المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امثال من القران الكريم


السعيد
08-08-2018, 07:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الاول )


الموضوع : قال تعالى ( وتلك الأمثال نضرب للناس)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين. ضرب الأمثال من الوسائل التي جعلها الله تعالى مؤثرة في الناس :
أيها الأخوة الكرام، الله جلّ جلاله يقول:
﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[سورة الحشر]
والله جلّ جلاله يقول: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
[سورة العنكبوت]
آية ثالثة: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾
[سورة النور الآية:35]
كذلك يضرب الله الأمثال، آياتٌ كثيرة تذكر أن الله سبحانه وتعالى من الوسائل التي جعلها مؤثرة في الناس أنه ضرب الأمثال، الآية الأولى هي قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[سورة يونس]
قبل شرح الآيات لا بدّ من توضيح معنى المثل. أية صغيرة إذا أصررت عليها انقلبت كبيرة وأية كبيرة إذا استغفرت منها انقلبت صغيرة :
مثلاً في بعض الأحاديث الشريفة يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار))
[أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/01.jpg
صغيرة تهلك، وكبيرة لا تهلك، يبدو أن هناك تناقضاً، صغيرةٌ ينجو صاحبها، صغيرةٌ يهلك صاحبها، وكبيرةٌ تردي صاحبها. ((لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار))
من عادتي أن أوضح هذا النص بمثل: طريق عريض يقدر عرضه بستين متراً، عن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، مركبة تمشي على هذا الطريق في الوسط، لو أن قائد المركبة حرفة المقود سنتيمتراً واحداً، وثبت هذا الانحراف، واستمر هذا الانحراف، هذه المركبة مصيرها إلى الوادي، على أن الانحراف سنتيمتراً واحداً، لكن المركبة التي يحرف فيها قائدها المقود تسعين درجة، والطريق عريض، بإمكانه أن يعيد المقود إلى ما كان عليه ينجو، انحراف سنتيمتر أهلك إنساناً، وانحراف تسعين درجة أنجاه. ((لا صغيرة مع الإصرار))
أية صغيرة إذا أصررت عليها انقلبت كبيرة، وأية كبيرة إذا استغفرت منها انقلبت صغيرة، فهذا المثل يوضح هذا الحديث، أحياناً يأتي الحديث متعلقاً بمجردات لقضايا معنوية، لقضايا فكرية، قد تبدو شائكة، عويصة، غير مفهومة، يأتي المثل فيوضحها. ضرب الأمثال أسلوبٌ أصيلٌ في اللغة التي أختارها الله لقرآنه الكريم :
الأمثال مألوفة بالأدب العربي، مثلاً: من يَهُنْ يسهل الهوان عليه، كيف؟ قال: ما لجرح بميت إيلام، من يهن، من يألف الهوان، يسهل عليه أن تهينه دائماً، كيف أوضح هذه الحقيقة؟ إنسان مات مهما جرحته وبالغت في الجرح لا يتألم، لأنه ميت، والله عز وجل وصف أهل الدنيا بأنهم:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
[سورة النحل الآية:21]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/02.jpg
وصفهم بأنهم في القبور: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾
[سورة فاطر]
في قبور شهواتهم، من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام، إنسان مدح النبي عليه الصلاة والسلام، قال: إن تفق الأنام فأنت منهم. ((إنما أنا بشر، أرضى كما يرْضى البشر، وأغْضَبُ كما يغضب البشر))
[أخرجه مسلم عن أنس بن مالك]
إن تفق الأنام، تتفوق على كل البشر فأنت منهم، قال: فإن المسك بعض دم الغزال، المسك يؤخذ من دم الغزال، محمد بشر وليس كالبشر، كيف؟ احترنا، بشرٌ وليس كالبشر، قال: فهو ياقوتة والناس كالحجر. وإذا أراد الله نشـر فـضيلـةٍ طويت أتـاح لها لسـان حسودِ
لولا اشتعال النار فيمـا جاورت ما كان يُعرف طيب عرف العودِ
* * *
فضرب الأمثال أسلوبٌ أصيلٌ في هذه اللغة التي أختارها الله لقرآنه الكريم، ضرب الأمثال منهجٌ وأسلوبٌ أصيلٌ لهذه اللغة العربية التي جعلها الله جلّ جلاله لغة لكلامه. الماء سبب لنمو النبات وجعل الأرض ذات بهجة :
آية اليوم:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾
ماء السماء منعش، مسعد، مفيد، ضروري، ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾
ماءٌ عذب زلال، ماءٌ صافٍ، ماءٌ مفيد، ماءٌ منعش، ﴿ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾
عندما تسرب هذا الماء إلى باطن التربة، في التربة بذور، نبتت هذه البذور وأصبحت نباتاًً رائعاً، أصبحت ذات بهجة، جبل أخضر جميل جداً، البستان جميل، الحدائق جميلة، النبات بالأصل جميل، ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾
أي هذا الماء أصبح سبباً لنمو النبات، أصبحت الأرضُ بهذا النبات ذات بهجة، هذا النبات: ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾
[ سورة يونس الآية: 24]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/03.jpg
شيء من بديهيات العلوم أن القمح يعد الغذاء الأول لبني البشر، بل يعد القمح الغذاء الكامل، لأن في قشرة القمح عدداً كبيراً من المعادن، البوتاسيوم، الصوديوم، المغنيزيوم، السيلكون، كل معدن يرمم ويقوي ناحية في الجسم، وعدداً كبيراً من الفيتامينات، كل هذه الفيتامينات وهذه المعادن مودعة في قشرة القمح، والإنسان بجنون البشر ينزع هذه القشرة ويرميها للدواب، ويأكل نشاء صافياً، الخبز الأبيض نشاء فقط، كل الخير، والدعم، والفيتامينات، والمعادن، كل ما في القمح من فوائد في قشرة القمح، وقشرة القمح لا تزيد عن أربعة عشر بالمئة من وزن القمحة، نحن في هذا العصر الحديث نحب الخبز الأبيض الناصع، مع أنه نشاء ليس غير، بينما الخبز الأسمر في القشر.
لذلك ما أكل النبي عليه الصلاة والسلام في حياته خبزاً من طحين منخول، بل إن بعض العلماء يقول: أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله نخل الدقيق، أول بدعة.
لذلك: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾
أي بستان جميل، أرض خضراء، محاصيل رائعة، جنات تجري من تحتها الأنهار، هذا الماء اختلط بنبات الأرض، فنبات الأرض نما عن طريق هذا الماء، ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ﴾
القمح.
والغريب أيها الأخوة أن ساق سنبلة القمح غذاء أول للحيوان، كيف أن القمح مادة غذائية كاملة، سوق سنبلات القمح مادة غذائية كاملة للحيوان، كيف أن الإنسان يكتفي بالخبز كذلك الحيوان يكتفي بالتبن، هذا سوق القمح، ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾
لذلك يعد هذا المحصول سوق سنبلات القمح ـ بالتعبير الدارج التبن ـ محصولاً استراتيجياً لإطعام الحيوانات .
الإنسان يظن أن الماء موجود، التربة خصبة، فالنبات يزدهر، والقضية سهلة، ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾
. من علامات قيام الساعة الاهتمام بالمظهر دون الجوهر :
نحن الآن الشيء الأول في حياتنا التزيينات، المحلات مزينة، البيوت مزينة، الأسواق مزينة، الزينة الآن ترتقي إلى المحل الأول في حياة الناس اليوم،
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/04.jpg
كل شيء هناك مهندس تصميم، مهندس تزيين، كل شيء فيه مسحات جمالية، طبعاً لا تجدون هذا في البلاد النامية كثيراً، لكن في البلاد المتقدمة التقدم المادي شيء واضح جداً، الطرقات، الحدائق، أي شيء يخطر على بالك فيه أذواق جمالية رائعة جداً، وهذا من علامات قيام الساعة. ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
هنا الشرك، هذا النبات تألق، وكان جميلاً، وأمتع عينيك، وهذه الأرض ﴿ وَازَّيَّنَتْ ﴾
أينما ذهب الشيء جميل، لكن الشيء الجميل لا يقدر عليه إلا الغني، والفقير ماذا يفعل؟ ينظر بعينيه ويتحسر بقلبه، لذلك الله عز وجل حينما قال: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
[ سورة التوبة الآية: 103]
قال علماء التفسير: تطهرهم أي تطهر الغني من الشح، والفقير من الحقد، والشح كالمرض الخبيث لكنه يسري في النفس، هناك مرض خبيث يسري في الجسد فينهي حياة الإنسان، والشح مرض خبيث يسري في النفس ويهلكها. ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
هناك بلد شرقي كان يملك قنابل نووية كافية لتدمير الأرض خمس مرات، وهذا البلد القوي العملاق تداعى من الداخل، أي لا خاض حرباً، وليس هناك قوة كبيرة قهرته، ولكنه تداعى من الداخل: ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 25]
من توهم أنه قادر على كل شيء وقع في ذنب مهلك هو ذنب الشرك :
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ﴾
أين المشكلة؟ ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/05.jpg
حينما يتوهم الإنسان أنه قادر على كل شيء وقع في ذنب مهلك، هو ذنب الشرك، لذلك هناك ذنب يغفر، وذنب لا يترك، وذنب لا يغفر، فالذي يغفر ما كان بين العبد وربه، أي ذنب؟ ما كان بينك وبين الله حصراً، لكن ما كان بينك وبين العباد هذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك قال تعالى: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية: 31]
أي يغفر لكم بعض ذنوبكم التي بينكم وبين الله عز وجل، لكن ما كان بينك وبين العباد هذه الذنوب لا تغفر إلا إذا أديتها، أو إلا إذا سامحك الطرف الآخر. ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾
اجعل هذه الحقيقة فردية، أنت حينما تتوهم أنك تفعل ما تريد وقعت في ذنب كبير، في ذنب الشرك، قل: إن شاء الله، قل: إذا راد الله، قل: إذا سمح الله، قال: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ﴾
[سورة النمل الآية:40]
قل هذا من إكرام الله لي، لا تقل: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
[سورة القصص الآية 78]
قالها قارون فأهلكه الله، قال فرعون: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
[سورة الزخرف الآية:51]
فأهلكه الله عز وجل. بطولة الإنسان أن يعزو فضل الله إلى الله لا إلى ذاته :
أي إنسان يقول: هذه من جهدي، من خبرتي، من اختصاصي، من علمي، أي إنسان يعزو ما أكرمه به من فضل إلى ذاته وقع في الشرك، لذلك كلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي.
نحن:
﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
[سورة النمل الآية:33]
قالها قوم بلقيس فأهلكهم الله.
لي: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
[سورة الزخرف الآية : 51 ]
عندي: ﴿ قالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
[ سورة القصص الآية : 78 ]
أنا: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾
[سورة الأعراف الآية:12]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5045/06.jpg
الشيطان، فخمس كلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي، أي عزوت فضل الله إلى جهدك لا إلى فضل الله عز وجل، ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ﴾
هذا ملمح دقيق جداً، قد تأتي الساعة على قوم ليلاً، وعلى قوم نهاراً، أي الساعة تعم الأرض، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
الآن هناك مدن، أصابها زلزال فاختفت، الآن ترون في الأخبار بالصين عشرات ألوف القتلى اختفوا تحت الأرض، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
كل بطولتك أن تعزو فضل الله إلى الله لا أن تعزوه إلى ذاتك، وهذا الدرس لا ينجو منه أحد. من علامات الإيمان أن المؤمن الصادق يرى فضل الله عليه :
من هم قمم البشر؟ الصحابة الكرام، في بدر قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
[سورة آل عمران الآية:173]
مفتقرون إلى الله، هم هم وفيهم سيد الخلق في حنين قالوا: ((ولن نُغْلَبَ مِنْ قِلَّةٍ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]
قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة الآية:25]
هذا الدرس نحتاجه جميعاً كل دقيقة، لا تقل أنا، لا تعتد بقوتك، ولا بصحتك، ولا بمالٍ، ولا بنسبٍ، اعتد بفضل الله عليك، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
أخواننا الكرام، المؤمن الصادق يرى فضل الله عليه، لا يرى إنجازه، بل يرى فضل الله عليه وهذا من علامات الإيمان.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثانى )


الموضوع : قال تعالى ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان....)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير جداً :
أيها الأخوة الكرام، أحياناً يرغب المرء أن يعرف كم هي المسافة بين الإيمان والكفر، بين الاستقامة والانحراف، بين الطاعة والمعصية، بين الإقبال والإدبار، الحقيقة أن المسافة كبيرة جداً، للتوضيح أحياناً هناك سجاد من أرقى أنواع السجاد، قد يكون ثمن الواحدة بالملايين، وهناك سجاد آلي، صوف، وشكله جميل، ويؤدي الوظيفة، فالفرق جمالي فقط، لكن الفرق بين سجادة وبين قنبلة، الفرق كبير جداً، هنا تجلس عليها وترتاح، وهنا يموت الإنسان، أنا أتمنى من خلال المثل القرآني حينما يقول الله عز وجل: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/01.jpg

﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
[ سورة هود عمران: 24 ]
أنت حينما تعلم أن المسافة بين المؤمن وغير المؤمن كبيرة جداً، كبيرة إلى درجة يصعب تصورها، فأنت عرفت الحقيقة: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
[ سورة هود عمران: 28 ]
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن كبير جداً، إنسان بصير و آخر أعمى، إنسان سميع و آخر أصم، إنسان يتقلب في رحمة الله، و آخر يتقلب في غضب الله، إنسان أموره ميسرة، والدليل: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى* وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 1-10 ]
البشر عند الله عز وجل صنفان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة الكرام، أنا فيما أتصور أن هناك تقسيمات لبني البشر لا تعد ولا تحصى، يقول لك: العرق الآري، الأنغلو سكسوني، والعرق السامي، والبيض، والملونون، دول الشمال، دول الجنوب، والعالم الغربي، والدول المتقدمة والنامية، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، تقسيمات بني البشر لا تعد ولا تحصى، وأحياناً المجتمع يوصف بأنه فسيفسائي http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/02.jpg
أما الحقيقة هؤلاء البشر عند خالق البشر صدقوا ولا أبالغ لا يزيدون عن صنفين لا ثالث لهما، على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، وتياراتهم، واتجاهاتهم، وميولهم، البشر عند الله صنفان، أعمى وبصير، وأصم وسميع، مؤمن وكافر، مقبل ومدبر، محسن ومسيء، فيما أرى أن في تاريخ البشرية كان هناك حق نرمز له باللون الأبيض الناصع، و باطل نرمز له باللون الأسود الداكن، وبينهما مساحة كبيرة جداً من اللون الرمادي، أي بين بين، مع تقدم الزمن المساحة الرمادية بدأت تختفي، الآن هناك حق وباطل، مؤمن وكافر، مستقيم ومنحرف، محسن ومسيء، بصير أعمى، سميع وأصم، المفارقة حادة جداً، لذلك من هذه الآيات:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة:18]
إنسان يملك تسعين ملياراً وإنسان عليه دين يقدر بتسعين ملياراً، هناك فرق كبير جداً: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة:18]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/03.jpg
لذلك المؤمن لأنه عرف الله، لأنه عرف سرّ وجوده، عرف غاية وجوده، عرف حقيقة الحياة الدنيا، عرف أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، وأن من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
أيها الأخوة الكرام، ليس من الصعب ولا من المستحيل أن تكون مع الفريق المستنير، مع الفريق المؤمن، والسبب أن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا إذا كان التكليف ضمن وسعه، ضمن إمكاناته، فهناك شهوات لكن هذه الشهوات مسموح لك أن تتحرك من خلالها بزاوية معينة، نضرب على هذا مثلاً، شهوة الجنس مسموح لك بالزواج، ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، صدق ولا أبالغ شاب مؤمن، صالح، مستقيم، يغض بصره، ضابط لسانه، ضابط أعضاءه وجوارحه، يعبد ربه، يؤدي شهواته، هذا الإنسان لو تزوج، هذه المرأة تعد له جنةً، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة البقرة: 201]
قال علماء التفسير: الزوجة الصالحة من حسنات الدنيا، إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك. الحق لا يخشى البحث لأنه واضح نير :
معنى ذلك اعتقد يقيناً أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، لكن هناك تنظيماً، الإسلام نظيف، الإسلام واضح، الإسلام لا يوجد فيه شيء يستحيا به، الحق لا يستحيا به، كلكم تستمعون أحياناً، أبواق المركبات هناك عرس، لا يستحيون؟ لا، لا يستحيون، الله شرّع الزواج، شرع تأسيس أسرة، إلى أين هم ذاهبون؟ إلى لقاء حميم، لا يستحيون إطلاقاً، شيء مشروع، الحق لا يستحيا به، الحق لا يخشى البحث، مهما بحثت فيه واضح نير، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ))
[ الذهبي عن العرباض بن سارية ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/04.jpg
بيضاء نقية، الأمور واضحة، الهدف واضح، الوسائل واضحة، القرآن بين أيدي الناس جميعاً، فلذلك اعتقد يقيناً أن الحق لا يستحيا به، وأن الحق لا يخشى البحث، وأن الحق لا يحتاج أن تكذب له، ولا يحتاج أن تكذب عليه، ولا يحتاج أن تقلل من خصومه، ولا يحتاج أن تبالغ فيه إطلاقاً، لا تبالغ، ولا تقلل، ولا تستحي به، الحق هو الله: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة:18]
مرة إنسان أراد أن يحرج إنساناً داعية، قال له: تقول: إن المؤمن سعيد، قال: والله ليس سعيداً، شأنه شأن أي إنسان آخر، هناك موجة حر شديدة يتعرض لها، غلاء أسعار يتحملها، مثله كمثل أي إنسان، فسألني هذا السؤال بماذا أجيب؟ فكان جوابي قلت له: إذا إنسان عنده ثمانية أولاد، والقوة الشرائية اليوم للعملة، ودخله أربعة آلاف ليرة، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، له عم يملك خمسمئة مليون، لكن لا يوجد عنده أولاد، عمه مات بحادث، الخمسمئة مليون لمن تؤول؟ لابن الأخ كلها، لكن متى يقبضها؟ يحتاج إلى سنة، هناك براءات ذمة في المالية، ووثائق، ومعاملات طويلة، لماذا هو في هذه السنة أسعد إنسان؟ لم يأخذ قرشاً، لم يأكل زيادة، لم يشترِ معطفاً، لكنه دخل بالوعد القطعي، كأن الخمسمئة مليون ملكها، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص : 61 ]
المؤمن عنده راحة نفسية لأن علاقته مع جهة واحدة هي الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، تأكد أن المسافة بين المؤمن وبين غير المؤمن مسافة يصعب تصورها، والله تعالى يقول:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة:18]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم : 35-36 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/05.jpg
المؤمن عنده من الداخل راحة نفسية، علاقته مع جهة واحدة، هذه الجهة غنية، وقوية، وخبيرة، وعليمة، وحكيمة، وتحبه: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[ سورة المائدة :54]
علاقته مع جهة واحدة يرضي هذه الجهة، وهذه الجهة العظيمة الله عز وجل، يحميه من كل أعدائه، وضعه النفسي رائع جداً، وضعه الاجتماعي متوازن، شخصيته قوية، اختار زوجة صالحة، لا تخونه، اختار زوجة صالحة ترعى أولاده، اختار زوجة صالحة تسره إن نظر إليها، تحفظه إن غاب عنها، تطيعه إن أمرها، اختار حرفة شريفة، هناك حرف رائعة جداً فيها عطاء، حرف التعليم مثلاً، هناك حرف كثيرة جداً أساسها نقل المعرفة، أساسها عمل صالح، فالمؤمن حرفته شريفة، زوجته طاهرة، أولاده أبرار، أي وضع المؤمن العام ممتاز جداً، لأنه توجه إلى الله. أسعد الناس من يشعر أن الله معه في كل حين :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5034/06.jpg
فيا أيها الأخوة الكرام، قضية الآية الكريمة المثل:
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
[ سورة هود : 24 ]
والله الذي لا إله إلا هو لو أن المؤمن أكل أخشن طعام، وسكن بأصغر بيت، وهو يشعر أن الله يحبه، وأن له مستقبلاً كبيراً، والآخرة فاز بها، فهو أسعد الناس، لذلك لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثالث )


الموضوع : قال تعالى ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت....)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. حكمة الله في أن يكون الإنسان ضعيفاً :
أيها الأخوة الكرام، من الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
[سورة العنكبوت]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/01.jpg
الحقيقة أيها الأخوة، أنه من مسلمات العقيدة أن الله واجب الوجود، لكن ما سوى الله ممكن الوجود، معنى ممكن: أي ممكن أن يوجد أو ألا يوجد أصلاً، ما سوى الله ممكن الوجود، وهناك معنى آخر: وإذا وجد يمكن أن يوجد على ما هو عليه الآن، أو على خلاف ما هو عليه، إذاً شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان ضعيفاً، قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
[سورة النساء]
ضعيف، ينهار لأي خبر سيئ، يضعف أمام الأمراض، أمام الفقر، أمام الأقوياء، في أصل خلقه نقطة ضعف أرادها الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة، إن الإنسان خلق ضعيفاً، نقطة الضعف في أصل خلقه، لماذا؟ من حكم هذا الضعف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر بضعفه إلى الله، فإذا افتقر بضعفه إلى الله سعد بافتقاره، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه، خُلقت ضعيفاً كي تفتقر إلى الله، وبهذا الافتقار إلى الله تكون أسعد الخلق، ولن تكون قوياً لأن القوي يستغني بقوته عن الله فيشقى باستغنائه. التولي و التخلي :
لذلك الإنسان في أصل خلقه ضعيف، هكذا أراد الله، ولحكمة بالغة بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، إنسان قوي له مكانة، غني، عاقل، ترتعد فرائصه لتقرير صحي أن في بعض أنحاء جسمه ورماً خبيثاً،
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/02.jpg
لكن ما أرادنا أن نكون ضعفاء إلا لنفتقر إلى الله بهذا الضعف، فإذا افتقرنا إليه قوينا، لذلك الصحابة الكرام هم قمم البشر، وهم نخبة البشر، في بدر افتقروا إلى الله، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
[سورة آل عمران الآية:123]
أي مفتقرون إلى الله، هم هم ومعهم سيد البشر، معهم سيد الخلق وحبيب الحق في حنين اعتدوا بعددهم، فقالوا: ((لن نغلب اليوم من قلة))
[أخرجه البزار عن أنس بن مالك]
فقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة]
أي أنت أيها الإنسان بينما أن تقول: الله، فيتولاك، وبين أن تقول: أنا، فيتخلى عنك، أنت بين التولي والتخلي، وهذا الدرس تحتاجه، لا أقول كل يوم، ولا أقول كل ساعة، بل كل دقيقة، لمجرد أن تعزو قوتك إليك يتخلى الله عنك، ولمجرد أن تفتقر إليه يتولاك، هذا القانون إذا قلت: أنا يتخلى عنك، إذا قلت: الله يتولاك. الكلمات المهلكات في القرآن الكريم :
لذلك قالوا: بعض الكلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي، قال إبليس:
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
[سورة الأعراف]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/03.jpg
فأهلكه الله، وقال قوم بلقيس: ﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
[سورة النمل الآية:33]
فأهلكهم الله، وقال قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
[سورة القصص الآية:78]
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
[سورة القصص الآية:81]
وقال فرعون: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
[ سورة الزخرف الآية: 51]
فأهلكه الله. الإنسان في أصل خلقه ضعيف ليفتقر إلى الله فيسعد في الدنيا و الآخرة :
أنت خلقت ضعيفاً كي تفتقر بضعفك، فإذا افتقرت بضعفك سعدت بافتقارك، ولو خلقت ضعيفاً دون أن تشعر لاستغنيت بقوتك وشقيت باستغنائك، هذه حقيقة أولى، فأنت ضعيف، والضعيف دائماً بحاجة إلى قوي يعتمد عليه، يحميه، يدافع عنه، يسأله، يستجير به، يستغيث به، يدعوه.
النقطة الدقيقة الآن: أنت في أصل خلقك ضعيف، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، أراد الله أن تفتقر إليه، جُعلت ضعيفاً كي تفتقر إليه، وكي تسعد بافتقارك إليه، وكي تصبح قوياً بافتقارك إليه، وكي تصبح غنياً بافتقارك إليه، وما أرادك أن تكون قوياً فتستغني عنه فتشقى باستغنائك.
ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في الآية التالية :
لذلك الله عز وجل بيّن لنا في كتابه الكريم:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/04.jpg
لكن ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في هذه الآية: الحقيقة خيط العنكبوت وقد لا تصدقون أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف، ذلك أن الأشياء إذا قاومت قوى الشد كانت متينة، فإذا قاومت قوى الضغط كانت قاسية، فالقسوة مقاومة قوى الضغط، والألماس أعلى عنصر في الأرض يقاوم قوى الضغط، بينما الفولاذ المضفور يعد أقوى عنصر في الأرض يقاوم قوى الشد، لذلك المصاعد تتحرك بأسلاك الفولاذ المضفور، التل فريك ينتقل عبر الفولاذ، عندنا مقاومة قوى الشد، مقاومة قوى الضغط، أمتن عنصر هو الفولاذ المضفور، وخيط العنكبوت يساوي خمسة أضعاف متانة الفولاذ، لكن بعض العلماء قالوا: الضعف في هذه الآية: ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
هذا ضعف اجتماعي. على المسلمين أن يبتعدوا عن الفتن الطائفية التي تفرقهم و تضعفهم :
تخيل قبل أن تنام أن ملياراً وخمسمئة مليون إنسان كلمتهم واحدة، ينطق باسمهم واحد، يتخذون قراراً واحداً، مجمعون على قرار واحد، يتحركون بسياسة واحدة، هم أقوى قوة في الأرض، المسلمون مليار وخمسمئة مليون، يتربعون على أفضل مناطق في الأرض، مناطق بالتعبير المعاصر استراتيجية، يملكون أكبر ثروات الأرض، لكنهم مع الأسف الشديد أفقر شعوب الأرض، لأن ضعفهم من تشتتهم، ولأن ضعفهم من اختلافهم، ولأن ضعفهم من خصوماتهم.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/05.jpg
لذلك ماذا فعل فرعون وهو الطاغية الأول؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
[ سورة القصص]
قوة فرعون بالفتن الطائفية، قوة فرعون أنه جعل قومه شيعاً وأحزاباً.
لذلك أيها الأخوة، الغرب وضعنا في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، ترون أن القوي في بلاده ليس هناك طرح طائفي إطلاقاً، إذا أتوا إلى بلادنا هذا عربي، هذا آشوري، هذا كردي، وهذا مسلم، وهذا سني، وهذا شيعي، يستخدمون ورقة الفتن الطائفية، كأربح ورقة بيدهم.
فلذلك: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾
اعتمد على غير الله، اعتمد على ماله، أو على صحته، أو على مكانته، أو على قراراه، أو على حكمته، هذا الذي يعتمد على جهة من دون الله لابد من أن يصاب بخيبة أمل، لذلك قالوا: من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى. ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
ومن الكلمات الجامعة المانعة: "لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه"، فأنت لمجرد أن تعتمد على جهة أرضية، وأن تضع كل ثقلك عليها، وأن تنسى ربك، أنت لجأت إلى أضعف ركن، وهذا الركن لن يحميك، ولن يسعدك، ولن يعطيك ما كنت تتمنى. ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5046/06.jpg
من اعتمد على ماله افتقر، من اعتمد على مكانته ذُلّ، لذلك عليك الاعتماد على الله، وأكبر درس بدر وحنين، الصحابة الكرام في بدر قالوا: الله فتولاهم، هم أنفسهم قالوا في حنين: ((لن نغلب اليوم من قلة))
فتخلى الله عنهم، والمؤمن يحتاج إلى هذا الدرس كل ساعة، يكفي أن تعتد بنفسك، أو أن تعتد بنسبك، أو أن بقوتك، أو أن تعتد بمالك، فيتخلى الله عنك، هذا درس بليغ ينبغي أن نحفظه جميعاً: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
وهن: ضعف، خيوط العنكبوت متينة جداً، لكن علاقة العنكبوت الذكر بالأنثى علاقة سيئة جداً، علاقة الأنثى بأولادها سيئة جداً، تأكل أولادها، وقد تعتدي الأنثى على الذكر، أي لا يوجد أية علاقة طيبة ضمن هذه الأسرة، إذاً هذا البيت ضعيف ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
والبطولة: "لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه"، اعتقد يقيناً أن الشيء الوحيد المخيف في الأرض هو أن تقترف ذنباً يستحق عقاب الله عليه، والشيء الوحيد المنجي أن تكون موحداً، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الرابع )


الموضوع : قال تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. البشر عند الله عز وجل قسمان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في أمثال القرآن الكريم، والمثل اليوم قوله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
[ سورة النور: 39 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/01.jpg
المقطع الأول من هذه الآية أن البشر كما تعلمون لهم تقسيمات لا تعد ولا تحصى، ولكن البشر عند الله قسمان لا ثالث لهما؛ مؤمن وكافر، مستقيم ومنحرف، مقبل ومدبر، محسن ومسيء، سماها بعض الفلسفة الأثنينية، في الحياة خير وشر، وحق وباطل، وخلق وسوء خلق، في حياتنا دائماً شيئان متناقضان.
لذلك أنت كائن متحرك، ما الذي يحركك؟ حاجات أودعها الله فيك، أنت بحاجة إلى الطعام والشراب إذاً تتحرك، بحاجة إلى الشق الآخر، إلى زوجة، والزوجة إلى زوج، إذاً يتحرك ليتزوج، بحاجة إلى تأكيد الذات يسعى ليتفوق، لأن عنده حاجات ثلاثة، حاجة إلى الطعام والشراب، حاجة إلى الطرف الآخر، حاجة إلى تأكيد الذات، هو كائن متحرك، هنا المشكلة، هذه الحركة إما أن تأتي وفق منهج الله، فأنت مؤمن، وأنت الناجح والفالح، وأنت من أهل الجنة، وإذا جاءت هذه الحركة بخلاف منهج الله فهذا هو الكافر، والمشرك، والفاسق، والمنحرف، والهالك في الدنيا والآخرة، القضية فيها حالتان متناقضتان، مؤمن وغير مؤمن، سعيد وشقي، موفق وغير موفق، متصل ومنقطع، أخلاقي ولا أخلاقي، صاحب مبدأ وصاحب مصلحة، هذه الأثنينية. حجم الإنسان عند الله بحجم عمله ونوعه :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/02.jpg
الكافر إذا تحرك حركته استيقظ صباحاً، انطلق إلى عمله، حركته قد يتوهمها أنه يحقق إنجازاً كبيراً لكن خالق الأكوان يقول لنا: حركته تشبه سراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماء، والعملية معقدة جداً في شرحها العلمي، إنسان يمشي في وقت حار جداً في الصحراء، ليس فيها قطرة ماء انعكاس الأضواء على الأرض قد يشكل ما يوهم أنه ماء، فدائماً غير المؤمن الكافر يظن أنه يقدم إنجازاً كبيراً، هذا الإنجاز لا وزن له يوم القيامة، والدليل:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾
[ سورة الفرقان الآية : 23 ]
ليس له وزن أحياناً، يكون العمل سيئاً، عمل فيه إفساد، فيه إضلال، فيه استغلال، فيه تعذيب لصنف من البشر، فيه حرمان لقسم من البشر، وأحياناً العمل ظاهره جيد لكن وراءه نوايا سيئة، أي إحباط العمل بإحدى حالتين؛ إما أن يكون العمل في الأصل ساقطاً، عمل محبط، أو أن يكون عملاً حسناً في ظاهره لكن ينطوي على نوايا لا ترضي الله عز وجل، فأنت حجمك عند الله بحجم عملك، ونوع عملك، قال تعالى: ﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾
[ سورة الأنعام: 132 ]
كل ذنب يقترفه الإنسان يعد حجاباً بينه وبين الله :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/03.jpg
أيها الأخوة الكرام، الأمر بالضبط، طريق سمّه إن شئت الطريق إلى الله، غير المستقيم في هذا الطريق عقبات كؤود تحول بينه وبين متابعة السير على هذا الطريق، كل معصية عقبة كؤود، أنت راكب سيارة، أمامك طريق، عرضه أربعة أمتار، فيه صخرة عرضها أربعة أمتار، ارتفاعها أربعة أمتار، هل تستطيع أن تمشي؟ هذه عقبة كؤود، ما هي الاستقامة؟ هي أن تزيح هذه العقبات من هذا الطريق إلى الله، كان هناك كذب تركت الكذب، كان هناك علاقة لا ترضي الله مع النساء تركتها، كان هناك كسب مال حرام تركته، فكل معصية هي عقبة كؤود في السير إلى الله، لذلك أيها الأخوة لو إنسان توقف وصلى، وقرأ الفاتحة، وقرأ سورة، وركع، وسجد، إذا كان عنده مخالفات كبيرة، عنده مال حرام، عنده حرام من نوع آخر، هذه تمنعه أن يتصل بالله، يستطيع أن يصلي أما أن يتصل بالله فلا يستطيع، لذلك كل ذنب يقترفه الإنسان يعد حجاباً بينه وبين الله.
العمل الصالح أحد أكبر أسباب الإقبال على الله عز وجل :
الآن تصور إنساناً أزال كل هذه العقبات، ماله حلال، بيته إسلامي، زوجته محجبة، مثلاً دخله صحيح، عمله متقن، أي استقام والاستقامة بشكل أو بآخر سلبية، أي أثناء بيعه وشرائه ما كذب، ما: حرف ناف، ما غش ، ما احتال، هذه الاستقامة تحقق له السلامة فقط، لكن صدقوا ولا أبالغ وأنا أعني ما أقول، السلامة وحدها ليست مسعدة لأنها امتناع، ما كذبت ما عندك مشكلة، ما غشيت ما عندك مشكلة، ما أكلت مالاً حراماً ما عندك مشكلة، ما طلقت زوجتك طلاقاً تعسفياً ما عندك مشكلة، أنت مستقيم لكن السلامة شيء والسعادة شيء آخر، السلامة أساسها الامتناع عن أي معصية، أما السعادة أساسها التقرب إلى الله بالعمل الصالح http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/04.jpg
لذلك نحن نستخدم دائماً في الحديث عن العمل كلمتين، الاستقامة والعمل الصالح، الاستقامة الامتناع عن كل معصية أي أنت أزلت جميع العقبات بالطريق إلى الله صار الطريق فارغاً من أي عقبة وسالكاً، العمل الصالح هو الحركة على هذا الطريق:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[ سورة فاطر: 10]
وبالنهاية لك عمل إجمالي، هذا العمل إما أنه في مرضاة الله أو في سخط الله، عملك الصالح أحد أكبر أسباب الإقبال على الله، والعمل السيئ أحد أكبر الأسباب في الابتعاد عن الله: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
[ سورة النور: 39 ]
يقول لك: عملنا أوبرا نحن لا يوجد عندنا أوبرا، هناك أعمال تسمى حضارية ممكن لكن كوزن في الآخرة لا وزن لها، هناك أعمال لا تعد ولا تحصى يمكن أن تسمى في مقياس العصر عملاً حضارياً، أما في ميزان الآخرة فلا وزن لها إطلاقاً، العالم كله اعتنق ديناً جديداً هو دين الكرة، أنت تعمق ما الذي حدث؟ البطولة الأولى هل حلّ مشكلة الفقر؟ هل وحد الأمة؟ .
لو حللت الكرة تحليلاً عميقاً العالم كله في الخمس قارات يقوم ولا يقعد، يختل توازنه على إدخال الكرة بمكان، هناك صورة لزعيم أوربي كبير جداً عندما دخلت الكرة توقف وقام من مقعده وأصبح كأنه طفل، معقول!! هناك أعمال بمقياس القيامة ليس لها وزن إطلاقاً، في الدنيا بطولات، وكؤوس، وجوائز، فالبطولة أن تقيس العمل بميزان الآخرة. تطابق مقاييس المؤمن في تقييم الأشياء مع مقاييس القرآن الكريم :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/05.jpg
بالمناسبة المؤمن مقاييسه في تقييم الأشياء متطابقة مع مقياس القرآن الكريم، من هذه المقاييس:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
بصراحة مقاييس أهل الدنيا، اشترى أرضاً تضاعف سعرها مئتي ضعف، صار فوق الريح بتعبير آخر بيته في الجنة ـ قبَرَ الفقر ـ مقياس مادي فقط، أو إنسان استطاع أن يكون وكيلاً لشركة وكالة حصرية، وعليها طلب شديد، وهو وكيل حصري، والبيع بشكل مخيف، والأرباح تتراكم، تجد مقياسه إما نجاحه بعمل تجاري أو صناعي، أنا أسميه نجاحاً، لكن النجاح في الدنيا لا يسمى فلاحاً، انتبه الفلاح هو النجاح في الآخرة: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾
[ سورة الأعراف: 157 ]
النجاح في الدنيا لا يسمى فلاحاً فالفلاح هو النجاح في الآخرة :
النجاح قد تنجح في الدنيا والنجاح في الدنيا لا يسمى نجاحاً إلا إذا كان شمولياً، أي إذا نجحت مع الله في معرفته، وفي طاعته، وفي الإقبال عليه، ونجحت في بيتك، أب ناجح، زوج ناجح، إن كنت أنثى؛ أم ناجحة، زوجة ناجحة، نجحت مع الله في معرفته، وطاعته، وعبادته، ونجحت مع أهلك وأولادك، ونجحت في عملك، ونجحت في صحتك، مجموع هذه البنود الأربع، تسميك ناجحاً هذا النجاح شمولي، لذلك البطولة بالفلاح، نجاح في الدنيا والآخرة:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
[ سورة النور: 39 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5035/06.jpg
مثل المال في بداية الحياة شيء نفيس جداً، في منتصف الحياة شيء ولكن ليس كل شيء، وهو على فراش الموت ليس شيئاً، الشيء الحقيقي طاعتك لله، من هو الفالح؟ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
[ سورة آل عمران: 185 ]
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))
[ ورد في الأثر ]
نجاح الإنسان مع الله أصل كل نجاح :
أيها الأخوة الكرام، بطولتنا جميعاً في أن ننجح مع الله، وهو أصل كل نجاح، إن نجحت مع الله في الأعمّ الأغلب تنجح في بيتك كزوج، وكأب، إن نجحت مع الله في الأعمّ الأغلب تنجح في عملك، عندك مبادئ وقيم، وفي الأعمّ الأغلب إذا نجحت مع الله نجحت في صحتك، قواعد الشرع تحدد لك طريقة الطعام والشراب، والنوم والحركة في الحياة، فلذلك النجاح محقق، والإخفاق متعب جداً، ومؤلم، والنجاح أساسه طاعة الله.
مرة ثانية: نجاحك مع الله أصل كل نجاح، يأتي بعده نجاحك في بيتك، نجاحك في عملك، نجاحك في صحتك، وفي لقاء آخر نتابع هذه الآية .


