الموضوع: اعلام الائمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-21-2018, 01:22 PM   #23


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: اعلام الائمة



بسم الله الرحمن الرحيم

اعلام الائمة

الدرس : ( الحادى و العشرون )


الموضوع : عبدالله المحض







عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي ابن سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أبومحمد الهاشمي المدني الملقب بالمحض لأنه أول مولد يولد لأبوين طالبيين من آل البيت، حيث يلتقي فيه الفرع الحسني متمثلاً في أبيه، بالفرع الحسيني متمثلاً في أمه فاطمة بنت الحسين. ولقب أيضاً بالكامل لكامل شبهه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم


تابعي جليل من الطبقة الخامسة وشيخ الطالبيين في زمانه والمقدم فيهم.
ولد في عام 70 هجرية، وذكرت بعض التراجم أن ولادته كانت في منزل جدته فاطمة بنت سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.
روى عن أمه فاطمة بنت الحسين وعن أبيه وعبدالله بن جعفر، وأبي بكربن حزم، وعبدالرحمن بن الأعرج وعكرمة وعمه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله (وهو كما ذكرت سابقاً أخو الحسن المثنى لأمه).
له روايات في مختلف كتب الصحاح، فقد ذكره البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود.
مهما تكلمنا عن هذه الشخصية العظيمة فلن نوفيها حقها من التقدير والإجلال والأعجاب، وأنقل لكم ما قاله أصحاب التراجم عنه:

§ تقريب التهذيب لابن حجر: ثقةجليل، مات أوائل خمس وأربعين ومائة وهوابن خمس وسبعين سنة.
§ قال ابن كثير في البداية والنهاية: "كان معظماً عند العلماء , وكان عابداً كبير القدر".
§ قال ابن حجر في التقريب (388) : ثقة جليل القدر من الخامسة , مات في أوائل سنة خمس وأربعين , وله خمس وسبعون , وقالفي الفتح (8/515) : وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما , وهو من صغار التابعين.
§ قال أبن حبان في تقريب الثقات : من التابعين وأتباعهم مات في حبس أبي جعفر المنصور بالهاشمية.
§ قال ابن شدقم في التحفة: كان سيداً جليل القدر , عظيم الشأن , رفيع المنـزلة , جم الفضائل حسن الشمائل , وجيهاً جميلاً حسن الصورة , كريماً سخياً , صالحاً عابداً ورعاً زاهداً , تقياً نقياً ميموناً , عالماً عاملاً فاضلاً كاملاً , شيخ بني هاشم ورئيسهم ومقدمهم في زمانه .
§ قال ابو نصر في السر: عبدالله بن الحسن بن الحسن , أول من جمع الولادة من الحسن والحسين عليهما السلام من الحسنية , كان يقال فيه : عبدالله من أكرم الناس وأجمل الناس وأفضل الناس واسخى الناس .
§ روى عنه الإمام مالك بن أنس.

في علمــــــــه:
§ روىا بن عساكرفي تاريخ دمشق عن مصعب بن عثمان أن مالكاً سُئل عن السدل (والمقصود سدل اليدين في الصلاة) فقال لابأس به فقد رأيت من يوثق به يفعل ذلك، فلما قام الناس قلت منهو؟ قال عبدالله بن الحسن، ومعلومٌ مكان الإمام مالك في نقدالرجال وتوثيقهم، لإن رواية مالك عن رجل تُعد عند كثير من المحدثين توثيقاً.
§ وروى ابن عساكرأيضاً أن عبدالله بن الحسن كان يكثرالجلوس إلى ربيعة الرأي، قال : فتذاكروا يوماً السنن فقال رجلٌ كان في المجلس : ليس العمل على هذا فقال عبدالله : أرأيت إن كَثُر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أَفَهُم حجةعلى السنة؟ قال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء. وربيعة الرأي هو ربيعة بن أبي عبدالرحمن التيمي، أشتهر بربيعة الرأي لأنه من فقهاء الرأي، مات في عام 136 هجرية وروى عنه الأوزاعي وسفيان الثوري.

