حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 02-05-2018, 08:02 AM   #21


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(15)




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( القريب ):


1 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مقترنا بغيره من الأسماء:


أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( القريب )، وقد ورد اسم الله ( القريب ) في القرآن الكريم مطلقاً منوناً، مرادا به العلمية، دالاً على كمال الوصفية، ومقترناً باسم الله المجيب، كما في قوله تعالى:

﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾

( سورة هود )
واقترن باسمه السميع، في قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾

( سورة سبأ )




2 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مفرَدًا:


ورد هذا الاسم أيضاً مفرداً في قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 186 )




3 – قربُ الله قربُ علمٍٍ وقدرةٍ:


أيها الإخوة، هذا الاسم له قرب من الإنسان شديد، المعنى أنك إذا أيقنت الله معك فلن تستطيع أن تعصيه، بل حينما تشعر أن قرب الله قرب علم، وأن قرب الله قرب قدرة لا يمكن أن تتجاوز أمره

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

( سورة الطلاق )
فعلّة خلق السماوات والأرض أن تعلموا.
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾

( سورة الطلاق )




4 – قربُ الله يستلزم معيّته:


حينما توقن أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، وأن قرب الله قرب علم، وأن قرب الله قرب قدرة، أنت في قبضته، وعلمه يطولك، وقدرتك تطولك، فكيف تعصيه ؟ حتى إنه قد قيل: أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان.

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

( سورة الحديد الآية: 4 )
وهو مع المؤمنين بالحفظ، والتأييد، والنصر، التوفيق.
فلذلك أيها الإخوة، ورد في مرتبة الإحسان:

(( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ))

[ مسلم عن عمر بن الخطاب ]

﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

( سورة الشعراء )
أحياناً يكون الإنسان قريباً منك، يلازمك كظلك، لا يفارقك، مهما يكن محبوباً تضجر من قربه، تقول: دعني وشأني، أيّ إنسان إذا لازمك ورافقك لا تحتمل قربه، تحتاج من حين لآخر ألا أن تنفرد بنفسك، ومع أن الله معنا في كل وقت، وفي كل حين، وفي كل شأن:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

( سورة الحديد الآية: 4 )

لكن معية لطيفة لا تشعر بثقل وجوده، بل تشعر براحة وجوده.




5 – قربُ الله أكبر ضمان لاستقامة العبد:


فلذلك أعلى درجة من الإيمان أن تشعر أن الله معك، وأكبر ضمانة للاستقامة أن تشعر أن الله معك، وأكبر باعث للخشية أن تشعر أن الله معك، وأكبر مُطمئِنٍ لك أن تشعر أن الله معك.

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾

( سورة الشعراء )
بالموازين الأرضية لا أمل، فرعون بقوته، بجيشه، بطغيانه، بحقده، بجبروته، يتابع نبياً مع شرذمة قليلين من بني إسرائيل، إلى أن وصلوا إلى البحر، وانتهى الأمر، بالموازين الأرضية لا أمل في النجاة أبداً.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

( سورة الشعراء )
معية الله للمؤمنين معية النصر، معية التوفيق، معية التأييد، معية الحفظ، ومعية الله لأي إنسان كائناً من كان، حتى ولو كان ملحداً فهو معه معية العلم:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

( سورة الحديد الآية: 4 )

إما أن تكون المعية معية علم لكل خلقه، وإما أن تكون المعية معية توفيق، وحفظ، وتأييد ونصر.






معية الله لها ثمن:






إلا أن المعية الخاصة لها ثمن، ولا شيء بلا ثمن.

﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾

( سورة المائدة الآية: 12 )
معية الله عز وجل لها ثمن، وأعلى درجة الإيمان أن تشعر أن الله معك، قريب منك، هو أقرب إليك من حبل الوريد، قال بعض العلماء: أقرب إليك من روحك.
امسك قطعة كهربائية، وضمها إلى صدرك، وضمها ضماً شديداً، مهما تكن قريباً منها، ومهما تكن قريبة منك، مهما شددت عليها، الذي أقرب إليها منك القوة الكهربائية التي تحركها، لكن الله سبحانه وتعالى، ولله المثل الأعلى أقرب إليك من القوة التي تمدك بالحياة.
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾

( سورة ق )
فهو معنا، يطلع علينا، يطلع على خواطرنا، على نوايانا، يطلع علينا، إذا تكلمنا فهو يسمعنا، يطلع علينا فهو يرانا، يطلع على قلوبنا إذا أضمرنا، لا تغيب عنه غائبة، ولا تخفى عنه خافية، هذا الإيمان إلى أن نصل إليه نكون قد حققنا تسعة أعشار الطريق إلى الله، أن الله قريب:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

( سورة الشعراء )
أيها الإخوة، للتقريب: إن الإنسان لو زاره رجل من علية القوم، من وجهاء الحي، من أقرب الناس إليه، في الأعم الأغلب يرتدي ثيابا جميلة، في الأعم الأغلب يجلس جلسة مؤدبة، في الأعم الأغلب ينتقي كلمات دقيقة، في الأعم الأغلب يتجمل أمامه، فإذا كان هذا حالنا مع كبراء القوم، هذا مع علية القوم، فكيف حال المؤمن مع خالق السماوات والأرض ؟.
الحقيقة أن الخشوع يحتاج إلى إحساس بالقرب، ودائماً وأبداً يشعر المؤمن أن الله معه، فهو أولاً في طمأنينة، وثانياً في مراقبة.
الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )
قال هذا الأعرابي: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل، لم يقل فَقِه قال فَقُه، يعني أصبح فقيهاً، آية واحدة كفته.
صدقوا أيها الإخوة، أن هناك آيات لا تعد ولا تحصى، الواحدة منها تكفي.
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾

( سورة النساء )

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

( سورة الحديد الآية: 4 )

وهو قريب منكم.






وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ





﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 186 )
أحياناً تدعو الله بقلبك، ولا تحرك شفتيك، ولا تنطق بكلمة.
حدثني رجل، قال لي: والله انتهيت من أداء خدمتي الإلزامية، ولا أملك من الدنيا شيئاً، أعطتني أختي سوارا من الذهب، فبعتها، واشتريت بها بطاقة إلى بلاد الخليج، وأنا راكب في الطائرة أضمرت في قلبي أن إذا أكرمني الله عز وجل سأبني له مسجداً في بلدتي، قال لي: الله ما حركت شفتاي بهذا الكلام، وبعد أعوام مديدة أنشأ هذا المسجد، وصليت في المسجد، وحدثني عن قصته.
لذلك الله عز وجل مطلع على خواطرك، يمكن أن تدعوه بقلبك.
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾

( سورة مريم )

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ﴾

( سورة البقرة الآية: 186 )
الدعاء سلاح المؤمن، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله.
أيها الإخوة:

(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأرسخت الهوى من تحت قدميه ))
[ أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
فأنت إذا أيقنت أن الله قريب منك، وأنه معك، وأنه مطلع على سريرتك، لأنه يسمع دعاءك، ويرى حركتك، ويعلم ما في قلبك، لا بد من أن تستقيم على أمره، ولا بد من أن تستحي منه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ))

[ أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، والبيهقي ]






الإسلام والإيمان والإحسان:






إذاً: الموضوع أن تشعر أنه معك، ومرتبة الإحسان، وهذه في النصوص الصحيحة تأتي فوق مرتبة الإيمان، هناك مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان، مرتبة الإسلام أن تخضع للواحد الديان، أن تخضع جوارحك لمنهجه، أن تؤدي زكاة مالك، أن تصلي الفرائض، أن تدفع الزكاة، أن تحج البيت، أن تغض البصر، أن تكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، منجزاً للوعد، راعياً للعهد، هذا هو الإسلام.

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾

( سورة الحجرات الآية: 14 )
فالإسلام أولاً، مرتبة الإسلام خضوع الجوارح والأعضاء لمنهج الله عز وجل، أما الإيمان فأن ينعقد مع هذا الخضوع صلة بالله عز وجل، فتقبل عليه، لذلك الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالإقبال على الله، وينقص بفتور العلاقة معه.
المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان، هذه متعلقة باسم ( القريب )، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أيها الإخوة، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان.
أيها الإخوة، ورد في بعض الأحاديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ))

[ متفق عليه ]
إنه معكم، وأبرز ما يميز المؤمن خشوعه، وأسباب خشوعه إيمانه أن الله معه، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى تبين أن الناس يتفاوتون بإيمانهم، بقدر إدراكهم بقرب ربهم:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

( سورة الحديد الآية: 4 )




6 – من معاني اسم ( القريب ):


الآن ما معنى اسم ( القريب ) على التفصيل:



1 ـ القرب المكاني:



أول معنى هناك القرب المكاني، القريب عكس البعيد، القريب ليس بينك وبينه حجا
ب، البعيد بكل معاني الكلمة، هناك قرب المكان، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾

( سورة التوبة الآية: 28 )
من معاني القريب قرب المكان، تؤكده هذه الآية الكريمة:

﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾

( سورة التوبة الآية: 28 )




2 ـ القرب الزماني:



ومن معاني القريب قرب الزمان.

﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾

( سورة الأنبياء )

إما قرب مكاني، وإما قرب زماني.




3 ـ قُربُ النَّسب:



ومن معانيه القريب في النسب:

﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾

( سورة النساء الآية: 7 )
عندنا قرب نسب، وبالمناسبة: هناك قاعدة: الأقربون أولى بالمعروف، من أدق هذه القواعد: القرب النسبي، والقرب إلى الفقر، والقرب إلى الإيمان، عندك ثلاثة موازين في دفع صدقتك أو زكاتك، إما أنه أفقر، أو أنه أقرب إلى الإيمان، أو أنه أقرب إليك نسباً.
إذاً:

﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾

( سورة النساء الآية: 7 )




4 ـ قُرب الحظوة:



ومن معاني القرب قرب الحظوة، أحيانا يكون الإنسان قريبا من إنسان يحتل مركزا مرموقا، وله رجلٌ قريب جداً منه، بإمكانه أن يدخل عليه بلا استئذان، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء، هذا قربُ الحظوة، وعندنا قرب مكان، وقرب زمان، وقرب حظوة، هذا المعنى في قوله تعالى:

﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾

( سورة الواقعة )
كيف هو قريب ؟ قال: هو قريب من خلقه كما شاء، وكيف شاء، هو القريب من فوق عرشه، أقرب إلى عباده من حبل الوريد، كما قال تعالى:
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾

( سورة ق الآية: 16 )

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾

( سورة الواقعة )
إنسان حضرته الوفاة، أقرباءه، زوجته، أولاده، إخوته حوله، قريبون منه، يضعون يدهم على جبينه، وهذا على يده يقيس ضغطه، كل هذا القرب قال تعالى:

﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
لذلك حينما تصل إلى أن تؤمن أن الله معك دائماً، تكون قد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الله، والإحساس بقرب الله عز وجل أكبر باعث على طاعته، وأكبر باعث على الخشية منه، والإنسان حينما يرى أن الله معه يقبل عليه.

(( يا موسى أتحب أن أكون جليسك قال: كيف ذلك يا رب ؟ أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني ))

[ ورد في الأثر ]

لذلك القرب من الله قمة التدين، قمة الإيمان أن تكون قريباً من الله، القرب من الله يعني الانضباط، القرب من الله يعني الشعور بالأمن، القرب من الله يعني الشعور بالسكينة، القرب من الله يعني الشعور بالسعادة، الشعور بالرضا، هذه المعاني الدقيقة جداً لذلك في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 )
ذكر الله لكم وأنتم تتصلون به أكبر من ذكركم له، وأنتم تعبدونه، لأن الله إذا ذكر الإنسان منحه نعمة الأمن، والأمن بشكل أو بآخر خاص بالمؤمنين، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )
والله أيها الإخوة، ما من نعمة أعظم عند الله من أن تشعر بالأمن، من أن تشعر أن مصيرك بيد الله، لا بيد زيد، ولا بيد فلان أوعلان، مصيرك بالله، رزقك بيده، صحتك بيده، الأقوياء بيده، أعداءك بيده، أقرب الناس إليك بيده، من له علاقة حميمة معك بيده.
لذلك:
(( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))






هذا ما يعنيه القربُ من الله:






لذلك القرب من الله يعني الشعور بالأمن، سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في بطن حوت، بمقاييس الأرض الأمل صفر، النجاة صفر، بطن الحوت، يقف المرء في فمه قائماً، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، الإنسان كله خمسين كيلوا، والحوت وجبته المعتدلة بين وجبتين أربعة أطنان، نبي كريم يجد نفسه في بطن حوت، في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت، العلماء يقولون: تحت 200 متر ظلام دامس، إذا أخرج يده لم يكد يراها، فهو في ظلمة الليل، وفي ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر.
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

( سورة الأنبياء )
لأنه يحس أن الله معه.
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الأنبياء )
أروع ما في الآية أن التعقيب نقلها من قصة وقعت إلى قانون مستمر، قال:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الأنبياء )

لذلك المؤمن سلاحه الدعاء، إحساسه أن الله قريب منه، وأن الدعاء أقوى ما يميزه عن غير المؤمن، والدعاء له قوة لا يملكها خصمه.




7 – من ثمرات اسم ( القريب ):


أيها الإخوة الكرام، من ثمرات اسم ( القريب ) أنه ينصرك، فلا تخشى بالله لومة لائم.
حينما أدى الحسن البصري واجب العلماء في التبيين، وبيّن، وسمع الحجاج مقالة الحسن البصري، وغضب غضباً شديداً، وتوعده بالقتل، وقال لمن حوله: " يا جبناء والله لأروينّكم من دمه، وأمر بقتله، وجاء بالسياف، وأرسل في طلبه، دخل الحسن البصري إلى المجلس، فإذا بالسياف، وإذا بالنطع قد مد، فحرك شفتيه، لأنه يشعر أن الله قريب منه، فحرك شفتيه، وإذا بالحجاج يختلف أمره، يقف له، ويقول: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، شيء غير متوقع، ومازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره، وسأله في بعض القضايا، واستفتاه، وضيفه، وعطره، وشيعه إلى باب القصر، الذي صُعق السياف والحاجب، فتبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك بغير ما فُعل بك، فماذا قلت بربك ؟ قال: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ".
أنت حينما تشعر أن الله قريب منك تدعوه في أي وقت، وفي أي مكان، وفي أطباق السماء وأنت راكب الطائرة، وفي أعماق البحار وأنت في غواصة، وعلى سطح الأرض، وعلى أي مكان في الأرض، وفي أي حال.
لذلك الشعور بالقرب من الله شعور مُسعِد، الشعور القرب من الله شعور مطمئن، الشعور بالقرب من الله شعور السكينة التي تسعد بها، ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.







والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-05-2018, 08:04 AM   #22


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(16)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

من أسماء الله الحسنى: (الجواد):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو اسم ( الجواد ).



1 – ورودُ اسم ( الجواد ) في السنة النبوية:


وقد ثبت هذا الاسم في السنة الشريفة، فقد سمّى النبي صلي الله عليه وسلم ربه علي سبيل الإطلاق ( الجواد ) مرادا به العالمية، ودالاً على كمال الوصفية، فقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه:
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:

(( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق و يكره سفاسفها ))

[ أخرجه البيهقي عن ابن عباس ]




2 – نعمةُ الوجود وتسخيرُ الكون من لوازم اسمِ ( الجواد ):


وبادئ ذي بدء، الله عز وجل كل هذا الكون منحة منه، وأنت أيها الإنسان منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، هذا الكون سخره لك، لأن الله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على المخلوقات في عالم الذر، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

( سورة الأحزاب الآية: 73 )
ولأن الإنسانَ قَبِل حمل الأمانة، ولأنه قال: يا رب أنا لها، استحق أن تُسخّر له السماوات والأرض.

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 13 )
ولا شك أن المُسخَّر له أفضل عند الله من المُسَخَّر، فأنت أيها الإنسان المخلوق المكرَّم، لمّا قبِلتَ حمل الأمانة جعلك الله المخلوق المكرَّم.
قال الإمام علي: << رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >>.
إذاً: وجودنا على وجه العالم منحة من الله، هذه المنحة اقتضت أن نُكلف أن نعبده فعلة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

( سورة الذاريات )
هذه علة وجودنا.
حينما تذهب إلى بلد لتنال الدكتوراه، وهذا البلد كبير فيه حدائق، فيه وزارات، فيه ملاهٍ، فيه دور سينما، فيه متاحف، فيه أسواق، أنت في هذا البلد لك هدف واحد، علة وجودك في هذا البلد أن تنال الدكتوراه، وعلة وجود الإنسان في هذا الأرض أن يعبد الله، الدليل:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

( سورة الذاريات )





كلُّ شيء يقرِّب من الله فهو مشروعٌ:





أيها الإخوة، ما دامت علة وجودنا أن نعبد الله فأيّ شيء في الكون يقربك من الله مشروع، وأي شيء في الكون يبعدك عن الله غير مشروع، هذه حقيقة كبرى.
لو أن الطالب ذهب إلى بلد ليدرس فأيّ شيء يقرّبه من تحقيق هدفه مشروع، وأي شيء يبعده عن هدفه غير مشروع.
لذلك أيها الإخوة الكرام، نحن في أمسّ الحاجة إلى فهم هذا المعني الدقيق:


﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

( سورة الذاريات )

الإنسان هو المخلوق المكرَّم، فإذا عرف الله، واستقام على أمره سبق الملائكة المقرَّبين، وإذا غفل عن الله، وتفلت من منهجه انحط إلى أسفل سافلين.






الناس صنفان لا ثالث لهما:





هؤلاء البشر أيها الإخوة، على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتمائهم، وأعرافهم، وأنسابهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، واتجاهاتهم، وأطيافهم، هم عند الله رَجُلان لا ثالث لهما: رجل عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله، وتفلت من منهجه فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة، ولا تجد نموذجا ثالثا، هذا تقسيم رب السماوات والأرض.

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل )
هذا النموذج الأول:

﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

صدّق أنه مخلوق للجنة، فلما صدّق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، فلما اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء، فهذه خصائص ثلاث: صدق بالحسنى، والحسنى هي الجنة، واتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، هي خصائص المؤمن، جعل الآخرة أكبر همه، وجعلها مبلغ علمه، وجعلها منتهى آماله، ومحط رحاله، فنقلَ اهتماماته كلها إلى الآخرة، عندئذٍ اتقى أن يعصي الله، عندئذٍ أراد أن يدفع ثمن الجنة، وثمن الجنة هو العمل الصالح.






الإنسان يسلَم بالاستقامة و يسعد بالعمل الصالح:





كما هو معلوم أن الإنسان بالاستقامة يسلم، لكن بالعمل الصالح يسعد.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت الآية: 20 )
لكن:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )
بالاستقامة يسلم، وبالعمل الصالح يسعد.
لذلك أيها الإخوة، إن الله جل جلاله ( جواد )، منح الخلائق الوجود، فأنت موجود، ووجودك منحة من الله، لكن هذا الذي لا يفقه حقيقة وجوده إنسان شارد، لماذا أوجدك ؟ ليسعدك.
﴿ إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود الآية: 119 )

خلقهم ليسعدهم، خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسلمهم، خلقهم ليجعل لهم جنتين: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة.






3 – لابد من التخلُّقِ بصفة الجود:


إن الله جل جلاله ( جواد )، يحب الجود، ولا أزال أركز على هذه النقطة، يمكن أن تعبد الله بأن تتخلق بكمال مشتق من كماله، هو ( جواد )، يحب الجود، يحب العطاء، فالمؤمن يبني حياته على العطاء.
أيها الإخوة، دققوا: تقسيمات الأرض لا تنتهي، دول الشمال، دول الجنوب، العرق الآري، العرق الملوّن، الأغنياء، الفقراء، الأقوياء، الضعفاء، الأصحاء، المرضى، تقسيمات البشر لا تنتهي، أما البطولة فأن تعتمد تقسيمات خالق البشر، خالق البشر عنده مؤمن أو كافر، مستقيم أو منحرف، يعطي أو يأخذ، ينصف أو يجحد، يصدق أو يكذب، فإن الله ( جواد ) يحب الجود، فإذا أردت أن تتقرب إلى الله تخلق بالكمال الإلهي.
لذلك الأنبياء جاؤوا إلى الدنيا فأعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا.
دقق، في حياة المؤمن يحب أن يدعو إلى الله، يحب أن ينفق ماله، ووقته، وخبرته، وجهده، بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر استراتيجيته العطاء، يعطي وهو في قمة السعادة، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، الأنبياء ملَكوا القلوب، الأقوياء ملكوا الرقاب ـ ودقق ـ الناس جميعاً من دون استثناء تبع لقوي أو نبي، اسأل نفسك هذا السؤال: أنت لمن ؟ هل أنت تابع للأقوياء ؟ معك صلاحية ؟ تحتل منصبا ؟ قوي ؟ غني ؟ متبحر في العلم، هذا التبحر يدر عليك دخلاً كبيراً ؟ أنت إذاً تابع للأقوياء.
هل أنت مؤمن ؟ تعطي من وقتك، من خبرتك، من جهدك، من معلوماتك، فإذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة، وإذا أسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا، ببساطة بالغة يمكن أن تقيّم نفسك ما إذا كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة، فما الذي يُسعِدك أن تعطي أو أن تأخذ ؟ إن الله ( جواد ) يحب الجود.






ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها:






دقق الآن، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها.
عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))

[ متفق عليه ]
هناك إنسان ذو هموم عالية جدا، وهناك إنسان تافه.
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾

( سورة الكهف )
ما له وزن، هؤلاء لهم:

﴿ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 124 )

لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلك الإنسان الشارد، لأنه غارق في ملذاته، غارق في سفاسف الأمور، في أشياء لا تقدم ولا تؤخر، ما هو الضابط في هذا ؟
حينما تُقبل على شيء فهذا الشيء هل يصل معك إلى القبر ؟ أم يبقى عند شفير القبر ؟ هذا هو الضابط.
هناك إنسان يعتني ببيته عناية بالغة، لم يرتكب معصية، لكن هذه العناية البالغة التي امتصت كل وقته، هل تكون معه في القبر ؟ لا، لكن العمل الصالح يدخل معه في القبر.






يجب أن تكون الرؤية صحيحة موافقة للشرع:





أيها الإخوة الكرام، القضية قضية مهمة جداً، أنا ما الذي ينفعني في المستقبل ؟ عمل صالح، طاعة لله، تلاوة للقرآن، دعوة إلى الله، تربية للولد، إعطاء من المال، ما الذي يدخل معي في القبر ؟ هذه الأعمال.
إنّ الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول:


﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 100 )
البطولة ألا تندم، متى لا تندم ؟ إذا عملت لأُخراك، و متى تندم ؟ إذا عملت لدنياك، لأن الدنيا تغر وتضر وتمر.

﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾

( سورة لقمان )
الدنيا تغر، كيف ؟ تظنها بحجم أكبر من حجمها، هذا الحجم الكبير في مقتبل الحياة، بعد حين تراها بحجم أقلّ من حجمها، لكنك عند مغادرة الدنيا لا ترى الدنيا شيئاً، لا ترى إلا الله.
البطولة أن تصح رؤيتك وأنت في مقتبل حياتك حتى يأتي عملك صحيحاً.

(( يحب الله معالي الأخلاق و يكره سفاسفها ))
دقق: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ))

[ الترمذي ]
لذلك:

(( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق، و يكره سفاسفها ))
ورد في الحديث القدسي الصحيح:

(( أن الجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي خيري إلي العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض منهم عني ناديته من قريب ))

[ الجامع الصغير عن أبي الدرداء بسند ضعيف ]
وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ أخرجه مسلم ]
هذا منهج، فإنْ جاءت الأمور كما تحب فيجب أن تحمد الله عز وجل، وإن جاءت على غير ما تحب فلا تلومنّ إلا نفسك.
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى )

الإنسان حينما يفقه حكمة المصيبة ينضبط، حينما تفهم على الله فتنة المصيبة تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل.





إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ:





أيها الإخوة، روي الترمذي في سننه من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ))

[ الترمذي ]
إذا قدمت صدقة فلتكن من أطيب مالك، إذا قدمت هدية لتكن من أطيب الهدايا، لأن
((اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ))
هؤلاء الذين ينفقون شيئاً يكرهونه، ينفقون طعاماً تعافه أنفسهم، هؤلاء لا يتقربون إلى الله بهذا الشيء:

(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ))






النظافة الأخلاقية في الإسلام:





(( نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ))
النظافة من الإيمان، هناك نظافة جسمية، ونظافة نفسية، هناك إنسان صادق، أمين.
ما أروع ما قاله سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، وعن نبي الإسلام، قال:

(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ... ))

[ أحمد عن أم سلمة ]
هذه هي الجاهلية الأولي، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب الآية: 33 )
نفهم من هذه الآية أن هناك جاهلية ثانية، هي أمرّ وأدهى، يوم يؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، يصدَّق الكاذب، ويكذَّب الصادق، يضام الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، موت كقعاص الغنم كما ترون، لا يدري القاتل لمَ يَقتُل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل.

(( يوم يكون المطر قيظا، والولد غيظا، ويفيض اللئام فيضا، ويغيض الكرام غيضا ))

[ رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة ]
هذه الجاهلية الثانية، الجاهلية الأولى التي قال عنها سيدنا جعفر:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ... ))
ـ دقق ـ إنْ حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، هذه هي صفات المؤمن، هذه أركان الاستقامة، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، وتاج ذلك: نعرف نسبه، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.
هذا هو الإسلام، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، أما حينما أقول: بني الإسلام علي خمس، الخمس شيء، والإسلام شيء آخر، بني الإسلام، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم )





لا تُقبل الشعائر إلا بصحة المعاملات:





ما لم تكن أخلاقك صارخة، ما لم يكن التواضع، والحب، والرحمة، والصدق، والأمانة، والكرم، والعطاء، والعفو، والحلم فلا ترقى إلى مستوى المؤمنين، أما الصلاة والصيام والحج فهذه عبادات شعائرية، لكن الأصل العبادة التعاملية، بل إن العبادة الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، فالصلاة عبادة شعائرية.
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ ابن ماجه ]
انتهت الصلاة.
الصوم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
الحج:

(( من حج بمال حرام، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى: أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
الزكاة:
﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

( سورة التوبة )

العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية.
فلذلك:

(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ ـ ساحات دوركم ـ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ))

[ الترمذي ]






مسكُ الختام:


ملخص الملخص: يجب أن تتخلق بكمال مشتق بكمال الله.

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )
لا تقِس نفسك بالصلاة، قس نفسك بالكمال، هل أنت جواد ؟ هل أنت صادق ؟ هل أنت أمين ؟ هل أنت متواضع ؟ هل أنت محسن ؟ هل أنت منصف ؟ هذا يرفعك عند الله، إذا ضُمَّ إلى عبادتك الشعائرية نجحت، وأفلحت، وفزت.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-05-2018, 02:42 PM   #23


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم





(17)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( الحيي ):





أيها الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الحيي.



1 ـ ورود هذا الاسم في السنة فقط:


هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة، فقد سماه النبي صلي الله عليه وسلم سمى ربه بالحيي:
(( النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بلا إزار (بلا ثياب)، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (أي عن نظر الآخرين)، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ))

[ رواه أبو داود عن يعلى بن أمية]



الله عز وجل يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه:



وقد ورد هذا الاسم مطلقاً مراداً به العالمية دالاً على كمال الوصفية:

(( إن ربكم تبارك وتعالي حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ))

[ أخرجه أبو داود عن سلمان الفارسي]
أي الله يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه، إذا دعاه ألا يلبيه، إذا استغفره ألا يغفر له، إذا تاب إليه ألا يتوب عليه، لذلك قالوا ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا وما أمرنا أن نسأله إلا ليعطينا.
ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنه:

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))

[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]



بطولة الإنسان أن يسأل الله عز وجل عملاً صالحاً يتقرب به إليه:



المؤمن أيها الأخوة، له مناجاة مع الله عز وجل.
إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، كلام سيدنا يعقوب فالإنسان حينما تلم به ملمة يلوح له شبح المصيبة، يخاف شيئاً، يخشى شيئاً الله عز وجل علمنا أن نسأله وأن ندعوه وأن نستغفره وأن نتوب إليه، لأنه حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، فكما أن الله يستحي منك ينبغي أن تستحي أنت منه والحياء من الإيمان.
مرة ثانية أيها الأخوة إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً، لذلك البطولة أن تحسن أن تسأله، اسأله ما يرضيه، اسأله ما يقربك إليه، اسأله خير الآخرة، اسأله أن تعرفه، اسأله أن تستقيم على أمره، اسأله عملاً صالحاً تتقرب به إليه، اسأله العلم لأن كرامة العلم أعظم كرامة.


﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾

( سورة النساء )

أي الإنسان يسأل ملكاً، الملك ماذا يعطي ؟ يعطي بيتاً، يعطي مركبة، تسأله قلماً، البطولة أن تسأله بقدر كرمه، أن تسأله بقدر غناه، أن تسأله بقدر محبته لك، أن تسأله لأنه على كل شيء قدير.




2 ـ من معاني الحيي: المتصف بالحياء:


أيها الأخوة، الدعاء هو العبادة، فإن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، الحيي المتصف بالحياء، نحن تعلمنا ونذكر هذا كثيراً أن قوله تعالى:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )

يعني أنت لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بأفضل من كمال مشتق منه، هو حيي فأنت أيها المؤمن يجب أن تتخلق بهذا الخلق، والحياء من الإيمان، علامة الإيمان الحياء والحياء مؤشر على الإيمان.
فالحيي المتصف بالحياء، صفة خلقية رقيقة لطيفة تمنع النفس عن أن تقترف شيئاً مناقضاً لما هو معروف عندها.






لكل إنسان فطرة تتفق مع منهج الله عز وجل:





أيها الأخوة، قد لا ينتبه الإنسان إلى بعض المصطلحات سمى الله الأعمال الطيبة التي تنسجم مع الفطرة معروفاً لأن الفطر السليمة في أصل خلقها تعرفها، القضاء البريطاني يأخذون عشرة من الطريق يعرضون عليهم جريمة بحسب الفطر السليمة قد يكشفون الحقيقة، الإنسان له فطرة سليمة لذلك الحياء أن تمتنع عن فعل شيء تعرفه فطرتك السليمة بداهة ابتداءً من دون تعليل.
البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، لك فطرة هذه الفطرة تتفق مع منهج الله مئة بالمئة، يعني ما أمرك الله بشيء إلا وفطرتك وجبلتك ترتاح له، وما نهاك عن شيء إلا وفطرتك وجبلتك تنفر منه.
لذلك سميت الأعمال الطيبة التي أودعت قيمتها في فطرة الإنسان معروفاً، وسمي الشيء الذي تأباه الفطر السليمة منكراً، من كلمة معروف ومنكر يعني هذا الشيء يتوافق مع فطرة النفس توافقاً تاماً الدليل:


﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾

( سورة الروم: 30)
لأن إقامة وجهك للدين حنيفاً ينقلب على فطرتك:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾

( سورة الروم: 30)



الإسلام دين الفطرة:


أن تقيم وجهك للدين حنيفاً، إقامة وجهك للدين حنيفاً هو نفسه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} ﴾

( سورة الشمس )
المعنى الدقيق الإنسان حينما يفجر لا يحتاج إلى من يعلمه ولا إلى من يرشده ولا إلى من يذكره ولا إلى من ينصحه يكتشف بفطرته ذاتياً وبداهةً أنه أخطأ هذه الفطرة، لذلك قالوا الإسلام دين الفطرة، كل الأمر إلهي إن طبقته ترتاح نفسك فلذلك:
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) ﴾

( سورة الحجرات)




الحياء علامة الإيمان:


الشيء الدقيق أن الإنسان حينما يصطلح مع الله يصطلح مع فطرته، يرتاح، هذه الراحة لا توصف، والله بعد أن يتوب الإنسان كأن جبالاً أزيحت عن صدره، صار خفيفاً انسجم مع فطرته، تماماً كمركبة من أرقى الأنواع من أغلى الأنواع من أحدث الأنواع سرت بها في طريق وعر هذه المركبة السيارة مصممة للطريق المعبد لا تكتشف ميزاتها إلا في الطريق المعدل، سهولة في الحركة، نعومة في الصوت، سرعة في المشي، أما إذا سرت بها في طريق وعر كله صخور وأكمات تتكسر، تماماً كالنفس، الله عز وجل حيي، هذه صفة من صفات الله عز وجل، واسم من أسمائه، حيي في ذاته وفي صفاته وقد فطرنا على الحياء فالإنسان إذا كان وقحاً يسقط من عين نفسه، في تعبير معاصر ينهار داخلياً، إذا وقح بذيء اللسان، قاسي الكلمات.
يقول عليه الصلاة والسلام فيما ورد صحيح البخاري من حديث ابن مسعود:


(( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))

[ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]

هذا الحديث دقيق جداً، يعني الإيمان علامته الحياء، فالذي لا يستحي لا خير فيه ولا جدوى منه ولا أمل في صلاحه، علامة الإيمان الحياء.




3 ـ الفرق بين الحياء و الخجل:


لكن لابد من التفريق بين الحياء كفضيلة وبين الخجل كمرض نفسي، الخجل مرض، أحياناً الإنسان يخجل من أن يطالب بحقه، يخجل أن ينطق بالحق، يخجل أن يصرح بالحقيقة، هذا مرض، الخجل يعدّ نقيصة في شخصية الإنسان، لكن الحياء فضيلة، أنا أستحي ولكني أطالب بحقي بأدب، أنا أستحي ولكنني لا أستحي من الحق، لذلك:
(( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))

[ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]

يوجد معنى آخر دقيق جداً، أنك إذا كنت ترضى عن الله عز وجل لا تعبأ بكلام الناس، هذا العمل إن لم تستحِ من الله (في بعض المجتمعات الإسلامية التعدد غير مقبول إطلاقاً لكن إنسان له أخ وتوفي و له خمسة أولاد وهو عمهم لو تزوج زوجة أخيه ورعى الأولاد وضمهم إليه لا يوجد مانع ) هذا يرضي الله عز وجل لكن لا يرضي الناس، فإذا لم تستحِ من الله في شيء تفعله فاصنع ما شئت، لا تعبأ بكلام الناس.




المنافق من أرضى الناس جميعاً:



المؤمن يتعامل مع جهة واحدة هي الله عز وجل، المؤمن يخاف الله وحده ولا يعبأ بكلام الناس وإرضاء الناس غاية لا تدرك، ومن أرضى الناس جميعاً فهو منافق، في بحياته كلمة لا، لا يستحي بها، شيء يتناقض مع منهجه قد رفض دعوة فيها معاصي، يعني الناس أحياناً يضحون بطاعتهم لربهم مراعاة لسمعتهم بين الناس هذا خطأ كبير، إذا لم تستح من الله كان عملك صحيحاً وفق المنهج تبتغي به رضوان الله عز وجل، فاصنع ما تشاء، شخص سأل النبي الكريم عندي يتيم أفأ ضربه ؟ قال: مما تضرب منه ولدك. إذا ابنك أردت أن تؤدبه لمصلحته لا عليك لا تعبأ، ضرب يتيم، هذا ابني، كما أنني أؤدب ابني أؤدب اليتيم، إذا لم تستح فاصنع ما تشاء، إذا لم تستح من الله.
لذلك اعمل لوجه الواحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هما واحداً كفاه الله الهموم كلها.




4 ـ الحياء صفة عظيمة من صفات المؤمنين:


في حديث طويل لأبي سفيان مع هرقل يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه، كان يعارض النبي عليه الصلاة والسلام، فلما سأل هرقل عن رسول الله قال لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه، الحياء يردع، والحياء ضمانة الذي عنده حياء فيه صفة عالية جداً.
سيدنا موسى كان حيياً:


﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾

( سورة القصص )
لو أنها قالت إن أبي يدعوك، يقول لها ما هي المناسبة ؟ صار في حوار:
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾

( سورة القصص )
لذلك:
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾

( سورة الأحزاب)

إذاً الحياء من صفات المؤمنين.




من لا يستحي لا خير فيه:



لذلك قالوا: العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، والحياء حسن لكن في النساء أحسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراءأحسن، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن.
يعني الشاب ألزم ما يلزمه التوبة، والمرأة ألزم ما يلزمها الحياء، والغني ألزم ما يلزمه السخاء، والفقير ألزم ما يلزمه الصبر، والأمير ألزم ما يلزمه العدل، ورد:
أحب ثلاثاً، وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، أحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، أبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، أبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشد.
فالحياء من الإيمان، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت على معنيين: إن لم تستحِ فلا خير فيك، وإن لم تستحِ من الله فافعل ما شئت ولا تعبأ بكلام الناس.
في آيات دقيقة جداً من هذه الآيات:


﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾

( سورة البقرة )

إن لم تنفقوا أو: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن أنفقت كل أموالكم، لذلك الإسلام وسطي.




حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته:



أيها الأخوة، حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته هذا حياء الشرع لأن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ))

[ أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]

أدخلت إليه طعاماً اشتريته بمال حلال لذلك يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، يقول العبد يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.
ولحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً والحرام سهلاً، لو عكس الآية لأقبل الناس على الحلال لا حباً في الله ولا رغبة في طاعته ولكن لأنه أسهل، لكن لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً، يعني الإنسان يشتغل ساعات طويلة يأخذ مبلغاً معيناً، يوجد إنسان آخر يأخذ هذا المبلغ في ربع ساعة ولكن بالحرام، ففرق كبير بين الحلال والحرام.




بطولة الإنسان أن يبدأ من النهاية:



أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، البطولة أن تبدأ من النهاية ، الآن في دورات مشهورة جداً البرمجة العصبية اللغوية يعني في قاعدة فيها ابدأ من النهاية ، شيء دقيق جداً ابدأ من الموت ثم اعمل ، تؤسس عملاً ، تدرس ، تنال الدكتوراه ، تؤسس شركة ، ولكن لأنك بدأت من الموت أنت تراقب الله عز وجل لا تعصي الله وتسرع إليه ، ابدأ من النهاية وأن تذكر الموت والبلى ، فإن فعلتم ذلك فقد استحييتم من الله حق الحياء :
(( أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، البطولة ))

[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
وفي كل دروس أسماء الله الحسنى البطولة أن تعرف أسماء الله الحسنى وأن تتخلق بكمالاتها ليكون هذا التخلق بكمالاته سبباً للاتصال به:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )




دين الإنسان الحقيقي في بيته و عمله:


مرة ثانية أيها الأخوة، الدين الحقيقي ليس في المسجد، في المسجد أن أجل أن تتلقى تعليمات الصانع في درس علم، وفي المسجد من أجل أن تقبض ثمن استقامتك وأنت في الصلاة، لكن دينك في مكتبك، دينك في دكانك، دينك في السوق، دينك في بيعك وشرائك، دينك في صناعتك، في مواد مؤذية للإنسان توضع في الأغذية، السعر يزداد والأرباح تزداد لكن على حساب صحة الناس، في أشياء لا تعد ولا تحصى، هرمونات ترش بها النباتات تصبح الحبة كبيرة جداً ولها ألوان زاهية لكنها مسرطنة الهرمونات، فالإنسان دينه في عمله، دينه في بيته، خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.





خاتمة:





لذلك أيها الأخوة، الحياء أن تستحي من الله أن تعصيه، أن تستحي من الله أن تستخدم جارحة من جوارحك في معصية الله، الحياء أن ترى أن الله معك، في رواية أخرى أن إنساناً ـ كما قال النبي الكريم ـ اغتسل أمامه عرياناً، قال خذ إجارتك لا حاجة لنا بك إني أراك لا تستحي من الله.
فالحياء من علامات الإيمان ودائماً المؤمن يستر جسمه وغير المؤمن يكشف عورته، الإنسان في بيته يرتدي ثياباً معقولة، أما غيره إنسان يكون بالثياب الداخلية في بيته أمام أولاده، أمام بناته، ما في حياء، والله في جامعة من جامعات الدول العظمى كانت ترفع شعار لا إله حدثني طالب قال دورات المياه مشتركة ما في حواجز بينهما إطلاقاً، صالون كبير فيه خمسين ستين مكان لقضاء الحاجة بلا حواجز.

(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ))

[ أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]







والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-05-2018, 02:44 PM   #24


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى




بسم الله الرحمن الرحيم





(18)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( الخلاق):


أيها الإخوة الكرام، مع اسماً جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم "الخلاق" هذا الاسم العظيم ورد مطلقاً يفيد المدح والثناء على الله عز وجل، مراد به العلنية، دالاً على كمال الوصفية، فقد ورد في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾

( سورة الحجر )
وفي قوله أيضاً:
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾

( سورة يس )




الخلاق المبدع كماً ونوعاً:


"الخلاق" من حيث الصياغة اللغوية اسم مبالغة لاسم الفاعل، تقول: غافر وغفار، خالق وخلاق، وماذا تعني المبالغة في أسماء الله الحسنى ؟ تعني الكم، والكيف الكم والنوع.
أي للتقريب ؛ غافر يغفر ذنباً واحداً، لك ذنب يغفره الله لك فهو غافر، لكن لبعض الناس مئة ألف ذنب، الله غفار يغفرها مهما كثرت، و هناك ذنب كبير جداً، ويغفر الذنب مهما عظم.
المبالغة تعني الكم، والنوع، مهما عظم الذنب يغفره الله فهو غفار، ومهما كثرت الذنوب يغفرها الله فهو غفار، الله عز وجل خالق، لكن "خلاق" فيها معنى الكم يخلق ما يشاء، وفيها معنى النوع، الكم في قوله تعالى:


﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾

( سورة النساء )
يخلق مليارات، مليارات المليارات، هذا الكم، أما النوع:
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

( سورة النمل )
الإتقان.
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾

( سورة التغابن )

يعني الخلاق المبدع، كماً ونوعاً.




من لوازم الخلاق كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ:


لكن أيها الأخوة ، معنى الخالق حتى نفهم "الخلاق" معنى الخالق أي أن الله سبحانه وتعالى خلق من لا شيء كل شيء ، على غير مثال سابق ، لكن الله جل في علاه سمح للإنسان أن يعطى هذا الاسم ، الدليل قال الله عز وجل :
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

( سورة المؤمنون )
الإنسان أحياناً يصنع طاولة، يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، صنعة الإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، المواد الأولية كلها يأخذها من الأرض، والفكرة يراها بعينه، الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، بينما خالق السماوات والأرض يصنع كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق.
الإنسان حينما يوازن لأن الله سمح لهذا الإنسان الذي يصنع شيئاً من كل شيء، أن يُسمى مجازاً خالقاً، وتأتي الآية الكريمة:
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
أي الله عز وجل أودع بالإنسان كلية بحجم البيضة، صغيرة، تعمل بصمت بلا ضجيج، بلا تكلفة، تعمل ليلاً نهاراً، وأنت نائم، وأنت تمشي، وأنت تتحرك، وأنت مسافر، وأنت مقيم، وكل كلية فيها عشرة أضعاف حاجتك، عشرة احتياطات، فالكليتان فيهما عشرون احتياطاً، أما الكلوة الصناعية كحجم الطاولة، يجب أن تستلقي على السرير، ثماني ساعات، وأن تدفع مبالغ طائلة، وأن تتعطل ثلاث مرات في الأسبوع، وأن تتألم، هذه كلية صناعية، وتلك كلية طبيعية.
آلة التصوير، فيها بكل ميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما العين بالميليمتر هناك مئة مليون مستقبل ضوئي،
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾




الله تعالى ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه:

الله عز وجل ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه قال:

﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾

( سورة الأنعام )
أحياناً يصنع الإنسان حاسوباً، يقرأ مئات ملايين الحروف في الثانية، لدرجة أنك إذا أعطيته الأمر رأيت النتيجة، الله قال
﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾

( سورة الأنعام )
أي لا يوجد زمن بين المقدمة والنتيجة، إذاً أن يوازي الإنسان صنعة الواحد الديان بين أن ترى وردة طبيعية فواحة الرائحة، تحس أنها تأخذ بالألباب، وبين أن ترى وردة صنعت من مادة بترولية تمجها نفسك بعد حين، بينما ترى امرأة في محل بيع ألبسة مجسد لامرأة، وبين أن ترى امرأة حقيقية هي ابنتك مثلاً، مسافة كبيرة جداً بين امرأة مصنوعة من مادة صناعية، وبين إنسانة تتحرك فيها حياة، فيها فكر، فيها مشاعر، فيها روح، فيها فهم، فيها علم، لذلك
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

الإنسان صنع طاولة، هذه الطاولة جامدة، تبقى هكذا إلى أبد الآبدين، لكن ما صنع شيئاً، صنع ذكر وأنثى ؟ هذه الطاولات تتوالد ؟ هذا شيء معجز، خلق ذكراً، وخلق أنثى، وخلق ميلاً متبادلاً بينهما، ومن هذا الميل المتبادل ينتج أطفالاً، هذا شيء عظيم.




الموازنة بين صنعة الله المتقنة و صنعة الإنسان:

نظام الزوجية مطبق في كل شيء، مطبق في النبات.

﴿ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾

( سورة الرعد الآية: 10 )

تصور لو لم يكن هناك بذور، الله خلق مليارات الأطنان من القمح، استهلكوا، ما الحل ؟ النبات في بذرة، والبذرة بالقوة شجرة، لو أكلت حبة تين كلها بذور، كل بذرة شجرة، أحياناً يكون بالسمكة في مبيض، في ملايين البيوض، وكل بيضة سمكة، بالتوالد هذا عطاؤنا.
لذلك أيها الأخوة، الفكر البشري حينما يمشي في طريق الموازنة بين صنعة الديان، وبين صنعة الإنسان يرى عظمة الله عز وجل، لأنهم قالوا قديماً:
وبضدها تتميز الأشياء.
فلذلك الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء، بينما الإنسان خلق شيئاً من كل شيء، والله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء من دون مثال سابق، أما أي شيء صنعه الإنسان وفق مثال سابق، الغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطائر، الحديث عن الطيور حديث لا ينتهي، قد تقطع الطيور رحلة تزيد عن 17 ألف كم، كيف تهتدي ؟ لا أحد يعلم حتى الآن، بالتضاريس تهتدي في الليل، كلما وضعت نظرية لاهتداء الطيور في هذه الرحلة الطويلة العلم يراها عاجزة عن تفسير بعض حالات الطيران.
إذاً الله عز وجل أمرنا أن نوازن بين صنعته المتقنة، وبين صنعة الإنسان، لا يوجد إنسان يقدر أن ينزع سن من إنسان إلا بألم، يقول لك صار هناك مادة مخدرة، حتى نعطي هذه المادة المخدرة لا بد من وخزة في اللثة، يتألم، أما الطفل حينما ينزع الله له أسنان اللبن بلا ألم إطلاقاً، لأن الله لطيف.




التقنين الإلهي تقنين تأديب لا تقنين عجز:


إذاً: اسم "الخلاق" تعني إتقان الصنعة، واسم "الخلاق" تعني الخلق اللانهائي، كل شيء الله عز وجل يخلقه لا حدود لخلقه، هذا الذي يقال أنه في أزمة مياه، أزمة غذاء، هذا الكلام ليس صحيحاً.

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾

( سورة الحجر )
لذلك التقنين الإلهي لا يمكن أن يكون تقنين عجز، إنه تقنين تأديب فقط.
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

( سورة الجن )

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 96 )

لذلك أي تفسير يتجه نحو أزمات قادمة هو كلام مفتعل، له هدف خسيس، الله عز وجل خلاق عليم.
قرأت بحثاً عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، في بلاد أخرى يهطل في الليلة الواحدة ما يساوي أربعمئة مم يعني المعدل السنوي لدمشق على مرتين، بليلة واحدة، إذا أعطى أدهش، الله خلاق الأرزاق بيده، المياه بيده، أمطار السماء بيده.
لذلك إذا قنن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب، لا تقنين عجز، والله عز وجل ثبت مليارات القضايا، ثبت نظام البذور، ثبت خصائص المعادن، ثبت مليارات القوانين، لكنه حركة الرزق والصحة، حركهما من أجل أن يأخذ بيدنا إليه، فالإنسان حريص على رزقه، وحريص على صحته، فمن خلال الرزق والصحة يمكن أن يأخذ الله بيد عباده إليه هذا نوع من أنواع التربية، إذاً الله عز وجل "خلاق عليم".




تسخير كل شيء في الكون للإنسان:

شيء آخر: الإنسان حينما يقول الله له:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾

( سورة البقرة الآية: 21 )

هناك مفهوم الربوبية، في نظام الربوبية، مفهوم عطاء، الله عز وجل خلق الكون، الكون وما سواه، خلق الإنسان، خلق الحيوان، خلق النبات، هذا عطاء، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، أمدك بالهواء، أمدك بالماء، أمدك بالنبات، أمدك بالحيوان، أمدك بمقومات حياتك، هذا معنى الرب خلق وأمدّ، مفهوم الربوبية مفهوم العطاء، منحك نعمة الوجود، منحك مقومات الحياة، منحك كل شيء، كل شيء في الكون مسخر لك، هذا مفهوم الربوبية، لكنه أرسل إليك رسلاً، افعل ولا تفعل، في أمر، في نهي، في حلال، في حرام، في مكروه، في سنة، في فرض، في واجب، في محرم، هذا المفهوم الآخر مفهوم التشريع، مفهوم الإلوهية.




اختلاف الناس بمفهوم الإلهية و ليس بمفهوم الربوبية:

لذلك البشر لم يختلفوا على مفهوم الربوبية أبداً، حتى الذين عبدوا الأوثان.

﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾

( سورة الزمر الآية: 38 )
لماذا تعبدون الأصنام ؟
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾

( سورة الزمر الآية: 3 )
إذاً ليس هناك اختلاف في الأرض على مفهوم الربوبية، إبليس اللعين آمن بالله رباً، قال ربي:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

( سورة ص )
إبليس آمن بالله خالقاً، قال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾

( سورة الأعراف )
آمن به، آمن بالآخرة، قال:
﴿ َأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

آمن به مربياً، وخالقاً، وعزيزاً، وآمن باليوم الآخر.
إذاً ليس مفهوم الربوبية محل اختلاف إطلاقاً، محل الاختلاف مفهوم الإلهية.




انضباط الشهوات وفق منهج الله تعالى ليرقى بها الإنسان صابراً و شاكراً:

الإنسان أودع الله فيه الشهوات، ليرقى بها تارة صابراً، وتارة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، هذه الشهوات لا بد من أن تنضبط، تنضبط بمنهج الله عز وجل، الشهوة يمكن أن تتحرك بموجبها 180 درجة، سمح لك بمئة درجة، المرأة محببة.

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 14 )

لكن سمح لك بالزواج، يوجد بحياتك محارم، الأم، والأخت، والبنت، والعمة، والخالة، وبنت الابن، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وبنت البنت، هذه محارم سمح لك بحيز لا يمكن أن تتجاوزه، صار شيء بحياتك اسمه حرام، الزنا حرام، والقتل حرام، أكل أموال الناس بالباطل حرام، مفهوم الإلوهية، مفهوم الرسالة، مفهوم الأمر والنهي هذا محل خلاف.
لذلك تشريعات الأرض تتناقض مع تشريعات السماء، صار في شرك، صار في كفر.




الربط بين مفهوم الربوبية ومفهوم الإلوهية لحكمة من الله تعالى:


الآن الله عز وجل لحكمة بالغة ٍ بالغة ربط بين مفهوم الربوبية، ومفهوم الإلوهية، قال:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾

( سورة البقرة الآية: 21 )
المرأة قد تقول لابنها: يا بني والدك لا يرضى أن تأتي بعد الساعة التاسعة يغضب أشد الغضب إنه يرزقنا، إنه يطعمنا، إنه يكسونا، إنه يحبنا، أي أعطته مبرر الطاعة لأنه يعطي.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
من هي الجهة التي ينبغي أن تطيعها ؟ هي الجهة الخالقة، الخالق وحده ينبغي أن تطيعه، الخالق وحده ينبغي أن تنصاع لأمره.
فلذلك ورد في بعض الآثار القدسية:

(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري ))

[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ]
المجتمعات المتفلتة يعبد فيها غير الخالق.

(( أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ))

[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ]



صنعة الله المتقنة:

لذلك:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾
يخلق ما يشاء كماً، وإذا صنع شيئاً صنعه بإتقان ما بعده إتقان.
البعوضة أحقر مخلوق عند الإنسان، يوجد برأسها مئة عين، بفمها 48 سناً، بصدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، لكل قلب دسامان، وأذينان، وبطينان، هناك جهاز استقبال حراري، وجهاز تحليل دم، وجهاز تخدير، وجهاز تمييع، بخرطومها ست سكاكين، و بأرجلها مخالب، ومحاجم.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾

( سورة البقرة الآية: 26 )
لو وازنت بين صنعة الإنسان، مع أن الإنسان إذا شرد عن الله عز وجل يؤخذ بصنعة الإنسان، وبين صنعة الواحد الديان.
هذه البقرة معمل، معمل يقدم لك هذا الحليب، الذي هو أحد أسباب الغذاء، هذا الحليب بلا صوت، بلا ضجيج، بلا تلوث، تأكل الحشيش تعطيك الحليب، تصنع منه مشتقات الألبان، لو فكر الإنسان في طعامه.

﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾

( سورة عبس )
كيف القمح هو المحصول الأول في حياة الإنسان، ساق السنبلة هي الغذاء الأول للحيوان، كيف أن القمح غذاء كامل للإنسان، ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان.
﴿ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾

( سورة النازعات )




منهج الله منهج واسع جداً علينا التقيد به:

أخواننا الكرام، إذا الإنسان تفكر في آيات الله الدالة على عظمته عرفه، وإذا عرفه أحبه، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن الـمحب لمن يحب مطيع
***

يمكن أن نستنبط أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تطاع هي الجهة الخالقة،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
يعني مفهوم الربوبية مفهوم عطاء، خلق، إكرام، منح، مفهوم الإلوهية مفهوم انضباط، في أمر، في نهي، في حلال، في حرام، في واجب، في سنة، في سنة مؤكدة، في كراهة، في تحريم شديد، في أحكام لا تعد ولا تحصى.
لذلك منهج الله منهج واسع جداً، يجب أن تتقيد به لعل الله سبحانه وتعالى يسلمنا جميعاً، ويسعدنا جميعاً.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-06-2018, 08:56 AM   #25


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى






بسم الله الرحمن الرحيم



(19)




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( القدير ):


أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو ( القدير )، ونحن حينما ونقرأ الآية الكريمة:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )




1 – الإنسان ضعيف عاجز:


إذاً: أسماء الله كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى، والإنسان في أصل فطرته، مفطور على حب القدير، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان، هذا الضعف لصالحه، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضيه ليس عندها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجه في نفوسهم أتت من ضعفهم، فالضعيف يحتاج إلى قوي.
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾

( سورة النساء )

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾

( سورة المعارج )
فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به، إلى قوي يحميه، إلى قوي يدافع عنه، إلى قوي يلجأ إليه.
فالإنسان حينما يتجه إلى الله الحقيقي خالق السموات والأرض، يكمل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله وطاعته، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل.
فالإنسان ضعيف، وهذا الاسم:
﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة فاطر )



2 – الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي:


بالمناسبة أيها الأخوة، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم، ويسمع، ويرى.

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

( سورة غافر )
الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع، وإن تحركت فهو يرى، وإن أضمرت فهو يعلم، يسمعك إذا دعوته، ويراك إذا توجهت إليه، ويعلم سرك وجهرك، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه، وأنها قادرة على أن تلبيه.
الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير، لأن هذا مضيعة للوقت، يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ.
إذاً: أنت تدعو من ؟ تدعو من يسمعك، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك، وتدعو من يحبك، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته.
لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾

( سورة الفرقان الآية: 77 )
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
قَالَ:

(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ))

[ الترمذي ]
في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ))

[ الترمذي ]
الدعاء هو العبادة، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك، وأنت موقن بأنه يعلم، ويسمع، ويرى، وهو قادر على أن يلبّيك، وهو يحب أن يلبيك، يحبك ويرحمك، فأنت مؤمن.
لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى، أنت إنسان ضعيف مفتقر:

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً ﴾

شديد الجذع، حريص على ما في يديه:

﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾

ضعفك وهلعك، وشدة خوفك، وحرصك على ما في يديك، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك.


3 – كل شيء بيد الله القويّ:


مِن هنا يأتي اسم ( القدير )، إنك تعتز بقوي.
اجعل لربك كل عـز ك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عزك مـيت
***


أنت كمؤمن حينما تعتز بالله فأنت أقوى الأقوياء.
ورد في بعض الآثار: " إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أدرت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاَتق الله.
إخوتنا الكرام، لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان، لأن الله موجود، كل شيء بيده.
تصور شابا سيق إلى الخدمة الإلزامية، ووالده قائد الجيش، وفي الجيش عريف، ومساعد، وملازم، وملازم أول، ورائد، ومقدم، وعقيد، وعميد، كلها هذه الرتب مهما علت فهي تحت قبضة أبيه، فإذا هدده عريف وبكى فهو غبي جداً.




4 – الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر:


حينما يؤمن الإنسان بالله فأيّ قوي هو في قبضة الله، كل ما حولك بيد الله، كل مَن حولك بيد الله، كل مَن فوقك بيد الله، كل مَن تحتك بيد الله، لا يمكن أن يقبل خوف وفزع، وهلع وانهيار مع الإيمان بالله، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية، التماسك والقوة والمعنويات المرتفعة، ومواجهة الأخطار بثبات، ورباط جأش يحتاج إلى إيمان.
القصص التي يرويها القرآن هي لمن ؟ هي لنا:


﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾

( سورة الشعراء )
بل بالمنظور الأرضي احتمالات النجاة صفر، فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، بطغيانه، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مستضعفه خائفة، وصلت إلى البحر، وهو مِن ورائهم.

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

( سورة الشعراء )
الله عز وجل يريدك أن تثق به، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته.
فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها، واستخفوا به، واستهزؤوا به، وأغروا صبيانهم، أي نالوه بالأذى، وسال الدم من قدمه، الآن قفل راجعاً إلى مكة، يقول له زيد: يا رسول الله، كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك ؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني الدعوة قد وصل الخط إلى النهاية الصغرى، مكة أخرجته، وكذبته، وكفرت بدعوته، واستهزأت به، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا به أشنع مما فعل أهل مكة، ليس له أحد، فقال كلمة لا تنسى، قال: يا زيد إن الله ناصر نبيه، هذه ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته.
ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، مكافأة على من يقتله، أو من يقبض عليه، وهذا رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر، تبعه سراقه ليلقي القبض عليه، أو ليقتله، ويأخذ المئة ناقة، فقال له النبي الكريم بكل بساطه: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ماذا يقول ؟! أنت ملاحق مهدور دمك، تقول: كيف بك يا سراقه إذا لبست سواري كسرى ؟ أي أنك سوف تصل إلى المدينة سالماً، وسوف تؤسس دولة، وسوف تنشئ جيشاً، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم، وسوف تنتصر عليها، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة، ولك يا سراقه سوار كسرى.
أيها الإخوة، الآن العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغري، في الحضيض، اصطلح العالم كله على محاربته، وأي عمل عنيف على سطح الأرض ينسب إلى المسلمين، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين، والمؤمن الصادق لا تضعف معنوياته أبداً، إن الله ناصر هذا الدين، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين، وأخطر شيء في حيات الأمة أن يهزم الإنسان من الداخل:
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )





أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله:





إخوتنا الكرام، إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري فهذا يناقض إيمانه بالله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾

( سورة الأنعام الآية: 59 )
وإذا توهم أن الله لا يقدر أن يدمر أعداءه هو واهم، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف الآية: 84 )
وإذا توهم أن أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم، لقول الله عز وجل:
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾

( سورة الأنفال )
يجب أن تؤمن أن الله يعلم، وهو قادر، ويعنيه ما يجري في الأرض، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه، ولن يتفلتوا من قبضته.
إذاً: هناك حكمة بالغة فيما يجري، ولصالح المسلمين، ولكن هذه نعمة باطنة، وليست نعمة ظاهرة، قال تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

( سورة لقمان الآية: 20 )

إذاً: كلمة ( القدير ) تملأ النفس طمأنينة، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل.




5 – ورودُ اسم ( القدير ) في الكتاب والسنة:


هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القراَن وفي السنة معاً، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم:

﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾

( سورة الروم )
ورد أيضاً في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم، كقوله تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة آل عمران )
في ثلاثين آية في القراَن ورد فيها:

﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وآية واحدة ورد فيها:

﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام:

(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ))

[ رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:

(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ))

كن مع الله ترَ الله مـعك و اترك لكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***


﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾

( سورة فاطر الآية: 2 )
إذا كان الله معك فمن عليك ؟! وإذا كان عليك فمن معك ؟! ويا رب، ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
شيء آخر، في ثلاثين موضعا في القراَن الكريم ورد اسم ( القدير )، من هذه المواضع مثلاً:

﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

( سورة الممتحنة )

إذاً: هذا الاسم ( القدير ) ورد في القراَن والسنة.




6 – اشتقاق اسم ( القدير ) في اللغة العربية:


من أي فعل اشتُق ؟ إما من التقدير، وإما من القدرة، فالإنسان أحيانا يكون عالما، إذاً: عنده تقدير دقيق، و أحيانا يكون قويا عنده قدرة، وأحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم، لكنه لا يملك أن ينفذ ما يطمح إليه، وقد تجد إنسانا آخر في أعلى درجات القوة، ولكن لا يعلم ماذا يفعل، فهو إمّا قوي لا يعلم، وإما عالم لا يقدر.
تماماً كما ذكرت من قبل: أحياناً الإنسان يقدر إنساناً ولا يحبه، وقد يحب إنساناً ولا يقدره، يكون الأب، وتكون الأم أحياناً بأعلى درجات الحب، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية، لها ابن يحمل أعلى شهادة، يحب أمه حباً لا حدود له، لكن في ميزان العلم لا وزن لها، وقد يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم، فيقدّر علمه، ولا يحبه، لكن الذات الإلهية بقدر ما تعظمها بقدر ما تحبها.


﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

( سورة الرحمن )

بالجلال تعظمه، وبالإكرام تحبه، هذه أسماء الله الحسنى.
الله عز وجل قدير، من التقدير، يعني أنه ذو علم دقيق جداً، وقدير من القدرة، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته، وبالعكس، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه.
فإذاً: اسم ( القدير ) مأخوذ من التقدير، أو من القدرة.
للتقريب: طبيب يتفقد مرضاه، وقف عند مريض، قرأ اللائحة الطبية، رأى الضغط مرتفعا، وهو طبيب، أعطى أمراً، وأمره نافذ، أن يوقفوا الملح في الطعام، الأمر سلطة، وقراءة التقرير علم، أن الضغط مرتفع، والضغط المرتفع خطر، فأعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية.




7 – اسم ( القدير ) يدور مع الإنسان في جميع حياته:


الله عز وجل له قضاء وقدر، القضاء علم، والقدر تقدير، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، الله عز وجل علم من هذا الإنسان كبراً، فهيأ له معالجة حكيمة، وضعه بموقف وقد أُهين به، حينما يهان يتألم أشد الألم، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك، فصار الله عز وجل قديرا يعلم بدقة، وقدير يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب.
الله عز وجل قدير، وقدير صيغة مبالغة لقادر، قادر قدير، غافر غفور غفار، وصيغ المبالغة كثيرة جداً، فاعول فاروق، فعِل حذر، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم صيغ المبالغة صيغاً عديدة، منها فعِل، فلان حذر، فلان فاروق، يفرق بين المتناقضات.
لذلك قادر اسم فاعل، وقدير صيغة مبالغه لاسم الفاعل، مقتدر من اقتدر، والفعل خماسي فيه حروف زائدة، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى.
أيها الإخوة، الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم، وكما يقول العوام: العين بصيرة واليد قصيرة، هذا شأن الإنسان، وقد يكون الإنسان قديرا، لكنه جاهل، قدير جاهل، متعلم ضعيف، لكن الله قدير، قدير بعلمه، قدير بقوته.
إذا لُذت به فأنت في مأمن، وأنت في راحة، وأنت في طمأنينة، والله عز وجل قال:


﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

( سورة الرعد الآية: 28 )
وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي: لو أن الله قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ما المعنى ؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله، إما حين يقول:

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

( سورة الرعد الآية: 28 )
فيعني: لا تطمئن إلا بذكر الله، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه من المؤمنين، والأمن نعمة يختص بها المؤمن:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )
إذاً: أيها الإخوة، ( القدير )، من القدرة، و( القدير ) من العلم من التقدير، قدير من التقدير، قدير بالقدرة، هو يعلم، وقادر على أن يعطيك سؤلك.
لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ))

[ الترمذي ]






خاتمة:


وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان، فأنت ضعيف وهو قدير، أنت فقير وهو غني، أنت لا تعلم وهو يعلم، يا رب أنا لا أعلم، لكنك تعلم، أنا ضعيف، لكنك قوي، أنا فقير، ولكنك غني، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده، فأنت ضعيف، لكنك مع القوي.
أيها الإخوة الكرام، معية الله لها نوعان: معية عامة، فهو معكم أينما كنتم، ومعية خاصة معية المؤمنين، فهو معكم بعلمه، لكنه الله مع المؤمنين، معهم ناصراً وحافظاً، ومؤيداً وموفقاً، إذا قال الله عز وجل:


﴿ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الأنفال )
أي معهم بحفظه وتأييده، ونصره وتوفيقه.




والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-06-2018, 08:57 AM   #26


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(20)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

من أسماء الله الحسنى: ( القاهر ):

1 ـ القاهر علمٌ مع الدلالة على كمال الوصفية:


أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( القاهر )، وقد سمى الله نفسه ( القاهر )، مراداً به العلمية، ودالاً على كمال الوصفية.



2 ـ ثبوت اسم القاهر في الكتاب العزيز:


وقد ورد هذا الاسم في موضعين فقط في القرآن الكريم، ولم يرِد في السنة، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾

( سورة الأنعام )
وقال تعالى:
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾

( سورة الأنعام )





أسماء الله كلها حسنى:





أيها الإخوة، الله جل جلاله له أسماء جلال، وله أسماء كمال، والإنسان يحب القوي، يحب أن يكون مع القوي، يحب أن يكون تابعاً لقوي، يحب أن يعتز بالقوي، يحب أن يلجأ إلى القوي، وأسماء الله كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى.

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )
نحن في حياتنا اليومية قد نجد صديقاً طيباً جداً، لكنه ضعيف، نعجب بطيبه، ولا يعجبنا ضعفه، وقد نجد إنساناً قوياً، لكنه ليس بطيب، لا تعجبنا قوته مع خبثه، ولا يعجبنا طيب هذا الإنسان مع ضعفه، فمتى نعجب بإنسان ؟ إذا كان في الوقت نفسه من القوة حيث لا يستطيع أحد ينال منه، ومن الطيب والكمال حيث تتعلق النفوس به، هذا هو الكمال المطلق ؛ أن تكون قوياً، وأن تكون كاملاً.
﴿ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾

( سورة التغابن الآية: 1 )

هناك إنسان له الملك، لكن ليس له الحمد، وإنسان له الحمد، لكن ليس له الملك، فلذلك الكمال البشري يتعلق بالكمال الإلهي، وأجمل شيء في حياة المؤمن أنه مع القوي، وأنه مع الغني، وأنه مع العليم، وأنه مع الرحيم، وانتماء المؤمن إلى الله عز وجل انتماء حقيقي.






إذا كان الله معك كنتَ أقوى الناس:





كيف أن الإنسان أحياناً يكون ابن ملِك، كيف يشعر في بلد طويل عريض ؟ في بلد فيه مؤسسات، فيه وزارات، فيه جيش، فيه شرطة، لأنه ابن الملك يشعر باعتزاز، يشعر أن قوته من قوة الملك، يشعر أن كرامته من كرامة الملك، صدقوا أيها الإخوة، هذا شعور المؤمن مع الله عزوجل.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
لا بد من أن تحب، ومن طبيعة البشر أن يحب البشر، ولكن البطولة من تحب ؟ من توالي ؟ من تعظم ؟ المؤمن يحب الله، ويتعامل مع الخلق جميعاً، وقلبه لله عز وجل.
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول:


(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي، ولكن أخ وصاحب في الله ))




3 ـ صفة القهر صفة كمال مطلق لله تعالى:


يعتز بالله، الله عز وجل هو ( القاهر )، لكنه كامل، لا يقهر إلا الظالمين، فقد تلتقي بقوي يقهر الطيبين، ينتقم من المؤمنين، لكن الله عز وجل كامل كمال مطلق.
لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت القوي الوحيد، لا معبود بحق إلا الله، لا معطي، ولا مانع، ولا معز، ولا مذل إلا الله، هو القوي، لكنه رحيم، قوي لكنه عدل، قوي لكنه عليم، قوي لكنه حكيم، القوة مطلوبة مع الكمال، والذي نلاحظه أحياناً أن العالم الإسلامي معه وحي، معه حق، معه قرآن، معه تعليمات الصانع، لكنه ضعيف.
لذلك انصرف الناس عن المسلمين لأنهم ضعاف، وقد يقول قائل: ما نصيبك من هذا الاسم ؟ يجب أن تكون قوياً.


﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

( سورة الشورى )
ما منا واحد إلا ويعتز بالبطل صلاح الدين الأيوبي، حينما انتصر على 27 جيشاً من جيوش الفرنجة، ودخل القدس، وقام خطيب القدس يذكر بعض الآيات الكريمة التي تبين أنه قد انقضى عهد الظالمين.
أيها الإخوة، الإنسان يحب الله، لأن الله كامل وقوي، ( قاهر )، كماله يمنعه أن يقهر الطيبين.
بالمناسبة: حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني الإلزام الذاتي، قال تعالى:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

( سورة هود )

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾

( سورة هود الآية: 6 )

حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهذا الكمال.




4 ـ معنى ( القاهر ) في اللغة:


أيها الإخوة، ( القاهر ) في اللغة اسم فاعل مِن قهر يقهر قهراً فهو قاهرٌ، وقهرت الشيء غلبته، وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار، تقول: أخذتهم قهراً، أي من غير رضاهم، وأُقهر الرجل إذا وجدته مقهوراً، أو صار أمره إلى ذل، وإلى صغار، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج:
(( قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

النقطة الدقيقة جداً في هذا الاسم: أن الله كامل، لا يقهر إلا الظالمين، إلا المنحرفين، إلا المتغطرسين، وحينما يرى الإنسان غطرسة لا تحتمل، وعلواً في الأرض لا يحتمل، وسفكاً في الدماء لا يحتمل، وانتهاكاً للحرمات لا يحتمل، مثل هذا الإنسان إذا رأى قوة بطشت، وأنهت هذا الظلم، أنهت هذا العدوان، أنهت هذا الطغيان يرتاح أشد الراحة، هذا معنى اسم ( القاهر ) الذي هو من أسماء الله الحسنى.




