عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2018, 02:50 PM   #30


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: من براهين التوحيد في القرآن المجيد







البرهان 230


من سورة الأنبياء


{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا

سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ *

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ *

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ

وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ

فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ْ}

{ 26 - 29 ْ}



يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول،

وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا فقالوا:

الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم،


وأخبر عن وصف الملائكة، بأنهم عبيد مربوبون مدبرون،

ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله،

قد أكرمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته،

وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل،

وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره.


فـ { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ْ}

أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة، حتى يقول الله،

لكمال أدبهم، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه.


{ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ْ}

أي: مهما أمرهم، امتثلوا لأمره،

ومهما دبرهم عليه، فعلوه،

فلا يعصونه طرفة عين،

ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله،

ومع هذا، فالله قد أحاط بهم علمه،


فعلم { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

أي: أمورهم الماضية والمستقبلة، فلا خروج لهم عن علمه،

كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره.

ومن جزئيات وصفهم، بأنهم لا يسبقونه بالقول،

أنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه ورضاه،

فإذا أذن لهم، وارتضى من يشفعون فيه، شفعوا فيه،

ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل،

إلا ما كان خالصا لوجهه، متبعا فيه الرسول،


وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة،

وأن الملائكة يشفعون.


{ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ْ}

أي: خائفون وجلون، قد خضعوا لجلاله،

وعنت وجوههم لعزه وجماله.


فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية،

ولا يستحقون شيئا من العبودية

بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك،

ذكر أيضا أنه لا حظ لهم، ولا بمجرد الدعوى،

وأن من قال منهم:

{ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ْ} على سبيل الفرض والتنزل

{ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ْ}


وأي ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص،

الفقير إلى الله من جميع الوجوه

مشاركة الله في خصائص الإلهية والربوبية؟"




البرهان 231



من سورة الأنبياء



{ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا

أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ

وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ}

{ 36 }



وهذا من شدة كفرهم،

فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم،

استهزأوا به وقالوا:

{ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ}

أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها،

أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به.


هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله،

فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه،

إخلاص العبادة لله،

وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته،


ولكن محل الازدراء والاستهزاء، هؤلاء الكفار،

الذين جمعوا كل خلق ذميم،

ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله

فصاروا بذلك من أخس الخلق وأرذلهم،

ومع هذا فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون بها،

لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون

فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟


ولهذا قال: { وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ}


وفي ذكر اسمه { الرَّحْمَنِ ْ} هنا،

بيان لقباحة حالهم،

وأنهم كيف قابلوا الرحمن

- مسدي النعم كلها، ودافع النقم

الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه،

ولا يدفع السوء إلا إياه -

بالكفر والشرك.


البرهان 232


من سورة الأنبياء


{ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ

بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ *

أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا

لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ

وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ *

بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ

أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا

أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ْ}

{ 42 - 44 ْ}


يقول تعالى - ذاكرا عجز هؤلاء، الذين اتخذوا من دونه آلهة،

وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن،

الذي رحمته، شملت البر والفاجر، في ليلهم ونهارهم -

فقال:

{ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ ْ} أي: يحرسكم ويحفظكم

{ بِاللَّيْلِ ْ} إذ كنتم نائمين على فرشكم، وذهبت حواسكم

{ وَالنَّهَارِ ْ} وقت انتشاركم وغفلتكم

{ مِنَ الرَّحْمَنِ ْ} أي: بدله غيره،

أي: هل يحفظكم أحد غيره؟

لا حافظ إلا هو.


{ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ْ}

فلهذا أشركوا به، وإلا فلو أقبلوا على ذكر ربهم،

وتلقوا نصائحه، لهدوا لرشدهم، ووفقوا في أمرهم.


{ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ْ}

أي: إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم،

من يقدر على منعهم من ذلك السوء، والشر النازل بهم؟؟


{ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ْ}

أي: لا يعانون على أمورهم من جهتنا،

وإذا لم يعانوا من الله، فهم مخذولون في أمورهم،

لا يستطيعون جلب منفعة، ولا دفع مضرة.


