عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2018, 07:05 AM   #12


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار







الحديث السادس عشر

عن أبي صِرْمَةَ [1] رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"من ضارَّ ضار الله به.
ومن شاقَّ شَقَّ [2] الله عليه"
رواه الترمذي وابن ماجه.

هذا الحديث دلّ على
أصلين من أصول الشريعة:

أحدهما:

أن الجزاء من جنس العمل
في الخير والشر.

وهذا من حكمة الله
التي يحمد عليها.

فكما أن من عمل ما يحبه الله أحبه الله.
ومن عمل ما يبغضه أبغضه الله،

ومن يسَّر على مسلم يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة.

ومن فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا
فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

والله في حاجة العبد
ما كان العبد في حاجة أخيه،

كذلك من ضار مسلماً
ضره الله،

ومن مَكَر به
مكر الله به،

ومن شق عليه
شق الله عليه،

إلى غير ذلك من الأمثلة الداخلة في هذا الأصل.






الأصل الثاني:

منع الضرر والمضارة،
وأنه "لا ضرر ولا ضرار".

وهذا يشمل أنواع الضرر كله.


والضرر يرجع إلى أحد أمرين:

إما تفويت مصلحة،
أو حصول مضرة بوجه من الوجوه.


فالضرر غير المستحق
لا يحل إيصاله وعمله مع الناس،
بل يجب على الإنسان
أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه.


فيدخل في ذلك :

التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها،
والمكر والخداع والنجش،

وتلقي الركبان وبيع المسلم على بيع أخيه
والشراء على شرائه،
ومثله الإجارات، وجميع المعاملات،

والخِطْبة على خِطْبة أخيه،
وخِطْبة الوظائف التي فيها أهل لها قائم بها.

فكل هذا من المضارة المنهي عنها.

وكل معاملة من هذا النوع
فإن الله لا يبارك فيها،

لأنه من ضارَّ مسلماً ضارّه الله،
ومن ضاره الله ترحّل عنه الخير،

وتوجه إليه الشر،
وذلك بما كسبت يداه.




ويدخل في ذلك :

مضارة الشريك لشريكه، والجار لجاره،
بقول أو فعل،
حتى إنه لا يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره،
فضلاً عن مباشرة الإضرار به.


ويدخل في ذلك :

مضارة الغريم لغريمه،
وسعيه في المعاملات التي تضر بغريمه،
حتى إنه لا يحل له أن يتصدق
ويترك ما وجب عليه من الدين
إلا بإذن غريمه،

أو برهن موجوداته أحد غرمائه دون الباقين،
أو يقف، أو يعتق ما يضر بغريمه،
أو ينفق أكثر من اللازم بغير إذنه.


كذلك
الضرر في الوصايا:

كما قال تعالى:
{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ
أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ }[1]

بأن يخص أحد ورثته بأكثر مما له،
أو ينقص الوارث،
أو يوصي لغير وارثه
بقصد الإضرار بالورثة.





وكذلك
لا يحل إضرار الزوج بزوجته من وجوه كثيرة،

إما أن يعضلها ظلماً لتفتدى منه،
أو يراجعها لقصد الإضرار،
أو يميل إلى إحدى زوجتيه ميلاً يضرّ بالأخرى،
ويجعلها كالمعلقة.


ومن ذلك :

الحيف في الأحكام والشهادات والقسمة وغيرها
على أحد الشخصين لنفع الآخر.


فكل هذا داخل في المضرة.
وفاعله مستحق للعقوبة،
وأن يضار الله به.


وأشد من ذلك :

الوقيعة في الناس عند الولاة والأمراء،
ليغريهم بعقوبته أو أخذ ما له،
أو منعه من حق هو له،
فإن من عمل هذا العمل فإنه باغٍ،
فليتوقع العقوبة العاجلة والآجلة.






ومن هذا:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم :

"أن يورد مُمْرِض على مُصِحّ"

لما في ذلك من الضرر.


وكذلك نهى الجذْمَى ونحوهم عن مخالطة الناس،

وهذا وغيره داخل في قوله تعالى:

{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }[1]


ونهى صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم،
ولو على وجه المزح.


ومن هذا

السخرية بالخلق،
والاستهزاء بهم،
والوقيعة في أعراضهم،
والتحريش بينهم.

فكله داخل في المضارة والمشاقة
الموجب للعقوبة.


وكما يدل الحديث بمنطوقه:

أن من ضارّ وشاق ضرَّه الله وشقَّ عليه،


فإن مفهومه يدلّ على:

أن من أزال الضرر والمشقة عن المسلم
فإن الله يجلب له الخير،
ويدفع عنه الضرر والمشاق،

جزاء وفاقاً،
سواء كان متعلقاً بنفسه أو بغيره.




الحديث السابع عشر

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"اتق الله حيثما كنت.
وأتبع السيئة الحسنة تمحها،
وخالق الناس بخلق حسن"
رواه الإمام أحمد والترمذي.


هذا حديث عظيم
جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين حق الله وحقوق العباد.

فحقّ الله على عباده:

أن يتقوه حقّ تُقاته.
فيتّقوا سخطه وعذابه
باجتناب المنهيات وأداء الواجبات.

وهذه الوصية هي وصية الله للأولين والآخرين،
ووصية كل رسول لقومه
أن يقول:
"اعبدوا الله واتقوه".



وقد ذكر الله خصال التقوى في قوله تعالى:

{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ

وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ

وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ

أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }[1]


وفي قوله:

{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[2]

ثم ذكر خصال التقوى فقال:

{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[3].

فوصف المتقين بالإيمان بأصوله وعقائده
وأعماله الظاهرة والباطنة
وبأداء العبادات البدنية والعبادات المالية،
والصبر في البأساء والضراء وحين البأس،

وبالعفو عن الناس، واحتمال أذاهم،
والإحسان إليهم،
وبمبادرتهم إذا فعلوا فاحشة
أو ظلموا أنفسهم بالاستغفار والتوبة،


فأمر صلى الله عليه وسلم ووصى بملازمة التقوى
حيثما كان العبد في كل وقت وكل مكان،
وكل حالة من أحواله،

لأنه مضطر إلى التقوى غاية الاضطرار،
لا يستغني عنها في كل حالة من أحواله.




ثم لما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير
في حقوق التقوى وواجباتها

أمر صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك ويمحوه.
وهو أن يتبع الحسنة السيئة

"والحسنة"
اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله تعالى:

وأعظم الحسنات الدافعة للسيئات التوبة النصوح
والاستغفار والإنابة إلى الله بذكره وحبه،
وخوفه ورجائه،
والطمع فيه وفي فضله كل وقت.

ومن ذلك
الكفارات المالية والبدنية التي حددها الشارع.


ومن الحسنات التي تدفع السيئات:

العفو عن الناس،
والإحسان إلى الخلق من الآدميين وغيرهم،
وتفريج الكربات،
والتيسير على المعسرين،
وإزالة الضرر والمشقة عن جميع العالمين.

قال تعالى:
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ }[1]

وقال صلى الله عليه وسلم :
"الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان
مكفرات لما بينهن
ما اجتنبت الكبائر"

وكم في النصوص من ترتيب المغفرة
على كثير من الطاعات.




ومما يكفر الله به الخطايا:
المصائب؛

فإنه لا يصيب المؤمن من هَمٍّ ولا غم ولا أذى،
حتى الشوكة يشاكها،
إلا كفَّرَ الله عنه بها خطاياه.

وهي إما فوات محبوب،
أو حصول مكروه
بدني أو قلبي،
أو مالي،
داخلي أو خارجي،


لكن المصائب بغير فعل العبد.

فلهذا أمره بما هو من فعله،
وهو أن يتبع السيئة الحسنة.




ثم لما ذكر حق الله
وهو الوصية بالتقوى
الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة والظاهرة

قال :
"وخالق الناس بخلق حسن".


وأول الخلق الحسن:

أن تكف عنهم أذاك من كل وجه،
وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك،
ثم تعاملهم بالإحسان القولي
والإحسان الفعلي


وأخص ما يكون بالخلق الحسن:

سعة الحلم على الناس،
والصبر عليهم،
وعدم الضجر منهم،
وبشاشة الوجه،

ولطف الكلام والقول الجميل
المؤنس للجليس،
المدخل عليه السرور،
المزيل لوحشته ومشقة حشمته.


وقد يحسن المزح أحياناً
إذا كان فيه مصلحة،

لكن لا ينبغي الإكثار منه

وإنما المزح في الكلام
كالملح في الطعام،

إن عدم أو زاد على الحد
فهو مذموم.




الختام


 
 توقيع : السعيد


التعديل الأخير تم بواسطة السعيد ; 11-14-2018 الساعة 08:29 AM

رد مع اقتباس