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الخامس )


الموضوع : قال تعالى ( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين. الله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياء والمرسلين :
أيها الأخوة، الآية الكريمة:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
[سورة النور]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/01.jpg
تتمة هذه الآية: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
[سورة النور]
أيها الأخوة الكرام، لا بد من تقديم لشرح هذه الآية، الله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياء والمرسلين، لكن تصور إنساناً يقول: أنا رسول الله، معه منهج، والمنهج افعل ولا تفعل، فيه تحريم، والذي ألف الحياة من دون ضابط يرفض هذا المنهج، والدليل الآية الكريمة: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
[سورة الرعد الآية:43]
المعجزات هي شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله :
السؤال: كيف يشهد الله لعباده أن هذا الإنسان الذي أرسله لهم هو رسوله؟ لا بد من أن يشهد له بالرسالة، لتكون هذه الرسالة دليلاً على نبوته، الأنبياء السابقون شهد الله لهم بالرسالة عن طريق معجزات حسية، وتعريف المعجزات الحسية: أنها خرق لنواميس الكون، فسيدنا عيسى أحيا الميت، وهذا فوق إمكان كل البشر http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/02.jpg
سيدنا موسى ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سيدنا إبراهيم وضع في النار فلم يحترق، هذه المعجزات الحسية هي في حقيقتها شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله.
لكن الأمر مع رسول الله مختلف، النبي عليه الصلاة والسلام ليس كبقية الأنبياء أرسلهم الله لأقوامهم فحسب، النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعثته خاتمة البعثات، وكتابه خاتم الكتب، فلا بد من أن تكون معجزته ليست حسية، بل علمية مستمرة، لأن المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت، فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، أي شيء وقع وانتهى، لكن النبي الذي سيأتي بعده يأتي بمعجزه أخرى، إلا أن الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف أشد الاختلاف، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، بعثته خاتمة البعثات، كتابه خاتم الكتب، كيف تكون المعجزة مستمرة؟ لن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية.
الله عز وجل الذي خلق الكون هو الذي أنزل القرآن الكريم :
لذلك في هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا آيات كثيرة تزيد عن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، لكن بعض هذه الآيات وقد أقول معظمها ليست حديثاً عن قوانين الكون، بل سبقاً علمياً لهذه القوانين، أي: قرآن نزل قبل ألف وأربعمئة عام، فيه إشارات إلى حقائق علمية تمّ كشفها قبل عشر سنوات أو عشرين عاماً، فهذا دليل قطعي مفحم على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، مثلاً هناك قضية معقدة جداً، بعد مئات السنين أي بعد ألف وأربعمئة عام من تطور علم الأجنة توصل العلماء إلى أن الذي يحدد جنس الجنين ذكراً أم أنثى، ليست البويضة ولكنه الحوين "النطفة"، تفتح القرآن الكريم وتقرأ:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
[سورة النجم]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/03.jpg
هذا الشيء توصل العلماء إليه بعد مئات السنين من البحث والدرس في علم الأجنة، بالقرآن الكريم إشارة فقط.
صعد رائد فضاء إلى القمر، حينما كان هذا الرائد في طبقة الهواء التي تزيد عن خمسة و ستين ألف كيلو متر، لما تجاوز هذه الطبقة ودخل في الفضاء الخارجي، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً، ما الذي حصل؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/04.jpg
هناك حادثة فيزيائية موجودة ضمن الهواء اسمها انتثار الضوء، أي إذا سلطت أشعة الشمس على الهواء بعض ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة إلى مكان آخر، يكون هناك حالة اسمها انتثار الضوء، قف أنت في النهار بمكان ليس فيه أشعة شمس لكن المكان مضيء، من أين جاء هذا الضوء؟ من انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء انعدم انتثار الضوء صار هناك ظلام دامس، عندئذ صاح رائد الفضاء في أعلى صوته في أول رحلة اسمها أبولو، في أول رحلة تخطى فيها الإنسان طبقة الهواء ودخل في الفراغ أو في الفضاء الخارجي، قال: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، كلام طيب هذا عرف قبل ثلاثين عاماً، أما أن تأتي آية في القرآن الكريم تشير لهذه الحادثة قبل غزو الفضاء، وقبل صعود الإنسان للقمر، هذا دليل قطعي مئة في المئة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، الآية: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
[سورة الحجر]
هذا التطابق المذهل بين أحدث الكشوفات العلمية، وبين آية في كتاب نزل على النبي الكريم قبل ألف وأربعمئة عام، دليل قطعي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن. الآية التالية ينطبق مضمونها على أحدث الكشوفات العلمية :
أخواننا الكرام،
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق، ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/05.jpg
هناك حقائق في أعماق البحار، متى كشفت؟ كشفت بعد اختراع الغواصات، الإنسان في تاريخه الطويل ركب البحر على سفينة، أما أن يغوص في أعماق البحر بغواصة يرى كل شيء في الأعماق السحيقة هذا شيء جاء متأخراً.
لذلك مضمون هذه الآية ينطبق تماماً على أحدث الكشوفات العلمية، لا أحد يعلم أن في البحر طبقة عليا وطبقة سفلى، البحر بحران؛ بحرٌ فوق وبحرٌ تحت، ولكل بحر موج، ولكل بحر تيارات مائية، لذلك الإنسان كما قرأت في الحرب العالمية الثانية اكتشف هذه التيارات المائية في أعماق البحار، ماذا فعل؟ أصبح بالغواصات ينزل إلى هذه الأعماق ويطفئ المحركات فتمشي، ينتقل من مكان إلى آخر من دون صوت محرك يكشف وجوده، في بحر آخر موج أول وثان وثالث، وهذا البحر الآخر ظلامٌ دامس، فأشعة الشمس ينعدم ضوءها كلياً فيما قرأت بعد مئتي متر، يقول لك: ظلمات ثلاثة ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الموج، فالأمواج السفلية في الطبقة السفلى من البحر، له أمواج، وله خصائص، وله تيارات، وله حركة، لا علاقة لها بالبحر العلوي أبداً.
لذلك الآية: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق، هذا البحر الثاني ﴿ يغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾
والدليل أن البحر العميق ﴿ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾
ظلامٌ دامس، ظلمة صماء بعد مئتي متر لا ترى شيئاً، لذلك الظلمات الثلاثة قالوا: ظلمة الليل، وظلمة أعماق البحر، وظلمة قلب الحوت، ما كان هذا النبي في حوت فهناك ظلمات ثلاثة، ظلمة بطن الحوت، وظلمة أعماق البحر، وظلمة الليل، ﴿ بعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
الإعجاز العلمي شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن كلامه :
أخوتنا الكرام، الموضوعات العلمية في القرآن الكريم مبثوثة بألف وثلاثمئة آية، لكن بعض هذه الآيات وقد تصل إلى نصفها فضلاً عن أنها موضوعات علمية هي موضوعات إعجازية، لأن النبي الكريم شهادة الله له أنه نبيه ليست المعجزات الحسية، ولكن هذه الآيات الكونية في القرآن الكريم، بأي علم من علوم الأرض، العلوم تطورت وتطورت وتطورت، حتى استقرت الآن بوضع متقدم جداً، تأتي آية في كتاب الله تشير إلى هذا الوضع الأخير المتقدم، معنى ذالك أن الله الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5888/06.jpg
إذاً في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، معظم هذه الآيات أو نصفها في الإعجاز العلمي، والإعجاز العلمي شهادة الله لهذا النبي الكريم أن هذا القرآن كلامه، والأدلة كثيرة كقوله تعالى :
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
[سورة يس]
هذه الذرة، كل شيء بالكون فيه كهارب تدور حول نقطة، ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
في خلق الإنسان ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
تقرأ في سورة النحل: ﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
[سورة النحل الآية:8]
الحديث عن سيارة، وعن طائرة، وعن سفينة، أو عن غواصة، مع نزول القرآن لا معنى له إطلاقاً، يقول لك: ﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
يأتي إنسان راكب طائرة، أحدث طائرة تسع أربعمئة وخمسين راكباً كأنك في البيت، على ارتفاع أربعين ألف قدم مقعد وثير يصبح سريراً، أمامك كل شيء، صحف، مجلات، أمامك قنوات، فضائيات، فتح القرآن: ﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾
لا بغل، ولا خيل، ولا حمار، هذه طائرة " 777"، أكمل الآية: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[سورة النحل الآية:8]
معنى ذلك أن هذا القرآن كلام خالق الأكوان، الله عز وجل يعلم ما سيكون، علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، قال: ﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
لولا هذه التتمة لكان هذا القرآن كلام سيدنا محمد، بحياته هناك خيل وبغال وحمير فقط، لا يوجد طائرات، ولا غواصات، ولا سيارات، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
هذه غطت وسائل النقل المتطورة.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السادس )


الموضوع : قال تعالى ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. أي إنسان ما لم يطلب العلم بل انشغل عنه هبط عن مستوى إنسانيته :
أيها الأخوة الكرام، الآية اليوم:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، هناك جماد و نبات و حيوان و إنسان، الجماد يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، وله ثلاثة أبعاد، أما النبات يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله ثلاثة أبعاد، لكنه ينمو، الحيوان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله ثلاثة أبعاد، وينمو كالنبات، لكنه يتحرك، الإنسان كائن يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله ثلاثة أبعاد، وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، لكنه يفكر، أودع في الإنسان قوة إدراكية، بهذه القوة الإدراكية يتميز عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية حاجتها العلم، فأي إنسان ما لم يطلب العلم بل انشغل بطعامه، وشرابه، ومتعته، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، انشغل بطعامه، وشرابه، ومتعته، دون أن يستخدم عقله لمعرفة سرّ وجوده وغاية وجوده، لماذا هو في الدنيا؟ من الذي خلقه؟ لماذا خلقه؟ ماذا بعد الموت؟ هل الحياة هي الدنيا ولا حياة بعدها أم أن هناك حياة أخرى إلى الأبد؟ هذه الأسئلة الكبيرة إن لم يهتم بها، ولم يبحث عنها، ولم يعرف لماذا خلق، ومن أي المخلوقات هو فهو خاسر. الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف وعلة وجوده في الدنيا أن يعبد الله :
الإنسان هو المخلوق الأول:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
[ سورة الأحزاب: 72 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/02.jpg
هو المخلوق المكرم: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
[ سورة الإسراء: 70 ]
والإنسان هو المخلوق المكلف، لقال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات: 56 ]
علة وجودك في الدنيا أن تعبد الله العلة الوحيدة، عفواً طالب دخل مدرسة، قد يختار مقعداً مريحاً، أو جانب النافذة، أو إلى الجهة التي فيها شمس، وقد يأتي بشطيرة معه، أما أن ينسى أنه جاء إلى المدرسة من أجل أن يدرس، هذا أحمق، يمكن أن يكون معك شطيرة تأكلها، يمكن أن يكون معك كتاب ودفتر، يمكن أن تختار مطعماً مريحاً، هذا كله ممكن، لكن تنسى الدراسة كلها، معنى ذلك أنك تنكرت لعلة وجودك في هذه المدرسة. من يفعل فعلاً يتناقض مع وحي الله فهو لم يصدق كلام الله :
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية أقول: سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: "ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ـ من هذه الثلاثة ـ ما سمعت حديثاً من رسول الله حتى علمت أنه حق من الله تعالى".
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/03.jpg
أحياناً يكتب خبر لا يزيد عن عشر كلمات، هناك مشروع لتخفيض الرسوم الجمركية على السيارات إلى خمسين بالمئة، اليوم التالي كل سيارة ينزل سعرها مئتي ألف، خمس كلمات في الجريدة، صار اضطراب بالأسعار، معنى ذلك أن هذا الإنسان صدق ما في الجريدة، كيف بإنسان لا يصدق ما في القرآن الكريم؟ أذكر مرة إنسان كنت أمشي في الطريق استوقفني واستنصحني، أنه خطب ابنته شاب وسيم، من أرقى العائلات، بيت من الطراز الأول، مركبة، معمل، كل شيء كما يتمنى أي أب يزوج ابنته، قال لي: لكن لا يوجد به دين أبداً، أنا ماذا أقول له؟ قلت له: أنت حينما تقرأ القرآن الكريم وتنتهي من قراءته ماذا تقول؟ صدق الله عز وجل، فإذا قرأت قوله تعالى:
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾
[سورة البقرة : من 221]
معنى هذا يجب أن تبحث عن المؤمن، لكن الذي وقع أنه زوجه إياها، وبعد سبعة عشر يوماً من زواجهما كانا في نزهة في أحد مصايف دمشق فتح باب السيارة وركلها برجله، وعاد إلى الشام وحده، ما صدق كلام الله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام، كلام دقيق أنت حينما تفعل فعلاً يتناقض مع وحي الله أنت ما صدقت كلام الله، لذلك تقول أنت بالعيد: الله أكبر، إذا أطعت مخلوقاً وعصيت خالقاً ما قلت الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، إنسان عنده صناعة غذائية، إذا أضاف مادة مسرطنة لكي يجعل لون هذه البضاعة أبيض، السعر يزداد، فهذا الذي يغش غذاء المسلمين من أجل مبلغ من المال لو يوم العيد قال مليون مرة الله أكبر، صدق ولا أبالغ ما قال هذه الكلمة ولا مرة لأنه رأى أن هذا المبلغ الذي يأتيه من ربح عن طريق الغش أكبر عنده من الله. على الإنسان أن يُعمل عقله في هذا الكون أو يتأمل فالمؤدى واحد :
لا تجامل نفسك، كن صريحاً، أنت حينما تطيع إنساناً وتعصي خالقاً، أنت حينما تؤذي الناس من أجل الربح http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/04.jpg
أنت حينما تكون مدرساً وتعطي أسئلة من أصعب ما يكون حتى الطلاب معظمهم يأخذون الصفر، من أجل درس خصوصي، أنت حينما تقنع الموكل أن الدعوى ناجحة، وتعلم علم اليقين أنها لا يمكن أن تنجح، وتبتز أمواله لسنوات طويلة، بأي حرفة، بأي مهنة، بأي مورد رزق، إذا كان هناك غش، أو كذب، صدق ولا أبالغ ما قلت الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، الإسلام مع مضي الأيام يصبح طقوساً وليس عبادات، يصبح تقاليد، يصبح عادات، يصبح فلكلوراً، الإسلام منهج، لذلك الشخصية المؤمنة شخصية فذة فيها مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
إما أن تفكر، أن تتأمل، أن تعمل عقلك في هذا الكون، فتكتشف الحقائق، أو أن تستمع إلى علم جاهز، المؤدى واحد، إن استمعت إلى علم جاهز ـ يسمعون ـ إن أعملت عقلك في هذا الكون ـ يعقلون ـ. الإنسان مكلف فإن لم يلبِ تكليفه شقي إلى أبد الآبدين :
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/05.jpg
الأنعام لهم حجم، وثلاثة أبعاد، ووزن، ويشغلون حيزاً في الفراغ، وينمون، ويتحركون، لكن لا يفكرون، لأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، فإن لم يستخدم هذه القوة صار كالأنعام بل هو أضل، لأن هذا الإنسان مكلف فإن لم يلبِ تكليفه شقي إلى أبد الآبدين، أما الأنعام فليست مكلفة، أي إذا وضعت دابة على حشيش تأكل طوال النهار، لا تعرف هذا الحشيش لصاحبها أم لجار صاحبها، ليست مكلفة، فليس عندها أخطاء لأنها غير مكلفة، أما الإنسان فمكلف حينما ينحرف ويأخذ ما ليس له، فضلاً عن أنه هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، هو محاسب وسوف يحاسب حساباً عسيراً: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
يسمعون، تلقوا العلم الجاهز، يعقلون بحثوا، المؤدى واحد: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
عطلوا القوة الإدراكية: ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الفرقان: 44 ]
سيحاسبون، الأنعام لا تحاسب أما الإنسان فيحاسب. العاقل من عمل لآخرته قبل فوات الأوان :
آية أخرى فيها مثل يقترب من هذا المثل، قال تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5036/06.jpg
التوراة كلفوا بها لكن لم يعبؤوا بها، لم يأخذوا بها، لم يطبقوها، وهذا شأن المسلمين، اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، هناك آيات وأحكام وقصص كلها معطلة: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
أنت ائت بدابة ضع عليها كتاب فيزياء، وكتاب كيمياء، وكتاب فلسفة، وكتاب ديني، وامشِ بها ساعة، اسألها عن تعريف الحديد، عن وزنه الذري، هل من الممكن إذا حملت فوق ظهر الدابة بضعة كتب أن تنبئك بما في الكتب؟ ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
الأسفار جمع سفر وهو الكتاب، والله مثل قاس جداً لإنسان ما عقل، ما بحث عن الحقيقة، ما تعرف على الله، ما عرف سرّ وجوده، ما عرف غاية وجوده، ما عرف من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هذه الأسئلة الكبرى ما عرفها، قد يقول أحدكم: لكنه ذكي جداً، أقول أنا: ما كل ذكي بعاقل، قد تكون ذكياً جداً لكن لست بعاقل، العاقل من عمل لآخرته، قد تكون ناجحاً ولست فالحاً. النجاح و الفلاح :
النجاح شيء والفلاح شيء آخر، الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً، إن نجحت في الدنيا والآخرة فأنت فالح، بل لا أكتمكم إن نجحت في الآخرة وحدها فأنت فالح، لأنه أبد، معنى أبد والله لا يستطيع عقل واحد منا أن يفهم معنى أبد، للتقريب واحد هنا وأصفار للشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً وكل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، اسألوا أخواننا المختصين بالرياضيات، أي رقم ينسب إلى اللانهاية قيمته صفر، تعيش ستين، ثلاثة وأربعين ، ثمانية وثلاثين، سبعة وستين، ثمانية وسبعين، ثلاثة وتسعين عاماً، عمره عندما مات مئة وثلاثين، أمام الأبد صفر، الدنيا كلها صفر، النبي عليه الصلاة والسلام قرب هذا المعنى من أصحابه فقال:
((ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه))
[ الطبراني عن المستورد بن شداد]
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السابع )


الموضوع : قال تعالى ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. حقيقة الإيمان ليس أن يقر الإنسان بوجود الله بل أن يؤمن أنه هو الفعال :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في أمثال القرآن الكريم، والآية اليوم هي قوله تعالى:
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
[سورة الروم]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5889/01.jpg
أيها الأخوة، أن تقول: أنا مؤمن لأنني أُقر بوجود الله، إبليس اللعين قال: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
[سورة ص]
وقال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
[سورة ص]
وقال: ﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
[سورة الأعراف]
لكن حقيقة الإيمان ليس أن تقر بوجود الله، أن تؤمن أنه هو الفعال، هو الرافع، هو الخافض، هو المعطي، هو المانع، هو المعز، هو المذل، الدين توحيد، ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى يداً تعمل عملاً مع الله، أن ترى أن كل شيء بيد الله، أن كل شيء يرجع إلى الله. ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
[سورة هود الآية:123]
من ازداد إيماناً جاءت مقاييسه مطابقة لمقاييس القرآن الكريم :
الحقيقة التوحيد كفكرة سهل، أما أن تعيش التوحيد فهذا شيء يحتاج إلى جهد كبير، مثلاً: حينما تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[سورة الأحزاب]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5889/02.jpg
لو أنك ممن يطيع الله مثلاً ولكنك فقير، رأيت صديقاً لك في أعلى درجات الغنى، بيته فخم جداً، مساحات واسعة، عنده مركبتان أو ثلاث، دخله فلكي، طعام، شراب، ثياب، إذا تصورت أنه هو الفائز، وأنت مطيع لله، وهو لا يطيع الله، فإنك لا تعيش هذه الآية، قد تتحدث عن معناها، قد تدرك معناها، أما أن تعيشها فلا، فرقٌ كبير بين أن تفهم معنى الآية وبين أن تعيشها.
مرة ثانية أنت مطيع لله، والله عز وجل يقول: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
المعنى واضح، سهل جداً، سهل الإلقاء و سهل الفهم، لكن حينما ترى أن هذا الصديق الفاسق، الفاجر، الذي يملك هذه البيوت، وتلك المركبات، وهذه المكانة، وهذا الدخل الفلكي، أن تراه هو الفائز، ولست أنت، أنت لا تعيش الآية، فالبطولة لا أن تفهم معنى الآية أن تعيشها، أعلى درجات الفهم لكتاب الله أن تعيش الآيات، لذلك قال تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
[سورة آل عمران]
يا ترى أنت في حياتك اليومية، في علاقاتك ببني البشر، هل ترى أن تزحزح عن النار وأن يتاح لك دخول الجنة هذا هو الفوز العظيم؟ هذا هو الفوز، فكلما ازداد إيمانك تأتي مقاييسك مطابقة لمقاييس القرآن الكريم، فإذا ضعف الإيمان تستخدم مقاييس أرضية، والآن الناس يُعظمون الأغنياء والأقوياء، ومن له وسامة فائقة، ومن له دخل كبير، ومن له منصب رفيع، هذه مقاييس البشر، لكن عند خالق البشر الإنسان الفائز هو المطيع ولو كان ضعيفاً أو فقيراً، فكلما ازددت إيماناً تأتي مقاييسك مطابقة لمقاييس القرآن الكريم. الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده إلا بعد أن طمأنه :
لذلك الله عز وجل يضرب الأمثال، أنت إنسان صاحب مؤسسة تجارية كبيرة لو عندك بعملك التجاري موظفون، ولك شريك، هل يعقل أن تخاف من هذا الموظف؟ بكلمة واحدة تصرفه من العمل، بكلمة واحدة، هذا موظف، يمكن أن يطالبك بالتأمينات، أو يطالبك بالتعويض، لكن هل يستطيع هذا الموظف الذي جئت به وعينته في المؤسسة أن يزيحك من هذه المؤسسة؟ هل يستطيع أن ينافسك في القرار؟ أن يملي عليك أمراً؟ مستحيل، هو موظف، له حق عندك، تعطيه حقه وانتهى الأمر، أما الشريك، الشريك آمر، الشريك يحاسب، الشريك يسأل، أنت لم تداوم هذه السنة، أنا داومت، أنت لم تبذل جهداً، أنا بذلت، أنت لم تدفع، أنا دفعت، فالشريك يسأل، أما الأجير لا يسأل، فالله عز وجل قال: أنتم لا ترضون لأنفسكم أن يكون عندكم أجير أن يكون شريكاً لكم في العمل، يملي عليكم، ويتدخل في شؤونكم، ويأخذ قراراً، وهو أجير وليس شريكاً، أما الشريك فممكن.
فالله عز وجل يقول: ضرب الله مثلاً من حياتكم، من أنفسكم، من معطياتكم، مما تعيشون،
﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾
أي ملكت أيمانكم من كان يعمل معكم بالمعنى المعاصر، ﴿ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾
هل يعقل أن ﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5889/03.jpg
أن تخاف هذا الأجير كما تخاف الشريك، الشريك يحاسب، والذي له شريك له معلم، هل يعقل أن تخاف هذا الأجير على أنه شريك؟ مستحيل، أنت لا ترضى هذا لنفسك فكيف رضيته لربك، كيف تقول هؤلاء آلهة اللات والعزة، حجر إله؟! أساساً هناك قبيلة صنعت لها إلهاً صنماً من تمر، فلما جاعت أكلته، قالوا: أكلت ودٌ ربها، أي هل من الممكن أن ترى أن قطعة حجر إله، الآن الناس لا يعبدون حجراً، لكن يعبدون بعضهم بعضاً، أنت لمجرد أن تعصي خالقك، وأن تطيع مخلوقاً خوفاً من هذا المخلوق فأنت لا تعرف الله، وأنت لا تعبده عباده حق، القضية خطيرة أيها الأخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
لذلك الله عز وجل، قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك، قال لك: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
فاعبده، متى أمرك أن تعبده بعد أن طمأنك. علاقة المؤمن مع جهة واحدة هي الله عز وجل :
لذلك أخواننا الكرام، أنت تصور موظفاًً بشركة لها صاحب، توفي هذا الصاحب وله خمسة أولاد، فاستلموا العمل مكان أبيهم، لكن هؤلاء الأولاد متشاكسون، متخاصمون، وأنت موظف عندهم جميعاً، هذا يعطيك أمراً أن اذهب إلى هذا المكان، الثاني يسأل عنك لا يجدك يعنفك، حياة لا تطاق، خمسة مدراء متشاكسون وأنت تابع لهم، شيء فوق طاقة البشر، أما تصور لهذه المؤسسة مديراً واحداً، فأنت إذا حسنت تعاملك معه فهذه قضية سهلة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5889/04.jpg
ميزة المؤمن علاقته مع جهة واحدة، مع الله، اجعل الهموم هماً واحداً يكفك الهموم كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، اعمل لوجه واحد يكفك الوجه كلها، أنت حينما تؤمن أن وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك، بيد الله، وأن رزقك بيد الله، وأن الخير من الله، وأن الذي يزعجك من الله، وأنك في قبضة الله، لا تعبد إلا الله، ولا تعبأ بغيره، الآية الكريمة فيها تحدٍّ كبير قال:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
[سورة هود الآية:55]
كيدوني، أي افعلوا ما بدا لكم: ﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
[سورة هود]
لا ترتدوا: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[سورة هود]
مثل للتقريب: وحوش كاسرة، ضباع، ذئاب، أسود، لكنها مربوطة بحبال وأزمة محكمة، أنت علاقتك مع من؟ مع الوحوش أم مع من يقبض زمامها؟ هذه قصة لك، الناس ضعيفو الإيمان، الواقعون في الشرك الخفي، علاقتهم مع الوحوش يخافونه، فإذا اقترب بعض الوحوش منهم انهاروا من الخوف، لكن هناك إنساناً علاقته مع من يملكها، يرضيه، فإذا أرضاه أبعدها عنه. لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :
لذلك ما من حديث جامع مانع كهذا النص:" لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه"، هناك أمراض وبيلة، وحوش كاسرة، أنت في خيمة هناك عقارب، وأفاع، وثعابين، و لصوص، و قطاع طريق، والله الحياة تصور مليون سيف فوق رأس كل إنسان، أي ورم خبث يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
لي صديق يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا، وقدم إلى بلده، وعين بمنصب رفيع جداً، بعد حين فقد بصره، زاره صديق له قال له: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس وأن يرد لي بصري.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5889/05.jpg
بصرك بيد الله، سمعك بيده، حركتك بيده، عقلك بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، حرفتك بيده، دخلك بيده، مكانتك بيده،
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
كل شيء بيد الله عز وجل، والله له منهج، والتعامل معه وفق قوانين، فأنت إذا أرضيت الله وحده رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، ودقق في هذا الحديث حيث لا يوجد أدق منه: ((من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس))
[أخرجه الترمذي والإمام أحمد وابن حبان عن عائشة أم المؤمنين]
ومن ابتغى أمراً بمعصية، كان أبعد ممن رجا، وأقرب ممن اتقى، لذلك ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
عندك أجير أخذ قراراً ببيع المحل، المحل ليس له، من صلاحيات الأجير يبع المحل؟ يطلب منك تعويضاً، يطلب منك زيادة راتب، أما يبيع المحل وأنت لا علم لك فهذا لم يعد أجيراً صار شريكاً، القصة كلها كل ما سوى الله أجير، فإذا أنت عاملتهم كشركاء تكون وقعت في الشرك الخفي، هذا الشرك الخفي خطير جداً، لذلك: (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ـ أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً ـ ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
[ أخرجه البزار عن عبد الرحمن بن غنم ]
أريد أن أقول لكم: هل يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة؟ نعم إنها التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثامن )


الموضوع : قال تعالى ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الآلهة التي عُبدت من قبل آلهة لا وجود لها أصلاً إنما أوجدها بشر ضعاف العقول :
لا زلنا أيها الأخوة في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
[ سورة الروم ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5890/01.jpg
أيها الأخوة، في حياة الناس، في حياة المجتمعات، في حياة الإنسان، في أي مكان، هناك موظف، وهناك شريك، والفرق بينهما كبير جداً، الموظف ينبغي أن يأتمر بما أمرت، وأن ينتهي عما عنه نهيت، الموظف بإمكانك أن تبقيه، أو أن تفصله، الموظف بإمكانك أن ترفع أجرته، أو ألا تستجيب له، لكن هذا الموظف لا يستطيع بيع الشركة، ولا رصد صفقة، ولا عقد شراكة، هذا موظف لكن الشريك يحاسبك، الشريك يطلب الحسابات، الشريك مخير أن يفصلك أو ينهي هذه الشركة، أنت وازن بين موظف وبين شريك، المسافة كبيرة جداً بينهما، فهل يعقل أن تعزو لله شركاء يتصرفون في ملكه كما يشاؤون؟ هل ترضى هذا لنفسك؟.
الله عز وجل يقول: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
من حياتكم اليومية، من مجتمعاتكم، من عاداتكم وتقاليدكم، من طبيعة حياتكم، الشريك يخاف شريكه، لأن الشريك يحاسب، يطالبك بالحسابات، يطالبك بالوثائق، يطالبك بالدوام، يطالبك بأشياء كثيرة، أما الموظف فليس له الحق أن يلغي صفقة، ولا أن يعقد صفقة، ولا أن يبيع محل الشركة ـ مقرها التجاري ـ هذا مقرها التجاري، هل يعقل لموظف أن تعطيه صلاحية إدارة الشركة أو عقد صفقات أو رفض صفقات أو بيع المقر؟ مستحيل.
فكيف ترضون أنتم يا عبادي أن تنسبوا لشركاء توهمتم أنتم وجودهم، هم ليسوا موجودين، وتعطونهم صلاحية الرزق، والخير، والشر، هذا الذي فعله الإنسان، فعله أنه عبد آلهة من دون الله. ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
[ سورة الزمر الآية: 3]
لذلك الآلهة التي عُبدت من قبل آلهة لا وجود لها أصلاً، إنما أوجدها بشر ضعاف العقول، توهموها آلهة وهي ليست كذلك. الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده إلا بعد أن طمأنه :
لذلك الآية:
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5890/02.jpg
يعني هذا المثل، وهذه آية المثل تعني شيئاً واحداً أنه لا إله إلا الله، لا متصرف في الكون إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا معز إلا الله، لا مذل إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله، هذا هو الدين، الدين كله توحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
أنت حينما تتوهم أن الله أسلمك إلى جهة أرضية، كيف تعبده؟ أسلمك إلى طاغية أو إلى قوي، أسلمك إليه، وهذا الطاغية لا يعرف الله أبداً، أمرك بمعصية الله، فإذا توهمت أن مصيرك بيد هذا الطاغية أو هذا القوي أنت نقضت إيمانك كله. ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
[ سورة هود الآية: 123]
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك، أنت حينما تؤمن بدءاً من صحتك؛ عمل القلب، الشريان التاجي، عمل الكليتين، فشل كلوي، مرض عضال، يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، والله الأمراض العضالة شهد الله معظم الناس يتمنون الموت لأنها تحيل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق. بطولة الإنسان أن يوحد لأن الدين هو التوحيد :
لذلك حينما تعزو ما أنت فيه إليك وتنسى الله، وقعت في الشرك الخفي إذا كنت تدعي أنك مؤمن، لكن البطولة أن توحد، لأن الدين هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى يداً تعمل وحدها، ألا ترى أن الأقوياء بيدهم الأمر، الأمر ليس بيدهم،
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
[ سورة هود الآية: 123]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5890/03.jpg
ولكن من هم الأقوياء؟ هنا السؤال، الأقوياء هم عصي بيد الله، سيدنا هود ذكر هذا المعنى بدقة بالغة، أو ذُكر في القرآن على لسان سيدنا هود، قال: ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود]
شأنك أيها الإنسان كشأن إنسان ضعيف أمام وحوش كاسرة، إلا أن هذه الوحوش كلها مربوطة بأزمة متينة لا تنقطع، بيد جهة عليمة، حكيمة، رحيمة، عادلة، فأنت أيها الإنسان الضعيف علاقتك مع هذه الوحوش أو علاقتك مع من يملك ناصيتها؟ ضعاف الإيمان علاقتهم مع الوحوش، المؤمنون علاقتهم مع من يملكون الوحوش. ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، أنت حينما ترى أن حياتك، وصحتك، ورزقك، وأهلك، وأولادك، وعلاقاتك، بيد الله عليك أن تعبده.
سيدنا النبي الكريم، أردف معاذ بن جبل وراءه، قال: يا معاذ ما حق الله على عباده؟ ـ كان متأدباً ـ قال: الله ورسوله أعلم، سأله ثانية وثالثة، ثم أجابه، قال: يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه، وألا يشركوا به شيئاً، ثم سأله: يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ قال: الله ورسوله أعلم، سأله ثانية وثالثة، ثم أجابه، والآن دققوا في هذا الجواب قال: يا معاذ حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم.
هذا الكلام لنا جميعاً، يجب أن تطمئن، يجب أن يمتلئ قلبك رضاً، وأمناً، أنه مادمت على حق، لا تخف، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
من يعمل عملاً يبتغي به وجه إنسان وينسى الواحد الديان فقد وقع في الشرك :
لذلك أيها الأخوة، الإنسان حينما يؤله غير الله لا يقول أن هذا إله، لا، لا أحد يقولها، أما حينما يتوهم أن مصيره بيده، حياته بيده، رزقه بيده، هذا الوهم شرك خفي، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
(( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمالاً لغير الله))
[ البزار عن عبد الرحمن بن غنم]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5890/04.jpg
حينما تعمل عملاً صالحاً تبتغي به إنساناً وتنسى الواحد الديان، وقعت في الشرك.
أيها الأخوة، ما في مرض يسري في المؤمنين من دون أن يشعروا كالشرك الخفي، الدليل: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
[سورة يوسف]
أنت حينما ترضي زوجتك وتعصي ربك مشرك، أنت رأيت أن إرضاءها أكبر عندك من إرضاء الله، فأرضيتها وعصيت ربك، هذا شرك، صدق ولا أبالغ ولست متشائماً لا ينجو من الشرك الخفي أحد، لكن البطولة أن تتابع لا أن تتوهم، أن فلاناً بيده مصيري، وفلاناً بيده دخلي، وفلاناً يستطيع أن يسرحني، وفلاناً يقدر أن يبعدني، لا لا . ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسلمك إلى خلقه ثم يأمرك أن تعبده، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
العقل مهمته الأولى أن يمنع الإنسان عن أن يخطئ أو أن يأخذ قراراً خاطئاً :
الآية:
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
من حياتكم، من علاقاتكم، ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾
ممن يعمل معكم تحت إمرتكم، ﴿ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5890/05.jpg
للتقريب: أنت مدير شركة، أنت أسستها، اشتريت المحل والمستودعات، واشتريت البضاعة، وسافرت إلى المعارض، وروجت البضاعة، وعندك موظفون، هل يستطيع هذا الموظف أن يبيع الشركة أو أن يعقد صفقة من وراء ظهرك أو أن يلغي صفقة أو أن يأخذ مقام الشريك؟ لا، مستحيل! هذا موظف، الشريك شيء آخر.
قال: ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾
أنفسكم أي شركاؤكم بالعمل التجاري، أنت تحسب ألف حساب للشريك، بإمكانه أن يفك الشركة، تحسب ألف حساب للشريك، بإمكانه أن يحاسبك، تحسب ألف حساب للشريك، بإمكانه أن يدقق الحسابات، أما الموظف فليس من صلاحيته، ولا من مقامه، ولا من شأنه أن يدقق الحسابات، لأنه موظف.
إذاً: ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾
أي كخيفتكم من شركائكم، ﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
لِمَ سمي العقل عقلاً؟ لأنه يعقلك عن أن تخطئ، قال له: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله : أأعقلها أم أتوكل على الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام : اعقلها وتوكل))
[رواه الترمذي وابن ماجه وقال حديث حسن صحيح]
عقلته: ربطته، العقل مهمته الأولى أن يمنعك عن أن تخطئ، يمنعك أن تأخذ قراراً خاطئاً، هذه مهمة العقل، فلذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
وهذه الآية المثل تبين أن الشريك شريك، والأجير أجير، فإذا توهمت أن هذا الأجير بإمكانه أن يتخذ قرارات من صلاحية صاحب الشركة، فأنت في سذاجة كبيرة جداً، وكذلك من يقع في الشرك الخفي.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( التاسع )