5 ـ القهَّار صيغة مبالغة لاسم ( القاهر ) في الشرع:


وهذا المعنى أيضاً يلتقي مع اسم القهار، القهار صيغة مبالغة، ( القاهر ) اسم فاعل من قهر، بينما القهار صيغة مبالغة لاسم الفاعل، وقد بينت كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاءت مع أسماء الله الحسنى فتعني شيئاً آخر، تعني أن الله يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت.
هناك قوى في الشرق كانت تملك من القنابل النووية ما تستطيع أن تبيد القارات الخمس خمس مرات، وقد قهرها الله عز وجل، وأصبحت في الوحل.
فلذلك يقول الله عز وجل:


﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

( سورة الإسراء )

القهار يقهر أكبر قوة تظنها لا تقهر، لذلك قالوا: عرفت الله من نهض العزائم، وفي حالات كثيرة ترى إنسانا متغطرسا جبارا، يتلذذ بقتل الأبرياء، وانتهالك الحرمات، يتلذذ بهدم البيوت، لا يموت، وفي صورة أخيرة لهذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة بشكل قميء زري نقلت في الإنترنت، بقي ثلاث سنوات طريح فراش، ولم يمت بعد، لذلك سبحان من قهر عباده بالموت.




6 ـ معنى اسم ( القاهر ):


أيها الإخوة، ( القاهر ) سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق، وهو يعلو في قهره وقوته، فلا غالب ولا منازع، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه.

﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾

( سورة المؤمنون )
هو الواحد الأحد الفرد الصمد، المتفرد بالقوة والجلال، القاهر فوق عباده وهناك أسماء كثيرة تقترب من هذا الاسم، منها المنتقم، لذلك كن مع الله فأنت قوي.

كن مع الله تر الله معك و اترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثـم من يعطي إذا ما منعك

الله عز وجل حينما قال عن نفسه:

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾

أي هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.




7 ـ لا ينازع أحدٌ الله في جبروته وقهره:


لذلك أي إنسان ـ دققوا ـ من ينازع الله كبرياءه وعظمته يقصمه الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

[ أبو داود ]
وفي ضوء هذا الاسم أيها الإخوة، أمة قوية جداً، تملك من الأسلحة ما لا يوصف، تفردت بقيادة العالم، لا تنطوي على كمال إطلاقاً، تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، وبناء رخائها على إفقار الشعوب، وبناء عزها على الشعوب، وبناء غناها على إفقار الشعوب، أن تنجح خططها على المدى البعيد، وصدقوا ولا أبالغ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل مع وجوده.

(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))
يستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد، لأنه الله:

﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾



8 ـ من لوازم ( القاهر ) العلوُّ والغلبة:


له العلو والغلبة، فلو فرضنا وجود إلهيين اثنين مختلفين، ومتضادين، وأراد أحدهما شيئاً خالفه الآخر فلابد عند التنازع من غالب وخاسر، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر، فلمَ تدعي جهة أنها خلقت السماوات والأرض ؟ ولم تدّعي جهة أخرى أنها قهرت عبادها، لذلك:
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
مرة ثانية:

﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء، وعلا على عرشه فوق كل شيء.
قال بعض العلماء: ( القاهر ) أي ؛ المذلل، المستعبد لخلقه، العالي عليهم، وإنما قال: فوق عباده، لأنه وصف تعالى نفسه بقهره إياهم، ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً غالب عباده المذل لهم إذا طغوا، وبغوا، وفسدوا، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه.
تخضع للقوي لكنه عادل، تخضع للقوي لكنه رحيم، تخضع للقوي لكنه يسمعك لذلك أنت تدعو من ؟ تدعو جهة موجودة، تؤمن بوجودها حتماً، وتدعو جهة تسمعك، فإن سكت تعلم ما في نفسك، فإن تحركت رأتك، وإن تكلمت سمعتك، إن أسررت علمت ما في نفسك، إن تحركت رأتك، فأنت تدعو جهة تدعو على تلبية طلبك، ولو بدا لك مستحيلاً، تدعو جهة تحب أن ترحمك، هذا هو الله عز وجل.
فلذلك الحياة مع الإيمان بالله حياة رائعة فيها عز، فيها قوة، فيها راحة، فيها استسلام، فيها رضا، فيها طاعة.
اجعل لربك كل عـزـــك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمــــوت فإن عزك ميت




9 ـ نصيب المؤمن من اسم ( القاهر ):


أيها الإخوة، الآن أنت ما نصيبك من هذا الاسم ؟ هو قاهر.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
الاستسلام والخنوع، والتماوت، والتضعضع ليس من صفات المؤمن.

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
اللهُ معك، استعن بالله ولا تعجز، فالخضوع، والقلق، والخوف، والاستسلام، والتطامن ليس هذا من صفات المؤمن، أنت عبد القاهر، أنت عبد القوي، أنت عبد الغني.
إذا توهمت أن الله لا ينصرك، ولا يدافع عنك، وأنت المؤمن، وأنت المستقيم فقد وقعت في سوء ظن كبير، لأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين، بل إن الله لا يعذب عباده المحبين، والدليل:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
لم يقبل دعواهم، بل رد عليهم:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

( سورة المائدة الآية: 18 )

الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية: أن الله لا يعذب أحبابه.
أنت مع القوي، بربكم هذه القصص التي وردت في القرآن عن الأنبياء هي لمن ؟ هل هي لهم ؟ ماتوا وانتهوا، هي لنا، فأيّ مصيبة تفوق حد الخيال ؟






قصص تؤكد قهر الله وغلبته:



1 ـ سيدنا يونس في بطن الحوت قصة وقانون:



أحيانا يكون دخلُ الإنسان قليلا، وعنده مرض، عنده مشكلة في بيته، عنده مشكلة في عمله، عنده ابن معاق، أما أن يجد نفسه فجأة في بطن حوت وزنه 150 طنًّا ! وجبته المعتدلة بين الوجبتين 4 أطنان، و الإنسان وزنه 70 كغ، فهو لقمة واحدة، وجد نفسه في بطن حوت، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

( سورة الأنبياء )
القصة انتهت، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تتوهم أن هذه القصة وقعت ولن تقع مرة ثانية، هذه وقعت وتقع كل يوم، الدليل التعقيب الذي جاء بعدها:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الأنبياء )
قلَبها اللهُ من قصة إلى قانون:

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

هذه القصة لنا.




2 ـ سيدنا موسى مع فرعون:



سيدنا موسى مع أتباعه حينما كانوا في اتجاه البحر، وراءهم فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، ولكل عصر فرعون.

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

( سورة الشعراء الآية: 61 )

تعلّموا أيها الإخوة من الأنبياء العظام ثقتَهم بالواحد الديان، تعلموا منهم اعتزازهم بالله عز وجل.




3 ـ النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء:



في غار حراء، وقعت عين المشركين على عين الصديق، قال: يا رسول الله لقد رأونا، قال:
(( يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي عن أنس بن مالك ]
ألم تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

( سورة الأعراف )



4 ـ النبي عليه الصلاة والسلام مطارد مهدور الدم:



ذهب إلى الطائف، ودعا أهلها، كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بإيذائه، وسال الدم الشريف من قدمه، وعاد إلى مكة، مكة أخرجته، مكة كفرت به، مكة تخلت عنه، لم يبقَ له أحد، إن صح التعبير أن للدعوة الإسلامية نهاية صغرى، ففي الطائف الخط البياني هبط إلى النهاية الصغرى، الآن يعود النبي إلى مكة، يسأله زيد: يا رسول الله، كيف ترجع إليها وقد أخرجتك ؟ ما لك أحد فيها، والله قال قولة تملأ القلب طمأنينة، قال:
(( إن الله ناصر نبيه ))،

ثقته بالله عجيبة.
هو في الهجرة هُدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، انتهى، يتبعه سراقة، يقول له: يا سراقة ـ دقق في كلام النبي ـ كيف بك إذا لبست سوار كسرى، معنى هذا الكلام أنني سأصل، وسأصل سالماً، وسأؤسس دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولة، وسأنتصر عليهما، وستأتيني غنائمها، ولك يا سراقة سوار كسرى، وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى، وسأل عمر عن سراقة، أعطاه سوار كسرى، وألبسه، وقال: بَخٍ بخٍ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى !






خاتمة:


أخطر شيء في حياتنا اليأس، أخطر شيء بحياتنا التطامن، أن تقول: انتهينا، ما انتهينا، أنت مع الله، والله عز وجل لا يتخلى عن عباده.

﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾

( سورة محمد )

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )
لذلك أفضل حالة أن تكون مع القوي، وأن تعتز بالقوي، وأن تعتز بالقاهر، وأن تعتز بالقهار، وأن تستمد قوتك منه، وأن تشعر بعزة وكرامة:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 140 )
لو أن الله عز وجل سلم الأرض للأقوياء فقط، للكفار ليئس المؤمنون، ولو سلمها للمؤمنين لنافق جميع الناس لهم:

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا ﴾
مرة بيد الأقوياء الكفار، ومرة بيد المؤمنين، ونصيبنا في هذه الحياة أننا في عصر القوة مع الطرف الآخر، فلنصبر، ونحتسب، والله عز وجل لن يضيعنا.




والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-06-2018, 01:51 PM   #27


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى






بسم الله الرحمن الرحيم



(21)




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( الأعلى ):





أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الأعلى ).



1 ـ ورودُ اسم ( الأعلى ) في القرآن والسنة:


أيها الإخوة، ورد هذا الاسم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة، قال تعالى:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾

( سورة الأعلى )



الفرقُ بين المطلَق والنسبيّ:



أريد أن أوضح لكم الفرق بين المطلق والنسبي:
قد نرى قاضياً أصدر ألف حكم، خمسة أحكام ليست عادلة، لكن بقية الأحكام عادلة، هو عندنا قاض عادل، لكن عدله نسبي، لكن إذا قلت: الله عز وجل عدلٌ، فعدله مطلق، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن يظلِمَ في ملكه مخلوقا، كمال الله مطلق، لكن المشكلة أحياناً أن الإنسان يحاول أن يبحث بعقله عن عدل الله، لا يمكن أن يدرك عدل الله بعقله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون له علم كعلم الله، لذلك نحن جميعاً في حياتنا آلاف القصص نعرف الفصل الأخير منها، هذه القصص التي نعرف الفصل الأخير منها ليست صالحة للنشر، لكن بحكم علاقتنا الحميمة أحيانا نطلع علي قصة من أول فصل إلى آخره تتضح عدالة الله المطلقة، أنت حينما تؤمن أن أسماء الله حسنى وصفاته فضلى، أيْ أن عدله مطلق، رحمته مطلقة، حكمته مطلقة.




2 ـ من لوازم ( الأعلى ) أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع لحكمة:


ولابد من توضيح الحقيقة بهذه العبارة، كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذا قلت: سبحان ربي الأعلى، إذا قرأت قوله تعالى:

﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾

( سورة الأعلى )
كل أسمائه كاملة كمالاً مطلقاً، أما نحن بني البشر فيمكن أن نصف إنسانا بالعدل، وفي بعض أحكامهم حكم ليس كما ينبغي، يمكن أن نصف إنسانا بالرحمة، وفي بعض تصرفاته تصرف ليس كما ينبغي، لكن الإله العظيم إذا وصفته بأنه عادل أو رحيم أو حكيم فأسماءه حسنى، بمعنى مطلقة.


3 ـ من لوازم ( الأعلى ) أن الله لا يغفل عن أعمال العباد:


لكن مثلا: الله عز وجل قال:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

( سورة إبراهيم)
أنت متى تنهى ؟ لو قلت لك: إياك أن تصل إلي الشمس، هذا كلام ليس له معنى إطلاقاً، لأنك لن تستطيع أن تصل إلي الشمس، لا يكون النهي نهيا حقيقيا إلا إذا كان بالإمكان أن يقع المنهي عنه، فقد أقول لك: لا تتأخر، يمكن أن تتأخر فأنهاك عن التأخر، لا تكذب، يمكن أن يكذب الإنسان فينهى الأب ابنه عن الكذب، فالنهي يعني أن المنهي عنه يمكن أن يقع، هذه الحقيقة الأولى.
إذا قال الله عز وجل:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

( سورة إبراهيم)
معنى ذلك أنه قد يبدو لبعض البشر أو لمعظم البشر اليوم، اليوم بذات أن الله غافل عما يعمل الظالمون، فلحكمة بالغة الإله العظيم له امتحان صعب، ونحن واقعون فيه، هذا الامتحان الصعب بأنْ يقوّي أعداءه، إلى أن يفعلوا ما يريدون فيما يبدو لقاصري النظر، إلى أن يقول ضعيف الإيمان: أين الله ؟ وقد قيل: أين الله.
تجد بلادا إسلامية مضطهدة، مسلوبة الإرادة، أمرها ليس بيدها، ليست كلمتها هي العليا، تعوم علي ثروات هائلة، لها موقع استراتيجي رائع، ومع ذلك حرب عالمية ثالثة معلنة علي هذا الدين في كل أنحاء الأرض، فالإنسان في ساعة ضعف قد يتوهم أن الله غافل، فيأتي الجواب:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾

( سورة إبراهيم)



4 ـ من لوازم ( الأعلى ) أنه منزَّه عن ظلم العباد:


لذلك أنا أنصح الإخوة الكرام ألا تتورط برواية قصة لا تعرف فصولها كلها، إن كنت تعرف الفصول كلها من أول فصل إلى آخر فصل فيجب أن يقشعر جلدك لعدل الله عز وجل، ولكن نحن نرى الظاهر، نرى إنسانا مضطهَدا، نرى إنسانا رزقه قليل، والله عز وجل يقول:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ (147) ﴾

( سورة النساء )
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلَم الإنسان بلا ذنب منه:
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى )

(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ))

[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
وحسن الظن بالله ثمنه الجنة، وضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
فيا أيها الإخوة، حينما تقول: سبح اسم ربك الأعلى معنى سبح يعني نزِّهه، معنى سبح مجِّد، فيجب أن تنفي عن الله عز وجل كل نقص متوهم، لذلك قالوا: الله واحد أحد، واحد ليس له شريك، وأحد ليس له مثيل، فكلمة أعلى كلّ شيء أعلى في حكمته، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، معنى بالحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة القصص )
هذه المصائب التي تترى على المقصرين، على المذنبين، على الشاردين، على الغافلين، لو أن الله عز وجل لم يضيق عليهم ولم يعالجهم لقالوا يوم القيامة:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة القصص )

الرسول هنا المصيبة:

﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة القصص )
أيْ مصيبة:
﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) ﴾

(سورة طه )





الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار الجزاء والخلود:




لذلك أيها الإخوة، حينما تحسن الظن بالله، وحينما تسبح الله، وحينما تمجد الله، وحينما تعلم علم اليقين أن أسماء الله حسنى، أي كاملة كمالا مطلقا ترتاح نفسك، وهذا هو الإيمان الصحيح، أما أن تقول: لا إله إلا الله، ولك اعتراضات لا تعد ولا تحصى علي تصرفات الله عز وجل، فليس هذا من الإيمان، والعوام لهم كلمات هي الكفر بعينه، يقول لك مثلا: الله يعطي الحلوى لمن ليس له أسنان، هذا الكلام ليس له معنى إطلاقاً، لأن الدنيا دار ابتلاء.
أيها الإخوة، ورد في بعض الآثار أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
أيها الإخوة الكرام، حياتنا الدنيا إذا قيست بالآخرة صفر، أوضح لكم ذلك:
مثلا: ضع الرقم (1) في الأرض، وأصفارا إلى الشمس، وكل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم، هل يمكن لعقل أن يستوعب هذا الرقم ؟ واحد في الأرض ومئة وستة وخمسة مليون كيلو متر من الأصفار، وكل ميليمتر صفر، هذا الرقم ضعه صورة لكسر، وضع مخرجه لا نهاية، القيمة صفر، هذا من بديهيات الرياضيات، أيّ رقم مهما كان كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، الآخرة لا نهاية.
طبعا الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، قال تعالى:


﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾

( سورة الإسراء)

قد تجد امرأةً تأتي من أقصى الدنيا كي تخدم في بيت لتأخذ أجرا يسيرا جداً كي تطعم أطفالها، من دون اليوم الآخر ينشأ عندك مليون سؤال، مليون مشكلة، لكن اليوم الآخر يومٌ أبديّ إلي ما شاء الله، لذلك الإنسان قد يخسر الحياة الدنيا، قد تكون حياة الإنسان متعبة، خشنة، دخله قليل، لكنه مستقيم، والذي طغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى علي الشبكية يعيش في بحبوحة كبيرة جداً، لكن العبرة في الدار الآخرة، لذلك سيدنا علي رضي الله عنه يقول: << الغنى والفقر بعد العرض على الله >>.






عدلُ الله مطلقٌ لا يشوبه ظلمٌ:





النقطة الدقيقة في بداية هذا الموضوع الدقيق أن أفعال البشر نسبية، وكمالهم نسبي، والإنسان في الأعم الأغلب حكيم، في الأعم الأغلب رحيم، في الأعم الأغلب عادل، لكن كمال الله مطلق، لا يمكن أن يظلم عصفورا في ملك الله من آدم إلي يوم القيامة، هذا الإيمان، لأن الله عز وجل قال:

﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ (17) ﴾

( سورة غافر)

﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) ﴾

( سورة الإسراء)
في نواة التمرة رأس مؤنّف كالإبرة تماماً، هذا اسمه نقير، وبين فلقتي النواة خيط، هذا اسمه الفتيل، وفي النواة غلالة رقيقة قشرة شفافة هذه هي القطمير.
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ﴾

( سورة النساء)
ولا قطميرا:
﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾

( سورة الأنبياء)
هذا اليقين بكمال الله يريح النفس، والإيمان شيء ثمين جداً، والمؤمن متوازن.
مثلاً: الله عز وجل قال:
﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) ﴾

( سورة الشورى)


أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ






هناك سؤال كبير: بيد مَن كانت الأمورُ حتى آلت إليه، الأمر بيد الله في الدنيا والآخرة، والآية متعلقة بالآخرة، لكن يبدو مِن صياغتها أن الأمر في الدنيا ليس بيد الله، ماذا قال علماء التفسير ؟ قالوا: هؤلاء الذين شردوا عن الله، هؤلاء الغافلون، هؤلاء ضعاف الإيمان يرون في الدنيا آلهة غير الله، يرون الأقوياء آلهة، يرون الطغاة آلهة، لكن المؤمن الحقيقي لا يرى في الدنيا مع الله أحداً، لا يرى فعّالاً إلا الله، لا يرى قهاراً إلا الله، لا يرى ناصراً إلا الله، لا يرى معطياً إلا الله، لا يرى رافعاً إلا الله، ولا خافضاً إلا الله، ولا معزاً إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
فلذلك الأعلى من أسماء الله الحسنى، فهو واحد أحد، واحد لا شريك له، أحد ليس كمثله شيء.




5 ـ من لوازم ( الأعلى ) كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ:


الله عز وجل قال:

﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ﴾

( سورة المؤمنون )
سمح لذاته العلية أن توازن مع مخلوقاته، وقد وصف الله بعض مخلوقاته مجازاً أنها خالقة، لكن الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء، بينما خالق البشر إذا خلق شيئاً يخلق كل شيء من لا شيء، وإذا صنع الإنسان شيئاً يصنعه من كل شيء، وعلى مثال سابق، بينما خالق البشر يصنع كل شيء من لا شيء ومن دون مثال سابق، فالله عز وجل سمح أن توازن ذاته العلية مع عباده كي تعرف الفرق.
أحيانا يصنعون كُليةً صناعية حجمها كحجم هذه الطاولة، يجب أن تستلقي إلي جانبها ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، وازن بين هذه الكلية الصناعية وبين الكلية الطبيعية، هذا العضو الذي لا صوت له يعمل بانتظام ليلاً نهاراً، وأنت مرتاح، وأنت نائم.
وازن بين آلة التصوير وبين هذه العين، آلة التصوير بالمليمتر مربع فيها أكثر من عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما العين ففي المليمتر مربع من الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، القرنية شفافة شفافية مطلقة، مع أن الغذاء يتم في كل أنسجة الجسم عن طريق الأوعية، إلا في القرنية فعن طريق الحلول:
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

( سورة المؤمنون )

نقطة دقيقة: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، في الخلق إعجاز، في خلق السماوات والأرض، في خلق الإنسان، في خلق الحيوان، في خلق الأطيار، في خلق الأسماك، النباتات شيء معجز، أيعقل أن يكون هذا الإعجاز في خلقه لا يقابله كمال في تصرفاته ؟ لذلك قالوا: هناك آيات كونية، وهناك آيات تكوينية، وهناك آيات قرآنية، الآية العلامة الدالة علي عظمة الله، فالآيات الكونية خَلقه، والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، لكن الأولى أن تبدأ بآياته الكونية، لأنها واضحة لا لبس فيها، جلية حاسمة ناطقة بكماله، أن تبدأ بآياته الكونية، وأن تثنّي بآياته القرآنية، وأن تؤخر التفكر في أفعاله بعد أن تتفكر في خلقه، وبعد أن تتدبر كلامه، خلقه وكلامه يلقيان ضوءًا علي أفعاله.
للمرة الأخيرة: لا يمكن أن ندرك عدل الله بعقولنا، لأن عقلنا قاصر، تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.






دائرة المحسوسات والمعقولات والإخباريات:





دائرة المحسوسات:

العقل البشري قاصر، وكنت أقول دائما: هناك دائرة اسمها دائرة المحسوسات، أداة اليقين فيها الحواس الخمس، ومع تقدم العلم واستطالاتها كالمراصد والمجاهر ومكبرات الصوت إلى آخره، الدائرة الأولي دائرة المحسوسات، وهي شيء ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها.




دائرة المعقولات:

أما الدائرة الثانية فهي دائرة المعقولات، هذه الدائرة شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداه اليقين في هذه الدائرة الثانية العقل، العقل مرتبط بالواقع، شيء غابت عنك عينه، طريق ترابي، رأيت آثار عجلات، تقول: لقد مرت سيارة على هذا الطريق يقيناً، ومن مسافة ما بين العجلتين تقدر حجم السيارة، ومن عرض العجلة تقدر مستواها، إذاً: أنت بآثار العجلات أيقنت أن هناك سيارة مرت، فالماء يدل علي الغدير، والأقدام تدل علي المسير، هذا اليقين الاستدلالي يقين عقلي، لكن في اليقين العقلي ذات الشيء غابت، وبقيت آثاره، لكن من دون آثار العقل لا عمل إطلاقاً.
أيها الإخوة، الله عز وجل لا تدركه الأبصار، ولكن تصل إليه العقول، لا أقول: تدركه، بل تصل إليه العقول، كما لو أنك تركب مركبة يمكن أن تقلّك إلى البحر، لكن لن تستطيع بهذه المركبة أن تخوض أمواج البحر، هذا اليقين الثاني، العقل مرتبط بالواقع، في الواقع قرص مدمج فيه سبعة آلاف كتاب، لو سألت إنسانا مات قبل خمسين عاما: هل تصدق أن في قرص سبعة آلاف كتاب ؟ مكتبة بأكملها بأربعة جدران ممتلئة بالكتب من الأرض إلي السقف في قرص صغير، وبنصوص مضبوطة بالشكل، وفيها بحث، وقد نبحث في كل هذه الكتب في ثلاث عشرة ثانية، شيء لا يصدق، لكن الآن هذا شيء واقع، العقل مرتبط بالواقع، أما لو سألت إنسانا: مات قبل خمسين عاما فإنه يتهم من يقول هذا الكلام بالجنون.
الدائرة الثانية: شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداة اليقين به العقل، الكون كله آثر من آثار الله عز وجل، الكون كله ينطق بوجود الله عز وجل ووحدانيته وكماله، الكون كله ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، هذا شيء واضح.




دائرة الإخباريات:

أما الدائرة الثالثة فهنا المشكلة، الدائرة الثالثة شيء غابت عينه، وغابت آثاره، لا أثر أبداً ليوم القيامة، لو جبت الأرض كلها هل ترى يوم القيامة ؟ هل ترى آثاره ؟ الجن، الملائكة، وعندك آلاف الموضوعات أخبرنا الله بها، أداة اليقين بهذه الدائرة الثالثة الخبر الصادق، لذلك حينما لا تخلط بين الدائرة الأولى والثانية والثالثة فهذه القضية حسية، هذه القضية عقلية، هذه القضية إخبارية، ترتاح وتنتظم الأمور، لذلك قضية اليوم الآخر دليلها إخبار الله لنا، الدنيا محسوسة، ترى المرأة الجميلة علي شبكية العين، وترى القصر الرائع علي شبكية العين، وترى الطعام الطيب على شبكية العين، وترى المركبة الفارهة على شبكية العين، ولكن الآخرة والجنة كلمات في القرآن الكريم:


﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) ﴾

( سورة الضحى )






الإيمان بالغيب شيء عظيم:





لذلك الإٍيمان بالغيب شيء عظيم جداً:

﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ﴾

( سورة البقرة)
البطولة أن تؤمن بالغيب.
أنت متجه إلي حمص، لك مبلغ ضخم في هذه المدينة، وخرجت من دمشق، فإذا لوحة كتب عليها في ظاهر المدينة: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في مدينة النبك، ترجع، لكن ما الذي دعاك إلى أن ترجع ؟ هذا النص، خمس كلمات غيرت اتجاه المركبة، لكن لو أن دابة تمشي على هذا الطريق أين تقف ؟ في حمص، ما الذي حكم هذه الدابة ؟ حكمها الواقع، ما الذي حكم الإنسان ؟ حكمه النص، هذا الإيمان بالغيب، الله أخبرك بجنة ونار وحساب:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

( سورة الحجر)





خاتمة:





هناك حساب دقيق، وتسوية حسابات بين البشر، لذلك ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما كركن الإيمان بالله واليوم الآخر.
إذًا:


﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾

( سورة الأعلى )
كماله مطلق، وكمال البشر نسبي، هو واحد أحد، واحد لا شريك له، وأحد لا مثيل له.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-06-2018, 01:53 PM   #28


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(22)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( الطيّب ):





أيها الإخوة، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم ( الطيب ).



1 ـ ورودُ اسم ( الطيِّب ) في السُّنة:


هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المطهرة، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا... ))

[ مسلم ]
وفي حديث آخر:

(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ... ))

[ الترمذي ]



2 ـ لابد للمؤمن أن يكون طيِّبًا:


النقطة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى لأنه ذاتٌ كاملة لا يتجلى على مخلوق أو على إنسان إلا إذا كان طيباً، لذلك بإمكانك أن تقف في الصلاة، وأن تركع، وأن تسجد، إن لم تكن طيباً فلن يتجلى الله عليك، ولا يلقي في قلبك النور، ولا يمنحك القرب، بينما الأقوياء ببساطة بالغة يمكن أن تتقرب إليهم برفع صورة لهم فرضاً، أو بكتاب، أو بثناء، أو بكلمة تلقيها في حضرته، تتقرب إليهم بهذه الطريقة، ولا يشترط بعدها أن تكون كاملاً، لكن الإله العظيم لا يقبلك إلا إذا كنت طيباً، لا يقبلك إلا إذا كنت ورعاً، لا يقبلك إلا إذا كنت طاهر السريرة، لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً.
لك أن تفعل كل شيء في الحقل الديني، أما أن تشعر بقرب من الله عز وجل، وأنت لست طيبا، بل فيك خبث واحتيال وكذب ودجل ونفاق، لن تستطيع أن تصل إليه إلا إذا كنت طيباً ورعاً مستقيماً طاهراً ملتزماً، لذلك الفرق صارخ بين أتباع الأنبياء وأتباع الأقوياء، أتباع الأنبياء كمَّلٌ، لأن الله لا يقبلهم إلا إذا كانوا كذلك، ولا يتجلى عليهم، ولا يمنحهم توفيقه، لا يمنحهم تأييده، ولا يمنحهم قربه إلا إن كانوا طيِّبين.
في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي ؟






المؤمنون أتباع الأنبياء:





النقطة الدقيقة للمرة الثانية: أن أتباع الأنبياء كمل، أتباع الأقوياء يرفعون شعارات، يرفعون صورا، يتكلمون بالمديح، لكنهم في علاقاتهم ليسوا كمّلاً، لذلك الفرق صارخ بين مؤمن وتابع لقوي أن المؤمن يتبع الأنبياء.
مرة ثانية، كالأب تماماً يطعم كل أولاده، و له ابن صالح مستقيم طاهر بار، ودّ الأب المودة لهذا الابن كبيرة، لكنه يطعم الكلَّ ويسقيهم.
الإنسان يأكل ويشرب، لكن أن تتصل بالله، أن تذوق طعم القرب منه، أن يلقي في قلبك نوراً، أن تكون مسدداً موفقاً مرشداً، هذا يحتاج إلى طهر:

(( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا... ))
النبي عليه الصلاة والسلام رأى تمرة على السرير كما في الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَحْتَ جَنْبِهِ تَمْرَةً مِنْ اللَّيْلِ فَأَكَلَهَا فَلَمْ يَنَمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ بَعْضُ نِسَائِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِقْتَ الْبَارِحَةَ، قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ تَحْتَ جَنْبِي تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا، وَكَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ ))

[ أحمد ]
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط.
أنت لا تعلم حينما تكون طيباً ماذا ينتظرك من الله عز وجل، التوفيق، النصر، التأييد، السكينة، السعادة، الرضى، أنت لا تعلم ماذا ينتظرك فيما لو كنت طيباً:

(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ))
أنت لست نبياً ولا رسولاً، ولكنك مأمور أن تتبع النبي في أخلاقه.
بين ممرض وجراح قلب لمسافة كبيرة جداً، لكن هذا الممرّض لو أراد أن يعطي حقنة فلابد من تعقيمها، هناك إجراءات لابد منها، لا فرق بين ممرض وطبيب جراح فيها:

(( وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ))
إن كانت هناك شهوة أغلى عليك من الله فالطريق إلى الله غير سالك، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

( سورة التوبة )
لأن
(( اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا... ))




3 ـ لن تقطف ثمار العبادات إلا إذا كنتَ طيِّبَ النفس:


النقطة الدقيقة للمرة الثالثة: بإمكانك أن تفعل كل شيء مادي، بإمكانك أن تذهب إلي الحج، وأن تصوم رمضان، وأن تصلي، إن لم تكن مستقيماً فلن تقطف ثمار هذه العبادات، لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، فهذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، هذا الذي يعتدي علي أعراض الناس، هذا الذي يقول كلاماً لا يرضي الله عز وجل ليس طيباً، لذلك لن يستطيع أن يقطف من ثمار العبادات شيئاً.
الفكرة دقيقة جداً، تريد القرب من الله، تريد أن تكون في عين الله، أن تكون في توفيق الله، و تكون في تأييد الله، أن ينصرك الله، أن تحيى حياة طيبة، تريد أن تكون متفوقاً عند الله، كن طيباً، لأن

(( اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا... ))
أتباع الأنبياء شيء، وأتباع الأقوياء شيء آخر، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأنبياء ملكوا القلوب، الأنبياء عاشوا للناس، أما الأقوياء فأخذوا ولم يعطوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، الأقوياء عاش الناس لهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فإن
(( اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا... ))
تريد أن تخطب وده كن طيباً، تريد أن تنال رضوانه كن طيباً، تريد أن يتجلى على قلبك كن طيباً، تريد أن تخشع في الصلاة كن طيباً تريد أن يقبل صيامك كن طيباً تريد أن يقبل حجك كن طيباً، هذه العبادات لا يمكن أن تقطف ثمارها إلا إذا كنت طيباً، لأن
(( اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ))

الطريق إلى الله عز وجل واضح، ومتاح لكل مؤمن، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

( سورة الكهف )
هذا مُتاحٌ، بإمكانك أن تكون أسعد الناس.
صدقوا أيها الإخوة، ولا أبالغ، لا يجتمع حزن مع إيمان بالله، معك سلاح الدعاء، أنت بالدعاء أقوى الأقوياء، معك جنة القرب.
كنت أقول دائماً عبر سؤال في الهاتف أقول للسائل: إذا عرفت الله كنت أكبر من أكبر مشكلة، فإن لم تعرفه فأنت أصغر من مشكلة.
فلذلك: " ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء "، يا رب، وماذا فَقَد من وجدك ؟ وماذا وجدك من فَقَدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك من معك ؟

(( اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))

يمكن أن يكون هذا الحديث الصحيح شعاراً لك في حياتك، في تجارتك، في سفرك، في بيعك، لذلك أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة.




4 ـ المؤمن الطيِّب ليس عنده ازدواجية الشخصية:


أعظمُ ما في المؤمن أن سريرته كعلانيته، وأن خلوته كجلوته، وأن باطنه كظاهره، ما عنده ازدواجية أبداً، لأنه طيب ما عنده أسرار أبداً، ما يفعله في البيت يفعله أمام الناس، ما يفعله أمام الناس يفعله في البيت، ما عنده شيء للاستهلاك الخارجي، وممارسة خاصة.
صدقوا أيها الإخوة الكرام، أن مرض انفصام الشخصية أحياناً يصيب معظم الناس بشكل مخيف، لا يسمى مريضا، لكن له موقفان، في بيته موقف ومع الناس موقف، مع الذين آمنوا له كلام، ما شاء الله، ما هذا الدرس، لكنْ مع الطرف الآخر يقول لك: كله دجل، له موقفان، كله دجل، موقف مع هؤلاء، قال تعالى:


﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) ﴾

( سورة البقرة )

المؤمن ليس عنده ازدواجية في الشخصية، سريرته كعلانيته، باطنه كظاهره خلوته كجلوته، لأنه طيب، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.




5 ـ معنى ( الطيِّب ):


طاب يطيب طيباً، تقول: ما أطيبه، أي ما أجمله، أي ما أزكاه، ما أنفسه، ما أحلاه، ما أجوده، شيء طيب وطعام طيب:

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ (157) ﴾

( سورة الأعراف )



6 ـ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ


كل شراب مسموح به، هناك مئة شراب الآن، حرم عليك الخمر فقط، كم نوعًا من اللحم مسموح به ؟ مئات الأنواع، حرم عليك لحم الخنزير، المحرمات بالنسبة إلى المحلّلات لا شيء:

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ (157) ﴾

( سورة الأعراف )
وكأن الطيب تطيب النفس به، إنسان اشتهى المرأة، فتزوج، في بيته محترم، هذه الشهوة يمكن أن يصل إليها من طريق مشروع، لأن ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، يقارب زوجته، ويصلي قيام الليل، ويبكي في الصلاة، لأنه وفق المنهج:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾

( سورة القصص)
المعنى المخالف: لو أنك اتبعت هواك وفق هدى الله فلا شيء عليك، أحببت المال اكسبه من طريق مشروع، تتزوج وتشتري بيتًا، تنجب أولادا تسعد بهم، تأكل طعامًا طيبًا من دخلٍ مشروع.
مرة ثانية، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلاله، لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً.
لكن أيها الإخوة، بالمناسبة تصور إنسانا جائعا جداً، وأمامه طعام من لحم مشويّ مع مقبّلات، طعام نفيس جداً، وطيب جداً، اللحم نفسه لو تركته في الهواء أياماً طويلة والجو حار يتفسخ، ويكون له رائحة لا تحتمل قد تخرج من جلدك منها.
قد تكون الدابة ميتة في الطريق، من كيلومترين اثنين تشمّ رائحة لا تحتمل، تذكر هذا المثل: قطعة لحم إن كانت طازجة مشوية وأنت جائع فهي أنفس طعام، وإن تفسخت لا تحتمل، لذلك قال تعالي:
﴿ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (100) ﴾

( سورة المائدة)
الكثرة لا تحيل الخبيث طيّباً، والكثرة لا تجعل المحرم حلالاً، وكثرة الباطل لا تجعله حقاً، فلا تَقُل: أنا مع مجموع الناس:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (116) ﴾

( سورة الأنعام )
كن مع الأقلية المؤمنة، كن مع الأقلية الملتزمة، كن مع الأقلية الوقافة عند كتاب الله، لذلك:
﴿ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (100) ﴾

( سورة المائدة)
هناك إنسان طيب طاهر صادق متواضع أمين، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، الله عز وجل قال:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) ﴾

( سورة آل عمران)



7 ـ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ


الله عز وجل عنده امتحانات، تكلم ما شئت، ادَّعِ ما شئت، لكن الله متكفل أن يجعلك في ظرف يكشف حقيقتك، هذا هو الابتلاء:

﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( سورة المؤمنون )
الإنسان يفتن:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

( سورة العنكبوت )

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) ﴾

( سورة آل عمران)

يقول الرجلُ لأمه: بعد أن أتزوج ستكون هذه الزوجة خادمة لك، خير إن شاء الله، بعد الزواج لا يتحمل أمه، ويقول لها: متى يريحنا الله منك ؟ بعدما تزوج كان كلامه السابق باطلا، الله عز وجل متكفل أن يحجمك، تكلم ما شئت، أعط نفسك أيّ مقام يضعك الله في ظرف يكشف حقيقتك، وهناك الآن ذهب من أربعة وعشرين قيراطًا، وواحد وعشرون، وثمانية عشر، وستة عشر، وهناك نحاس مطلي بالذهب، ونحاس، ومعدن خسيس، والناس معادن.




8 ـ ما صفاتُ البلدة الطيبة ؟


أيها الإخوة هناك أماكن طيبة، بلدة طيبة ورب غفور، ما صفات البلدة الطيبة ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ))

[ الترمذي ]
البلدة الطيبة التي يكون فيها أمراء طيبون أغنياء سمحاء، والأمر شورى بينهم.
الأعمال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (267) ﴾

(سورة البقرة)




9 ـ الأعمال والأقوال الطيبة:


هناك كسب طيب بتجارة مشروعة، وهناك نادٍ ليلي دخلُ صاحبِه كبيرٌ، وهناك ملهى وتجارة مخدرات ورشوة، ومكاسب كثيرة جداً لا ترضي الله عز وجل، الله عز وجل يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (267) ﴾

(سورة البقرة)
هناك كلام طيب وكلام خبيث:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (25) ﴾

(سورة إبراهيم)
أحيانا الكلمة تنتهي بالإنسان إلى طاعة الله وإلى التوبة، وإلى الصلح مع الله، فما من شيء أعظم عند الله من كلمة الحق، قل الحق ولا تخشَ في الله لومة لائم، وكلمة الحق لا تقطع رزقا، ولا تقرّب أجلاً، الكلمة الطيبة تطير في الآفاق، والكلمة الخبيثة تطير في الآفاق، لذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[ البخاري ]

مثلا: يقول لك كاتب: أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، هذه كلمة خبيثة تزهد الناس بمكارم الأخلاق، لكن أنت قوي، لأنك أخلاقي، وأخلاقي لأنك قوي، وليس هناك خُلق أساسه الضعف، بل تعفو عن مقدرة، وتعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وقد ورد: " أحِبّ الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد "، شاب في مقتبل العمر، وهو مستقيم وعفيف " أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، أحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، أبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، أبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد ".




10 ـ الأشياء الطيبة يوم القيامة:


الأشياء الطيبة في الآخرة:

﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ (12) ﴾

(سورة الصف)
والطيبات الأعمال الصالحة، الله عز وجل قال:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾

(سورة الكهف)

الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: الأعمال الصالحة، أو هي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذه من الطيبات.




11 ـ الله طيب في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعالِه وخَلقِه:


أيها الإخوة، الله جل جلاله طيب في ذاته، طيب في أسمائه وصفاته:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾

(سورة طه)
أسماءُه كلها حسنى:
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(11) ﴾

( سورة الشورى)
له ذات كاملة، والله طيب في خَلقه:
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ(88) ﴾

( سورة النمل)
في شبكية العين بالميليمتر مربع مئة مليون مستقبل ضوئي، وهذه آلة التصوير الاحترافية الرقمية أحدث آلة في المليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل، أما شبكية العين في المليمتر مئة مليون مستقبل:
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ(88) ﴾

( سورة النمل)

طيب في خلقه، طيب في أسمائه، وفي صفاته، وفي ذاته، وطيب في أفعاله، كل شيء وقع أراده، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
لكل واقع حكمة، ولو كان الموقِع مجرماً، قد يكون الموقع مجرماً، لكن لكل واقع حكمة، لمجرد أن الله سمح لهذا الذي وقع أن يقع إذًا هناك حكمة بالغة.
هو طيب في أفعاله، وفي خلقه، وفي صفاته، وأسمائه، وفي ذاته.




12 ـ معنى آخر من معاني الطيب:


المعنى الأخير: الله طيب، بمعنى أنه قدوس منزه عن النقائص والعيوب، وقد طيب الدنيا للموحدين:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً(97) ﴾

(سورة النحل)
وطيب الآخرة، فجعلها خالدة لروادها، الدنيا طيبة للموحدين، فألهمهم رشدهم، وأحياهم حياة طيبة، والآخرة طيبها، فجعلها إلى أبد الآبدين.




والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-07-2018, 09:23 AM   #29


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(23)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( الإله ):





أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم، هو: ( الإله ).



1 ـ ورود اسم ( الإله ) في القرآن الكريم والسنة النبوية:


فقد ورد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، قال تعالى:

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) ﴾

( سورة البقرة )
وقال تعالى:

﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ (73) ﴾

( سورة المائدة )



معنى السنة:



أما في السنة فلا بد من تمهيد:
تعريف سنة النبي عليه الصلاة والسلام: هي أقواله وأفعاله وإقراره، أيّ شيء قاله هو من السنة، وأيّ شيء فعله هو من السنة، فإذا سمع كلاماً وسكت عنه فهو من السنة، لأنه لا يمكن أن يسكت على خطأ، فإذا سكت معنى ذلك أنه أقره، والنبي عليه الصلاة والسلام نقل لأصحابه قول خبيب حينما قتل.
بالمناسبة، سئل خبيب قبل أن يقتل: أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت في أهلك وعافيتك ؟ فقال كلمة لا تنسى، قال: << والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، يعني الورود والأزهار، والبيت الواسع بالمقاييس المعاصرة، التكييف والطعام، ومركبة فارهة، والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة >>.
لذلك قال أبو سفيان: << ما رأيت أحد يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
أيها الإخوة الكرام، الإسلام هو الحب، فإذا ألغي الحب من الإسلام كان جثة هامدة، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، لأن الله سبحانه وتعالى بيّن في كتابه الكريم أن أساس العلاقة بين العباد وربهم علاقة حب:


﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) ﴾

( سورة المائدة )
فلذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام وحي يوحى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

( سورة النجم )
فلما قتل خبيب، قبل أن يقتل صلي ركعتين، وقال:

وَلَسْتُ أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمـــاً عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذاتِ الإِلَهِ وَإِن يَشـــأ يُبارِك عَلى أَوصالِ شِلوٍ مُــمَزَّعِ

وذلك في ذات الإله،من أجل الله عز وجل، لذلك:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) ﴾

( سورة الأنعام )
فالنبي عليه الصلاة والسلام نقل قول خبيب: << وذلك في ذات الإله >>، ولم يعترض عليه، إذن الإله بدليل السنة النبوية من أسماء الله الحسنى.
أيها الإخوة، في صحيح البخاري ورد الدعاء التالي:

((... اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ))

[ البخاري عن ابن عباس ]

فـ ( الإله ) من أسماء الله الحسنى بنص القرآن الكريم، وبإقرار النبي عليه أتم الصلاة والتسليم.




2 ـ معنى ( الإله ):


لكن أيها الإخوة، ما معنى ( الإله ) ؟
قال علماء اللغة: ( الإله ) اسم مفعول، ونحن لغتنا والحمد لله لغة راقية جداً، لغة تصريف، عندنا فعل، وعندنا مصدر، وعندنا فعل ماض، وفعل مضارع، وفعل أمر، واسم فاعل، واسم مفعول، واسم مكان، واسم زمان، واسم آلة، وصفة مشبهة باسم الفاعل، لغتنا مبنية على نظام الأُسَر.
مثلا: عرف، المعرفة مصدر،عرف، يعرف، عارف، معروف، اعرف عراف، فهناك جد وهناك أحفاد كثيرون.
للتقريب، أنت في اللغة الإنجليزية تقول: table طاولة، book كتاب، write يكتب، أما في اللغة العربية فتقول: مكتب وكتاب وكتابة، من أسرة واحدة، فـ ( الإله ) اسم مفعول بمعنى المألوه، والمألوه أي: المعبود محبةً وتعظيما.
أيها الإخوة، أصل الفعل ألِه يأله إلهةً، و( الإله ) هو الله، الآن كل ما اتخذ من دون الله معبودا هو إله عند من اتخذه، حينما تخضع لشيء، حينما تطيع شيئاً أو جهةً، حينما تستسلم لها، لو لم تسمِّها إلها فقد جعلتها إلهاً:


﴿ أفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 23 )

أيّ جهة تخضع لها، تستسلم لها، تحبها، تتفانى في طاعتها هي إلهك.




3 ـ أن يكون اللهُ إلهَك ومعبودَك:


ما البطولة ؟ أن يكون الله إلهك، لا أن تكون الشهوة إلهك، لا أن يكون قوي من أقوياء أهل الأرض إلهَك، لا أن يكون الشيطان إلهَك، لابد من جهة تخضع لها، إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم، لذلك البطولة أن تعبد الله، البطولة أن يكون الله جل جلاله إلهك، بمعنى تخضع له، تحبه، تتفانى في طاعته، هو مرجعك، هو الحكم.



4 ـ لا معبودَ بحقٍّ إلا الله:


أيها الإخوة الكرام، لا معبود بحق إلا الله، هذا معنى: ( لا إله إلا الله )، أي: ليس هناك في الكون جهة تستحق أن تعبدها إلا الله:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

( سورة البقرة )
من يستحق العبادة ؟ هو الخالق:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾

( سورة البقرة الآية: 21 )
من يستحق العبادة ؟ هو الرب، من هو الرب ؟ هو الممد، هو من يمدك بالهواء ؟ لو أن اجتماعاً على أعلى مستوى في الأرض ضمّ كل الدول، واتخذ قرار بإنزال الأمطار هل تنزل الأمطار ؟ الذي يمدك بالماء، بالهواء يمدك بالنبات، بالطعام والشراب:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾

( سورة البقرة الآية: 21 )
الخالق يُعبد، الرب يُعبد:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾

( سورة هود )
اعبد مَن إليه يرجع الأمر كله، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ))

[ أحمد ]



5 ـ عبادةُ الله علّةُ وجود الإنسان:


ذلك أيها الإخوة، أكاد أقول: إن العبادة علة وجودك في الدنيا، وهي علة واحدة.
للتوضيح: أرسلك والدك إلى بلد غربي لتنال رسالة دكتوراه، إلى باريس مثلاً، المدينة الكبيرة العملاقة الصاخبة، فيها مسارح، فيها ملاهي، فيها حدائق، فيها مكتبات، فيها أسواق، مدينة مترامية الأطراف، وأنت إنسان في هذه المدينة، لو سألناك: ما علة وجودك في هذه المدينة ؟ لك في هذه المدينة علة واحدة، سبب واحد لبقائك فيها، هدف واحد في هذه المدينة ؛ أن تنال الدكتوراه، ولذلك أخطر سؤال تسأله لنفسك: ما علة وجودي في الأرض ؟




إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى



الناس يتحركون:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) ﴾

( سورة الليل )
هذا يسعى لكسب المال، ثم يفاجأ أن المال ليس بشيء عند الموت.
جمع رجلٌ ثمانمئة مليون من القمار، وهو على فراش الموت شعر بالخطر، فطلب أحدا ممّن يعمل في الحقل الديني، هكذا قال بالضبط، قال: ماذا أفعل ؟ قال: والله لو أنفقتها كلها ما تنجو من عذاب الله:

﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) ﴾

( سورة الليل )

لكن يا ترى هل الحركة متوافقة مع الهدف ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟
هناك سؤال أيها الإخوة،هذا سؤال يتضح بالمثل التالي:
ذهب رجلٌ إلى باريس، ونام في الفندق، واستيقظ في صبيحة اليوم الأول، وسأل: إلى أين أذهب ؟ ما هذا السؤال ؟ نسأله نحن: لماذا أتيت إلى هنا ؟ إن أتيت طالباً فاذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن أتيت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات، وإن أتيت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات، متى يصح عملك في مكان ما ؟ إذا عرفت سر وجودك، وغاية وجودك، لذلك لا شيء يعلو في حياة الإنسان على معرفة سر وجوده، وغاية وجوده، وقد تجد إنسانا في أعلى درجات العقل يطلب العلم، يبحث عن عمل صالح يرقى به عند الله، يربي أولاده تربية صحيحة، يتعامل مع الناس وفق منهج الله، هذا عرف سر وجوده، وغاية وجوده، لذلك أنت كائن متحرك، ما الذي دفعك إلى الحركة ؟
هذه الطاولة لا تتحرك، ليس فيها شهوات، ولا تحِبّ طاولة ثانية أمامها، لا تأكل، ولا تشرب، ليس عندها طموحات، لو تركتها مئات السنين تبقى على ما هي عليه، أما أنت ـ أيها الإنسان ـ فكائن متحرك، لماذا ؟ لأن الله أودع فيك حب الطعام والشراب، أودع فيك حاجة إلى الجنس، فتتزوج، أودع فيك حاجة إلى تأكيد الذات، فالحاجات الأساسية، الحاجة إلى الطعام للحفاظ على فردك، والحاجة إلى الجنس للحفاظ على النوع، والحاجة إلى تأكيد الذات للحفاظ على الذِّكر، هذه الحاجات الثلاث تدفعك إلى الحركة، فأنت كائن متحرك، البطولة أن تكتشف ما إذا صحت حركتك أو لم تصح.
إن طالبًا عنده امتحان في آخر سنة، مادة أساسية، الامتحان مصيره يبني على نجاحه، وتعيينه في منصب، وتأمين الدخل، وشراء بيت، والزواج، التعيين وتأمين بيت والزواج مبني على نجاحه، عنده مادة أساسية أخيرة، وأصعب مادة، والامتحان بعد أيام، ما الحركة المناسبة له ؟ أن يقبع في البيت، وأن يقرأ الكتاب المقرر، لو أن أصدقائه الخلَّص أخذوه إلى مكان جميل مطلٍّ على البحر، والجبل فيه نبات أخضر، والطعام نفيس جداً، وهو يحبهم، جالس مع أصدقاء يحبهم، والمكان جميل، والطعام طيب، لماذا يشعر بانقباض شديد ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع الهدف القريب.




السعادة في توافق الحركة مع الهدف:



إذاً: السؤل الثاني: أنت متى تسعد ؟ تسعد إذا جاءت حركتك متوافقة مع هدفك.
اسأل تاجرا لا بيع ولا شراء عنده، وهو جالس طول النهار في المحل، هاتوا شاي، هاتوا قهوة، هاتوا مجلة، هاتوا جريدة، تجده مسموم البدن، مع أنه مرتاح، الراحة لا تتناسب مع هدف المحل التجاري، أما لما ينسى أن يتغدى من كثرة البيع فهو أسعد إنسان، ما يجلس دقيقة، من محل لمحل، فلما يكون البيع شديدا يكون معه تعب شديد، ويكون التاجر في أسعد لحظاته، ولما يكون في راحة تامة واسترخاء، وضيافة مستمرة، وأصدقاء وصحف ومجلات، تجده في أتعس حالاته.
متى تسعد ؟ إذا جاءت حركتك موافقة لهدفك، ومتى تشقى ؟ إذا جاءت الحركة ليست موافقة لهدفك.
الآن السؤال: علة وجودنا على وجه الأرض الوحيدة أن نعبده، الدليل:


﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

( سورة الذاريات )
ما العبادة ؟ بتعريف مختصر، غاية الخضوع لله، وغاية الحب، بالتعريف المفصل: هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
لا بد من أن تعرفه حتى تعبده، لذلك أكبر جزء من دينك طلب العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم.
العلة الوحيدة من وجودك على وجه الأرض بنص كتاب خالق السماوات والأرض أن تعبده، من هو الخاسر ؟

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

( سورة الكهف )



أنت إنسان ضعيف:



الإنسان يقول لك: أنا، أنت حياتك متوقفة على قدر شريانك التاجي، ميليمتر وربع، فإذا ضاق هذا الشريان دخلت في متاعب لا يعلمها إلا الله، أول شيء تحتاج إلى قسطرة، ثم يخيرونك بين زرع شريان أم ( استاند ) ؟ يحتار، يسأل أول طبيب، والثاني، أيهما أفضل ؟ أيهما أدوم ؟ أيهما أصح ؟ أيهما أسلم ؟ وكل مكانتك، وكل حيويتك، وكل نشاطك وهيمنتك، و شخصيتك وحجمك المالي متوقف على سيولة الدم، فإذا تجمد الدم في أي مكان في الدماغ حدث شلل، ومع الشلل ثبات، وهذا الذي لا زال حياً من ثلاث سنوات، وأمد الله في عمره، والذي هدم سبعين ألف بيت في غزة لا يزال حياً حتى الآن، عنده ثبات، الله كبير، فأنت وهيمنتك وعظمتك، وحجمك المالي ومكانتك تتوقف هذه المكانة على شيء ثالث، على انضباط نمو الخلايا، فإذا نمت نمواً عشوائياً فهذا المرض الذي حير أهل الأرض يصيب الكبار والصغار، والشباب والأطفال، والنساء والشيوخ، والأقوياء والضعفاء، يصيب كل المخلوقات، حتى الآن ليس له دواء، ورم خبيث وانتهى بالموت.
مرة كنت عند طبيب قلب فجاءه اتصال هاتفي، يقول صاحبه: أيّ مكان في العالم، أيّ مبلغ مؤمَّن، قال: لا أمل، بلغ المرض الدرجة الخامسة.
فلذلك علة وجودك الوحيدة أن تعبد الله، إذاً: ليس هناك من جهة في الكون تستحق أن تعبدها إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، معنى لا إله إلا الله، الإله المعبود، أله يأله إلاهةً، ( الإله ) هو الله الذي يستحق أن تعبده:


﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ﴾

( سورة المدثر)



العبادة الشعائرية تصح بصحة العبادة التعاملية:



لكن بعد أن شرحت معنى العبادة عندنا أنواع للعبادة:
عندنا عبادة شعائرية، كالصلاة والصوم والحج، وعندنا عبادة تعاملية، الفكرة الخطيرة أن العبادة الشعائرية لا تصح، ولا تُقبَل إلا إذا صحت العبادة التعاملية، وتركُ دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام.


1 ـ الصلاة:
النبي عليه الصلاة والسلام سأل أصحابه:


(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ ابن ماجه عن ثوبان ]
هذه الصلاة.
2 ـ الصيام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالعَطَشُ ))

3 ـ الحج:

(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))

[ ورد في الأثر ]

4 ـ الزكاة:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)﴾

5 ـ النطق بالشهادة:

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم، وفي سند الحديث مقال كبير ]





خاتمة:





علة وجودنا في الأرض أن نعبده، وإذا ربحنا الأبد نكون قد ربحنا الربح الحقيقي:

﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 185 )
قائد القوات الإسلامية في دمشق أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، فإذا بيته هو غرفة، وعلى الأرض جلد غزال، وقِدر مغطاة برغيف خبز، وسيفه معلق، قالوا: ما هذا ؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل ؟
ما مِن إنسان له قريب ساكن بأرقى أحياء دمشق، وتوفى، وذهب إلى التعزية، إلا ويقول في نفسه: مَن صمم هذه التزينات ؟ من اشتري هذه الثريات ؟ من اشتري هذا السجاد ؟ أين هو الآن ؟ إنها موعظة كبيرة جداً، والموعظة الأشد أنه ما من نعي إلا كتب عليه: وسيشيع إلى مثواه الأخير، فالمثوى الذي نعيشه الآن مثوىً مؤقت، اعتن به ما شئت، لابد من تركه، وأيّ إنسان ساكن في بيت في يوم من الأيام يخرج منه أفقيا مرة واحدة ؟ ولن يَعُود، ووالله ما رأيت على وجه الأرض أعقل ولا أذكى ولا أكثر نجاحاً وتفوقاً وفلاحاً ممن أعدّ لهذه اللحظة التي لابد منها.
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلابد من ونزول القبر.

و كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمـــــول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة فاعلم بأنك بعدهــا محمـــــول
***

ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى: " يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
***

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ))

[ الترمذي ]

" وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدمه، وقطعت أسباب السماء بين يديه "
أيها الإخوة، تفكُّرُ لحظة واحدة ينقلك من الضياع إلى الوجدان.




والحمد لله رب العالمين





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 02-07-2018, 09:25 AM   #30


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أسماء الله الحسنى





بسم الله الرحمن الرحيم




(24)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





من أسماء الله الحسنى: ( المليك ):


أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، واليوم مع اسم ( المليك ).



1 ـ ورودُ اسم ( المليك ) في القرآن الكريم والسنة النبوية:


هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾

( سورة القمر )




العلم والعمل مقياسان شرعيان لتقييم الناس:




أيها الإخوة، البشر لهم مقاييس، يكبرون الغني، يكبرون القوي، يكبرون الوسيم، يكبرون الذكي، لكن خالق البشر من خلال القرآن الكريم يتعمد قيمة العلم، وقيمة العمل، قال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة الزمر الآية: 9 )

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

( سورة المجادلة الآية: 11 )

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 123 )
فالقرآن الكريم من عند الخالق العظيم، اعتمد قيمة العلم والعمل، بينما أهل الدنيا اعتمدوا القوة والمال، والوسامة والذكاء، والبطولة أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس القرآن، لا وفق مقاييس البشر، لذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ رواه مسلم ]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ رواه الترمذي ]
فالبطولة أن تكون صاحبَ:

﴿ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾

لا أن تكون لك مكانة عند أهل الأرض وأنت لا ترضي الله، البطولة أن تكون لك مكانة عند ( المليك ) المقتدر.




مَن هو الوليُّ:




فلذلك من أدق تعريفات الولي في القرآن الكريم تعريف بسيط.
بالمناسبة، ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، تعريف الولي في القرآن الكريم:


﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾

( سورة يونس )
فقط.
سيدنا سعد بن أبي وقاص كان خال النبي، وكان عليه الصلاة والسلام يحبه كثيراً ويداعبه، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ ))

[ الترمذي ]
وما فدى أحداً من أصحابه كما فدى سعد ابن أبي وقاص، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ:

(( يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))

[ متفق عليه ]
ومع ذلك قال له سيدنا عمر بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخَلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له >>.
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

( سورة الحجرات الآية: 13 )
فالمعنى الأول من اسم ( المليك ) أن يكون لك عند هذا الإله العظيم ( المليك ) مقعد صدق:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾
وقد ورد أيضاً في السنة الصحيحة حيث أن أبا بكر رضي الله عنه، قال: يا رسول الله مُرني بشيء أقوله إذا أصبحت، قال:

(( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ. قالَ: قُلْها إذَا أصْبَحْتَ، وَإذَا أمْسَيْتَ، وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ))

[ رواه الترمذي ]

إذاً: ورد هذا الاسم في القرآن وفي السنة.
كتعليق على هذا الحديث، ورد من بعض أقول العلماء: لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده أحياناً، مؤمن لكنه يحسده، ومن منافق يبغضه، ومن كافر يقاتله، ومن شيطان يغويه، ومن نفس ترديه، هذه حقيقة، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، ووطن نفسك أنه لا بد من أن يكون للحق من يعارضه، هذا شيء طبيعي جداً.




2 ـ معنى ( المليك ):


أيها الإخوة، الملك الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، إنسان مالك لأرضٍ، وإنسان ملِك، هذه الأرض لا يملكها الملك، لكن يحكمها، ومالك هذه الأرض لا يحكم، لكن الله جل جلاله ملك ومالك، يملك ويحكم، والمُلك في الدنيا والملكوت في الآخرة، المُلك في عالم الشهادة، والملكوت في عالم الغيب، والله جل جلاله مالك المُلك والملكوت.



3 ـ الله مالك كل شيء خَلقًا وتصرُّفًا ومصيرًا:


و( المليك ) ملِك ومالك، وصاحب الملك والملكوت، و( المليك ) ـ دققوا الآن ـ يملك كل شيء، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً.
للتوضيح: قد تملك المنفعة، ولا تملك الرقبة، وقد تملك الرقبة، ولا تملك المنفعة، وقد تملكهما معاً، ولا تملك المصير، لكن:


﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )
الله جل جلاله يملك كل شيء خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً.
معمل طائرات حربية يصنع طائرة، صنعها وباعها، الآن أمرها بيد مَن ؟ بيد من اشتراها، فقد تقصف بلاداً لا يرضى صانع الطائرة أن تُقصف، لكنها خرجت من يديه.
لكن ولله المثل الأعلى:

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر )
يملك ويحكم.
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾

( سورة الأعراف الآية: 54 )
قد تصنع طائرة، وقد تأتمر بأمرك، ولكن قد تفاجَأ بأنها سقطت، لا تملك مصيرها، هذا للتوضيح.
الله عز وجل مالك المُلك والملكوت، ملك ومالك، مالك كل شيء خَلقاً وتصرفاً ومصيراً.
( المليك ) أيها الإخوة، صيغة مبالغة، والقاعدة الثابتة أن الأسماء الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة تعني الكم والنوع معاً، أعلى درجات الملك، ويملك الله كل شيء، إن الله يرى دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
هذه الصيغة ( المليك ) تدل على كمال الملكية، كمال الملكية ودوامها أزلاً وأبداً.
الآن الله عز وجل مليك، بمعنى أنه مالك لكل شيء يُملّك، يملك الحياة، فهو الذي يهب الحياة، وهو الذي يأخذها.
هناك قصة: طائرة على ارتفاع 43 ألف قدم، تطير فوق جبال الألب، حصل فيها انفجار فانشطرت شطرين، وقع أحد ركابها من مكان الشطر، وقع من ارتفاع 43 ألف قدم نزل فوق غابة كبيرة من غابات جبال الألب، فوق هذه الغابة خمسة أمتار من الثلج وأغصان الأشجار كانت ماصة للصدمة، فنزل واقفاً، لأن الله يملك الحياة، بالمقاييس الأرضية مستحيل لإنسان يقع من ارتفاع 43 ألف قدم أن يبقى حياً.
وهناك قصة أخرى قبل عشر سنوات تقريباً: تحطمت نافذة طائرة، وكان إلى جانب هذه النافذة امرأة من باكستان معها ولدان صغيران، فخرجا من نافذة الطائرة، والطائرة مضغوطة 8 أمثال حاجتها من الهواء، طبعاً الموت محقق على ارتفاع خمسين ألف قدم، الطائرة تتجه إلى باكستان من السعودية، الشيء الذي لا يصدق أن الطفلين بقيا حيّين، لأنهما سقطا إلى جانب صياد، فرأى شيئاً من السماء يسقط، تتبع الشيء فإذ هما طفلان، أخذهما إلى القارب وأبلغ السلطات، وبلغت السفارة في باكستان، وجاءت الأم وأخذت ولديها.
الله عز وجل واهب الحياة، وهو الذي يأخذ الحياة بأقلّ سبب، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى في مثل هذا.
قد يتمتع الرجل بأعلى درجات الصحة، ولا يشكو من شيء، في ثانية واحدة يصبح خبراً على الجدران، فلذلك الله مالك الحياة، ومالك الرزق.

وَلَو كانَتِ الأَرزاقُ تَجري عَلى الحِجا هَلَكنَ إِذَن مِن جَهلِهِنَّ البَهائِــــمُ
***

إنسان يتمتع بأعلى درجات الذكاء ورزقه محدود جداً، وإنسان أقل ذكاء منه بكثير له رزق وفير، فالله مالك الحياة، مالك الرزق، مالك السمع والبصر والقوة، ومن أدق أدعية النبي عليه الصلاة والسلام أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ:

(( اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا ))

[ الترمذي ]
من تكريم الله للإنسان أن يمتعه بسمعه وبصره، وعقله وقوته ما دام حياً، من يملك نمو الخلايا ؟ إذا نَمت الخلايا نمواً عشوائياً ينتهي الإنسان، ورم الخبيث يصيب كل الأعمار، ويصيب كل أجزاء الجسم، في الدماغ، في الجلد، في الجهاز الهضمي، في الغدد الليمفاوية، مَن يملك نمو الخلايا ؟ الله جل جلاله، من يملك الشرايين ؟ من يملك مرونتها ؟ الله جل جلاله، مَن يملك سيولة الدم ؟ الله جل جلاله، مَن يملك من حولك ؟ الله جل جلاله، مَن يملك مَن فوقك ؟ الله جل جلاله، مَن يملك مَن دونك ؟ الله جل جلاله، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
الإنسان لضعف إيمانه ولجهله يتوهم أنه يفعل ما يشاء، لكن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

( سورة الأعراف )
يعني أنت في قبضة الله، ولو كنت قوياً، ولو كنت غنياً.
إن أخًا أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، قال كلمة خطيرة، قال: الدراهم مراهم، تحل بها كل المشكلات، فأدّبه الله بأن أدخله السجن المنفرد، وبقي فيها 67 يوماً، وفي كل يوم يقول: الدراهم مراهم ؟! لن تحل هذه المشكلة بالمال.
فلذلك الإنسان إذا عرف من اسم ( المليك ) أن بيده كل شيء، بيده حواسك، بيده نشاطك وقدرتك، بيده زوجتك، بيده أولادك، إذا رضي الله عنك خدمك عدوك، وإذا غضب عليك تطاول أقرب الناس إليك.
بالمناسبة، المكانة صفة في الأجسام عبر عنها العلماء بأنها مقاومة قوى الشدة، والفولاذ المضفور أمتن عنصر في الأرض، لذلك الجسور المعلقة، و( التلفريك )، والمصاعد تستخدم الفولاذ المضفور، أما القساوة ومقاومة قوى الضغط فأقسى عنصر هو الماس، لذلك الحفارات تستخدم رؤوس من الماس.
الآن لماذا جاءت هذه الآية ؟
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
الإنسان مربوط بحبل مهما كان قوياً لا ينقطع، مهما كان غنياً لا ينقطع، في أية لحظة هو في قبضة الله، هذا شعور المؤمن.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 26 )
القوة بيده، السمع بيده، البصر بيده، العقل بيده، الشريان التاجي بيده، سيولة الدم بيده، نمو الخلايا بيده، الكبد، القلب، الكليتان، فشل كلوي، تشمع كبد، هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 26 )

وهو ( المليك ).




4 ـ مِن لوازم المليك أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع:


لكن الآن نحتاج إلى حقيقة خطيرة كي ينسجم الإيمان مع ما يحدث، كي ينسجم الإيمان بأن الله مليك يملك كل شيء مع ما يحدث، هناك مقولة رائعة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، لأنه لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، بل لكل واقع حكمة، ولو كان الموقِع مجرماً، هذا الإيمان، لكل واقع حكمة، ولو كان الموقع مجرماً، ما دام قد سمح الله بوقوعه فلابد من حكمة، عرفها مَن عرفها، وجهلها مَن جهلها.



ليس هناك شرٌّ مطلَق في الكون:




لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، اطمئنوا، الشر من أجل الشر، لا وجود له في الكون، هناك شر نسبي موظف للخير المطلق، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود إله عظيم حكيم عليم رحيم، فعال لما يريد، أو بشر مطلق، والله عز وجل يوظف شر الإنسان للخير المطلق.
كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
إذاً: الآن النتيجة، كل شيء وقع مع أنه على الشبكية نتوهم أن فلانا وقع هذا القرار، وفلانا غزا هذه البلاد، وفلانا اتخذ قراراً بإعلان الحرب، كنتيجة توحيدية كل شيء وقع وقع ضمن خطة الله، بل إن خطة الله استوعبت خطة القوي الظالم.
مرة سألوا تيمور لنك: من أنت ؟ سبحانك يا رب ! أجاب إجابة رائعة، قال: أنا غضب الرب، فحينما يغضب الإنسان قد يضرب، وقد يكسر، وقد يصيح، وقد يشتم، فإذا غضب الله عز وجل يبعث تيمور لنك، سُئل: من أنت ؟ قال: غضب الرب، الدليل القرآني:


﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

( سورة القصص )
الآن توظيف الشر النسبي من الطغاة والظلام للخير المطلق.
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

( سورة القصص )
هذه سياسة الله، وأسأل الله أن تكون هذه الهجمة الشرسة على من هذا القبيل:

﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾






خاتمة:


إخوتنا الكرام، ابتلي المسلمون برجل بطاش في العصور السابقة، فجاء نفر من علية القوم إلى الإمام الحسن البصري، والإمام الحسن البصري والله له كلمة تكتب بماء الذهب، لما كان عند والي البصرة، وجاء توجيه من يزيد إنْ نفذه أغضب الله، وإن لم ينفذه أغضب يزيد فعزله، قال له: ماذا أفعل ؟ فقال له الحسن البصري: " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله "، هذه مقولة تكتب بماء الذهب، " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله "، فهذا النفر جاء إلى الحسن البصري يشكون له هذا الجبار القاسي العنيف، ماذا ينبغي أن يفعل، أو ماذا ينبغي أن يفعلوه معه، فقال: " تعلمون رأيي فيه ؟ قالوا: لهذا أتيناك قال: لا تخرجوا عليه، لأن ظلم القوي هي نقمة الرب، وإن نقم الله عز وجل لا تدفع بالسيوف وحدها، بل تدفع بالتوبة والإنابة أولاً، ثم إعداد القوة ثانياً.
كما فعل صلاح الدين الأيوبي، حينما أزال كل المنكرات، وعلّم الأجيال العقيدة الصحيحة، والاستقامة التامة، وبعدها واجه الغرب، فلابد من دولة وأوبة وعودة، وإقبال وصلح مع الله أولاً، ثم لا بد من إعداد العدة المتاحة، والقوة المتاحة، عندئذٍ يكون نصر الله عز وجل.
قال الحسن: " وإنها إن عولجت بالسيوف وحدها من دون إنابة إلى الله كانت الفتنة أقطع من السيوف "، كما ترون فيما يجري حولنا.







والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
أسماء, الله, الحسنى


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
متجدد ..أسماء الله الحسنى ومعانيها..~ منال نور الهدى رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 45 06-29-2022 09:36 AM
اسماء الله الحسنى 2008 م السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 204 09-03-2018 01:22 PM
معرض أسماء الله الحسنى منال نور الهدى رِيَاضُ الصُوَر المَنْقُولَة 3 11-05-2014 11:25 PM
أسماء الله الحسنى: "الجبار" منال نور الهدى رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية 3 02-27-2013 03:13 AM
من أسماء الله الحسنى :"المبين .".الشيخ محمد راتب النابلسي منال نور الهدى رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية 5 02-27-2013 03:03 AM


الساعة الآن 10:29 AM