منتديات رياض الأنس - عرض مشاركة واحدة - ملوك الرياضيات في الدولة الاسلامية بالقرون الهجرية الاولى

09-02-2015, 12:44 PM

شتهرت مدن عربية عديدة بالمكتبات والمراكز العلمية والثقافية المختصة. ففي بغداد مثلا، أسس الخليفة المأمون مركزا للبحوث والترجمة دُعي "بيت الحكمة". وكان بين العاملين فيه علماء يتقاضون رواتب ثابتة. ويقال ان اهم مكتبة في القاهرة ضمت اكثر من مليون مجلد. وفي الفترة نفسها، وصل عدد المكتبات في قرطبة الى 70 مكتبة. واستقطبت العلماء والطلاب من جميع انحاء الدولة الاسلامية الممتدة من اسبانيا الى الهند. فظلت هذه المدينة مركزا ثقافيا رائدا طوال اكثر من قرنين.

وشهدت الهند تفاعلا في علم الرياضيات، فالعلماء الهنود كانوا قد طورا نظاما يستخدم الصفر والترميز الموضعي. وفي هذا النظام، يكتسب كل رقم قيمة مختلفة بحسب مرتبته وطريقة استخدام الصفر. لذلك يمكن ان يعني الرقم (1) مثلا 1 أو 10 أو 100 وهلم جرا. وهذا النظام "لم يسهل العمليات الحسابية على انواعها فحسب، بل فتح الطريق الى تطوير علم الجبر"، كما يذكر بول لونديه. كما ان العلماء العرب خطوا خطوات واسعة في مجال الملاحة وعلمّي الهندسة والمثلثات.

ان العصر الذهبي الذي بلغته الدولة الاسلامية في مجالي العلوم والرياضيات يتباين مع الجمود الفكري الذي عاشته سائر البلدان الاخرى. صحيح ان جهودا مماثلة بُذلت في اوروبا، وخاصة في الاديرة، لحفظ مؤلفات المفكرين القدامى، الا ان النتاج الاوروبي لم يضاهِ نتاج الدولة الاسلامية. لكن لم يمضِ وقت طويل حتى هبت رياح التغيير. ففي القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، بدأت ترجمات لمؤلفات باللغة العربية تتسرب الى الغرب. ومع الوقت، تدفقت هذه المؤلفات ممهدة السبيل للنهضة العلمية الاوروبية.

. ابو عبد الله الخوارزمي: وُلد سنة 164هـ/ 778م في مدينة خوارزم التي تقع اليوم في اوزبكستان. يعتبر من اوائل علماء الرياضيات المسلمين حيث ساهمت أعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات في عصره، ويعتبر ايضا مؤسس علم الجبر. اتصل بالخليفة العباسي المأمون وعمل في بيت الحكمة وكسب ثقة الخليفة إذ ولاه المأمون بيت الحكمة كما عهد إليه برسم خارطة للأرض عمل فيها أكثر من 70 جغرافيا. ترك هذا المفكر الكبير العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا من أهمها كتاب "الجبر والمقابلة" الذي يعد أهم كتبه وقد ترجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية في سنة 529هـ وقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر والصفر إلى اللغات اللاتينية. كما ضمت مؤلفات الخوارزمي كتاب الجمع والتفريق في الحساب الهندي، وكتاب رسم الربع المعمور، وكتاب تقويم البلدان، وكتاب العمل بالأسطرلاب، وكتاب "صورة الأرض " الذي اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات، وأعاد كتابة كتاب الفلك الهندي المعروف باسم "السند هند الكبير" الذي ترجم إلى العربية في عهد الخليفة ابو جعفر المنصور فأعاد الخوارزمي كتابته وأضاف إليه وسمي كتابه "السند هند الصغير". وقد عرض في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية.

. ثابت بن قرة: وُلد سنة 221هـ/836م في مدينة حران التي تقع اليوم في تركيا. اشتهر بعمله في الفلك والرياضيات والهندسة وهو أول من توصل لحساب طول السنة الشمسية حيث حددها بنحو 365 يوما و6 ساعات و9 دقائق و12 ثانية (أي انه اخطأ بثانيتين فقط). له كتاب في الأعداد المتحابة، كتاب في قطع الأسطوانة، كتاب في أعمال ومسائل إذا وقع خط مستقيم على خطين، كتاب في المثلث القائم الزوايا، كتاب في الشكل القطاع، كتاب في التصرف في أشكال القياس، كتاب في مقدمات إقليدس، كتاب في أشكال إقليدس، كتاب في أشكال المجسطي، كتاب في استخراج المسائل الهندسية، رسالة الحجة المنسوبة إلى سقراط، مقالة في عمل شكل مجس ذي أربع عشرة قاعدة تحيط به كرة معلومة، كتاب في وصف القرص، كتاب المدخل إلى المنطق، كتاب في المربع وقطره، كتاب في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال، جوامع كتاب نيقوماخس في الأرثماطيقي، كتاب في قطع المخروط المكافي، كتاب في مساحة الأجسام المكافية، كتاب في أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل المقياس، مقالة في الهندسة ألفها لإسماعيل ابن بلبل، جوامع كتاب الأعضاء الالمة لجالينوس، كتاب في النسبة المؤلفة، رسالة في العدد الوفق، كتاب في مساحة قطع الخطوط، مقالة في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية، إصلاحه للمقالة الأولى من كتاب أبلونيوس في قطع النسب المحدودة، مختصر في علم الهندسة، وغيرها من الكُتب الكثيرة. ولما مات هذا المُفكر الكبير في سنة 288هـ رثاه أبو أحمد يحيى بن المنجم النديم بأبيات شعرية، منها:‏

ألا كل شيء ما خلا الّله مائت
ومن يغترب يرجى ومن مات فائت

أرى من مضى عنا وخيم عندنا
كسفر ثووا أرضاً فسار وبائت

نعينا العلوم الفلسفيات كلها
خبا نورها إذ قيل قد مات ثابت

وأصبح أهلوها حيارى لفقده
وزال به ركن من العلم ثابت

. أبو علي بن الهيثم: وُلد سنة 354هـ/ 965م في مدينة البصرة. أعتمدَ هذا العالم المُسلم الكبير في الرياضيات على أعمال إقليدس وثابت بن قرة. فقد وضع نظامًا للقطع المخروطي ونظرية الأعداد، والتي تعتبر من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، وربط بين الجبر والهندسة، وهو ما استفاد منه رينيه ديكارت في تطوير الهندسة التحليلية وإسحاق نيوتن في التفاضل والتكامل. ولم يقتصر عمله على الرياضيات،‏ بل له اسهامات كبيرة في البصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي الدقيق.

. مسلمة المجريطي: وُلد سنة 398هـ/ 1008م في مدينة مجريط (تعرف اليوم بمدريد). عرف بإمام الرياضيين في الأندلس انتشرت شهرته كعالم رياضيات في الاندلس وعالم كيمياء في المشرق. ترك أبحاثا قيمة في مختلف فروع الرياضيات كالحساب والهندسة، اضافة الى كتاب "غاية الحكيم" الذي ترجم بأمر من الملك ألفونسو إلى اللغة اللاتينية تحت عنوان (Picatrix). وهو كتاب موسوعي احتوي على مقالات في تاريخ الحضارة في أقدم عصورها ومستنبطات من تواريخ الأمم الشرقية، كما يحتوى على مقالات في العلوم مثل الكيمياء والفلك والحيل والرياضيات.