الموضوع : قال تعالى ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. المقارنة بين إنسان خامل معتزل الناس وبين إنسان يأخذ بيد الخلق إلى الله :
أيها الأخوة الكرام، من آيات الأمثال هذه الآية، وهي قوله تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة النحل: 75 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5037/01.jpg
إنسان مكبل، مقيد، خامل، منطوٍ على نفسه، معتزل الناس، لا يفكر بعمل صالح، ولا بخدمة إنسان، ولا بعطاء، ولا بنصيحة، ولا بدعوة، يعيش ليأكل، وإنسان آخر: ﴿ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا ﴾
[ سورة النحل: 75 ]
رزقه علماً، ومالاً، وحكمة، وطلاقة لسان، وقدرة على التأثير، يعمل ليلاً نهاراً في خدمة الخلق، يأخذ بيد الخلق إلى الله، يوفق بينهم، يقرب فيما بينهم، يطعم جائعهم، يرعى مريضهم، يصل من قطعه، يعطي من حرمه، يعفو عمن ظلمه، هل هناك تساوٍ بين هذين الشخصين؟ ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :
أيها الأخوة الكرام، أريد أن أبين لكم هذه الحقيقة، هناك من يتوهم أن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن؛ أن المؤمن يصلي فقط، ويصوم، ويحج بيت الله الحرام، ويؤدي زكاة ماله، لا والله، والله الفرق لا تستوعبه الصفحات، ولا خطب في سنوات، الفرق جوهري، هناك ذهب عياره أربعة وعشرون، و ذهب عياره واحد وعشرون، وذهب ثمانية عشر، الفرق بينهما بالدرجة، لكن هناك قطعة ألماس رأيتها بعيني في متحف في اسطنبول، توبي كوبي، ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، بحجم البيضة، وهناك قطعة فحم لا تساوي قرشاً، والألماس أصله فحم هل يستويان؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5037/02.jpg
أنا أريد أن أقول لكم المؤمن الحقيقي إنسان آخر، إنسان آخر بمبادئه، بقيمه، بأخلاقه، بأذواقه، برحمته، بعدله، بإنصافه، بسعادته، بتوفيقه، الدعاة إلى الله لا يدعونكم إلى أن تصلوا فقط، يدعونكم إلى سعادة الدنيا والآخرة، يدعونكم إلى الفلاح، أن تكسب الدنيا والآخرة معاً، أو أن تكون نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، إذا دعاك الله إليه، دعاك إلى رحمته، دعاك إلى أن تكون غنياً، قوياً، عفيفاً، متألقاً، تملك سعادة الدنيا والآخرة.
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا ﴾
[ سورة النحل: 75 ]
تجلس مع إنسان لا يحدثك كلمة في الدين، إلا بأسعار السيارات، بالأسهم، بالتجارات، بالبيوت، والمركبات، همه الدنيا، لذلك ورد في بعض الأحاديث: (( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
[ الترمذي عن أنس]
عرف أنه مخلوق للجنة، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض. عدم استواء المؤمن مع غير المؤمن بنص القرآن الكريم :
إنسان عرف الله، عرف طريقه إلى الجنة، عرف الحق والباطل، عرف الخير والشر، عرف الحلال والحرام، عرف ما يمكن وما لا يمكن، ما يجوز وما لا يجوز، تضبطه القيم، تحكمه المبادئ، يرتقي من حال إلى حال، إنسان آخر عرف الطعام والشراب، عرف النساء، عرف الشهوات، يعبدها من دون الله، اتخذ إلهه هواه http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5037/03.jpg
الفرق كبير جداً أكبر مما تتصورون، لذلك يكفيك قوله تعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم: 35-36]
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
وبنى حياته على العطاء، يتقرب إلى الله بالعطاء، بخدمة الخلق، بنصيحتهم، يرحمهم، يحلم عليهم، يصبر على مسيئهم، ينتظر مدينهم، وبين إنسان يسعى لشهوته، يسعى لمتعته، فرق كبير جداً، لذلك : ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم: 35-36]
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
المؤمن واضح يعمل تحت ضوء الشمس و لا يخشى في الله لومة لائم :
الآية دقيقة جداً:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة القصص: 61 ]
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا ﴾
[ سورة النحل: 75 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5037/04.jpg
مقيد بشهواته، محبوس في ترهاته، مرة كنت في الكويت ألقى أخ محاضرة كان في بلد محتل من قبل العدو الصهيوني، لكن أهله على درجة عالية من التدين، أقسم لي بالله قال لي: نحن المحاصرون، وليسوا هم، نحن محاصرون بشهواتنا، ومصالحنا، هم أحرار، فلذلك المسافة كبيرة جداً بين الذهب وهو من أثمن المعادن وبين أخس المعادن، أنا مرة اطلعت على مقالة سفينة قبل مئتي عام غرقت في المحيط الأطلسي، ومحملة بخمسة أطنان من الذهب الخالص، في النهاية عثر عليها، واستخرجوا الذهب، ونظرت إلى صورة الذهب، مئتا عام في البحر وكأن الذهب يلمع لمعاناً مذهلاً، الذهب ذهب، المؤمن ألماس أو ذهب، لا يخونك، لا يكذب عليك، لا يحتال عليك، لا يغتابك، لا يمكر فيك، لا ينافق، لا يتذلل، لا يتضعضع، ليس دخيلاً، كريم، مبادئه واضحة، يعمل تحت ضوء الشمس، لا يخشى في الله لومة لائم، المؤمن واضح. ((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))
[ابن ماجه عن العرباض]
المسافة الكبيرة بين المؤمن و الكافر :
الآية التالية تريد أن تبين كم هي المسافة كبيرة بين مؤمن وكافر، أقسم لكم بالله لو أن إنساناً دخله لا يزيد عن مبلغ لا يكفيه أسبوعاً من الشهر، وساكن في بيت صغير، قميء، وطعامه خشن، وثيابه خشنة، لكنه مؤمن، لكنه يعرف الله، وآخر معه ألف مليار، ألف مليون، وساكن بأجمل بيت، ويركب أجمل مركبة، وعنده أجمل زوجة، يقتني أغلى الآلات، ليس هناك مسافة تجمع بينهما:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل: 75 ]
بل أكثرهم لا يعلمون السعادة التي ينعم بها المؤمن، لا يعلمون الأمن الذي يملأ قلب المؤمن، لا يعلمون الراحة التي يعيشها المؤمن، لا يعلمون البصيرة التي يملكها المؤمن، لا يعلمون مقدار هذا النور الذي يقذفه الله في قلب عبده المؤمن. المؤمن مقيد بالإيمان وبمنهج الرحمن والإنسان الآخر متفلت يفعل أي شيء من أجل متعته
مثل آخر:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾
[ سورة النحل: 76 ]
أخرس، لا يتكلم كلمة خير، ولا يفكر بدعوة إلى الله، ولا بنصيحة، ولا بالتوفيق بين شخصين: ﴿ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة النحل: 76 ]
من خلال هذين المثلين في هذه الآية يتضح أن المسافة كبيرة جداً بين مؤمن وغير مؤمن، وآيات كثيرة تدعونا إلى الموازنة، إنسان ترتاح له، لا تخاف منه، لا تخاف أن يغدرك، لا تخاف أن يطعنك بالظهر، لا تخاف أن يغتابك، لا تخاف أن يحتال عليك، لا تخاف أن يفعل معك شيئاً لا يرضي الله. (( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ ))
[ أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ]
مقيد بالإيمان، مقيد بمنهج الرحمن، والإنسان الآخر متفلت، يفعل أي شيء من أجل متعته، يرتكب كل حماقة من أجل شهوته، يركب رأسه أحياناً، يتناقض، يقسو ولا يرحم، يأخذ ولا يعطي، يعلو ولا يتواضع، هؤلاء النموذجان في حياة الناس. الناس عند الله نموذجان لا ثالث لهما :
لذلك:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[ سورة الليل: 1-4 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5037/05.jpg
على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان، يتحركون، قف على شرفة بيتك وانظر إلى الطريق الساعة الثامنة، مزدحم بالمركبات، والمشاة، كل إنسان يتحرك إلى هدف، تصور ستة آلاف مليون إنسان في القارات الخمسة يتحركون، كل هذه الحركات لا تزيد عن حركتين، فقط: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات :5-6 ]
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله فبنى حياته على الإحسان، والثاني: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآية : 8-9 ]
كذب بالجنة تكذيباً عملياً، لم يعبأ بها إطلاقاً، إنسان بالثمانين أنشأ كازينو في لبنان، بالثمانين لا يدخل الجنة في حسابه إطلاقاً، لا الجنة ولا النار، الثاني؛ كذب بالحسنى، كذب بالجنة، فاستغنى عن طاعة الله، فبنى حياته على الأخذ، المؤمن يعطي، غير المؤمن يأخذ، هذا الفرق الكبير، المؤمن يسعده العطاء، الآخر يسعده الأخذ.
فلذلك أيها الأخوة، كأن الله عز وجل يريد من هذه الآية التي فيها مثلان أن يبين المسافة الكبيرة جداً بين المؤمن وبين غير المؤمن.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-08-2018, 07:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. البشر نوعان؛ مُقبل ومُعرض :
أيها الأخوة الكرام، آية المثل هي قوله تعالى:
﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
[سورة المدثر]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/01.jpg
بالمناسبة، من الصور البلاغية والبيانية التشبيه، فقد يشبه الله في قرآنه الكريم شيئاً بشيء بأداةٍ ووجه شبه، فإذا قلت مثلاً: عليٌ كالأسد في الشجاعة، فعليٌّ مشبه، والأسد مشبه به، والأداة هي الكاف، ووجه الشبه، هو الأسد، في أي تشبيهٍ لابدّ من مشبهٍ ومن مشبهٍ به ومن أداة التشبيه ومن وجه الشبه، هذه أركان التشبيه، لذلك قد تكون الأداةُ مثل، أو الكاف، أو ما شاكل ذلك، وقد تحذف الأداةُ ويحذف وجه الشبه عندئذٍ يكون التشبه بليغاً، عليٌ أسدٌ، فقد حذفنا وجه الشبه في الشجاعة، وحذفنا أداة التشبيه الكاف، وقد يكون التشبيه تاماً، فيه وجه الشبه، وأداة، ومشبه، ومشبه به.
في هذه الآية الله عز وجل يُشبه الإنسان الذي أعرض عنه بالحمر، ذكرته فلم يتذكر، نبهته فلم ينتبه، وعظته فلم يتعظ، لفتّ نظره فلم يلتفت، بالغت في توضيح الحقائق له فجعل أصابعه في آذانه، وقال: إنا عن هذا الكلام معرضون، هذا الإنسان المعرض، فالبشر نوعان: مقبل ومعرض، مستقيم ومنحرف، من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة، محسن أو مسيء. من أعرض عن ذكر الله عز وجل له حياة شقيّة تعيسة :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/02.jpg
في النهاية البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وتياراتهم، وتابع هذا التقسيمات إلى ما شاء الله، كلها تقسيمات بني البشر، لكن البشر جميعاً عند خالق البشر صنفان:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
[سورة الليل]
عرف الله، انضبط بمنهجه، أحسن إلى خلقه، سلم، وسعد في الدنيا والآخرة، غفل عن الله، تفلت من منهجه، أساء إلى خلقه، هلك وشقي في الدنيا والآخرة، هم نموذجان، فهذا الذي ذكرته فلم يتذكر، نبهته فلم ينتبه، دعوته فلم يستجيب، أعرض عن ذكر الله. ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
[سورة طه الآية:124]
له حياة شقية. ضيق القلب هي المعيشة الضنك التي يعاني منها القوي والغني الغافل عن الله عز وجل :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/03.jpg
لكن هناك أحد المفسرين لفت نظري في هذا التساؤل، قال: فما بال الأقوياء والأغنياء؟ ملك يملك كل البلاد، كفرعون مثلاً، ما معيشته الضنك؟ لو طلب الأشياء النادرة المستحيلة كانت أمامه، هذا شأن الملك دائماً، والغني الذي يملك مليارات ممليرة، ما معنى المعيشة الضنك عند هؤلاء؟ عند الأقوياء وعند الأغنياء، المال موجود، الأطباء كلهم في خدمته، القصور، الطعام، الشراب، الأثاث، الثياب، المكانة، هؤلاء الأقوياء والأغنياء ما هي المعيشة الضنك التي يعيشونها؟ على الشبكية لا يوجد معيشة ضنك، هناك بيوت، و قصور، ومركبات، وطعام، ووجاهة، وإعلان، وإعلام، ما معنى المعيشة الضنك عندهم؟ قالها هذا المفسر: إنها الشدة النفسية، ضيق القلب، صدقوا ولا أبالغ، بقلب المعرض عن الله من القلق والخوف ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
تشبيه الإنسان الغافل عن الله بحمر سمعت صوت الأسد فولت هاربة لا تلوي على شيء :
قال تعالى:
﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
لعلكم تذكرون أن حمر الوحش، الحمر المخطط طولاً، بيضاء وسوداء، هذه الحمر إن سمعت صوت الأسد ولت مدبرة لا تلوي على شيء.
لذلك قال تعالى: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/04.jpg
قسورة: الأسد، معنى ذلك أن الله يشبه هذا الإنسان الغافل، هذا الإنسان المعرض، هذا الإنسان الشارد، هذا الإنسان الذي لم يستجيب، لم يرعوِ، لم يتأثر، لم يفعل شيئاً في حياته، هو غارق بملذاته وشهواته، هذا شبه بحمر سمعت صوت الأسد فولت هاربة لا تلوي على شيء، المستنفرة غير نافرة، طبعاً نَفَرَ ينفرُ نافر، هنا مستنفرة، من شدة الخوف، أي بعضها ينفر من بعض.
هناك تجربة دقيقة جداً تعني شيئاً كثيراً، جاؤوا بقرد وضعوه بقفص، علقوا في سقف القفص فاكهة الموز، والقرد يحبها كثيراً، فلما تطاول ليأكل من هذه الفاكهة جاء من يضربه وينهاه، لما تطاول ثانيةٍ جاء من يضربه وينهاه، ثالثةً رابعةً فيئس، أدخلوا عليه قرداً آخر، فلما تطاول هذا الآخر ليأكل من هذه الفاكهة، القرد الأول هو الذي نهاهُ وعنفه.
أحياناً الناس يخافون، من مظاهر خوفهم أنهم يُخوفون بعضهم بعضاً، أي إذا الإنسان تكلم بكلمة حق هناك من يعترض عليه، يقول له: ليس لك من هذا الكلام، دعك من هذا الكلام، انجُ بريشك، الناس عندئذٍ يسهمون بتخويف بعضهم بعضاً، لذلك: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[سورة آل عمران]
فأنت أحياناً مشكلتك مع الناس، لو وقفت موقفاً أخلاقياً، لو وقفت موقفاً جريئاً، لو وقفت موقفاً رائعاً، الذين يخوفونك هم الذين حولك، ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ ﴾
جمع حمار، وهو حمار الوحش، ﴿ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
كل حمار ينفر الآخر، ليست القضية المجموع خاف من هذا الوحش، لا، الواحد من هؤلاء الحمر يخوف الآخر، ﴿ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
القسورة هي الأسد. كل إنسان أعرض عن ربه وتوجه إلى شهواته فهو ممن تنطبق عليه الآية التالية :
لذلك أيها الأخوة، من يتمنى أن يشبه في القرآن الكريم بالحمر المستنفرة؟ هذا كلام الله، هذا هو الحق المبين، هذا هو كلام خالق السماوات والأرض، فكل إنسان أعرض عن ربه، وتوجه إلى شهواته، ولم يستجيب لنداء الله عز وجل، فهو ممن ينطبق عليه هذا الكلامُ العظيم،
﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/05.jpg
مثلاً: تجد إنساناً غافلاً عن الله، شارداً، غارقاً في ملذاته، في انحطاطه، قد يشعر بألمٍ في القسم الأيسر من صدره، يذهب إلى الطبيب فإذا هي آفة قلبية، تقربه من الموت، الهلع، والخوف، والجزع، واختلال التوازن، شيء لا يصدق.
مرة سألت طبيب قلب مقيم في أمريكا عن حال مرضاه الذين أصيبوا بأمراض القلب، قال لي: فزعهم عجيب، الإنسان إذا شرد عن الله، ولم يستجب لله، ليس له عمل يقبله الله عز وجل، هذا إذا أصابه مرض عضال انهارت معنوياته.
حدثني أخٌ كريم يعمل مضيفاً في طائرة، هذه الطائرة دخلت في سحابة مكهربة وكانت على وشك السقوط، طبعاً تحطمت مقدمتها، تحطم زجاج الطيار، واختل توازنها، وكانت على وشك السقوط، يصف لي ركاب الطائرة وصفاً لا يصدق، أكثرهم يضربُ وجهه بيديه، بعضهم مزق ثيابه، بعضهم صاح: يا ويلتاه، أي وضع الركاب وضع مخيف، فاضطراب الركاب سبب ضغطاً على الطيار، فطلب من بعض المضيفين أن يهدئهم، فقال له: لا أحد يستجيب لي، فأجابه: ابحث عن إنسان هادئ، فوجد إنساناً هادئاً فقال: هذا أنسب إنسان، فقال له: قم وأعن الطيار على تهدئة الركاب، وجده مغمىً عليه، هذا الوحيد. ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
أي إنسان درس وتعلم ولم يعبأ بمنهج ربه فهذا مثله عند الله كمثَلِ الْحِمَارِ :
مثل آخر، قال تعالى:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
[سورة الجمعة الآية:5]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5928/06.jpg
بربك، ائتِ بحمار وعلى ظهره كتاب بالفيزياء، كتاب بالفلك، كتاب بالإعجاز العلمي، كتاب بالطب، كتاب بالفلسفة، وسر به ساعة من الزمن، ثم اسأله سؤالاً عن الفلك، عن المجرات، عن الأبعاد الفضائية، عن الشمس، عن القمر، أو اسأله سؤالاً بالفيزياء، عن الطاقة، أو المادة، أو تحول ذاتهما، أو اسأله سؤالاً بالكيمياء، أو اسأله سؤالاً بالرياضيات، بماذا يجيبك؟ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
﴿ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة الجمعة الآية:5]
فأي إنسان درس وتعلم ونال شهادات عليا، وعاش لشهواته، وحظوظه، ولم يعبأ لا بمنهج، ولا بدين، ولا بحلال، ولا بحرام، هذا مثله عند الله عز وجل ﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
مرة ذكرت في الخطبة كلمة حمار، فهناك إنسان لم يرتح لهذه الكلمة، ولم يرَ بها صواباً، لا يقال على المنبر كلمة حمار، فقلت له: من قال لك ذلك؟ الله عز وجل بالقرآن ذكر كلمة حمار في كتابه لكريم، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
لكن بالمناسبة البشر، بل علماء بني البشر، أو نخب بني البشر، أو أذكى أذكياء بني البشر، لا يستطيعون أن يتنبؤا بالزلزال ولا قبل ثانية واحدة، بينما الحمار يتنبأ به قبل عشرين دقيقة، في زلزال تسونامي هناك قبيلة نجت بأكملها، حينما رأت الحمير قبل عشرين دقيقة من الزلزال تفر نحو الجبل، فلحقت الحمير فنجت.
لحكمة بالغة، إنسان معه دكتوراه، معه أعلى شهادة، لا يستطيع التنبؤ ولا قبل ثانية بالزلزال، بينما الحمار يتنبأ به قبل عشرين دقيقة.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الحادى العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان....)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الكون كله آية كبرى تدل على وجود الله ووحدانيته وكماله :
أيها الأخوة الكرام، الآية اليوم هي قوله تعالى:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ سورة الأعراف: 175-176 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، هذه الآيات التي بين أيدينا.
الكون كله آية كبرى، تدل على وجود الله، ووحدانيته، وكماله، أسماء الله الحسنى كلها نراها في الكون، نرى اللطف، نرى الرحمة، نرى الحكمة، نرى العدل، الكون كما قال بعض العلماء مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، الله عز وجل كما قال عن نفسه: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة الأنعام: 103 ]
ولكن العقول تصل إليه، فرق كبير بين أن نقول تصل به أو أن تحيط به، لا يعرف الله إلا الله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، لا يعرف الله المعرفة التي تليق بالله عز وجل، لذلك العلماء قالوا: وعين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به.
أوضح مثل لو وقفت على شاطئ المحيط الهادي، وسألت كم لتراً هذا البحر؟ أية إجابة تدل عن جهل، الإجابة الوحيدة التي تدل على علم أن تقول: لا أدري، فلذلك العجز عن إدراك الإدراك إدراك. علم الإنسان علم كسبي أما علم الله عز وجل فعلم مطلق :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/02.jpg
أنت حينما تقول: سبحان الله! لا أدري، لا أدري أنت عالم، وأي كلام تقوله عن عدد لترات البحر فأنت جاهل، لأن هذه اللترات لا يعلمها إلا الله، فإذا كان البحر لا تدري كم لتراً، لا تدري كم مجرة، ألوف ألوف مليارات المجرات، المجموعة الشمسية بأكملها في درب التبابنة، نقطة درب التبابنة مجرة صغيرة، فيها نقطة على شكل مغزل، فيها نقطة هي المجموعة الشمسية، والأرض أحد كواكب المجموعة الشمسية، وأربع أخماسها بحر، وخمسها يابسة، ونحن في قارة آسيا، وفي بلد صغير، وفي مدينة، وفي بيت، فلذلك هذا الكون لا يحيط به إلا الله عز وجل، فالإنسان حينما يقول: أعلم، فهو لا يعلم، فإذا قال: لا أعلم، فهو العالم، من هنا قالوا: نصف العلم لا أدري، عود نفسك أن تقول: لا أدري، لا تخجل بجلسة سئلت عن آية قل: لا أدري، أبحث عنها إن شاء الله، علمك كسبي أما علم الله فمطلق:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
[ سورة الأعراف: 17]
آيات الله عز وجل لا تعد و لا تحصى :
الله عز وجل كم آية له؟ أولاً: الآيات الكونية لا تعد ولا تحصى.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/03.jpg
طعامك آية، شرابك آية، الماء آية، الهواء آية، النبات آية، الحيوان آية، الكواكب آية، المجرات آية، وكل آية فيها مليارات الآيات، وكل آية من المليارات فيها مليارات الآيات، فهذا الكون يدل على عظمة الله، هذا الكون آياته الكونية خلقه، هناك آياته التكوينية أفعاله، حينما انتصر الصحابة الكرام هذه من أفعاله، وحينما يقع ما يقع كل يوم أنا أتمنى عليكم ألا تفهموا الأخبار فهماً محدوداً، أو فهماً أرضياً، افهم الأخبار فهماً توحيدياً، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، آيات الله الدالة على عظمته لا تعد ولا تحصى منها كونية، ومنها تكوينية، ومنها قرآنية، لذلك: ﴿ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
[ سورة الأعراف: 17]
هو انسلخ منها، ليس سلخناه منها، انسلخ منها باختياره، أي يحدثك عشر ساعات عن السيارات، وعن البيوت، والمشاريع، والجمعيات، وسفره إلى أوربا، وماذا شاهد، تجده غارقاً إلى قمة رأسه في الدنيا، وحينما تفتح معه موضوعاً متعلقاً بالآخرة أو بالدين يتثاءب فوراً، يقول لك: متعب، البارحة ما نمت، قبل هذا الحديث كنت سهراناً، ونشطاً، ويقظاً، عندما صار الحديث دينياً صرت متعباً، لأنه بعيد عن هذا الموضع، فلذلك إذا شخص منكم رغب أن يسمع درس دين فهذه من نعم الله الكبرى، يتفاعل مع درس دين من نعم الله الكبرى، ينتفع من درس دين من نعم الله الكبرى، يؤثر درس الدين في سلوكه من نعم الله الكبرى، تقلبه إلى إنسان سعيد من نعم الله الكبرى. أكبر عطاء إلهي أن يكون الإنسان حكيماً :
لذلك إذا دخل الإنسان إلى المسجد فليقل: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/04.jpg

((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك))
[مسلم عن أبي حميد]
ماذا يوجد في الجامع؟ الجلوس على الأرض، كأس عصير لا يوجد، فنجان قهوة لا يوجد، لكن هناك رحمة الله، ما هذه الرحمة؟ تصبح حكيماً، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر المال القليل، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير، بالحكمة تجعل الأعداء أصدقاء، من دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء.
بصراحة يمكن أكبر عطاء إلهي أن تكون حكيماً، وأكبر عقاب إلهي أن يكون الإنسان أخرقاً أي أحمقاً، يرتكب حماقات يدفع ثمنها طوال حياته، تجد زوجين؛ زوجة بأعلى درجة من الجمال، والحسب والنسب، زوجها بعيد عن الله بساعة غضب يطلقها، وعنده أولاد منها، الأولاد تشردوا، تجد إنساناً مؤمناً عنده زوجة من الدرجة الخامسة، يسعد بها أيما سعادة، بيت جنة بمعرفة الله. آيات الله الدالة على عظمته :
فلذلك أيها الأخوة الكرام، لا أعتقد أن إنساناً في الأرض إلا ويسعى إلى السعادة، السعادة بطاعة الله:
﴿ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
[ سورة الأحزاب الآية : 71 ]
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
[ سورة الأعراف: 17]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/05.jpg
آيات كونية، آيات تكوينية، آيات قرآنية، كل شيء في هذا الكون يدل عليه، يدل على حكمته، على رحمته، أي هذا الصوص في البيضة، كيف يخرج منها فهي محيطة به؟ دقق، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة على منقاره، بهذا النتوء يكسر قشرة البيضة، فإذا خرج منها هذا النتوء ضمر ليعود المنقار كما كان عليه، يد من؟ والإنسان فتح الله له ثقباً بين الأذنين، الدم ينتقل مباشرة من أذين إلى أذين، وطريق الرئتين مغلق، لأنه لا يوجد هواء، بعد الولادة يفتح الطريق، تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، يد من هذه؟ وهذا الثقب لو لم يغلق لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، لونه أزرق، داء الزرق، من أغلق هذا الثقب؟
وأنت نائم، وأنت غارق في النوم، يتجمع اللعاب في فمك، تذهب إشارة إلى الدماغ، لقد زاد اللعاب في الفم، والدماغ يعطي أمراً وأنت نائم إلى لسان المزمار، فيغلق فتحة الهواء، ويفتح فتحة المريء، ويسري اللعاب إلى المعدة.
وأنت نائم وغارق في النوم هيكلك العظمي فوقه عضلات، وتحته عضلات، وزن الهيكل العظمي مع العضلات التي فوقه تضغط على ما تحته، هذه نقاط الإحساس بالضغط ترسل للدماغ إشارة، ضُغطنا، أي الأوعية الدموية ضاقت لمعتها، فشعرت بالتنميل والخدران، يأتي أمر فتتقلب.﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
[سورة الكهف: 18 ]
تقلب الإنسان في الفراش من آيات الله الدالة على عظمته. الله عز وجل لا تدركه الأبصار و لكن العقول تصل إليه :
والله أيها الأخوة جسمك فقط الذي هو أقرب شيء إليك فيه مليار مليار مليار آية، لكن لا أحد ينتبه، وشدة القرب حجاب:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
[ سورة الأعراف: 17]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/06.jpg
جسمك آية، طعامك آية، هذا الماء آية، الشراب آية، الحليب آية، الألبان من الأنعام من آيات الله العظمى، البيض آية، الخضراوات آية، الفواكه آية، الورود آية، الجبال، الأمطار، البحار، البحيرات، الوديان، السهول، الصحارى، لمَ لا يجول فكرك في هذه الآيات؟ لمَ لا تعرف الله من خلال خلقه؟ لا يوجد طريق ثان، الدليل دقق: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[سورة الجاثية: 6]
لا يوجد طريق ثان، الله عز وجل: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة الأنعام: 103 ]
ولكن العقول تصل إليه. من ينسلخ من آيات الله عز وجل يصبح لقمة سائغة للشيطان :
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا ﴾
[ سورة الأعراف: 175-176 ]
أي الفسق بالأرض، بشهواتها، ببيوتها، بدخولها، بتجاراتها، بأموالها: ﴿ فَانسَلَخَ مِنْهَا ﴾
[ سورة الأعراف: 175 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/07.jpg
عندما انسلخ من آيات الله أصبح لقمة سائغة للشيطان، يأتي الشيطان ويركبه، ويسخره، لذلك يرتكب الإنسان حماقات لا يعلمها إلا الله، هذه الحماقات ما أسبابها؟ البعد عن الله عز وجل، الإنسان حينما يبتعد عن الله الشيطان جاهز كي يقنص هذا الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾
[ سورة الأعراف: 175 ]
أي فكرت بهذه الآيات؟ عظّمتَ الله عز وجل؟ صليت؟ أقبلت عليه؟ بحثت عن منهجه؟ أخذت الحلال وتركت الحرام؟ وصلت المؤمنين؟ رجعت لمرجع ديني استقيت منه المعلومات؟ سألت عن قضايا كثيرة، هل صار لك مرجع لشرح الكتاب، السنة، فإن كان هناك قضية لم تفهمها في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل: 43 ]
عندك عالم، كتاب، سنة، هذه مراجع المسلم، ولا يوجد عنده مرجع آخر. ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
المشيئة نعمة كبيرة لأن من اختار الخير والحق ارتقى عند الله عز وجل :
أي هذا الإنسان لو أراد الهدى، شاءت مشيئة الله أن يهتدي، بالمناسبة هنا مشيئة الله مرتبطة بمشيئة الإنسان، كيف؟
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف: 29 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5038/08.jpg
لكن هذه المشيئة لولا أن الله مكنكم أن تشاؤوا، لم تشاؤوا، لولا أن الله سمح لهذا العبد أن يشاء لما شاء شيئاً، فالمشيئة نعمة كبيرة أنك مخير، إن اخترت الخير والحق ارتقيت عند الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
أذكر مرة إنساناً من وجهاء بعض الأحياء، إن صلى وراء الإمام لا يسمح للإمام أن يزيد كلمة عن الصفحة التي قرأها، إذا زاد كلمة تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا الإنسان استوقفه إنسان في الطريق، تحدث معه عن البيوت، وأسعار البيوت، والأراضي ساعة ونصف وهو واقف على قدميه ولم يعترض، أما عن كلمة تزيد عن الصفحة يعترض، الإنسان لا ينتبه، عندما تأتي الأمور لمصالحه، الوقت ليس له قيمة، يقف ساعتين وثلاثة يقول لك: سهرنا لبعد الصبح، أما قضية دين، ودعوة إلى الله، فلا يوجد عنده وقت، عنده متاعب، عنده هموم، الليلة السابقة لم ينم فيعتذر: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
الشكوى صفة من صفات الإنسان :
الشيء المؤلم:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾
[ سورة الأعراف: 176]
إن كان شبعاناً يلهث وإن كان جوعاناً يلهث، يقول لك: الربح قليل، كأن يربح هذا العام مئة مليون، لكنه في العام الماضي كان قد ربح مئة وخمسين، يقول لك: السوق واقف، الحياة لا تعاش، على مئة مليون لا تعاش؟ كيف يعيش الموظف على عشرة آلاف في الشهر؟ دائماً يلهث، هناك شخص يشكو دائماً، إن ربح يشكو، وإن لم يربح يشكو، بعد الزواج يشكو، بلا زوجة يشكو، هذه الشكوى صفة من صفات الإنسان: ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ سورة الأعراف: 176]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثانى العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ....)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. في الآية التالية آداب التعامل بين المؤمنين :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، الآية اليوم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الحجرات]
أولاً أيها الأخوة، في هذه الآية آداب التعامل بين المؤمنين، بهذه الآداب تمتن العلاقات بين المؤمنين، وبخلاف هذه الآيات تتفكك عُرى المحبة والمودة بين المؤمنين، فالمؤمنون إذا اجتمعوا هم أقوياء، وإذا تفرقوا أصبحوا ضعفاء، قوة المؤمنين في اجتماعهم واجتماعهم هذه أسبابه، فالغيبة تفرق، النميمة تفرق، البهتان يفرق، الكذب يفرق، أي مخالفة في هذه الآيات من مضاعفتها تفتيت العلاقة بين المؤمنين، المشكلة أننا إن لم نطبق هذه الآيات، هناك خلاف داخل الأسرة، وداخل العائلة، وداخل العشيرة، وداخل القبيلة، وداخل البلد، خلافات داخلية تفتُ في عضد المسلمين، خلافات داخلية تمزقهم، تضعفهم، والخلافات من لوازم البعد عن الله عز وجل. أنواع الاختلاف :
الحقيقة أن هناك اختلافاً أساسه الهوى.
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
[سورة آل عمران الآية:19]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/02.jpg
هناك اختلاف طبيعي، أي في التاسع والعشرين من رمضان، استمعنا العصر إلى مدفع، يا ترى مدفع العيد أم تفجير في الجبل؟ لا نعلم، هذه اختلاف سببه نقص المعلومات، هذه اختلاف طبيعي لا يقيّم لا إيجاباً ولا سلباً ، طبيعي، لكن عندنا اختلافاً قذراً، هذا الاختلاف اختلاف الهوى، مع أن الحق واضح، أي بشكل بديهي المسلمون إلههم واحد، نبيهم واحد، قرآنهم واحد، منهجهم واحد، وهم متمزقون، جماعات، وملل، ونحل، وطوائف، واتجاهات، إذا أردت أن تعرف فعل الشيطان الأول ففعله الأول هو التفرقة، وإذا عرفت إرادة الله الأولى وهي الجمع، إذا اجتمعنا كنا أقرب إلى الله، وإذا تفرقنا ابتعدنا عن الله عز وجل، وسائل الشيطان في التفرقة لا تعد ولا تحصى، بل إن كل الطغاة على سطح الأرض، من آدم إلى يوم القيامة بيدهم ورقة رابحة أولى وقد تكون الأخيرة هي الفتن الطائفية، والدليل: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
[سورة القصص الآية:4]
كلم يرى حينما يأتي الغرب إلى بلادنا، أول عمل يقول: أنت عربي، وأنت آشوري، وأنت كردي، وأنت مسلم، وأنت مسيحي، وأنت سني، وأنت شيعي، أول عمل يقوم به الغرب إذا أتى إلى بلادنا أن يمزقنا إلى ملل، ونحل، وطوائف، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يجمعنا، فالذي يدعو إلى ائتلاف القلوب، واجتماع المسلمين، دعوته هذه من الله، والذي يدعو إلى التفرقة والتشرذم، دعوته هذه من الشيطان. سوء الظن إثم كبير يفتت المجتمع فعلى الإنسان أن يتأكد قبل أن يسيء الظن :
لذلك الآية الكريم تقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ﴾
أولاً الآية تقول: ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/03.jpg
كيف نفرق بين الظن الذي هو إثم وبين الظن الذي هو حق؟ : ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
إذاً في بعضه الآخر ليس إثماً.
إنسان دخل إلى البيت سماعة الهاتف بيد زوجته وتتحدث، فلما رأته وضعت السماعة فوراً، معنى هذا أن هناك مشكلة، هذا الاتصال الهاتفي عليه إشكال، هنا صارت بادرة، مؤشر، علامة، هنا سوء الظن ليس إثماً، يجب أن تحقق، مع من كنت تتكلمين؟ ما الرقم الذي كنت على اتصال به.
فأحياناً يكون هناك سبب لسوء الظن، من هنا قال تعالى: ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
لكن أحياناً لا يكون أي دليل، سوء الظن الآن إثم، لا يوجد أي دليل على انحراف الزوجة، لا قريب، ولا بعيد، ولا اتصال، ولا مؤشر، ولا رسالة، ولا شيء إطلاقاً، ومع ذلك هو سيئ الظن فيها، هذا مرض.
أنا يرفع إليّ قضايا كثيرة من هذا المرض، لا يوجد أي سبب، لكن حينما يسيء الظن فيها يرى نفسه حازماً، لا، إذا لم يكن هناك مؤشر، أو علامة، أو إشارة، أو سبب، أو علاقة، سوء الظن إثم كبير، بسوء الظن يتفتت المجتمع، ودائماً وأبداً المستقيم إذا أسأت الظن به كأنك ذبحته، أما غير المستقيم إذا أسأت الظن فيه فكن حازماً، لذلك ورد: الحزم سوء الظن. سوء الظن عصمة و الحزم سوء الظن :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/04.jpg
سوء الظن عصمة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أخلاق المؤمن يقال عنه من شمائله: كان يحذر الناس ويحترس منهم، من دون أن يطوي بشره عن أحد، ابتسامته للجميع، ترحيبه للجميع، بشاشته للجميع، لكن شخص لا تعرفه إطلاقاً، طلب منك قرضاً كبيراً لا تكن ساذجاً، قد يكون قناصاً، فتأكد، تحقق، إن كنت تعرفه معرفه يقينية لا يوجد مشكلة لكن لا تعرفه، فإذا تأكدت كان أفضل لك، وهناك مئات الكوارث سببها سذاجة في حسن الظن، لذلك سوء الظن عصمة و الحزم سوء الظن، لكن إن كان هناك سبب، أو مؤشر، أو علامة، أو دليل، لكن إن لم يكن هناك دليل، أو مؤشر، أو سبب، أي زوجة طاهرة ربيت تربية دينية، أسرتها محافظة، أصيلة، يتزوجها إنسان سيئ الظن، من أخبرت اليوم؟ أين كنت؟ هذا سوء الظن للإنسان الطاهر المستقيم كأنك تذبحه.
لذلك الآية الكريمة:
﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
الظن الذي ليس إثماً، هو الظن المبني على دليل، المبني على إشارة، المبني على عبارة، المبني على حادث، لكن إن لم يكن هناك إشارة، ولا عبارة، ولا حادث، ولا دليل، سوء الظن عندئذٍ إثمٌ كبير: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
الابتعاد عن التجسس و الغيبة :
الآن:
﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/05.jpg
التجسس تتبع الأخبار السيئة، استقبلت صديقك، ماذا تعمل؟ والله كنت في وظيفة تركتها، لِمَ تركتها؟ هم أقالوك أم أنك تركتها طوعاً؟ لا تدخل في تفاصيل ليس لك فيها، هذا ليس من الأدب، بأي وظيفة؟ بالوظيفة الفلانية، كم تأخذ؟ دعك من الدخل، يسأله عن دخله، وهذا البيت أجرة أما ملك؟ إذا ملك من أين لك حقه؟ هذا فضول وحشرية بالإنسان، هناك أشخاص هكذا طبعهم، إذا دخل لبيت صغير كيف يسعكم هذا البيت؟ اتركهم، هم مرتاحون فيه، مستورون فيه، لا يدع إنساناً مرتاحاً، شيطان، تأتي جارة لعند جارتها تسألها ماذا أحضر لك زوجك على العيد؟ فتجيبها: والله لم يحضر لي شيئاً، ألم يحضر لك قطعة من الذهب إذاً هو لا يليق بك، يرجع الزوج ظهراً فيجد أن الوضع غير طبيعي بالبيت، الكلمة الخبيثة من الشيطان، المؤمن يؤلف ولا يفرق، يقرب الناس من بعضهم بعضاً، لا يباعدهم عن بعضه بعضاً. ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾
حتى هناك رأي آخر ولا تحسسوا، قالوا: التحسس تتبع الأخبار الطيبة، إنسانة لم تكن تنجب الأولاد بعد ذلك أصبحت حاملاً، فتسألها جارتها العلة منك أم منه؟ حملت وانتهى، لِمَ تدخل في هذه التفاصيل؟ ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾
ولا تحسسوا، التحسس تتبع الأخبار الطيبة. ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾
أقسم لكم بالله الغيبة وحدها تمزق الأمة، تمزق المجتمعات، تفتت الأسر، الغيبة وحدها، لو كان هناك انضباط، أو كان عندنا عالم كبير، الشيخ بدر الدين الحسني، شيخ سوريا، من أخلاقه العالية أنه إذا تكلم إنسان أمامه عن إنسان آخر، يقول له: اسكت، أظلم قلبي، لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم أمامه عن إنسان آخر.
مرة بلغني أن وزير أوقاف استلم الوزارة، فأتى وفد لتهنئته، وطعن بالذي قبله، فقال له: اسكت، الذي قبلي أحسن مني، هو صديقي، اسكت، لم يعد أحد يجرؤ بمدى وزارته أن يتكلم عن أحد أمامه، هذه بطولة. تشبيه الله عز وجل الغيبة بأكل لحم الميت :
﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ﴾
سبحانك يا رب! لا يوجد أشهى من اللحم، ولا يوجد شيء له رائحة لا تحتمل إذا فسد كاللحم، أحياناً يكون هناك حيوان ميت بالبرية من خمسين متراً له رائحة تكاد تخرج من جلدك منها، فالله عز وجل اختار مشبهاً به دقيقاً جداً: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ﴾
أنت لحم الميت المتفسخ، لا تستطيع أن تواجه رائحته من خمسين متراً، فكيف إذا أكلته؟ ﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾
كأن الله يشبه لنا الغيبة بأكل لحم الميت. ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾
أخواننا الكرام، والله لو أن هذه الآية وحدها طبقت، لا يوجد تفرقة بين الأسر، ولا بين الجماعات، ولا بين الأحياء، ولا بين المؤسسات، ولا بين النقابات، إذا طبقت هذه القاعدة.
لذلك السلف الصالح، الغيبة مرفوضة كلياً عندهم، الآن تجده يصلي ومرتاح وله قيام ليل، ويسهر سهرة لا يدع شيئاً لا يتكلم عنه!
أخواننا الكرام، مع الأسف الشديد مجالس المؤمنين كلها غيبة ونميمة، هذا الشيء مؤلم، والشيء البشع بالإنسان أنه يلتقي مع أخيه ابتسامه، يهش له، يبش له، يرحب فيه، يثني عليه، وإذا خرج يتكلم عنه، هذا موقف بشع، موقف حقير، معنى هذا أن لك وجهين ولسانين، ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً.
عليك ألا تتكلم عن أحد إلا إن سألك أحدهم في موضوع زواج، عندئذ تتكلم، هذه مسموح بها، أو موضوع شراكة اندماجية، موضوع زواج، موضوع شراكة، ساعتئذٍ هناك رخصة من رسول الله بالنصح. الأخلاق الاجتماعية تُمكّن العلاقات والأخلاق غير الاجتماعية تمزق وتفرق :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5929/06.jpg
أيها الأخوة، الأخلاق الاجتماعية تُمكّن العلاقات، والأخلاق غير الاجتماعية التي يمليها الشيطان على بني البشر أو على المؤمنين تمزق، تجد ديناً واحداً، إلهاً واحداً، كتاباً واحداً، فرقاً، وأحزاباً، وكل فئة تتراشق مع الفئات الأخرى التهم، الحمد لله نحن بخير الآن، لكن قبل خمسين سنة الجماعات الدينية كل جماعة تكفر الثانية، وتتهمها، هذه مشكلة كبيرة جداً، حينما تكون العلاقة سيئة جداً بين الجماعات، كل هذه الجماعات هدفها الله عز وجل، لا يوجد مانع، نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، هناك قول آخر: نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، أما لا يوجد غيري على حق والباقي كله منحرف، هذا التفكير تفكير ساذج، يجب أن تنتمي إلى مجموع المؤمنين، وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثالث العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد ....)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الله عز وجل يتعجب من هذا الذي يفعل ما يتمنى ولا يعبأ بالنتائج :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/01.jpg
أيها الأخوة الكرام, الآية اليوم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾
[سورة إبراهيم الآية:18]
الإنسان أحياناً في سفره يخطئ في الطريق, وإصلاح هذا الخطأ يحتاج إلى نصف ساعة, لكن لو شخص قطع ألف كيلو متر بالخطأ, إصلاح هذا الخطأ يحتاج إلى أيام.
فالضلال البعيد: الإنسان قد يبتعد عن الحق ابتعاداً كبيراً جداً, فالترميم صعب, لذلك: الله عز وجل تعجب من هذا الذي يفعل ما يتمنى وما يشتهي, ولا يعبأ بالنتائج, قال تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾
[سورة البقرة الآية:175]
مغادرة الدنيا أخطر حدث مستقبلي يصيبنا جميعاً :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/02.jpg
أخواننا الكرام, البطولة أن تعيش المستقبل, معظم الناس يعيشون الحاضر, ويتغذون بالماضي, لكن العقلاء يعيشون المستقبل, وأخطر حدث مستقبلي يصيبنا جميعاً مغادرة الدنيا, والمغادرة لا تعلم متى, بل قد لا تتوقع متى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
[سورة الأعراف الآية:34]
أيها الأخوة, كل مخلوق يموت, ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت: والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
وكل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنــازة فاعــــلم بأنــــك بعدها محمول
***
أخواننا الكرام, مرة شيعت جنازة لأحد أخوتنا الكرام -رحمه الله- حينما فتح النعش, ووضع هذا الجثمان في القبر, وضعت البلاطة الكبيرة, وأهيل التراب على هذا القبر, أقسم لكم بالله ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن يعد لهذه الساعة, هذه ساعة لا ينجو منها أحد.
كل مخلوق يموت, ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت: والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
العاقل من يدخل الموت في حساباته اليومية :
أيها الأخوة, من توجيهات النبي -عليه الصلاة والسلام-: (( أكثروا من ذكر هادم اللذات ـ مفرق الأحباب ـ مشتت الجماعات ))
[أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي عن سهل بن سعد و البيهقي عن جابر ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/03.jpg
أعمالهم تشبه الرماد: ﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾
[سورة إبراهيم الآية:18]
أعمالهم تلاشت: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
[سورة الفرقان الآية:23]
هباء منثوراً: ﴿لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ﴾
[سورة إبراهيم الآية:18]
من الصلة بالله, من الإقبال على الله, من العروج إلى الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾
[سورة إبراهيم الآية:18]
بطولة الإنسان أن يكون عمله وفق منهج الله عز وجل :
أخواننا الكرام؛ بطولتك أن يكون عملك وفق منهج الله, بطولتك أن تتوافق مقاييسك مع مقاييس القرآن. مثلاً:
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
[سورة آل عمران الآية:185]
((من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة))
[الترمذي عن أنس]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/04.jpg
مضطر أن أذكر حديثاً في الصحاح: (( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]
اثنا عشر ألف إنسان مؤمن لن يغلبوا في الأرض, فإذا كان المسلمون مليار وخمسمئة مليون؛ وليست كلمتهم هي العليا, وليس أمرهم بيدهم, وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل, معنى هذا عندنا مشكلة كبيرة.
لذلك نقول: أين الخلل؟ الخلل أن نصطلح مع الله, الخلل نعوضه أو نزيله بالصلح مع الله, والتوبة إليه, والإقبال عليه, كل شخص قادر على هذا في رمضان.
النبي الكريم, صعد المنبر فقال: (( رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى ))
[ الترمذي عن أبي هريرة]
هذا شهر المغفرة, شهر التوبة, شهر الصلح مع الله. توظيف الله تعالى طغيان الطغاة لخدمة دينه والمؤمنين :
فلذلك: الواقع الإسلامي المؤلم -مليار وخمسمئة مليون- ليست كلمتهم هي العليا, والنبي يقول: (( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/05.jpg
لكن, سبحان الله! لو أن الله قوى الكافر إلى ما لا نهاية فهناك مشكلة كبيرة, قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
[سورة آل عمران الآية:140]
لو أن الكفار دائماً أقوياء, ليئس الناس, وظهر النفاق, لو أن المؤمنين دائماً أقوياء, أيضاً يظهر شيء آخر، فالله قال: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
[سورة آل عمران الآية:140]
فنحن جئنا في عصرٍ المسلمون يحاربون في كل أنحاء الأرض, لكن اعتقدوا يقيناً أن الله سبحانه وتعالى لا يسمح لطاغية على وجه الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين, والدليل: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
[سورة القصص الآية:4]
الجرعات المنعشة التي أكرم الله بها المسلمين :
الآن دققوا: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
[سورة القصص الآية:5]
﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
[سورة القصص الآية:6]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9618/06.jpg
أخواننا الكرام, الله عز وجل رحمة بنا يعطينا أحياناً جرعات منعشة، تتالي النكبات على هذه الأمة أورثها ثقافة, أنا أسميها ثقافة اليأس, أو ثقافة الإحباط, أو ثقافة الطريق المسدود, لكن من هذه الجرعات انتصار أخوتنا في غزة على الجيش الأول, من حيث تنوع الأسلحة, والجيش الرابع في العالم, والمهيمن على المنطقة, انتصار بضعة آلاف من أخوتنا الكرام في غزة والله قلب موازين القوى في العالم, والله أحدث ارتباكاً في العقيدة العسكرية في كل أنحاء الأرض.
فالعصا الغليظة التي هي إسرائيل, هي عصا غليظة في المنطقة, مهمتها أي جهة تقول لا للغرب, تسحق, هذه مهمة العصا؛ لكن بفضل الله, وبفضل أخوتنا الكرام، و بفضل هذه المقاومة، هذه العصا الغليظة كُسِرت, كم مرة؟ كسرت مرتين؛ ألفان وستة, وألفان وثمانية, ولا تزال هذه العصا معطوبة، لذلك: نحن نعيش جرعة منعشة من الله عز وجل حينما انتصر أخوتنا في غزة.
عندنا جرعة منعشة ثانية: حينما دخلت القصر الجمهوري في تركيا امرأة محجبة, هذه أيضاً جرعة منعشة.
الجرعة الثالثة: حينما انهار النظام العالمي.
هذه ثلاث جرعات منعشة, أكرمنا الله بها, كأن الله يقول لنا: أنا -يا عبادي- موجود, الأمر بيدي, اطمئنوا, كونوا كما أريد, أكن لكم كما تريدون.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الرابع العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ....)