موقفه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة:
كان للخلفاءالراشدين والصحابة رضي الله عنهم عند عبدالله بن الحسن المكانة العظيمة كسائرأهل بيته رضي الله عنهم
فمن ذلك ما رواه الحافظ ابن عساكرعن أبي خالد الأحمرقال :سألت عبدالله بن الحسن عن أبي بكروعمرفقال : "صَلَّى الله عليهما ولا صَلَّى على من لم يصلَّ عليهما".
وأيضاً فيه أنه قال: "إنهما ليعرضان على قلبي فأدعو الله لهما، أتقرب به إلى الله عزوجل".
وفيه أيضاً عن حفص بن عمرمولى عبدالله بن عبدالله بن حسن قال: رأيت عبدالله بنحسن توضأ، ومسح على خفيه قال : فقلت له تمسح؟ فقال" : نعم، قدمسح عمربن الخطاب ومن جعل عمربينه وبين الله فقد استوثق."
وفي تاريخ دمشق أيضاً أن حفص بن قيس سأل عبدالله بنا لحسن عن المسح على الخفين فقال : "امسح، فقدمسح عمربن الخطاب" فقال : إنما أسألك أنت أتمسح؟ فقال : "ذلك أعجز لك حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر كان خيراً مني، ومن ملئ الأرض مثلي"، قلت : يا أبا محمد إنّ ناسًا يقولون إنّ هذا منك تقية، فقال لي : ونحن بينا لقبر والمنبر: "اللهم إن هذا قولي في السَّر والعلانيةَ فلا تسمعنَّ قول أحد بعدي ثم قال : هذا الذي يزعم أنّ علياً كان مقهوراً وأّن رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم أمره بأمرٍ فلم يُنفْذُه فكفى بهذا إزراءً على عليّ، ومنقصة أن يزعم قوم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بأمرٍ لم يُنفِذُه".



عبدالله المحض ووالي المدينة عمر بن عبدالعزيز


كان له منـزلة عند عمر بن عبدالعزيز , عن سعيد بن أبان القرشي قال: كنت عند عمر بنعبد العزيز فدخل عليه عبد الله بن الحسن وهو يومئذ شاب في إزار ورداء، فرحب به وأدناه وحياه. وأجلسه إلى جنبه وضاحكه ثم غمز عكنة من عكن بطنه وليس في البيت يومئذ إلا أموي فلما قام قالوا له: ما حملك على غمز بطن هذا الفتى ؟ قال: إنى أرجو بهاشفاعة محمد صلى الله عليه وآله
سبحان الله، لاحظوا كيف ذكروه وكأنه نكره ليس بحفيد السبطين!! وكيف حفظ عمر بن عبدالعزيز وهو الوالي الأموي حق قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.<o:p></o:p>
في عفوه وسماحته:
ذكرت لكم ما جرى بينه وبين أبن عمه الإمام زيد بن علي بن الحسين من خلاف وتلاسن أمام الناس بعد أن ماطل والي المدينة في حل الخلاف ليزيد الشقه بين أبناء العمومة، وكيف أنه أصطلح مع أبن عمه بعد ذلك، عندما أدرك حيلة والي المدينة.
ولم يكن عبدالله المحض بمعزل عن غيره من آل البيت، فناله ما نال أبناء عمومته من تهكم وسخرية وسباب من بعض الموالين لبني أمية في المدينة، وكان يعرض عنهم وقال في رجل سبّه :