والذي أوجب لهم استمرارهم على كفرهم وشركهم



{ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ْ}

أي: أمددناهم بالأموال والبنين، وأطلنا أعمارهم،

فاشتغلوا بالتمتع بها، ولهوا بها، عما له خلقوا،

وطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم،

وعظم طغيانهم، وتغلظ كفرانهم،

فلو لفتوا أنظارهم إلى من عن يمينهم، وعن يسارهم من الأرض،

لم يجدوا إلا هالكا ولم يسمعوا إلا صوت ناعية،

ولم يحسوا إلا بقرون متتابعة على الهلاك،

وقد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس الأشراك،


ولهذا قال:

{ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ْ}

أي: بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا،

حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين،

فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه.


{ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ }

الذين بوسعهم، الخروج عن قدر الله؟

وبطاقتهم الامتناع عن الموت؟

فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟


أم إذا جاءهم رسول ربهم لقبض أرواحهم،

أذعنوا، وذلوا، ولم يظهر منهم أدنى ممانعة؟


البرهان 233


من سورة الأنبياء


{ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ

وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ *

وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ

لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

{ 45 - 46 ْ}



أي: { قُلْ } يا محمد، للناس كلهم:

{ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ }

أي: إنما أنا رسول،

لا آتيكم بشيء من عندي،

ولا عندي خزائن الله،

ولا أعلم الغيب،

ولا أقول إني ملك،

وإنما أنذركم بما أوحاه الله إلي،

فإن استجبتم، فقد استجبتم لله،

وسيثيبكم على ذلك،

وإن أعرضتم وعارضتم،

فليس بيدي من الأمر شيء،

وإنما الأمر لله،

والتقدير كله لله.


{ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ }

أي: الأصم لا يسمع صوتا، لأن سمعه قد فسد وتعطل،

وشرط السماع مع الصوت، أن يوجد محل قابل لذلك،

كذلك الوحي سبب لحياة القلوب والأرواح، وللفقه عن الله،

ولكن إذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى،

كان بالنسبة للهدى والإيمان،

بمنزلة الأصم، بالنسبة إلى الأصوات

فهؤلاء المشركون، صم عن الهدى،

فلا يستغرب عدم اهتدائهم،

خصوصا في هذه الحالة،

التي لم يأتهم العذاب، ولا مسهم ألمه.



فلو مسهم { نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ }

أي: ولو جزءا يسيرا ولا يسير من عذابه،

{ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

أي: لم يكن قولهم إلا الدعاء بالويل والثبور، والندم،

والاعتراف بظلمهم وكفرهم واستحقاقهم للعذاب.



البرهان 234



من سورة الأنبياء




{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا

وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا

وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }


{ 47 ْ}


يخبر تعالى عن حكمه العدل،

وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم في يوم القيامة،

وأنه يضع لهم الموازين العادلة،

التي يبين فيها مثاقيل الذر،

الذي توزن بها الحسنات والسيئات،

{ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ } مسلمة أو كافرة

{ شَيْئًا } بأن تنقص من حسناتها، أو يزاد في سيئاتها.


{ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ }

التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، من خير أو شر

{ أَتَيْنَا بِهَا } وأحضرناها، ليجازى بها صاحبها،


كقوله:

{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }

وقالوا

{ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً

إِلَّا أَحْصَاهَا

وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا }


{ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }

يعني بذلك نفسه الكريمة،

فكفى به حاسبا،

أي: عالما بأعمال العباد، حافظا لها،

مثبتا لها في الكتاب،

عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها،

موصلا للعمال جزاءها.


البرهان 235



من سورة الأنبياء



{ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ

أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ }

{ 50 }





{ وَهَذَا }أي: القرآن

{ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ }فوصفه بوصفين جليلين،

كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب،

من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله،

ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم،

ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها،

ومن أحكام الجزاء والجنة والنار،

فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية،


وسماه ذكرا، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر،

من التصديق بالأخبار الصادقة،

والأمر بالحسن عقلا، والنهي عن القبيح عقلا،



وكونه { مباركا }يقتضي كثرة خيراته ونمائها وزيادتها،

ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن،

فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية، أو أخروية،

فإنها بسببه، وأثر عن العمل به،

فإذا كان ذكرا مباركا، وجب تلقيه بالقبول والانقياد والتسليم،

وشكر الله على هذه المنحة الجليلة، والقيام بها،

واستخراج بركته، بتعلم ألفاظه ومعانيه،


وأما مقابلته بضد هذه الحالة، من الإعراض عنه،

والإضراب عنه صفحا وإنكاره، وعدم الإيمان به

فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم،

ولهذا أنكر تعالى على من أنكره فقال:

{ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ }



البرهان 236




من سورة الأنبياء


{ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ *

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ *

قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ *

قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ *

قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ

وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * }



{ 51 - 56 ْ}




{ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ }

أي: من قبل إرسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما،

فأراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأعطاه من الرشد،

الذي كمل به نفسه، ودعا الناس إليه،

ما لم يؤته أحدا من العالمين، غير محمد،

وأضاف الرشد إليه، لكونه رشدا، بحسب حاله، وعلو مرتبته،

وإلا فكل مؤمن، له من الرشد، بحسب ما معه من الإيمان.

{ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } أي: أعطيناه رشده، واختصصناه بالرسالة والخلة،

واصطفيناه في الدنيا والآخرة، لعلمنا أنه أهل لذلك، وكفء له، لزكائه وذكائه،

ولهذا ذكر محاجته لقومه، ونهيهم عن الشرك، وتكسير الأصنام، وإلزامهم بالحجة،



فقال: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ }

التي مثلتموها، ونحتموها بأيديكم، على صور بعض المخلوقات

{ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }

مقيمون على عبادتها، ملازمون لذلك،

فما هي؟ وأي فضيلة ثبتت لها؟

وأين عقولكم، التي ذهبت حتى أفنيتم أوقاتكم بعبادتها؟

والحال أنكم مثلتموها، ونحتموها بأيديكم،

فهذا من أكبر العجائب، تعبدون ما تنحتون.





فأجابوا بغير حجة، جواب العاجز، الذي ليس بيده أدنى شبهة

فقالوا: { وَجَدْنَا آبَاءَنَا }

كذلك يفعلون، فسلكنا سبيلهم، وتبعناهم على عبادتها،

ومن المعلوم أن فعل أحد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة،

ولا تجوز به القدوة، خصوصا، في أصل الدين،

وتوحيد رب العالمين،



ولهذا قال لهم إبراهيم مضللا للجميع:

{ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

أي: ضلال بين واضح،

وأي ضلال، أبلغ من ضلالهم في الشرك، وترك التوحيد ؟

" أي: فليس ما قلتم، يصلح للتمسك به،

وقد اشتركتم وإياهم في الضلال الواضح، البين لكل أحد.





{ قَالُوا } على وجه الاستغراب لقوله، والاستعظام لما قال،

وكيف بادأهم بتسفيههم، وتسفيه آبائهم:

{ أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ }

أي: هذا القول الذي قلته، والذي جئتنا به، هل هو حق وجد؟

أم كلامك لنا، كلام لاعب مستهزئ، لا يدري ما يقول؟

وهذا الذي أرادوا، وإنما رددوا الكلام بين الأمرين،

لأنهم نزلوه منـزلة المتقرر المعلوم عند كل أحد،

أن الكلام الذي جاء به إبراهيم، كلام سفيه لا يعقل ما يقول،



فرد عليهم إبراهيم ردا بين به وجه سفههم، وقلة عقولهم فقال:

{ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ

وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }

فجمع لهم بين الدليل العقلي، والدليل السمعي.





أما الدليل العقلي،

فإنه قد علم كل أحد حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم،

أن الله وحده، الخالق لجميع المخلوقات، من بني آدم، والملائكة، والجن،

والبهائم، والسماوات، والأرض، المدبر لهن، بجميع أنواع التدبير،

فيكون كل مخلوق مفطورا مدبرا متصرفا فيه،

ودخل في ذلك، جميع ما عبد من دون الله.




أفيليق عند من له أدنى مسكة من عقل وتمييز،

أن يعبد مخلوقا متصرفا فيه، لا يملك نفعا، ولا ضرا،

ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا،

ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر ؟





أما الدليل السمعي:


فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام،

فإن ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق،

ومن أنواع هذا القسم شهادة أحد من الرسل على ذلك فلهذا قال إبراهيم:


{ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ }

أي: أن الله وحده المعبود وأن عبادة ما سواه باطل


{ مِنَ الشَّاهِدِينَ }

وأي شهادة بعد شهادة الله أعلى من شهادة الرسل؟

خصوصا أولي العزم منهم

خصوصا خليل الرحمن.

البرهان 237



من سورة الأنبياء



{ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ *

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ *

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ *

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ *

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ *

قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ *

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ *

فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ *

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ *

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ *

أُفٍّ لَكُمْ

وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ *

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ *

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * }

{ 57 - 70 }


ولما بين أن أصنامهم ليس لها من التدبير شيء

أراد أن يريهم بالفعل عجزها وعدم انتصارها

وليكيد كيدا يحصل به إقرارهم بذلك

فلهذا قال: { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } أي أكسرها على وجه الكيد

{ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } عنها إلى عيد من أعيادهم،

فلما تولوا مدبرين، ذهب إليها بخفية

{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } أي كسرا وقطعا،

وكانت مجموعة في بيت واحد، فكسرها كلها،

{ إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } أي إلا صنمهم الكبير، فإنه تركه لمقصد سيبينه،


وتأمل هذا الاحتراز العجيب،

فإن كل ممقوت عند الله، لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم، إلا على وجه إضافته لأصحابه،

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول:

" إلى عظيم الفرس " " إلى عظيم الروم " ونحو ذلك،

ولم يقل " إلى العظيم "

وهنا قال تعالى: { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } ولم يقل " كبيرا من أصنامهم "

فهذا ينبغي التنبيه له،

والاحتراز من تعظيم ما حقره الله، إلا إذا أضيف إلى من عظمه.


وقوله: { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } أي ترك إبراهيم تكسير صنمهم هذا

لأجل أن يرجعوا إليه، ويستملوا حجته، ويلتفتوا إليها، ولا يعرضوا عنها

ولهذا قال في آخرها: { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ }

فحين رأوا ما حل بأصنامهم من الإهانة والخزي

{ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ }

فرموا إبراهيم بالظلم الذي هم أولى به حيث كسرها

ولم يدروا أن تكسيره لها من أفضل مناقبه ومن عدله وتوحيده،

وإنما الظالم من اتخذها آلهة، وقد رأى ما يفعل بها



{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } أي: يعيبهم ويذمهم،

ومن هذا شأنه لا بد أن يكون هو الذي كسرها

أو أن بعضهم سمعه يذكر أنه سيكيدها

{ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } فلما تحققوا أنه إبراهيم

{ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ } أي: بإبراهيم

{ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ } أي بمرأى منهم ومسمع

{ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } أي: يحضرون ما يصنع بمن كسر آلهتهم،

وهذا الذي أراد إبراهيم وقصد أن يكون بيان الحق بمشهد من الناس

ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة،


كما قال موسى حين واعد فرعون:

{ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }


فحين حضر الناس وأحضر إبراهيم قالوا له:

{ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا } أي: التكسير { بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ }؟

وهذا استفهام تقرير،

أي: فما الذي جرأك، وما الذي أوجب لك الإقدام على هذا الأمر؟.


فقال إبراهيم والناس شاهدون: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا }

أي: كسرها غضبا عليها، لما عبدت معه،

وأراد أن تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده،

وهذا الكلام من إبراهيم، المقصد منه إلزام الخصم وإقامة الحجة عليه،


ولهذا قال: { فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ }

وأراد الأصنام المكسرة اسألوها لم كسرت؟

والصنم الذي لم يكسر، اسألوه لأي شيء كسرها،

إن كان عندهم نطق، فسيجيبونكم إلى ذلك،

وأنا وأنتم، وكل أحد يدري أنها لا تنطق ولا تتكلم،

ولا تنفع ولا تضر،

بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها بأذى.


{ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ }

أي: ثابت عليهم عقولهم، ورجعت إليهم أحلامهم،

وعلموا أنهم ضالون في عبادتها،

وأقروا على أنفسهم بالظلم والشرك،


{ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ } فحصل بذلك المقصود،

ولزمتهم الحجة بإقرارهم أن ما هم عليه باطل وأن فعلهم كفر وظلم،

ولكن لم يستمروا على هذه الحالة،

ولكن { نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ } أي: انقلب الأمر عليهم،

وانتكست عقولهم وضلت أحلامهم،


فقالوا لإبراهيم: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ }

فكيف تهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا أن نسألها وأنت تعلم أنها لا تنطق؟ .


فقال إبراهيم - موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رءوس الأشهاد،

ومبينا عدم استحقاق آلهتهم للعبادة-:

{ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ }

فلا نفع ولا دفع.

{ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }

أي: ما أضلكم وأخسر صفقتكم،

وما أخسكم، أنتم وما عبدتم من دون الله،

إن كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال،

فلما عدمتم العقل، وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة،

صارت البهائم، أحسن حالا منكم.



فحينئذ لما أفحمهم، ولم يبينوا حجة، استعملوا قوتهم في معاقبته،

فـ { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }

أي: اقتلوه أشنع القتلات، بالإحراق، غضبا لآلهتكم، ونصرة لها.

فتعسا لهم تعسا،

حيث عبدوا من أقروا أنه يحتاج إلى نصرهم، واتخذوه إلها،

فانتصر الله لخليله لما ألقوه في النار

وقال لها: { كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ }

فكانت عليه بردا وسلاما،

لم ينله فيها أذى، ولا أحس بمكروه.


{ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} حيث عزموا على إحراقه،

{ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } أي: في الدنيا والآخرة،

كما جعل الله خليله وأتباعه، هم الرابحين المفلحين.



البرهان 238


من سورة الأنبياء



{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ

أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ

وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ

رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

{ 83 - 84 }


أي: واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب

- مثنيا معظما له، رافعا لقدره -

حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه،


وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا

فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة،

واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله،



فنادى ربه: رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ

وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه،

وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ،

وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له،


وقال له:

{ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }

فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة

فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى،



{ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي: رددنا عليه أهله وماله.

{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ }

بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا،


{ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به،

حيث صبر ورضي، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة.


{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

أي: جعلناه عبرة للعابدين،

الذين ينتفعون بالعبر،

فإذا رأوا ما أصابه من البلاء،

ثم ما أثابه الله بعد زواله،

ونظروا السبب، وجدوه الصبر،

ولهذا أثنى الله عليه به في قوله:

{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر.




البرهان 239


من سورة الأنبياء




{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ

فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ

أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ

وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

{ 87 - 88 }



أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس،

أي: صاحب النون، وهي الحوت،

بالذكر الجميل، والثناء الحسن،

فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم،

فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم.

[فجاءهم العذاب] ورأوه عيانا، فعجوا إلى الله، وضجوا وتابوا،

فرفع الله عنهم العذاب


كما قال تعالى:

{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا

إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ

فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }

وقال:

{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ

فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }


وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس، من أكبر فضائله.

ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبا،

وأبق عن ربه لذنب من الذنوب،

التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [لقوله:

{ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ } { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه]

والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم

قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه،

أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى،

ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق

على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه،




فركب في السفينة مع أناس،

فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟

لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم،

فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت،

وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات:


{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }

فأقر لله تعالى بكمال الألوهية،

ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة،

واعترف بظلم نفسه وجنايته.


قال الله تعالى:

{ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ*

لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }



ولهذا قال هنا:

{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ }

أي: الشدة التي وقع فيها.

{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

وهذا وعد وبشارة، لكل مؤمن وقع في شدة وغم،

أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف لإيمانه

كما فعل بـ " يونس " عليه السلام.













 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس