام فاضحة، فهذا طريق ممتع في الدنيا، لكنه طريق يودي إلى النار، طريق الاختلاط، طريق أكل المال الحرام، طريق منصب رفيع لكن مبني على سلبيات لا يحبها الله عز وجل، هذه الطرق كلها قد تُفضي إلى النار، بينما طريق الجنة أن تلتمس علماً نافعاً، تعرف به من أنت ؟ ولماذا خلقت ؟ وماذا بعد الموت ؟ وماذا ينبغي أن تعمل ؟ أجمل جلسة على الإطلاق هكذا أخبرنا النبي عن الله عز وجل، أجمل جلسة على الإطلاق أن تجلس مع إخوانك المؤمنين تتدارسون كتاب الله: (( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ )) يقول لك أحدهم: والله جلسنا جلسة كأننا في الجنة، إذا ذُكِر الله في هذه الجلسة، الدنيا تُفَرِّق، الآخرة تُجَمِّع، مثلاً والله أنا سافرت والفندق الفلاني أرقى فندق في العالم ليلته بعشرة آلاف، أقمنا فيه خمسة أيام دفعنا خمسين ألف ليرة، أكلنا كذا وشربنا كذا، عندها أنت تتحسر وتقول في نفسك أنا لا أستطيع أن أنزل في فندق بخمسة نجوم، فالدنيا تُفَرِّق، والتكلم في الدنيا يُفَرِّق، صار هناك حقد وألم وحرمان، تحدث عن الله تجتمع القلوب، اجعل همك أن تكون ذاكراً لله، لأن ذكر الله عز وجل يجلب الفرح والأمن والرحمة والسكينة، والله كلام دقيق، حفّتهم الملائكة، المَلَك يُلْهِمَك الخير، ونزلت عليهم السكينة ـ هناك راحة نفسية هامة جداً ـ وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. والحمد لله رب العالمين |
|
04-21-2018, 01:24 PM | #10 |
|
رد: الشرح المختصر للاحاديث الشريفة
الدرس الثامن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. أيها الإخوة: لازلنا في إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، ونحن في كتاب العلم. (( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)) [ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ] أي المركزان المرموقان في حياة الناس رجلان: واحد يعلم والآخر ينفق، وهما في الأجر سواء، لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فإذا طلبت العلم تمكنت من إلقائه، وإذا كسبت المال الحلال تمكنت من إنفاقه. وأحد الصحابة الكرام يقول: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي، فلسفة المال أن تصون به عرضك، وأن تتقرب به إلى ربك، مرة كنت في تعزية، وبعد أن انتهت التعزية، طبعاً البيت يفوق حد الخيال، قال لي صاحب البيت: هذا الباب كلفني أربعمائة ألف للباب فقط، وقد بذخ بذخاً في كسوة بيته، يبدو أن والدته توفيت وشعر أن هذا حرام، فسألني: قلت له: أنا سأجيبك إجابة تجارية، لأنه تاجر. إذا كان معك مائة مليون وأخذت بيتاً بستة وسبعين مليوناً وسيارة شبح بأربع وعشرين مليوناً وانتهوا، من أين ستصرف بعد ذلك، لو كنت أخذت بيتاً بعشرة ملايين، وبمليونين سيارة، وتوظف الباقي في شركة تعطي أرباحاً بالمائة مليار عند الله عز وجل، فكل إنسان عنده مال متاح له أن يصل إلى أعلى درجات الجنة، الناس في بؤس، ممكن أن تفتح ميتم، أن تفتح مستشفى، أن تفتح مستوصف، مرة كنت خارج دمشق وشخص أعرفه يحتاج إلى مستشفى، فذهبت إلى الصبورة وسألت، أين توجد مستشفى قيل يوجد مستوصف، دخلت ولم أصدق كأنني في أمريكا والله مستوصف فيه خمسة أطباء أدوية من أعلى مستوى، سيارة الإسعاف هي للمستشفى، بيت للسائق مناوب، طبيبين مناوبين، طبيب قلبية، وطبيب هضمية، وطبيب عظمية، قيل بأن المحسنين تبرعوا بذلك، هذا في الصبورة، داخل المستشفى كأنك في أمريكا هذا عمل صالح، والأجرة رمزية وهي مائة ليرة فقط، أكبر حكمة مع الأدوية مئة ليرة، فممكن أن تبني مستوصف، أو أن تبني مستشفى، أو مدرسة، أو معهد شرعيُ، أن تزوج شاب، أو أن تنفق على فقير، أن ترعى أرملة، أن تعلم العلم، أن تتبنى داعية، أن تنفق على طلاب العلم، أبواب الخير المتاحة للأغنياء لا تعد ولا تحصى، ولكنهم مع الأسف ينفقونها على شهواتهم ـ بعضهم طبعاً ـ وعلى مظاهرهم الفارغة، عرس في الشيراتون كلف خمسة وثمانين مليوناً، كم شاب يتزوج بهذا المبلغ ؟ كم أسرة تُنْشَأ ؟ كم بيت يؤَسَس؟ كم فتاة يُجبَر خاطرها بالزواج ؟ النبي الكريم وصف أهل الدنيا أنهم إذا أمسكوا المال امسكوه بُخلاً وتقتيراً، وإن أنفقوه أنْفقوه إسرافاً وتبذيراً. والله مرة دُعيت إلى حضور تعزية، شخص مقيم خارج القطر وأصله من بلدنا، من مدينة في الجنوب، أخوه صديقي، والأخ بعث لي بخبر مع موظف عنده أن يتمنى أن آتي إليه لأُعزِّيه، والمكان بعيد، وأنا في الطريق سألت عن وضع الميت، فقيل لي أنه ترك أربعة آلاف مليون، وما صلى فرض صلاة في حياته، وكان مقيم في دول البترول ولم يحج أو يعتمر، وعمره خمسة وخمسين عاماً وتوفي بأزمة قلبية، قلت لنفسي: ما هذه الحياة ؟ رجل معه أربعة آلاف مليون قضية دقيقة بالقلب تُنهي حياته، أين المبلغ الذي جمعه ؟ تركه وذهب، أما لو وظَّف هذا المبلغ في الحق، كم مشكلة فقير يحِلُّ هذا المبلغ، كم مستشفى يفتح، كم معهد شرعي يؤسِس، كم طالب علم، فالحديث يا إخوان مهم جداً، قال عليه الصلاة والسلام: (( لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ )) [ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ] والله الغني المؤمن له أجر لا يعلمه إلا الله، لأنه يحل مشاكل الناس، يهيئ عملاً، فرص عملٍ، يزوج شباباً، ينفق على طلاب علم، أما إن كان غنياً وماله لملذاته وشهواته، الله يعينه. (( وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )) [ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ] إذاً هناك مجالَين تتفوق بهما، إما أن تكسب المال الحلال وتنفقه في سبيل الله، وإما أن تطلب العلم الشرعي وتعلمه في سبيل الله: (( النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلا خَيْرَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ )) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم، هذا أرقى أنواع الأحاديث، ما رواه الشيخان، أو اتفق عليه الشيخان، ويقولون متفق عليه. ((عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا )) [ البخاري، مسلم، أحمد ] في الطائفة الأولى هذا أرقى إنسان تعلَّم وعلَّم، كسب المال وأنفق، أخذ وأعطى، وفي الطائفة الثانية هذا شخص نقل الفقه إلى من هو أفقه منه، في الحياة أناس كثيرون يسمعون هذه الدروس، ويسجلونها، ويوزعونها على غيرهم وهم لا يفهمون شيئاً منها، ولكن أحبوها فقط ومن سمع هذه الأشرطة التزم وعمل أعمالاً جيدة وتفوق، هذا معنى قول النبي: (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)) [ الدارمي ] فالثاني هو أرض أجادب، أي أرض صخرية أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، هناك الكثير من الأشخاص الذي لا يملكون إمكانية إعادة الدرس و لا أن يشرحوا، ولكن عندهم إمكانية أن يشتروا الأشرطة ويوزعونها، والله أعرف أشخاص اهتدى المئات عن طريقهم بواسطة الأشرطة، وهم غير قادرين على إعادة الحديث ولا يعرفون كيف، ولكن أحبوا أن يعملوا خيراً فصاروا يشترون ويوزعون، قال: (( وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) [ البخاري، مسلم، أحمد ] أرض رملية امتصت هذه المياه ولم تترك شيئاً، الجهة الثالثة التي لم تًمسك الماء ولم تنبت الكلأ، فنحن أحد هؤلاء الثلاثة، أرقى شيء أن تتعلم وتُعلِّم، مثلاً عندما قال النبي الكريم: (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً )) [ البخاري، الترمذي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] أنت ألم تصلي الجمعة في الجامع، ماذا قال الخطيب ؟ هل من المعقول أنك لم تفهم ولم تسمع شيئاً من الخطبة، مثلاً بصراحة أعرف أشخاصاً يسكنون في المهاجرين، في الشتاء والجو بارد يقوم بتحمية السيارة لمدة ربع ساعة من أجل أن يأتي بكيلو فول من الميدان، عندك استعداد أن تُحَمِّي سيارتك لربع ساعة وتنتقل من حي لآخر لتأتي بكيلو فول تأكله مع أهلك، وليس عندك استعداد أن تبحث عن جامع لك ثقة بخطيبه لتتعلم منه شيئاً في يوم الجمعة، يقول لك: صليت في جامع قريب من البيت، والحمد لله لقد وصلت في آخر لحظة وصليت آخر ركعة، أين الخطبة ؟ عندما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [ سورة الجمعة: الآية 9 ] افتح جميع التفاسير، ما معنى ذكر الله ؟ أي الخطبة، وكما تعلمون: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ )) [ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، مالك، الدارمي ] لم يعد هناك تسجيل، فماذا بقي لمن يأتي في الركعة الثانية يوم الجمعة ؟ هناك جامع يسمى جامع السيرانجية، يقف أمامه سيارات تجد فيها الفحم ومعدات السيران وزوجته جالسة في السيارة بانتظاره، والخُطبة لدقيقتين أو ثلاثة، كلمتين، أقم الصلاة، صلى ركعتين، وانتهى الأمر، هذا كرجل جاء فقط ليثبت وجوده كي لا يُلام ثم ذهب. فيا أيها الإخوة: (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً )) [ البخاري، الترمذي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ] أي تعال إلى جامع تثق بخطيبه، تنتفع من خطبته، اكتب رؤوس أقلام، اكتب الآيات والأحاديث. ذات جمعة دعتك ابنتك إلى طعام الغداء فقلت لها: لقد كنا اليوم في جامع كذا وتحدث عن موضوع كذا، دعاك صديقك إلى سهرة، عندك جمعة بكاملها فيها لقاءات، وزيارات، وصحبة، وسفر أحياناً فبَلِّغ ما سمعته تكون داعية عندها، هكذا قال النبي: (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.)) [ الدارمي ] ابحث عن جامع تنتفع به، تأتي بكيلو فول من الميدان، هل كيلو الفول أغلى من دينك ؟ قال لي صديق أنا آكل فول من الميدان كل جمعة لي مشوار، من المهاجرين إلى الميدان، هل دينك أرخص عليك من كيلو الفول ؟ هناك ظاهرة عجيبة يقول لك هناك جامع فيه إمام أفتاها لنا ولكن هذا دين، هل دينك سهل إلى هذه الدرجة ؟ أنت إن كان عندك بيت تريد بيعه وعندما خرجت وجدت أمامك رجلاً لا تعرفه قال لك: إنه يساوي مليون ليرة، هل تبيعه إياه في الحال، لا، أنت تسأل على الأقل خمسين رجلاً تقول لنفسك: بيتٌ ليس معه لعبة، أريد أعلى سعر، لماذا في دينك تأخذ فتوى أقرب شخص ولا تعرف اسمه، هذا كله مأخذ علينا أيها الإخوة. الحديث الآخر: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [ مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داوود، أحمد، الدارمي ] هذه الأعمال التي تبقى، مَن عنده ولد ممكن ألا يموت إطلاقاً، إذا مات، ابنه من بعده يدعو له، تأتيه الخيرات في الآخرة، كل شخص لديه ولد ممكن عن طريقه أن يكون في أعلى العلِّيين في الجنة، ممكن أن يكون عن طريق ابنه إذا رباه تربية صالحة وكان ولداً صالحاً يدعو له من بعده، ممكن أن تأتيه خيرات لا يعلمها إلا الله، يسأل والدته: هل أكل؟ تقول له: نعم، هل كتب وظائفه ؟ تقول له: نعم، هل سألها هل صلى العشاء ؟ ليس مشكلة، ما يهمه فقط صحته ودراسته، كل الآباء هكذا، صحته ودراسته، ودينه ؟ مع من سهر ؟ من هم رفاقه؟ ليس مهماً كثيراً، تهمه مصلحته. هذا صدقة جارية جامع، معهد، علم يُنْتَفَع به، ترك مؤَلَّف، ترك أشرطة، ترك شيء، الآن يوجد كثير من العلماء تحت أطباق الثرى دروسهم في كل مكان تُذاع، في أكثر من إذاعة، كل واحد ترك أحد، ثلاثة لم يمت، حي يرزق في قبره، وأيضاً هناك أناس لايموتون، المغنين مثلاً، ولكن من نوع آخر باستمرار أغانيهم تذاع في الإذاعات، أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له. والحمد لله رب العالمين |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدليلية (Tags) |
للاحاديث, المختصر, الشرح, الشريفة |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نسجل حضورنا بالاحاديث النبوية الشريفة | منال نور الهدى | رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة | 945 | 04-23-2024 09:28 AM |
الدليل المختصر لزيارة انطاليا-تركيا | السعيد | رِيَاض إبْنُ بَطُوطَة لِسْيَاحَة والسَفَر | 3 | 04-01-2018 11:42 AM |
الدليل المختصر للسياحة في بلد الإبتسامه ( تايلند) | السعيد | رِيَاض إبْنُ بَطُوطَة لِسْيَاحَة والسَفَر | 2 | 12-10-2017 02:32 PM |
كسوة الكعبة الشريفة | آفراح | ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية | 6 | 06-10-2014 10:53 AM |
|