أظنتَّ سفاهاً من سفاهة رأيها أن أهجو لما أن هجتني محاربُ


فلا وأبيها إنني بعشيرتي هنالك عن ذاك المقام لراغبُ


ومن عجائب العفو، شفاعته في بني أمية عند عبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس ففي تاريخ دمشق عن الأصمعي أنه قال: عزم عبدالله بن علي على قتل بني أمية بالحجاز، فقال له عبدالله بن الحسن بن الحسن : يا ابن عم ! إذا أسرعت في قتل أكفائك فمن تباهي بسلطانك؟ فاعف يَعف الله عنك، ففعل.. وهكذا والله العفو عند المقدرة.
نزوحه للسويقة:
كان عبدالله بن الحسن أول من نزلسويقة المدينة من بني الحسن بن الحسن, ثم تبعه أخويه إبراهيم والحسن. قال ابنسعد في الطبقات (7/180) : عن مؤمل بن إسماعيل بن عبدالله عن عبدالله بن حسن أنه قال: كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم أجمعين، يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم, بعد العشاء الآخرة فكنت أجلس معهما, فتحدثا ليلة فذكرواجور من جار من بني أمية والمقام معهم وهم لايستطيعون تغيير ذلك, ثم ذكروا مايخافانمن عقوبة الله لهم, فقال عروة لعلي: ياعلي إن من اعتزل من أهل الجور والله يعلممنه سخطه لأعمالهم فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رُجي له أن يسلم مماأصابهم, قال فخرج عروة وسكن العقيق، قال عبدالله : وخرجت أنا فنزلت سويقة
من أقواله:
ورث عبدالله عن أبويه الحكمة والبلاغة، ومن درر أقواله:
§ "إياك وعداوة الرجال، فإنك لا تأمن مكر الحليم ولا مبادأة اللئيم".
§ "المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العُقَدَ الوثيقة، وأقل مافيه أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة".
§ وقال لأبنه محمداً ناصحاً: " يابني، إني مؤد إلى الله حقه عليَّ في نصيحتك فأدّ إلى الله حقه عليك في الاستماع والقبول، يابني،كف الأذى، وأفض الندى واستعن على السلامة بطول الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها، فإن الصمت حسن على كل حال، وللمرء ساعات يضر فيهن خطؤه ولاينفع صوابه، واعلم أن من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعدالفرصة . يابني، احذر الجاهل، وإن كان لك ناصحاً،كماتحذر العاقل، وإنْ كان لك عدواً فيوشك أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك، فيسبق إليك مكر العاقل وإياك ومعاداة الرجال، فإنها لا تعدم مكر حليم أو مبادأة جاهل".