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الغر الميامين؛ أمناء دعوته, وقادة ألويته, وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم, إلى أنوار المعرفة والعلم, ومن وحول الشهوات, إلى جنات القربات. الكلمة الطيبة صدقة والكلمة الخبيثة يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/01.jpg
الآية اليوم: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾
[سورة إبراهيم الآية:24-27]
في بعض الأحاديث الشريفة: ((الكلمة الطيبة صدقة))
[أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة]
((إن الرجل ليتكلم بالكلمة -من رضوان الله تعالى-, يرقى بها إلى أعلى عليين, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة -من سخط الله تعالى-, يهوي بها إلى أسفل سافلين))
[ورد في الأثر]
البطولة أن تعد كلامك من عملك, فالكلمة الطيبة صدقة, والكلمة الخبيثة يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين. بطولة الإنسان أن يعد كلامه من عمله :

أحياناً الإنسان يدخل إلى بيت صغير جداً, يتكلم كلاماً فيه ازدراء لهذا البيت, تكون الزوجة على وفاق مع زوجها, وهناك مودة, و وئام, و محبة, هذا التعليق على هذا البيت الصغير أزعج الزوجة, فلما جاء زوجها, تجهمت في وجهه, وانقلب هذا البيت من بيت فيه سعادة إلى بيت فيه خصام, كلمة تكلمها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/02.jpg
الكلمة الطيبة صدقة, ترقى بها إلى أعلى عليين, والكلمة الخبيثة إساءة كبيرة جداً, يهوي بها إلى أسفل سافلين: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة -من سخط الله تعالى-, يهوي بها إلى أسفل سافلين".
في بعض التوجيهات النبوية: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ))
[ الترمذي و أبو داود و أحمد عن أبي هريرة ]
تتكلم بالأسعار, ارتفاع أثمان البيوت, بمشكلات يعانيها المجتمع, هذه المشكلات تتراكم بعضها فوق بعض, لا تستطيع أن تقف, وأحياناً تجلس مجلساً فيه ذكر لله عز وجل؛ تمتلىء ثقة, تمتلئ طمأنينة, تمتلئ فرحاً بمعرفة الله, تمتلئ فرحاً برضوان الله؛ ففرق كبير بين مجلس يُذكر الله فيه, وبين مجلس لا يذكر الله فيه.
المؤمن في كل أحواله راض عن الله عز وجل :
أنا أتمنى أن الله عز وجل حينما يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية:152]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/03.jpg
أن تكثر من ذكر الله.
بالمناسبة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
[سورة طه الآية:14]
الصلاة ذكر. ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
[سورة العنكبوت الآية:45]
العلماء قالوا: "ذكر الله أكبر ما في الصلاة" هذا معنى.
الصحابي الجليل ابن عباس يقول: "ذكر الله لك -أيها المصلي- وأنت في الصلاة, أكبر من ذكرك له؛ إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية, لكنه إذا ذكرك منحك الرضا".
المؤمن راض عن الله.
قال له: يا ربي! هل أنت راض عني؟ قال: فوقع في قلبه: أن يا عبدي, هل أنت راض عني؟ فتعجب هذا العبد! يا رب! كيف أرضى عنك وأنا أتمنى رضاك؟ فكان الجواب: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
لذلك قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين. الإيمان رحمة :
المؤمن حينما يُبتلى ببلية, ويقول: يا رب لك الحمد, أنا راض, شيء رائع جداً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/04.jpg
حدثني أخ مقيم في مستشفى, جاءهم مريض, يشكو من ورم خبيث في كل أمعائه, والمرض قاتل, هذا المريض كلما دخل عليه عائد أو زائر, يقول له: اشهد أنني راض عن الله, يا ربي لك الحمد, الغرفة استقطبت كل موظفي المستشفى؛ هناك نورانية في الغرفة, و راحة نفسية عجيبة, مريض مصاب بورم خبيث, منتشر في أمعائه, والمرض قاتل, وهذا المريض كلما دخل عليه زائر يقول: اشهد أنني راض عن الله, يا ربي لك الحمد!!.
والله حدثني -هذا الموظف في المستشفى- قال لي: إذا قرع الجرس من هذه الغرفة, يتسابق الموظفون لتلبية طلبه, يشعرون براحة عجيبة جداً, بعد أسبوع توفاه الله عز وجل.
ولحكمة بالغةٍ, بالغةٍ, بالغة جاء مريض آخر, مصاب بالمرض نفسه, يا لطيف! يسب الدين, يسب الإله, الله عز وجل أعلم هؤلاء الموظفين؛ المرض نفسه, الآلام نفسها, كيف المرض في حالة المؤمن مع الإيمان, وكيف المرض مع الكفران.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/05.jpg
لذلك: بعد حين وقع تحت يدي بحث دقيق, اسمه "بوابات الألم", قال: "الألم له طريق من الجلد أحياناً إلى الأعصاب, أعصاب الحس هذه تتجمع في النخاع الشوكي, تصل إلى الدماغ".
أحياناً طبيب الأسنان يقلع السن من دون تخدير, لسبب أو لآخر أثناء انقطاع العصب الموجود في لب السن يشعر المريض بألم لا يوصف.
قال: بوابات الألم أحياناً تُغلق, فإذا أغلقت لا يصل من هذا الألم إلا العشر, وأحياناً تكون مفتوحة على مصاريعها فالألم لا يُحتمل.
سبحان الله! الذي كتب هذا المقال هو عالم طب, قال: والذي يتحكم بهذه البوابات الحالة النفسية للمريض.
إذا كنت مؤمناً وراض عن الله, هذه البوابات تغلق, لا يصل من الألم إلا العشر, وإذا كان الإنسان بعيداً عن الله عز وجل, وساخطاً على الله عز وجل, يرفض قضاء الله وقدره, هذه البوابات مفتوحة على مصاريعها. فلذلك: الإيمان رحمة.
الكلمة الطيبة تمتن العلاقات بين الناس و تطيب القلوب :
هنا هذه الآية تتعلق بمجالسنا: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾
[سورة إبراهيم الآية:24]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/06.jpg
كلمة تهنئة, دخلت إلى بيت أختك؛ أثنِ على زوجها, زوجها صالح لكنه فقير, أثن على أخلاقه, بين لها أن القيمة هي قيمة الأخلاق, وأن هذا الزوج إنسان رائع, والله يهنئك فيه, يخرج الأخ من عند أخته, والأخت راضية, أحياناً يذكر بعض العيوب في بيتها, ألم يقدم لك شيئاً على العيد؟ فتسخط على زوجها.
كلمة طيبة؛ بالكلمة الطيبة ترقى إلى أعلى عليين, وبالكلمة الخبيثة تهوي إلى أسفل سافلين.
فعود نفسك بالكلمة الطيبة؛ كلمة التواصل, كلمة العفو, كلمة التشجيع, كلمة لفت النظر للآخرة.
مرة دخلت إلى بيت, صدقوا ولا أبالغ ما رأيت في حياتي غرفة ضيوف أصغر من هذه الغرفة, مساحة الطاولة من مساحة الغرفة, فصاحب البيت خجل كثيراً, قلت له: النبي الكريم -سيد الخلق, وحبيب الحق, سيد ولد آدم-, كانت غرفته التي ينام فيها لا تتسع لصلاته ونوم زوجته, فكان إذا صلى, يجب أن تبتعد الزوجة عن مكان السجود, فهذا سيد الخلق, وحبيب الحق.
ذكرت له نصاً: "فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا؟ فإن قال: أهانه فقد كذب, وإن قال: أكرمه، فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا".
هناك كلمة طيبة ترفع معنويات الفقير, كلمة طيبة ترفع معنويات المريض, المريض تحت ضغط المرض, فإذا بينت له أن مرض المؤمن تقريب إلى الله عز وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
[سورة البقرة الآية:155-157]
ممكن بكلامك تطيب القلوب, بكلامك ترفع المعنويات, بكلامك تمتن العلاقات بين الزوج وزوجته, بكلامك يرتقي من يسمعها إلى أعلى عليين. الكلمة الطيبة لها جذور عميقة جداً وهي متعلقة بعلة وجود الإنسان في الدنيا :
لذلك: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية:152]
إذا ذكر الله في أي مكان تجلس به, أما مجلس من دون ذكر "قاموا عن أنتن من جيفة حمار"؛ غيبة, ونميمة, وتعليقات, وقنص للأخطاء, وتشهير، فهذه كلها من صفات أهل الدنيا. لذلك: المؤمن يسعد بأخيه، مرة سيدنا حنظلة -رضي الله عنه- كان يبكي في الطريق, رآه سيدنا الصديق قال له: "ما لك -يا حنظلة- تبكي؟ قال له: نافق حنظلة, قال له: ولم يا أخي؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين, فإذا عافسنا الأهل ننسى, فسيدنا الصديق بأعلى درجة من الكمال قال له: أنا كذلك يا أخي", هذا تواضع.
أحياناً: يشكو لك ابنه, تقول له: أنا عندي ابن رائع جداً, ما شاء الله! بار, محسن, هذا الكلام يعمق له ألمه, قل له: الوضع صعب, الجو العام صعب, نحن في آخر الزمان, أعطه قليلاً من التخفيفات مما يعاني.
فقال له: "وأنا كذلك يا أخي, انطلق بنا إلى رسول الله, فانطلقا, فقال النبي الكريم: (( إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا ))
[ موطأ مالك ]
(( لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَسَاعَةً وسَاعَةً ))
[ سنن الترمذي عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/07.jpg
هناك كلام يطيب القلب, كلام يجبر الخاطر, كلام يرفع المعنويات, كلام يمتن العلاقات, كلام يدعو إلى التفاؤل, وهناك كلام فيه سخط, وفيه نقمة, وفيه تعليق مؤلم, هو سيئ, هذه الكلمة يبغضها الله عز وجل, قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24]
الكلمة الطيبة لها جذور عميقة جداً؛ متعلقة بمنهج الله, متعلقة بعلة وجودك في الدنيا, متعلقة بالآخرة, تنطلق الكلمة الطيبة من مبادىء, من قيم, من مثل, من كمال, من صلة بالله عز وجل: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24-25]
أحياناً كلمة طيبة تسبب هداية إنسان؛ اهتدى هو, وزوجته, وأولاده, وذريته. الكلمة الطيبة آثارها تمتد إلى يوم القيامة :
لذلك: الكلمة الطيبة صدقة؛ بمعنى أن آثارها إلى يوم القيامة, وهي في صحيفة من قالها: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24]
هناك أشجار طول جذورها ثلاثون متراً, ممتدة هكذا, كلمة ثابتة: ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24]
تعطيك الفواكه الناضجة: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
[سورة إبراهيم الآية:25]
الكلمة الطيبة تشد الإنسان إلى الدين و الكلمة الخبيثة تبعده عنه :
دقق الآن: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾
[سورة إبراهيم الآية:26]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/08.jpg
بحساب مطالعاتي مرة قرأت كلمة -أنا لا أعتقد أخبث منها في الأرض- قال: أنت أخلاقي لأنك ضعيف, وأنت ضعيف لأنك أخلاقي.
هذه كلمة تشوه المبادئ والقيم, كلمة من كلمات الشيطان؛ أنت أخلاقي لأنك مؤمن, أنت أخلاقي لأنك عرفت سرّ وجودك، وغاية وجودك, أنت أخلاقي لأنك تسعى للدار الآخرة, أنت أخلاقي لأنك الله يحبك وأنت تحبه, وهناك كلمة أخرى خبيثة؛ أنت أخلاقي لأنك ضعيف, وضعيف لأنك أخلاقي, هذه كلمة خبيثة.
والله هناك كلمات, أنا أقول: ألف تصرف رائع, حكيم, ناجح, أخلاقي, يشد الإنسان إلى الدين, وكلمة خبيثة واحدة, تعليق ساخر, تعليق فيه استهزاء, تعليق فيه ازدراء, يبعد الإنسان عن الدين: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ﴾
[سورة إبراهيم الآية:26-27]
القرآن قول ثابت :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/09.jpg
القرآن قول ثابت, فيه آيات فيها بشارة للمؤمنين؛ مثلاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
[سورة فصلت الآية:30-32]
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة إبراهيم الآية:27]
مراتب الدنيا مراتب مؤقتة :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9633/10.jpg
أحياناً الإنسان يذهب إلى بلاد الغرب, يجد بلاداً جميلة جداً؛ جبالاً خضراء, أموالاً طائلة, الحياة بأعلى درجات من الدقة والرفاه, تأتيه خواطر شيطانية لماذا نحن لسنا كذلك؟ مثلاً: لماذا بلادنا ليست كهذه البلاد؟ يأتي الجواب: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾
[سورة إبراهيم الآية:27]
الآية الكريمة: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
[سورة الأنعام الآية:44]
إذا اختل الإنسان توازنه قليلاً, حينما زار بلاد الكفار, تأتي هذه الآية, تزيل هذا الإشكال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[سورة الأنعام الآية:44]
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾
[سورة إبراهيم الآية:27]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الخامس العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ....)



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الغر الميامين؛ أمناء دعوته, وقادة ألويته, وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم, ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. بطولة الإنسان أن يدع بينه وبين المعصية هامش أمان :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في آيات الأمثال في القرآن الكريم, والآية اليوم هي قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾
[سورة الحج الآية:30-31]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/01.jpg
أولاً: ماذا تعني كلمة اجتنبوا؟ اجتنبوا تعني أن تجعل بينك وبين المعصية هامش أمان, تماماً كتيار كهربائي عالي التوتر, له حرم, لو دخلت حرمه لجذبك واحترق الإنسان. فلابدّ من أن تدع بينك وبين المعصية هامش أمان, هذا المعنى دقيق جداً في معنى اجتنبوا، أي: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[سورة البقرة الآية:187]
اجعل بينك وبين حدود الله هامش أمان, هذا الهامش إذا جعلته, وقاك الله من الوقوع في المعاصي, أما إذا ألغيت هذا الهامش, ففي الأعم الأغلب تزل القدم, ويقع الإنسان في المعصية، والشاهد الدقيق: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[سورة البقرة الآية:187]
الشرك عار بحق الإنسان وهبوط في تفكيره :
مثلاًً: الزنا فاحشة, الخلوة اقتراب من الزنا, صحبة الأراذل اقتراب من الزنا, قراءة أدب إباحي اقتراب من الزنا, هناك أشياء كثيرة تقرب من الزنا، فالبطولة أن تدع بينك وبين المعصية هامش أمان.
هناك آيات: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
[سورة البقرة الآية:229]
وآيات أخرى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[سورة البقرة الآية:187]
﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
أي اجعل بينك وبينها هامش أمان, هذا معنى ﴿فَاجْتَنِبُوا﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/02.jpg
أي اجتنب الشرك الأكبر.
لا يوجد في العالم الإسلامي شرك أكبر, في العالم الإسلامي لا يوجد إله يُعبد من دون الله, إله له صنم يُعبد لا يوجد, في آسيا هناك بوذا, هناك إله يعبد من دون الله.
كنت مرة في أمريكا, فأخذني مضيفي إلى معبد هندوسي, في مدخل المعبد صنم من البرونز, لا أبالغ على صدره ألماس البرلنت بعشرات الملايين, الألماس البرلنت الغالي جداً, ويأتي عبَّاد هذا الصنم, ينبطحون على الأرض انبطاحاً كاملاً, ثم رأيت في مدخل هذا المعبد كسارة جوز الهند, سألت عنها, قال: الآلهة يحبون جوز الهند, ألا ترى كيف الكهان يضحكون على الناس!؟
الشرك عار بحق الإنسان, الشرك هبوط في تفكيره, في عقله, هذا الدين من فضل الله علينا, دين التوحيد, وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, لكن قبل الإسلام كان هناك شرك أكبر؛ كان هناك اللات والعزى, كان هناك آلهة, و أصنام تعبد, لكن بعد ظهور الإسلام الشرك الأكبر انتهى, ماذا بقي؟ الشرك الخفي.
لذلك ورد: ((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي, أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً؛ ولكن شهوة خفية, وأعمال لغير الله))
[ورد في الأثر]
انتشار الشرك الخفي في العالم الإسلامي :
أنت حينما تتوهم أن إنساناً ما بيده مصيرك هذا شرك, بيده نفعك أو ضرك هذا شرك, تخافه وتعصي الله هذا شرك, والآية: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
[سورة يوسف الآية:106]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/03.jpg
لذلك: المنتشر ليس الشرك الجلي ولكن الشرك الخفي. ((أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً؛ ولكن شهوة خفية, وأعمال لغير الله))
[ورد في الأثر]
هذا الذي يستجيب لشهوته, بلا ضابط من منهج الله, لو أن الإنسان استجاب لشهوته, وفق ضابط لمنهج الله لا شيء عليه, لو أن الإنسان استجاب لشهوته وفق الضوابط الشرعية لا شيء عليه؛ اشتهى المرأة تزوج, اشتهى المال عمل عملاً مشروعاً, لكن المشكلة تتضح في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[سورة القصص الآية:50]
هناك حاجات بالإنسان؛ الحاجة إلى الطعام والشراب, الحاجة إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل, حاجة إلى تأكيد الذات, هذه الشهوات يمكن أن تلبى مئة في المئة وفق منهج الله. من اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :
لذلك:
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[سورة القصص الآية:50]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/04.jpg
عند علماء الأصول: المعنى المخالف, المعنى المعاكس, أي: الذي يتبع هواه وفق هدى الله, لا شيء عليه أبداً, بل هناك أحاديث كثيرة، في الجامع الصغير, هذا الكتاب مرتب وفق حروف المعجم, فلو فتحتم على مجموعة الأحاديث التي تبدأ بكلمة حق؛ حق الله على عباده, حق الزوج على زوجته, حق الآباء على أبنائهم, حق الأبناء على الآباء, مجموعة طويلة جداً, تبدأ بكلمة حق, لكن تقرأ حديثاً في هذه المجموعة, ربما اقشعر جلدك, حق المؤمن على الله أن يعينه إذا طلب العفاف, هذا كلام لمن؟
حق المؤمن على الله؛ أنشأ الله لك حقاً عليه, هذا الحق أنك -أيها الشاب- إذا رأيت في الطريق النساء, الكاسيات العاريات, المائلات المميلات, اطلب من الله أن يحصنك بزوجة؛ تسرك إن نظرت إليها, وتحفظك إن غبت عنها, وتطيعك إن أمرتها, حق على الله أن يعين المؤمن إذا طلب العفاف.
إذاً: هذا الشرك الخفي أخطر ما في حياة المسلمين؛ ما من معصية إلا سببها شرك خفي, ما من تجاوز لحدود الله إلا بسبب شرك خفي, شرك جلي لا يوجد, أما الموجود فالشرك الخفي: "أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً؛ ولكن شهوة خفية, وأعمال لغير الله"، قال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا﴾
[سورة الحج الآية:30]
تشبيه الله عز وجل الشرك بالنجس والمشرك بالنجس :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/05.jpg
الشيء الذي لا يحتمل النجس, والله عز وجل قال:
﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾
[سورة التوبة الآية:28]
هناك لفتة بلاغية رائعة, لم يقل: إنما المشركون نجسون, الشيء النجس يطهر, كأس لو فرضنا أصابه بول طفل, تغسلها عدة مرات تطهر, أما النجس فنفسه لا يطهُر، لم يقل: إنما المشركون نجسون, قال: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾
[سورة التوبة الآية:28]
هم عين النجاسة, الشيء القبيح الذي لا يحتمل منظر ورائحة النجاسة, تصور أن الله شبه الشرك بالنجس, والمشرك بالنجس. اجتناب الشرك و قول الزور :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/06.jpg
ثم قال:
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
كلمة قول الزور: كل بيان غير صادق قول زور, كل شهادة كاذبة قول زور, كل بيان كاذب قول زور.
لو أن الناس ابتعدوا عن قول الزور لكنا في حال غير هذا الحال؛ الغش قول زور, الكذب قول زور, النفاق قول زور, لولا قول الزور لكنا في حال غير هذا الحال: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
الوثن جهة قوية, تعبد من دون الله, ولا إله إلا الله, والشرك الجلي غير موجود, الشرك الخفي موجود. قال: اجتنبوا أي الشرك, وقول الزور. العبادة تحتاج إلى محبة فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه :
لكن:
﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ﴾
[سورة الحج الآية:31]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/07.jpg
لذلك: العبادة هي طاعة طوعية, ممزوجة بمحبة قلبية, أساسها معرفة يقينية, تفضي إلى سعادة أبدية.
العبادة تحتاج إلى محبة, لذلك: ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه, كما أنه ما عبد الله من أحبه ولم يطعه.
هذا معنى حنفاء أي ماثل إلى الله؛ تعبده وأنت تحبه, تعبده من تلقاء نفسك, تعبده مخيراً ولست مكرهاً, تعبده وقلبك ممتلئ بمحبته, هذا هو الدين: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
الشرك تماماً يشبه الرجس, أي الشيء الذي لا يطهر: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
يمين كاذب, بيان كاذب, وصف للبضاعة كاذب, تصفها بأنها من مصدر معين, وهي من مصدر آخر, تقدم فاتورة غير صحيحة, كل تغيير للحقيقة هذا هو قول الزور: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ﴾
[سورة الحج الآية:31]
الله عز وجل أراد من الإنسان أن يعبده محباً لا مكرهاً :
الله ما أرادنا أن نعبده مكرهين, أرادنا أن نعبده محبين, يريدك أن تجتنب قول الزور, كل تزوير للحقائق، يريدك أن تجتنب الشرك الخفي كمسلم, ويريدك أن تميل إليه بقلبك, يريد عقيدتك توحيداً, ويريد سلوكك صدقاً, ويريد قلبك محبة, يريد أن تكون عقيدتك توحيداً لا شرك فيها, ويريد أن يكون كلامك صادقاً لا كذب فيه, ويريد قلبك أن يميل إليه:
﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾
[سورة الحج الآية:31]
الهدى يرفع الإنسان و الضلال يحطه :
الآن: آية المثل: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾
[سورة الحج الآية:31]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/08.jpg
تصور إنساناً وقع من طائرة على ارتفاع أربعين ألف قدم, ما مصيره؟ أشلاء, موت محقق, طيور تأكله, قد يأتي في مكان بعد أن تحطمت أضلاعه ومات تأكله الوحوش، هذا المثل مثل الشرك, معنى التوحيد أنت في السماء.
دقق في هذه الآية: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾
[سورة لقمان الآية:5]
الهدى رفعه: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
[سورة الزمر الآية:22]
الضلال: أنت عبد لشهوتك, أنت عبد لمصلحتك, أنت متذلل أمام شهوتك. الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده إلا بعد أن طمأنه :
لذلك: (( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]
﴿فَاجْتَنِبُوا﴾
[سورة الحج الآية:30]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/09.jpg
اجعل بينك وبين ما ينهاك الله عنه هامش أمان: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
الشرك الجلي والخفي: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾
[سورة الحج الآية:30]
الكذب؛ في البيع, في الشراء, في أي شيء، حينما تتكلم بخلاف ما تعتقد, فأنت في قول زور, بدءاً من فاتورة مزورة, إلى بيان بالبضاعة غير صحيح, إلى أيمان كاذبة, هذا كله هناك نهي شديد عنه؛ ومع هذا الاجتناب, ومع هذا التوحيد, ومع هذه الاستقامة, يريد الله قلبك, يريدك أن تعبده عن حب لا عن إكراه, يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾
[سورة البقرة الآية:256]
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾
[سورة الكهف الآية:107]
﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾
[سورة الحج الآية:31]
الدين هو التوحيد و ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
المثل:
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾
[سورة الحج الآية:31]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9635/10.jpg
هذا المثل تقشعر منه الأبدان, إنسان سقط من طائرة, ما مصيره؟ الهلاك المحتم, أشلاؤه تأكلها الطير, تأكلها الوحوش, وانتهى.
لذلك أيها الأخوة: إذا أردت أن تقول لي ما الدين؟ أقول لك: التوحيد؛ ألا ترى مع الله أحدا, ألا ترى يداً تعمل مع الله: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
[سورة هود الآية:123]
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
[سورة الصافات الآية:173]
أيها الأخوة الكرام, لو قرأت القرآن كله لوجدت معظم آياته تدور حول التوحيد؛ الدين هو التوحيد, الدين أن تتجه لله, الدين ألا تعبد إلا الله, ألا تحب إلا الله, ألا تخضع إلا لمنهج الله, ألا تصل إلا لله, ألا تقطع إلا لله, ألا تغضب إلا لله, ألا ترضى إلا لله, ألا تعطي إلا لله, ألا تمنع إلا لله, هذا الدين, هذا التوحيد, وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السادس العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( يا أيها الناس ضرب مثلٌ فاستمعوا له ....)



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الغر الميامين؛ أمناء دعوته, وقادة ألويته, وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. الله عز وجل يخاطب عامة الناس بأصول الدين و المؤمنين بفروع الدين :
لا زلنا أيها الأخوة في آيات الأمثال, والآية اليوم:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/01.jpg
أيها الأخوة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى حينما يخاطب عباده في القرآن يخاطبهم بصيغتين؛ مرة يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الأنفال الآية:20]
ومرة يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
والعلماء يقولون: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الدين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
ويخاطب المؤمنين بفروع الدين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الأنفال الآية:20]
السماع عام أما النظر فمقيد بمشيئة الإنسان وإرادته :
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾
[سورة الأنفال الآية:21]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/02.jpg
دائماً هناك خطاب للمؤمنين, وكأن الله عز وجل حينما يخاطب المؤمنين يقول: يا من عرفتموني, يا من آمنتم بوجودي, آمنتم بكمالي, آمنتم بوحدانيتي, يا من آمنتم بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى, افعلوا, كذلك الخطاب للمؤمنين تفصيلي؛ الخطاب للمؤمنين بفروع الدين, الخطاب للمؤمنين بالتفاصيل, أما الخطاب للناس عامة فبالكليات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
هنا الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/03.jpg
أي إنسان معني بهذه الآية: ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
طبعاً هناك فرق كبير بين أن تسمع, وبين أن تستمع، السمع: إنسان يمشي في الطريق, سمع بوق مركبة, ليس له خيار في السماع أو عدم السماع, العين لها خيار, بإمكانك أن تغض بصرك, لذلك قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
[سورة النور الآية:30]
أما السماع فلا تستطيع أن تسد أذنيك؛ فالسماع عام, أما النظر فمقيد, بمشيئتك وإرادتك. عظمة الله عز وجل تتجلى في الحجوم الكبيرة و في الأشياء الصغيرة :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/04.jpg
أدق الحشرات لو اجتمعت قوى الأرض على أن تبدل من خصائصها لا تستطيع.
هناك أمثلة كثيرة؛ حينما وضعت البعوضة تحت المجهر, - المجاهر التقليدية مجاهر أساسها العدسة البللورية, أما المجاهر الحديثة فأساسها إلكتروني, أي يمكن للمجهر الإلكتروني أن يكبر خمسمئة ألف مرة- فلما وضعت بعوضة تحت هذا المجهر تبين أن في رأس البعوضة مئة عين, -وهناك صور لهذه العيون المئة-, وأن في فمها ثمانية وأربعين سناً, وكل ألف بعوضة تساوي غراماً واحداً, فالبعوضة وزنها واحد على ألف من الغرام.
أخواننا الكرام, بالمناسبة مهما تصورت الأجزاء, هناك أجزاء أدق، تبدو عظمة الله عز وجل في الحجوم الكبيرة كالمجرات, وتبدو عظمة الله أيضاً في الأشياء الصغيرة.
فهذه في رأسها مئة عين, وفي فمها ثمانية وأربعون سناً, وهذا كله أظهرته الصور, وفي صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح, وفي كل قلب أذينان, وبطينان, ودسامان، حينما يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
[سورة البقرة الآية:26]
إذاً: البعوضة في رأسها مئة عين, في فمها ثمانية وأربعون سناً, في صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح.
البعوضة آية من آيات الله الدالة على عظمته :
أيها الأخوة الكرام, البعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات, تملك جهاز رادار, أو بتعبير أدق تملك جهاز استقبال حراري, فهي تعرف الأشياء لا بأشكالها, ولا بألوانها, ولا بأحجامها, لكنها تعرف الأشياء بالحرارة, هذا الجهاز الحراري الذي ترى به الأشياء, كأن نقول مثلاً: الأشعة فوق الحمراء طريقة من طرق الاستكشاف في الليل, البعوضة تملك هذا الجهاز, ترى الأشياء بحرارتها فقط.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/05.jpg
وقال العلماء: حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، أي نحن بكل ما نملك من طاقات, ومن عين دقيقة في رؤيتها, أنت تملك حساسية تساوي ربع درجة, الذي عنده بصر حاد, يقول لك: حرارته سبع وثلاثون وثلاثة أرباع, لكن معظم الناس الحساسية مصدرية, سبع وثلاثون ونصف, فالإنسان كل حساسيته في الرؤية دقتها ربع درجة, أما البعوضة فواحد على ألف من الدرجة المئوية، لذلك: هذه الآية أنا أصنفها مع الإعجاز العلمي:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
[سورة البقرة الآية:26]
والذبابة كذلك.
الذبابة أيها الأخوة في علم الطيران تملك أعلى إمكانية في الكون, على المغادرة في الجو, لا توجد طائرة ممكن أن تسير بسرعة ألف ميل, فجأة تنعطف تسعين درجة, لا يوجد خط منحن, انعطاف زاوية قائمة, لا تملك طائرة في الأرض أن تنعطف فجأة تسعين درجة بالضبط يمنة أو يسرة, لا يوجد في الأرض طائرة يمكن أن تهبط على سقف, أما الذبابة فتقف على السقف, وهي نحو الأسفل, ما الذي يحميها من السقوط؟ هناك مناورة للذبابة لا تستطيعها طائرة في الأرض, وأجهزتها على دقتها؛ عين, ورئتان, وجهاز هضم, وما إلى ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً﴾
[سورة الحج الآية:73]
هناك معلومات دقيقة عن البعوضة, والذبابة كذلك. الأجهزة التي تملكها البعوضة :
هذه البعوضة في رأسها مئة عين, في فمها ثمانية وأربعون سناً, في صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح, وفي كل قلب أذينان, وبطينان, ودسامان, والبعوضة تملك هذا الجهاز الاستقبال الحراري, جهاز رادار، فهي ترى الشيء بالحرارة, لو أنها في غرفة في فصل الشتاء, الحرارة خمس, أما الطفل فحرارته تقدر بسبع وثلاثين, لا ترى إلا الطفل.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/06.jpg
الآن: حينما تغرس خرطومها في جلد الطفل, ما كل دم يناسبها, تأخذ عينة, وتفحصها؛ فإذا كان هذا الدم مما يوافقها, تابعت أخذ الدم منه, فإن لم يكن يوافقها, تركته إلى أخيه، لذلك: هذا الجهاز -جهاز تحليل للدم- هل تتصور بعوضة بهذا الحجم معها جهاز تحليل للدم و جهاز تخدير؟ لأن هذا الإنسان إذا غرست البعوضة خرطومها في جلده, يقتلها؛ تخدره أولاً, ثم تغرس خرطومها في جلده, تمتص الدم, فإذا انتهت وطارت إلى سماء الغرفة ينتهي مفعول التخدير, يشعر الإنسان بلسع البعوض, يظنها عليه, يضربها بكل قوته, وهي في الحقيقة في سقف الغرفة تضحك عليه؛ معها جهاز تحليل للدم, معها جهاز تخدير, معها جهاز تمييع, دم الإنسان لا يسري في خرطوم البعوضة؛ تميعه, وتحلله, وتخدره, وتمتص عندئذ الدم.
وضع هذا الخرطوم تحت المجهر, وكبر مئات ألوف المرات, فالنتيجة مذهلة أن في خرطوم البعوضة ست سكاكين؛ أربع سكاكين لإحداث جرح مربع, وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم, وتملك البعوضة أرجل فيها مخالب إذا وقفت على سطح خشن, وفيها محاجم على الضغط إذا وقفت على سطح أملس.
الآية التالية تُعرف بالله عز وجل من خلال خلقه :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/07.jpg
أنا أعتقد أن البحوث الحديثة فيها شرح دقائق خلق البعوضة أو الذبابة, وهي خير ما يفسر هذه الآيات:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
أحياناً يجهد الإنسان بقتل ذبابة ولا يستطيع, تملك طاقة مناورة عالية جداً، فالإنسان قد يتأمل في خلق الله, ما دق في خلق الله وما عظم.
فالمجرات مثلاً هناك نجم واحد لبعض المجرات, هذه المجرة اسمها: مجرة العقرب, في المجرة نجم صغير, متألق, أحمر اللون, اسمه قلب العقرب, يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما, الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة, وبين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر, الأرض والشمس مع المسافة بينهما يدخلان في نجم من نجوم برج العقرب, هو قلب العقرب.
الآن الصغر؛ هذه البعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات, تملك جهاز استقبال حراري, حساسيته واحد على ألف من الدرجة المئوية. من ازداد معرفة بالله ازداد معرفة بضآلته :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9636/08.jpg
إذاً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
كلما ازددت معرفة بالله, ازددت معرفة بضآلتك.
وللإمام الشافعي كلمة رائعة يقول: "كلما ازددتُ علماً ازددت علماً بجهلي".
قل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياءُ
***
ولا نهاية لعظمة هذا الكون؛ فيما هو كبير كالمجرات, وفيما هو صغير كالبعوضة.
لذلك أيها الأخوة هذه الآية تشبه تعريفاً بالله عز وجل من خلال خلقه: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السابع العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ....)



لحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. أكبر خطأ وقع به الناس أن أهل الدنيا يعيشون للدنيا ولم يدخلوا الآخرة في حساباتهم :
أيها الأخوة الكرام, آية اليوم: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/01.jpg
نعق بمعنى خاطب الدواب, والدواب لا تفهم؛ لا المخاطب يخاطب من يعقل, ولا السامع يعقل ما خوطب: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
أخواننا الكرام, أكبر خطأ أن نتوهم أن المسلم يصلي؛ الفرق بين المسلم وغير المسلم, بين المؤمن وغير المؤمن, بين الذي عرف الله وبين الذي لم يعرفه, كما بين الثرى والثريا, كما بين الأرض والسماء.
لو ذهبنا نحلل شخصية المؤمن: إنسان هادف, في ذهنه تصور صحيح, عن الكون والحياة والإنسان, هذا التصور الصحيح جعله يسلك سلوكاً صحيحاً, هذا الإنسان أمامه هدف, هدفه الجنة.
لذلك أكبر خطأ وقع به العصر أن أهل الدنيا يعيشون للدنيا, وما أدخلوا الآخرة في حساباتهم, والدليل قوله تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان, كل إنسان يتحرك لهدف في فكره؛ هذا يتزوج, هذا يؤسس بيتاً, هذا ينال شهادة عليا, هذا يرتكب جريمة زنا, هذا يسافر, كل إنسان يتحرك لهدف في ذهنه. المؤمن هدفه الآخرة و السعي للآخرة يشعره بالسعادة :
لكن الله جلّ جلاله جعل كل هذه الأهداف -أهداف الستة آلاف مليون- تدخل في حقلين فقط, قال: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/02.jpg
كلمات جامعة, مانعة, دقيقة، صدَّق أنه مخلوق للجنة, هذه العقيدة، لو ضبطت العقيدة بكلمة واحدة؛ أنت أيها الإنسان لم تخلق للدنيا, بل جئت إلى الدنيا لتدفع ثمن الآخرة بالضبط.
أهل الدنيا تصورهم أنهم خلقوا للدنيا؛ همه أن يكون بيته فخماً, عنده دخل كبير, عنده مركبة فارهة, يقترن بامرأة جميلة, ينجب أولاداً أذكياء, يعيش حياة بتصوره سعيدة, هدفه الدنيا, وهذه الدنيا كما قيل: تغر, وتضر, وتمر.
الآن: المؤمن هدفه الآخرة, لكن يسعد في الدنيا أضعافاً مضاعفة عما يسعد بها غير المؤمن؛ لأنه عندما اختار الآخرة, أي شيء في الدنيا يعجبه, أي شيء يرضيه, هدفه كبير.
تصور طالب جامعة, أدى امتحاناً بأعلى مستوى, يتوقع العلامات التامة, أي شيء متعب في سيره إلى الجامعة, بعلاقته مع صديق يمتصه, لماذا يمتصه؟ لأن هدفه الأكبر تحقق. فلذلك أحد أسباب سعادة المؤمن أن هدفه الأكبر تحقق.
مرة أخ -أنا أظنه صادقاً في الاعتراض- قال لي: تقول: المؤمن سعيد, قال لي: والله ليس بسعيد, مثله مثل غيره, لا يختلف عنه بشيء, فأنا أمام ثلاثين شخصاً, أريد تعليقاً, قلت له: إذا كان الإنسان موظفاً, معاشه أربعة آلاف ليرة, - ضربت له رقماً قليلاً جداً-, وعنده ثمانية أولاد, وبيته بالأجرة, وعليه دعوى إخلاء, ما وضع هذا الإنسان؟ قال لي: سيئ جداً, قلت له: لا يوجد أسوأ من هذا؛ فقر مدقع, أولاد, بيت, مصروف, دخل محدود, له عم يملك خمسمئة مليون, وليس له أولاد, توفي بحادث, بحسب نظام الإرث الخمسمئة مليون لمن؟ لهذا الفقير.
أي في ثانية واحدة عندما مات عمه آلت ثروة عمه إليه؛ لكن هناك وثائق, و براءة ذمة, و روتيناً معقداً في المالية, حتى يصل إلى المبلغ بعد سنتين, لماذا هو في هاتين السنتين أسعد إنسان؛ مع أنه لم يأكل لقمة زائدة, ولم يشتر معطفاً؟ لأنه دخل بوعد حقيقي, أنه سيملك خمسمئة مليون, إن أخذهم بعد سنة, بعد سنتين, ما من مشكلة, لكن الآن يملكك خمسمئة مليون.
صدق ولا أبالغ: هذا حال المؤمن, خالق الكون وعده بالجنة, لذلك هذا الوعد يمتص كل متاعب الدنيا. المؤمن صدّق أنه مخلوق للحسنى فبنى حياته على العطاء :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/03.jpg
لذلك: أحد أسباب سعادة المؤمن أن الله وعده بالجنة؛ لذلك يقبل زوجة وسطاً, دخلاً قليلاً, عملاً متعباً, لكن كله حلال, يسعى للحلال ابتغاء وصوله للجنة, هذا حال المؤمن، لذلك: قد يعيش المؤمن بمتاعب كبيرة, لكن لا يحس فيها؛ هدفه كبير, هدفه الجنة, لذلك قال تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
دقق: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
صدَّق أنه مخلوق للحسنى, والحسنى هي الجنة؛ لأنه صدق أنه مخلوق للحسنى, اتقى أن يعصي الله, ولأنه اتقى أن يعصي الله, والجنة تحتاج إلى عمل, بنى حياته على العطاء.
صدق ولا أبالغ, هناك كلمة مستعملة حديثاً اسمها: "استراتيجية المؤمن"؛ استراتيجيته الأساسية العطاء, وغير المؤمن الأخذ. الناس زمرتان لا ثالث لهما :
لذلك يقع على رأس الهرم البشري زمرتان؛ الأقوياء والأنبياء؛ الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا, الأقوياء أخذوا ولم يعطوا, الأنبياء ملكوا القلوب, والأقوياء ملكوا الرقاب, الأقوياء عاش الناس لهم, والأنبياء عاشوا للناس, والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي، لهذا أحبّ الناس الأنبياء, وخافوا من الأقوياء.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/04.jpg
وكل إنسان لا بدّ من أن يكون تابعاً لنبي كريم أو لقوي قويم, فالمؤمن سلاح كماله الإيمان بالله، والذي يكون تابعاً لقوي؛ سلاحه قوته ما يملك من سلطة, هذا التقسيم حقيقي: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
أول سطر: هؤلاء المؤمنون في الأرض؛ أعطى, بنى حياته على العطاء, واتقى أن يعصي الله, لأنه صدق أنه مخلوق للجنة, والثاني: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآية : 8-9 ]
ما دام كذب بالجنة, آمن بالدنيا, إيمانه بالدنيا يدفعه إلى أن يأخذ لا أن يعطي, وإلى أن يستمتع لا أن يعمل صالحاً, هذا التقصير, فأنت اسأل نفسك: أنت مع أي زمرة؟ ﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
المؤمن يسعى للجنة و غير المؤمن يمشي في طريق مسدود :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/05.jpg
المؤمن يسعى للجنة, يقبل بزوجة غير جميلة, بدخل محدود أحياناً؛ ما دام عمله صالحاً, مادام له أعمال صالحة عند الله, هدفه الأساسي تحقق, تجد المؤمن سعيداً؛ دخله محدود, بيته صغير, زوجته وسط, حياته المادية عادية جداً, بل أقل من عادية, تجده ممتلئاً سعادة, لأن هدفه كبير, وغير المؤمن مترف؛ بيت, دخل, مركبة, يقول لك: لا يعاش في هذا البلد, كلام مضحك, كلام إنسان يمشي في طريق مسدود, والله غير المؤمن يمشي في طريق مسدود.
وأنتم تظنون هذا وأحياناً معكم حق, وأنا أحياناً أظن أن الذي معه مال هو إنسان سعيد, أبداً, المال مهما كنت تملك مالاً, الدنيا لها سقف، أي على الطعام كم تأكل؟ يمكن أفقر إنسان يأكل كما يأكل أغنى إنسان, إنسان ينام على سرير؛ النوم عام بين كل الناس, والزواج عام بين كل الناس, الأساسيات في الحياة مشتركة بين كل الناس, بالعكس ربما كان هذا الفقير أسعد بأهله وأولاده من الغني؛ فلذلك حينما تبحث عن الإيمان بحثت عن السلامة, وحينما تبحث عن الإيمان بحثت عن السعادة: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾
[سورة الليل الآية:1-6]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/06.jpg
أنا أتمنى أن يكون مفهوم الجنة ماثلاً في ذهنك كل دقيقة.
طرق الباب, لا أفتح, وقت نومي, إذا كان مؤمناً بالدنيا, تؤمن بالآخرة, تفتح وتخدم الناس.
والله هذا المفهوم -مفهوم الجنة والعمل لها- إذا أدخلته في حساباتك اليومية يختلف سلوكك مئة وثمانين درجة.
أقول لك هذه الكلمة: إن لم تنعكس موازينك مئة في المئة, أو مئة وثمانين درجة, يكون إيمانك فيه ضعف.
أوضح شيء: المؤمن يسعد أن يعطي, غير المؤمن يسعد أن يأخذ, المؤمن يسعده العمل الصالح, غير المؤمن تسعده المتعة المادية. المؤمن آمن بالمبادئ والقيم وغير المؤمن تسعده المتعة المادية :
هناك تقسيم دقيق للبشر؛ مؤمن وغير مؤمن؛ المؤمن هدفه الآخرة, يسعد ببيته, والمؤمن في التعبير اليومي بيتوتي, بيته جنته؛ زوجته, أولاده, بناته, أما غير المؤمن المقاهي, ودور اللهو, فهنا يشعر بالسرور.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/07.jpg
فيا أيها الأخوة: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
دقق: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) ﴾
[سورة الليل الآية:5-11]
الآن: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
كلامه غير معقول, طلباته غير معقولة, غير واقعية, ولا يوجد من يسمع له أساساً, أما المؤمن فيناجي ربه؛ المؤمن آمن بالآخرة, المؤمن آمن بالمبادئ والقيم, المؤمن بيته جنة, المؤمن زواجه مسعد, لأنه في استقامة. المؤمن بنى حياته على الشكر وغير المؤمن بنى حياته على التشكي والكفر:
فيا أيها الأخوة, الآخرون:
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/9637/08.jpg
يا الله! أصم: لا يسمع الحق, أبكم: لا ينطق به, أعمى: لا يرى آيات الله؛ يرى المركبات, والبيوت, والمناصب, والدخل, والغنى, والثروات: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
ما هذا الإنسان؟ أصم: لا يسمع الحق, أبكم: لا ينطق إلا بالباطل, أعمى: لا يرى فضل الله عليه؛ يرى ضعفه, يرى دخلاً لا يكفيه, يرى الأولاد متعبين, يرى زوجة غير وفية مثلاً.
تجده يجلس مع إنسان كل حياته شكوى, شكوى, لا يوجد شيء, حتى الأغنياء يشتكون أحياناً؛ لذلك المؤمن بنى حياته على الشكر, وغير المؤمن بنى حياته على التشكي والكفر: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
العقل منافذه العين, والسمع, واللسان؛ أبكم: لا ينطق بالحق, لا يوجد عنده شيء في الداخل, لا يوجد حق ينطق به, أعمى: لا يرى آيات الله, أصم: لا يسمع كلام الله عز وجل.
إذاً: عقله منافذهُ خارجية, مبرم, فإذا كان المنفذ الخارجي مغلقاً, لو الباب مفتوح هذا بحكم أنه مغلق, ما دام المنفذ الخارجي مغلقاً, هذا مغلق أيضاً: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
هم لا يعقلون, لأن منافذ العقل مغلقة؛ لذلك قيل: حبك الشيء يُعمي ويُصِم.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثامن العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ....)



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الغر الميامين؛ أمناء دعوته, وقادة ألويته, وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. الله سبحانه وتعالى أودع في البشر حبّ المال:
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في آيات الأمثال, والآية اليوم:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/01.jpg
أيها الأخوة الكرام, الله سبحانه وتعالى أودع في البشر حب المال:﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾
[سورة الفجر الآية:20]
وما أودع الله في الناس حب المال إلا ليرتقوا بإنفاق المال إلى أعلى درجات الجنة؛ لأن الإنسان يتقرب إلى الله عز وجل بإنفاق شيء يحبه, فإن لم يكن يحبه لا يعد هذا الشيء سبباً لارتقاء الإنسان إلى الله, ولأن الله أودع فينا حب المال:﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾
[سورة الفجر الآية:20]
أولاً: هذا المال مادة الشهوات, قوام الحياة, قيام حياة الإنسان بالمال, فإذا أنفق منه شيئاً, ينفق شيئاً من أسباب وجوده, من أسباب مقومات حياته؛ فكلما كان الشيء لصيقاً بوجود الإنسان, ولصيقاً بحاجاته, كان إنفاقه سبباً لرقي الإنسان إلى الله.
الإنفاق بالمعنى الواسع:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/02.jpg
المؤمن وصفه الله في القرآن الكريم في أول آية في سورة البقرة:
﴿الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
[سورة البقرة الآية:1-3]
الإنفاق بالمعنى الواسع أن تنفق أي شيء منحك الله إياه, وهذا المعنى واسع جداً, فقد يمنح الله لعبد مكانة في المجتمع, هذه المكانة يمكن أن تنفق منها, إذا كان هناك إنسان ضعيف, مظلوم, وتوسطت أنت عند من ظلمه, والذي ظلمه يهابك, ولك مكانة عنده, أنت أنفقت جاهك في سبيل الله, والذي يملك منصباً رفيعاً, بمجرد قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً. فإذا استخدم هذه السلطة التي منحه الله إياها؛ لإحقاق الحق وإبطال الباطل, وخدمة الضعيف والمظلوم, يرقى بهذا المنصب عند الله.
أولاً: الإنفاق واسع جداً؛ يمكن أن تنفق من وقتك, يمكن أن تنفق من خبرتك.
إنفاق المال شيء مهم جداً لأن المال مادة كل الحاجات:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/03.jpg
أنا أذكر أن عدداً ليس بالقليل من أطباء كبار, من هذا البلد الطيب, كلهم يحمل أعلى الشهادات من العالم الغربي, اجتمعوا والله في هذا المسجد, واتفقوا أن يقوم كل واحد منهم برحلة إلى المحافظات, ويجمع الأطباء الذين هم من اختصاصه, ولم يتح لهم السفر إلى الغرب للدراسة, يعطونهم كل خبراتهم, هذا عمل عظيم. الطبيب المؤمن يقدم خبراته, والمعلومات الدقيقة التي بحوزته إلى كل من حوله.
أي ممكن أن تنفق من علمك, من وقتك, من جاهك, من مالك, لكن حينما تأتي كلمة الإنفاق في القرآن الكريم فيظن الناس بلا تردد أنه إنفاق المال, والحقيقة إنفاق المال شيء مهم جداً, لأن المال مادة كل الحاجات.
أحياناً تجتهد أنت, ترسل لهذا الفقير طعاماً, قد يكون عنده هذا الطعام, بحاجة إلى مال, ليشتري الثياب.
بالمناسبة المنفق لزكاة ماله في رمضان ينبغي أن ينفق مالاً, أو عيناً, بحسب مصلحة الفقير؛ فالفقير الذي لا يُحسن تدبير أمره نعطيه حاجاته على العيد, أما الإنسان المتمكن الحكيم فنعطيه المال.
على كلٍّ أحياناً يكون القيّم على الأسرة سفيهاً, الحل الأمثل لهذه الأسرة الفقيرة أن نعطيها الطعام والشراب, هذا الطعام والشراب يصل في النهاية إلى بطون هذه الأسرة الجائعة.
وسائل الإنفاق لا تعد ولا تحصى:
إذاً: الآية الكريمة:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
وكلمة أموالهم جاءت جمعاً, لأن كل أنواع الأموال قابلة للإنفاق.
مثلاً: أنت عندك بيت زائد, لست بحاجة إليه, وهناك طلاب علم أجانب, مضطرون للسكنى في بيت, وأجّرتهم هذا البيت, بأجر معقول أو رخيص, أنت شريكهم في الأجر, تأجير البيت لطالب علم بسعر معتدل يطيقه هذا إنفاق.
أحياناً تخفيض السعر في البيع والشراء، قد يأتي مثلاً إنسان فقير جداً, لكنه مؤمن, وكرامته في أعلى مستوى, هذا الإنسان لا يقبل أن يأخذ منك صدقة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/04.jpg
والله حدثني أخ -تاجر أقمشة-, قال لي: أحياناً يأتي إنسان فقير جداً, يعلم حاله تماماً, وعنده قائمة مشتريات من الأقمشة على العيد, قال لي: أنا أبيعه القماش بسعر مخفض جداً, دون أن يشعر, هو لم يشعر اشترى ودفع ثمن البضاعة, قال لي: والله أخذت نصف الثمن, هو حافظ على كرامته بأعلى مستوى, وأخذ ثمن البضاعة, لكنه قدم له نصف الثمن هدية, دون أن يشعر, لكن الله يعلم, وسائل الإنفاق لا تعد ولا تحصى.
مرة أخ كريم عنده فتاة حافظة لكتاب الله, آلمه كثيراً أنه كلما جاء خاطب لا يعود مرة ثانية, وهو حريص على تزويجها, قال لي -هو تاجر أبنية-: كتبت لها بيتاً صغيراً, مع هذا البيت صار طريق الزواج سهلاً جداً, فانتبه إلى نقطة كم بنت حافظة لكتاب الله, مستقيمة, محجبة, لكن تأخر زواجها؟ فأنشأ بناء – عبارة عن بيوت صغيرة- وكتب: هذه الأبنية لفتيات مؤمنات, طاهرات, حافظات لكتاب الله, فسبحان الله! بعد حين أخبرني أن كل هؤلاء الفتيات تزوجن, صار هناك عرض خاص, لأن أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.
وهناك إنسان حدثني: أنشأ بناءين كبيرين, في البناء عشرون بيتاً, البيت مساحته تقدر بستين متراً, قال لي: أنا أؤجر هذه البيوت بمبلغ يقدر بألفي ليرة فقط في الشهر لطلاب العلم, طالب علم متزوج, لا يوجد عنده بيت, طبعاً الأجرة من عشرين لعشرة, عشرون بدمشق في الشهر, وبالريف عشرة آلاف, هو احتسب ثمانية عند الله, احتسبها صدقة, أي أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.
أنت حينما تفكر أن تتقرب إلى الله بخدمة عباده, فأنت مؤمن ورب الكعبة.
أحياناً من الإنفاق الجديد: طالب متفوق جداً, لكنه فقير, هذا يجب أن يدرس على حساب المحسنين, فالمحسن يرسل طالباً يعود بعد خمس سنوات عالماً نفع الأمة, إنفاق المال على طلاب العلم المتفوقين في الدراسات العليا, هذا من أفضل أنواع الإنفاق, أنت هيأت للأمة علماء, اختاروهم طبعاً من المؤمنين, المستقيمين, من ذوي الاتجاه الإسلامي القوي. حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/05.jpg
العبرة أن أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى؛ لكن ينبغي أن أوضح: إن الإنسان حينما يستقيم, يحقق السلامة فقط؛ مالك حلال, أنت لست معرضاً لإتلاف المال, اخترت زوجة صالحة, لست معرضاً للشقاء الزوجي, ربيت أولادك تربية صالحة, لست معرضاً لعقوق الأولاد, فالاستقامة تحقق السلامة, لكن الرقي إلى الله يحتاج إلى عطاء, إلى بذل، لذلك حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
أحياناً الإنسان تستهلكه الحياة؛ استيقظنا في غير رمضان, تناولنا طعام الإفطار, ذهبنا إلى العمل, عدنا الساعة الثانية ظهراً, تناولنا طعام الغداء, نمنا بعد الظهر قليلاً, عندنا مساء سهرة حضرناها, يوماً, تلو يوم, تلو يوم, يمضي العمر, وفجأة يفاجأ الإنسان أن أجله قد اقترب, الحياة يمكن أن تستهلك الناس جميعاً, لكن صدقوا ولا أبالغ المؤمن في ذهنه هدف كبير أن يتقرب إلى الله بالعمل الصالح, لذلك الإنسان حينما يستيقظ يتساءل: ماذا أعمل هذا اليوم عملاً صالحاً أتقرب به إلى الله؟
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
[ الترمذي عن أنس]
المؤمن ينفق المال للتقرب إلى الله عز وجل:
لذلك ورد في الأثر:
((أن أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه, ومن خدمك فاستخدميه))
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/06.jpg
والله هناك قصص فيها مآس؛ أي عاش حياة ملؤها التقشف, وكان يخزن هذا المال, بعد حين جاء أجله, وقد ترك ثروة طائلة، حرم نفسه منها في حياته, ليأخذها الورثة, وينفقونها على شهواتهم, أحياناً هناك حمق شديد بالإنسان.
لذلك: المؤمن عنده حكمة بالغة في إنفاق المال؛ ينفق المال لتحقيق حاجاته الأساسية, وينفق المال للتقرب إلى ربه.
ولا يوجد كلمة أروع من تلك الكلمة التي قالها صحابي جليل, قال: "حبذا المال أصون به عرضي, وأتقرب به إلى ربي".
وكان هذا الصحابي الجليل قد حدد هدفين أساسيين للمال؛ (أصون به عرضي) أي عندك أولاد, إن اشتريت لهم حاجاتهم, ربطتهم بك, عندك بنت تزوجت, أعطيتها بعض المال, اقتربت منك." حبذا المال أصون به عرضي, وأتقرب به إلى ربي.
عد هذا القول منهجاً لإنفاق المال؛ إما أن تصون عرضك, أو أن تتقرب إلى ربك.
الآية التالية أصل في إنفاق المال:
لذلك الآية الكريمة:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
سبعة بمئة:
﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
قد يكون سبعة بألف.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/10223/07.jpg
أنا أذكر مرة كنت في الغوطة, أمسكت تقريباً حبة قمح, أنبتت خمساً وثلاثين سبلة, عددت حبات سبلة واحدة, إذا هي خمسون حبة, خمسون ضرب خمس و ثلاثين كان الناتج ألفاً و سبعمئة و خمسين حبة؛ أحياناً الكيس يعطي عشرة أكياس, أحياناً يعطي خمسين كيساً, فالله عز وجل:
﴿يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
لكن قد يكون ألفاً:﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة البقرة الآية:261]
هذه الآية أيها الأخوة أصلٌ في إنفاق المال, أيها المنفق اعتقد يقيناً أن كل شيء تنفقه الله عز وجل يخلفه عليك, وأن كل شيء تنفقه يعلمه الله. أيّ شيء ينفقه الإنسان يعلمه الله عز وجل و يضاعفه له أضعافاً مضاعفة:
مرة أب حدثني أراد أن يشجع ابنه على إنفاق المال, أعطاه مئة ليرة, قال له: أعطها لهذا الفقير, أحب أن يدربه على الإنفاق, وقال له: الله عز وجل يعطي الإنسان إذا أنفق عشرة أضعاف, هو طفل صغير, أعطاه مئة ليرة للفقير, قال له: أين الألف بابا؟ طول بالك, هو تصور أنه يجب أن يأخذها فوراً, أقسم لي بالله, يمشي في الطريق مع ابنه, فالتقى بصديق له, سلم عليه, يبدو الصديق استلطف هذا الطفل؛ حمله, وقبله, وأعطاه ألف ليرة, قال لي: سبحان الله! تعلم هذا الطفل درساً لن ينساه, أنفق مئة ليرة, بعد وقت قليل جاء إنسان قدم له ألف ليرة.
فاعلم يقيناً أن كل شيء تنفقه فضلاً عن التقرب إلى الله به يعلمه الله:﴿يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة البقرة الآية:261]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( التاسع العاشر )


الموضوع : قال تعالى ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الأمن نعمة من خصائص المؤمن وحده :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل: 112]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/01.jpg
أيها الأخوة، في هذه الآية كلمة آمنة، ونعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق، حينما تكون آمناً في سربك، لا تتوقع مصيبة، ولا قتلاً، ولا اغتيالاً، ولا قلقاً، ولا افتقاراً، حينما تشعر أنك بنعمة سوف تستمر معك، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، لذلك اعتقدوا يقيناً أن هذه النعمة من خصائص المؤمن وحده، والدليل: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل: 112]
أما أن الأمن من خصائص المؤمن وحده، فهناك دليل قطعي: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82]
الفرق بين الأمن و السلامة :
أيها الأخوة الكرام، من أجل أن أوضح لكم قيمة الأمن سأفرق بينه وبين السلامة، أنت مثلاً متجه إلى حمص بسيارتك، عجلة الاحتياط فاسدة، من دمشق إلى حمص أنت قلق جداً، ولو حصل خلل بأحد العجلات الأربعة بركت، لأنه لا يوجد معك احتياط، قد تصل من دمشق إلى حمص سالماً، ولم يحدث معك شيء، لكن أنت بهذه الرحلة فقدت الأمن، لأنه لا يوجد معك عجلة احتياط، لو أن هذه العجلة الاحتياط فرضاً فاسدة لكنك لا تعلم أنت آمن http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/02.jpg
قد يكون الأمن له مبرر وقد يكون بلا مبرر، الآن لو العجلة فاسدة وابنك بالليل أصلحها لكن ما بلغك، وأنت سافرت إلى حمص طوال الطريق قلق مع أن معك عجلة جاهزة، لكنك لا تعلم، كأن الأمن ليس له علاقة بالواقع، الله عز وجل يخلق في قلبك الأمن فأنت مستريح، وقد يسلب منك نعمة الأمن فأنت في قلق، الأمن من نعم الله الكبرى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82]
مرة حدثني أخ بالعراق قال: والله ما من يوم أخرج فيه من البيت إلا وأودع أهلي وأولادي واحداً واحداً، لأن احتمال موتي في الطريق خمسون بالمئة، عفواً نحن في هذا البلد الطيب نعيش نعمة والله لا تقدر بثمن، آمن، مطمئن، قد تكون في الطريق الساعة الثانية ليلاً، وامرأة خرجت من بيت أهلها إلى بيتها تمشي وحدها في الطريق، لا يوجد خطر، ولا قلق إطلاقاً، هذه نعمة لا تعدلها نعمة اشكروا الله عليها. إحساس المؤمن أن الله يحفظه ويدافع عنه هذا شعور لا يقدر بثمن :
حدثني أخ كان في طائرة متوجهة من أمستردام إلى دمشق، سمع رسالة باللغة الإنكليزية في الطائرة أنكم قادمون إلى آمن بلد في العالم، تتمة الرسالة: بإمكانك أن تتجول أنت وزوجتك إلى ساعة متأخرة من الليل دون أن تخشى شيئاً http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/03.jpg
بينما في أرقى بلاد الغرب ـ هذه حقيقة دقيقة ـ حتى أكون دقيقاً معكم ليس في كل المدينة لكن بالتعبير الأجنبي في مركز المدينة بعد المغرب السير في المدينة خطر، هناك خطف، ونشل، وقتل، فبمدن راقية جداً وتعد قمماً في الحضارة بعد الساعة الخامسة، مركز المدينة فيه قلق كبير، من قتل، أو نشل، أو خطف، لكن في بلاد المسلمين نعمة الأمن لا تعدلها نعمة.
لذلك مرة ثانية:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾
إيمان مع عدل: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
باللغة العربية هناك دقة بالغة، لو أن الله قال: أولئك الأمن لهم أي الأمن لهم و لغيرهم، أما عندما قدم الأمن على لهم، أصبح هناك أسلوب القصر والحصر، أي الأمن لهم وحدهم، لذلك أكبر نعمة تتنعم بها أنك تشعر أن الله لا يتخلى عنك، وأن الله لا يسلمك، وأنت في حرز حريز بعناية الله عز وجل، فإحساس المؤمن أن الله يحفظه، أن الله يسدده، أن الله يدافع عنه، أن الله يأخذ بيده، أن الله لا يسلمه لأعدائه، هذا شعور لا يقدر بثمن. من علامات الإيمان الشعور بالأمان ومن علامات الشرك الشعور بالخوف والقلق :
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة المُرّة أن أي إنسان وقع في الشرك يقذف الله في قلبه الخوف:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
[ سورة آل عمران: 151]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/04.jpg
حينما يقع الإنسان في الشرك يقذف في قلبه الرعب والخوف، من علامات الإيمان الأمان، من علامات الإيمان الشعور بالأمان، وحينما نسمع في بلاد حولنا اضطرب حبل الأمن فيها، وصار قتل الإنسان لا يكلف إلا رصاصة، وأن المشي في الطريق يعد خطراً كبيراً، لا تعرفون نعمة الأمن في بلادنا إلا إذا فقد الإنسان ـ لا سمح الله ـ هذه النعمة، لذلك قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴾
تعلمون أن هناك بلاداً عربية سياحية من الطراز الأول، دخل كبير، ودخل فلكي، وبلاد جميلة، وجبال خضراء، وتجارة واسعة، فقدوا نعمة الأمن فصارت الحياة في هذا البلد لا تحتمل، لا تعاش.
بالمناسبة هناك حكم شرعي أنك أيها المؤمن لا يجوز أن تقيم في بلد اضطربت فيه نعمة الأمن، منهي عن أن تسكنه، فلذلك الآية الكريمة: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴾
والله أيها الأخوة، الله يحفظ بلادنا حينما أرى التفلت، والاختلاط، والتسيب، والفسق، والفجور، والله أخاف أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، لأن الله كبير، فإذا استهان الناس بنعمة الأمن، وتوسعوا في المعاصي والآثام، قد يفقدون هذه النعمة، أي ليس من السهل أن تمشي في الطريق إلى البيت وأنت آمن، ليس من السهل أن ترسل ابنك ليأتيك بحاجات في الليل وأنت آمن، ليس من السهل أن تأتي زوجتك من بيت زوجها إلى بيتك وحدها وأنت آمن، هذه نعم لا تعد ولا تحصى، ولا يعرف قيمتها إلا من فقد الأمن، لذلك: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ﴾
من خصائص الكفر أن تترك العبادات. الله عز وجل لا يعذب أحبابه أبداً :
سيدنا معاذ بن جبل أردفه النبي وراءه قال له: يا معاذ:
(( أتدري ما حقُّ الله على العباد؟ فقلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حقَّه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، قال: فتدري ما حقُّهم على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذِّبَهم ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن معاذ بن جبل ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/05.jpg
صدقوا ولا أبالغ هذه الحديث يملأ قلب كل شاب منكم أمناً: (( ما حقُّهم على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذِّبَهم ))
هذا حديث، أما الآية: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[سورة المائدة : 18]
الله عز وجل لم يقبل دعواهم، بل رفضها: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[سورة المائدة : 18]
لذلك استنبط الإمام الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه أبداً، ولو أنه قبِل دعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه لما عذبهم . الثقة بالله عز وجل أحد مظاهر الإيمان به :
شيء آخر: أنا أشعر أن المؤمن أو الواحد منكم إن شاء الله حينما يثق أن الله لن يتخلى عنه يحبه الله، عندما يكون الابن واثقاً من والده، ولا يتخلى عنه، الأب يرتاح، أما إذا كان هناك قلق من الابن تجاه الأب فيتألم الأب أشد تألم، أحد مظاهر الإيمان أنك واثق بالله، الصحابة الكرام أعطوا النبي الكريم دواء ذات الجنب فغضب، قال: ذاك مرض ما كان الله ليصيبني به.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/06.jpg
أنا لي صديق استيقظت زوجته صباحاً فإذا هي تصرخ بويلها، أمسكت ابنتها فإذا هي مشلولة، بنت كالوردة، في السنة الثانية من حياتها مشلولة، يبدو أن أباها واثق من ربه كثيراً قال لها: الله عز وجل لن يصيبني بهذه المصيبة، قالت له: مشلولة، سبحانك يا رب هناك مرض شلل مؤقت يزول بعد ساعات يشبه الشلل تماماً، فكان مرضها من هذا النوع، وبعد ساعات شفيت، أنا أعجبني بهذه القصة ثقته بالله، وأنت كمؤمن مستقيم، تقيم الصلوات، تغض البصر، بيتك إسلامي، عملك إسلامي، لا تكذب، لا تأكل مالاً حراماً، لا تعتدي على أحد، معقول أن تعامل كما يعامل إنسان عادي؟
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82]
عدم استواء المؤمن مع الكافر عند الله تعالى :
هناك آية دقيقة جداً:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/07.jpg
والله لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت، شاب مستقيم، يغض بصره عن محارم الله، يؤدي الصلاة، بار بوالديه، صادق بحديثه، عفيف بحركته، هل تعتقد أن هذا الشاب يعامل كأي شاب: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً ﴾
[ سورة السجدة الآية: 18 ]
الله يعجب معقول؟ لا يستوون: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص:61]
نعمة الأمن لا يعرفها إلا من فقدها :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5280/08.jpg
فسق، فجور، زنا، واختلاط، وخمر، وملاه ليلية، ونساء كاسيات عاريات، ﴿ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
هناك بلاد كثيرة تعرفونها جميعاً، قطعة من الجنة، هذه البلاد فقدت نعمة الأمن، ودخلت في حروب أهلية دامت سنوات طويلة، أزهقت ما يزيد عن ثلاثمئة ألف إنسان، أنا أتمنى إن كنتم في نعمة فحافظوا عليها، هذا البلد الطيب يتمتع بنعمة الأمن، هذه نعمة قد لا نعرف قيمتها إلا إذا عشنا في بلد اضطرب فيه حبل الأمن، فلذلك الآية اليوم: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل: 112]
بسبب معاصيهم والدليل: ﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
[ سورة قريش:4]
نعمتان لا تقدران بثمن أن تكون آمناً وشبعاناً.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-09-2018, 08:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( العشرون )


الموضوع : قال تعالى ( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . الإنسان يعيش بقيم و بحركة نحو خالق السماوات والأرض :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
[ سورة آل عمران:116-117]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، الإنسان قد يسعى إلى جمع المال، وقد يتوهمه في مقتبل حياته شيئاً عظيماً، لكن في منتصف الحياة يتحقق أنه شيء وليس كل شيء، لقول السيد المسيح:" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، الإنسان يعيش بقيم، يعيش بمبادئ، يعيش بأهداف نبيلة، بعيش بحركة نحو خالق السماوات والأرض، لذلك: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
والآية الدقيقة: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾
[ سورة فاطر :22]
هذا مقبور في شهوته، وهناك آية ثانية: ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
[ سورة النحل: 21]
وآية ثالثة: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
[ سورة الفرقان: 44]
وآية رابعة: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
[ سورة المنافقون: 4 ]
وآية خامسة: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾
[ سورة المدثر: 50-21 ]
شأن الكافر الذي ما عرف الله، وعبد شهوته من دون الله، واتخذ إلهه هواه، هذا إنسان تنطبق عليه هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا َ﴾
[ سورة آل عمران:116]
أي حقيقة الحياة دقيقة جداً، هذا القلب إذا توقف، عندك أراض أسعارها فلكية، عندك بيوت، ومعامل، ومركبات، عندك مكانة، كل هذه الدنيا متوقفة على نبض القلب، توقف القلب كل هذا الذي باسمك وبملكك ليس لك. في الموت موعظة لو علمها الإنسان لارتعدت فرائصه :
لذلك أيها الأخوة، الإنسان إن لم يؤمن فهو مقامر ومغامر، كل مكتسباتك، وكل مكانتك، وكل هيمنتك، وكل سلطتك، منوط بضربات القلب، توقف القلب انتهى كل شيء، أصبحت خبراً على الجدران http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/02.jpg
أنا سألت خبراء قالوا لي: في بالشام باليوم يوجد مئة وخمسين وفاة، وهذا الموت بين أيدينا، أي إنسان ملء السمع والبصر، أحياناً من باب التعليقات المؤثرة يتوفى إنسان نذهب للتعزية، تجد بيت شيئاً نفيساً جداً، الرخام، الطلاء، المناظر، الأثاث، أنا أتساءل وأنا في التعزية من اختار هذه الثريات؟ من اختار هذه التزيينات؟ من اختار هذا الأثاث؟ المرحوم، أين المرحوم؟ تحت الأرض، والله أيها الأخوة في الموت موعظة لو علمها الإنسان لارتعدت فرائصه، الله عز وجل يصف فبقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ َ﴾
[ سورة آل عمران:116]
ورد في الأثر:" أن روح الميت ترفرف فوق النعش ـ هذا إذا كان منحرفاً تائهاً، شارداً ـ تقول : يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، وأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ" .
وهناك تتمة لهذا الأثر:"... فو الذي نفس محمد بيده، لو يرون مكانه ـ ملك الموت يقول هذا ـ ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم". من أدخل الموت في حساباته فهو في طريق النجاة :
أنت لاحظ إنساناً توفاه الله، تسمع كلام من حوله، مسكين مات، هذا المتكلم سوف يموت أيضاً، لأن:
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامت ه يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
لذلك كان هناك رجل صالح، حفر قبراً في بيته في صحن الدار، وكان يضطجع فيه كل يوم خميس، ويتلو قوله تعالى: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
[سورة المؤمنون: 99-100]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/03.jpg
فيخاطب نفسه ويقول: قومي لقد أرجعناك .
إذا أدخلت فكرة الموت في حساباتك اليومية، أو إذا أكثرت من ذكر الموت، هادم اللذات، مفرق الأحباب، مشتت الجماعات، تكون في طريق النجاة، سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية، ما السبب الذي جعلك من المتفوقين؟ أنا دققت بإجابته الدقيقة جداً، ماذا قال؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي طوال العام، من أول يوم بالدوام الامتحان أمامه، وأنا أقول لكم: والله قبل أن تنطق بكلمة هل هذه الكلمة ترضي الله؟ قبل أن تصل هل هذه الصلة ترضي الله؟ قبل أن تقطع هل هذه القطيعة ترضي الله؟ قبل أن ترضى هل هذا الرضا يرضي الله؟ قبل أن تغضب، قبل أن تعطي، قبل أن تأخذ، إن كنت بطلاً في كل عمل تعمله اسأل نفسك هذا السؤال: هل الله راض عني في هذا العمل؟ في هذا العطاء؟ في هذا المنع؟ في هذا الغضب؟ في هذا الرضا؟ في هذه الصلة؟ في هذه القطيعة؟ العمل الصالح رفيق الإنسان الوحيد في القبر :
لأن بالنهاية عمل غير المؤمن:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾
[ سورة الفرقان: 23 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/04.jpg
شيء صعب، إنسان يؤسس مشروعاً ويموت، من أجل نجاحه، وبعد أن ينجح يصادر منه، شيء صعب جداً: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ َ﴾
[ سورة آل عمران:116]
من أجل المال كذب، من أجل المال نافق، من أجل المال ترك الصلاة، من أجل المال فعل الموبقات، أحياناً يأتي مندوب شركة، صاحب الشركة في البلد يعتني به عناية بالغة جداً، وقد يسمح له أن يقترف أكبر المعاصي، وقد يأتي له بالمشروبات الكحولية إرضاء له، فالإنسان من أجل الدنيا أحياناً يرتكب الموبقات، جاءت الآية هنا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا َ﴾
[ سورة آل عمران:116]
كل هذه الأموال يتركها ويمشي، وينزل في القبر وحده، حتى بعض أقاربه يمشون في جنازته، والنساء في البيت، إذا وضع في القبر لا ينزل معه أحد إلا عمله الصالح، فإن كان هذا العمل كريماً أكرمه، وإن كان لئيماً أسلمه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ َ﴾
[ سورة آل عمران:116]
الموت نهاية كل شيء :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/05.jpg
والله أيها الأخوة نهاية الإنسان أكبر موعظة، الموت ما الموت؟ ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، وصحة الصحيح، ومرض المريض، ينهي كل شيء، يكون عنده آمال، عنده أحلام، عنده أهداف، عنده واقع غني ممتلئ، توقف القلب أصبح خبراً، كنت مرة بسفر في أثناء عودتي أنا على نافذة الطائرة رأيت نعشاً خرج مع البضاعة، هذا ذهب إلى هذا البلد مسافراً، ركب طائرة، وقد يكون راكب درجة أولى، رجع بضاعة معها وثائق وموافقات، فكل واحد منا سوف يكون بضاعة في يوم من الأيام، إنسان له أولاد، له زوجة، له محل تجاري، له وظيفة، الآن إنسان له هيمنة، وله قوة، وله سيطرة، توقف القلب أصبح خبراً على الجدران.
اعتماد القرآن الكريم على قيمتي العلم و العمل فقط للترجيح بين البشر :
أيها الأخوة الكرام، الآن آية المثل:
﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة آل عمران:116-117]
أي مشاريعه، إنجازاته الكبيرة، بميزان الشريعة لا شيء، البطولة أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس القرآن، القرآن اعتمد قيمتين فقط، اعتمد قيمة العلم، واعتمد قيمة العمل، قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
[ سورة المجادلة: 11 ]
واعتمد قيمة العمل فقال: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
[ سورة الأنعام: 132 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/06.jpg
لا يوجد بالقرآن من قيم مرجحة بين بني البشر إلا قيمة العلم وقيمة العمل فقط، عندنا قيم مرجحة أخرى اصطلح عليها الناس؛ الوسامة، الذكاء، الغنى، المنصب الرفيع، هذه كلها قيم لكن بين بني البشر أما عند خالق البشر فهناك قيمتان لا ثالث لهما، هناك قيمة العلم وقيمة العمل، لذلك إنجازاته الضخمة، أعماله الكبيرة، هذه الإنجازات وهذه الأعمال عند الموت لا وزن لها، مرة سمعت عن أحد أكبر أغنياء العالم، عنده يخت في البحر، ففي نزهة انقطعت أخباره كلياً، هو كان من أكبر تجار الأسماك، فانقطعت أخباره كلياً لمدة أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، هناك إنسان عمل تعليقاً قال: أطعم الناس طوال حياته السمك فأكله السمك، كلمة واحدة، لذلك: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ﴾
[ سورة آل عمران:116-117]
الصر: ريح ونار، والصر: ريح وصقيع، والمعنى الثالث ريح وصوت لا يحتمل، أحياناً أصوات الرعد مخيفة جداً، العلماء اعتمدوا هذه التفسيرات الثلاث إما نار محرقة، أو برد مميت، أو صوت لا يحتمل: ﴿ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران:117]
أشد أنواع الظلم أن يظلم المرء نفسه وأشد أنواع الخسارة أن يخسر الإنسان الآخرة:
إذاً:
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾
[ سورة سبأ: 17]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5283/07.jpg
آية دقيقة جداً، والآية الثانية : ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
[ سورة النساء: 147]
﴿ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
[ سورة آل عمران:117]
الحقيقة أشد أنواع الظلم أن يظلم المرء نفسه: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِم ْيَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة الزمر: 15 ]
وأشد أنواع الخسارة أن تخسر الآخرة، الإنسان يمرض، يموت، إلى الجنة فرضاً، يعيش حياة فيها فقر، يموت، إلى الجنة، كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، لكن الكفر يبدأ الحساب عنه بعد الموت، لذلك سيدنا عليٌ رضي الله عنه قال: "الغنى والفقر بعد العرض على الله ".
كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، وكل تبعات الكفر، والمعاصي، والآثام، تبدأ عند الموت.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 07:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الحادى و العشرون )


الموضوع : قال تعالى ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . الموحد علاقته مع واحد أحد فرد صمد لا مع مرجعيات متعددة :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الزمر :29]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/01.jpg
أيها الأخوة، كأن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلين، ضرب مثل المؤمن الموحد، وضرب مثل المؤمن الذي وقع في الشرك الخفي، الشركاء متشاكسون، أوامرهم متناقضة، إن أرضى زيداً غضب عبيد، وإن وصل فلاناً غضب علان، حياة لا تحتمل إن كان لك مرجعيات متعددة، متناقضة، ماذا تفعل؟ إرضاء الأول يغضب الثاني، تصور إنساناً آخر له مرجعية واحدة، تعرفه تماماً، هناك تفاهم، وتناغم، وتعاطف، ومعونة، ودعم، وتأييد، القضية مع واحد.
صدقوا ولا أبالغ المؤمن الموحد علاقته مع واحد، مع واحد أحد، فرد صمد، لذلك قيل: من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
قول آخر: اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها. ليتك تحلو والحياة مـــريرة وليتك ترضى والأنام غضـاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تـراب
* * *
من دعا مع الله إلهاً آخر كان في عذاب نفسي و قلق و خوف :
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ﴾
[ سورة الزمر :29]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/02.jpg
رجل له زوجة، لها طلبات، إن أرضى زوجته تغضب أمه، وإن أرضى أمه تغضب زوجته، هذا مثل بسيط، إن أرضى هذا الشريك أغضب هذا الشريك، إن لبى هذه الحاجة غضب الآخر، حياة الشرك لا تحتمل، الدليل: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 213]
إله، خالق السماوات والأرض يبين لك أنك إذا دعوت مع الله إلهاً آخر كنت من المعذبين، عذاب نفسي، قلق، خوف: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 214-215 ]
من لم يكن انتماؤه إلى مجموع المؤمنين فليس مؤمناً :
أيها الأخوة، هناك ملمح دقيق في الآية، الآية:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
آية ثانية: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الحجر: 88 ]
أي مؤمن.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/03.jpg
لذلك الانتماء إلى فقاعة صغيرة، وأن تتوهم أنها وحدها على حق، هذا خطأ كبير في تصور إنسان، يجب أن يكون انتماؤك لمجموع المؤمنين، أي بشكل أو بآخر إياك ثم إياك ثم إياك أن تتوهم أن الإسلام خط رفيع، فلمجرد أن تبتعد عنه قيد أنملة خرجت من الدين، الإسلام شريط عريض، ضمن الإسلام هناك يمين ويسار، متشدد وأقل تشدداً، وكلهم على العين والرأس، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين ففي إيمانك خلل كبير، أما الانتماء إلى فقاعات صغيرة، نحن جماعة فلان، وأنت من جماعة فلان، هذه الجماعات المتناحرة التي تتراشق الاتهامات، وكل جماعة تتوهم أنها وحدها مقبولة عند الله، هذا فكر قديم، فكر تافه، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموع المؤمنين، وشعارك نتعاون فيما اتفقنا، و ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، شيء طبيعي جداً أن أختلف معك وأن تختلف معي في قضايا جزئية لا تقدم ولا تؤخر، أما الأصول فثابتة، الإيمان بالله، باليوم الآخر، بأحقية هذا القرآن، بالخير، بالشر، بالأحكام الكبرى، بالأصول الكبرى للدين، والمشكلة الكبيرة أيها الأخوة، أن المسلمين تسيل الدماء وبينهم قواسم مشتركة، بشكل عام المؤمن مع كل من آمن بالله في الأرض، يتعاطف معه، المسلمون بينهم خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة، بينما أعداء المسلمين يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة فقط، ويتعاونون، وعند المسلمين خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة ويتخاصمون، لذلك هذا المثل مثل التوحيد والشرك، أنت كمؤمن علاقتك مع الله، حياتك بيده، صحتك بيده، نجاحك بيده، تألقك بيده، حالتك النفسية بيده، أحياناً يسعدك، يملأ قلبك ثقةً، زوجتك بيده، أولادك بيده، أخوتك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، قال تعالى: ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود الآية : 55-56 ]
كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع :
لذلك أيها الأخوة، المؤمن عنده مقولة أقسم لكم بالله أن هذه المقولة تملأ قلبه غنىً، تملأ قلبه سعادة، تملأ قلبه طمأنينة، تملأ قلبه ثقة بالله، هذه المقولة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يقع في ملك الله ما لا يريده الله، من شأن الألوهية ألا يقع في ملكه إلا ما يريد، إذاً كل شيء وقع لمجرد أنه وقع فقد أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والذي وقع لو لم يقع لكان ضعفاً في حكمته http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/04.jpg
إذاً كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذاً في حيز الواقع لا يوجد شر أبداً، هناك شر بالظاهر، مثلاً إنسان يضطجع على سرير العمليات الجراحية، ثم يخدر، ثم يفتح بطنه، ثم تستأصل هذه الزائدة الدودية التي كان لا يستطيع أن ينام الليل منها، مع أن البطن فتح، والدم سال، والتخدير شامل، بعد التخدير هناك آلام شديدة، لكنه ارتاح راحة كاملة من هذا الألم المستمر، ما لم نفهم قضاء الله وقدره بهذا الفهم فنحن بعيدون عن الإيمان، فكل شيء وقع فيه خير مطلق، علمه من علمه وجهله من جهله.
والله مرة ثانية هذه المقولة يجب أن تحفظ غيباً، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك في حيز الواقع لا يوجد شر مطلق هناك شر نسبي، الشر المطلق، الشر للشر فقط، أما الشر النسبي فعملية جراحية، فتح البطن شر، لكن أفضل من بقاء الالتهاب مستمراً، يقول سيدنا عمر: "ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما واختار أهونهما".
المؤمن له مرجعية واحدة هي القرآن والسنة :
أنت كمؤمن لك مرجعية واحدة، هي القرآن والسنة، ترضي الله وحده إن أرضيته بسخط الناس رضي الله عنك، وأرضى عنك الناس، وإن أغضبته برضا الناس غضب الله عنك، وأغضب عليك الناس، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد لك مرجعية واحدة، التوحيد لك إله واحد، التوحيد لك آمر واحد:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾
[ سورة الزمر :29]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/05.jpg
كأن الله أراد أن يقول لك: الشرك الخفي فيه متاعب كثيرة، والدليل: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 213]
والتوحيد فيه راحة كبيرة، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الإيمان ألا ترى مع الله أحداً، الإيمان أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في الخفاء، أي : ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
[ سورة الصافات: 173]
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
[ سورة الطارق: 15-16]
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾
[ سورة الزمر :29]
الشرك عذاب للنفس والتوحيد راحة لها :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/06.jpg
فرق كبير كبير بين حياة المؤمن التي فيها انسجام، فيها هدف، فيها إله واحد، و نبي واحد، و كتاب واحد، ومرجعية واحدة، وأمر واحد، ونهي واحد، أما بالطرف الآخر فشركاء متشاكسون، لذلك الشرك عذاب للنفس، والتوحيد راحة لها، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:
﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ﴾
[ سورة الزمر :29]
الله عز وجل أقام موازنات، قال تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الزمر:9 ]
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
يجب أن تعلم علم اليقين أنك أنت عند الله مميز، مقرب، الله عز وجل لا يسلمك، لا يتخلى عنك: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة الآية : 51 ]
لنا لا علينا. الإيمان هو التوحيد :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5284/07.jpg
لذلك أخوانا الكرام، أتمنى عليكم إذا قلت كلمة إيمان يعني التوحيد، إذا قلت كلمة إيمان يعني ألا ترى مع الله أحداً، إذا قلت كلمة إيمان:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
[ سورة الصافات: 173]
إذا قلت كلمة إيمان: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
[ سورة الطارق: 15-16]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 07:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثانى و العشرون )


الموضوع : قال تعالى ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . علاقة الزوجين أمتن علاقة على وجه الأرض :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ *وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة التحريم: 10-11]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5287/01.jpg
أيها الأخوة، هاتان الآيتان توضحان حقيقة خطيرة جداً، أي أنه مهما تكن العلاقات في الدنيا وشيجة، وهل من علاقة أمتن من علاقة الزوجين؟ أي اندماج كامل، ما من علاقة اندماجية كاملة مستمرة بين إنسانين كعلاقة الزوجين، هذه العلاقة الحميمة، المتينة، الثابتة، المصيرية، لم تشفع لأحدهما إن كان كافراً، لذلك لعل النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الآية استنبط هذا الحديث الشريف: "يا فاطمة بنت محمد"، ما قال يا فاطمة، بنت محمد، وهل من علاقة أمتن من علاقة الأب بابنته؟ (( يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
القضية أن أمتن علاقة على وجه الأرض علاقة الزوجين، اندماج كامل، أي الزوج يرى من امرأته ما لا يستطيع أبوها، ولا أخوها، ولا أقرب الناس إليها أن يروا منها، أليس كذلك؟ علاقة الزوجين أمتن علاقة، علاقة اندماج كامل: (( يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
علاقات الإيمان فوق أي علاقة على وجه الأرض :
لذلك عم النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾
[ سورة المسد: 1-5 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5287/02.jpg
هذا عم النبي عليه الصلاة والسلام، أما سلمان الفارسي فليس من العرب أصلاً، من فارس، أرأيتم إلى العلاقات، علاقة إيمان فقط، القرابة قرابة إيمان: (( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))
[ كنز العمال عن عمر]
صهيب رومي وسلمان فارسي، إذاً علاقات الإيمان فوق علاقات النسب، علاقة الإيمان فوق أي علاقة، وهذه العلاقات المتينة، الأساسية، الحميمة، المصيرية، لا تشفع لأحدنا عند الله ما لم يكن عمله طيباً، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، لكن النسب مع الإيمان تاج يتوج به الإنسان، إنسان مؤمن مستقيم له نسب من رجل صالح نقول: هذا النسب مع الإيمان تاج يتوج به صاحب النسب، مع الإيمان النسب له شأن في الإسلام، لذلك إلى أمد قريب عندنا في الشام كان نقيب الأشراف، الأشراف المنتسبون إلى رسول الله لهم نقيب، هؤلاء المنتسبون إلى الرسول الكريم لهم شأن خاص، لكن النسب لا يتحدث عنه أصلاً إذا لم يكن هناك إيمان، إذا لم يكن هناك إيمان تبت يدا أبي لهب وتب، عم النبي، هناك إيمان يأتي هذا النسب ليكون تاجاً يتوج به المؤمن. على الإنسان ألا يتعلق بعلاقة نسبية حميمة قوية مصيرية ولم يكن كما ينبغي :
لذلك:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
[ سورة التحريم: 10]
أقول لكم محذراً: إياكم ثم إياكم أن تتوهموا أن هذه الخيانة خيانة فراش، لا، هذا مستحيل بحق الأنبياء، لكن علماء التفسير قالوا: إنها خيانة دعوة، لا تتوهم، ﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
فخانتاهما الخيانة الزوجية مستحيلة هذه بإجماع العلماء، هذه خيانة دعوة، أي زوجها نبي كريم، معه دعوة من خالق السماوات والأرض، الزوجة لم تؤمن بهذه الدعوة، ﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
خيانة دعوة لا خيانة فراش، ومع أنها زوجته، ومع أنها أقرب الناس إليه، ومع أن العلاقة بين الزوجين حميمة، ولأن العلاقة بين الزوجين اندماجية، ومع كل ذلك فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً، ورد أن أبا سفيان شريف مكة، من وجهاء قريش، من أعلى درجات النسب، أي عربي قح، وجيه من وجهاء قريش، سيد من سادتها، وقف على باب سيدنا عمر ـ هكذا تروي بعض الروايات ـ وقتاً طويلاً ولم يسمح له، وصهيب وبلال يدخلان عليه بلا استئذان، فلما وصل إليه عاتبه، قال له: سيد قريش يقف ببابك وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان من دون استئذان؟ فأجابه بكلمة واحدة، أنت مثلهما؟ يوم كنت تحارب النبي عليه الصلاة والسلام أين كان هؤلاء؟ كانوا في خدمته.
لذلك أيها الأخوة، هذه الآية خطورتها ألا تتعلق بعلاقة نسبية، حميمة، قوية، متينة، مصيرية، ولم تكن كما ينبغي. الآية التالية قطعت كل أمل في أية علاقة حميمة يمكن أن تشفع للإنسان عند الله :
لذلك:
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
[سورة المؤمنون: 101]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5287/03.jpg
في بعض الروايات أنه قد تقع عين الأم على ابنها، تقول له: يا بني، جعلت لك صدري سقاء، وبطني وعاء، وحضني وطاء، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها؟ يقول لها ابنها: يا أمي، ليتني أستطيع ذلك إنما أشكو مما أنت منه تشكين، لذلك قال تعالى : ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
[سورة المؤمنون: 101]
فهذا المثل لمن شرد عن الله، لمن عصى الله، لمن لم يعبأ بمنهج الله، قريب من عالم كبير، قريب من إنسان خطير، لك صلة متينة مع مؤمن، هذا لا يقدم ولا يؤخر، كأن هذه الآية قطعت كل أمل في أية علاقة حميمة يمكن أن تشفع لك عند الله. خيانة امرأة نوح و امرأة لوط خيانة دعوة لا خيانة فراش :
أيها الأخوة، لذلك أنا أقول: لا تتحدث عن نسبك إطلاقاً، إذا كنت مؤمناً نقول لك: هذا النسب تاج تتوج به، إن كنت غير مؤمن فالنسب لا يقدم ولا يؤخر، والخيانة هنا خيانة دعوة لا خيانة فراش:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾
[ سورة التحريم: 10]
وبالمقابل، إنسان مؤمن لو شاءت حكمة الله أن يكون على علاقة نسبية حميمة مع كافر، لا يتأثر بكفره إطلاقاً، وله الجنة. استقلال المرأة في دينها عن زوجها :
وبالمقابل:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ﴾
[ سورة التحريم: 11]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5287/04.jpg
كانت زوجة أكبر جبابرة الأرض، لأن هذا الفرعون قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النازعات الآية : 24]
والذي قال : ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
[ سورة القصص الآية : 38 ]
وزوجته أقرب الناس إليه، تعيش معه في فراش واحد، ومع ذلك لها عند الله مكافأة، لا علاقة لهذه المكافأة بأنها زوجة فرعون أكفر كفار الأرض: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة التحريم: 11]
أيها الأخوة الكرام، في هذه الآية استنباط خطير جداً أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
أية امرأة تقول: هكذا يريد زوجي، الذنب ذنبه أنا ليس لي علاقة، هذه الحجة مرفوضة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أنا لا أتكلم من فراغ، أتكلم من أن عدداً كبيراً جداً من النساء المسلمات قد يرتكبن بعض الأخطاء الكبيرة بتعليل أن الزوج هذه إرادته، وبالتعبير الدارج إن شاء الله في رقبته، أنا لا علاقة لي، لا، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مرة أخت كريمة اتصلت بي قالت لي: زوجي يجبرني على أن أسبح في البحر مع أصدقائه وإلا طلقني، قلت لها: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال: يطلقني، قلت لها: دعيه يطلقك، لكن لن يطلقك اطمئني، وفعلاً لم يطلقها، لكن عندما تخضع المرأة انتهت عند الله عز وجل، حتى الزوج عندما يخضع لزوجته انتهى عند الله عز وجل http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5287/05.jpg
صحابي جليل طلبت منه زوجته شيئاً من الدنيا لا يملك ثمنه، ماذا قال؟ قال: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك .
أيضاً الزوج ينبغي ألا يخضع، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك.
لا الزوجة ينبغي أن تنصاع لأمر ظالم من زوجها، يدفعها إلى المعصية، ولا الزوج ينبغي أن يخضع لزوجته، بأن تحمله على المعصية، والدليل الآية الثانية:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ﴾
[ سورة التحريم: 11]
تحت أكفر كفار الأرض، ولم يستطع بجبروته، وقوته، أن يحملها على الكفر، أو على أن تؤمن به كإله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة التحريم: 11]
العلاقات الحميمة لا تشفع للإنسان عند الله عز وجل :
ملخص الدرس: العلاقات الحميمة، العلاقة الاندماجية، أمتن العلاقات، لا تشفع لك عند الله، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأتكلم أنا لأن آلاف الشباب يرتكبون المعاصي بأمر من آبائهم، أنا أتكلم من واقع، وآلاف النساء ترتكبن المعاصي بأمر من أزواجهن، وآلاف الأزواج يرتكبون المعاصي بضغط من زوجاتهم، هاتان الآيتان تلغيان كل علاقة متينة، اندماجية، حميمة، على أنها حجة في قبول معصية الله عز وجل، والشاهد: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن تعليق سريع فإذا جاءك أمر من والديك، أو من أحدهما بمعصية، ينبغي ألا تفعلها، لكن بلا عنف، بلا قسوة، بلا علو:
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾
[ سورة لقمان: 15 ]
ومع ذلك: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾
[ سورة لقمان: 15 ]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 07:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثالث و العشرون )


الموضوع : قال تعالى ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ....)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . من أقبل على الله قذف الله في قلبه نوراً يرى به الحق حقاً و الباطل باطلاً :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[ سورة النور:35]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء: الله نَوَّر الكون بالشموس، ونَوَّر القلوب بأنواره، لذلك : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
[ سورة الحديد: 28 ]
أهم قضية في الإيمان أنك إذا أقبلت على الله قذف الله في قلبك نوراً، رأيت الخير خيراً والشر شراً، الإنسان قبل أن يعمل عملاً يسبق هذا العمل رؤيا، هذه الرؤيا إما أنها صحيحة، فيأتي عمله صحيحاً، وإما أنها رؤيا سيئة، فيأتي عمله سيئاً، أين يختلف الناس؟ في الرؤيا، الذي أقدم على السرقة، رأى أن السرقة كسب وفير بجهد قليل، أما المؤمن فيرى السرقة عدوان، والعدوان له عقاب، ولا بدّ للسارق من أن يدفع ثمن هذه المعصية غالياً، قضية رؤيا، سيدنا يوسف عندما دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، لو أن مليون شاب وضع في ظرف سيدنا يوسف لرأى معظم هؤلاء أن هذا مغنماً كبيراً، لكن هذا النبي الكريم رأى أن الزنا جريمة كبيرة: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
[ سورة يوسف: 23]
أكبر شيء في الإيمان النور الذي يقذفه الله في قلب الإنسان :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/02.jpg
أنت بالنهاية أمام شيء، إما أنك تملك نوراً تكشف حقيقته، فتقبل أو لا تقبل، بحسب ما رأيت، أو أن هذا الإنسان في بعد عن الله، في ظلام، في عمى، يقترف شيئاً يتوهمه صالحاً وهو غير ذلك، لذلك أكبر شيء في الإيمان هذا النور الذي يقذفه الله في قلبك، والدليل قرآني:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
[ سورة الحديد: 28 ]
هذا المعنى يتضح جلياً حينما تركب مركبة في ليلة ليلاء، والطريق متعرج، وخطر، وعن يمينه واد سحيق، والطريق فيه أكمات، وحفر، ومشكلات كثيرة بين الذي يملك مصباحاً وضاءً يرى كل شيء فيتقي الحفرة، ويبتعد عن الأكمة، وبين الذي يتحرك وليس معه مصباح، فالحادث حتمي، أي إنسان منقطع عن الله قلبه في ظلمة، يتحرك بشهوته، لا يرى عواقب الشهوات، هؤلاء المجرمون، هؤلاء القتلة، هؤلاء الزناة، ماذا رأوا حينما أقدموا على جريمتهم؟ رأوا هذا خيراً لهم فأقبلوا عليه. الرؤيا التي تسبق العمل هي أخطر شيء في حياة الإنسان :
بالمناسبة أنت في الأصل أيها الإنسان جبلت على حبّ ذاتك، على حبّ سلامتك، على حبّ سعادتك، على حبّ استمرار وجودك، ليس على وجه الأرض إنسان من الستة آلاف مليون إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، ما دام الإنسان حريصاً على سلامته، من أين يأتي الشر؟ من أين يأتي الخطأ؟ يأتي الخطأ والشر من سوء الرؤيا، أكبر دليل أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة الملك: 10]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/03.jpg
اعتقد يقيناً أن الرؤيا التي تسبق العمل هي أخطر شيء في حياتك، فإن كانت هذه الرؤيا صحيحة، متطابقة مع كتاب الله، مع سنة رسول الله، مع وحي الله، فأنت مؤمن، وإن جاءت الرؤيا مختلفة عن منهج الله، مثلاً المؤمن يرى أن أي كسب حرام لا بدّ من أن يدمر هذا الكسب، لأن المال الحلال يذهب، لكن الحرام يذهب بأهله، فالمؤمن عنده قناعة لا يمكن أن يأكل قرشاً حرام، عنده يقينيات يتحرك برؤيا، يتحرك ببصيرة، يتحرك بنور، هذه الرؤيا هي أثمن ما تملك أيها المؤمن، بهذه الرؤيا تبتعد عن معصية الله، بهذه الرؤيا تبتعد عن كسب المال الحرام، بهذه الرؤيا تبتعد عن أن تعتدي على أعراض الناس، بهذه الرؤيا تبتعد عن أن تتوهم أنك إن كنت قوياً لك أن تفعل ما تشاء دون أن تحاسب، والحقيقة أن الإنسان مهما يكن قوياً سوف يحاسب حساباً عسيراً، لذلك البطولة أن تملك هذا النور، هذا النور سببه طاعة الله عز وجل، إذا استقمت على أمره، وأقبلت عليه، أعطاك أول مكافأة أنه يقذف في قلبك نوراً. ثمار الصلاة التي تسبقها الاستقامة لا تقدر بثمن :
أيها الأخوة الكرام، وقد يسأل سائل ما الوسيلة؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟ الجواب دقيق جداً: حينما أمرك الله أن تتصل به كل يوم خمس مرات، هذا الاتصال يعني أنك إذا أقبلت عليه ألقى في قلبك نوراً، لا تظن أن الصلاة قضية وقفت، وقرأت، وركعت، وسجدت، الأمر الإلهي أكبر من ذلك، والدليل حينما قال الله عز وجل:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َوالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
[ سورة العنكبوت الآية : 45 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/04.jpg
قال علماء التفسير: "ذكر الله أكبر ما فيها"، لكن الإمام ابن عباس الصحابي الجليل قال: "ذكر الله لك أيها المصلي وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له"، تقف أنت في الصلاة، تذكر الله، الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، أنت في الصلاة تذكره، لكنه إذا ذكرك في الصلاة ـ هنا الشاهد ـ منحك الحكمة، والله لا أبالغ إن أكبر عطاء على الإطلاق أن تؤتى الحكمة، وينبغي أن تصدق الله عز وجل حينما قال: ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
[ سورة البقرة: 269 ]
أنت حينما تتصل بالله يؤتيك الله الأمن، الشعور بالأمن شعور لا يقدر بثمن، وهو خاص بالمؤمنين، قال تعالى: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام الآيات : 81-82]
تملك الحكمة، تملك الأمن، تملك الرضا، تملك الحب، تملك السعادة، تملك السكينة، تملك التوفيق، تملك أن الله يدافع عنك، تملك أنك بعين الله: ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
[ سورة الطور: 48 ]
تملك أن الله لا يتخلى عنك، تملك وداً بينك وبين الله، أي ثمار الصلاة التي تسبقها الاستقامة لا تقدر بثمن. المؤمن مبصر يرى ما لا يراه الآخرون ويسمع ما لا يسمعون :
لذلك:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴾
[ سورة النور:35]
المشكاة الكوة في الحائط يوضع فيها المصباح، فصدر المؤمن كالمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، أي نور الله الذي يقذفه الله في قلبك يصبح كوكباً درياً، المؤمن مبصر، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، يسمع ما لا يسمعون، المؤمن ملهم، المؤمن مسدد، المؤمن موفق: ﴿ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾
[ سورة النور:35]
متألق. المسلمون يستمدون مبادئهم وقيمهم من منهج الله عز وجل :
﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾
[ سورة النور:35]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/05.jpg
عندنا فكر شرقي، وفكر غربي، وعندنا مبادئ علوية من الله، الآن العالم شرق وغرب، ومسلمون، المسلمون يستمدون مبادئهم وقيمهم من السماء، من منهج الله عز وجل، من منهج الواحد الديان: ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾
[ سورة النور:35]
وكأن الله عز وجل أشار في هذه الآية إلى أن هذه الشجرة شجرة الزيتون إنها شجرة مباركة: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
[ سورة النور:35]
أثمن عطاء يملكه الإنسان أن يقذف الله في قلبه نوراً يسدد خطاه :
أثمن عطاء تملكه أن يقذف الله في قلبك نوراً، هذا النور يسدد خطاك، تقف الموقف الكامل، الموقف العادل، الموقف المشرف، لا تستفزك الأحداث، لا يستثيرك الشيطان، لا تكون خطأ لإنسان، ضحية لجهل، ضحية لبعد عن الله عز وجل، هذا النور ثابت في القرآن الكريم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
[ سورة الحديد: 28 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/06.jpg
أيها الأخوة الكرام، هذا النور أثره واضح جداً، هذا الذي لا يفكر في غير الزواج، مسموح له أن يتزوج، لكن ليس مسموح له أن يلتقي بامرأة لا تحل له، مسموح له أن يسكب مالاً حلالاً عن طريق تجارة مشروعة، وليس مسموح له أن يأكل مالاً حراماً، تجد المؤمن عنده حالة اسمها السلام، ما دام على منهج الله هو في سلام، لا يوجد حالات دمار، دمار مال، دمار سمعة، لأنه يتحرك وفق منهج الله عز وجل، وأوضح مثل تركب مركبة في طريق متعرج، عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق، والوقت ظلام دامس، يمكن أن يكون المصباح سبب نجاتك، لا بدّ من حادث قطعي ما دام الطريق متعرجاً، وعن يمينه واد ولا تملك مصباحاً إطلاقاً، والطريق فيه عقبات، وأكمات، إذاً الدمار محقق، واعتقد يقيناً أن كل إنسان مقطوع عن الله عز وجل لابدّ من أن يقترف خطأ كبيراً، لكن بهذا النور الذي تستقيه من الله عز وجل من خلال الصلاة يسدد الله لك المشي في الطريق، تتضح الأهداف، تتضح الوسائل، تتضح معالم الطريق، فالمؤمن يتحرك هكذا: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة الملك: 22]
هناك نور، الطريق واضح. وراء كل خطأ جسيم رؤيا خاطئة :
لذلك اعتقد يقيناً أن قلة قليلة لا تزيد عن خمسة بالمئة من البشر يعرفون سرّ وجودهم، وغاية وجودهم، ليس هناك فئة تزيد عن خمسة بالمئة من البشر يتحركون بنور الله عز وجل، كسبه حلال، إنفاقه حلال، علاقاته مع النساء مشروعة كلها، علاقة زواج مع زوجته، علاقة قرابة مع والدته، مع أخته، لا يوجد علاقات محرمة، لا يوجد كسب غير مشروع، لا يوجد عدوان على الآخرين، لا يوجد تطاول، لا يوجد كبر، هذه كلها من ضعف الصلة بالله، ومن ضعف الرؤياhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5288/07.jpg
لذلك اعتقد أن وراء كل خطأ جسيم رؤيا خاطئة، سببها بعد عن الله عز وجل، وراء كل توفيق كبير رؤيا صالحة صحيحة سببها القرب من الله عز وجل، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴾
قوة، ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾
القلب، ﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾
في الصدر، ﴿ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾
قلبه مستنير، يقذف الله في قلبك النور، ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾
بعضهم قال: النبي عليه الصلاة والسلام، ﴿ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾
لا يمين ولا يسار، ولكن من وحي السماء، ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ ﴾
هناك رؤيا وهناك نص، النور الأول نور الرؤيا من الله عز وجل، النور الثاني نور النص، هناك زجاجات فيها مواد بيضاء، مسحوق أبيض، مكتوب هنا ملح، كلمة ملح تنير لك حقيقة هذه الزجاجة، هنا صودا، هنا فرضاً سكر، الكلمات تنير المضمون، فهناك نور على نور، نور رؤيا ونور نص، كلاهما يتعاونان، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
الهدى مبذول لكل الناس، ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 07:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الرابع و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من صاحب الأخيار ارتقى إلى الله و من صاحب الأشرار هوى إلى أسفل سافلين :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الأمثال، نتقل اليوم إلى أمثال السنة النبوية المطهرة، من الأحاديث الصحيحة الشريفة التي تذكر المثل قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/01.jpg
بحياتنا موضوع خطير جداً، هذا الموضوع: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، إنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله، وإن صحبت الأشرار هووا بك إلى الهلاك، فالصاحب ساحب، والصاحب هوية لك، أنت من؟ أعرفك من أصحابك، فلا يعقل ولا يقبل أن المؤمن الطاهر العفيف يصاحب إنساناً منحرفاً، بذيء اللسان، له مغامرات في المعاصي والآثام، يفتخر بها، كيف يكون صاحب لك؟.
هناك ملمح دقيق جداً أنك حينما تقبل هذا صاحباً فهذا تقييمٌ لك وأنت لا تشعر، كيف قبلته صاحباً؟ كيف استمعت إلى مغامراته في المعاصي والآثام؟ كيف وجدت في صحبته مغنماً وهو منحرف أشد الانحراف؟
فلذلك الإنسان المؤمن بحاجة ماسة إلى ما يسمى بالحمية الاجتماعية، من هنا جاءت الآيات الكريمة:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
[سورة الكهف الآية:28]
معنى هذا أن هناك صاحباً يأخذ بيدك إلى الله، و صاحباً آخر يمتعك بزينة الحياة الدنيا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
على الإنسان ألا يصاحب إلا من ينهض به إلى الله حاله :
علماء القلوب يقولون: لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، لذلك يتضح من هذا التوجيه الحصيف، أن الصاحب له مهمتان: مهمةٌ بيانية، ومهمةٌ نفسية، أنت حينما تصاحب مؤمناً موصولاً بالله، في موضوع ليس له علاقة بالحديث، والكلام، والعلم، تشعر براحة، هذه الراحة أكدها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/02.jpg

((لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم ))
[أخرجه مسلم عن حنظلة]
يتضح من قول النبي الكريم أن للصحابة الكرام حالاً يسمو بهم وهم عند رسول الله، هذا الحال بشكل مخفف يجيده كلُ مؤمنٌ في المسجد، أنت في بيت الله، أخوة كثر يقولون: نحن في المسجد نتوق إلى الآخرة، إلى قيام الليل، إلى العمل الصالح، هذا الجو جو المسجد، جو قرب، جو توبة، جو إنابة، جو إقبال، جو حب، جو عمل صالح، فالإنسان حينما يأتي إلى بيت الله هناك ضيافة من الله. (( إن بيوت الله في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
الجماعة رحمة :
لذلك هناك فرق كبير جداً بين أن تصلي في البيت، وبين أن تصلي في المسجد، بالمسجد هناك جماعة، والجماعة رحمة.
((عليكم بالجماعةِ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد، وهو من الاثنين أبعدُ ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر]
(( فإنما يأكلُ الذِّئبُ من الغنم القاصية))
[أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي الدرداء]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/03.jpg
فرق كبير جداً بين المؤمن الذي يصلي في المسجد و بين المؤمن الذي يعيش وحده، هذا المؤمن على أنه مؤمن معرض للفتن، معرض أن يفتي لنفسه فتوى غير صحيحة، أن يتوهم شيئاً غير صحيح، لكن المؤمن الصادق له مرجع، له مرجع يثق به، يثق بعلمه، يثق بورعه، هذا المرجع بالتعبير المعاصر يصحح المسار، أنت تنطلق في الحياة، أحياناً يأتيك عمل له دخل كبير، قد يغيب عنك سلبياته، تتضح أمامك إيجابياته، لو لك مرجع يقول لك: لا، هذه السلبيات تتفاقم حتى تهلك صاحبها، إذاً المؤمن بحاجة إلى مرجعية، هذه المرجعية مرجعية علم، ومرجعية ورع، قد يكون الإنسان عالماً، ولأنه عالم عنده فتاوى كثيرة جداً ضعيفة تبيح بعض الأشياء التي حرمت بشكل أو بآخر.
فحينما تكون مع إنسان ورعه قليل جداً، يعطيك رخصاً كثيرة جداً، هذا الرخص مريحة، تحل بها المشكلات، لكنها على حساب صلتك بالله، على حساب ورعك، على حساب دينك، لذلك لا تفرح بفتوى تبيح لك ما توهمته، أو ما كنت معتقداً أنه حرام، اجلس مع من يعطيك الفتوى التي تحفظ لك دينك. الفرق الكبير بين الذي يأتي إلى بيوت الله وبين الذي لا يأتي إليها :
إذاً:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/04.jpg
أي الجلوس في المجلس على الأرض، لا يوجد ضيافة، بأي مكان آخر هناك جلوس على مقاعد مريحة، وضيافة، و نساء ورجال، و طرف، و فكاهات، و أشياء ممتعة، معنى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾
قد تجد في دروس العلم جهداً.
لكن يقولُ بعض الصادقين: والله شعرت بسعادة في هذا الدرس لا توصف، هذا الدرس فيه معونة إلهية، لأن الله عز وجل يتنزل بسكينته على رواد المساجد، هذه السكينة يصعب تفسيرها، عطاء إلهي، تشعر بالثقة، تشعر بالراحة، تشعر بالتفوق، تشعر بالأمن، تشعر أن الله لن يتخلى عنك، تشعر أن الله يحبك، هذه المشاعر مسعدة، مشاعر مطمئنة، مشاعر تعطيك دفعاً لأن تكون بطلاً في الحياة، لذلك فرقٌ كبير بين الذي يأتي إلى بيوت الله وبين الذي لا يأتي إليها. ((إن بيوت الله في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
مكان التعرف على المؤمنين لا يكون إلا في بيوت الله :
طبعاً ذكرت بيوت الله عز وجل في أثناء الحديث عن الجليس الصالح، تأخذ هذا الجليس من بيوت الله، مكان التعرف على المؤمنين في بيوت الله، لكن في الأماكن العامة لا ترى هؤلاء الذين لا يخافون الله عز وجل، فالنتيجة هذا النص النبوي مهم جداً في أن تتخذ صاحباً مؤمناً، والحديث:
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/05.jpg
(( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]
هذا المؤمن يتحدث عن شرح آية، والله شيء جميل! الآية منهج، الآية توجيه، الآية قانون، الآية سبيل الخلاص، يتحدث لك عن صحابي جليل بطل، تعجب بهذه البطولة، يتحدث لك عن تجربة عن الله، آثر رضوان الله فأكرمه الله إكراماً شديداً، يقدم لك تجاربه، يقدم لك معلوماته، نصوصه، قصصه، لذلك: لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله. ((الجليس الصالحُ والجليسُ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ ـ أي يعطيك، الإحذاء هو العطاء ـ إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة))
إما أن يعطيك، أو يبيعك شيئاً نفيساً، فإن لم تأخذ منه شيئاً، ولم تبتع منه شيئاً، هناك رائحة طيبة، وحديث طيب، و وجه مشرق، و قلب منيب، و معاونة، و حب. الأخوة الإيمانية من أكبر ثمار الإيمان :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/06.jpg
الآن كل شيء موجود في العالم الإسلامي أما هذا الحب الذي كان بين الصحابة يفتقده المسلمون إليه، لضعف الأخوة الإيمانية، والأخوة الإيمانية من أكبر ثمار الإيمان، وأنا أؤكد لكم أنه ما من علاقة في الحياة الدنيا أمتن وأقوى من علاقة المؤمنين.
(( المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُه ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر]
أي قضية إيمان، لك أخ في الله، صادق، أمين، محب، ناصح، صادق. المؤمن العاقل لا يدع قضية الصداقة قضية جانبية عفوية لا تأثير لها :
أيها الأخوة:
(( كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ ـ أي أن يعطيك ـ وإِما أن تبتاع منه وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة ))
وصدقوا ولا أبالغ أن معظم حالات الدمار التي اطلعت عليها تبدأ برفيق السوء، وأنا أقول للآباء الكرام: أخطر شيء في حياتك أصدقاء أولادك، هؤلاء الأصدقاء إما أن يأخذوا بأيدي أولادك إلى الهلاك والدمار، وإما أن يرقوا بهم إلى أعلى عليين، لذلك الأب العاقل يدقق في أصدقاء أولاده، والأم العاقلة تدقق في صديقات بناتها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5930/07.jpg
هناك دراسة علمية أن الشاب يتلقى تأثيره ممن؟ من أبيه، من أمه، من أخوته الكبار، من أخوته الكبيرات، من معلميه، من شيخ المسجد، هذه مصادر التوجيه والتأثير، كل هؤلاء لا يزيد تأثيرهم عن أربعين بالمئة، والصاحب وحده تأثيره في ابنك يقدر بستين بالمئة، كل هؤلاء، الأب، والأم، والأخ الكبير، والأخت الكبيرة، والمعلم، والشيخ، كلهم في مجموعهم تأثيرهم في الشاب 40% بينما صاحبه تأثيره 60%، مرة ثانية كل حالات الهلاك والدمار التي تصيب الشباب من رفاق السوء.
مرة قرأت قصة شاب من بلد عربي، صاحب شاباً منحرفاً، دله على القمار، ثم دله على الزنا، ثم صاحب آخراً فدله أن يعمل عميلاً في دولة محتلة في أفغانستان، ثم اتهم بالخيانة، ثم أُعدم، من أين بدأت؟ من صاحب، لو تتبعت حالات الدمار تبدأ من صاحب سوء.
لذلك أيها الأخوة، أخطر شيء بحياتك من تصاحب، وأخطر شيء بتربية أولادك من هم أصدقاء أولادك، ومن هم صديقات بناتك، والمؤمن العاقل لا يدع قضية الصداقة قضية جانبية عفوية لا تأثير لها، هذا أخطر موضوع يعالجه الأب مع أولاده.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 07:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الخامس و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. القصد من وصف المؤمنين في القرآن والسنة :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في نصوص الأمثال من الكتاب والسنة، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/01.jpg
أول نقطة: وصف المؤمنين في القرآن والسنة ما القصد منه؟ هناك هدفان كبيران، أول هدف أن تعرف من هو المؤمن، أو أن تتحرك نحو هذا الهدف، والثاني أن يكون هذا الوصف مقياساً لك، نقطة دقيقة أن تعرف من هو المؤمن، وأن تسعى لأن تكون مؤمناً، وإذا أصابك قلقٌ فيما إذا كنت مؤمناً، أم لم تكن مؤمناً، فهذا الوصف مقياس لك.
لك أخوة مؤمنون، لو أن واحداً منهم أصابه خير، هل تفرح له؟ بكل صراحة، إن فرحت لهذا الخير الذي أصاب أخاك فأنت مؤمن ورب الكعبة لماذا؟ لأن المنافقين وصفهم الله عز وجل فقال: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
[سورة التوبة الآية:50]
لك أخ أخذ دكتوراه، لك أخ نجح بزواجه، نجح بتجارته، هل تفرح له كما لو أن هذا النجاح لك؟ ورب الكعبة إن فرحت لخير أصاب أخاك فأنت مؤمن، وإذا تألمت وانزعجت، وكظمت الغيظ، وتمنيت لو أن هذا الخير لم يصل إليه، أو تمنيت أن يزول عنه، أو سعيت إلى إزالته، فأنت منافق ورب الكعبة، الدليل الآية الكريمة: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
[سورة آل عمران الآية:120]
هذا مقياس، امتحن إيمانك بمشاعرك تجاه أخيك إذا أصابه خير، أن تفرح له، وامتحن إيمانك بمشاعرك تجاه أخيك إذا أصابه سوء، هل تتألم؟ هل تتمنى ألا يصاب بهذا السوء؟. تقسيم المجتمعات الإسلامية إلى فئات وجماعات تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان:
لذلك البطولة الآن أن كل شيء متوفر بحياتنا، جامعات إسلامية، مراجع إسلامية، مؤلفات إسلامية، مؤتمرات إسلامية، فمظاهر الإسلام صارخة الآن، مساجد والله كل مسجد اطلعت عليه أو زرته في أطراف العالم الإسلامي شيء لا يصدق، تحفة من تحف العرب، تكلفته تقدر بمليار ليرة، مسجد فوق البحر.
﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾
[سورة هود الآية:7]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/02.jpg
الذي أمر ببناء هذا المسجد فوق البحر من هذه الآية، أنا اطلعت على مساجد في أطراف العالم الإسلامي يكاد الإنسان لا يصدق هذا الفن، وهذه الفخامة في المساجد، مؤتمرات إسلامية موجودة، مؤلفات إسلامية بالملايين، كل شيء يخطر في بالك موجود، أما الحب الذي كان بين المؤمنين في عهد الصحابة الآن غير موجود، وهذا الحب أحد لوازم الإيمان، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، أما تقسيم المجتمعات الإسلامية إلى فئات وجماعات، هذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، الله عز وجل في القرآن الكريم أكد على مقياسين، مقياس العلم والعمل، فإذا كنت مؤمناً علماً، ومستقيماً سلوكاً، فأنت أخي في الله، لو كنت من جماعة أخرى، تقسيم المجتمع الإسلامي لجماعات إسلامية، وهذه الجماعات متناحرة، تتراشق التهم، كلٌ يكفر الآخر، شيء غير معقول.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/03.jpg
سافرت إلى بلد، إلى أقصى بلد في الأرض، إلى جنوب الأرض، وجدت في المدينة التي فيها سبعمئة ألف مسلم، المسلمون فريقان، كل فريق يتهم الآخر بأبشع التهم، زرت الفريق الأول، زرت الفريق الثاني، ألقيت عندهم محاضرات في الإذاعة، هناك دعوة ثانية جاءتني بعد سنتين دعاني الفريق الآخر، زرت الأول قلت لهم: أنا لكل المسلمين، و لكن التفرقة، وتقسيم الناس إلى جماعات، وإلى أقليات، وإلى فقاعات، لا ننجح الآن إلا إذا كان الانتماء إلى مجموع المؤمنين، هذا الحديث من أقوى الأحاديث : (( مَثَلُ المؤمنين - مجموع المؤمنين- في تَوَادِّهم - المودة بينهم - وتراحُمهم وتعاطُفهم - التعاطف شعور داخلي، والتراحم سلوك، والمودة تعبير عن الحب - مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
التفرقة بين المسلمين هي الورقة الرابحة الوحيدة بيد أعدائهم :
أخواننا الكرام، من باب الأحلام، أنت تصور أحدث رقم سمعته قبل أيام أن المسلمين صار عددهم مليار وثمانمئة مليون، أي أكثر من ربع سكان الأرض، يتربعون على منطقة إستراتيجية تعد أول منطقة في العالم، عندهم ثروات باطنية، هي أغلى ثروات في الأرض، ومع ذلك هم أفقر الشعوب، وبينهم مناحرات، وعداوات، بل وحروب، بل إن أعداء المسلمين يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/04.jpg
كنت مرة في ألمانيا، و أنا بالسيارة قالوا لي: نحن الآن في هولندا، أين الحدود؟ لا يوجد أية لوحة إذاً كيف عرفتم؟ قال: من لوحات السيارات، اختلف لونهم.
كنت مرة بايطاليا، أخ دعاني إلى مكتبه فزرته في إيطاليا، ثم دعاني إلى بيته، كان في بلد آخر في سويسرا، معقول، بيته ببلد، ومكتبه ببلد آخر، لا يوجد حد، ولا لوحة، لكن أنا عندما طلبت التأكيد على ذلك، قال لي: يوجد بالطريق صف أحجار عرضي، هذا الفرق بين سويسرا وايطاليا، دول فيها بينها حروب لا يعلمها إلا الله، وقوميات، فكرت فأصبحت دولة واحدة، عملتها واحدة اليورو، ينطق بلسانها واحد، تصور أوربا بكاملها، السوق المشترك، ينطق بلسانها واحد، والعملة واحدة، والأموال تنطلق بلا قيد أو شرط، معقول هؤلاء بذكائهم اتحدوا، ونحن مليار وثمانمئة مليون مسلم، نملك ثروات لا يعلمها إلا الله، نتمتع بموقع استراتيجي أول في العالم، ونحن أفقر الشعوب من التفرقة!.
لذلك أيها الأخوة اعتقدوا يقيناً أن الطغاة بالأرض معهم ورقة رابحة وحيدة، هي التفرقة بين المسلمين، هذه الورقة الرابحة الوحيدة، نحن بوعينا نستطيع أن نسقطها، أو أن نأخذها منهم بالتعاون.
مؤمن بالإله العظيم، مؤمن بالنبي الكريم، مؤمن بالقرآن الكريم، لماذا تعاديه؟ لذلك الله وصف فرعون وهو طاغية سيدنا موسى، قال:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
[سورة القصص الآية:4]
هذا شأن الطغاة، التفرقة بين المسلمين، لما جاء الغرب إلى بلد مجاور واحتله، أول شيء قسمه إلى عربي، وكردي، وآشوري، وسني، وشيعي، أي هناك تركيز واضح جداً على التفرقة. على الإنسان أن يكون انتماؤه إلى مجموع المؤمنين كي يكون مؤمناً :
لذلك أيها الأخوة أتمنى على الواحد منكم إن كان له جامع، على العين والرأس، لكن أخاك بالجامع الثاني أخوك بالإيمان، لا تعاديه، لا تنظر له نظرة دنيا، نحن من جامع فلان، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموعة مؤمنين حتى تكون مؤمناً.
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم))
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/05.jpg
يجب أن تكون مودتك لكل المؤمنين، لكل المسلمين، وأن تكون رحمتك وعطاؤك لكل المسلمين، وتعاطفك مع كل المؤمنين. (( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
يجب أن تقلق لسوء أصاب أخاك، يجب أن تفرح لخير أصاب أخاك، والآية الكريمة دقيقة جداً: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
أي لا يوجد إنسان إلا ويعلم حقيقته، والدليل: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[سورة القيامة]
قالوا: بإمكانك أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، وبإمكانك أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا من سابع المستحيلات، أنا أضيف على هذا القول: أما أن تخدع نفسك لثانية واحدة فمستحيل، الدليل: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
من دلائل قدرة الله عز وجل المودة و الرحمة بين المؤمنين :
لا يقوي المسلمين إلا أن يكون انتماؤهم إلى الجميع، أنت تحب كل المؤمنين لكن هناك نظرات ضيقة جداً، هناك انتماء إلى فقاعات، انتماؤك إلى جامع واحد، أي إذا كان لك جار من جامع ثان تقول: هذا ليس من أخواني، خير إن شاء الله، من قال لك ليس من أخوانك؟ له عند الله مكانة كبيرة، هذا الفكر القديم الذي عشناه في الخمسينات يجب أن ينتهي، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموع المؤمنين، لذلك: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6026/06.jpg

(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
هذا الذي يرفع قدر المسلمين، هذا الذي يقويهم، هذا الذي ينمي بينهم المودة والرحمة، والله عز وجل من دلائل قدرته أن جعل هذه المودة والرحمة بين المؤمنين، لقوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[سورة مريم]
قال علماء التفسير: ود فيما بينهم، وقال بعض العلماء: ود فيما بينهم وبين الله، نعيد أخيراً قراءة الحديث: (( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السادس و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين. الذكر :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه مَثَلُ الحيِّ والميِّت))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/01.jpg
كم هي المسافة بين الحي؟ إنسانٌ حي يتكلم، يعمل، يبتسم، يضحك، يعرف، يلقي درساً، له زوجة، أولاد، محبوب، مكرم، مبجل، وجثة هامدة في النعش. ((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه: مَثَلُ الحيِّ والميِّت))
ما هو الذكر؟ أولاً: قراءة القرآن ذكر، والصلاة ذكر. ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
[سورة طه]
والدعاء ذكر، والاستغفار ذكر، وإلقاء الموعظة ذكر، و أي نشاط ديني يصب في العمل الصالح يعد ذكراً، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير منكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله ))
[أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء]
الصلاة ذكر: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
لكن بعض العلماء يقول: إن ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[سورة العنكبوت الآية:45]
قال بعضهم: ذكر الله أكبر ما فيها، وقال بعضهم: ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن، لكنه إذا ذكرك منحك الحكمة، لكنه إذا ذكرك منحك الرضا، لكنه إذا ذكرك منحك التوفيق، لكنه إذا ذكرك منحك السكينة، بالسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، ومن دون سكينة تشقى بفقدها و لو ملكت كل شيء. الذكر يدور مع الإنسان في أي مكان و زمان و قمته أن تصلي :
لذلك الذكر يدور مع الإنسان في أي مكان، وفي أي زمان، وفي أي حال، يمكن أن تذكره وأنت تمشي، وأنت في الرياضة، وأنت في العمل، وأنت تأكل، حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض هذا ذكر، هذا الماء من جعله عذباً فراتاً والبحر ملحاً أجاجاً؟ آلاف القصص لأناس غرقت سفينتهم، وركبوا قارب نجاة وماتوا جميعاً عطشى، هناك ماء عذب زلال، و ملح أجاج.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/02.jpg
أي إذا فكرت ذكرت، إذا استغفرت ذكرت، إذا هللت قلت: لا إله إلا الله ذكرت، إذا حوقلت قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله ذكرت، أي حركة، وأي سكنة، وأي كلامٍ، وأي موقف، إذا وعظت ذكرت، إذا نصحت ذكرت، إذا ألقيت درس دين ذكرت، إذا استمعت إلى درس دين فأنت ذاكر، لكن قمة الذكر أن تصلي
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
وذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له.
لذلك هذا المثل، بل هذا التشبيه مذهل، حي وميت، الفرق بين إنسان حي نشيط وسيم، على كل خد وردة كما يقول عوام الناس، يتكلم، ينطق، يتحرك، يعظ، يدرّس، ينام، يستيقظ، يمرح، يضحك، وبين جثة هامدة متعفنة. ((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه: مَثَلُ الحيِّ والميِّت))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]
لذلك بيت المؤمن جزء من دينه، بل بيت الداعية جزء من دعوته، لأن الإنسان حينما تستقيم سريرته تستقيم علانيته. أخلاق الإنسان خارج البيت نابعة من مصلحته لكن حقيقة الإنسان تكون في بيته :
أيها الأخوة، قال عليه الصلاة والسلام:
(( خيرُكُم - اسم تفضيل - خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/03.jpg
أحياناً الإنسان خارج البيت يتصنع الأناقة واللطف، يتعطر أحياناً، يبتسم، يصافح، ينحني، هذه كلها لمصلحته، لكنه في البيت طليق الإرادة، أعلى جهة بالبيت، بطولتك في البيت، أخلاقك الحقيقية في البيت، والدليل هذا الحديث: (( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
الآن حينما يفحصون الطالب لإعطائه شهادة قيادة السيارة، كيف يفحص؟ يرسم له طريق على شكل متعرج، ضيق، وعلى طرفي الطريق قطع من البلاستيك، ينبغي أن يرجع إلى الوراء، وأن يبقى على هذا الطريق الضيق المحدد، وعلى أطراف الطريق من الجهتين قطع بلاستيك، فإذا مسّ واحدة رسب، أصعب شيء بالقيادة أن ترجع والطريق ضيق جداً وألا تخطئ، إن نجحت في هذا فقد نجحت، وما سوى ذلك سهلٌ جداً، أقول لكم: إن نجحت في البيت ما سوى ذلك سهل جداً، في الأعمّ الأغلب أخلاق الإنسان خارج البيت نابعة من مصلحته، لكن حقيقة الإنسان تكون في بيته، من هنا جاء الحديث الشريف: (( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
من ذكر الله ارتقى إلى أعلى عليين :
((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه))
تؤدى فيه الصلوات، يقرأ فيه القرآن، أحياناً يكون هناك سهرة فيها علم، لقاءات المؤمن مع أخوانه لقاءات علم: (( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ ))
[ الترمذي و أبو داود و أحمد عن أبي هريرة]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/04.jpg
محرج، حديث بالأسعار، وبالضغوط العالمية، وبهذا التفلت الأخلاقي، وفلان سيئ، وفلان غير أمين، وفلان يعتدي على الآخرين، تنتهي الجلسة لا تستطيع أن تقف، الأخبار السيئة تثبط العزائم، أما الأخبار الطيبة فتحيي النفوس، فأنت في مجلس إذا ذكرت الله فيه ارتقت بك هذه الأحوال إلى أعلى عليين، في مجلس آخر تهوي بك هذه المخالفات الكلامية إلى أسفل سافلين.
مرة ثانية: (( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ ))
[ الترمذي ، أبو داود ، أحمد عن أبي هريرة]
حديث الدنيا متعب، أي ما من يوم إلا والذي بعده أشر حتى تقوم الساعة، لا يوجد خبر طيب، أي يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه. (( يوم يكون المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً))
[ رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة ]
بآخر الزمان الوضع صعب: ((يؤتمن الخائن وأن يخون الأمين، وأن يصدَّق الكاذب وأن يكذَّب الصادق))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
يذوب قلب المؤمن في جوفه، مما يرى ولا يستطيع أن يغير، ما الذي ينسينا كل هذه الهموم؟ ذكر الله، ارتياد بيوت الله، طلب العلم، هناك مثبطات ومحفزات، المحفزات أن تذكر الله، صدق ولا أبالغ المؤمن الذي يذكر الله كأن الله يبعده عن كل متاعب العصر، لك معاملة خاصة. ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
[ سورة الطور الآية 48 ]
الدعوة إلى الله دعوتان :
لذلك أيها الأخوة عليكم بذكر الله، ذكر الله واسع جداً، راكب سيارة إلى حلب، لك جارك، أخ لطيف، حدثه، سمعت معنى آية كريمة، معنى حديث شريف، سمعت قصة عن صحابة حدثه، اذكر الله، تجلس في اجتماع مع موظفيك في الشركة، انتهى الاجتماع، سمعت تفسير آية اشرحها لهم، لذلك:
((بلِّغُوا عني ولو آية))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/05.jpg
أي الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، لكن في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، أما الدعوة إلى الله كحرفة، كاختصاص، فهذه فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، تحتاج إلى تبحر، وإلى تفرغ، وإلى تعمق، الدعوة إلى الله دعوتان، فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، وفرض كفاية تحتاج إلى تبحر، وتعمق، وتفرغ، فأنت كمؤمن مكلف أن تدعو إلى الله دعوة كفرض عين. ((بلِّغُوا عني ولو آية))
والدليل الآية الكريمة: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[سورة يوسف]
هناك دليل آخر قوي: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
[سورة العصر]
ليلة القدر أساسها أن تعرف الله و أن تتقرب إليه :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6993/06.jpg
أيها الأخوة الكرام، هذه ليلة القدر إن شاء الله:
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
[سورة القدر]
أي ليلة القدر تعدل عند الله ألف شهر، أي ثمانون عاماً، ليلة واحدة تفوق كل هذه الأعوام، هذه الليلة أساسها أن تعرف الله، أن تتقرب إليه، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾
[سورة الزمر الآية:67]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( السابع و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ....)





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. سلامة المؤمنين كلٌ لا يتجزأ :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعات الأمثال في الكتاب والسنة، والحديث الشريف الصحيح الذي فيه مثل بليغ قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا))
[رواه البخاري عن النعمان بن بشير]
هذا المثل بليغ جداً، أن المصلحة مشتركة، وأن سلامة المؤمنين كلٌ لا يتجزأ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين.
لذلك قومٌ ركبوا سفينة وتقاسموا الأماكن، فالذين في أسفلها رأوا أنهم إذا خرقوا مكان وجودهم في أسفلها وأخذوا ماءً أراحوا من فوقهم، لكن الذين فوقهم إن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً، قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
[سورة الأنفال الآية:25]
الإنسان مقهور أن يعيش في جماعة :
أحياناً إن لم تسهم في درء هذه التهم وتلك الفتن أصاب الناس جميعاً أخطار هذه الفتنة، إذاً أراد الله سبحان وتعالى أن تكون في جماعة، وسمح الله لك أن تتقن حاجة، وأحاجك إلى مليون حاجة، تتقن حاجة وتحتاج إلى مليون حاجة، فأنت مقهورٌ من قبل الله عز وجل أن تكون في جماعة، سمح لك أن تتقن حرفة، لكن بحاجة إلى طعام وشراب، إلى طبيب، إلى صيدلي، إلى مدرس، إلى حداد، إلى نجار، إلى خزاف، أنت بحاجة لملايين الجهود الفردية.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/02.jpg
إذاً نحن مقهورون في جماعة، فالخطأ الذي يرتكبه الفرد لا يصيب صاحبه فقط بل يصيب المجموع، أوضح مثل حينما تتفلت البنت، وتتعرى، وتبرز مفاتنها، تؤذي المجتمع بأكمله، تؤذي شاباً في ريعان الشباب، بينه وبين الزواج عدة سنوات، ينبغي أن يبني مستقبله، أن يلتفت إلى دراسته، حينما تثيره بهذه المظاهر، وتلك التجاوزات، تسيء إلى كامل الأمة، إلى مجموع الأمة، فحينما ندرك أن خطأ واحداً ينسحب على المجموع، وأن المجموع في قارب واحد، فإذا أصاب هذا القارب العطب غرق كل ركابه، أي إنسان يقول: أنا لا علاقة لي وقع في خطأ كبير، لأن هذه الأمة التي وصفها القرآن الكريم بأنها خير أمة، قال:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[سورة آل عمران الآية:110]
هذه الخيرية التي وصفنا بها والفضل لله عز وجل، لها علة، أي لها سبب، قال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
علة خيرتكم أنكم: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران الآية:110]
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :
تصور أن مجتمعاً لا يأمر أهله بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ما الذي يحصل؟ الذي يحصل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟))
[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/03.jpg
كأن الصحابة لم يصدقوا، هل يعقل أن يأتي زمان أهله لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (( وأشدُ منه سيكون، قالوا: وما أشدُ منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون ـ الآن ما الذي هو أشد منه ـ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروفُ منكراً والمنكر معروفاً؟))
[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
هذه مصيبة المصائب أن تتبدل القيم، أن يصبح الكاذب صادقاً، والصادق كاذباً، أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين. (( يصبح المعروف منكراً, والمنكر معروفاً))
وقعت الأمة في مصيبة ماحقة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول الدين :
لذلك أيها الأخوة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول الدين، بل هو كما يقول بعض العلماء: الفريضة السادسة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/04.jpg
فإذا سكت الناس، وجاملوا بعضهم البعض، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، فقدت الأمة خيرتها، وإذا فقدت خيرتها أصبحت أمة كأية أمة خلقها الله، لا شأن لها عند الله، ولا وزن لها عند الله، بل لها صغارٌ عند الله، عندئذ تفقد هذه الأمة كل الوعود التي جاءت بالقرآن والتي تتضمن نصرها، أي أليس في القرآن :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
[سورة النور الآية:55]
هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله: ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
[سورة النور الآية:55]
هل نحن ممكنون في الأرض؟ لا والله: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[سورة النور الآية:55]
هل نحن آمنون؟ لا والله، أقول عن مجموع المسلمين: ليسوا مستخلفين ولا ممكنين، ولا آمنين، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
[سورة النور الآية:55]
ما دمنا نعبد الله عز وجل فوعود الله قائمة، وعدنا بالاستخلاف، وبالتمكين، وبالتطمين، فإن لم نؤدِ ما علينا من عبودية فقدنا خيريتنا، وفقدنا كل وعود الله لنا. من هان أمر الله عليه هان على الله :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/05.jpg
لذلك هؤلاء الذين قالوا:
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[سورة المائدة الآية:18]
ردّ الله عليهم فقال: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[سورة المائدة الآية:18]
استنبط الإمام الشافعي من هذه الآية أن الله لا يعذب أحبابه، لو أن الله قَبِل دعواهم أنهم أحبابه لما عذبهم، إذاً لم يقبل الله دعواهم أنهم أحبابه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيعُ
لو كان حبك صادقاً لاطعتـه إن المحب لمن يحب يطيـعُ
* * *
إذاً هذه الوعود الثلاث، الوعود بالاستخلاف، والوعود بالتمكين، والوعود بالتطمين ليست محققة، والكرة في ملعبنا والخلل عندنا، قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[سورة مريم]
ولقد لقي المسلمون ذلك الغي. من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :
لذلك لو أن الله قبل دعواهم لما عذبهم، وهناك آية أوضح :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[سورة الأنفال الآية:33]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6994/06.jpg
أي ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة في حياتهم، هم في مأمن من عذاب الله، أما إذا لم يطبقوا سنة النبي الكريم فهم أمة كأي أمة خلقها الله، لا وزن لها عند الله، وليس لهم أي ميزة تستأهل نصر الله عز وجل، إذاً يقول عليه الصلاة والسلام : ((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا ـ استهموا أي اقتسموا الأماكن على هذه السفينة بعضهم في الأعلى وبعضهم في الأسفل ـ فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا ))
أي قد تأتي ابنة أخيك إلى بيتك لتزورك، بثياب فاضحة تبرز كل مفاتنها، وأنت عمها فإن لم تنطق بأي كلمة قبولك لهذه الفتاة المتفلتة يغري ابنتك أن تقلدها، جاء الشر إلى بيتك، أما إذا نصحتها، مادمت قد نصحتها فأنت إنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فإما أن تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك، إذا كنت من أولي الأمر فيجب أن تغيره بيدك، وإن كنت من أولي العلم فبلسانك، وإن كنت لا من هؤلاء ولا من هؤلاء فبقلبك، وهذا أضعف الإيمان. من فقد خيريته فقد وعود الله له بالتمكين و الاستخلاف و التطمين :
على كلٍّ ما لم نأمر بالمعروف، وما لم ننه عن المنكر، فنحن فقدنا كل الوعود الإلهية التي تعدنا بالنصر وبالتوفيق، إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة.
أذكر قصة سائق سيارة عمومي، جاءه من يركب معه من بيروت إلى دمشق، شابٌ وشابة، لكنهما طلبوا منهما التريث قليلاً لأن إنساناً سوف يأتي لهم بحقيبة، انتظر ثلث ساعة، جاء رجل كبير في السن وعلى رأسه هذه الحقيبة، يبدو أنه تأخر، فهذا الشاب وكزه وقال له: لماذا تأخرت؟ ثم أخذ المحفظة و وضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام، في نصف الطريق سمع السائق الشابة التي تركب مع الشاب وهي زوجته، تقول لزوجها: لِمَ ضربت أباك؟ السائق لم يحتمل، وقف على اليمين، قال له: هذا الذي ضربته والدك؟ انزل، إنسان بسيط جداً لكن لم يحتمل أن يركب معه إنسان اعتدى على أبيه.
هذا مثل بسيط لو كل واحد منا رأى منكراً اعترض، أو أنكر، أو تكلم، أو تحرك، لكنا في حال غير هذا الحال، الآن الإنسان يرى كل الموبقات لا يتكلم ولا بكلمة، أنا لا أدعو أن تخاطب إنساناً لا تعرفه، لكن أقل شيء بناتك، شيء ملاحظ جداً أن امرأة محجبة معها بنت متفلتة، أغلب الظن أنها ابنتها، فكيف سمحت لها بالتفلت؟ فنحن إن لم نأمر بالمعروف وننه عن المنكر، حالنا صعب جداً، ونفقد بهذا خيريتنا، وإذا فقدنا خيريتنا فقدنا كل وعود الله لنا بالاستخلاف، وبالتمكين، وبالتطمين، إذاً يمكن أن نعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سادسة.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثامن و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف ( ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين ....)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الذكر :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتضمن بعض الأمثال قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مالك بن أنس رضي الله عنه قال:
(( بلغني أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ- وفي رواية: مَثَلُ الشجرة الخضراء في وسط الشجر - وذاكر الله في الغَافلينَ مثل مِصْبَاحٍ في بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وذاكر الله في الغافلين يُريهِ اللهُ مَقْعَدَهُ من الجنَّة وهو حَيٌّ، وذاكِرُ الله في الغافلين يُغْفَرُ له بِعَدَدِ كلِّ فَصيحٍ وأعجم. والفصيحُ: بنو آدم، والأعجمُ: البهائم ))
[أخرجه زيادات رزين عن مالك بن أنس]
الموضوع بالذكر، وقد أكدت لكم سابقاً أنه من أوضح الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الذكر ما ورد في الحديث القدسي أن الله سبحانه وتعالى يبين أن الذاكر في أعلى مرتبة. الفرق بين الذاكر و غير الذاكر كالفرق بين العظيم والصغير :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/02.jpg
أيها الأخوة، مرة ثانية: الذكر أن تذكر الله، داعياً له، مستغفراً له، معتمداً عليه، متوكلاً، قارئاً لكتابه، متتبعاً لأحكام الشرع، أيّ نشاط ديني يقربك من الله فهو من الذكر، لذلك الذكر يدور مع الإنسان حيثما دار.
(( ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ ))
المقاتل مقدم وليس محجماً، والفار هارب وليس مقبلاً، المؤمن يقبل على الجنة، وغير المؤمن يفر منها إلى النار، فرقٌ كبير، فرق يبلغ حدّ التناقض. (( ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ ))
أحياناً يكون الفرق بين شخصين فرق بالدرجة، بالدرجة فقط، وأحياناً يكون الفرق بين شخصين فرق في النوع، فالفرق بين الذاكر وبين غير الذاكر ليس فرقاً في الدرجة بل هو فرقٌ في النوع، أي الذاكر ذَهَب، وغير الذاكر معدن خسيس، الفرق بين الذاكر و غير الذاكر كالفرق بين النفيس والخسيس، بين العظيم والصغير. المؤمن من ثمار إيمانه أن الله يلقي في قلبه نوراً يرى به الحق حقاً والباطل باطلاً :
النبي الكريم في هذا الحديث الصحيح يبين مكانة الذاكر:
(( ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ ))
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/03.jpg
وكلكم يعلم أن الغصن الأخضر نضر، جميل، فيه حياة، فيه أوراق، فيه فواكه، فيه ثمار، أما الغصن اليابس فحطب مصيره الإحراق. (( وذاكر الله في الغَافلينَ مثل مِصْبَاحٍ في بَيْتٍ مُظْلِمٍ))
مثل مصباح، المؤمن مستنير، المؤمن من ثمار إيمانه أن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلبه النور، يرى الحق حقاً، والباطل باطلاً، يتخذ قراراً صحيحاً لأن رؤيته صحيحة، وغير المؤمن يتخذ قراراً أحمقاً ومدمراً، لأنه أعمى لا يرى الحق، والآية الكريمة: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
[سورة الحج]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
[سورة الحديد الآية:28]
(( وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ وذاكر الله في الغَافلينَ مثل مِصْبَاحٍ في بَيْتٍ مُظْلِمٍ ))
المؤمن بقلبه يبتعد عن الباطل ويقبل على الحق :
أخواننا الكرام، قضية النور قضية علمية، العلم نور، الآن أنت تمشي في الطريق، قد تجد حفرة تبتعد عنها، قد تجد أكمة تبتعد عنها، تسلك الطريق السالم، لأن هناك رؤية، لو إنسان أغمض عينيه لا بدّ من حادث، أو سيارة بلا مصابيح، والطريق متعرج، وهناك أكمات وحفر، وعلى يمينه واد، فهناك حادث حتمي.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/04.jpg
فلذلك الرؤية، أي أنت في سلام مع الله، ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً، ترى الخير خيراً، والشر شراً، لكن الأعمى قد يرى الخير شراً، والشر خيراً، لذلك الدعاء الشريف: "اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه".
هذه الأحاديث يلي فيها كلمة مثل، هي بالحقيقة صور بيانية في البلاغة، معنى صور بيانية أي تعتمد على التشبيه، أو الاستعارة، أو الكناية، فالذاكر يُشبّه بالمقاتل، وما حوله فار من المعركة، الذاكر يشبّه بشجرة خضراء نضرة، ظلها ظليل، ثمارها يانعة، وغير المؤمن، غير الذاكر، شجرة يابسة، لا ظل لها، ولا أوراق، ولا ثمار.
(( وذاكر الله في الغَافلينَ مثل مِصْبَاحٍ في بَيْتٍ مُظْلِمٍ ))
أي المؤمن بقلبه يبتعد عن الباطل لأنه يرى الباطل باطلاً، يقبل على الحق لأنه يرى الحق حقاً. (( وذاكر الله في الغافلين يُريهِ اللهُ مَقْعَدَهُ من الجنَّة وهو حَيٌّ ))
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾
[سورة القمر]
المؤمن سريع التوبة و سريع العودة إلى الله عز وجل :
مرة ثانية: الفرق كبير كبير بين المؤمن وبين غير المؤمن، هو الفرق بين الميت والحي، وهناك أدلة قرآنية:
﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾
[سورة الأنعام الآية:122]
كان قبل الإيمان ميتاً. وليس من مات فاستراح بميت ٍ إنما الميت ميت الأحياء
* * *
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/05.jpg
حي لكنه ميت، لذلك لسيدنا علي كلام رائع، قال له: يا بني! العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمالُ تنقصه النفقة، والعلمُ يزكو على الإنفاق، يا بني! مات خزان المال وهم أحياء - وهو حي ميت- والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، إذاً المؤمن حي، حياة القلب، حياة الروح، حياة المبادئ، حياة القيم، حياة العمل، حياة الآخرة، حياة إدراك سر وجوده، وغاية وجوده. ((وذاكِرُ الله في الغافلين يُغْفَرُ له بِعَدَدِ كلِّ فَصيحٍ وأعجم))
لأنه يستغفر، والمؤمن سريع التوبة، سريع العودة إلى الله، المؤمن دائماً يُقيّم نفسه، لذلك من علامات المؤمن أنه لا يجامل نفسه، بل يحاسبها حساباً عسيراً، ومن حاسب نفسه بالدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً. الأمور بخواتيمها :
أيها الأخوة، مرة ثانية:
((ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ وذاكر الله في الغَافلينَ مثل مِصْبَاحٍ في بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وذاكر الله في الغافلين يُريهِ اللهُ مَقْعَدَهُ من الجنَّة وهو حَيٌّ))
لذلك ورد أن المؤمن لكرامته عند الله حينما يوافيه الأجل يريه الله مقعده في الجنة، فقالوا: يعرق عرق الخجل، أي هو ما قدم من العمل ما يوازي هذه المكانة، وهذه الرفعة، وهذا المقعد العظيم عند الله عز وجل، فالإنسان أحياناً قد يستعجل الأمور، لكن المؤمن حينما أراد الآخرة وكانت دنياه لا كما يتمنى، لكنه أراد الآخرة، هذا هو العاقل، أنا أضرب مثلاً للتقريب: إنسان يمشي بمركبة من المهاجرين إلى مركز المدينة، يركب مركبة فخمة جداً، وإنسان آخر يتجه مشياً على قدميه من مركز المدينة إلى حيّ المهاجرين، التقيا في وسط الطريق، إنسان راكب مركبة فخمة جداً، وإنسان يمشي على قدميه، لو أن هذا الذي يمشي على قدميه حينما يصل إلى قمة الجبل سيتملك أجمل قصر هناك، والذي يملك هذه المركبة الرائعة سوف يشنق في مركز المدينة، فأنت رأيت إنسانين التقيا في الطريق، تقول هنيئاً لمن؟ تقول هنيئاً لمن يمشي على قدميه وسوف يتملك هذا القصر الجميل، والويل لمن يرتدي أجمل الثياب، ويركب أجمل المركبات، لكن مصيره إلى القتل والإعدام.
فالأمور بخواتيمها، الأمور بالنهايات. المؤمن وعده الله بالجنة و هذا الوعد يمتص كل متاعب الدنيا :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/6995/06.jpg
المؤمن وعده الله بالجنة، ومصيره إلى الجنة، هذا الوعد يمتص كل متاعب الدنيا، الوعد بالجنة، والدليل:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[سورة القصص]
لذلك : ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[سورة السجدة]
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[سورة الجاثية]
أيها الأخوة الكرام، هنيئاُ لمن ذكر الله في الدنيا وعرفه فكان من أصحاب ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( التاسع و العشرون )


الموضوع : الحديث الشريف ( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره ).



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. أسباب التفوق التي كانت متاحة للصحابة الكرام متاحة لكل إنسان:
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الأمثال والمثل اليوم، قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ))
[الترمذي عن أنس]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/01.jpg
هذا الحديث أيها الأخوة الذي جاء على شكل مثل يبث العزيمة في قلوب المؤمنين ولو كانوا متأخرين، هناك وهم أن الصحابة الكرام والحقيقة هم نخبة البشر: (( إن الله تبارك وتعالى اختارني واختار لي أصحاباً ))
[الحاكم عن عويم بن ساعدة ]
لكن عند بعض المسلمين في العصور المتأخرة هناك إحساس باليأس، لا يوجد إمكان أن يتفوق الإنسان، أقسم لكم بالله أسباب التفوق التي كانت متاحةً للصحابة الكرام، متاحة لكل واحد من المسلمين اليوم، إله الصحابة إلهنا، الظروف واحدة، ما الذي يمنعك أن تكون مؤمناً صادقاً؟ ما الذي يمنعك أن تصلي قيام الليل؟ ما الذي يمنعك أن تغض بصرك عن محاسن النساء؟ ما الذي يمنعك أن تضبط لسانك؟ ما الذي يمنعك أن تنفق مالك؟ ما أتيح للصحابة من أعمال صالحة متاح لنا، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام الذي سمعوه بين أيدينا، والقرآن بين أيدينا، وكل العصور فيها القوي، و فيها الضعيف، فيها المؤمن، و فيها المنافق، وفيها الكافر، ما الذي يمنعك أن تكون مؤمناً؟ ما الذي يمنعك أن تطلب العلم؟ ما الذي يمنعك أن تحفظ القرآن الكريم؟ ما الذي يمنعك أن تغض البصر عن محارم الله؟ ما الذي يمنعك أن تنفق مالك في سبيل الله؟ الظروف التي كانت متاحة للصحابة متاحة، بل ورد في بعض الآثار أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
[ورد في الأثر]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/02.jpg
في الحديث الصحيح: (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[مسلم عَنْ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
أن تعبد الله في زمن الفسق، في زمن النفاق، في زمن الكذب، في زمن يؤتمن الخائن ويخون الأمين، في زمن يكذب الصادق ويصدق الكاذب، في زمن النساء الكاسيات العاريات: (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[مسلم عَنْ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
[ورد في الأثر]
الحياة جنة مع الإيمان :
أنتم أيها الأخوة أمامكم فرص كبيرة جداً، الحياة جميلة بالإيمان، الحياة جنة مع الإيمان، الحياة مسعدة مع أخوة أكارم، تحبهم ويحبونك، تنصرهم وينصرونك، تنصحهم وينصحونك:
(( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ))
[الترمذي عن أنس]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/03.jpg
العبرة أن الإنسان بحاجة إلى إيمان، إلى ثقة بالواحد الديان، إلى ثقة بأن الله معه، وأن الله عز وجل يمكن أن يرفعه إلى أعلى عليين، لا تنظر إلى مرتبتك الاجتماعية، هذه لا تقدم ولا تؤخر، والدليل: (( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
[مسلم عن أبي هريرة ]
كنا مرة بالحج، رئيس البعثة عالم جليل، تكلم كلاماً أبكانا جميعاً، قال: لعل واحداً منكم لا يؤبه له هو أقربنا إلى الله عز وجل.
أنت في زمن صعب الأجر كبير، الثواب كبير، والعطاء كبير، والذي نصر أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ينصرنا، والذي أكرمهم يكرمنا، ولعل الآن الأجر أكبر، بحسب الفتن، بحسب الصوارف، نحن نشأنا في سن مبكرة لا يوجد فتن، الآن هناك انترنيت، وفضائيات، و طرق فيها الكاسيات العاريات، وفيها مفاسد لا يعلمها إلا الله، هذه كلها صوارف وعقبات، أحياناً الدين غير مقبول في مجتمع معين، الدين يحارب، أحياناً أنت بحاجة إلى الصبر: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 142 ]
الحياة مؤقتة و الكون يشهد لله عز وجل بوحدانيته وكماله ووجوده :
الحياة مؤقتة أيها الأخوة، هذه الحياة تنتهي بجنة يدوم نعيمها، وقد تنتهي بنار لا ينفذ عذابها، وسائل السلامة بين أيديكمhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/04.jpg
والكون يشهد لله عز وجل بوحدانيته، وكماله، ووجوده، الأمور كلها متاحة، ومرة ثانية:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
[مسلم عن أبي هريرة ]
مرة قرأت في السيرة أنه دخل إنسان فقير على النبي عليه الصلاة والسلام فهش له وبش، رحب به ترحيباً غير معقول، قال له: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أنا؟ قال: أنت، أنت يا أخي خاملٌ في الأرض علم في السماء.
كل واحد منكم بإمكانه أن يكون علماً في السماء، لا يهم شهادتك، ولا مرتبتك الاجتماعية، ولا مساحة بيتك، ولا دخلك، يهم استقامتك وعملك: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
[ سورة الحجرات: 13]
اعتماد القرآن الكريم على مقياسين فقط للترجيح بين البشر :
أيها الأخوة الكرام، أهل الدنيا يتفاوتون، ويرجح بعضهم بعضاً بمقاييس من صنع أهل الدنيا، أي القوي محترم، محترم عند أهل الدنيا، والغني محترم عند أهل الدنيا، والوسيم محترم، والذكي محترم، لكن القرآن الله عز وجل اعتمد مقياسين لا ثالث لهما، أول مقياس العلم فقال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الزمر:9 ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/05.jpg
آية تؤكد ذلك: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
[ سورة المجادلة: 11]
هذه مقياس، المقياس الثاني: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
[ سورة الأحقاف: 19]
هناك تقسيمات لا تعد ولا تحصى، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، أصحاب الوسامة وأصحاب الدمامة، مقاييس لا تعد ولا تحصى، الله عز وجل في القرآن الكريم، خالقنا، ربنا، إلهنا، اعتمد مقياسين، مقياس العلم ومقياس العمل: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
[ سورة الأحقاف: 19]
فلذلك هذان المقياسان بين أيديكم؛ اطلب العلم يرفع الله لك قدرك، حتى إن بعض العلماء المفسرين حينما فسروا قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
[ سورة الشرح: 1-4]
قال: كل مؤمن له من هذه الآية نصيب بحسب إيمانه وإخلاصه، الله عز وجل يمكن أن يرفع لك ذكرك، فأنت بالإيمان ترقى عند الله، وبالعمل الصالح ترقى. الإنسان يسلم بالاستقامة و يسعد بالعمل الصالح :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/06.jpg
بالمناسبة أنت تسلم بالاستقامة، وتسعد بالعمل الصالح، يستمر وجودك بتربية أولادك، وكل واحد من دون استثناء حريص على سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، سلامة وجوده بالاستقامة، وكمال وجوده بالعمل الصالح، واستمرار وجوده بتربية أولاده، وكنت أقول دائماً: لو بلغت أعلى منصب في الأرض، وجمعت أكبر ثروة في الأرض، وارتقيت إلى أعلى درجة علمية في الأرض، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، أنت بتربية أولادك يستمر وجودك، أحياناً ألتقي بأناس كثيرين يمكن خلال يومين أو ثلاثة يترحم على والده مئات المرات، أبي علمنا، أبي ربانا، أبى نبهنا، أبي أعطانا، أنت يمكن بالأبوة أن يستمر وجودك بعد موتك بآلاف السنين، يمكن بالعمل الصالح أن ترقى عند الله، فأنت حريص على سلامة وجودك، وعلى كمال وجودك، وعلى استمرار وجودك، بعد هذا دائماً الذي أركز عليه دائماً ابحث عن نجاح شمولي، النجاح الأحادي الآن لا يسمى نجاحاً، جمع مالاً، لكن علاقته مع أولاده سيئة جداً، علاقته مع أولاده طيبة جداً لكنه بعمله مهمل، فافتقر، احرص على سلامة وجودك، احرص على أن تكون العلاقة مع الله رائعة، ومع أهلك وأولادك كذلك، واحرص أن تكون هذه العلاقة في عملك جيدة، ومع صحتك جيدة، أربع محطات، علاقتك بالله، وبالأهل والأولاد، وبعملك، وبالصحة، إن نجحت في هذه المحطات نجاحاً باهراً كان هذا هو النجاح الحقيقي، النجاح الشمولي، أما إذا نجحت في واحدة فهذه الواحدة لا تغني ولا تسمن من جوع، وأي خلل في أحد هذه المحطات الأربعة ينسحب على المحطات الثلاثة.
الإنسان إن لم يشحن نفسه بومضات إيمانية لن يستطيع متابعة مسيرته :
لذلك أيها الأخوة، شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبة كؤود لا يجتازها إلا المخفون، من هنا ورد في الحديث القدسي: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/07.jpg

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))
[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]
أيها الأخوة الكرام، صدقوا ولا أبالغ الواحد منا أنا شبهته بالهاتف المحمول، يحتاج إلى ماذا؟ إلى شحن، إن لم تشحن نفسك بومضات إيمانية، بحديث ديني، بقرب من الله، بعمل صالح، إن لم تشحن نفسك فهذا الهاتف يسكت، وتنطفئ الشاشة، وأنت كالهاتف المحمول بحاجة إلى شحن، ومثل هذه الدروس يشحن فيها المؤمن، يتزود ويتابع المسيرة.
بالمناسبة الصلاة أيضاً شحن، الصلاة في اليوم خمس مرات، وكل شحنة في الصلاة تكفي لصلاة ثانية، صلاة الجمعة فيها شحنة، هذا شحن أسبوعي، الصلاة شحن يومي، صلاة الجمعة شحن أسبوعي، رمضان شحن سنوي، الحج شحنة العمر، شحنة تكفي لنهاية الحياة، فلا بد من الشحن، بدون شحن كله ينطفئ. من ذكره الله منحه الأمن و الحكمة و الطمأنينة :
لذلك:
(( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8091/08.jpg
الله يذكرك، وإذا الله ذكرك، قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 152]
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[ سورة العنكبوت الآية : 45 ]
أي أنت إذا ذكرت الله في الصلاة بحسب قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
الله يذكرك، إذا ذكرك منحك نعمة الأمن: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82]
أي وحدهم لهم الأمن، وإذا ذكرك منحك نعمة الرضا، وإذا ذكرك منحك نعمة الحكمة، وإذا ذكرك منحك السداد والرشاد، وإذا ذكرك منحك السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
أيها الأخوة الكرام: (( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ))
[الترمذي عن أنس]
ونحن في آخر الزمان ولعل الله عز وجل يستجيب لنا، ويمنحنا عفوه، ورحمته، وقربه.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثلاثون )


الموضوع : الحديث الشريف ( مثل المؤمنين إذا التقيا .... ).



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. أقدس علاقة في الحياة علاقة الأخوة في الله :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الأمثال والمثل اليوم قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ))
التأكد من تخريج هذا الحديث ... [أبو داود عن سلمان ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/01.jpg
الحقيقة أن أقدس علاقة في الحياة علاقة الأخوة في الله، أرقى علاقة في الدنيا علاقة الأخوة في الله، أمتن علاقة في الدنيا علاقة الأخوة بالله، أسعد علاقة في الدنيا علاقة الأخوة في الله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
[ سورة الحجرات: 10 ]
هذه الآية أصل في هذا الموضوع، والحقيقة أيها الأخوة، لا بد من كلمة مؤلمة، حينما ينعم الله على أخيك بخير من خير الدنيا أو الآخرة، وتتألم، وتتمنى أن هذا الخير لم يصل إليه، بل تتمنى أن يزول عنه، بل تسعى إلى أن يزول عنه، اعلم علم اليقين أنك في خندق المنافقين، وأكبر دليل: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 50]
من يفرح لخير أصاب المؤمنين فهو مؤمن و العكس صحيح :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/02.jpg
ثم إني أبشرك؛ لك أخ بسنك أكرمه الله بزوجة صالحة، أكرمه اشترى بيتاً، أكرمه بوظيفة، وفرحت له من أعماقك، أعطيك شهادة من الله عز وجل أنك مؤمن ورب الكعبة، المؤمن يفرح لخير أصاب المؤمنين، يتفرع عن هذا أنت لا يوجد عندك مشكلة تقريباً، صحتك طيبة، عندك زوجة وأولاد، لك دخل يغطي نفقاتك، بيتك ملكك، لا يوجد عندك مشكلة، عندما تسمع بما يصيب المسلمين في أفغانستان مثلاً، في العراق، في فلسطين، وتتألم وقد تبكي أحياناً، اعلم علم اليقين أنك مؤمن ورب الكعبة، أما إذا كنت لا تبالي بما يحدث للمسلمين لأنه لا يوجد عندك مشكلة، إن لم تبالِ بما يحدث فأنت في أكبر مشكلة، هذه مقاييس حقيقية، يمكن أن تلبس جلابية وثوباً أبيض يوم الجمعة من مستوى عال جداً، ومعطر بمسك، ومسبحة تركواز، بأعلى درجة من الثياب الإسلامية، وحينما تتألم لخير أصاب المؤمنين أنت في خندق المنافقين: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/03.jpg

(( إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم، ولا إِلى صُوَرِكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
وضع مصحف بالسيارة، آية الكرسي في البيت جيد، لكن أن تكتفي بهذه المظاهر وفي القلب أحقاد وحسد وغيرة وسلوك لا يرضي الله عز وجل، بطولتك أن تحسن تقييم نفسك، بطولتك ألا تحابي نفسك، ألا تتملقها، واجه الحقيقة المرة لا تقفز عليها، لأن القلب ينبض الآن والتوبة بابها مفتوح، الإصلاح ممكن، العفو ممكن، المغفرة ممكن، أما حينما يأتي ملك الموت وأنت على هذه الحال فهناك مشكلة كبيرة جداً. مصائب الدنيا تنتهي عند الموت والأمراض النفسية يبدأ مفعولها بعد الموت :
أخواننا الكرام، اعتقدوا يقيناً أن كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، إنسان معه ورم خبيث لا سمح الله، يموت، انتهى المرض، فقير يموت ينتهي الفقر، عنده مشكلة نفسية يموت تنتهي المشكلة، فأمراض الجسد ومصائب الدنيا تنتهي عند الموت، لكن أمراض النفس متى يبدأ مفعولها؟ بعد الموت، أيهما أخطر؟ لا سمح الله ولا قدر مرض عضال ينتهي بالموت وأنت من أهل الجنة، أما حياة رغيدة ناعمة، والدخل كبير، والأحقاد تفتك بالقلب، والحسد، والرياء، والكذب، والنفاق، فإذا جاء الأجل هذه الأمراض النفسية بدأ مفعولها الخطير بعد الموتhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/04.jpg
لذلك أتمنى عليكم إذا قرأت القرآن الكريم ووصلت إلى صفات المؤمنين أن تقف عند هذه الآيات ملياً، أن تقف وأن تعرض نفسك عليها، أين أنت منها؟ هل إذا التقيت مع أخ مؤمن، وقد أكرمه الله بشيء هل تفرح له؟ والله الذي لا إله إلا هو حينما تفرح له من أعماقك وكأن الشيء لك فأنت مؤمن ورب الكعبة، لا ينبغي أن تتجاهل أمراض النفس، لذلك:
(( مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ))
[أبو داود عن سلمان]
هناك معنى فرعي جديد، أحياناً ترتكب خطأ، لك أخ كريم، محب، صادق، بينك وبينه لم يشهر بك، قدم لك نصيحة، أن هذا العمل لا يرضي الله أتمنى عليك أن تبتعد عنه، قدم لك نصيحة وأنت قبلتها بصدر رحب، وشكرته عليها، معنى ذلك كان هناك شيء من الدرن على يديك جاء أخوك وأزال هذا الدرن: (( مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ))
[أبو داود عن سلمان]
المؤمن مرآة المؤمن :
في الحقيقة:
(( المؤمن مرآة المؤمن ))
[ أخرجه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/05.jpg
قد يرى أخوك المؤمن خطأ في سلوكك، خطأ في تفكيرك، خطأ في موقفك، خطأ في تصرفك، هذا الخطأ بأدب جم بينك وبينه من دون تشهير، من دون فضيحة، نصحك به، أما إذا قبلت النصيحة فلك أجر كبير، لذلك سيدنا عمر عملاق الإسلام يقول: أحب ما أهدي إلي- إنسان قدم لك بيتاً، قدم لك شيئاً ثميناً جداً- عيوبي.
أتمنى إذا كان التقيتم مع بعضكم بعضاً أنا أطمح أن المؤمنين إذا التقوا في الأسبوعين مرة، في الأسبوع مرة، في الشهر مرة، في الأسبوع أفضل، كل أسبوعين جيد، بالشهر مقبول، أما أفضل شيء فكل أسبوع، أخوة كرام بحسب السكن، أو بحسب العمل، إما أنهم زملاء في وظيفة، أو أنهم جيران في مسكن، جيران، أو زملاء، أو أصدقاء، هؤلاء إذا التقوا ينبغي أن يتناصحوا، دعكم من المديح، والله الذي لا إله إلا هو أنا كثيراً ما أقول لمن حولي: إياكم أن تمدحوا، أريد إن كان هناك أخطاء أن تذكروها، هذه بطولة، المدح لا يرقى بك، لكن الذي يرقى بك أن تصغي إلى أخطاء وقعت منك وأنت لا تدري، والمؤمن الصادق نصوح لا يكذب، لا يخون هذه الأمانة، لا يفعل شيئاً لا يرضي الله عز وجل، لذلك: (( مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ))
[أبو داود عن سلمان]
الحياة مع المؤمنين مسعدة :
أنا الذي أتمناه على كل مجتمع إيماني أن كل أخ كريم يختار واحداً أو اثنين أو ثلاثة أخوة في الله، يتصافحا، يتعاهدا على التناصح، وعلى أن يتفقد الأخ الآخر، مثلاً أنت ليس عندك إمكان أن تتفقد كل من يحضر هذا الدرس، لكن أنت اخترت من الأخوة الكرام بعض الأخوة بحسب مكان الإقامة، أنت مقيم بحي معين، بهذا الحي حولك يوجد أخان أو ثلاثة، اعقد معهم عهداً أن نتناصح وأن يتفقد الواحد منا الآخرين، جئت إلى درس الأحد لم تجده، معنى ذلك أنه مريض، أو عنده مشكلة، فأنت يمكن أن تبدأ باتصال هاتفي، افتقدناك اليوم خير إن شاء الله.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/06.jpg
مرة قال لي أخ كريم بالعادة أراه كل درس، مرة لم أشاهده توقعت أن يكون عنده مشكلة، اتصلت به هاتفياً، أقسم لي بالله أن هذا الاتصال - يمكن الاتصال منذ ثلاثين سنة- لا ينساه حتى الموت، دليل محبة، دليل اهتمام، أنا أتمنى على الأخ أن يصطفي من أخوانه عدداً بحسب مكان السكن، أو بحسب العمل، أو بحسب بأي مقياس آخر، إما زمالة، أو عمل، أو نسب، أو مكان الإقامة، ويتفقد كل واحد الآخر، يسأل عن صحته، عن وضعه المعاشي، الديني:
(( يَدُ اللهِ مع الجماعةِ ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]
(( ومن شَذَّ شَذَّ إلى النار ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر ]
و النبي عليه الصلاة والسلام قال: تآخيا اثنين اثنين، وأتمنى عليكم أن كل واحد يبحث بدرس الجمعة بالخطبة، بدرس الأحد، أخوة كثر، أنت اختر من هؤلاء أخاً حميماً بحسب مكانته، جارك، أو معك بالعمل، أو معك بالدراسة، أو معك بالاختصاص، أي علاقة، أو قريبك، قرابة، سكن، اختصاص، عمل، دراسة، اتخذه أخاً بالله، تناصحا، ليتفقد بعضكم الآخر، الحياة مع المؤمنين مسعدة.
الشيء الذي نفتقده اليوم أن هناك حباً عميقاً بين الصحابة، كان الصحابيان يفترقان بعد العشاء يلتقيان في صلاة الفجر يقول أحدهما للآخر: وا شوقاه يا أخي، غابوا أربع ساعات ، حتى ورد أن الصحابيان إذا افترقا من أجل شجرة، بعد أن يلتقيا يسلم كل منهما على الآخر. الحياة جنة مع الحب :
أيها الأخوة الكرام، الحياة تصبح جنة، إذا كان هناك حب فالحياة جنة، مرة قرأت شعاراً منذ ثلاثين سنة "لسنا وحدنا في المعركة" - شعار سياسي- ، لكن أنا أعجبني هذا الشعار، أنا أريد أن يكون بين كل المؤمنين، أيها الأخ المؤمن لست وحدك في الحياة، هناك أخوة كثر معك في السراء والضراء، الحياة مع الأخوة المؤمنين مسعدة، تحس بالحب، تحس بالقرب، تحس بالمودة، تحس بالرحمة، فلذلك:
(( مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ))
[أبو داود عن سلمان ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8092/07.jpg
هذا الأخ تسلم عليه ويسلم عليك، تنصحه وينصحك، تلفت نظره ويلفت نظرك، تزوره ويزورك، تدافع عنه ويدافع عنك، النبي عليه الصلاة والسلام تفقد بعض الصحابة بتبوك، يبدو أن واحداً ليس كما ينبغي، قال: يا رسول الله شغله بستانه عن أن يجاهد معك، فقام صحابي جليل قال: لا والله يا رسول الله إنا تركنا أخوة لنا في المدينة ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك، فابتسم النبي وفرح كثيراً.
دافع عن أخيك، هناك شيء اسمه قنص، أخوك غائب اتهم بتهمة، أنت ترتاح، تبقى ساكتاً، وأحياناً معكم حق، لماذا؟ أخوك دافع عنه، أخوك مسلم، أخوك مؤمن، أخوك ورع، أخوك مستقيم، أخوك لا يحقد، لماذا تسكت إذا اتهم بتهمة من إنسان منافق؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة الحج: 38 ]
فيا أيها الأخوة الكرام، هذا الحديث أتمنى من الله عز وجل أن يكون واقعاً تعيشونه، منذ اليوم اختر عدة أخوة، بحسب العمل، بحسب الدراسة، اختر عدة أخوة اتفق معهم، تعاهدوا على التناصح، تعاهدوا على التعاون، تعاهدوا على أن يتفقد كل واحد منكم الآخر، هذه الحياة مع التعاون، الله عز وجل قال: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[ سورة المائدة: 2 ]


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الحادى و الثلاثون )


الموضوع : الحديث الشريف ( ما الدنيا في الآخرة إِلا مِثْلُ ما يجْعَلُ أَحدُكم إِصبَعه .... ).


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. المثل طريقة فعالة في التعبير :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس الأمثال في الكتاب والسنة، ولا يغيب على أذهانكم أن المثل طريقة فعالة في التعبير، مثلاً: إن تفق الأنام- يا محمد- فأنت منهم، أنت منهم وأنت متفوق عليهم، كيف؟
فإن تفُقِ الأنام فأنت منهم فإنّ المِسْك بعض دَمِ الغزال
***
المسك من دم الغزال. مَنْ يَهُنْ يَسْهُل الْهَـوَانُ عَليْه مَــــا لِجُرْحٍ بِمَيّتٍ إيلامُ
***
وإذا أراد الله نشر فضيلـــة طويت أتاح لها لسان حسـود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف عرف طيب العود
***
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/01.jpg
أنت حينما تأتي بحقيقة مجردة فكرية وتوضحها بمثل حسي ملموس، الأمر واضح، مرة أردت أن أبين ما الفرق بين الكبيرة والصغيرة، عندنا كبائر؛ الزنا كبيرة، القتل كبيرة، شرب الخمر كبيرة، أحياناً ابتسامة في غير مكانة صغيرة، ما الفرق بين الكبائر والصغائر؟ ضربت مثلاً قلت: طريق عرضه ستين متراً من أرقى الطرق، وعن يمين هذا الطريق واد سحيق، و عن يساره وادٍ سحيق، وأنت تقود مركبة على هذا الطريق، الصغيرة حرفت المقود سنتمتراً واحداً والكبيرة حرفت المقود تسعين درجة، واضح، الآن انحراف درجة لو ثبت لكنت في الوادي، بعد اثنين كيلو متر في الوادي، والانحراف-انحراف الكبيرة- بإمكانه بكل بساطة أن تعيده إلى ما كان، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))
[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]
الكبيرة حينما تستغفر الله منها وتتوب انتهت، الصغيرة إذا ثبت عليها ولم تتب منها انقلبت إلى كبيرة، والمصير في الوادي: (( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))
[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]
الدنيا صفر إذا قورنت بالآخرة :
أحياناً يأتي المثل واضح جداً، يبين حقيقة مجردة، من أبلغ الأسانيد في التعبير الأمثلة، لكن طبعاً لها في البلاغة مصطلحات خاصة، هناك تشبيه، التشبيه التام، والتشبيه المؤكد، والتشبيه المفصل، والتشبيه البليغ، وهناك الاستعارة المكنية، والاستعارة التصريحية، وهناك الكناية، هذه مصطلحات بلاغية، أما المثل فهو في الأساس حالة مجردة عقلية، فكرة توضح بمثل مادي، الآن تقول: الدنيا زائلة فعلاً زائلة، الدنيا جيفة طلابها كلابهاhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/02.jpg
الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له، لكن كيف نوازن بين الدنيا والآخرة؟ إنسان عاش مئة وثلاثين سنة، هناك أعمار في شمال بعض البلاد الباردة يعيش الإنسان لمئة وثلاثين سنة، و بحسب معلوماتي شيخ الأزهر حسين مخلوف عاش مئة وثلاثين سنة ، وهناك أشخاص معمرون، لكن الحياة الدنيا إذا أردنا أن نوازنها مع الآخرة لا شيء، طبعاً في الرياضيات أكبر رقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، واحد في الأرض وأصفار للشمس، واحد على الطاولة وكل ميليمتر صفراً، ثلاثة ميليمتر ألف، ثلاثة ثانية مليون، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون، من هنا لآخر الجامع كل ميليمتر صفر، من هنا إلى حلب كل ميليمتر صفر، من هنا إلى موسكو كل ميليمتر صفر، من هنا إلى القطب كل ميليمتر صفر، لو طفنا حول الأرض أربعين ألف كيلو متر وكل ميليمتر صفر، لو اتجهنا نحو الشمس مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وكل ميليمتر صفر، كم هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر، إنسان عاش مئة وثلاثين سنة معه ألف مليار، لم يصب بأي مرض، عنده أجمل بيت، أجمل زوجة، أجمل أثاث، مراكب لا تعد ولا تحصى، طائرات خاصة، بعد مئة وثلاثين سنة ينتهي كل شيء، الدنيا صفر.
الذكي و العاقل هو الذي يختار ما عند الله :
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))
[أحمد والترمذي عن المستورد بن شداد]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/03.jpg
أوضح مثل سافرت إلى الساحل، ركبت قارباً إلى أرواد، غمست أصبعك بماء البحر ورفعته، هذه الأصبع كم حمل من البحر؟ يمكن قطرة واحدة، القطرة هي الدنيا، والبحر هو الآخرة، البحر المتوسط، المحيط الهندي، المحيط الهادي، المتجمد الشمالي، الجنوبي، الأطلسي: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))
بربكم الذي لا يعمل إلا للدنيا فقط، وينسى الآخرة، الذي لا يدخل الآخرة في حساباته إطلاقاً أليس غبياً؟ أليس أحمقاً؟ أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، مرة كنت بمدينة فيها متحف من أندر المتاحف، اطلعت على أكبر ألماسة في العالم، قيل: ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، حجمها تقريباً بحجم الجوزة، لو وضعوا لك على الطاولة الألماسة نفسها، وضعوا لك إلى جانب الألماسة كأس كريستال ثمنه ألف ليرة، وإلى جانب الكأس الكريستال وضعوا لك قطرميز بلور أزرق، ثمنه عشرون ليرة، الآن تختار، فأنت أخذت أكبر شيء، منتهى الحمق، منتهى الغباء، منتهى الجهل، والله هذا المثل الصارخ بين ألماسة ثمنها يقدر بمئة وخمسين مليون دولار، بحجم الجوزة، وبين كأس كريستال ثمنها ألف ليرة، وبين وعاء بلوري أزرق ثمنه عشرون ليرة، أنت اخترت أكبر حجم، لذلك من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ الذي يختار ما عند الله. الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له :
الله عز وجل طمأنك قال تعالى:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾
[سورة الضحى: 4]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/04.jpg
والأولى لا يوجد فيها حرمان، لك أن تأكل، لك أن تشرب، لكن الخمر ممنوع ومحرم، والخنزير محرم، المرأة لك أن تتزوج أما الزنا فمحرم، المال لك أن تكسبه حلالاً، السرقة محرمة، لا يوجد شيء فيه حرمان.
مرة دعاني عالم كبير أنا أظن أن عمره يزيد عن مئة عام، من علماء القرآن الكريم، قال لي: عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، أنا خطر في بالي بعد أن خرجت من عنده أن إنساناً وإنسانة تزوجا، أنجبا أولاداً، والأولاد جلبوا له الكنائن، والبنات جلبوا له الأصهار، الصف الثاني: الأولاد والبنات والأصهار والكنائن، أنجبوا ثمانية وثلاثين حفيداً، صار هناك هرم، على رأس الهرم الجد والجدة، الأولاد والزوجات، البنات والأزواج، الصف الثالث الأحفاد، هذا الهرم المقدس الرائع، بيولوجياً ما سببه؟ علاقة جنسية، أليس كذلك؟ وفي أي بيت دعارة هناك علاقة جنسية، الشهوة حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.
الدنيا أمام الآخرة لا شيء، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، أفقر إنسان، وأقوى إنسان، وأذكى إنسان، وأغنى إنسان يتزوج، والزواج واحد، النساء سواء، أقوى إنسان، وأغنى إنسان، وأفقر إنسان، يأكل، هناك أكلات مبذولة لعامة الناس، مرة سألت إنساناً يعمل في قصر ملكي في بلد عربي، ماذا يأكل الملك صباحاً؟ قال لي: فول وأحياناً بيض مقلي، ماذا يأكل الملك؟ يأكل مثل أي إنسان، فالنساء سواء والطعام سواء، هناك وهم كبير في الحياة أن الغني غير الفقير. السعادة الحقيقة أن تعرف الله و تتصل بالله وتشعر أنه يحبك :
إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، قد تمنح المال، وقد تمنح الصحة، وقد تمنح القوة، وقد تمنح الوسامة، وقد تشقى بها جميعاً، وقد تحرم من الصحة، أو من المال، أو من الوسامة، وتكون أسعد الخلق، لذلك أيها الأخوة الكرام، يجب أن نضع يدنا على حقيقة، السعادة الحقيقة أن تعرف الله، السعادة الحقيقية أن تتصل بالله، السعادة الحقيقية أن تشعر أن الله يحبكhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/05.jpg
أنت تمشي صح، مالك حلال، علاقتك بالنساء زوجة فقط، والمحارم أكثر، لا يوجد انحراف، و لا معصية، فالمستقيم على أمر الله عنده إحساس بالرضا، وعنده شعور يفوق حدّ الخيال.
يروى أن رجلاً يطوف حول الكعبة، ويقول: ربي اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل؟ وراءه رجل، قال له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله؟ قال له: ذنبي كبير، قال له: ما ذنبك؟ قال له: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قُمعت أُبيحت لنا المدينة، فدخلت أحد البيوت فرأيت فيه رجلاً، وامرأة، وطفلين، قتلت الرجل، وقلت لامرأته أعطيني كل ما عندك، أعطتني كل ما عندها، ومع ذلك قتلت ولدها الأول، ولما رأتني جاداً في قتل الثاني، أعطتني درعاً من الذهب الخالص أعجبني، نظرت إليه، فإذا عليه بيتان من الشعر قرأتهما فوقعت مغشياً عليّ، ما البيتان:
إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *
الذكي و العاقل هو الذي يدخل الله في حساباته :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8427/06.jpg
الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
[سورة البروج: 12]
وما أكثر العبر وما أقل المعتبرين، إنسان فجأة يكون في قمة الهرم في بلد يصبح ملاحقاً ولا تقبله دولة، ساعات: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
[سورة البروج: 12]
إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *
من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ الذي يدخل الله في حساباته.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثانى و الثلاثون )


الموضوع : الحديث الشريف ( ما رأيت مثل الجنة ، نام طالبها .... ).





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. النذير :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس الأمثال في الكتاب والسنة، والحديث الشريف الذي هو موضوع هذا الدرس قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا ))
[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/01.jpg
أي لو استعرضت حياة الناس، مشغول بدخله، مشغول بطعامه بشرابه، برزقه، بأولاده، مشغول بالدنيا، مشغول بتجارته، وعمره يزداد، لذلك الآية الكريمة: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
[ سورة فاطر: 37 ]
جاءكم، الآية تقول : ﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
أين النذير؟ جاء وانتهى، قرآن كريم، كلام خالق الأرض والسماء، العلماء قالوا: ﴿ النَّذِيرُ ﴾
سن الأربعين، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، أنت حينما تسافر إلى مكان ما لعشرة أيام، عندك في اليوم الثامن والتاسع والعاشر حركة أخرى بالوقت الأخير من الرحلة، قطع بطاقة العودة، شراء الهدايا، وما شاكل ذلك، الإنسان إذا بلغ الأربعين، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، فلذلك كل إنسان بلغ الأربعين جاءه النذير، أربعون سنة، أربعون صيفاً، أربعون شتاء، أربعون ربيعاً، أربعون خريفاً، أكل، وشرب، وتزوج، وأنجب. إلى متى وأنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
* * *
من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، وقالوا أيضاً سن الستين هو النذير، فإذا كان كلام النبي عليه الصلاة والسلام: معترك المنايا بين الستين والسبعين، فالذي وصل إلى الستين معنى ذلك أنه اقترب من الموت، أنت اسأل عن مات إنسان كم عمره؟ تسعة وخمسون، ثلاثة وستون، واحد وسبعون، اثنان وسبعون، تسعة وستون، هكذا أعمار الناس، معترك المنايا بين الستين والسبعين، فالذي دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة: ((من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار))
[أبو الفتح الأزدي عن ابن عباس]
فالأربعون نذير، والستين نذير، ورد في بعض الآثار القدسية: (( عبدي كبرت سنك، وانحنى ظهرك، وضعف بصرك، وشاب شعرك، فاستحِ مني فأنا أستحي منك ))
[ ورد في الأثر ]
التبدلات الصحية السلبية التي تصيب الإنسان دليل أن احذر يا عبدي :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/02.jpg
الآن التبدلات الصحية السلبية، كل إنسان بعد الخمسين يقول لك: معي التهاب مفاصل، عندي انزلاق غضروفي، ما من إنسان إلا وعنده مشكلة في صحته، والله عز وجل واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، واجب الوجود واضحة، هذا في علم العقيدة، أما ما سواه ممكن الوجود أي يمكن أن يوجد ويمكن ألا يوجد، يمكن أن يكون ويمكن ألا يكون، هناك معنى آخر: ممكن أن يكون على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون، أليس الله قادراً أن يجعل الإنسان يعيش مئة عام بالتمام والكمال كأنه شاب؟ شاءت حكمة الله أن يكون هناك مرض، وغنى، وفقر، كان ممكن ألا يكون هناك مرض، أي هذه الطاولة معدة لورقة وكأس، لو وقف عليها إنسان تحمله، اثنان تحملهم، أربعة تحملهم ، ستة، ثمانية، لو وقف ثمانية رجال على هذه الطاولة تحملهم جميعاً، معنى هذا هي مستخدمة لورقة وكأس ماء وعندها احتياط مليون ضعف، لو وزنت الورقة وكأس الماء ووزنت ثمانية رجال، معنى هذا أن عندها احتياطاً مليون ضعف، لو كان بكل عضو من أعضاء الإنسان احتياط مليون ضعف لما كان هناك مرض أبداً، يلغى المرض، لكن شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان سريع العطب، أحياناً خثرة بالدماغ تلغي حركته، خثرة بالدماغ أخرى تلغي ذاكرته.
الله عز وجل حرك الرزق والصحة رحمة بالإنسان :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/03.jpg
الله عز وجل شاءت حكمته أن يكون هناك مرض، ورزق، الله عز وجل ثبت مليون قانون، هل يستطيع إنسان أن يتوقع أن غداً لا يوجد شمس؟ مستحيل، ممكن تعرف بعد ألف عام -عام ثلاثة آلاف وعشرة، ثلاثة آلاف وأحد عشر- أن يوم الخميس التاسع من شباط الشمس تشرق الساعة الخامسة والثلاثة والعشرين دقيقة، نظام ثابت، هناك مليون مليون قانون ثابت، الله ثبت كل القوانين، تبني بناء مؤلفاً من مئة طابق من الحديد، الحديد خصائصه ثابتة لو بدل خصائصه يقع البناء، تشتري كيلو من الذهب لو بدّل خصائصه صار معدناً خسيساً خسرت مئة ألف، خسرت مئة وثلاثين ألفاً، الذهب ذهب، الفضة فضة، الحديد حديد، الله ثبت خصائص الأشياء، خصائص المعادن، خصائص البذور، ثبت قوانين الدوران، القوانين الفيزيائية كلها ثابتة، فهناك مليون قانون كله ثابت، لكن حرك قانون الرزق والصحة، لأن الله عز وجل أراد أن يؤدب عباده بهاتين الحاجتين الأساسيتين، ما من إنسان إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على حياته، وعلى صحته، وعلى رزقه، الله عز وجل ثبت مليار قانون كي تنتظم الحياة انتظاماً رائعاً، وحرك قانون الصحة والرزق، لتكون الصحة والرزق أداتين لتأديب البشر، لذلك قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 21]
كل هذه الشدائد من أجل أن نرجع إلى الله عز وجل. الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :
لذلك من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يعجب، قال:
(( مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا ))
[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/04.jpg
أي الإنسان بوعيه سيعيش أياماً محدودة، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، بل إن الله عز وجل يقول: ﴿و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
[ سورة العصر: 1-2 ]
خاسر أيها الإنسان، هذا كلام الله، جواب القسم: أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، قال تعالى: ﴿ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا ﴾
خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه، لذلك أنا أتمنى أن نعد أعمارنا عداً تنازلياً لا عداً تصاعدياً، كيف نعد أعمارنا عداً تنازلياً؟ اركب الآن سيارة واذهب إلى حمص، اقرأ اللوحات، حمص مئة وستون، بعد ذلك: حمص مئة وعشرون، بعد ذلك مئة، ثمانون، ستون، أربعون، عشرون، عشرة، خمسة، حمص ترحب بكم، ما اسم هذا العد؟ تنازلي، تصاعدي كم قطعت؟ عشرين، أربعين، ستين، ثمانين، مئة، مئة وعشرين، مئة وستين، الأولى أن نعد أعمارنا عداً تنازلي، لا تقل: كم بلغت من العمر؟ قل: كم بقي لي؟ بعد ذلك شيء واضح جداً، معترك المنايا بين الستين والسبعين، الذي وصل إلى الستين قرب، والذي بلغ السبعين، اقترب من الموت أكثر، هذه حقيقة، كل مخلوق يموت، و لا يبقى إلا ذو العزة و الجبروت: و الليل مهما طال فلا بد من طلوع من الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبــر
***
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يومـاً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـور جنــازة فاعلم بأنك بعدهــا محمول
***
العاقل من أعدّ للساعة التي لابدّ منها :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/05.jpg
والله مرة لا أنسى أحد الأخوة توفاه الله شيعناه إلى القبر، فتح النعش، وحملت الجثة، ووضع في القبر، كشف عن وجهه، وضعت البلاطة، أهيل التراب عليه، أنا أعرف بيته عنده أذواق تفوق حدّ الخيال، أعرف بيته، عمله، دخله، الزينة في بيته مذهلة، قلت: سبحان الله! هذا المصير، والله جاءتني ومضة ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لابدّ منها.
هناك عالم جليل أنا أظنه من العلماء الصالحين الورعين، اشترى قبراً بالدحداح، يقول لي أحد تلاميذه الكرام، كان تلميذه الأول: كل خميس كان الشيخ يزور قبره، مكتوب على الشاهدة اسمه، لكن مكان التاريخ فارغ، تقريباً سنوات طويلة كل خميس يزور قبره، هنا المصير.
والله يا أخوان أنا العبد الفقير تبعت جنائز لا أعرفها، لا أعرف من هو المتوفي، لكن حينما يفتح النعش، ويحمل الميت، ويوضع في القبر، نحن جميعاً سوف يفعل بنا هكذا، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
الموت لا ينكره أحد لكن لا نعيشه أبداً :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/06.jpg
سأقول لكم كلاماً فيه شيء من الواقعية، الموت لا ينكره أحد، لكن لا نعيشه أبداً، متى الإنسان يعيش الموت؟ لا سمح الله ولا قدر إذا جاءته أزمة قلبية، قال لي إنسان: أنا أعيش مثل الناس، جاءته أزمة قلبية أخذوه إلى المستشفى، يقول لي: أنا لست مستقيماً، لا أصلي، أثناء الأزمة قلت: يا رب سوف أقابلك بلا ثياب، اسمح لي بأسبوع فقط لأتوب، والله مدّ بحياته وتاب، لكن الموت لا نعيشه، أنا لي تجربة لا أنساها، كنت مسافراً إلى أستراليا، فتحت الانترنيت على الحرارة كلكم يعلم أن أستراليا في القسم الجنوبي للأرض، الفصول هناك عكس الشمال، أنا كنت في الصيف، الحرارة خمسة وأربعون، وكدنا نخرج من جلودنا من الحر، بالانترنيت مكتوب أن الحرارة اثنان في الليل وستة في النهار، أنا أعيش في درجة حرارة تقدر بخمسة وأربعين، وكأن الحر أثر عليّ فأخذت ثياباً خفيفة جداً، جميع ملابسي كانت صيفية، وصلت إلى سيدني عندي درس في الجامع صباح أول يوم وصولي، يمكن لم أشعر بالبرد بحياتي كهذا اليوم، ألبس عباءة خفيفة والناس يلبسون فروة، هذه قصة لا أنساها، بين أن يكون البرد كفكرة و بين أن تعيش الحر كواقع، كل الناس الموت فكرة عندهم، سوف نموت، الله يرحمنا، الله يتوب علينا، هكذا كل الناس، لكن عندما يصاب بمرض قريب من الموت، ينسى حليب أمه.
الدنيا دار عمل وابتلاء والآخرة دار جزاء وإكرام :
إنسان اشترى بيتاً في الشام لكنه تعب به تعباً غير معقول، زينه تزييناً مذهلاً، وكلفه ملايين، بعد أن انتهى البيت جاءته أزمة قلبية، فزاره صديق لي، قال له بالضبط: ابنة الحرام غداً عندما أموت تتزوج، يأتي إنسان آخر إلى البيت، هل هذه قليلة؟ تتعب بلا جدوى، والله هناك قصص أعرفها صعب أن تصدق، بعدما كسا البيت لمدة سنتين ونصف، و البيت في الطابق الثاني عشر، بشارع ركن الدين، مطل على الشام، بعدما اعتنى به عناية تفوق حدّ الخيال، كل شيء بأعلى درجة، حتى أحضر رخاماً اسمه أونكس، تحته وضع إضاءة و كأن الأرض مشتعلة، هذا رخام شفاف و هو غالي الثمن، بعدما انتهى بأيام وافته المنية.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8428/07.jpg
أحد أخواننا عمّر بيتاً في المصيف، أراني إياه المتعهد و هو أحد أصدقائي، بيت غير معقول، صاحبه يملك ذوقاً بشكل غير معقول إطلاقاً، فكان الخميس سيسكنه، لم يأت الخميس أخبرهم المتعهد السبت أن البيت انتهى، فقالوا له: إنه قد مات، يوم انتهى البيت وافته المنية، أنا أقول لك: اعمل، وادرس، وتزوج، واشتري بيتاً، لا يوجد مانع، لكن أدخل الآخرة بحساباتك، أدخل الإله العظيم بحساباتك، أدخل الموت بحساباتك، هذا الذكاء يا أخوان، تعلمنا في الجامعة أن الذكاء هو التكييف، الذكاء تعريف جامع مانع، فما هو الذكاء؟ أن تتكيف مع حدث الموت، التكيف معه بطلب العلم، التكيف معه بالاستقامة، التكيف معه بالتوبة، التكيف معه بإنفاق المال، قال: من أنفق ماله أمامه سره اللحاق به، أعرف رجلاً صالحاً جداً إذا جاءه إنسان يطلب منه مبلغاً كمساعدة - لكن لا أحد يفعلها- يعطيه مفتاح الصندوق ويقول له: خذ ما شئت ولا تعلمني، إنفاقه كبير، بلغوه أن الموت بعد يومين، معه مشكلة، جاءته المكالمة بالخطأ، أول يوم استقبل أهله وأصهاره وأولاده وودعهم، في اليوم الثاني حلّ مشكلاته التجارية كلها، في اليوم الثالث انتظر وفاته وكان مرتاحاً جداً.
الآن أخواننا البطولة أن تستعد لهذا الحديث الخطير، حدث الموت، الموت عرس المؤمن، الموت تحفة المؤمن، أجمل درس إنسان درس ووصل إلى مرحلة السفر، والسهر، والعمل بالمطاعم، والحراسة، حتى نال الدكتوراه، الآن مرحلة التكريم، الدنيا دار عمل، دار ابتلاء، والآخرة دار جزاء، دار إكرام.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الثالث و الثلاثون )


الموضوع : الحديث الشريف ( ما لي وللدنيا ! .... ).



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الإكرام الحقيقي للإنسان أن يسمح الله له أن يعرفه ويطيعه ويعينه على العمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس الأمثال في الكتاب والسنة، والمثل اليوم ورد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
[أحمد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/01.jpg
أي شيء زائل، شيء سيمضي، الدنيا بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، كل شيء ينتهي بالموت، أي عطاء ينتهي بالموت لا يعد عطاءً، المشكلة أن الإنسان يتوهم أن إكرام الله للعبد أن يعطيه مالاً وفيراً، أو صحة جيدة، لكن الحقيقة أن هذا نوع من الإكرام، لكن الإكرام الحقيقي أن يسمح له أن يعرفه، أن يسمح له أن يطيعه، أن يعينه على العمل الصالح، أن يعينه أن يتحرك وفق ما خلق له، طالب بالمدرسة ممكن أن يختار مقعداً إلى جانب النافذة كي يمتع نظره بالذاهب والآيب، بالسيارات، ممكن أن يتخذ مقعداً فيه وسائل مريحة، ممكن أن يكون معه أشياء يأكلها، وشراب يشربه، لكن كل هذه الأعمال في قاعة الدرس لا تتناسب مع الطالب، يتناسب مع الطالب أن يصغي إلى المعلم، وأن يتابعه، وأن يدرس ويقدم امتحاناً، وأن ينجح وينال شهادة، عندئذ يتعين مثلاً بوظيفة مرموقة، أو يمارس مهنة راقية، يأتيه دخل كبير يشتري بيتاً، الآن يتمتع بالحياة، بمنطق الدنيا له مقعد وثير في البيت، له ساعات فراغ يمضيها مع أولاده، يذهب نزهة بمركبته، هذا كله بعدما درس، وتعب، وأسس عملاً، وجاءه دخل من هذا العمل، فلذلك الإنسان مخلوق للجنة، في أصل خلق الإنسان للجنة، خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، الآن دققوا في هذه الآية: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[ سورة الليل: 1-4 ]
الناس رجلان لا ثالث لهما :
دقق الآن:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل: 5-6]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/02.jpg
سأبدأ بترتيب عكسي، صدق بالحسنى أي آمن أنه مخلوق للجنة، والدليل قوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
[ سورة يونس: 26 ]
صدق أنه مخلوق للجنة، بناءً على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبناءً على هذا التصديق تقرب إلى الله، وابتغى دخول الجنة بالعمل الصالح، ثلاث كلمات، صدق بالحسنى، اتقى أن يعصيه، عمل عملاً صالحاً، هذا قسم: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل: 8-9 ]
كذب بالجنة، آمن بالدنيا، لذلك استغنى عن طاعة الله وبعد الاستغناء ماذا فعل؟ كذب بالحسنى بنى حياته على الأخذ، المؤمن يعطي، من آمن بالآخرة يعطي، ومن آمن بالدنيا يبني حياته على الأخذ، ومن آمن بالآخرة يبني حياته على العطاء: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل: 5-6]
التقسيمات الأرضية ما أنزل الله بها من سلطان ولا اعتمدها القرآن الكريم :
صدق ولا أبالغ هذه الآية الدقيقة قسمت البشرية كلها إلى حقلين، هناك تقسيمات أرضية لا تعد ولا تحصى، يقول لك: دول الشمال ودول الجنوب، الأغنياء والفقراء، أبناء الريف وأبناء المدن، الدول الصناعية، الدول الزراعية، الدول النامية، الشعوب الإفريقية، الإنكلو سكسونية، العرق الأري، العرق السامي، تقسيمات لا تعد ولا تحصى، اللون الأبيض، الملونون، اللون الأصفر، تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان ولا اعتمدها القرآن الكريم، القرآن الكريم قسم البشر إلى صنفين، هذان الصنفان، أعطى كل صنف ثلاث خصائص، أعطى واتقى وصدق بالحسنى، صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، يعطي من وقته، من ماله، من علمه، من خبرته، الثاني كذب بالحسنى، لم يؤمن بالآخرة، آمن بالدنيا فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-9 ]
الموت مصير كل إنسان :
أيها الأخوة الكرام:
((عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
[أحمد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/03.jpg
أخواننا الكرام، لعل موضوع الموت من أدق الموضوعات التي تتصل بهذا الحديث: ((...ٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
[أحمد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]
الموت ماذا يفعل بالإنسان؟ يكون مالك ملايين مملينة يدعها ويوضع بالقبر، أمواله المنقولة، وغير المنقولة، شركاته، أسهمه، الكتلة النقدية التي بين يديه، العملات الأجنبية التي في حساباته، كل هذه الأموال المنقولة، وغير المنقولة، والبيوت، والقصور، والمركبات، هذه كلها مرتبطة بدقات القلب، تملك مئة مليون، مئتا مليون، مربوطة بدقات القلب، توقف القلب لم يعد معك شيء، ما هذه الدنيا؟ الذي حصلته في سبعين عاماً تخسره في ثانية واحدة، لذلك ورد أن روح الميت ترفرف فوق النعش، هذا إذا كان منحرفاً، تائهاً، شارداً، تقول : يا أهلي! يا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، وأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ، ما من بيت إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله، وانقطع رزقه، ألقى عليه غم الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويلها، يقول ملك الموت: ممَّ الفزع؟ وممَّ الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، وإنّ لي فيكم لعودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحداً، فو الذي نفس محمد بيده، لو يرون مكانه، ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم. خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
أخوانا الكرام، نصيحة من الواحد الديان:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
[سورة آل عمران : 185]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/04.jpg
غني، فقير، قوي، ملك، لا بد من ساعة تعرف الحقيقة، هذه الساعة قبيل الموت: ﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[ سورة ق: 22 ]
أكفر كفار الأرض فرعون، الذي قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النازعات: 24]
والذي قال : ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
[ سورة القصص: 38 ]
فرعون عندما أدركه الموت قال : ﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
[ سورة يونس: 90 ]
لكن متى؟ بعد فوات الأوان، هذا الكلام له معنى دقيق، المعنى الدقيق أنك مخير من خلال مليون موضوع، خيار قبول أو رفض، عرضوا عليك وظيفة، دخلها قليل و دوامها طويل فرفضتها، أنت مخير، عرضوا عليك سفراً، السفر طويل والأجر قليل رفضته، عرضوا عليك زواجاً، سنها أكبر من سنك رفضتها، أنت حيال مليار موضوع تملك خيار القبول والرفض، إلا مع موضوع الإيمان تملك خيار وقت فقط، اختلف الوضع، مع الإيمان لا يوجد خيار رفض، لأن أكفر كفار الأرض حينما أدركه الموت قال: ﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
[ سورة يونس: 90 ]
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[ سورة ق: 22 ]
الكفار جميعاً قبيل موتهم تكشف لهم الحقائق التي جاء بها الأنبياء. الدنيا ساعة على الإنسان أن يجعلها طاعة :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/05.jpg
لذلك أيها الأخوة، خيارك مع الإيمان إما أن تؤمن في الوقت المناسب فتنتفع بإيمانك، أو أن تؤمن بعد فوات الأوان وعندئذ لا تنتفع بإيمانك:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾
[ سورة إبراهيم: 22 ]
((عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
[أحمد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]
ساعة اجعلها طاعة. كل عطاء ينتهي بالموت ليس عطاءً :
أخواننا الكرام، كل عطاء ينتهي بالموت ليس عطاءً، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
[ الترمذي، ابن ماجه عن سهل بن سعد]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8429/06.jpg
السبب أنت مخلوق لجنة الأبد، ما الأبد؟ مليار سنة؟ أكثر، ألف مليار؟ أكثر، ألف ألف مليار؟ أكثر، مليار مليار مليار مليار؟ أكثر، لو قلت مليار إلى يوم القيامة، أكبر رقم تتصوره لو وضع صورة والمخرج لا نهاية قيمته صفر، وكنت أضرب هذا المثل للتوضيح، واحد بأول الطاولة وأصفار كل ميليمتر صفر، أي واحد أمامه خمسين صفراً مثلاً، أول ثلاثة ألف، الثلاثة الثانية مليون، الثلاثة الثالثة ألف مليون، الثلاثة الرابعة مليون مليون، من هنا لآخر الطاولة، لآخر الحائط، من هنا إلى حلب، من هنا إلى موسكو، من الأرض للقمر، من الأرض للشمس، تصور واحداً أمامه مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً، كل ميليمتر صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، الدنيا صفر، يكون معك مئة مليون تكون مثل بيل غيت، يملك ثمانية وتسعين مليار دولار، تكون مثل قارون آتاه من الكنوز ما إن مفاتيح لتنوء بالعصبة أولي القوة، والله دخلت إلى قصر في باريس، أي أطول حكم حكمه ملك في باريس، هذا القصر لو أردت أن تزوره ملياً تحتاج إلى أسبوع، شيء مثل الخيال، الغرف بالمئات، كبار الرسامين كل حائط رسمة تكاد تنطق، رسم كلاسيكي من أعلى مستوى، والألوان كأن الرسام انتهى البارحة وهي منذ ثلاثمئة سنة، السقف رسمة، وكل جدار رسمة، والغرف بالمئات، الأثاث والغرف والقصر معتنى به عناية بالغة، هناك صيانة مستمرة، أمضيت نصف يوم في هذا القصر، قلت: أنا أعتقد أنه لا يوجد على وجه الأرض في تصوري إنسان استمتع بالحياة كهذا الملك، حكم فرنسا خمسين عاماً، وكان قصره حجمه بحجم باريس، مدينة باريس العاصمة حجمها يساوي حجم قصره، ي مئات الدونمات، أراض خضراء، غابات، حتى كل حاجاته من الطعام والشراب من حول قصره، كل المواد الأساسية من عنده، والقصر مئات الغرف، رأينا قصراً غير معقول، قيل لي: هذا من أجل الجياد فقط، وقصر للملك، وقصر للملكة، والبحيرات، والتماثيل، والرسوم، شيء كالخيال تماماً، أنا بعدما انتهيت من زيارة القصر قلت لهم: مات بعد ذلك، قال: مات، قلت لهم: مثلنا، هذا الحديث: ((... يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
[أحمد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]
إذاً الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
08-11-2018, 08:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

امثال من القران الكريم


الدرس : ( الرابع و الثلاثون )


الموضوع : الحديث الشريف ( ورد عن لسان سيدنا عيسى عليه السلام طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر ....)





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. تنافس أهل الدنيا تنافس أحمق :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس الأمثال في الكتاب والسنة، من هذه الأمثال ما ورد على لسان سيدنا عيسى عليه السلام، قال: (طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، حتى يقتله).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/01.jpg
البوصيري -رحمه الله تعالى- بقصيدة مشهورة يقول:
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النهم
***
كلما تفوقت بها طمحت إلى تفوق أكبر، في النهاية تتنافس مع أهل الدنيا تنافساً أنا أسميه أحمقاً، كيف؟ تصور سباق سيارات، لطريق طوله خمسة كيلو مترات، هذا الطريق ينتهي بحافة عمقها مئة متر، فأول سيارة وصلت سقطت، والثانية سقطت، والثالثة سقطت، والكل سقط، هذا الموت، تصير غنياً تموت، انتهى المال، تكون بمنصب رفيع تموت، انتهى المال، تكون سعيداً في بيتك تموت، انتهى المال، أحياناً إنسان يتزوج وقد يوفق بزواجه توفيقاً كبيراً، يحب زوجته- وهذه نعمة طبعاً- لكن يعلم علم اليقين أنه لا بد من أن تتركها بالموت، أو لا بد أن تتركه بالموت، إنسان مرة قالت له زوجته: أخاف أن أترمل من بعدك، قال لها: إن شاء الله أنا ولا أنت.
بطولة الإنسان أن تأتي موازينه وفق موازين القرآن الكريم :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/02.jpg
كل شيء سوف تغادره، والله مرة في بلد عربي دعيت لإلقاء كلمة في حي فقير جداً، أفقر حيّ بالمدينة، سبحان الله! ألهمني الله كلاماً أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي فقير، فهش له وبش، استقبله استقبالاً بمنتهى الحفاوة، فخجل هذا الصحابي، فلما خجل، قال له النبي: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال له: أنا؟ قال له: أنت، قال له: أو مثلي؟ قال له: نعم يا أخي، أنت خامل في الأرض علم في السماء.
في هذا الجامع المتواضع شاب جالس بينكم فرضاً، شاب في أول حياته لكنه يحب الله، مستقيم، يؤدي الصلوات بإتقان، يذكر الله عز وجل، بار بوالديه، يخدم من حوله، يغض بصره عن محارم الله، إن الله يباهي الملائكة بهذا الشاب، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، عند الناس الشاب لا يزال طالباً، و هناك أشخاص عظماء كبراء، مدراء شركات، أعيان، نواب، علية القوم، هذا الشاب من دهماء الناس، بالتعبير المعاصر من سوقتهم، لكنه عند الله كبيراً، فلذلك اعتقد يقيناً أن مقاييس أهل الأرض لم يعتمدها القرآن أبداً، كُنْ ابن من شئت، غني فقير، وسيم غير وسيم، متعلم غير متعلم، هذه مقاييس أهل الأرض، لكن مقاييس السماء أن تكون مستقيماً، أن تكون مؤمناً، أن تكون صادقاً، أن تكون أميناً، أن تكون محسناً، لذلك دائماً بطولتك أن تأتي موازينك وفق موازين القرآن الكريم، لا أن تأتي موازينك بخلاف القرآن الكريم.
المؤمن في الدنيا آمن مطمئن :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/03.jpg
لذلك طالب الدنيا دقق ماذا قال النبي الكريم:
(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه...))
[ أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن المحصن ]
أنت إنسان لك بيت، لك زوجة، لك أولاد، لا يوجد بحقك مذكرة بحث، غير ملاحق قانونياً، تذهب من بيتك مرتاحاً، تأتي إلى البيت مرتاحاً، لو طرق الباب الساعة الواحدة في الليل لا تقول: جاؤوا يأخذوني، مطمئن، قد يكون بالخطأ أحدهم طرق الباب، عندك راحة نفسية، مع أنك إنسان عادي، لكن مطمئن، يأتي إنسان مرتكب غلطاً، والغلط لم يرفع إلى الجهات المسؤولة، لكن أي إنسان يطرق بابه في الليل يقول: جاؤوا ليأخذوني، يعيش بخوف شديد، لذلك المؤمن في الدنيا مطمئن لأن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
[ سورة فصلت الآيات : 30-32]
الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له :
أيها الأخوة، هناك كلمات نقرؤها كثيراً، لكن معناها دقيق جداً، أنت الآن هذه اللحظة الحاضرة، هناك ماض و هناك مستقبل،
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
في المستقبل، ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
على الماضي، هاتان الكلمتان غطوا الماضي مهما امتد والمستقبل مهما امتد، أنت بحفظ الله، لذلك قال تعالى على لسان المؤمنين الصادقين: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة: 51 ]
لنا لم يقل علينا، ﴿ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
والله هناك حديثان أيها الأخوة أنا أعتقد أن الإنسان إذا دقق وآمن يجد أن النبي الكريم لا ينطق عن الهوى، يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص: ثلاثة أنا فيهن رجل- أي بطل - وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاةً وشغلت نفسي حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة بغير ما تقول حتى أنصرف منها، الثالثة: وما سمعت حديثاً من رسول الله حتى علمت أنه حق من الله تعالى.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/04.jpg
والنبي الكريم يقول: الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له، لأن الإنسان يصعد في الدنيا، ينمي دخله، يغير بيته، يشتري سيارة ثم لا تعجبه سيارته يبدلها بأعلى، بعد ذلك يشتري بيتاً بالمصيف، ثم يعمل أرصدة بغير بلاد كاحتياط، بعد ذلك يأتي ملك الموت ينزل إلى تحت، قصة رمزية: إنسان لا يجد ما يأكله من شدة فقره، فقرر أن ينتحر، جاءه ملك الموت على شكل شخص قال له: أنا ملك الموت لا تنتحر، سوف أعلمك طريقة تعيش ببحبوحة كبيرة، قال له: كيف؟ قال له: اعمل كطبيب، وعندما تزور المريض إذا وجدتني أقف جانب رأسه معنى هذا أنه سوف يموت، اهرب، قل: هذا ليس اختصاصي، لا أعرف، وإن وجدتني أقف نحو قدميه معنى هذا أنه سيعيش، الدواء ليس له علاقة، صف له ماء مقطراً، تألق، وصار دخله فلكياً، جاءه مال كبير، ابنة الملك مرضت وهو يحبها كثيراً، الملك قال: أي طبيب يعالجها وتشفى على يده سأزوجه إياها، وسأجعله ولي العهد، طار عقله، طبعاً صار طبيباً مشهوراً ذهب فوجد ملك الموت يقف عند قدميها، صار ولي العهد، ويوم تنصيبه كولي للعهد وزوج الملكة جاء ملك الموت، قال له: الآن؟ قال له: الآن، قال: والله لو مت قبل هذا لكان أهون لي.
تجده يأخذ بيتاً بأرقى حي، بمئتي مليون، ثلاث سيارات، بيت بالمصيف، بيت على الساحل، يصاب بأزمة قلبية، بعد ذلك عظّم الله أجركم، يأتي ملك الموت فينهي كل شيء، لا يأخذ معه شيئاً، حتى الكفن أرخص أنواع الأقمشة، خام أسمر، وضعوه في القبر، ترك بيتاً مساحته أربعمئة متر، ترك أموالاً طائلة، ترك بيتاً على البحر، سيارات، أمكنة، سفر، رحلات، مكتب تجارة، استيراد، كله تركه، فكل دنياك مربوطة بدقات قلبك، وهناك شيء ثان: ومربوطة بسيولة دمك، ما دام الدم سائلاً لابأس، تجمدت نقطة من الدم بالدماغ شلل، شيء مخيف، حجمك الإداري أو المالي أو الاجتماعي مربوط بسيولة الدم، هناك ملك توفي من فترة بخثرة بالدماغ، صار مشلولاً على العكاز، عشر سنوات انتهى كملك بقي اسماً فقط، كل إنجازاتك، وكل هيمنتك، وكل قوتك، وكل سلطانك، مبني على سيولة دمك. بطولة الإنسان أن يعمل لآخرته لأن الآخرة أبدية :
فيا أيها الأخوة، الآخرة العمل لها بين أيديكم، أبواب الآخرة مفتحة لكم جميعاً، الآخرة تحتاج إلى توبة واستقامة، الله عز وجل إذا كنت مؤمناً هل منعك أن تتزوج؟ لا، لا يوجد حرمان لكن هناك تنظيماً، قال لك: غض بصرك عن النساء وتزوج، اترك الدخل الحرام وخذ الدخل الحلال، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أما الدنيا فما لها نهاية، تأخذ بيتاً هناك أكبر، تربح ثمانية ملايين، هناك إنسان ربح عشرة ملايين، إنسان قال لآخر أربح كل يوم مليون ليرة، أنت بهذا المليون عندما تريد أن تأكل ماذا تأكل صباحاً؟ قطعة جبن وكأس شاي، الظهر: صحن من الطبيخ أو لحمة، تجد الدنيا لها سقف منخفض جداً، أغنى الأغنياء وأفقر الفقراء يأكل صحن فول يوم الجمعة، طعمته واحدة للغني والفقير، الزواج واحد، المرأة واحدة، البيوت، بيت دافئ فيه تكييف، التفاوت بسيط جداً، أما في الآخرة المراتب عالية جداً، إنسان بأعلى عليين، بالفردوس الأعلى، و إنسان وراء الباب، وإنسان في جهنم، البطولة أن يعمل الإنسان لآخرته، والآخرة أبدية، طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً حتى يقتله العطش، سبحان الله! تجد الإنسان عند النضج يأتيه ملك الموت، وهكذا.
السعادة و اللذة :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/05.jpg
هناك كلمة لطيفة أن نحن عندنا سعادة وعندنا لذة، الفرق بينهما كبير، اللذائذ حسية، تأتي من طعام طيب، تأتي من منظر جميل، من بيت على البحر، من جبال خضراء، من مكانة اجتماعية كبيرة، إنسان يفتح لك الباب والثاني يرحب بك، إذا إنسان له منصب رفيع، و هناك عشرة رجال يخدمونه دائماً، وكلمته مسموعة، والكل يؤيده من دون مناقشة إطلاقاً، الدنيا هكذا لكن لا تدوم، هناك موت، إذا أردت أن تخيف إنساناً من أهل الدنيا ذكره بالموت، ينخلع قلبه، الموت يعني قبر، الموت يعني ما في هذا البيت، ما في هذه المركبة، ما في هذه المكانة، لا يوجد هذا الطعام، لا توجد هذه اللذائذ، كله ينتهي، أنا أقول بالمنطق: إذا كانت هذه الدنيا تستمر إلى أبد الآبدين فلابأس، لكن لا تستمر، هل يستطيع إنسان من الحاضرين وأنا معكم أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق دائماً؟ هناك يوم أنا أسميه بوابة خروج، بالمطارات هناك بوابات خروج، ونحن كل واحد منا له بوابة خاصة، هناك خروج من الدنيا بمرض في القلب، هناك خروج بحادث سير، هناك خروج بمرض عصبي، هذه بوابة، هذا مرض الموت بوابة الخروج، لا يوجد إنسان إلا عنده بوابة خروج، يخرج منها، مرة قالت لي إنسانة تريد أن تجري عملية أن الطبيب قال لها: هذه العملية نجاحها يقدر بثمانين بالمئة، قالت له: كيف يا أخي؟ قال: إذا كان هناك مئة إنسان يريد أن يجري هذه العملية يموت منهم عشرون، والباقي يعيشون، قالت له: لا، أريد مئة بالمئة، قال لها: كيف تموتين إذا بالمئة مئة؟
الموت بيد الله عز وجل وليس له علاقة بالمرض إطلاقاً :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/8430/06.jpg
أحياناً يموت الإنسان بعملية في اللوزات، و يشفى بعملية للسرطان، الموت ليس له علاقة بالمرض، هناك قصص لا تنتهي حول هذا، طبيب بالقاهرة قال لأحد أخوانه -كان رئيسه بالمستشفى-: هذا المريض خلال ربع ساعة سيموت، وفِه وخذ إجازة، كان عيد الأضحى، وغداً الوقفة، سأل الطبيب الممرضة: هل مات؟ هو ينتظر يريد أن يذهب، قالت له: لا، قال لها: انظري ماذا صار معه؟ قالت له: لم يمت، أعطوه إبرة فشعر بتحسن بسيط، و نتيجة ذلك لم يمت، و لكن بعد سبعة أيام توفي، قال له: سيموت الآن.
أقسم بالله أخ له زوجة عم، قال لها الطبيب: خلال ساعات ستموتين، هيؤوا كل ما يلزم، عاشت بعد هذه الكلمة اثنين وأربعين سنة، والنصيحة لا أحد ينتظر أحد، إياك أن تنتظر إنساناً يموت، تموت أنت قبله، فلذلك الموت بيد الله عز وجل وليس له علاقة بالمرض إطلاقاً، الذي عند الله ليس عند العبد يا أخوان، لذلك: طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً حتى يقتله.



والحمد لله رب العالمين







الختام

آفراح
08-11-2018, 12:48 PM
جوزيت كل وبورك فيك للجهد القيم والامثلة من القرآن الكريم
تحية

منال نور الهدى
08-16-2018, 08:17 PM
جزاك الله خير جزاء وأسعدك الله ورعاك ووفقك للخير
في أمان الله وحفظه

السعيد
08-21-2018, 07:54 AM
تسلمين اختى منال وجزاك الله كل خير