مع أبناء عمومته العباسيين وبداية المحنة
من يقرأ كتب التاريخ والمراجع الخاصة بظهور الدولة العباسية يعلم علم اليقين، أن الدعوة العباسية أنطلقت بالدعوة للمهدي من آل البيت، وقد ظن أتباع الدعوة أن المقصود هو أحد الطالبيين من آل البيت، وأتجهت الأنظار إلى عبدالله المحض والإمام جعفر الصادق اللذان رفضا الخلافة عندما توجه نقباء بني العباس إليهم لحضهم على الخروج بعد أن بدء تحرك الجموع المناهضة للخلافة الأموية. وفي هذا أشارة واضحة على زهد هذين العالمين الفاضلين بأمور الخلافة أو على الأقل رفضهم فكرة أن تؤول إليهم الخلافة بهذه الطريقة.
ولعل أبو العباس السفاح أول خلفاء البيت العباسي الذي كان شاباً، أدرك ذلك فقرب عبدالله المحض الشيخ منه وخصه بالمجالسة ومنحه كما تذكر المصادر ألف ألف درهم بالإضافة إلى الكثير من الهدايا والعطايا، مما أوغر صدور بنو العباس على عبدالله المحض وبدؤوا بالوشاية لدى السفاح بأن أبني عبدالله المحض محمد بن عبدالله والملقب بالنفس الزكية، وابراهيم بن عبدالله الملقب بالنفس التقية (وهما اللذان آلت إليهما دعوة الإمام زيد بن علي بن الحسين) يخططان للخروج عليه والدعوة لنفسيهما خاصة ً وأنهما لم يبيعا السفاح عندما تولى الأمر ... (وفي هذا دليل على مكانة هذين الشابين لدى أهل الحجاز، وإلا لما حرص السفاح على يحضرا لمبايعته)، فكان السفاح دائم السؤال عنهما فقال يوماً لأبيهما عبدالله المحض: "ماخلفهما عني فلم يفدا علي مع من وفدعليّ من أهلهما؟"، وكان يعيد عليه المسألة دائماً، فشكى عبدالله المحض ذلك لأخيه الحسن بن الحسن، فقال له" : إن أعاد عليك المسألة عنهما، فقل له علمهما عند عمهما"، فلما سأله أبوالعباس قال : "علمهما ياأمير المؤمنين عند عمهما"، فبعث أبوالعباس إلى الحسن فسأله عنهما، فقال" : ياأمير المؤمنين أكلمك على هيئة الخلافة أو كماي كلم الرجل ابن عمه"، فقال أبوالعباس" : بل كمايكلم الرجل ابن عمه"، فقال له الحسن : "أنشدك الله يا أمير المؤمنين إن قدَّر الله لمحمد وإبراهيم إن يليا من هذا الأمر شيئاً فجهدت، وجهد أهل الأرض معك أن تردوا ما قدر لهما أيردونه؟"، قال: لا، قال : "فما تنغيصك على هذا الشيخ النعمة التي أنعمت بها عليه"، فقال أبوالعباس : "لا أذكرها بعداليوم"، فما ذكرها حتى فرّق الموت بينهما.
وكما قدر الله سبحانه وتعالى أن تؤول الخلافة إلى أبو العباس السفاح، بعد أن فقد بنو العباس الأمل في ظهور دولتهم، شاء الله سبحانه وتعالى أن تؤول الخلافة بعد السفاح إلى أبي جعفر المنصور الذي كان خارج حسابات الخلافة كون أمه أم ولد وليست عربية صريحة.
وفي عهد المنصور بدأت محنة السادة من آل البيت الطالبيين، فالإمام جعفر الصادق كبير البيت الحسيني تعرض للمضايقة وحمل عنوة إلى المنصور في العراق ليبايعه، وأكثر المنصور من مجادلته ليستكشف مكامن نفسه. وأما عبدالله المحض كبير البيت الحسني فلما أستشعر خطر المنصور أخفا أبنيه عن المنصور وعماله، فما كان من المنصور إلا إلقاء القبض على عبدالله المحض وابراهيم الغمر والحسن المثلث ومعهم أخيهم لأمهم محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، والملقب بالديباج لجماله (وهذه الشخصية ينكرها الشيعة الإمامية لنفي زواج فاطمة بن الحسين من حفيد عثمان بن عفان، رضي الله عنهم جميعاً) والذي أبى أن يترك أخوته يتعرضون للأذى دون أن يذود عنهم، وكانت أبنته زوجة لأبن أخية ابراهيم بن عبدالله، وكان ممن أخذ معهم محمد بن ابراهيم حفيد المحض والديباج.
وقد نظم أحد الشعراء هذه الأبيات في محمد الديباج:

وجدنا المحض الأبيض من قريش فتى بين الخليفة والرسول


أتاك المجد من هنا وهناك وكنت له بمعتلج السيول


فماللمجد دونك من مبيت وماللمجد دونك مقيل


فلا يمض وراءك يبتغيه ولا هو قابل بك من بديل

وفيه قال أخوه عبدالله المحض: " أبغضت محمداً ابن عبدالله بن عمرو بن عثمان أيام وُلدِبغضاً ما أبغضته أحداً قط ثم كبر وبرَّني فأحببته حباً ما أحببته أحداً قط".
وقد أورد ابن كثير تفاصيل القصة فقال في البداية والنهاية: "ألًح المنصورعلى عبدالله في طلب ولديه فغضب عبدالله من ذلك وقال : والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما، فغضب المنصور وأمر بسجنه، وأمر ببيع رقيقه وأمواله، فلبث في السجن ثلاث سنين، وأشاروا على المنصور بحبس بني حسن عن آخرهم فحبسهم، وجد في طلب إبراهيم ومحمد جداً، هذا وهما يحضران الحج، في غالب الأوقات، ولا يشعر بهما من ينم عليهما ولله الحمد، والمنصور يعزل نائباً عن المدينة ويولي عليها غيره، ويحرضه على إمساكهما والفحص عنهما، وبذل الأموال في طلبهما، وتعجزه المقادير عنهما لما يريده الله عز وجل. وقد واطأهما على أمرهما أمير من أمراء المنصور يقال له أبو العساكر خالد بن حسان، فعزموا فى بعض الحجات على الفتك بالمنصور بين الصفا والمروة فنهاهم عبدالله بن الحسن لشرف البقعة، وقد أطلع المنصور على ذلك وعلم بما مالأهما ذلك الأمير، فعذبه حتى أقر بما كانوا تمالؤوا عليه من الفتك به، فقال المنصور: وماالذي صرفكم عن ذلك، فقال : عبدالله بن الحسن، نهانا عن ذلك فأمربه الخليفة فغيب في الأرض فلم يظهر حتى الآن، وقداستشار المنصور مني علم من أمرائه و وزرائه من ذوي الرأي في أمر ابني عبدالله بن الحسن، وبعث الجواسيس والقصاد في البلاد فلم يقع لهما على خبر، ولم يظهر لهما على عين ولا أثر، والله غالب على أمره، وقد جاء محمد بن عبدالله بن الحسن إلى أمه فقال : ياأمه إني قد شفقت على أبي وعمومتي، ولقد هممت أن أضع يدي في يد هؤلاء، لأريح أهلي، فذهبت أمه إلى السجن فعرضت عليهم ماقال ابنها فقالوا : لا ولاكرامة بل نصبر على أمره، فلعل الله يفتح على يديه خيراً، ونحن نصبر وفرجنا بيدالله إن شاء فرج عنا وإن شاء ضيق، وتمالؤوا كلهم على ذلك رضي الله عنهم. ونقل آل الحسن من حبس المدينة إلى حبس بالعراق (بعد أن كره أهلها ما يفعل المنصور في آل البيت الحسنيين)، وفي أرجلهم القيود، وفي أعناقهم الأغلال، وكان ابتداء تقييدهم من الربذة بأمر أبي جعفر المنصور، وقدأشخص معهم محمد بن عبدالله العثماني، وكان أخا عبدالله بن الحسن لأمه وكانت ابنته رقيه تحت إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وقد حملت قريباً فاستحضره المنصور وقال: "قدحلفت بالعتاق والطلاق إنك لم تغشني وهذه ابنتك حامل فإن كان من زوجها فقد حبلت منه، وأنت تعلم به وإن كان من غيره فأنت ديوث"، فغضب الديباج لعرضه وأجابه جواباً حفظه به فأمر به فجردت عنه ثيابه فإذا جسمه مثل الفضة النقية ثم ضربه بين يديه مائة وخمسون سوطاً منها ثلاثون فوق رأسه أصاب أحدها عينه فسالت، ثم رده إلى السجن، وقد بقي كأنه عبد أسود زرقه الضرب وتراكم الدماء فوق جلده فأجلس إلى جانب أخيه لأمه عبدالله ابن الحسن الذي سالت عيونه لرؤية أخيه في تلك الحال، فاستسقى ماء (طلب ماء ليسقي أخاه) فما جسر أحد أني سقيه حتى سقاه خراساني من جملة الجلاوزة الموكلين بهم ثم ركب المنصور هودجه وأركب السجناء في محامل ضيقة وعليهم القيود والأغلال فاجتاز بهم المنصور وهو في هودجه فناداه عبدالله بن الحسن والله يا أبا جعفر ما هكذاصنعنا بأسراكم يوم بدر، فأخسأ ذلك المنصور وثقل عليه ونفر عنهم ولما انتهوا إلىا لعراق حبسوا بالهاشمية، وكان فيهم محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسنو كان جميلاً فتياً فكان الناس يذهبون، لينظروا إلى حسنه وجماله،و كان يقال له الديباج الأصغر، فأحضره المنصور بين يديه وقال له : أما لأقتلنك قتلةً ما قتلتها أحداً ثم ألقاه بين اسطوانتين، وسدعليه حتى مات. وقد جعلهم المنصور في سجن لا يسمعون فيه أذاناً، ولايعرفون فيه وقت صلاة إلا بالتلاوة، ثم بعث أهل خراسان يشفعون في محمد بن عبدالله العثماني، فأمر به فضرب عنقه وأرسل برأسه إلى أهل خراسان".
يروى لنا الخطيب البغدادي موقفاً مأساوياً آخر، لماوقفت فاطمة بنت عبدالله بن الحسن (تذكروا هذه الشخصية جيداً)بطريق أبي جعفر المنصور، وهو في طريقه إلى الحج فلما مر بها أنشدت تقول:

ارحم كبيراً سنه متهدم في السجن بين سلاسل وقيود


وارحم صغار بني يزيد فإنهم يتموا لفقدك لا لفقديزيد


إن جدت بالرحم القريبة بيننا ما جدنا من جدكم ببعيد

أختلف الرواة في تحديد كيفية وفاة عبدالله المحض (فمنهم من قال أنه قتل بعد ثورة أبنه محمد في المدينة، ومنهم من قال أنه توفي نتيجة التعذيب) لكنهم أتفقوا على أنه روحه فاضت في سجن المنصور صبيحة عيد الأضحى سنة 145 هجرية وعمره خمسة وسبعون عاماً، وصلى عليه أخوته في السجن ولم تقم له صلاة جنازة عامة، ويقال أن قبره موجود حالياً في العراق.
وتوفي في السجن معه من أخوته ابراهيم الغمر ومحمد الديباج وحفيده محمد بن ابراهيم الديباج الأصغر، أما من بقي من أهله فلم يخرجوا من السجن إلا بعد وفاة أبو جعفر المنصور، ولم تمض سنوات طويلة حتى أبيد عدد كبير من آل البيت الحسنيين في موقعة فخ سنة 169 هجرية، ولم ينج منهم إلا بعض الشخصيات من نسل عبدالله المحض كانت لها آثار باقية إلى يومنا هذا.
آثار عبدالله المحض
بالرغم مما قام به أبو جعفر المنصور من قمع وأضطهاد وقتل وتشريد لآل البيت الحسنيين إلا أن عبدالله المحض خلف من ورائه ذرية تركت آثاراُ باقيةً إلى يومنا هذا، فأبنه يحيى وهو أحد أئمة الدعوة الزيدية، توجه إلى أرض الديلم (وهي المنطقة الساحلية لجنوب بحر قزوين) ولم يكن أهلها قد دخلوا الإسلام بعد بالرغم من تقادم الفتح الإسلامي لتلك الأراضي، ونجح في جذب هؤلاء الوثنين إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى، ودخل عشرات الآف الإسلام بفضل جهود هذا الإمام الشاب.
أبنه أدريس الذي نجا من القتل في موقعة فخ، هرب إلى المغرب وهناك حماه أهلها فعاش بينهم ونجح أحد أبنائه في أعلان قيام الدولة الأدريسية في المغرب العربي، والأهم من ذلك أن العالم العربي الجليل الشريف الإدريسي الجغرافي والفلكي صاحب أول خارطة جغرافية للعالم المعروف آنذاك هو من أحفاد عبدالله المحض.
وفي محطتنا التالية سنتعرف على أحد تلامذة عبدالله المحض، كما سنتعرف في محطة أخرى على إمام ملئ صيته الدنيا، يعتقد بأنه حفيد عبدالله المحض لأمه.
كافة آل البيت من الحسنيين اليوم هم من نسل عبدالله المحض، فأي أثر أكبر من هذا الأثر تركه لنا عبدالله المحض.





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس