المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقيدة و الاعجاز


السعيد
07-21-2018, 04:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( 00 )


الموضوع : التمهيد




تمهيد
لماذا خلقنا؟
ما هي وسائل التعرف إلى الله؟
هل العقل يحيط بكل شيء أم أنه محدود؟
ما هي طبيعة الفطرة الإنسانية؟
كيف نجعل الشهوات وسيلتنا للارتقاء في نظر الإله؟
كيف تكون المصائب رحمة؟
ما الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة؟
هل الإنسان مخير أم مسير؟
كيف يمكننا إدارة الوقت بشكل حضاري؟
متى يضعف إيمان المرء ومتى يقوى؟
أسئلة كثيرة ومهمة يسألها كل إنسان، ومجموعة محاضرات العقيدة والإعجاز المميزة والتي ألقاها الدكتور محمد راتب النابلسي تجيب عنها وعن الكثير غيرها في كتاب من 1200 صفحة.
هذا الكتاب يتصل بالجانب المعرفي من العبادة، ويلقي الضوء على العقيدة الإسلامية من زاوية جديدة.
لقد حبى الله الإنسان دونا عن جميع المخلوقات بالعقل، والإنسان دونا عن جميع المخلوقات قبل حمل الأمانة التي أشفق من حملها السموات والأرض والجبال، ومن أجل ذلك كلف الإنسان من قبل الإله بالعبادة وعمارة الأرض.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/04.jpg
إلا أن لهذا التكليف مقومات وأدوات، يقع في مقدمة هذه المقومات الكون الذي سخره الله للإنسان تسخير تعريف وتكريم والذي لا يختلف على وجوده إثنان.
الكون بسماواته وأرضه، بكل ما فيه مظهر لوجود الله ووحدانيته، وكماله، ومظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا الكون هو الثابت الأول في العقيدة، ولو تاه الناس، لو شرد الناس، لو اختلف الناس، لو تمزق الناس، لو تراشقوا تهم التكفير، فهناك شيء ثابت، أن هذا الكون يدل على الله.
ثم يأتي العقل، والإنسانُ العاقلُ يعيش حياةً هادئةً، حياةً فيها سلامةٌ، فيها سعادةٌ، لأنه أخذ ما له، وتركَ ما ليس له، تحرّكَ بحجمِه، بنَى علاقاتِه بوضوحٍ، فأحبّه الناسُ، وكسبَ مالاً حلالاً، وأسّس أسرةً، وربّى أولاده، استعملَ عقلَه في الآخرةِ فكسبَها، واستعملَ عقلَه في الدنيا فربحَها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/04.jpg
إلا أن العقلَ وحْده لا يعدّ مرجعاً لأمورِ الدِّينِ، فكما أنّ العينَ لا يمكنُ أنْ ترى إلاّ بضوءٍ، فالضوءُ يسمحُ للعينِ أنْ ترى الأشياءَ، فكذلك العقلُ يحتاجُ إلى وحيِ السماءِ ليهتديَ إلى الحقيقةِ المطلقةِ .
ثم تأتي فطرة الإنسان كمقوم من مقومات تكليفه، فلقد أودعَ اللهُ في مداركِ الأفكارِ، وفي مشاعرِ الوجدانِ ما تُدرَكُ به فضائلُ الأخلاقِ ورذائلُها، وهذا ما يجعلُ الناسَ يشعرون بقبحِ العملِ القبيحِ، وينفرون منه، ويشعرون بحسنِ العملِ الحسَنِ، ويرتاحون إليه، وبذلك يمدحون فاعلَ الخيرِ، ويذمّون فاعلَ الشرِّ.
فالنفسُ الإنسانيّةُ منذ تكوينها وتسوِيَتِها أُلهِمَتْ في فطرتِها إدراكَ طريقِ فجورِها وطريقِ تقواها، وهذا هو الحسُّ الفطريُّ الذي تدرِكُ النفسُ به الخيرَ من الشرِّ.
إنّ الفطرةَ و العقلَ مَلَكَتَانِ للإدراكِ البشريِّ، وطريقانِ للمعرفةِ الإنسانيّةِ، يكمِّلُ كلٌّ منهما الآخرَ لمعرفةِ الحقِّ والباطلِ، وتمييزِ الخيرِ من الشرِّ، والحسَنِ من القبيحِ.
ولكنّ العقلَ لا يستطيعُ أن يُلزِمَ صاحبَه بالصوابِ، فكم من إنسانٍ يتمتّعُ بأعلى ثقافةٍ، ومع ذلك هو يدخِّنُ، فالمعلومةُ وحْدها لا تكفي، بل لا بد مِن إرادةٍ تدعِّم هذه المعلومةَ.
وأمّا الفطرةُ فقد تُطْمَسُ، وقد تُشَوَّهُ، وقد تمحقُها البيئةُ، ما الذي بقيَ ثابتاً في حياةِ المسلمين ؟ إنه الوحيُ، وحيُ السماءِ.
هذا الوحيُ هو الحقُّ الصّرفُ، وهو الميزانُ، و هو القيمةُ المطلقةُ، فالكتابُ والسنّةُ إن نعتصمْ بهما فلنْ نضلَّ أبداً.
أيضا ركب الله في كيان الإنسان شهوات إلا أن الشهواتُ حياديةٌ، وليست هي سببَ فسادِ العالَمِ، بل إنّ سوءَ استخدامِها هو سببُ فسادِ العالَمِ.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/03.jpg
بل أكثر من ذلك يمكن للإنسان أن يتقرب من الله عن طريق الشهوات، فإيّاك أن تتّهِمَ الشهواتِ، فلولاها لمَا ارتقيتَ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، ولولاها لمَا دخلتَ الجنّةَ.
ثم يأتي أهم وأخطر مقوم ألا وهو حرية الاختيار، فاللهُ سبحانه وتعالى أعطانا حريةَ الاختيارِ ليثمِّنَ عملَنا، وإلا لمَا كان للعملِ الصالحِ قيمةٌ، ولا للعملِ السيّئِ قيمةٌ، ولما حوسِبَ الإنسانُ على عملِه.
كل هذه المقومات من كون، وعقل، وفطرة، ومنهج، وشهوة، واختيار، كل هذا يتم على مسرح مكاني هو الأرض، وفي ظرف زماني هو العمر، فالعمر رأس مال الإنسان في حياته الدنيا، إذا أنفقه الإنسان في تزكية نفسه كان ثمناً لجنة ربه.
أخيرا هذا الكتاب المهم يطـرح موضوعاته الخطيرة بأسـلوب سـهل مبســط ، ويقـرب أفكـاره إلـى الأذهـان عـن طريـق الربـط بالواقـع وضـرب المثـل، ومما يزيد من أهمية هذه المجموعة من الدروس أنها تظهر في كل فصل من فصولها جانب من جوانب الإعجاز العلمي القرآني، فإذا أردت أن تجول جولة، وترجع، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، إن أردت أن تبتعد عن كل هذه الخلافيات في الأرض فحسبكم الكون معجزة، في كل شيء في الكون يدل على الله،
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : (الاول )


الموضوع : التمهيد - علة وجود الانسان - 1






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس العقيدة والإعجاز. الإنسان كائن متحرك:
1 – حركةُ الإنسان ناتجةٌ عن دوافع فيه:
بادئ ذي بدء، الإنسان كائن متحرك، هناك كائن سكوني، قطعة الخشب هذه سكونية، لكن الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه ؟ دوافع أودعها الله فيه، أودع فيه حاجة إلى الطعام، أودع فيه حاجة إلى الزوجة، أودع فيه حاجة إلى تأكيد الذات، هو كائن متحرك.
2 – حاجاتُ الإنسان الأساسيةُ ثلاثٌ:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/1.jpg
وقد أودع الله فيه حاجات أساسية ثلاثا، الأولى إلى الطعام و الشراب و الثانية إلى الزواج و الثالثة إلى تأكيد الذات، ولولا هذه الدوافع الثلاثة لما رأيت شيئاً على وجه الأرض، لأنك بحاجة ماسة إلى الطعام و الشراب، تعمل، وبالعمل تبني، هذا أنشأ مدرسة، أو مستشفى، أو رصف طريقاً، أو صنع خزانة، أو درس طبا، أو درس هندسة، لأن الإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب إذاً هو يعمل، وحينما يعمل يبني، لذلك الله جعل العمل ابتلاء لنا، نصدق أو لا نصدق، نتقن أو لا نتقن، نخلص أو لا نخلص.


3 – بين الجماد والنباتِ:
لكن بالمناسبة تعريف الجماد أنه شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، هذا الجماد.
أما النبات فشيء أيضاً يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، لكنه ينمو، هذا الفرق، بينما الحيوان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وينمو كالنبات ويتحرك، ويمشي الحيوان، أما الإنسان فشيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وينمو، ويتحرك، ويفكر.
إذاً أشرف شيء في الإنسان عقلُه، أودع الله فيه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية غذاؤها العلم، فما لم تطلب العلم، ما لم تبحث عن الحقيقة، ما لم تسع إلى الحقيقة، ما لم تؤمن فقدتَ قيمتك الإنسانية، أصبحت حياة الإنسان حيوانية، لذلك الإنسان من دون علم هو كالبهيمة، والدليل: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
[ سورة الجمعة ]
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
[ سورة الفرقان ]
بل كأنهم: ﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4)﴾
[ سورة المنافقون ]
أيها الإخوة: النقطة الدقيقة الأولى أن الإنسان كائن متحرك، أما يوجد كائنات جامدة سكونية لا تتحرك، ما الذي يحركنا ؟ الحاجة إلى الطعام، لذلك الله عز وجل لما أراد أن يثبت بشرية الأنبياء ماذا قال ؟ قال: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
[ سور الفرقان: من الآية 20 ]
أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام، إلى أن يعملوا في الأسواق، إذاً: هذا دليل بشريّتهم، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق.
غذاء العقل والقلب والجسم:
لذلك أيها الإخوة الكرام، الإنسان كائن فيه عقل يدرك، وفيه قلب يحب، وفيه جسم يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، وما لم تلبَّ الحاجات الثلاث، ما لم تطلب العلم، وما لم تطلب الحب مع الله عز وجل، وما لم تطلب حاجتك الأساسية من الغذاء والنوم والراحة فقد تطرفت.
تفادي التطرف في تلبية غذاء على حساب آخر:
ما الفرق بين التطرف والتفوق ؟ التفوق أن تلبيَّ كل الحاجات دفعة واحدة، أن تعمل على الخطوط الثلاثة تطلب العلم، وتنمي القلب، وتعتني بالجسم، بينما التطرف أن ينمو عقلك على حساب قلبك، أو ينمو قلبك على حساب عقلك، أو أن تنمو عضلاتك على حساب عقلك و قلبك، الفرق كبير بين التطرف و بين التفوق، وقد ذكرت لكم من قبل أن الإنسان ما لم يهتم بعلاقته بربه، وبعلاقته بأهله، وبعلاقته بعمله، وبعلاقته بصحته، فإن أي خلل في أحد هذه البنود الأربعة ينعكس على البنود الثلاثة.
متى تصح حركة الإنسان:
الآن الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة متى تصح ؟ الحركة قد تصح، وقد لا تصح، قد تكون هادفة، وقد تكون عشوائية، قد تكون مثمرة، وقد تكون مخفقة، فالبطولة لا أن أتحرك، لكن البطولة أن تأتي حركتي وفق الهدف الصحيح.
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/2.jpg
إنسان جائع، أو إنسان في حالة عطش شديد، وهو على مشارف الموت، وأمامه طرق عديدة، بطولته لا أن يتحرك، بطولته أن يتحرك نحو الماء، لأن سلامته بالماء، إذاً: الإنسان كائن متحرك، فيه عقل يدرك، فيه قلب يحب، فيه جسم يتحرك، هذه الحركة لا تصح إلا إذا عُرف الهدف.
أوضح مثل: ذهبت إلى بلد غربي، نزلت في بعض الفنادق، استيقظت في اليوم الأول، سألت: هذا اليوم إلى أين أذهب ؟ نقول: أنت لماذا جئت إلى هنا ؟ نسألك لماذا جئت إلى هنا ؟ فإن قلت: أنا أتيت طالب علم نقول له: اذهب إلى المعاهد والجامعات، يقول: أنا جئت سائحاً، نقول له: اذهب إلى المقاصف والمتنزهات، يقول: أنا جئت تاجراً، نقول: اذهب إلى المعامل والمؤسسات.
الحقيقة الدقيقة: لا تصح حركتنا في الحياة، أول كلمة قلتها: الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة لا تصح، ولا تكون سليمة ولا تكون مثمرة، ولا تكون ناجحة إلا إذا عرفت الهدف من وجودك في هذا المكان.
أحياناً تتحرك السيارة حركة طائشة فتسقط في الوادي، يموت كل ركابها، فالبطولة لا أن تتحرك، انظر إلى الناس صباحاً كلهم يتحركون: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[ سورة الليل]
كل شخص في باله شيء يسعى إليه، فالبطولة لا أن نتحرك، البطولة أن تأتي حركتنا وفق الهدف الصحيح، لذلك قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
[ سورة الكهف ]
لابد من أن تكون الحركة وفق هدف، مع الأسف الشديد أجريَ استبيان، وسئل ألف إنسان: ما الهدف الذي تسعى إليه ؟ فكان الجواب: أن ثلاثة بالمئة من الذين أجري عليهم الاستبيان أهدافهم واضحة، والسبعة والتسعين بالمئة حركة عشوائية بلا هدف، لذلك أنا أقول دائماً: إما أن تخطط، أو أن يُخطط لك، إما أن تفعل، أو يُفعل بك، إما أن ترسم هدفًا لك أو يُرسم لك هدف ماكر من أجل أن تكون مستَغلاً.
العلم قضية خطيرة:
لذلك قضية العلم قضية خطيرة، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
[ سورة النساء]
وأنا أقول دائماً أيها الإخوة الكرام: أعظم كرامة للإنسان هي كرامة العلم، هي كرامة لا تحتاج إلى خرق للعادات، لذلك الآية الدقيقة: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾
[ سورة النساء]
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14﴾
[ سورة القصص ]
إذاً: أنت حينما تذهب إلى بلد غربي كي تنال الدكتوراه، بلاد واسعة جميلة، فيها مقاصف، فيها متنزهات، فيها مسارح، فيها دور سينما، فيها ملاهٍ ليلية، فيها شوارع منحطة، فيها أماكن جميلة، فيها متاحف، فيها آثار، فيها جامعات، فيها مدارس، فيها معامل، فيها مؤسسات، فيها مقاصف، أنت حينما تعرف أنك في هذا البلد من أجل هدف واحد، و هو نيل الدكتوراه، دقق الآن ما الذي يحدث ؟ إذا كان هدفك واضحاً تختار مئات بل ألوف الوسائل التي تعينك على تحقيق الهدف.
ذهب طالب إلى بلد غربي للدكتوراه، أول شيء يستأجر بيتاً إلى جانب الجامعة توفيراً للوقت و الجهد والمال، يصادق طالباً يتقن اللغة الفرنسية، يشتري مجلة متعلقة باختصاصه، يزور معرضاً علمياً ليزداد علماً باختصاصه، أنت حينما يتضح هدفك تُرشد إلى الوسائل المعينة على تحقيق هدفك، لذلك أول حقيقة: لا تصح حركة الإنسان في الحياة إلا إذا عرف سر وجوده و غاية وجوده.
متى يسعد الإنسان:
1 – معرفةُ الهدف في الحركة اليومية:
شيء ثان: متى يسعد ؟ يسعد إذا جاءت حركته في الحياة وفق الهدف الذي رسمه لنفسه، الدليل: إنّ طالباً على مشارف امتحان مصيري، له أصدقاء يحبونه ليسوا في الجامعة لهم أعمال حرة، أرادوا أن يأخذوه معهم إلى متنزه جميل، هو يحبهم، ويحبونه، والمكان جميل جداً، والطعام فاخر، و المناظر رائعة، لكنه على مشارف امتحان مصيري، إذا أخذوه مرغماً لماذا يشعر بضيق شديد ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع هدفه، يشعر بانقباض، هذا الطالب لو قبع في غرفة مظلمة، وقرأ الكتاب المقرر، وفهمه، واستوعبه يشعر براحة كبيرة جداً، من أين تأتي الراحة ؟ حينما تأتي الحركة مطابقة للهدف، إذاً: أنت تصح حركتك إذا عرفت سر وجودك، وأنت أيضاً تسعد إذا جاءت حركتك مطابقة لهدفك، هذه كلها مسلمات.
2 – الإنسان مفطور على حب وكمال وسلامةِ واستمرارِ وجودِه :
أيها الإخوة الكرام، من الثابت أيضاً أن الإنسان مفطور أو مجبول أو بالتعبير المعاصر مولَّف على حب وجوده، اعترفت بهذا أم لم تعترف، أأقررت بهذا أم لم تقر، مفطور مجبول على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، أي لا يوجد شخص من بين الستة آلاف مليون إنسان على وجه الأرض في القارات الخمس إلا و هو حريص حرصاً لا حدود له على حب وجوده و على حب سلامة وجوده و على حب كمال وجوده و على حب استمرار وجوده.
مَن منا يتمنى المرض ؟ من منا يتمنى الفقر ؟ من منا يتمنى أن يفقد حريته ؟ أبداً، هذه قواسم مشتركة في الأرض، ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
الفطرة واحدة، الخصائص واحدة، الأهداف واحدة.
متى أحقق سلامة وجودي:
لذلك أيها الإخوة، أنا متى أحقق سلامة وجودي ؟ أنت أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم، صانع خبير، ومع هذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، فأنت انطلاقاً من حبك لذاتك، من حبك لوجودك، من حبك لسلامة وجودك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (15) ﴾
[ سورة الجاثية ]
1 – بمعرفة علاقة المعصية بنتائجها:
حينما تنطلق من أن تعليمات الصانع فيها نتائجها، وأن المعصية فيها نتائجها، وأن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، وأن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة.
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/3.jpg
للتوضيح: حينما تُنهَى عن أن تقترب من خط التوتر العالي، إذا اقتربت فلا داعي إلى الشرطة، و لا إلى الضابطة القانونية، ولا إلى تسطير مخالفة، التيار نفسه يعاقبك، إذا اقتربت من التيار إلى مسافة أقلَّ من ثمانية أمتار يصبح الإنسان قطعة من الفحم، إذاً: القضية ليست مخالفة ضبطت، وليست إنسانا وضع نظاما حاسبك، الأمر أعقد بكثير، لذلك حينما تؤمن أن العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة تستقيم على أمر الله طلباً للسلامة.
لعل هذا الدرس من دروس المقدمات، مقدمات العقيدة، العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية، قد تكون علاقة وضعية.
أحياناً بلد بدافعٍ من حفاظه على قوة عملته يمنع تحويل العملة، فلو أن مواطناً حمل معه عملة صعبة، وغادر بها يحاسب حساباً شديداً، وفي بلاد أخرى لا يحاسَب، إذاً: نقول: هناك علاقة وضعية، أي أنّ أولي الأمر ارتأوا أن يحاسبوا من يخرج العملة الصعبة من بلده، العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة وضعية، وليست علمية.
لو أن أباً منع ابنه أن يستخدم هذا الباب، وللبيت بابان، فمنع ابنه من استخدام الباب الأول، وسمح بالباب الثاني، لو أن ابنه استخدم الباب الأول، والباب من أجل الخروج، لكن الأب منع ذلك، نقول: العلاقة بين المنع والعقاب علاقة وضعية، لأن الأب وضَعها، لذلك معظم القوانين علاقة وضعية، لكن أوامر الشرع علاقة علمية، أي كل أمر فيه بذور نتائجه، و كل نهي فيه بذور نتائجه، أنت بهذا تكون فقهياً.
الفقيه إذا رأى لوحة كتب عليها: " ممنوع التجاوز حقل ألغام "، لا يحقد على واضع اللوحة، ولا يراها حداً لحريته، بل يراها ضماناً لسلامته.
2 – طاعة الخالقِ الخبير العليم:
لذلك أيها الإخوة، تتحقق سلامة وجودك حينما تطيع الخبير: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
[ سورة فاطر ]
خبير بسلامتك، خبير بسعادتك، خبير بنشاطك، خبير بمآلك، إذاً: سلامة الوجود يحققها اتباع تعليمات الصانع، أي افعل ولا تفعل، لذلك المؤمن يقول أحياناً: أنا لا أكذب، هذا جيد، يطبق تعليمات الصانع، أنا لا أغتاب، جيد جداً، أنا لا آكل المال الحرام، جيد جداً، لكن الاستقامة طبيعتها سلبية، أكثر كلمات الاستقامة مسبوقة بما النافية، ما آكل مالاً حراماً، بارك الله، ما أكذب، ما بغش، ما أغتاب، ما أزني، ما أشرب خمراً، ما أقتل، جيد، السلامة تحتاج إلى استقامة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ﴾
[ سورة فصلت]
الآن أنت مفطور على حب وجودك، وعلى حب سلامة وجودك، وعلى حب كمال وجودك، كمال الوجود يحتاج إلى قرب من الله، قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾
[ سورة الرعد]
3 – القربُ من الله:
لا طريق للسعادة إلا أن تكون قريباً من الله: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (124) ﴾
[ سورة طه]
والله قرأت بحثاً عن أربعمئة إنسان، وهي دراسة مطولة مجهدة عن أربعمئة إنسان في قمم النجاح، أكثرهم انتحر، لأنه أراد الدنيا فقط، ونسي الآخرة: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾
[ سورة طه]
لذلك أحد كبار المهندسين في العالم صمم جسر استنبول الأول الذي يربط قارتي آسيا وأوربا، و هذا الجسر يعبره في اليوم ثلاثمئة ألف سيارة، في أثناء افتتاح الجسر ألقى بنفسه في البوسفور، فذهبوا إلى غرفته بالفندق فإذا ورقة كتب عليها: لقد ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً فأردت أن أذوق طعم الموت.
إن الحياة من دون معرفة الله حياة جوفاء، حياة تافهة، حياة لا قيمة لها، لذلك مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة: ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
[ سورة محمد]
ذاقوا طعمها في الدنيا:
فلو شاهدت عيناك مـن حسننـا الذي رأوه لمـا وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولـو نسمت من قربنا لك نسمة لمتّ غـريباً واشتيــاقاً لأجلنا
***
أيها الإخوة الكرام: السعادة الحقيقية أن تتصل بالله: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾
[ سورة طه]
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾
[ سورة الرعد]
هذه حقيقة، البطولة أن تكشفها في مقتبل العمر، لا أن تكشفها في نهاية العمر: ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً (158) ﴾
[ سورة الأنعام]
خيار الناس مع الإيمان خيار وقت:
إخوتنا الكرام، خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، أنت معك مليون خيار قبول أو رفض، قد ترفض هذه الوظيفة لضآلة دخلها، وقد ترفض هذه الزوجة، أو هذه الفتاة إذا خطبتها، لأن ثقافتها لم تعجبك، وقد ترفض هذا البيت لصغر مساحته، لكنك إذا رفضت الإيمان تحتقر نفسك: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (130) ﴾
[ سورة البقرة ]
كيف تحق استمرار وجودك:
خيارك مع الإيمان خيار وقت، إذاً: سلامة الوجود بإتباع تعليمات الصانع، وكمال الوجود بالتقرب إلى الله، بقي الشيء الثالث، واستمرار الوجود بتربية الأولاد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[ صحيح عند ابن خزيمة]
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/4.jpg
مرة توفي أحد خطباء دمشق الكبار، كان خطيباً بالأموي، وأجري له حفل عزاء كبير في الجامع الأموي، في آخر يوم اعتلى ابنه المنبر، وألقى خطبة كأبيه، فقلت في نفسي: والله لم يمت أبوه إذاً، هناك استمرار.
حينما تتزوج، وتنجب الأولاد كما قال سيدنا عمر: << و الله إني أقوم إلى زوجتي، و ما بي من شهوة إلا ولداً صالحاً، أرجو الله أن ينفع الناس من بعدي >>.
حينما تتزوج، وتفكر أن يكون أولادك أولاداً صالحين، والحديث الشريف يؤكد هذا المعنى: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
فأنت تحقق سعادتك بالتقرب منه، التقرب من الله إيجابي.
الاستقامة: أنْ تقول: أنا ما كذبت، ما غشيت، ما اغتبت، ما سرقت، ما خنت، كلها نفيٌ، لكن العمل الصالح أنْ تقول: يا رب، أنا بذلت أي دفعت من مالي، بذلت من وقتي، بذلت من جهدي، جئت إلى مجلس علم، أنا أجلس في البيت مرتاحاً، على أريكةٍ مريحة، وهناك شاي، وقهوة، وضيافة، وفواكه، وأمامي، و زوجتي أمامي، لكن أنا جئت إلى المسجد، وركبت ساعة بالسيارة، و لدرس ساعة، والعودة ساعة من أجل أن أطلب العلم يا رب، فلذلك التقرب من الله إيجابي، ليس فيه نفيٌ، يا رب، أنا حضرت درساً، أنا بذلت علماً، أنا ألفت كتاباً، أنا أسست جمعية، أنا أنشأت ميتماً، أنا أنشأت مستوصفاً، أنا أعنت على الخير، أنا بنيت مسجداً.
لذلك أيها الإخوة الكرام، تسلم باستقامتك، وتسعد بعملك الصالح، و العمل الصالح يرفعك، و تستمر بتربية أولادك.
إن أردت أن تستمر فربِّ ولداً يدعو لك من بعدك، ربِ ولداً صالحاً:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾
[ سورة الطور]
أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
أهمية المنهج الإلهي:
أيها الإخوة الكرام، من أجل أن نعلم قيمة المنهج قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
[ سورة الرحمن ]
بالترتيب، وهنا سؤال كبير: أيعقل أن يُعلَّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ؟ ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
[ سورة الرحمن ]
هذا غير معقول، لكن علماء التفسير قالوا: هذا الترتيب ترتيب رتبي، وليس ترتيبًا زمنيًا، أي لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، والمثل واضح جداً، آلة بالغة التعقيد، غالية الثمن، عظيمة النفع، استوردتها، وهناك خطأ بالاستيراد، لم يرسل لك تعليمات التشغيل والصيانة، إن استخدمتها من دون تعليمات تتلفها، وتخسر ثمنها، وإن جمدتها خوفاً على سلامتها عطلت ثمنها، أليست تعليمات المعمل الصانع أهم منها ؟ ﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
[ سورة الرحمن ]
كل مصيبة ومعصية بسبب الجهل والخروج عن تعليمات الخالق:
أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام أنه ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، و ما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، و إذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
إن طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
مرة دخلت إلى ثانوية في دمشق، وهي من أقدم الثانويات، درست فيها سنوات طويلة، كُتب في مدخلها لوحة بخط أكبر خطاط: رتبة العلم أعلى الرتب.
إذاً: أيها الإخوة الكرام، ما من إنسان في الستة آلاف مليون على وجه الأرض إلا وهو يتمنى السلامة والسعادة، وقد فطر كل إنسان على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة الوجود بطاعة الله، بالاستقامة على أمره، وكمال الوجود بالقرب منه، واستمرار الوجود بتربية ولد صالح ينفع الناس من بعدك، ويكون استمراراً لك.

ما هي علة وجود الإنسان:

1 – عبادة الله وحده هي علّةُ وجود الإنسان:
الآن ما علة وجودنا في الأرض ؟ في البداية قلت: حينما تعرف سر الوجود تصح الحركة، ما علة وجودنا على سطح الأرض ؟ نفتح القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
[ سورة الذاريات ]
العبادة علة وجودنا على سطح الأرض: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
[ سورة الذاريات ]

فعلة وجودنا العبادة، أنت حينما تعبد الله حققت الهدف من وجودك.
2 – مفهوم العبادة يضيق ويتّسع:

ولكن العبادة مفهوم يتسع كثيراً جداً، و ضيق، يضيق عند الجهلة إلى أن يُتوهم أداء الصلوات والصيام والحج والزكاة، ويتسع، ويتسع، ويتسع إلى أن يصبح منهجاً كاملاً لكل شؤون الحياة، يبدأ من فراش الزوجية، و ينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، و أي إنسان يتوهم العبادة بأن صلى، و صام، و حجّ، و زكّى فهو واهم أشد الوهم.
لا أريد أن أبالغ إن قلت: قد يصل منهج الله عز وجل إلى خمسمئة ألف بند، منهج الله يدور معك في كل أوقاتك، وفي كل شؤون حياتك، إن دخلت إلى البيت فهناك سنة نبوية دعاء خاص، إن جلست إلى الطعام، إذا نظرت إلى الزوجة، إذا نظرت إلى نفسك في المرآة: اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي، إذا خرجت من البيت: الله إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَذل أو أُذل، أو أجهل أو يُجهل علي، إذا قمت بعمل جراحي، وأنت طبيب: الهم إني تبرأت من حولي و قوتي، و التجأت إلى حولك و قوتك يا ذا القوة المتين.
3 – كل حركةٍ في الحياة منوطة بحكم شرعي:

عندنا أمر فرض، أمر واجب، أمر ندب، أمر استحباب، أمر تحسين، عندنا شيء مباح، عندنا شيء مكروه تنزيهاً، شيء مكروه تحريماً، شيء حرام، ما من حركة، ولا سكنة، و لا نشاط، و لا صلة، و لا قطع، و لا غضب، و لا رضا إلا ويغطّيه حكم فقهي.

4 – وجوبُ طلب العلمِ الضروريِّ:

http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/5.jpg
لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، كيف تطيع الله إن لم تعرف أمره و نهيه ؟ حضور مجلس علم لمعرفة الأمر والنهي، وليس العلم شيئا لك الخيار فيه، لابد من طلب العلم، الذي ينزل بالمظلة يمكن أن يجهل شكل المظلة، يا ترى دائري، بيضوي، مربع، مستطيل، يمكن أن يجهل نوع القماش، خيوط صناعية، أو طبيعية، يمكن أن يجهل كم عدد الحبال، وما نوع خيوطها، وما ألوان الحبال، هناك عشرات المعلومات والمعطيات في المظلة قد يجهلها المظلي، لكنه إذا جهل شيئاً واحداً ينزل ميتاً، طريقة فتحها، طريقة فتح المظلة علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة.
تقود مركبة قد تجهل من أية مادة صنعت المكابح ؟ كيف جعلت هذه المركبة انسيابية الخطوط ؟ يا ترى ضغط، صب، تطريق ؟ كيف صنع المحرك ؟ ما آلية المحرك ؟ قد تجهلها كلياً، لكن كيف توقف المركبة مستحيل أن تجهل هذه الحقيقة، وإلا كان الحادث محققا، فإقلاع المركبة، وإيقاف المركبة، وانحراف المركبة أشياء يجب أن تعلم بالضرورة، لا خيار لك فيها.
أؤكد لكم قد تكون طبيباً تحمل أعلى شهادة، بورد بأمريكا، ببريطانيا ( إف آر إس )، أعلى شهادة في الطب، بفرنسا ( أك ري جي )، عندنا بورد عربي، قد تحمل أعلى شهادة، وأنت في الدين أميٌّ، كما أن عالم الدين إذا أطلعته على تخطيط قلب هو أميّ، لكن الطبيب يفهم منها كل شيء، من هذه الخطوط، إذاً: لو معك شهادة علمية قد تكون في الدين أمياً، إذاً: هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، وهذا العلم فرض عين على كل مسلم، أما تاريخ التشريع الإسلامي فهو فرض كفاية، الفقه المقارن فرض كفاية، أدلة الفقهاء الكبار فرض كفاية، علم التجويد غرض كفاية، علم الفرائض فرض كفاية، أما كيف تؤدي الصلوات الخمس ؟ كيف تصوم ؟ كيف تحج ؟ كيف تبيع ؟ كيف تشتري ؟ كيف تتزوج ؟ حقوق الزوجة، حقوق الزوج، هناك جزء و كم كبير من الدين يجب أن يُعلم بالضرورة تماماً كطريقة فتح المظلة، إن لم تعلم فتح المظلة ينزل الإنسان ميتاً.
إنّ إنسانا مظليًّا بلغوه أن أول زر يضغطه تفتح، إذا ما فتحت فهناك زر آخر تضغطه تفتح، إذا ما فتحت فهناك زر ثالث تضغطه تفتح، وعندما تنزل إلى الأرض تجد سيارة تأخذك للثكنة، كبس أول زر ما فتحت، الثاني ما فتحت، الثالث ما فتحت قال: أحلى ألاّ نجد سيارة أيضاً.
إذاً: هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، هذا علم أركان الإيمان، وأركان الإسلام، والقسم الفقهي المتعلق بشؤونك الشخصية وبحرفتك:
أنت تاجر أحكام البيع والشراء.
أنت محامٍ، أو طبيب، أو مدرس، أحكام الجعالة أن أجر الطبيب يأخذه لا على الإنجاز، يأخذه على بذل العناية فقط، كل حرفة لها أحكام معينة، فما لم تطلب الأحكام الشرعية تقع في المعاصي والآثام، ومن دخل السوق من غير فقه أكل الربا شاء أم أبى، طلب العلم ليس شيئاً ترفاً، شيء مصيري، لأنّ بعد الموت جنة ونارًا، لماذا قدم الله الموت على الحياة ؟ قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (2) ﴾

[ سورة الملك ]

لأن خيارات الإنسان عندما يولد مليار خيار أمامه، يا ترى سيكون مهندساً أم طبيباً أم طياراً.
ثمة في ة حدودية، دخل موجه تربوي إلى مدرسة ابتدائية، وأوقف طالبا، رآه نبيهاً، قال له: أنت يا بني، حينما تكبر ماذا تحب أن تكون ؟ هناك جواب تقليدي: طبيب، أستاذ، طيار، ضابط، عالم، قال له: مهرب.
إذاً: أيها الإخوة الكرام، هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، هو العلم الديني، أركان الإيمان، أركان الإسلام، كتاب الله، تفسير كتاب الله، تفسير حديث رسول الله، نحن في ذكرى المولد مثلاً، قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
[ سورة الحشر]
كيف نأتمر بما أمرنا، وكيف ننتهي عما عنه نهانا إن لم نعرف ما الذي أمرنا، و ما الذي عنه نهانا ؟ إذاً طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، أنت عرفت الله، كيف تطيعه ؟ يجب أن تعلم أمره، فلذلك قضية معرفة الأحكام الشرعية شيء أساسي، جزء أساسي من حياتك ليس من باب الترف، ولا من باب تمضية أوقات الفراغ، شيء أساسي.
أيها الإخوة الكرام، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً جداً، هو أنه لابد من طلب العلم.
أنت راكب مركبة، وهناك لوحة البيانات، دقق إن فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك، و توقفت المركبة، و ألغي السفر، و تعطل الهدف، و دفعت خمسين ألفاً بأسعار اليوم، أما لو علمت أن هذا التألق تألق تحذيري لا تزييني أوقفت المركبة، أضفت الزيت، فسلم المحرك، وتابعت السير، وحققت الهدف، هذا الكلام دقيق جداً.
البطولة في فهم ما يقع:

الآن المشكلة مع التواصل الإعلامي، ما يحدث في أي مكان بالعالم يصل إليك بدقائق، الآن البطولة لا أن تطلع على ما يجري، البطولة أن تحسن فهم ما يجري.
في وقت مضى كان أهم شيء أن تصل إلى الخبر، قديماً جداً كان الناس يقفون على أبواب المدن ينتظرون الركبان، الآن هناك تواصل إعلامي مذهل، وثورة إعلامية، كل شيء يقع تراه بعد دقائق.
البطولة لا أن تطلع على الذي وقع أن تفهم سر الذي وقع، تماماً كضوء الزيت تألق، البطولة لا أن تقول: لقد رأيته قد تألق، طبعاً رأيته تألق فعلاً البطولة أن تعلم لماذا تألق هل هو ضوء تزييني أم ضوء تحذيري ؟ هنا المشكلة، إذاً لابد من طلب العلم.
حقيقة الإنسان بضعة أيام:
لابد من أن تبحث عن الحقيقة، لذلك حينما قال الله عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
[ سورة العصر ]
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1335/6.jpg
كل إنسان خاسر لا محالة، لماذا ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
أنت بضعة أيام، والله أيها الإخوة الكرام، ما وجدت تعريفاً جامعاً مانعاً شافياً محكماً للإنسان كهذا التعريف: بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فالبطولة لا أن تعد العمر عدّاً تصاعدياً، لا أن تقول: لقد بلغت الستين، يجب أن تقول كلاماً مزعجاً: كم بقي لي ؟ إذا مضى الذي مضى كلمح البصر في الأعم الأغلب يمضي الذي بقي كلمح البصر، فجأة النعي على الجدران، كان شخصاً فأصبح خبراً.
مرة كنت بطائرة من المغرب إلى دمشق، في تونس وقفت بعض الوقت، كانت نافذتي على مكان البضائع فنزل نعش، هذا سافر على مقعد راكبًا، ومعه بطاقة طائرة، ومعه جواز سفر، ثم أصبح بضاعة، كان شخصاً فأصبح بضاعة، تخليص جمركي، ووثائق.
كل إنسان خاسرإلا...
لذلك أيها الإخوة الكرام، البطولة أن تعد العمر عداً تنازلياً، الآن: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا ﴾
[ سورة العصر ]
من هو الذي ينجو من الخسارة ؟ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
[ سورة العصر ]
أي ابحث عن الحقيقة، واعمل، وافقه، وادعُ إليها، واصبر على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها كي تنجو من الخسارة: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
[ سورة العصر ]
خاتمة:
نحن مادامت علة وجودنا عبادة الله عز وجل ؛ ففي اللقاء القادم إن شاء الله يكون الحديث عن حقيقة العبادة، وأنواع العبادة، ومستويات العبادة، والعبادة التعاملية، والشعائرية، و ما إلى ذلك.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى )


الموضوع : العبادة - علة وجود الانسان - 2







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. العبادة:
1 – العبادةُ هي علّةُ وجودِ الإنسان:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس العقيدة و الإعجاز، وموضوع الدرس اليوم، العبادة.
العبادة علة وجودنا على وجه الأرض، فلو أن طالباً سافر إلى بلد غربي لينال درجة الدكتوراه ليس له في هذا البلد من هدف إلا هذه الشهادة، نقول له: إن علة وجودك في هذا البلد نيل الدكتوراه، وأيّ شيء في هذا البلد يقربه من هدفه فهو مشروع، وأي شيء يصرفه عن هذا الهدف فهو غير مشروع.
2 – اختيار الوسائل المشروعة لتحقيق الهدف المشروع:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1337/01.jpg
فإذا علمت أن العبادة علة وجودك على وجه الأرض، وهذا هو الهدف الكبير، إذاً يجب أن تختار من جزئيات حياتك، ومن معطيات بيئتك ما له علاقة بهذا الهدف، وهذا هو النجاح كل النجاح، وهذا هو الفلاح كل الفلاح، وهذا هو الفوز كل الفوز، علة وجودك أن تعبد الله، كما أن الطالب علة وجوده أن ينال هذه الدرجة.
حينما تتضح الأهداف تتضح الوسائل، وإذا أبلغتكم مع الأسف الشديد أن سبعة وتسعين بالمئة من الشباب في بلاد نامية لا يعرفون أهدافهم إطلاقاً يعيش هكذا بحكم وجوده بحكم الصوارف والمغريات والدوافع، لذلك لا شيء يعلو عن أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، أو لا شيء يعلو عن أن تعرف عن علة وجودك، لقد أخبرنا القرآن الكريم بأن علة وجودنا أن نعبده، الدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
[ سورة الذاريات ]
3 – المفهوم الواسعُ للعبادة:
لكن كلمة عبادة قد تفهم فهماً ضيقاً جداً، وهذه هي الطامة الكبرى، وقد تفهم فهماً موسعاً جداً، وهذه البطولة.
مثلاً: أي شيء يسير يسمى سيارة، قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ (19) ﴾
[ سورة يوسف ]

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1337/02.jpg
أيّ شيء يسير بالمفهوم الواسع لكلمة سيارة، أيّ شيء يسير، بالمفهوم الضيق المركبة التي تتحرك على عجلات بقوة من محرك انفجاري فيه وقود سائل، فإذا فهم المسلمون العبادة على أنها صلاة وصيام، وحج وزكاة، والنطق بالشهادة، ليس غير، ابتعدوا بُعد الأرض عن السماء عن فهم حقيقة دينهم، لأن الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ ))
[ البخاري عن ابن عمر ]
الإسلام شيء، والأركان الخمس شيء آخر، الأركان دعائم، الإسلام بناء، منهج، مجموعة قيم أخلاقية، منظومة مبادئ، سلسلة أوامر، مجموعة نواه، هذا هو الإسلام، الإسلام منهج تفصيلي.
وصدقوا أيها الإخوة، ولا أبالغ إن قلت: إنه يقترب من خمسمئة ألف بند ؛ في كسب مالك، في إنفاق مالك، في زواجك، في طلاقك، في تربية أولادك، في تعاملك مع الناس، مع مَن هم أقوى منك، مع مَن هم أضعف منك، مع مَن هم في مستواك، في حلك، في ترحالك، في سفرك، في حضرك، في فقرك، في غناك في حالة السلم في حالة الحرب منهج تفصيلي فكيف ضغطه المسلمون إلى خمس عبادات شعائرية ؟
4 – الدين ليس في المسجد !!!
كيف أصبح الإسلام، هو الذي يصلي فقط ؟ هنا الطامة الكبرى، ما لم نفهم العبادة فهماً موسعاً، ما لم نفهمها منهجاً مفصلاً، ما لم نفهمها فضلاً عن الشعائرية افعل ولا تفعل، فنحن بعيدون عن حقيقة الدين، ودائماً وأبداً الطرف الآخر يريدون أن يحصروا الدين في المسجد فقط، أنت هنا مسلم، لكنك خارج المسجد تأكل وتشرب، وتلتقي وتحتفل، وتمارس كل الشهوات، وتقيم كل الحفلات التي ترضي والتي لا ترضي، الإسلام في المسجد، الذي أقوله بالعكس: أنت في المسجد تأخذ تعليمات الصانع، وأنت في المسجد تقبض الثمن، إن حضرت مجلس علم، أن تتلقى تعليمات الصانع، أما إذا دخلت لتصلي يتجلى الله عليك في المسجد، فيمنحك الرضا، يمنحك الحكمة، يمنحك القرب، يمنحك السعادة، يمنحك الأمن، المسجد لتلقي التعليمات، والمسجد لقطف الثمرة، دينك في مكتبك، دينك في عيادتك، دينك في غرفة العمليات، دينك في مكتب المحامي، دينك في زراعة الأرض، هل تستخدم الهرمونات المسرطنة ؟ دينك في وظيفتك، هل تضع العصي في العجلات أمام المواطنين لتبتز أموالهم، أم تقدم لهم خدمة، وهم دافعوا الضرائب، دينك في عملك، دينك في بيتك، دينك في حفلاتك، دينك في كسب مالك، دينك في إنفاق مالك، الدين النصيحة، الطامة الكبرى أن نفهم العبادة مفهوماً ضيقاً، أن نقصرها على الصلاة والصيام.
النبي عليه الصلاة والسلام سأل أصحابه الكرام: من هو المفلس ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
[ مسلم، الترمذي ]
أيها الإخوة، علة وجودك في الدنيا العبادة، علة وجودك في الدنيا أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، بل أن تعرف الله معرفة تدفعك إلى تطبيق أمره، وأن تعرف الآخرة معرفة تمنعك مِن أن تؤذي مخلوقاً كائناً من كان، وأن تبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة، أن توظف مالك وعملك، ووقتك وخبرتك، وقدراتك ومهاراتك في سبيل الله عز وجل.
العبادة مفهوم واسع جداً، وأسأل الله جل جلاله أن يمكنني في هذا الدرس أن أوضح العبادة.
ما معنى العبادة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1337/03.jpg
أيها الإخوة الكرام، من التعاريف الجامعة المانعة للعبادة أنها: طاعة، فالذي لا يطيع الله لا يعبده، بشكل مختصر العبادة الطاعة.
نحن في حياتنا ليس هناك إعجاب سلبي في الإسلام، ما شاء الله دين رائع، دين حضاري، دين الفطرة، لكنك لا تطبقه.
أحب شاب فتاة في بلاد الغرب، فاستأذن والده بالزواج منها، فأقام عليه الدنيا، وتوعده أن يتبرأ منه، ماذا يفعل ؟ بعد شهر عرض عليه شيئاً، يا أبت، لو أنها أسلمت فجاء الجواب إيجابياً، قال له: لا مانع، اختل توازن هذا الشاب من الفرح، فانطلق إلى المكتبة، واشترى لها كتباً باللغة الإنكليزية لتقرأها، وتستوعب الإسلام كي تسلم، ثم يوافق أبوه على الزواج منها، أعطاها الكتب، لكنها ذكية جداً، طلبت منه إجازة أربعة أشهر كي تقرأ الكتب بهدوء، وبعيداً عن ضغوطاته وعن تمنياته، ومرت عليه هذه الإجازة كأربع سنوات، عدّ الوقت بالدقائق والثواني، فلما انقضت هذه الأشهر الأربعة اتصل بها، وسمع منها كلمة اختل لها توازنه فرحاً، قالت له: لقد أسلمت، إذاً: حقق الهدف، لكنها قالت كلمة ثانية، قالت: ولكنني لن أتزوجك، لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً.
والله لا أبالغ، والله لا أبالغ، والله لا أبالغ، هذا معظم حال المسلمين، والده مسلم، أمه مسلمة، يصلي، يحج، أما في بيته، وعمله، وكسب ماله، وإنفاق ماله، وقضاء أوقات فراغه، وهواياته، ولهوه، ولعبه، ومبادئه، وقيمه، وطموحاته، وتمنياته ليس مسلماً، لذلك هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
[ سورة مريم ]
ملخص العبادة:
العبادة طاعة، طاعة طوعية، وما من إنسان إلا ويطيع القوي طاعة قسرية، هل تسمى الطاعة القسرية عبادة ؟ مستحيل، طاعة طوعية، الله عز وجل أرادنا أن نأتي إليه طائعين بمبادرة منا، أن نأتيه محبين، قال تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) ﴾
[ سورة البقرة ]
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ(29) ﴾
[ سورة الكهف]
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾
[ سورة الإنسان ]
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148)﴾
[ سورة البقرة ]
طاعة طوعية، لا يكفي أحياناً أن تقتنع أنك إذا نظمت وقتك، ونمت باكراً، واستيقظت صباحاً باكراً، ودرست فالساعات الصباحية تعدل أضعاف ما في النهار، فنمت باكراً وفق السنة، واستيقظت باكراً وفق السنة، وتبتغي أنت أن تحرز الدرجة الأولى في الامتحان، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، ما عبد الله من أحبه، ولم يطعه، كما أنه ما عبد الله من أحبه، ولم يطعه، ولا من أطاعه، ولم يحبه، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية.
قال بعض العلماء: العبادة غاية الخضوع وغاية الحب، غاية الاستسلام، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، فيها جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، الجانب السلوكي هو الأصل، لا يمكن أن نقطف من الدين شيئاً إن لم نستقم على أمر الله، وإذا شئت فقل: يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة، هي الاستقامة، كما يمكن أن تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة، ألا وهي الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً، وإن لم تستقم فلست ديناً.
هناك إسلام فلكلوري، وخلفية إسلامية، وأرضية إسلامية، ونزعة إسلامية، واهتمامات إسلامية، وأقواس إسلامية، وفي زخرفة إسلامية، ورسم إسلامي، وطموحات إسلامية، وثقافة إسلامية، وآلاف الأشياء الإسلامية، لكنها شيء، والإسلام شيء آخر، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
إذاً: مركز الثقل ثلاثة خطوط، اللون الأحمر على كلمة سلوك، طاعة طوعية، أساسها معرفة يقينية، حرف عريض، حرف أسود، حرف أحمر، التركيز على كلمة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية.
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قلت إليكمـا
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***
ليس هذا هو الإيمان، الإيمان معرفة يقينية، لو أن أهل الأرض جميعاً كفروا، أهل الأرض ستة آلاف مليون، وأنت واحد منهم، لو أن ستة آلاف مليون عدا واحد كفروا فأنت لا تكفر يقيناً، في كل خلية في جسمك، وفي كل قطرة، في دمك تجد الإيمان، الإيمان بالله موجودا وواحدا وكاملا، الإيمان بأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان بالنبيين، الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
أيها الإخوة، أساسها معرفة يقينية، لكن ما سمعت إنساناً نام مساءً استيقظ ومعه دكتوراه، يقول لك: ثلاثا وثلاثين سنة لم أعرف الراحة، ولم أعرف النوم، ولم أعرف لقاء مع صديق، ولم أعرف نزهة، حتى أضيف إلى اسمه حرف دال، كان يكتب اسمه من دون شيء، صار بحرف الدال، ثلاث وثلاثون سنة دراسة، الإنسان يتوهم أنه مؤمن، متى حضرت درس علم ؟ متى اقتنيت كتاباً ؟ متى قرأت كتاباً ؟ متى قرأت القرآن الكريم ؟ متى قرأت السنة ؟ متى فكرت ماذا يأمرك الله ؟ متى قلت لماذا أنا في الدنيا ؟ ما سر وجودي، ما غاية وجودي ؟ متى تأملت؟ متى تفكرت ؟ متى قرأت ؟ متى التحقت بمسجد ؟ متى حضرت درساً ؟ أنا مؤمن إيماني أقوى من إيمانك، وهو غارق في المعاصي والآثام، سبحان الله !!! كل حرفة لها اختصاصيون، كل حرفة لها أرباب، لها خبراء، إلا أن الدين عند عامة الناس كأنه كلأ مشاع، كل إنسان يتحدث في الدين على مزاجه، هذه ما قنعت بها، من أنت ؟
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ
***
أحيانا تكون في وزارة الخارجية، وفيها مستخدم يقول لك: عيّنا فلانًا سفيراً، مَن أنت حتى تعينه سفير ؟ فيأخذ مرتبة الوزير، عيناه سفيرا.
فلذلك أيها الإخوة، العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، اسأل نفسك: هل التزمت بدرس علم ؟ هل قرأت كتاباً وانتفعت منه ؟ هل لخصته ؟ هل نقلت كلمة حق للآخرين ؟ تسبقها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، حاجتك إلى الجمال أساسية، أنت بحاجة إلى أن تكون سعيداً إلى أن تحيى حياة جميلة، إلى أن تتصل بالله، إلى أن تكون في جنة عرضها السماوات والأرض، لذلك هؤلاء الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة تحركوا بدافع من حبهم للجمال في وقت غير مناسب.
نحن في دار عمل وتعب لا دار تنعم ورفاه:
الطالب في مدرسة، المقعد من خشب، والزاوية قائمة، والجو أميل للبرودة، والوظائف كثيرة، والسبورة ممتلئة، والمدرس يتكلم، هذا مكان دراسة، هذا مكان طلب علم، هذا مكان تحصيل، هذا مكان تقشف، هذا مكان أن تكون أميل إلى الجوع، لأن البطنة تذهب الفطنة.
لو أن طالباً في الدرس أراد أن يكون له مقعد وثير كمقاعد الطائرات، يصبح سريراً، وأمامه المشروبات، القهوة، والشاي، والموالح، والفواكه، وبعض الألعاب، وراديو صغير، وشاشة صغيرة، يريد أن يترفه، هذا ليس مكان ترفه، هذا مكان عمل، لكن بعد أن تأخذ الدكتوراه تترفع، تنشئ غرفة خاصة، مكتبًا خاصًا، غرفة استقبال، غرفة نوم مريحة، ومنظرا طبيعيا.
نحن في دار عمل، ولسنا في دار أمل، نحن في دار تكليف، ولسنا في دار تشريف، نحن في دار مسؤولية، نحن في دار هي إعداد لدار أبدية، يا ليتني قدمت لحياتي، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، لا تستقيم لأحد لحكمة بالغة، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، لأن الرخاء مؤقت، والشقاء مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
ورد في بعض الحديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))
(مسند الإمام أحمد)
قد تتنعم، وقد تسر، إنْ في شراء بيتك، أو في زواج، أو في جلوسك مع أهلك، لكن القصد إرضاء الله، القصد تحقيق هدف، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، الله عز وجل لا يضنّ علي بالتنعم، تتنعم دون أن تجعله هدفاً وحيداً.
مشكلة الناس اليوم أنهم يجعلون التنعم هدفاً وحيداً، واسألوا الفلاسفة حينما تتخذ اللذة هدفاً، فإنها تنقلب إلى ألم، لذلك خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه، وهو لا يشعر، عَنْ عبدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
[ الترمذي ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1337/04.jpg
سأل ملك وزيره قال له: مَن الملك ؟ قال: أنت يا سيدي، ليس هناك ملك إلا أنت ملك قال له: لا ملك الملك رجل لا نعرفه ملك، ولا يعرفنا ملك له بيت يأويه، وملك وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في إرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إحراجه، لذلك: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
أيها الإخوة الكرام، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة الدليل، قال تعالى: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
[ سورة محمد ]
إنها جنةٌ في الدنيا، وذاقوا بعضها، إنها جنة القرب، لذلك قال بعض العلماء الشعراء:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمـــا وليت عنا لغيرنا
و لو سمعت أذناك حسن خطـابنا خلعت عنا ثياب العجب وجئتنا
و لو ذقت من طـعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
و لو نسمـت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً بقربنــا
ولو لاح من أنوارنا لك لائــح تــركت جميع الكائنات لأجلنا
***
أيها الإخوة، الحاجة إلى الجمال أساسية في الإنسان، والدين أول ثمراته السعادة، لذلك في قلب المؤمن من السعادة ما لم وزع على أهل بلد لكفاهم، في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لطمأنهم، في النفس فراغ لا يملؤه المال، ولا الزواج، ولا المرأة، ولا المنصب، ولا المتع، لا يملؤه إلا الإيمان، وهذا الذي يبحث عنه الإنسان في وقت متأخر في حياته، وكان يتمنى أن يبحث عنه في وقت مبكر من حياته.
أقسام العبادة:
1 – العبادة الشعائرية:
أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى موضوع آخر، أن العبادة تقسم إلى عبادة شعائرية وإلى عبادة تعاملية.
العبادة الشعائرية:
الصلاة: تقف تقرأ الفاتحة، وبعض القرآن الكريم، وترفع، وتسجد، وتقعد وتسلم.
الصيام: تدع الطعام والشراب من الفجر الصادق إلى غروب الشمس، والذي منعك الله منه أيضاً.
الحج: تقصد مكة بيت الله الحرام، وتطوف، وتسعى، وتقف في عرفات، وتؤدي مناسك الحج.
الزكاة: تدفع زكاة مالك.
النطق بالشهادة: تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، هذه عبادات شعائرية.
2 – العبادة التعاملية:
لكن الحجم الأكبر والأخطر هو العبادات التعاملية، شاهدُها الكبير أن النجاشي ملك الحبشة سأل المسلمين الذين هاجروا إليه، وفي مقدمتهم سيدنا جعفر، قال له: حدثني عن الإسلام، قال أيها الملك:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ...))
[ أحمد ]
حقيقة العبادة التعاملية:
العبادة الشعائرية قيم أخلاقية، أو انضباط أولاً، وفعل للخيرات ثانياً.
العبادة التعاملية استقامة وعمل صالح، الاستقامة سلبية، والعمل الصالح إيجابي، العبادة الشعائرية أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، والعبادة التعاملية ألا تكذب، وألا تأخذ ما ليس لك، وألا تعتدي على إنسان لا مادياً ولا معنوياً، ولا من أي نوع من أنواع الاعتداء.
المشكلة الكبرى، والطامة الكبرى أن المسلمين توهموا أن العبادة هي العبادة الشعائرية فقط، فإذا وصلى، وصام، وحج، وزكى أدى كل شيء، ووقف عند هذا الحد.
العبادة الشعائرية لن تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية:
وأخطر ما في هذا الدرس أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، طالبوني بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
الصلاة:
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ ابن ماجه ]
العبادات الشعائرية في أعلى درجة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1337/05.jpg
ثمة طرفة لإنسان من تركيا عنده وليمة، اشترى كمية من اللحم كبيرة، وعنده قِط أكل هذا اللحم، والقط له خرير يسميه العوام أورادًا، فهذا التركي نظر إلى هذا القط، كاد يتميز من الغيظ، قال له: أوراد شوك أمنات يوك.
هذه المشكلة، إمام مسجد معين في مدينة لندن، نقل إلى بلدة في ظاهر لندن إلى مانشيستر، والقصة واقعية، فاضطر أن يركب المركبة كل يوم مع السائق نفسه، في أحد المرات صعد إلى المركبة فأعطى السائق قطعة نقد كبيرة، وردّ له السائق البقية، عدها فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق، مسلم ورع يعرف الحقوق، فلما جلس في المقعد، قال: لا بد أن أؤدي الزيادة إلى السائق حينما أنزل، لكنه استرخى قليلاً، وقال: إنها شركة عملاقة، ودخلها فلكي، والمبلغ يسير، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا علي أن آخذه، لا تستعجلوا بالحكم على هذا الإمام، لكن لما أراد أن يغادر المركبة دون أن يشعر مدّ يده إلى جيبه، وأعطى السائق عشرين بنساً، ابتسم السائق، قال له: ألست أنت إمام هذا المسجد ؟ قال له: بلى، قال: حدثت نفسي قبل يومين أن آتيك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك.
الذي أرسل لي هذه الرسالة بالبريد الإلكتروني قال: هذا الإمام وقع مغشيًا عليه، أغمي عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو أبقى المبلغ في جيبه، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً .
وضعت يدي على مشكلة المسلمين يبيع دينه بيمين كاذبة، يبيع دينه بتصريح كاذب، يبيع دينه باغتصاب بيت، يبيع دينه باغتصاب شركة، يبيع دينه باعتداء على أعراض الآخرين، وهو مسلم.
فلذلك أيها الإخوة، الدين كله مجموع بكلمة استقامة، وما لم نستقم يصبح الدين تراثاً ومنتجاً أرضياً، وثقافة عامة وفلكلوراً، وعادات وتقاليد، وهذا واقع المسلمين، والحقيقة المرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح.
((... لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
الصوم:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ البخاري، الترمذي أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]
ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، أول فقرة انتهت الصلاة، الفقرة الثانية انتهى الصيام.
الفقرة الثالثة:
الحج:
مَن حج بمال حرام، و وضع رجله في الركاب، و قال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك، و لا سعديك، و حجك مردود عليك.
انتهى الحج.
الزكاة:
بقيت الزكاة، قال تعالى: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾
[ سورة التوبة: الآية 53]
الشهادتان:
بقي النطق بالشهادة: قال عليه الصلاة والسلام:
(( من قال: إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))
[ ورد في الأثر ]
إذاً: العبادات الشعائرية، ومنها الصلاة والصيام، والحج والزكاة، والنطق بالشهادة لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية.
أحذر ما يكون بينك وبين أخيك من حقوق:
ما معنى قوله تعالى:
﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (10) ﴾
[ سورة إبراهيم ]
من للتبعيض، يعني يغفر لكم بعض ذنوبكم، أي ذنب يغفر ؟ ما كان بينك وبين الله فقط، أما الذنب الذي بينك وبين الناس هذا لا يغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة، لذلك يتوهم معظم المسلمين أنهم إذا صاموا رمضان إيماناً واحتساباً، وإذا قاموا رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم، وقد أجمع العلماء على أن الله يغفر لهم الذنوب التي بينه وبينهم فقط، أما الذنوب التي بينهم وبين العباد فلا تغفر إلا بالأداء والمسامحة، لأن حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبنية على المشاححة.
ومعظم المسلمين يتوهمون أنهم إذا حجوا بيت الله الحرام رجعوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، أيضاً الذنوب التي بينهم وبين الله تغفر في الحج، أما التي بينهم وبين الناس فلا تغفر.
أيها الإخوة، هل من عمل أعظم على الإطلاق من أن يقدم الإنسان حياته في سبيل الله ؟ والجود بالنفس أقصى غاية الجود، هل من عمل على الإطلاق يرقى إلى أن يقدم الإنسان نفسه في سبيل الله ؟ اسمعوا قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))
[ مسلم، أحمد ]
عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
(( تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ قُلْنَا، دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ))
[ أحمد ]
عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
[ أحمد ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة.
أيها الإخوة، الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية.
لا بد في الاستقامة في المعاملة:
العبادات التعاملية أن تكون صادقاً كفى، بها خيانة أن تحدث أخاك بحديث هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب.
المؤمن لا يكذب، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
[ أحمد ]
أن تكون أميناً والأمانة ليست نسبية بل حدية بمعنى يستوي عند المؤمن التبر والتراب الليرة والمليار ليرة الحرام حرام، المؤمن أمين، المؤمن صادق، المؤمن عفيف، لا يعتدي على أعراض الآخرين، ولا يطلق بصره في الحرام، المؤمن رحيم، المؤمن منصف، المؤمن متواضع، الإيمان مجموعة قيم أخلاقية، إنما بعثت معلماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، الإيمان هو العطاء، وليس الأخذ، بطولتك في أن تعطي، لا في أن تأخذ.
ألف أحدُهم كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهداه إليه، قال: " يا من جئت الحياة فأعطيت، ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، ومشكلات الناس عبادتك ".
حقيقة العبادة التعاملية: أن تكون مستقيماً، أن تكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، عادلاً، متواضعاً، حليماً، رحيماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
أيها الإخوة الكرام، الأصل في العبادة التعاملية لذلك سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما كان معتكفاً في مسجد رسول الله في رمضان لقي واحداً كئيباً قال له: مالي أراك كئيباً ؟ قال: والله ديون لزمتني ما أطيق سدادها، قال: لمن ؟ قال: لفلان، فقال ابن عباس: أتحب أن أكلمه لك ؟ قال: إذا شئت، فقام ابن عباس من معتكفه، لفت نظره رجل قائلا: يا ابن عباس، أنسيت أنك معتكف ؟ قال: والله ما نسيت، ولكنني سمعت صاحب هذا القبر، وأشار بيده إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، والعهد به قريب، ودمعت عيناه، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.
أنا أقيس لو أن أماً تحب الله كثيراً، فاستيقظت الساعة الرابعة صباحاً، وصلت قيام الليل، وبكت، وقرأت القرآن، وفي الساعة السادسة تعبت كثيراً، عندها خمسة أولاد، قالت لهم: دبروا شأنكم، يا بني ونامت، الغرفة باردة، الطعام غير موجود، أحد أولادها ما كتب وظيفة، والثاني ما حفظ الدرس، والثالث ثيابه غير نظيفة، والرابع حذاءه غير نظيف، والخامس أخذ شطيرة ما لفها بمادة عازلة، فانتقل الزيت إلى الكتب، فلما ذهبوا إلى المدرسة، هذا تلقى ضرباً من معلمه على ترك وظيفته، وهذا على ترك كتابه، وهذا على عدم هندامه، وهذا على حذائه، أولادها الخمسة تلقوا عقاباً قاسياً، والغرفة باردة، ولا أكل، أنا أقول باجتهادي الشخصي، وأرجو أن أكون على صواب: إن هذه الأم لو استيقظت قبل طلوع الشمس بساعة، ودفأت الغرفة، وهيأت الطعام، وراقبت وظائف أولادها، وراقبت هندامهم، وراقبت أدواتهم، هيأت لهم شطائر مرتبة محفوظة بأكياس عازلة، مع قطع فواكه، وودعتهم إلى الباب، ولم تطمئن عليهم حتى ركبوا في السيارة، أنا أرى أن هذه الأم التي ما صلت قيام الليل أقرب من الله مليون مرة عن الأولى، لأن الثانية عبدت ربها فيما أقامها، أقامها أماً، لأن الثانية عبدت ربها العبادة التعاملية، وأضافت إلى عبادتها الشعائرية العبادة التعاملية.
العبادات التعاملية فرض، فرض حتمي على كل مسلم، أنا أقول: أضيفوا إلى عبادتكم الشعائرية العبادات التعاملية، والله سمعت صاحب هذا القبر لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.
عندنا عبادات شعائرية، وعبادات تعاملية، والعبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والذي أتمناه على إخوتنا جميعاً أن يضيفوا إلى عباداتهم الشعائرية العبادات التعاملية حتى يقطفوا ثمار الإسلام.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث )


الموضوع : العبادة - عبادة انفاق المال والوقت - وعبادة العصر والجهاد







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. العبادة هدفُ الإنسان في الأرض وعلُّة وجوده فيها:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/01.jpg
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس العقيدة والإعجاز، وقد كان موضوع الدرس السابق العبادة، التي هي علة وجودنا، وسوف أنقل لكم استبياناً أجري على ألف شاب حول سؤال واحد: ما الهدف الذي تسعى من أجله ؟ فكانت الأهداف ضبابية، والأصح أن ثلاثة بالمئة من هؤلاء الشباب يعرفون أهدافهم الواضحة، والإنسان حينما لا يعرف سر وجوده، وغاية وجوده يتحرك حركة عشوائية، قد لا تثمر لا سلامة ولا سعادة، فلذلك أول شيء ينبغي أن نعرفه لماذا نحن في الدنيا ؟ ما علة وجودنا ؟ وقد بدأت هذا الموضوع في الدرس السابق حينما قلت في قوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]
والآية واضحة، الآية واضحة وضوح الشمس، وهي بمصطلح الأصوليين قطعية الدلالة، العبادة علة وجودنا. العبادةُ معنى واسع لا يضيق في العبادات الخمس:
ولكن الاختلاف بين المسلمين في مفهوم العبادة، فمن فئة يتوهمون أن العبادة لا تزيد على أداء العبادات الشعائرية ؛ من صلاة، وصيام، وحج، لكنْ هناك أناس يعرفون أن العبادة لها مغنى واسع جداً، صدق أو لا تصدق في كل حركة وسكنة، في كل كلمة، في كل عطاء ومنع، وصلة وقطيعة، وابتسامة وعبوس، ورضا وغضب، هناك عبادة تدور معك.
لا تصح العبادة الشعائرية إلا إذا صحت العبادة التعاملية:
حينما تفهم أن العبادة تدور مع الإنسان في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤون حياته، عندئذ نعبد الله حق العبادة، لذلك في اللقاء السابق تحدثنا عن العبادة الشعائرية، وعن العبادة التعاملية، وكان محور الدرس أن العبادة الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية، وبينت قول بعض العلماء: تركُ دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام، وبينت أنه كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( لأن أمشي مع أخ في حاجةٍ خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا ))
[ الطبراني عن ابن عمر ]
لذلك نتابع هذا الموضوع بتوسيع مفهوم العبادة، بل بالحديث عن العبادة كما ينبغي، بل كما أرادها الله، بل هي حقيقة الدين أن تعبد الله:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ(21) ﴾
[ سورة البقرة ]
أيها الإخوة الكرام، الآية الكريمة:
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) ﴾
[ سورة الملك ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/02.jpg
الذي يعد الهدف عنده واضحاً يمشي سوياً على صراط مستقيم باتجاه هدفه، والذي لا يعرف علة وجوده، ولا غاية وجوده يمشي مكباً على وجهه، لذلك ذكرت في لقاء سابق أنك إذا كنت في مدينة، ولك في هذه المدينة هدف واضح جداً فإنك تختار الوسائل التي تحقق هذا الهدف، هذا هو الإنسان السوي الصحيح العاقل الفالح الناجح، أما حينما لا تعرف لماذا أنت في هذه البلدة تكون الحركة عشوائية، والحركة غير مجدية، والآية التي تقصم الظهر:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ﴾
[ سورة الكهف ]
وهذا ينطبق على نصف المتعلم، فلا هو متعلم فينتفع بعلمه، ولا هو جاهل فيتعلم، لذلك من الناس من لا يدري، و لا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه.
إذاً: في اللقاء السابق كانت هناك أفكار دقيقة جداً حول العبادة التعاملية، والعبادة الشعائرية، العبادة التعاملية أن تكون صادقاً أميناً، عفيفاً رحيماً، متواضعاً منصفاً، وعادلاً.
والعبادة الشعائرية ؛ أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تزكي، وأن تشهد أنه لا إله إلا الله. مفهوم آخر للعبادة: عبادة الهوية:
1 ـ عبادة الهوية:
الآن هناك تقسيم للعبادة بشكل آخر:
1 – عبادة الغني إنفاقُ المال على الوجه الصحيح:
أولاً: هناك عبادة الهوية، مَن أنت ؟ كل إنسان له دور اجتماعي.
أولا: هذا رجل، وهذا امرأة، هذا ذكر، وهذا أنثى.
ثانياً: مَن هذا الرجل ؟ رجل غني، هويته أنه من أهل الغنى، هذا الرجل قوي من وصفه الاجتماعي أنه يحتل منصباً رفيعاً، فهو قوي، معه توقيع، بجرة قلم يحق حقاً، ويبطل باطلاً، يقر معروفاً، ويزيل منكراً، هذا الرجل عالم، هويته عند الناس داعية عالم. أوّلُ شيء في هذا اللقاء الجديد ـ إن شاء الله ـ: من أنت ؟ هناك عبادات كقاسم مشترك بيننا جميعاً، يجب أن نصلي جميعاً، فالصلاةُُ هي العبادة الشعائرية الأولى، ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، والصلاة سيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
نحن جميعاً نصلي هذه عبادة مشتركة، بل هذا قاسم مشترك بيننا جميعاً، جميعاً نصوم، جميعاً نؤدي زكاة أموالنا إن بلغت أموالنا النصاب، جميعنا يحج بيت الله الحرام إذا كان أحدُنا مستطيعاً وغنياً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/03.jpg
لكن هناك عبادات متعلقة بهويتك: مَن أنت ؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، وما أعطاك الله هذا المال إلا لتنفقه في سبيل الله، إلا من أجل أن تسعد بإنفاقه في الدنيا والآخرة، بل إلا من أجل أن تنافس العلماء، الدليل: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))
[ متفق عليه ]
أول سؤال: مَن أنت ؟ أو اسأل أنت نفسك هذا السؤال، المؤمن الغني يجب أن يعلم علم اليقين أن الله ما أعطاه هذا المال إلا ليكون عوناً له على دخول الجنة، ولكم أيها الإخوة الكرام حقائق كثيرة بإمكان أصحاب الأموال أن يصِلوا إلى أعلى مراتب الجنة، لأن المال قوة، المال قوام الحياة:
هذا التاجر الذي يكسب المال الحلال، وينفقه في مصالح المسلمين هو عند الله مع النبيين والصديقين، التاجر الصدوق مع النبيين و الصديقين، لأنه كما يمكنني أن أقنعك بأفكاري يمكنني أن أملك قلبك بمالي، لذلك العبادة الأولى لأصحاب الأموال إنفاق أموالهم، بأموالهم يرأبون الصدع، بأموالهم يلمون الشمل، بأموالهم يمسحون الدموع عن وجوه اليتامى، بأموالهم يزوجون الشباب و الشابات، بأموالهم يهيئون البيوت للفقراء، بأموالهم يطعمون الطعام، بأموالهم يرعون الأيتام، بأموالهم يعطون عطاء يملك القلوب، لذلك أول عبادةٍ عبادةُ الهوية، مَن أنت ؟
اتفقنا قبل قليل على أن هناك عبادات مشتركة، قواسم مشتركة، نحن جميعاً نصلي، ونصوم، ونؤدي زكاة أموالنا، و حج، و نطق بالشهادة، ولكن بعد أداء هذه العبادات الشعائرية التي هي قواسم مشتركة هناك عبادات متعلقة بهوية الإنسان، الغني أول عبادة يكلف بها إنفاق المال، لأن الله جعل هذا المال مكنة له على طاعة الله، الدليل:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (77) ﴾
[ سورة القصص]
هذه واحدة، الآية واضحة جداً، قضية المال أيها الإخوة الكرام قد ينزلق الإنسان، ويصبح في خدمة المال، ويصاب بمرض بالنسبة إلى النفس كالمرض الخبيث بالنسبة إلى الجسم:
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) ﴾
[ سورة التغابن]
الشح مرض، والشحيح أيها الإخوة يعيش فقيراً ليموت غنياً، لذلك ورد في بعض الآثار أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم، والتبعة علي.
بل إن أندم الناس يوم القيامة رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة، ودخل هو بماله النار، فالغني عبادته الأولى إنفاق المال لذلك:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾
[ سورة البقرة]
من أدق المعاني لهذه الآية: أي لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن لم تنفقوا، والشواهد لا تعد و لا تحصى.
2 – عبادة القويِّ إنصاف المظلوم ونصرةُ الضعيف:
أنت من ؟ أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق، إنصاف المظلوم، أن تأخذ للضعيف من القوي، وأن تأخذ للفقير من الغني، وأن تأخذ للمظلوم من الظالم، أنت بجرة قلم تصدر قراراً، لذلك الأقوياء أحياناً يترنمون بكلمة مسؤول كبير، ولو عرفوا معنى هذه الكلمة لارتعدت فرائصهم من هذه الكلمة، مسؤول كبير:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
[ سورة الحجر]
لذلك حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، القوة مسؤولية، والمال مسؤولية.
يا أيها الإخوة الكرام، قد تعلو مرتبة الإنسان بالمال، وقد تعلو بالمنصب، وقد تعلو بالعلم، وكلما علت مرتبة الإنسان اتسعت دائرة خياراته في الأعمال الصالحة.
3 – عبادة القائم على التعليم:
معلّم بصف معه صلاحيات تصيب ثلاثين طالباً، لكن مدير مدرسة صلاحياته تغطي أربعمئة طالب، لكن مدير التربية صلاحياته لمحافظة بأكملها، أما وزير التربية فبيده المناهج، يمكن أن يصلح المناهج، وأن يكلف أناساً بتأليف كتب من أعلى مستوى، وأن يضبط الأمور، فكلما علت مرتبتك اتسعت دائرة الأعمال الصالحة التي تتاح لك، لذلك الممكَّنون في الأرض يتاح لهم من الأعمال الصالحة ما لا يتاح لغيرهم، وكلمة ( مُمَكَّن في الأرض ) تعني أن تكون قوياً، و تعني أن تكون غنياً، وتعني أن تكون عالماً.
أوّل عبادة عبادةُ الهوية أنت من ؟ القوي له عبادة فضلاً عن العبادات الشعائرية التي هي قاسم مشترك بين كل الناس، القوي له عبادة إحقاق الحق، إنصاف المظلوم، أن يأخذ للمظلوم من الظالم، للضعيف من القوي، للفقير من الغني، أن ينصف، أن يعدل، وعدلُ ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً.
فأول عبادةٍ عبادةُ الهوية، الغني بإنفاق ماله.
4 – عبادة العالم تعليم الناس الخير لوجه الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/04.jpg
والعالم بإنفاق علمه، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ﴾
[ سورة الأحزاب ]
دققوا.
﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾
[ سورة الأحزاب ]
الذين يبلغون رسالات الله لهم صفات لا تعد ولا تحصى، ولكن الله أغفلها جميعها، واكتفى بصفة واحدة.
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (39) ﴾
[ سورة الأحزاب ]
إذا خشي الذي يبلغ رسالة الله غير الله فسكت عن الحق خوفاً منه وتكلم بالباطل إرضاء لهم ماذا بقي من دعوته ؟ انتهت دعوته، إذاً هناك صفة واحدة جامعة مانعة كافية أن تخشى الله وألا تخشى إلا الله وألا تأخذك في الله لومة لائم.
أيها الإخوة، العبادة الأولى عبادة الهوية، إن كنت عالماً فعبادتك الأولى أن تعلم العلم لوجه الله تعالى، وإن كنت قوياً فأن تحق الحق، وأن تبطل الباطل، وإن كنت غنياً فأن تنفق المال في سبيل الله.
5 – عبادة المرأة خدمةُ زوجها وأولادها:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/05.jpg
وإن كنتِ امرأة فالعبادة الأولى أن ترعى المرأة زوجها وأولادها، اعلمي أيتها المرأة، و أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
أضرب مثلاً دائماً وأكرره، لأنه مناسب جداً، امرأةٌ صلت قيام الليل، وبكت في الصلاة، وخشع قلبها، وذابت محبة لربها، وعندها خمسة أولاد، في الساعة السادسة تعبت كثيراً فطلبت من أولادها أن يتدبروا شأنهم، الأكل غير موجود، الغرفة باردة، بعض أولادها لم يكتب وظيفته، بعض أولادها هندامه غير حسن، بعض أولادها يحتاج ثيابه إلى إصلاح، انطلقوا إلى المدرسة، هذا ما كتب وظيفته، والثاني على هندامه ملاحظة، والثالث كتابه فيه آثار زيت من الشطيرة التي ما وضع لها كيس نايلون، الكل أُهِينوا، أنا أقول: هذه المرأة لو استيقظت قبل طلوع الشمس بنصف ساعة، ودفأت الغرفة، ووضعت الطعام، وهيئت الشطائر لأولادها، وراقبت وظائفهم، راقبت هندامهم، راقبت ثيابهم، راقبت محفظتهم، ودعتهم إلى أن يستقلوا السيارة، أنا أرى أن هذه المرأة أقرب إلى الله مليون مرة من الأولى، لأن الأولى كانت عابدة لله، لكن الثانية عبدت ربها فيما أقامها.
إذاً: أول عبادة هي عبادة الهوية، من أنت ؟ لك عبادة خاصة، لذلك إذا فطن الناس إلى هذه الحقيقة كان حال المسلمين في حال آخر، مِن هنا قال سيدنا علي رضي الله عنه: << قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمَه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ـ الآن دققوا ـ فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره >>.
أعيد القول مرة ثانية: << قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمَه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره >>.
وشر الناس من باع آخرته بدنيا غيره.
أيها الإخوة، هذه عبادة الهوية.
اسأل نفسك من أنت ؟ أنت غني لك عبادة، قوي لك عبادة، عالم لك عبادة، أنتِ امرأة لكِ عبادة خاصة، اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة، أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: مَن هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاد، فأبت لزواج من أجلهم، وهي تنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة.
هذه عبادة الهوية، لذلك يجب أن تعبد الله فيما أقامت، كملخص يجب أن تعبد الله فيما أقامك. 2 ـ عبادة الظرف:
هناك عبادة الظرف، إنسان له أب مريض، وعنده بعض مجالس العلم يحضرها، أيهما أولى أن يجلس مع أبيه ليرعاه، ويقدم له ما يحتاج، ويؤنسه، أم أن يدعه، ويهمله، وأن يأتي إلى عبادة ثانية ؟ نقول له: لا، هذه عبادة الظرف، وهي مقدمة على أية عبادة عدا الفرائض طبعاً، يجب أن ترعى أباك، العبادة الأولى لمَن له أب مريض أن يرعى الأب المريض، العبادة الأولى لمن عنده ضيف أن يكرم الضيف، العبادة الأولى لمن ابنه في الامتحان أن يهيئ له الجو المناسب للدراسة، العبادة الأولى لمن يرى ابنته قد شبت، وآن أوان زواجها أن يسعى لزواجها، العبادة الأولى لمن يرى ابنه في ريعان الشباب والفتن مستعرة، والدنيا ترقص العبادة الأولى أن يزوج ابنه، هذا معنى دقيق جداً، هذه العبادة الثانية، عبادة الظرف، الضيف يكرم، والمريض يعالج، والطالب تهيئ له أجواء الدراسة، وهناك آباء عقلاء جداً في أيام الامتحان تلغى كل الزيارات واللقاءات والحفلات، هذا جو امتحان، الأسرة كلها مستنفرة من أجل أبنائها، جو هادئ، تقديم طعام مناسب، عناية، سهر، فكم مِن طالب رسب في الشهادة الثانوية لأن أباه وأمه لم يوقظاه إلى وقت الامتحان، يجب أن تكون هناك وسائل للعناية بالأولاد.
لذلك أيها الإخوة، ونحن أيضاً نتحدث عن عبادة الظرف، وهناك قصص كثيرة مؤلمة جداً، أن الإنسان لا يعرف الأولويات، أبوه مريض، ويقوم بعبادة أقلّ بكثير من ثواب تمريض أبيه، لذلك لا يقبل الله نافلة أدت إلى ترك واجب.
عندك شاب في ريعان الشباب، والفتن مستعرة، وكل سنة تأتي بعمرة، وكل سنة تحج، ولك ثلاثون حجة، زوج ابنك، أنا أرى أنك حججت مرة إلى خمس، بارك الله بك، ونفع بك، هنيئاً لك، لكن ابنك يتلوى ويتمنى أن تكون له زوجة تحصنه، أنا أقسم بالله لكم أن الإنسان حينما يزوج أولاده في هذا الزمان بالذات، في زمان الفتن، والله له عند الله أجر كبير، لكن ليس هذا بمعنى أن تدع حجة الفريضة، وحج كل خمس سنوات حجة، لكن ينبغي أن تهتم بأولادك، وأن تزوجهم، وأن تحصنهم، مَن لهم غيرك ؟ اسمعوا هذه الكلمة: الآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أولادك فمَن لهم غيرك ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/06.jpg
والله أعرف أبًا زوج عنده ولدين، وهو زواج جيد، والله حينما يقف أمامهما كأنهما جنديان أمام لواء في الجيش من شدة الأدب والاحترام والمحبة، إنسان زوج ابنه شيء عظيم، هذا عمل كبير، لكن هناك آباء عقليتهم متخلفة جداً، يقول: أنا نشأت عصاميًا، والله أعرف إنساناً عنده أكثر من عشرة أبنية، وجمع بعض الإخوة مبلغاً لتأمين بيت لشاب، ووالده عنده عشرة أبنية، ويقول: أنا نشأت عصاميًا، وابني يدبّر أمره، فهذه قسوة بالغة الآن، فلذلك الأب النظامي الكامل هو الذي يهتم بأولاده، وهناك آباء أبطال، يبيع أحدهم بيتا بأرقى أحياء دمشق، ويسكن خارج المدينة، ويشتري خمسة بيوت بثمن بيته، وهناك بيوت ثمنها ثلاثون إلى أربعين مليونًا لزوج وزوجته، وعنده أربع أولاد يتلوون من الشعور بالوحشة، بلا زوجة، اسكن في بيت بعشرة ملايين، واشتر بيوتًا لأولادك بالباقي.
أعرف آباء والله أغنياء جداً، يأتي خطّاب كثيرون لابنته، ومعها بيت، هذا يسمونه عرضًا، هذه البنت معها بيت، هل زوّجتها بهذه الطريقة ؟ كثير من الشباب المؤمنين الصادقين ما عندهم بيت، فيجدون بنتًا معها بيت، وهذه نعمة، وهناك آباء عندهم عقل راجح جداً، عن طريق هذا البيت تم الزواج الجيد والناجح.
إذاً: هذه عبادة الظرف.
3 ـ عبادة الوقت:
الآن عبادة الوقت، وقت فجر، هذا الوقت ليس وقت حسابات، ولا غسل سيارات، هذا وقت عبادات، هذا وقت قراءة القرآن، هذا وقت الصلوات، هذا وقت الأذكار، عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
[ النسائي ]
عبادة الوقت ؛ أن تعطي لكل وقت حقه، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل.
النبي عليه الصلاة والسلام رأى شاباً في ريعان الشباب يقرأ القرآن، أو يتعبد الله في وقت العمل، فسأله: (( مَن يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك ))
[ ورد في الأثر ]
دقق، هذا وقت عمل، أخوك أعبد منك، لأنه يكسب المال الحلال، وينفقه على مَن يلوذ به.
إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل .
إذاً النوع الثالث من العبادات عبادة الوقت، الفجر وقت صلوات وأذكار، والتجاء على النهار، في أثناء النهار وقت عمل، سيدنا عمر رأى من لا يعمل في وقت العمل فقال: << إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به، أفتخذت قراءته عملاً >>. 4 ـ عبادة العصر:
بين عصر المبادئ والأشخاص والأشياء:
أيها الإخوة، لكن هناك عبادة سوف نقف عندها وقفة متأنية، إنها عبادة العصر، عبادة العصر بادئ ذي بدء العصور متنوعة، هناك عصر المبادئ، والأشياء والأشخاص في خدمة المبادئ، وهذه العصور أرقى العصور في تاريخ البشرية، الأشخاص والأشياء في خدمة المبادئ، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ (24) ﴾
[ سورة التوبة ]
أشخاص.
﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا (24) ﴾
[ سورة التوبة ]
أشياء:
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ (24)﴾
[ سورة التوبة ]
مبادئ، في عصر مبادئ كالعصر الإسلامي الأول، مَلك من ملوك الغساسنة اسمه جبلة ابن الأيهم جاء مسلماً، رحب به عمر، في أثناء طوافه حول الكعبة داسَ بدوي من فزارة طرف إزاره، فانخلع الإزار من كتفه، وهو ملِك، وهذا الذي داس رداءه من عامة الناس، بالتعبير المعاصر من سوقة الناس ودهمائهم وعامتهم، من الدرجة الدنيا، ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا البدوي يعيش في مجتمع المبادئ فيه مقدسة، فذهب إلى عمر واشتكى، سيدنا عمر استدعاه، وقد صاغ شاعر معاصر الحوار شعراً، قال له عمر :
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة الملك:
لست ممن ينكر شيا أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي
قال له عمر:
أرضِ الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشــمن الآن أنـفـك وتـنال مــا فعلتـه كفك
قال:
كيف ذاك يا أمير المؤمنين هو سوقة وأنا عرش وتاج
كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً ؟
قال له:
نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً
وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا
قال:
كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعزّ
أنا مرتدٌ إذا أكرهتني
قال:
عالَم نبنيه كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى
العصر الآخر عصر أشخاص، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) ﴾
[ سورة القصص ]
لذلك دائماً وأبداً هناك أنبياء، وهناك أقوياء ففي عصر الأشخاص أي الأقوياء ملكوا الرقاب ولم يملكوا القلوب، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأقوياء عاش الناس لهم، لذلك أحب الناس الأنبياء، وخافوا من الأقوياء.
النوع الثاني من العصور عصر الأشخاص، فالمبادئ والأشياء في خدمة الأشخاص، هذا عصر أشخاص، لكن قد يكون الشخص قوياً، لكنه مصلح، حالة بين أن تكون مثالية وأن تكون مؤلمة جداً عصر الأشخاص، لكن الطامة الكبرى في النوع الثالث عصر الأشياء.
خطب شاب فتاة فقال والدُها: له يا بني، عندك بيت ؟ قال: طبعاً، قال: أحضر ورقة الطابو، فأحضرها، عندك مركبة، قال: نعم، قال: هات ورقة الميكانيك، عندك معمل، هات الرخصة، بيت ومعمل ومركبة، زوجه ابنته، زاره في المحل التجاري، وهو عند أصدقائه، فقال له: هذا زوج ابنتي، فتهجم أحدهم وقال له: معقول !!! هذا ليس مسلماً، قال له: أنت غير مسلم ؟ قال: ما سألتني عن ديني إطلاقاً.
هذا عصر أشياء.
الآن مثلاً: الإنسان كل قيمته بمساحة بيته، بنوع الكسوة، بنوع الفرش، بمركبته، برقم يأتي بعد الماركة، قيمته بالخلوي الذي يملكه، قيمته بأجهزته، حينما تكون الأشياء هي المسيطرة تكون المبادئ والأشخاص في خدمة الأشياء، وهذه هي الطامة الكبرى. من عبادات العصر:
1 – الجهادُ البنائي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1389/07.jpg
الآن ننتقل إلى عبادة رابعة عبادة العصر، وهذا موضوع مهم جداً، لأنه يعني جميع المسلمين:
إذا أراد الطرف الآخر إفقار المسلمين فالعبادة الأولى استصلاح الأراضي، وإنشاء السدود، واستخراج الثروات، وتطوير الصناعات، والاكتفاء الذاتي، والتصدير، وجمع الثروات، كي نؤمن بهذه الثروات حاجات المجتمع، فأنت حر إذا كنت قوياً، وما لم تتفوق في دنياك فلا يحترم دينك، وما لم تكن قوياً فلا تملك قرار نفسك، هذه حقيقة، ما الذي يغطي هذا الكلام ؟ القرآن الكريم، دقق:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
جاءت كلمة ( قوة ) نكرةً، العلم قوة، والصناعة المتينة قوة، والصناعة الاستراتيجية قوة.
أحيانا نسمح بإنشاء مشاريع، أكثر هذه المشاريع سياحية وخدمية، لكن ليس عندنا صناعة استراتيجية، ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تنسج، وتستخدم آلة لا تصنعها، وويل لأمة تشتري السلاح شراءً، إذاً، ليس قرارها بيدها، فلذلك عبادة العصر قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
الآن الدول النووية أنا متأكد قد تمضي خمسون عاماً قادمة، وليست مضطرة أن تستخدم السلاح النووي، لكن هذا السلاح النووي يعد ردعاً قوياً لمن حولها، إذاً، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
كلمة (من قوة ) جاءت نكرة، والتنكير شمولي، ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام القوة رباط الخيل، بعد حين القوة المنجنيق، بعد حين المدافع، بعد حين المدرعات، الآن الطائرات، لاحظتم لبنان البنية التحتية كلفت أربعين مليارا هدمت في شهر عن آخرها بالطيران، فما لم تملك سلاحاً جوياً فعالاً فلست قوياً، إذاً:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
هذا سماه العلماء عطف الخاص على العام، كي ننتبه ما القوة ؟ القوة سلاح، القوة سلاح متطور، مثلاً طائرة مداها المجدي سبعة كيلو مترات، ومدرعة مداها المجدي ثلاثة كيلو مترات، يمكن لطائرة واحدة أن تدمر مئة دبابة واحدة بالمدى، يومكن لطائرة ألاّ ترى إلا هدفين على بعد خمسة كيلو مترات، ويمكن لطائرة أن ترى ثمانية عشر هدفًا على بعد مئتي كيلو متر، إذاً قضية قوة قضية خطيرة جداً.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
السلاح قوة، والسلاح المتطور قوة، والأقمار الصناعية قوة، والمعلومات قوة، والمعنويات قوة، والتأهيل قوة، التدريب قوة، والتنظيم قوة، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
وقد لا تحتاجون إلى استخدام القوة، لكن هذه القوة ترهب، لذلك هناك بعض الدعاة يخشى كلمة ترهبون به عدو الله، يقول: صرنا إرهابيين، هذا الإرهاب في الآية من أجل ألا يكون إرهاباً، هذا الإرهاب لمنع الإرهاب، ترهبون به عدو الله.
حدثني أخ من بلد إسلامي مجاور لبلد إسلامي، لكن المسلمين في البلد الأول مضطهدون جداً، البلد الآخر لما فجر قنبلة نووية قال لي: والله معاملة أولي الأمر للمسلمين للبلد المجاور انتقل مئة وثمانين درجة لزيادة اهتمام، قال تعالى:
﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
إذَا أراد الطرف الآخر إفقارنا ينبغي أن نستعد، هذا اسمه الجهاد البنائي، أن نبني بلدنا، أن نبني أمتنا، أن نستخرج ثرواتنا، أن نستصلح أراضينا، أن ننشئ السدود، أن نطور الصناعات، أن نكتفي ذاتياً، هذه عبادة، وإلا فكما ترون المليار ونصف المليار مسلم عندهم ثروات لا تعد ولا تحصى، بلد واحد محتل الآن، أكبر احتياطي نفط في العالم فيه، أربعمئة وخمسون مليار برميل، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
هذه العبادة الأولى، عبادة الجهاد البنائي، العامل يتقن، والمزارع يتقن، والمدرس يتقن، والطبيب يتقن، والمهندس يتقن، وكل إنسان حرفته تعد أداة قوته، تطوير صنعته، والرقي بها أحد أكبر الواجبات الدينية.
2 – الجهادُ العلمي الدعوي:
الآن لو أراد الطرف الآخر إضلالنا فالعبادة الأولى ترسيخ معالم هذا الدين، والرد على الشبهات الرد، وعلى التخرصات، توضيح القيم، توضيح المبادئ، لذلك أحياناً الدعوة إلى الله تعد من أعظم أنواع الجهاد، لذلك قد يوازي مداد العلماء دماء الشهداء، هذا يقوم بعبادة تأصيل المبادئ، وترسيخ القيم، والرد على الشبهات، وإحقاق الحق، هذه عبادة أيضاً.
إذاً: العبادة جهاد بنائي، أعدوا لهم، وهناك عبادة ترسيخ المبادئ، عبادة دعوية، نريد دليلا، قال تعالى:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ﴾
[ سورة الفرقان ]
سمى الله تعليم القرآن الكريم وتوضيح معانيه وترسيخ مبادئه سمى هذا العمل جهاداً كبيراً، وجاهدهم بالقرآن جهاداً كبيرا، هذه عبادة ثانية في العصر.
3 – المناشط الإسلامية لتحصين الشباب:
عندنا عبادة ثالثة، إذا أراد الطرف الآخر إفسادنا بثمانمئة محطة، منها محطات إباحية، الهدف إكرامنا أم إفسادنا ؟ الهدف إفسادنا لا إكرامنا، فلذلك أن تحصن شبابك وشاباتك بمناشط إسلامية، بمدارس إسلامية، بجامعات إسلامية، ببدائل إسلامية خير تحصينٍ، مادام الطرف الآخر يريد إفسادنا فلا بد من بدائل، أحياناً يربط بالمسجد منتجع، هذا يستقطب الصغار يملؤون به وقتهم، ويلعبون، ويسرون بهذه المنتجعات، هذا من أجل ألا يفسد شبابنا، هذه العبادة الثالثة.
الأولى: الإغناء، تطوير، البناء.
الثانية: التوضيح والترسيخ.
الثالثة: عبادة المناشط الإسلامية تحصين الشباب والشابات.
4 – الجهاد القتالي:
وإذا أراد الطرف الآخر إذلالنا يجب أن نضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، حينما احتل بعض الدول الغربية بلاداً إسلامية، وكان فيها مقاومة كبيرة جداً، أنا أعتقد أنهم يعدون في المستقبل للمليون قبل أن يفكروا باحتلال بلد آخر، إن أرادوا الإذلال تصدى الناس لهذا العدو الغاشم، هذه عبادة أيضاً، هذه عبادة الجهاد القتالي، في عندنا جهاد دعوي، قال تعالى:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ﴾
[ سورة الفرقان ]
عندنا جهاد بنائي، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾
[ سورة الأنفال ]
5 – جهاد النفس:
عندنا جهاد نفسي، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) ﴾
[ سورة العنكبوت ]
غض بصره، ضبط لسانه، حرر دخله، هذا جهاد نفسي، وهو أول أنواع الجهاد، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، فهناك جهاد نفسي، وجهاد بنائي، أعدوا لهم، وجهاد دعوي، وجاهدهم به جهاداً كبيراً.
الجهاد القتالي قال تعالى:
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ﴾
[ سورة الحج ]
هذه عبادات كلها. بين أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد:
لكن هناك أخلاق الدعوة وهناك أخلاق الجهاد، أخلاق الدعوة، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾
[ سورة فصلت ]
أخلاق الجهاد، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) ﴾
[ سورة التوبة ]
الفرق واضح تماما، وأكبر شيء يزعج أن تختلط عند بعض الدعاة أخلاق الجهاد بأخلاق الدعوة، أخلاق الدعوة:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾
[ سورة فصلت ]
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) ﴾
[ سورة النحل ]
أخلاق الجهاد، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (73) ﴾
[ سورة التوبة ]
أيها الإخوة، هذه كلها من قبيل أنواع الجهاد، بدءاً من الجهاد النفسي، إلى الجهاد الدعوي، إلى الجهاد البنائي، إلى الجهاد القتالي، هذه عبادة العصر، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا أغنينا بلادنا بالعمل الدؤوب والمتقن، إن أرادوا إضلالنا رسخنا معالم الدين، رددنا على الشبهات، إن أرادوا إفسادنا حصنّا شبابنا وشاباتنا، إن أرادوا إذلالنا بذلنا الغالي والرخيص والنفس والنفيس.
هذه بعض معان العبادة أيها الإخوة، وقد رأيتم كيف أنها تدور مع الإنسان في كل أوقاته، وفي كل شؤون حياته.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع )


الموضوع : مقومات التكليف : تمهيد







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة تذكيرية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع من دروس العقيدة والإعجاز، وقد أنهينا في الدرس الماضي مفهوم العبادة الواسع، وكيف أن العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، وكيف أن العبادة تدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، وفي كل أوقاته، وفي كل أماكنه، وفي كل حركاته وسكناته، وبينت أن هناك عبادة شعائرية كالصلاة والصوم والحج، وأن هناك عبادة تعاملية كالصدق والأمانة والعفة، ثم بينا عبادة الهوية، الغني له عبادة متميزة، والعالم له عبادة متميزة، والحاكم له عبادة متميزة، والمرأة لها عبادة متميزة، وأن هناك عبادة الظرف، عندك ضيف، عندك قريب، عندك مريض، عندك ابن على مشارف الامتحان، وهناك عبادة العصر، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا فالعبادة استخراج الثروات، واستصلاح الأراضي، وتأمين المشاريع، كي نكفي الأمة عن أن تستجدي من جهات لا ترضي الله، وبينت أيضاً كيف أن العبادة عبادة العصر والظرف والهوية، وهذه عبادات هي منهج تفصيلي يبدأ من العلاقات الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية.
مقومات وثوابت التكليف:
الآن ننتقل إلى موضوع جديد، ألا وهو أن الله عز وجل حينما كلفنا أن نعبده أعطانا مقومات التكليف، ما مقومات التكليف ؟ بماذا أعبده ؟ قلت في لقاء سابق: نحن بالكون نعرفه، وبالشرع نعبده، المقوم الأول من مقومات التكليف، وسوف نمضي بها إن شاء الله دروساً كثيرة، لكن في هذا الدرس سوف أجمع كل المقومات كموجز، والتفصيلات تأتي في دروس قادمة.
المقوم الأوّل: الكون:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/01.jpg
الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان في الأرض هو هذا الكون، الشمس شمس، القمر قمر، الليل ليل، النهار نهار، الجبال، البحار، البحيرات، الأنهار، الأسماك، الأطيار، النباتات، الجمادات، المعادن، أشباه المعادن، المخلوقات، هذا الكون هو الثابت الأول ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا الكون قرآن صامت، هذا الكون يمكن أن يقرأ فيه أي إنسان، عربيًا كان أو غير عربي، هذا الكون لا يختلف عليه اثنان، هذا الكون ينتفع به كل إنسان، لذلك يعد الكون أكبر ثابت من ثوابت الإيمان، الكون يدل على الله، ففي الكون حكمة تدل على الحكيم، وفي الكون رحمة تدل على الرحيم، وفي الكون تسيير يدل على المسير، وفي الكون مخلوقات تدل على الخالق، وفي الكون لطف يدل على اللطيف، وفي الكون جمال يدل على الجميل، كأن هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، وهذا الكون ثابت متفق عليه، والكل يخضع له، لذلك في عصور الاضطرابات العقدية، في عصور الفتن والضلالات يبقى الكون هو الثابت الأول، مهما يكن الإنسان معانداً أو عنيداً أو مستكبراً كيف لا يخضع لآيات تأخذ بالألباب ؟ كيف لا يخضع لمجرة تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ وأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، كم يقطع في الدقيقة ؟ كم يقطع في الساعة ؟ كم يقطع في اليوم ؟ كم يقطع في الشهر ؟ في السنة ؟ في العشرين مليار سنة، قال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾
[ سورة الذاريات ]
المــاء:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/02.jpg
في هذا الماء خاصة لولاها لما كان هذا الدرس، لما كانت هذه المدينة، لما كان هذا البلد، لما كان إنسان على وجه الأرض، الماء شأنه كشأن أي عنصر، بالتسخين يتمدد، وبالتبريد ينكمش، لو بردناه ينكمش، وينكمش إلى درجة زائد أربع، فتنعكس الآية بآلية مذهلة، فيزداد حجمه، فإذا ازداد حجمه قلّت كثافته، فإذا قلّت كثافته طفا على سطح الماء، وامتنعت البحار أن تتجمد، لكن لو أنه تابع انكماشه لزادت كثافته، فغاص في أعماق البحر، ولتجمدت البحار، ولانعدمت الأمطار، ولمات النبات، ولمات الحيوان، ولمات الإنسان، هذه خاصة في الماء.
أيها الإخوة، والله الذي لا إله إلا هو يمكن أن نمضي كل أعمارنا في التفكر في خلق السماوات والأرض، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ لذلك الكون شيء ثابت.
هذه الجبال مَن نصبها ؟ من جعل في قمم الجبال ينابيع ماء ؟ ما معنى ينبوع ماء في قمة الجبل، لا بد أن تكون هناك تمديدات لجبل أعلى من أجل الوعول التي تعيش في قمم الجبال.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/03.jpg
في بعض البلاد إندونيسيا سبعة عشر ألف جزيرة، في كل جزيرة نبع ماء يتناسب مع مساحتها، وأمطار الجزيرة لا تكفي لإمداد هذا النبع، فيأتي هذا الماء من اليابسة من منطقة واسعة جداً فيها أمطار غزيرة، مَن مدّد هذه التمديدات ؟
والله أيها الإخوة، نحن إذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض نوضع أمام عظمة الله، الكون كله ينطق بوجوده، وبوحدانيته، وبكماله، وحينما يتيه الإنسان في القيل والقال، يتيه الإنسان في التمزقات العقدية، في الضلالات، في اختلافات لا تنتهي، يكون الكون هو الثابت الأول، الذي خلق الأكوان إله عظيم، كامل كمالاً مطلقاً، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، قال تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) ﴾
[ سورة الواقعة ]
التفكُر في الكون عبادةٌ:
لذلك ما من عبادة أعظم من عبادة التفكر، التفكر هو السبيل إلى الله، بل إن التفكر في آيات الله الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية هو الباب الوحيد إلى الله، ومعظم السور المكية تبدأ بآيات كونية، قال تعالى: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) ﴾
[ سورة الشمس ]
﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) ﴾
[ سورة الفجر ]
آيات كثيرة تدعونا بأمر واضح صارخ، قال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (101) ﴾
[ سورة يونس ]
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) ﴾
[ سورة الطارق ]
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾
[ سورة عبس ]
آيات كثيرة تبدأ بـ ( أولم يرَ ).
أيها الإخوة الكرام، آيات الكون في القرآن الكريم منهج لنا، رؤوس موضوعات للتفكر، هذا الماء من يخزنه لك في الجبال ؟ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
[ سورة الحجر ]
لنا وقفة متأنية عند الكون، ولكن في هذا الدرس نسير على مقومات التكليف سيراً سريعاً.
الكون الثابت الأول، الكون لا يختلف عليه اثنان، الكون أهل الأرض قاطبة معجبون بعظمة خالقه، لذلك هذا الكون سخر للإنسان يوم حمل الإنسان الأمانة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ (72) ﴾
[ سورة الأحزاب ]
يوم قَبِل الإنسان حمْلَ الأمانة سخر له ربه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، لأنك من بني البشر، أنت المخلوق المكرّم، الأول رتبة، فمَن عرف نفسه عرف ربه، لأنك من بني البشر، لأنك إنسان أنت سيد البشر، أنت المخلوق المكرّم، ولكن هذا المخلوق الأول إما أن يكون فوق الملائكة، وإما أن يكون دون الحيوان، فقد رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾
[ سورة البينة ]
خير ما برأ الله.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
أتعلم أنك إن عرفت ربك كنتَ فوق الملائكة ؟!
أيها الإخوة، الله عز وجل له آيات كونية ينبغي أن نتفكر بها، وله آيات تكوينية، وهي أفعاله ينبغي أن ننظر إليها، الآية الكريمة تؤكد هذا المعنى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾
[ سورة الأنعام ]
لا أملَ إلا في الإسلام:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/04.jpg
الذين وقفوا في خندق مُعادٍ لرسول الله وأصحابه أين هم ؟ في مزبلة التاريخ، الّذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين، هؤلاء الذين أرادوا إلغاء الإسلام أين هم ؟ آلاف الطغاة الذين أرادوا إلغاء الإسلام، ماتوا والإسلام باق، حتى قال بعض العلماء الأجانب: " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اليوم اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور، لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ".
كل النظم الوضعية أصبحت في الوحل، ولم يبقَ على ساحة المبادئ والقيم إلا الإسلام ملاذ الجميع.
أيها الإخوة، بالكون تتفكر، وبأفعال الله تنظر، تصوروا حالات حادة جداً، فرعون الجبار الطاغية، الحاقد القوي، معه جيش عرمرم بأسلحة فتاكة، حقد دفين، يتبع شرذمة من أتباع سيدنا موسى، فإذا بهم أمام البحر فهل مِن أمل ؟ إطلاقاً الأمل صفر، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾
[ سورة الشعراء ]
والله أيها الإخوة، كلمة لا أرتوي من تردادها، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يستطيع في الكون أن ينال منك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ شيء يصعب تصوره لذلك:
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منع
***
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي (12) ﴾
[ سورة المائدة ]
إذاً: سيدنا موسى ضرب البحر، فأصبح طريقاً يبساً، هذه القصة لمن ؟ له أم لنا ؟ لنا، القرآن نزل بعد سيدنا موسى، هي لنا، إياك أن تيئس، إياك أن تتطامن، إياك أن تحس بالإحباط، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾
[ سورة آل عمران ]
الموقف الصحيح من الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية:
إذاً: في آياته الكونية نتفكر، وفي آياته التكوينية ننظر، وفي آياته القرآنية نتدبر، تفكر، وانظر، وتدبر تعرف الله، إن عرفته عرفت كل شيء، إن وصلت إليه وصلت إلى كل شيء، إن نلت رضاه نلت كل شيء، لذلك أقول دائماً كلمة مؤثرة: يا رب ماذا فقدَ من وجدك ؟ ما فقد شيئاً، وماذا وجد من فقدك ؟ لم يجد شيئاً، أموال لا تأكلها النيران، بيوت، مركبات منوطة بدقات القلب، فإذا توقف القلب فقد كل شيء، وخسر كل شيء، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (15) ﴾
[ سورة الزمر ]
إذاً: في الآيات الكونية نتفكر في الآيات التكوينية، ننظر في الآيات القرآنية، نتدبر طريق معرفة الله، طريق آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، وأصل الدين معرفته، وفي الأثر: (( ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
الكون ثابت، ألف وثلاثمئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، سدس القرآن الكريم يتحدث عن الكون، من أجل أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، الآية الأصل في هذا الباب: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
[ سورة آل عمران ]
المقوم الأول هو الكون، وهو الثابت الأول، ولا خلاف عليه إطلاقاً بين شعوب الأرض، وبإمكان أي إنسان في الأرض أن يقرأ في الكون، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
[ سورة العلق ]
المقوم الثاني: العقل:
لقد أعطانا الله عز وجل العقل، قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) ﴾
[ سورة الرحمن ]
للتقريب: إنسان لا يملك من الدنيا إلا بيتاً، لكنه غالٍ جداً، وباعه بعملة صعبة، ومعه في جيبه الأول جهاز يكشف له العملة المزورة، ومعه في الجيب الثاني أوراق فيها أرقام العملة المزورة، وباع البيت بعملة صعبة، ولم يستخدم الجهاز فإذا بالعملة مزورة، هو خاسر خسارة كبيرة جداً، لكنه هو السبب لم يستخدم جهاز كشف العملة المزورة، كما أنه لم يقرأ أرقام العملة المزورة، الأرقام هو الشرع، والجهاز هو العقل، فلذلك العقل ثاني أكبر مقوم من مقومات التكليف العقل، وهو مناط التكليف.
مبادئ العقل: السببية والغائية وعدم التناقض:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/05.jpg
والعقل جهاز بالغ التعقيد مبني على مبادئ ثلاثة: مبني على مبدأ السببية، ومبدأ الغائية، ومبدأ عدم التناقض، أي أنك أيها الإنسان من خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون سبب، ومن خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون غاية، ومن خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً متناقضاً، إنسان حاضر وغائب في وقت واحد في دمشق وحلب، هذا مستحيل في العقل، لكن الشيء الدقيق أن نظام الكون نظام سببي، وفي عالم الكون لا شيء يحدث بلا سبب، ولا شيء يحدث بلا غاية، وليس في الكون تناقض، وعقلك فيه مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، إذاً: العقل هو المقوم الثاني.


دورُ العقل في معرفة الله:
مهمةُ العقلِ التأكُّدُ من صحة النقل ثمّ فهمُه:
ولكن ما دور العقل في معرفة الله ؟ العقل له مهمتان: أصل الدين هو النقل، الوحي المتلو، القرآن الكريم ، والوحي غير المتلو السنة، أصل الدين معرفة الله، العقل قبل النقل، مهمته التأكد من صحة النقل، وبعد النقل مهمته فهم النقل، لكن الأصل في الدين النقل، ولن يكون العقل حكَماً على النقل، والعقل قبل خمسين سنة لا يصدق أن قرصاً فيه سبعة آلاف كتاب، وكل عنوان بأربعين جزءا، وكل جزء فيه أربعمئة صفحة، وكل صفحة فيها ثمانين سطرا، في كل سطر خمس وثلاثين كلمة، وكل كلمة فيها خمسة حروف، وكل حرف مشكّل، هذا قرص واحد فيه سبعة آلاف عنوان، العقل مرتبط بالواقع، أما الوحي فمرتبط بالخالق، فلذلك الأصل هو الوحي، والعقل للتأكد من صحة النقل أولاً، ولفهم النقل ثانياً.
العقل متطابق مع قوانين الكون:
أروع ما في الموضوع أن العقل متطابق تماماً مع قوانين الكون، ولولا هذا التطابق لم يكن قيمة للعقل إطلاقاً.
في الكون لكل شيء سبب، ولكل شيء غاية، ليس في الكون تناقض، وعقلك لا يفهم شيئاً بلا سبب.
للتقريب: سافرت إلى اللاذقية، أطفأت الأنوار، أرتجت الباب، ليس مع أحد مفتاح هذا البيت إطلاقاً، عدت بعد أسبوع، فرأيت المصابيح متألقة، لماذا ترتعد فرائصك ؟
مثلاً: لو دار حوار غير ذكي بين الزوج وزوجته، قال لها: المصابيح متألقة، قالت له أطفئها، ليس الموضوع في إطفائها، ولكن مَن دخل البيت في غيابي ؟ لا يمكن أن تصدق أن المصابيح تألقت بذاتها هكذا العقل، والعقل مناط التكليف، والعقل أداة معرفة الله، ومبادئ العقل متناسقة مع مبادئ الكون لذلك قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) ﴾
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ (17) ﴾
[ سورة الغاشية ]
﴿ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) ﴾
[ سورة غافر ]
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) ﴾
[ سورة الصافات ]
لكن العقل ـ الآن دققوا ـ بالضبط كهذه العين، هذه العين لو أنها ترى بأعلى درجة، اثنتي عشرة على عشر، وليس هناك ضوء فلا قيمة لهذه العين، والعقل من دون وحي لا قيمة لهذا العقل، العين والضوء يتكاملان، والعقل والوحي يتكاملان، الوحي للعقل كالضوء للعين، لذلك العقل من دون وحي لا يصلح، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) ﴾
[ سورة المدثر ]
العقل يحتاج إلى وحي، وأي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرك الله به، إذاً: العقل مناط التكليف، والعقل أداة معرفة الله، والعقل مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل، وبعد النقل لفهم النقل، ولن يكون العقل حكماً على النقل.
المقوم الثالث: الفطرة:
لك فطرة، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) ﴾
[ سورة الروم ]
الفطرة متوافقة مع منهج الله:
بنيتك النفسية متوافقة توافقاً تاماً مع منهج الله، وأي أمر أمرك الله به ترتاح نفسك إذا طبقته، تماماً كمركبة من أغلى الأنواع، لكنها مصممة للطريق المعبد، فإذا سرت بها في طريق وعر تكسرت، ولم تلبِ حاجتك، لأنها مصممة لطريق معبد، أنت مصمم لمنهج الله، فإذا طبقت منهج الله شعرت بسعادة لا توصف، الله أمرك أن تكون صادقاً، فإذا صدقت تحس براحة كبيرة جداً، أمرك أن تكون أميناً، فإذا كنت أميناً أحسست براحة عجيبة، أمرك أن تكون رحيماً، فإذا رحمت من حولك أحسست براحة عجيبة لذلك:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) ﴾
[ سورة الروم ]
هذه الخصيصة النفسية الفطرة، الإسلام دين الفطرة، كل شيء أمر الله عز وجل به ترتاح فطرتك له، بل إن الله جل جلاله سمى الشيء الذي تنكره نفسك منكراً، وسمى الشيء الذي تعرفه نفسك أنه عمل طيب معروفاً، فالأشياء التي تنكرها بأصل فطرتك هي المنكرات، والأشياء التي تعرفها بأصل فطرتك هي المعروف، كلمة معروف ومنكر تؤكد تطابق الفطرة مع الشرع، لذلك قال الله عز وجل: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
[ سورة الشمس ]
أنت لست بحاجة إلى من يلفت نظرك حينما تفعل فعلاً جيداً تعرف أنك أصبت، وإن لم تفعل فعلاً جيداً تعرف أنك أخطأت، بل هذه الفطرة وأستسمحكم عذراً بالحيوانات أيضاً، فالقطة حينما تخطف قطعة لحم تأكلها بعيداً عنك، أما إذا أطعمتها هذه القطعة فتأكلها أمامك، لأنها بفطرتها أحست أنها أخطأت حينما أخذت قطعة لحم عنوة أو سرقة، مع أنها غير مكلفة طبعاً.
الكون، العقل، الفطرة.
المقوم الرابع: الشهوةُ:
أهمية الشهوة مقوماً للتكليف:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/06.jpg
الله عز وجل أودع فينا الشهوات، وميلاً إلى المرأة، إلى المال، إلى الجمال، إلى الراحة، إلى البيت المريح، إلى المركبة الفارهة، الإنسان يحب الكمال والجمال والنوال، يحب النوال العطاء، والكمال والجمال، هذه شهوة، وما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها تارة شاكرين، وتارة صابرين، فالشهوة كالمحرك، والعقل كالمقود، والشرع كالطريق، فحركتك في الحياة بدافع الشهوات، ولو لم يكن هناك شهوات ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، لا بيتًا، ولا جسرًا، ولا طريقًا، ولا معملًا، ولا مدرسة، ولا مستشفى، إذا لم يكن هناك حاجة للطعام والشراب، ولا حاجة للمرأة، مثل هذه الطاولة تتركها مليون سنة مثلما هي، لا تتزوج، ولا تأكل، ولا تشرب، وكان من الممكن أن يكون الإنسان كالجماد، لا يتحرك، لا يفعل شيئاً، لكن أودع فيك الشهوات، تمشي في الأسواق، تبحث عن عمل، تبحث عن دخل من أجل أن تتزوج، تأتي الزوجة، تبحث عن دخل آخر من أجل تربية الأولاد، إذاً حينما وصف الله أنبياءه بأنهم بشر قال تعالى: ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ (7)﴾
[ سورة الفرقان ]
هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، هذا شأننا جميعاً، تبحث عن عمل من أجل أن تشتري بيتاً، تستأجر بيتاً، كي تتزوج، كي تنجب، إذاً: الشهوات أودعها الله فينا قال تعالى عنها: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (14) ﴾
[ سورة آل عمران ]
كل شهوة لها قناة شرعية نظيفة تسري من خلالها:
دققوا في هذا الكلام الدقيق: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل له قناة نظيفة تسري خلالها، ليس هناك حرمان، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أودع فيك حب المال، وأبواب الكسب المشروع على مصارعه، وهناك كسب غير مشروع، الشهوة تمثل مئة وثمانين درجة، يمكن بدافع الشهوة أن تتحرك بزاوية مفتوحة تساوي مئة وثمانين درجة، لكن الكسب المشروع تسعون درجة، وغير المشروع تسعون درجة، فالمؤمن يحصر نشاطه في كسب المال في التسعين درجة الأولى، وغير المؤمن له عمل، ويسرق، ويغش، ويدلس، ويحتال، ويغتصب، فلذلك الشهوة مفتوحة مئة وثمانين درجة، المؤمن يتقيد بالحيز المسموح به من قبل الله، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ (86) ﴾
[ سورة هود ]
المرأة:
عندك زوجة، ولك أخوات بنات، تجلس معهم، الوالدة، الأخوات، العمات، الخالات، الأخت، بنت الأخ، ابنة الأخت، هذه المحارم، لكن امرأة لا تحل لك ممنوع أن تقيم علاقة معها في حيز الإيمان، هذه الشهوات.
المال:
هناك تجارة، ووظيفة، وهبة، وعمل حر، وزراعة، وتجارة، و صناعة، لكن لا سرقة، ولا اغتصاب، ولا غش، ولا احتكار، كل أنواع المعاصي في كسب المال محرمة.
العلو في الأرض:
أيضاً العلو في الأرض، شهوة ثالثة، أن تكون شيئاً مذكورا، أن يشار إليك بالبنان، اطلب العلم، تعلم العلم، اعمل أعمالاً صالحة ليشار لك بالبنان.
مرة عالم من علماء بلد إسلامي كبير سافر إلى لبريطانية لإجراء عملية، يقولون، أكثر من مئة ألف اتصال ورسالة جاءت من أنحاء العالم الإسلامي للاستفسار عن صحته، فإذاعة لندن استغربت، شيء غير طبيعي، أجرت معه مقابلة، قالت له: ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ ماذا يجيب ؟ أجاب إجابة رائعة قال: لأنني محسوب على الله، وأنت كمؤمن محسوب على الله.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/07.jpg
إذاً: العلو في الأرض قد يكون في طاعة الله، قد يكون بخدمة الخلق، قد يكون بنشر العلم، قد يكون بالأعمال الصالحة، وقد يكون بالأذى، وقد يكون بكسب غير مشروع، ينتهي ببيت فخم، ومركبة فارهة، وعلاقات وولائم، وفنادق وسفر وسياحة.
أنت عندك حاجة أساسية للطعام للحفاظ على وجودك، وعندك حاجة أساسية للمرأة، للحفاظ على نوعك، وعندك حاجة أساسية إلى أن تكون ذا أهمية للحفاظ على ذكرك، فهذه كلها محققة ضمن منهج الله عز وجل، ومحققة بغير منهج الله، لذلك ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، اطمئن فلا حرمان، لذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾
[ سورة القصص ]
الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، يتزوج، ويوم العرس أطلقت أبواق المركبات، ألا يستحيون ؟ لا، لا يستحيون، هذا شيء شرعي، هذا الزواج شرعه الله، ما من خجل أبداً، هي زوجته.
أحيانا يعقد عقد على بنت يأتي الخطيب بعد العقد طبعاً فيبقى للساعة الثانية، لا أحد يتكلم ولا كلمة، هي زوجته، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
إذاً: الكون، والعقل، والفطرة، والشهوة.
المقوم الخامس: الحرية ( الاختيار ):
قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
[ سورة الكهف]
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾
[ سورة الإنسان ]
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (148) ﴾
[ سورة البقرة]
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾
[ سورة الأنعام]
الإنسان من جهة التكليف مخيَّرٌ:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1390/08.jpg
هذه مقولة المشركين، لو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب، ولو تركنا هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
الإنسان مخير، وفي اللحظة التي يتوهم فيها الإنسان أنه مسير فقد أخطأ، هو مسير فيما لا يكلف، مسير في كونه ذكراً أو أنثى، هل أحد سألك: ماذا تحب، ضع إشارة ضرب في هذا المربع، أنت لست مخيرا في هذا، أنت في هذا مسير، هل أحد سألك: من تحب أن تكون أمك وأبوك، كلنا مسيرون في أمهاتنا وآبائنا، هل أحد سألك: أين تحب أن تولد، في شيكاغو، أو في دمشق، مكان ولادتك، زمن ولادتك، عصرك، كونك ذكرًا أو أنثى، أمك وأبوك، هذه قدر من الله، لكن العلماء أجمعوا على أن الذي سيرت فيه هو لمصلحتك، وليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، ويوم القيامة حينما يكشف لك سر كونك ذكراً أو أنثى، أو من أي أب أنت، من أي أم، في أي بلد، في أي مكان، في أي زمان، قدراتك، شكلك، وسامتك، إلى آخره، يجب أن تذوب محبة لله على أنه اختار لك الأصلح، بهذا أنت مسير، أما فيما كلفت أنت مخير فقال لك: أقم الصلاة، فهل لا تصلي، قال لك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
[ سورة التوبة ]
أنت أتيت إلى المسجد، وهناك ملهى أيضاً، ومقهى إنترنت، مواقع إباحية، أمرك أن تكون مع الصادقين، أتيت إلى المسجد، أنت فيما كلفت به مخير، قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)﴾
[ سورة الكهف]
وفي اللحظة التي تتوهم أنك لست مخيراً ألغي الثواب والعقاب، وألغي التكليف، وألغيت الأمانة، وألغيت الجنة والنار، وأصبحت الحياة الدنيا تمثيلية سمجة.
هل تصدق مسابقة لتعيين موظف يتقدم ثلاثة آلاف، وألفت لجان، وتم الفحص، فحص لغة، وفحص ثقافة عامة، وشهادات، وعلامات، والذي سوف يعين معروف قبل المسابقة ؟ مستحيل أن يكون هكذا، فلذلك في اللحظة الذي تتوهم فيها أنك أنت في كل شيء مسير فقد ألغيت الدين، ألغيت الجنة والنار، وألغيت الثواب والعقاب والتكليف، ألغيت كل شيء، لذلك سيدنا عمر لما جاءه شارب خمر قال: << أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين، إن الله قدر علي ذلك ـ العوام يقولون: طاسات معدودة، بأماكن محدودة، هكذا ابتلاه الله، الله ما ابتلاه، هو اختار لنفسه ـ فقال سيدنا عمر: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >>، لا تقل لي: الله قدر علي ذلك، قل: أنا أخطأت، الله أمرني بالخير، وأنا أخطأت.
لاختيار أحد مقومات التكليف، الشهوة أحد مقومات التكليف، والفطرة أحد مقومات التكليف، والعقل أحد مقومات التكليف، والكون أحد مقومات التكليف.
المقوِّم السادس: الشرعُ:
بقي الشرع، في البلد أوزان بكل محل، أوزان بكيلوين، نصف كيلو، ربع أوقية، نصف أوقية، لو أحضر رجلٌ نارا، وأذاب الرصاص الذي تحت الوزن، أنقصه مئة غرام، كيف نكشف الخطأ يكون عندنا في البلدية وزن نظامي، وزن معتمد، وزن هو المقياس، وزن هو الضابط، الشرع هو الضابط، الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، فإذا أرشدك فكرك إلى شيء أنكره الشرع، وأنت رأيته حسناً فعندك خلل كبير، يجب أن تتوافق موازينك مع موازين الشرع، الحرام حرام، الاختلاط ممنوع، الزنا حرام، ليس عملاً مقبولاً، لكن في عصور التفلت يصبح عملاً مقبول، كونه منتشراً في العالم، هذا لا يغير من تقييمه عند الله عز وجل.
إذًا: الشرع أيضاً من مقومات التكليف، المنهج، الشرع مقوم أساسي من مقومات التكليف، لذلك العقل قد يضل، والشرع ضابط.
أنا أعطيك مسألة، أقول لك حلها، لكن قبل أن تتعب نفسك هذا هو الجواب، فإن قادك الحل إلى هذا الجواب فالحل صحيح، فإذا قادك الحل إلى جواب آخر فاعلم أنك مخطئ، ولما تتوهم أن ثمة معصية ما فيها شيء في الدين، ماذا فعلنا ؟ والله ضرورية الآن، نحن في عصر جديد، هذا عصر العلم، عصر المرأة نصف المجتمع، لما تتوهم شيئًا خلاف الشرع فأنت مخطئ، المرأة نصف المجتمع، ومكرمة أشد التكريم، وما من دين، وما من منهج أعطى المرأة حقها، وكرمها كما كرّمها الإسلام.
لما فتح النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم مكة، ودعته بيوتاتها ليبيت عندهم، قال: انصبوا خيمة عند قبر خديجة، ونصب لواء النصر أمام قبرها، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر، قال تعالى: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6)﴾
[ سورة الطلاق]
الضابط عند ضلال العقل وانطماس الفطرة:

لكن الفساد مرفوض، التبذل مرفوض، إظهار المفاتن مرفوض الخلوة مرفوضة، إذاً: الشرع هو الحكَم، الحسن ما حسنه الشرع، و العقل قد يضل، والفطرة قد تنطمس، فما الضابط ؟ الشرع وزن مركزي في البلدية، فأي وزن شككنا فيه نأتي به إلى البلدية، ونعرضه على هذا الوزن الأساسي، هذا هو الشرع، والله عز وجل أعطانا فوق هذا الوقت وعاء عملنا، وأنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
وفي درس قادم إن شاء الله نبدأ هذه المقومات بالتفصيل.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس )


الموضوع : مقومات التكليف : الكون -1- الكون طريق إلى معرفة الله







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع دروس العقيدة والإعجاز، ومع الدرس الخامس. مقدمة تذكيرية:
أيها الإخوة، في دروس سابقة بينت لكم أن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، ولأنه قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وقد كلف أن يعبد الله، وما كلفه الله أن يعبده إلا بعد أن أعطاه المقومات، وتحدثت في لقاء سابق عن هذه المقومات بشكل مجمل، تحدثت عن الكون، وعن العقل، وعن الفطرة، وعن الشهوة، وعن حرية الاختيار، وعن الوقت الذي هو غلاف العمل، الآن بدأنا بالمقومات تفصيلاً، ويقع على رأس هذه المقومات الكون.
الكون لا يختلف فيه شخصان مهما اختلفت ديانتهما:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1391/01.jpg
أيها الإخوة، أريد أن أضعكم في صورة دقيقة، الكون هو الثابت الأول، شمس لا يستطيع أن ينكرها أحد، مسلم، غير مسلم، منافق، مستقيم، غير مستقيم، علماني، ملحد، الشمس وجودها صارخ، وفيها حقائق يخضع لها الإنسان، ومن خمسة آلاف مليون عام هي متقدة، وإلى خمسة آلاف مليون عام أخرى بتقدير العلماء متقدة، حجمها يكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، ألسنة اللهب التي تخرج منها تزيد على مليون كيلو متر، الحرارة على سطحها ستة آلاف درجة، في باطنها عشرون مليون درجة، لو ألقيت الأرض فيها لتبخرت في ثانية واحدة.
يخضع لهذه الحقائق المسلم وغير المسلم، والكافر والملحد والعلماني، إن أردت شيئاً يعد في الدين أكبر شيء ثابت فهو الكون، لأن الكون مظهر لعظمة الله، يشفّ عن أسماء الله الحسنى، ومن خلال الكون ترى قدرة الله، من خلال الكون ترى رحمة الله، من خلال الكون ترى لطف الله عز وجل، فلذلك لو أن الإنسان تاه في الخلافيات، كل يدعي وصلاً بليلى، كل يدعي أنه على حق، هذا الكون الذي سخره الله للإنسان تسخير تعريف وتكريم، هو الشيء الثابت الأول، من ينكر الشمس ؟ من ينكر القمر والليل والنهار والأرض والجبال والوديان والأنهار والبحيرات والبحار والأطيار والأسماك والنباتات ؟ وخلق الإنسان ؟ فإذا أردت أن تجول جولة، وترجع، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، إن أردت أن تبتعد عن كل هذه الخلافيات في الأرض فحسبكم الكون معجزة، في كل شيء في الكون يدل على الله،
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
***
أيها الإخوة، عنوان هذا اللقاء الخامس هو الكون، ويحتاج إلى عدة لقاءات.
بالكون تعرف الله:
أيها الإخوة، أنت بالكون تعرف الله، لذلك افتح القرآن الكريم، وتتبع السور المكية، قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) ﴾
[ سورة الفجر ]
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)﴾
[ سورة الشمس ]
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾
[ سورة الشمس ]
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة يونس ]
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾
[ سورة عبس ]
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾
[ سورة الطارق ]
هذه السور المكية طافحة بالآيات الكونية، لماذا ؟ لأن طريق معرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض والدليل، قال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾
[ سورة الأعراف ]
لا طريق إلى الإيمان إلا في التفكر في خلق السماوات والأرض، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)﴾
[ سورة الأحزاب ]
هل كان ظلوماً جهولاً بحمل الأمانة ؟ إذا حملها ووفاها حقها فليس ظلوماً، ولا جهولا.
الكون مسخر للإنسان تسخيرين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1391/02.jpg
الكون إذاً مسخر للإنسان تسخيرين، تسخير تعريف، وتسخير تكريم، والكلام دقيق جداً، أيّ شيء أمامك، كأس الماء، ابنك الذي أمامك، زوجتك، الطعام الذي أمامك، الجبل الذي أمامك، الوردة التي أمامك، أي شيء في الكون مسخر لك أيها الإنسان، أي شيء، ومسخر لك تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم، فأنت تعرف الله من خلال الشمس والقمر، والليل والنهار، والنجوم والمجرات، والأبراج والكازارات، والمذنبات، وتعرف الله من الجبال والأنهار، والبحار والأطيار، من طعامك، من ابنك الذي أمامك، وتعلم علم اليقين كيف كان خلية واحدة لقحت خلية ثانية، فإذا هو طفل كامل النمو، يتكلم، ويفكر له عينان، وله أذنان، وله أنف، وهيكل عظمي، وعضلات، وجلد، وجهاز هضم، وجهاز قلب ودوران، وجهاز عصبي، وجهاز إفراز، وكليتان، وشعر جسمك آية.
حينما يتيه الناس، ويخوضون في خلافيات لا تنتهي فالثابت الأول الذي يشف عن عظمة الله، عن وجوده، وعن وحدانيته، وعن كماله، موجود، وواحد، وكامل، هو الكون، لذلك قال تعالى:
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة يونس ]
ما موقفك من آيات الأمر والنهي:
أيها الإخوة، كلام دقيق أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، حينما تقرأ القرآن، وهو كلام الواحد الديان، تقرأ آية فيها أمر، ماذا ينبغي أن تفعل ؟ أن تأتمر، هذا القرآن كلام خالق الأكوان، مستحيل أن تقرأه دون أن يكون لك مهمة في أثناء قراءته، دون أن يكون لك موقف، تقرأ آية فيها أمر، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
[ سورة النور ]
ما الفعل الذي ينبغي أن تفعله إذا قرأت آية فيها أمر ؟ الجواب أن تأتمر، قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾
[ سورة الحجرات ]
وما موقفك إذا قرأت آية فيها نهي ؟ الموقف أن تنتهي، وما الموقف إذا قرأت آية فيها وصف للجنة ونعيمها، والنار وعذابها ؟ أن تسعى إلى الجنة، وأن تتقي النار ولو بشق تمرة، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾
[ سورة الحاقة ]
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)﴾
[ سورة الحاقة ]
ما الموقف الذي ينبغي أن تقفه ؟ أن أسعى إلى الجنة، وأن أتقي النار، وإذا قرأت آية عن هلاك الأمم السابقين، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
[ سورة الأنعام ]
ينبغي أن تتعظ.
ما موقفك من الآيات الكونية؟
ملخص كلامي: ما من آية تقرأها إلا وينبغي أن تقف منها موقفاً، فإذا قرأت ألف آية كونية ما الموقف الذي ينبغي أن تقفه من هذه الآيات ؟ أن تتفكر في هذه الآيات، إذاً: حينما تقرأ القرآن، وتمر بآية كونية هذا منهجك في التفكر من أجل أن تعرف الله، الله عز وجل لا تدركه الأبصار، مستحيل، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً﴾
[ سورة الأعراف ]
إذاً: مستحيل وألف ألف مستحيل أن نرى الله في الدنيا، لكن عقولنا يمكن أن تصل إليه، فالكون مسخر لنا تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم.
موقف الإنسان من تسخير الكون تعريفاً وتكريماً:
دقق، لو أن إنسانا قدم لك هدية، جهاز هاتف متطور جداً، معه ذواكر، معه إجابة آلية، كأنه موظف عندك، يقول لك: من بلغك في أي ساعة، وترك رسالة، ويعطيك إشارة للرسالة، واحد قدم لك هذا الجهاز، وهو من اختراعه، ما الذي ينشأ عندك ؟ جاءك هذا الجهاز هدية، ثم هو من اختراع المهدي، ينشأ عندك شعوران، الأول تعظيم هذا الإنجاز العلمي، والثاني الامتنان ممن قدمه لك، لأن الله سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، فرد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، دقق فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، الآن استمع إلى هذه الآية: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[ سورة النساء ]
لمجرد أن تؤمن، وأن تشكر فقد حقت الهدف من وجودك، عندئذ تتوقف المعالجات، كيف ؟
إنسان توقفت كليته، الطبيب صورها، فإذا هي معطلة، قال له: بد من استئصالها، الموعد بعد أسبوعين، خطر لهذا الطبيب خاطر، أن يعيد التصوير قبل العملية، أعاد التصوير، فإذا هي تعمل فهل يتابع العملية ؟ لمجرد أن تؤمن الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، ولمجرد أن تشكر فقد حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف كل أنواع المعالجات، دقق: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[ سورة النساء ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1391/03.jpg
أيحب أن يعذبنا ؟ أيحب أن يفقرنا ؟ أيحب أن يمرضنا ؟ مستحيل، هو غني عن تعذيبنا.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[أخرجه مسلم]
أقول لكم: الكون بسماواته وأرضه، بكل ما فيه مظهر لوجود الله ووحدانيته، وكماله، ومظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا الكون هو الثابت الأول في العقيدة، لو تاه الناس، لو شرد الناس، لو اختلف الناس، لو تمزق الناس، لو تراشقوا تهم التكفير، فهناك شيء ثابت، أن هذا الكون يدل على الله، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
[ سورة آل عمران ]
هو الثابت الأول، وقد سخر لنا لأننا قبلنا حمل الأمانة، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
[ سورة الأحزاب ]
لأننا قبلنا حمل الأمانة كانت المكافأة لنا أن سخر لنا ما في السماوات، وما الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتسخير تكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، وشكرت النعم التي أفاضها الله عليك فقد حققت الهدف الأكبر من وجودك.
تسخير التعريف:
الآن إلى بعض التفاصيل، تعريف وتكريم، يعني القمر ننتفع به، القمر تقويم في السماء، قبل الساعات وقبل التقاويم أول يوم ثاني يوم ثالث يوم رابع يوم أربعة عشر بدر، قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
[ سورة يونس ]
تقويم ننتفع به، وآية تدلنا على الله، أي الوظائف أكبر ؟ مهمة التعريف أكبر بكثير، الوظيفة الكبرى أن تعرف الله من خلاله، والوظيفة الثانية أن تنتفع به في الدنيا.
الغرب استفاد من الجانب الوظيفي للكون:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1391/04.jpg
بالمناسبة، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية بشكل معجز، انتفع من الدنيا، واستمتع بها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والمؤمنون يجب أن ينتفعوا من الوظيفة الأولى، أن يتعرفوا إلى الله، ولا يمنع أن يضموا إلى أنهم تعرفوا إلى الله من خلال هذا الكون أن ينتفعوا به، هم مقصرون، لذلك هناك علم بخلقه، هو أصل في صلاح الدنيا، وعلم بأمره، أصل في طاعة الله، وعلم به، لذلك المؤمنون يجب أن ينتفعوا بالمهمة الكبرى لهذا الكون، وأن ينتفعوا أيضاً في دنياهم به، أما الذين شردوا عن الله أخذوا الوظيفة الثانية فقط.
للتوضيح: رجلٌ فقير جداً دخله لا يسمح له أن يشتري به لعقة عسل، ورجلٌ آخر ما ذاق العسل في حياته، فقير، لكن درس، ووقع تحت يده كتاب عن العسل، قرأه فهطلت دموعه، معقول، فيه شفاء للناس، صيدلية كاملة، كتاب مفصل، بحث مطول عن العسل، وعن فوائده، والآيات، فسجد لله شكراً له على هذه المعرفة التي امتن الله بها عليه، دقق، هذا الفقير الذي ما أتيح له أن يلعق لعقة عسل واحدة حقق الهدف الأكبر من خلق العسل الأكبر، وإنسان بالتعبير الدارج شبع من العسل، وما تفكر في هذا العطاء الكبير، عطل أكبر هدف من أهداف خلقه.
أحيانا إنسان يمشي في الطريق أمام بائع ورود، حياته، ونمط حياته، ودخله لا يسمح له أن يقتني ورودًا للمناسبات فقط، وهناك أشخاص أغنياء جداً، الورد جزء أساسي في حياتهم، دائماً عندهم باقات ورد، الفقراء ما عندهم هذه الإمكانية، لكن لو مر فقير أمام بائع ورد، وشاهد الزنبق، وشاهد ألوان، شاهد الروائح، فخشع لله، فقد حقق الهدف من وجوده، مع أنه لم يقتن الورد.
لا بد من خرق النعمة إلى المنعم:
أنا أتمنى عليكم أن لا يكون الإنسان كالدابة تأكل وتشرب، ولا تعرف ربها، البطولة أن تخرق النعمة على المنعم أن يخشع قلبك من هذه النعم.
والله أيها الإخوة، يقولون: شدة القرب حجاب، أنت تستيقظ، وتفرغ ما عندك من أذى، هذه نعمة كبيرة جداً، كان عليه الصلاة والسلام يقول: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، يا رب لك الحمد، أذقتني لذة الطعام، ما أخذ السيروم، وأبقيت في قوته، شعرت بنشاط، وأذهبت عني أذاه، الطرق كلها سالكة، لن تكون مؤمناً كما أرادك الله إلا إذا عرفت نعمه.
تنام النوم من نعم الله الكبرى، تنام ملأ العين، تتباعد الأعصاب، تنقطع السيالة العصبية، تبتعد عن العالم، كل هذا التعب يذهب عنك، تستيقظ كالحصان، هل تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور ؟
بطولتك كمؤمن أن تخرق النعمة إلى المنعم، بينما أهل الدنيا بقوا في النعمة، واستمتعوا بها، ولم يعرفوا المنعم.
تصور لو دخلت إلى بيت، ووجدت طعاما نفيسا جداً، أكل مثل الوحش، ثم خرج، هذا الذي دعاك صاحب البيت قل له: شكراً، جزاك الله خيراً، الطعام طيب، أكرمتنا، بالغت في إكرامنا، معقول لإنسان يستمتع بالدنيا استمتاع البهائم، وبالتعبير ؟ يستمتع ويستعلي، يستمتع ويسب الدين، يستمتع ويحتقر الناس، يستمتع ويسخر الناس لشهواته، هذا وحش، لذلك إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب، إرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى.
حينما يكشف الإنسان لؤمه تنعم بهذا الكون، تنعم بزوجة، بأولاد، أكل طيب، الطعام، وهو لا يصلي، ولا يعرف الله، ويؤذي عباد الله، الله عز وجل يعجب من صبرهم على العذاب، قال تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾
[ سورة البقرة ]
فلا بد من أن تخرق النعمة إلى المنعم، أن تشكر الله، إنسان أكل فشبع، الحمد لله، سيدنا عمر عنده ضيف من أذربيجان قال: يا أم عبد الله، ما عندك من طعام ؟ قالت: والله ما عندنا إلا خبز وملح، قال: هاته لنا، أكل وشرب، وقال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا، وسقانا فأروانا.
ألاحظ الآن قبل الطعام العصير، وبعد ذلك مقبلات وسلطات، وفتات، وحساء، وبعد ذلك لون أول، ثم لون ثان، أكلة رز، أكلة خضار، لحومات مشوية، ثم فواكه، وحلويات، وهوة، يأكل ويرفس.
أيها الإخوة، قضية مهمة جداً أن تعرف المنعم، عندك بيت، مأوى، كان النبي الكريم يقول: الحمد لله الذي آواني، وكم من مما لا مأوى له.
عندك مفتاح بيت، تدخل إلى بيتك، تنام، تغتسل، تأكل، زوجتك أمامك، أولادك أمامك، لا يهم، كبير البيت كبير صغير، هذا بيت مؤقت، اقرءوا النعوات، وسيشيع إلى مثواه الأخير، يكون ثمن البيت مئة وثمانين مليونًا، آخرته إلى مقبرة باب صغير، تصور مترًا ونصفًا بنصف متر من التراب.
والله قبل فترة توفي إنسان، فكنت في التشييع، لاحظت البلاطة أضيق من الحفرة بعشرة سنتمترات، حفار القبر وضع أحجارا لا على التعيين بهذه الفراغات، وردم التراب، أنا تصورت أنه نزل فوق الميت كيلوين من التراب، وكان الميت رجلا كثير النظافة جداً، وأنيقًا جداً، هذه الحياة، فلذلك الإنسان قبل أن يغادر الدنيا هل عرف الله ؟ هل شكره ؟ كان تعظم عند النبي النعمة مهما دقت.
هذا الكأس يا أيها الإخوة، كلام دقيق جداً، وزير سأل ملكًا، هارون الرشيد، قال: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منِعت عنك ؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه ؟ قال: بنصفي ملكي الآخر.
مرة توفي ملك، قلت في الدرس، هذا الملك عرض عليه أن يعمل في قصره ضارب آلة كاتبة على أن يشفى من مرضه الخبيث، ويتخلى عن ملكه، كان ملكًا فصار ضارب آلة كاتبة بقصره، والله لا يتردد لحظة أن يشفى من مرضه الخبيث، وأن يعمل موظفًا صغيرًا في قصره، الذي عنده صحة، حواسه كاملة، أجهزته كاملة، حركته جيدة، ما عنده مرض عضال، أنا أقول دائماً يا أيها الأخوة، (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
[الترمذي عن عبد الله بن محصن ].
بحذافيرها.
سأل ملك وزيره: من الملك ؟ قال: أنت، قال: لا الملك، رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إحراجه.
فيا أيها الإخوة، أهم نقطة في الدرس ؛ أن الله سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، موقفك من التعريف أن تؤمن، وموقفك من التكريم أن تشكر، وحينما تؤمن وتشكر تكون قد حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾
[ سورة الشورى ]

(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ].
((إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[أخرجه مسلم]
لابد للدعوة من العلم بالآيات الكونية:
إذاً، الكون الثابت الأول، مهما اختلف الناس، وتمزق الناس، وتراشق الناس التهم، كل يدعي وصلاً بليلى، كل يدعي أنه على حق، هذا الكون هو الثابت الأول، يخضع المسلم وغير المسلم، والعبقري وغير العبقري، والملحد والعلماني، شيء ثابت، لذلك الآن لا تنجح الدعوة إلا إذا اعتمدت على العلم، لأن العلم تطأطأ له الرؤوس جميعاً.
اطرح أي موضوع بمجتمع لا تعرفه، تقوم الدنيا عليك ولا تقعد، اطرح أي موضوع في الدين، قل لهم: الربا حرام، من قال ذلك ؟ المال لا يجمد، قل لهم: هذا حرام، هذه حرية، أي موضوع اطرحه الآن مع مجتمع لا تعرف طبعاً تجد معارضة شديدة، أما قل لهم: الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وهناك نجم ببرج العقرب اسمه قلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، معقول، ما تفلسف، سكتوا، ما هذا، يقول: لا إله إلا الله.
أنا الآن لا أرى من طريق للدعوة إلى الله أقوى من أن تأتي بالآيات الكونية التي تخضع لها الرقاب، فلذلك الكون أكبر ثابت في الإيمان، ويمكن هذا الكون إذا تفكرت فيه كما أمرك الله أن يمتلأ قلبك إيماناً بالله، وتعظيماً له.
مراتب النظر في الآيات القرآنية والكونية والتكوينية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1391/05.jpg
بالمناسبة، أيها الإخوة، الله عز وجل له آيات كونية، هذا الكون، وله آيات تكوينية، أفعاله، البراكين، الزلازل، الصواعق، الفيضانات، الأعاصير، الجو المعتدل، الأمطار المعتدلة، له آيات كونية، خلقه، وله آيات تكوينية، أفعاله، وله آيات قرآنية، كلامه، فأنت إذا أردت أن تعرفه عليك أن تتفكر في آياته الكونية تفكراً، وأن تنظر في آياته التكوينية، قال تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
[ سورة الأنعام ]
وأن تتدبر آياته القرآنية من أجل أن تعرفه، ينبغي أن تتفكر في آياته الكونية، وأن تنظر في آياته التكوينية، وأن تتدبر آياته القرآنية، هذه طرق معرفة الله عز وجل، لكن لا بد من تنويه دقيق جداً، أنه ينبغي أن تبدأ بآياته الكونية، وينبغي أن تثني بآياته القرآنية، القرآن يضيء لك، واجعل آياته التكوينية المرحلة الثالثة، لو بدأت بها فهي حقل ألغام، ترى شعوبًا غارقة في المعاصي والآثام غنية جداً، مستقرة جداً، وشعوبًا تعاني ما تعاني، وهي مسلمة، فأنت ما عندك إمكان أن تفهم حكمة الله إلا بحالة واحدة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلم الله، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
[ سورة القصص ]
أنت ما عندك إمكان أن تكشف حكمة الله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلمه، لذلك أنا أفضل أن ترجئ النظر في آياته التكوينية إلى المرحلة الثالثة، أما التفكر في خلقه فواضح جداً، كلما ازددت تفكراً ازددت يقيناً بأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، أما أفعاله فتحتاج إلى تريث قليلاً.
مثلاً: أنت تستمع إلى معلم درس رائع جداً، فضرب طالبًا، إذا كنت طفلا صغيرا فإنك تقول: هذا الأستاذ ظالم، إذا كنت زميله، هذا الطفل ابنه، وفيه تقصير شديد فضربه، لأنك قريب منه تعرف حكمته، فأنا أتمنى على الإنسان أن يبدأ بالتفكر في خلق السماوات والأرض، ويثني بتدبر القرآن الكريم، وفي النهاية ينظر بأفعاله.
مثلاً: قد تنشأ مشكلة كبيرة في مجتمع، حرب أهلية، يمكن أن تفهما فهمًا.
أنا أذكر مرة أني كنت ماشيًا في الطريق، استوقفني إنسان، قال لي: إذا جاء إنسان إلى عمله، وفتح محله التجاري، وسمع إطلاق رصاص، ومد رأسه، فجاءت رصاصة في عموده الفقري فانشل فوراً، قال لي: ما ذنب هذا ؟ كنت أمشي في أحد أسواق دمشق، وخرج إنسان من محله التجاري فاعترضني، وقال: أنت خطيب، وقال: أليس العمل عبادة ؟ قلت: نعم، قال: ما ذنبه ؟ قلت: لا أعلم.
والله أيها الإخوة، أخ كريم من إخواننا بعد عشرين يومًا يمشي معي يحدثني، قال لي: لنا جار ساكن في الطابق الذي فوقنا مغتصب بيتًا لأولاد أخيه الأيتام، وخلال سنوات طويلة يرفض أن يعطيهم البيت، وهو بيتهم، وهم في أمسّ الحاجة إليه، واشتكوا عليه لأحد علماء دمشق من حي الميدان، فاستدعاه العالم، ورفض أشد الرفض، فالتفت هذا العالم ـ توفي رحمه الله ـ كان شيخ القراء، فخاطب الأولاد، أن هذا عمكم، ولا يليق بكم أن تشتكوا عليه، اشكوه لله، هذا الكلام كان الساعة التاسعة مساءً، الساعة التاسعة صباحاً كان مشلولا.
القصة من آخر فصل لا معنى لها، إنسان بريء، جاء ليفتح محله التجاري حتى يكسب رزق أولاده، سمع إطلاق رصاص، مد رأسه، فجاءت رصاصة في عموده الفقري، فانشل فوراً.
أنا لا أعلم إلا أن يعلمك إنسان، لما عرفت الفصل الأول توضح الأمر.
أفعاله الله التكوينية لا تتمكن أن تفهمها بسهولة فسلّم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، هناك حكمة بالغة.
لذلك أيها الإخوة، عندنا آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، الآيات الكونية يجب أن تتفكر فيها، الدليل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
[ سورة آل عمران ]
هذه الكونية التكوينية، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[ سورة الأنعام ]
حدثني أخ قال: أنا محام، وكنت في دعوى، وجئت بشاهد كاذب، وكلف أن يدلي بشهادة، وقبلها، عليه أن يحلف اليمين، وأن يضع يده على المصحف، والموضوع في فيلا قيمتها خمسون مليونًا، يمكن أن تغتصب عن طريق هذا الشاهد الكاذب، وشهد، وضع يده على المصحف، وأقسم بالله أن يقول الحق، ولم يقل الحق، قال الكذب، قال: والله أمامي رفع يده، أمسك طرف الطاولة، أقسم، ورفع يده، بقي واقفًا هكذا، انزعج القاضي، قال له: أنزل يدك، كان ميتًا، لما ضعفت يده وقع، قال: والله أمامي، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[ سورة الأنعام ]
لكن بالمناسبة، أتمنى عليكم من أعماقي أن تنتبهوا إلى هذه الفكرة، يمكن أن تسمع ألف قصة من آخر فصل، ما لها معنى أبداً، بل مشوشة، لكن يمكن بحسب علاقاتك المعينة أن يكون عندك خمس قصص تعرفها من أول فصل، والله ينبغي أن تسجد لله لعدله، عدل مطلق، لكن نحن مشكلتنا كل شيء نسمعه من آخر فصل، وهو كلام ليس له معنى، سلم إلى الله، سلم إلى عدالته، إلى رحمته، ولا يظلم ربك أحدا.
أيها الإخوة الكرام، كلمة، وما كان الله ليظلمهم، هذه صياغة في اللغة اسمها نفي الشأن، وعندنا حالة اسمها نفي الحدث، وعندنا نفي الشأن، لو أن واحدًا سأل شخصًا، قال: هل أنت جائع، يقول له: لا، نفى حدث الجوع، لو قال له: هل أنت سارق ؟ وهو إنسان محترم جداً، هل يقول له: لا، فقط، ليس معقولا، يقول له: ما كان لي أن أسرق، يعني هذا الشيء خلاف طبيعتي، وخلاف مبادئي، وخلاف قيمي، ولا أرضى به، ولا أقره، وأعنف عليه، وأرفضه، وأحتقر فاعله، هذا اسمه نفي الشأن، صيغة نفي الشأن، وما كان الله، قال: ليظلمهم، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلم الإنسان، قال تعالى: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾
[ سورة غافر ]
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾
[ سورة الزلزلة]
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
[ سورة الروم]
﴿مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾
[ سورة الأنبياء]
مرة أخ من إخواننا في لبنان في أثناء أحداث لبنان بالثمانينات، انتقل إلى الشام، وسكن بالشام، ركب في السيارة فوقع في حادث، هو سببه، والحادث سبب ضررا لسيارة ثانية، فأنا توقعت صاحب السيارة أن ينزل من سيارته غاضبًا، وصوته عالٍ، شيء عجيب جداً، نظر إليه، المركبة لبنانية، قال له: مسامح، ورجل منعم لا يفرح إذا وفر ألفين ليرة، لكن شاهدته بكي، رأيت دمعة هطلت من عينه، سألته: ما السبب لأن تبكي ؟ قال: لا والله، أنا منذ سنتين إنسان سوري معه أهله محجبات ضربني بالسيارة، ما أحببت أن أفسد عليه النزهة، قلت له: مسامح.
لو تدقق لوجدت شيئا تقشعر له الأبدان، لكن مشكلتنا كل واحد منا معه ألف قصة من آخر فصل، ما لها معنى، هذا مرض خبيث، هذا حادث، أنت لا تعلم، ولكن الله يعلم، سلم.
لذلك نبدأ بالآيات الكونية، نثني بالآيات القرآنية، ثم تكشف لنا بعض الحقائق في أفعاله التكوينية.
هذا المحامي ذكر لي قصة ثانية، قال: أنا شهدت قرارًا بإعدام إنسان قاتل، وأنا كنت وكيله، قال له القاضي، بلغه، قال لي: بلغته، قال له: أنت قاتله ؟ قال: لا، أنا ما قتلته، إعدامه بعد أيام، رغب أن يحضر إعدامه قبل أن يضعوا الحبل برقبته، قال له: الآن كل شيء ذهب، وانتهى، وأنا سوف أشنق هذا القاتل، ما قتلته أنا، القاتل غيره، منذ ثلاثين عامًا، كان رئيس مخفر وجاء ضابط فرنسي أعطاه إنسانًا ليعدم، وضعه في الإسطبل، وهرب، فجاء بإنسان بدوي وضعه محله، وأعدموه ثاني يوم منذ ثلاثين سنة.
إذا دققت وجدت الشيء الذي تقشعر منه الأبدان، أما إذا ما دققت ترى شعوبًا مسلمة تضطهد، تحتل أراضيها، قتل، كما ترون، ما نستطيع نحن أن نفهم إلا إذا أعلمنا الله عز وجل، قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾
[ سورة الروم]
حكمة إلهية، قد تكون ترقية، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة القصص]
هذا ليس من شأنك، هذا من شأن الله، دعك من هذا كله، فلذلك عندنا آيات كونية نتفكر بها، آيات تكوينية نرجئها للمرحلة الثالثة، آيات قرآنية نتدبرها، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾
[ سورة محمد]
خاتمة:
أيها الإخوة الكرام، طرق معرفة الله آياته الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية، وفي كل هذه الآيات ما يكفي لمعرفته ولمحبته، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية: يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، و أحب من أحبني، و حببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، و أحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني التفكر، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
إذاً: لا بد أن يكون في قلب المؤمن تعظيم لله، ومحبة له، وخوف منه، تعظيم من خلال آياته، ومحبة من خلال نعمه، وخوف من خلال بلائه.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس )


الموضوع : مقومات التكليف : الكون -2- الايات الدالة على عظمة الله








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس من دروس العقيدة والإعجاز http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/01.jpg
وكنا قد بدأنا بموضوع في العقيدة محوره مقومات التكليف، وأن علة وجود الإنسان على سطح الأرض أن يعبد الله عز وجل، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، وبينا في درس سابق أن المقومات هي: الكون والعقل والفطرة والاختيار والشهوة والوقت، وأجملت في لقاء قبل السابق، وبدأنا في الدرس الماضي بالمقوم الأول، وهو الكون، وتحدثنا أن الكون هو الثابت الأول في الإيمان، لأنه يشف عن إله عظيم موجود وواحد وكامل، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، ويشف عن الكمالات الإلهية، ولكن لا بد من وقفة متأنية عند بعض ما في الكون من آيات باهرات دالة على عظمة الله.
توطئة للآيات الكونية الباهرة الدالة على عظمة الله:

1- كيف يشهد الله لنبيه بصدق رسالته:
إن الله عز وجل حينما يبعث رسولاً ومعه منهج، معنى منهج افعل ولا تفعل، فيه أمر ونهي، فيه حرام وحلال، فيه واجب وفرض http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/02.jpg
فهذا النبي الكريم والرسول الكريم معه منهج، والمنهج فيه تقييد، والإنسان المتفلت من أي منهج لا يروق له أن يخضع لمنهج، لذلك رد فعل الناس حينما يأتيهم رسول معه منهج أن يكذبوه، قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
( سورة الرعد )
فلا بد من أن يشهد الله لخلقه أن هذا الإنسان الذي أرسله هو رسوله، كيف يشهد ؟ الحقيقة الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن تصل إليه العقول لا أقول تحيط به، قال تعالى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾
( سورة البقرة )

خرق نواميس الكون:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/03.jpg
ولكن الله عز وجل يجري على يد هذا الرسول خرقاً لنواميس الكون، هذا الخرق لا يخلقه إلا خالق السماوات والأرض، إذاً: خرق النواميس شهادة الله لهذا الرسول أنه رسوله، هذا جرى مع الأنبياء السابقين، لأن كل نبي له قوم، فالمعجزة حسية، وهي كعود الثقاب، تألقت وانطفأت، وأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، ولكن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام بعثة عامة لكل الأمم والشعوب على مدى القرون، ولنهاية الدوران، وكتابه كتاب خاتم، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وكتابه خاتم الكتب.
3-الإعجاز العلمي في القرآن والسنة:
إذاً: لا يمكن أن تكون المعجزة خرقاً للنواميس حسية تقع مرة واحدة، وتنتهي، فتصبح خبرا يجرؤ كل واحد على تكذيبه، إذاً: لا بد من أن تكون معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، ونحن في حلقة عنوانها العقيدة والإعجاز، لا بد من أن تكون معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزة مستمرة، ولن تكون مستمرة، لأن النبي سيرتحل إلى الرفيق الأعلى، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية، من هنا يكون الإعجاز في القرآن والسنة.
4-النبي لم يشرح الآيات الكونية:
في القرآن عدد كبير جداً يقترب من ألف أو يزيد من الآيات الكونية، وفي هذه الآيات سبق علمي، أي إشارة إلى حقيقة لم تكن معروفة من قبل، وسيمضي سنوات وسنوات وعقود وحقب، وهذه الحقيقة لا يعرفها أحد، إلى أن يظهر التطور العلمي الجديد، فإذا بالعلم يكشف عن هذه الحقيقة، إذاً: الإعجاز في القرآن الكريم آيات تشير إلى حقائق لم تكن معروفة على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يشرح هذه الآيات، لماذا ؟ الله أعلم، أنا أرجح أنه لم يشرحها بتوجيه من الله، أو باجتهاد منه، وحكمة عدم شرحها أنه لو شرحها شرحاً مبسطاً يتناسب مع أفهام من حوله لأنكرنا نحن عليه، ولو شرحها شرحاً عميقاً، لأن الله أراه آياته كلها، لو شرحها شرحاً عميقاً لأنكر عليه أصحابه، فتُركت هذه الآيات كإعجاز لهذا القرآن، وكشهادة الرحمن على أن محمد عليه الصلاة والسلام رسوله.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/04.jpg
إذاً: الإعجاز محوره الأساسي أنت تقرأ الآية، فإذا بأحدث بحوث علمية تؤكدها، ولم يكن هذا معروفاً من قبل، إذاً: الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، قال تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة ).
جواب القسم، قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة ).
وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
الآن سأضع بين أيديكم بعضاً من هذه الآيات.
بعض الآيات الكونية الباهرة الدالة على عظمة الله:

1 – سرعة الضوء:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
إخوتنا الكرام، العالم الفيزيائي الشهير أنشتاين الذي جاء بالنظرية النسبية، والتي قلبت مفاهيم الفيزياء والطاقة والقدرة والحركة في العالم، هذه النظرية تقوم على أنه اكتشف السرعة المطلقة في الكون، إنها سرعة الضوء، وأي شيء سار مع الضوء أصبح ضوءًا، وأي جسم سار مع الضوء يؤدي هذا المسير إلى توقف الزمن، كيف ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/05.jpg
هذا اللقاء الطيب يصدر عنه موجات كهرطيسية إلى الفضاء الخارجي، لو أمكن لإنسان افتراضاً أن يصنع مركبة سرعتها كسرعة الضوء، وتمشي هذه المركبة مع أمواج الضوء، هذا المنظر يبقى إلى أبد الآبدين، ويكون كل مَن في هذا المجلس بعد مئة عام تحت أطباق الثرى، وهذا المنظر مستمر، إذا سار الإنسان مع الضوء توقف الزمن، فإذا سبقه تراجع الزمن، ومن الممكن افتراضاً لو صنعت مركبة تمشي بأسرع من الضوء، ومعنا أجهزة للالتقاط هذه الموجات لرأينا رأي العين موقعة بدر، وموقعة أحد، والخندق، والقادسية، وموقعة حطين، لرأينا هذا رأي العين، هذا كله شيء افتراضي، إذا سرنا مع الضوء توقف الزمن، وإذا سبقنا الضوء تراجع الزمن.
عُقد مؤتمر في موسكو البلد كان يرفع شعار ( لا إله )، عقد مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس في موسكو، وهذه معجزة ؛ أن يعقد مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في بلد كان يرفع شعار ( لا إله، والمادة كل شيء )، عرضوا في هذا المؤتمر بحثا مطولا عندي أصله، وسأقدم لكم تلخيصه.
2 – دورة القمر حول الأرض:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
( سورة الحج ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/06.jpg
الله عز وجل يخاطب العرب، مما تعدون أنتم، لأن العرب كانوا يستخدمون التقويم القمري، ويعدون السنوات القمرية، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، الآن دققوا، وأنا أطالب إخوتي الصغار طلاب العلم ممن ينتسب إلى المدارس، ودرس شيئا من الرياضيات، القمر يدور دورة حول الأرض لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر، نصل بينهما بخط، قال الرياضيون والمهندسون هذا الخط طوله نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض وحسابها سهل جداً، نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، ضرب 2 قطر، ضرب 3،14 المحيط، ضرب 12 بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، طالب من طلاب المرحلة الإعدادية بآلة حاسبة يمكن أن يحسب لنا كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام،هذا الرقم بالكيلو مترات ودائماً حساب السرعات المسافة على الزمن أليس كذلك ؟ بين دمشق وحماة مئتا كيلو متر قطعناها في ساعتين، كم هي السرعة ؟ مئة، المسافة على الزمن، لو قسمنا المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثوان اليوم، اليوم كم ساعة ؟ أربع وعشرون، ستون بستين بأربع وعشرين، اليوم أربع وعشرون ساعة، الساعة ستون دقيقة، الدقيقة ستون ثانية، لو قسمنا هذا الرقم على ثوان اليوم، لأن الله قال: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
يعني أنكم تعدون دورة القمر حول الأرض، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لو قسمنا الرقم على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة 299752، فما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، وفي هذه الآية المؤلفة من بضع كلمات تنطوي بها هذا الاكتشاف الذي تاه به الغرب، وهو النظرية النسبية التي تتحدث عن سرعة الضوء، وهناك إشارة قرآنية قبل ألف وأربعمئة عام يؤكدها العلم الحديث في عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين، هذا من الإعجاز.
3 – دورة الأرض حول الشمس:
شيء آخر، أيها الإخوة الكرام، الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي بيضوي، وهذا المسار الإهليلجي يعني أن هناك قطرين، قطرا أدنى، وقطرا أعلى، الأرض تمشي بكم ؟ سرعة الأرض في الثانية الواحدة ثلاثون كيلو مترا، نحن بدأنا الدرس قبل ستة عشر دقيقة، لو بدأنا قبل عشر دقائق، الأرض تقطع في الثانية ثلاثين كيلو مترا، في الدقيقة ضرب ستين، ألف وثمانمئة كيلو متر في عشر دقائق، الآن نحن سرنا في الفضاء الخارجي حينما قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى الآن ثمانية عشر ألف كيلو متر، هذه حقائق بسيطة من مسلّمات علم الفلك، قال تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾
( سورة النمل )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/07.jpg
هذه الأرض قطعنا في عشر دقائق ثمانية عشر ألف كيلو متر، وفي عشر دقائق أخرى ستة وثلاثين ألفا، وإذا كان الدرس ستين دقيقة يكون الرقم فلكيا.
الأرض تسير بسرعة ثلاثين كيلو مترا في الثانية، لكن على مسار بيضوي، هناك قطر أكبر وقطر أصغر، الآن هي هنا سارت، ووصلت إلى هنا المسافة فصغرت، قانون الجاذبية متعلق بالكتلة والمسافة، فكلما زادت الكتلة زادت الجاذبية، وكلما قلّت المسافة زادت الجاذبية، الكتلة ثابتة، أما المسافة فقصرت، فصار هناك احتمال كبير جداً أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة، وانتهت الحياة على سطح الأرض، تبخرت بجبالها وبحارها وقطبيها وصخورها وقاراتها، لذلك، قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
( سورة الزمر )
الأرض هنا ترفع سرعتها، هذه السرعة إذا ارتفعت نشأت قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فبقيت الأرض على مسارها، الآن دققوا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
( سورة فاطر )
تمعن في هذه النعمة الربانية:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا:
إنّ تبدل سرعة الأرض بحسب المسافة بينها وبين الشمس، هذا التبدل من أجل أن يبقيها على مسارها، وبقاء الأرض على مسارها آية من آيات الله الدالة على عظمته. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾( سورة فاطر )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/08.jpg
هذه الآية تندرج في الإعجاز العلمي، الآن الأرض تابعت سيرها، وصلت إلى هنا، سرعتها زائدة، وقوة الجذب ضعفت، وقوة النبذ أشد، وهناك احتمال كبير أن تبقى سائرة في الفضاء الكوني، وعندئذ تصبح حرارة الأرض مئتين وسبعين تحت الصفر، الصفر المطلق، وهو موت محقق، فالأرض إذا انجذبت إلى الشمس تتبخر في ثانية واحدة، وإذا تفلتت من جاذبيتها يكون الدمار من شدة البرد، هنا تخفض الأرض سرعتها لينشأ من انخفاض السرعة قوة نابذة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقل، فتبقى على مسارها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
( سورة فاطر )
هناك عالم اقترح لو أن الأرض تفلتت من جاذبية الشمس لسارت في الفضاء الكوني، وأردنا أن نرجعها للشمس قال: نحتاج لمليون مليون حبل فولاذي، وكل حبل قطره خمسة أمتار، ومعنى حبل فولاذي قطره خمسة أمتار أي يحمل مليونين طن قوة جذبه، نحن عندنا قوى الشد وقوى الضغط، بالضغط أقسى عنصر الماس، أما بالشد فأمتن عنصر فهو الفولاذ المضغوط، لذلك ( التلفريك ) والمصاعد والجسور المعلقة كلها فولاذ مضفور الأمتن يقاوم قوى الشد، والأقسى يقاوم قوى الضغط، الإسمنت على الضغط السنتمتر مكعب من الإسمنت يحمل خمسمئة وخمسين كيلوا، أما على الشد فيكسر بخمسة كيلو، إذاً: لا بد من إسمنت مسلح بالحديد، وإلا ينهار البناء، نحتاج لمليون مليون حبل فولاذي لإعادة الأرض إلى جاذبية الشمس، إذا زرعناها على سطح الأرض يكون بين كل حبلين خمسة أمتار، فلا زراعة، ولا صناعة، ولا معامل، ولا بناء، ولا إبحار، ولا سفن، ولا مواصلات، ولا، شمس، غابة الحبال تحجب أشعة الشمس، فتنتهي الحياة، الآن دقق: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
(سورة الرعد)
أي بأعمدة لا ترونها، قوى الجاذبية موجودة، لكن لا نراها، نمشي داخلها.
هناك بناء لكلية الطب من عشرة طوابق، هل يمكن لأهل الأرض مجتمعين أن يبنوا بناء من عشرة طوابق ليس له علاقة بالأرض، تحته فارغ هواء ؟ مستحيل، هكذا الكون، هناك قوى ترابط، لكن لا تراها بالعين، تمشي خلالها، نحن نحتاج إلى دعائم، لذلك: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
(سورة الرعد)
هذه الآيات من آيات الله الدالة على عظمته.
4 – أدنى منطقة في الأرض غور فلسطين: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
أيها الإخوة الكرام، بعد اكتشاف أشعة الليزر، هذه الأشعة تنطلق، وتعود إذا اصطدمت في جسم، استخدمت هذه الأشعة الآن لقياس المسافات الطويلة بالميليمترات http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/09.jpg
و يمكن أن نقيس المسافة بيننا وبين القمر على مستوى الملليمترات، والآن مع المهندس جهاز، يقف في طرف البيت فيضغط فتنطلق أشعة من الجهاز، وتصطدم بالجدار، وتعود، يقول لك: ثلاثة عشر مترا وسبعمئة وخمسين مليمترا، بعد اكتشاف أشعة الليزر قيست المسافات في الأرض، وقيس غور فلسطين، فكان أعمق نقطة على اليابسة، أعمق نقطة في البحر خليج مريانة في المحيط الهادي، والتاريخ يؤكد أن المعركة التي جرت بين الروم والفرس في غور فلسطين، وقد قال الله عز وجل: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الروم ).
هذا سبق علمي، الآن اكتشف أن غور فلسطين أعمق نقطة على سطح اليابسة، وقد سافرت إلى غور فلسطين قبل الاحتلال، ونحن في الطريق مكتوب: هنا سطح البحر، نزلنا ستمئة متر تحت سطح البحر، قال تعالى: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الروم ).
وهذه الآية تندرج مع الإعجاز العلمي.
5 – نطفة الرجل هي التي تحدد نوع الجنين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/11.jpg
شيء آخر، قالوا: الإنسان أحياناً تنجب زوجته البنات فيغضب أشد الغضب، وهناك رجال من الحمق إلى درجة أنهم يطلقون زوجتهم التي تنجب لهم البنات، مع أن العلم أثبت أن المرأة لا علاقة لها إطلاقاً بنوع الجنين، الذي يحدد نوع الجنين النطفة، وليست البويضة، هذا نتيجة بحوث علمية متعلقة بعلم الأجنة، فإذا قرأنا القرآن الكريم: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
( سورة النجم ).
لا من بويضة، وهذه أيضاً آية تندرج تحت آيات الإعجاز العلمي.
6 – عالَم الذرة وحركةُ الكون:
الآن اكتشف أن كل عناصر الكون مؤلف من ذرات، وأن الذرة أصغر وحدة وظيفية لا بنائية http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/12.jpg
والذرة عالَم قائم بذاته، نواة ومسارات وكهارب، وسرعات، والصورة المشهورة دائرة فيها عدة مسارات، على هذه المسارات الكهارب التي تدور حولها، كل شيء في الكون يتحرك هذا الخشب، هذا الحجر، أي شيء تقع عينك عليه يتحرك، كأس البلور، الطاولة، الكرسي، أي شيء تقع عينك عليه يتحرك، هذا علم الذرة، قال تعالى: ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
( سورة يس ).
من الذرة إلى المجرة، ومن المجرة إلى الذرة، كل شيء يدور، الله عز وجل قال: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
( سورة الطارق )
7 – طبقةُ الأثير:
يفهم من هذه الآية أن بخار الماء يصعد إلى السماء، فيرجع مطراً، ثم اكتشف أن البث الكهرطيسي في البث الإذاعي، وأرسلوها إلى الفضاء، فعادت، ما الذي أرجعها ؟ اكتشف أن هناك طبقة اسمها طبقة الأثير ترجع هذا البث إلى الأرض، ولولا هذه الطبقة لما كان بث إذاعي إطلاقاً http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/13.jpg
الإذاعة تبث أمواجها إلى السماء إلى طبقات السماء العليا هذه الطبقة طبقة الأثير هي التي ترد هذه الأمواج إلى الأرض لا كان في بث إذاعي ولا كان في بث مرئي إطلاقاً لولا طبقة الأثير، حملنا الآية معنى جديد: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
( سورة الطارق )
ثم اكتشف أن كل كوكب في الكون يدور في مدار مغلق حول كوكب آخر، بحيث يرجع إلى مكان انطلاقه النسبي، إذاً، قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾

( سورة الطارق )
العظمة أن هذه الصيغة تحتمل رجوع بخار الماء مطراً، وتحتمل رجوع البث الكهرطيسي بثاً، وتحتمل رجوع الكوكب إلى مكان انطلاقة النسبي، قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
( سورة الطارق )
8 – ظاهرة انتثار الضوء:
أيها الإخوة، رواد الفضاء لما صعدوا بمركبة إلى الفضاء الخارجي الذي حصل أن أحد الرواد بعد ردح من الوقت، أي بعد أن قطع خمسة وستين ألف كيلو متر باتجاه الفضاء، الخمسة وستون ألف كيلو متر هي طبقة الهواء، وفي بالهواء ظاهرة اسمها انتثار الضوء، بمعنى أن أشعة الشمس حينما تسلط على ذرات الهواء، هذه الذرات تعكسها على ذرات أخرى، لذلك تجد في الأرض مكانا فيه أشعة الشمس ومكانا فيه ضياء الشمس http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/14.jpg
النهار فيه ضوء، وما كل مكان فيه أشعة الشمس، لكن كل مكان فيه ضوء، هذا اسمه انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء خمسة وستين ألف كيلو متر صار الفضاء الخارجي أسود سواداً عجيباً، فصاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، وكان هاك عالم مسلم كبير من علماء الفلك في المحطة نفسها التي سمع بأذنه صيحة رائد الفضاء: لقد أصبحنا عميا، الآن افتح القرآن الكريم: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
( سورة الحجر )
هذه الآية نتدرج أيضاً تحت باب الإعجاز العلمي، سبق علمي فيه إشارة إلى قانون من قوانين الكون، جاء به القرآن، واكتشفه الإنسان بعد ألف وأربعمئة عام، هذه أدلة قاطعة على أن هذا القرآن الكريم كلام الله، قال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾
( سورة الحج )
9 – كروية الأرض:
في المنطق: من كل فج بعيد، من الصين، من اليابان، من أمريكا، الآية قالت: عميق، ما معنى عميق ؟ لمَ لمْ يقل: من كل فج بعيد ؟ لأن الكرة إذا ابتعدت عن نقطة فيها خط منحنٍ يصبح الفج عميقا، لو كانت الأرض مسطحة لكانت: لكل فج بعيد، أما لأنها كرة فلكل فج عميق، هناك انحناء، وعمق الخطوط المنحنية التي على سطح الأرض خطوط تشكل انحناء، والانحناء معه عمق، لو كان الخط مستمرا هكذا لقال: وعلى كل ضامر يأتين من كل فج بعيد، ولأن الأرض كرة فإنه: من كل فج عميق، وهذه الإشارة إلى كروية الأرض.
هناك إشارة أخرى، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾
( سورة الرعد )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/15.jpg
ما مِن شكل هندسي تستمر عليه الخطوط على ما لا نهاية إلا الكرة، وأيّ شكل آخر كالمكعب فيه حرف، الموشور، أو متوازي المستطيلات فيه حرف، أما الكرة فلا حرف لها، لذلك الخطوط تمشي عليها مستمرة، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ﴾
( سورة الرعد )
الآن هناك إشارات، قال تعالى: ﴿ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾
( سورة الحج
ما مِن شكل هندسي أمام منبع ضوئي يدور إلا ويتداخل الضوء مع الظلام، نحن في أثناء النهار هناك شمس، وفي أثناء الليل ليس هناك شمس، لكن من وقت الفجر إلى وقت الشروق هناك تداخل بين الليل والنهار، ولا يكون هذا التداخل إلا في الكرة، ولو كانت الأرض مكعبة فإن الشمس تشرق فجأة، وتغيب فجأة، لكنّ الشمس تغيب، ويبقى نورها مستمراً لفترة طويلة إلى العشاء، إلى غياب الشفق الأحمر، قال تعالى: ﴿ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾
( سورة الحج )
أيضاً هذه الآية من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل.
10 – الحاجز بين البحرين:
رواد الفضاء حينما ركبوا مركبتهم، وصوروا وجدوا خطاً بين كل بحرين، خطّا بين البحر الأبيض والأحمر في قناة السويس، وخطا بين البحر الأحمر والبحر العربي في باب المندب، وخطأ بين البحر الأبيض والأسود في البوسفور، وخطا بين البحر الأبيض والأطلسي في جبل طارق، لما بحثوا في هذا الأمر وجدوا في الخط تباين لونين، هذا التباين يعني أن لكل بحر مكوناته وملوحته، وخصائصه وكثافته.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/16.jpg
ذهبت مرة إلى العقبة، ووضعت في فندق على البحر، وضعت قدمي في ماء البحر، وجدت ماء البحر في العقبة خفيفا جداً، يحس كل إنسان أن ماء البحر الأحمر خفيف، والبحر الأبيض أثقل، ومن حيث الكثافة والملوحة والمكونات والخصائص لكل بحر له مكوناته وخصائصه وملوحته بشكل واضح، ولا تختلط مياه بحر بمياه البحر الآخر، افتح القرآن الكريم: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
( سورة الرحمن )
حار فيها العلماء، إلى أن كشف العلم حقيقة هذه الآية، مرج البحرين، البحر متلاطم، حتى إن بعض علماء البحر الألمان جاءوا بكمية ضخمة من قصاصات الورق وضعوها عند الخط، وهناك صور من البحر تشعر بوجود الخط كجدار، فمياه البحر لها خصائصها، وهذه القصاصات لم تنتقل أبداً. ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
( سورة الرحمن )
وهذه أيضاً آية تندرج تحت آيات الإعجاز العلمي.
11 – خصائص الماء:
الآن كأس الماء، هل تصدقون أن لهذه الماء خاصة، لو لم تكن لما كان هذا الدرس، ولما كان هذا المسجد، ولما كانت هذه المدينة، ولما كان إنسان على سطح الأرض، بهذا الماء خاصة لولاها لما كانت حياة لا إنسانية، ولا حيوانية، ولا نباتية، لماذا ؟ لأن كل شيء على التسخين يتمدد، كل شيء من دون استثناء.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/17.jpg
نظرياً لو سخت صخور البازلت لأصبحت سائلاً، والبراكين صخور البازلت تمشي كالأنهار، ولو رفعت الحرارة أيضاً لتبخرت، وهناك بخار البازلت، وهذا قانون عام في الأرض، أيّ عنصر يتمدد بالتسخين، , ينكمش بالتبريد، هذا قانون مطرد شامل له استثناء واحد في الماء، لولا هذا الاستثناء لما كانت حياة على سطح الأرض إطلاقاً، ما هذا الاستثناء ؟
هذا الماء شأنه كأي ماء، إذا سخنته يتمدد، وإذا بردته ينكمش لكن في أثناء التبريد من أربعين إلى أربع درجات ينشأ انقلاب، بدل أن ينكمش يزداد حجمه، سبحانك يا رب، الكثافة علاقة الحجم بالوزن، وحدة الكثافة الماء علاقة الحجم للوزن، والماء بشكل واحد لما تبرده تحت أربعة يتوسع ويتمدد، بعكس قوانين الأرض، لذلك لما تأتيها البحارَ موجاتُ برد شديدة تتجمد، ولما تتجمد تقلّ كثافتها، فتطفوا، وتبقى أعماق البحار سائلة ودافئة، وفيها الكائنات، وهذا الثلج يذوب في أشهر الصيف، أما لو كان الماء كأي عنصر آخر إذا بردناه انكمش، فزادت كثافته، فغاص في أعماق البحر حقبا وراء حقب، وقرونا وراء قرون تتجمد جميع البحار، وينعدم التبخر، وتعدم الأمطار، ويموت النبات كله، ويتبعه الحيوان، وآخر من يموت هو الإنسان، وتنتهي الحياة.
كلما شربت كأس ماء فتذكّر أن في هذا الماء خاصة لولاها لما كانت حياة على سطح الأرض، هذه الدقة البالغة، لذلك هناك آية عظيمة دالة على عظمة الله، أن هذا الماء عند الدرجة زائد أربع يتوسع، والدليل: ائت بقارورة واملأها ماء، ثم أحكم إغلاقها، وضعها في الثلاجة، بعد أربع ساعات تراها قد تحطمت.
بالمناسبة، الماء إذا أراد أن يتمدد فما مِن قوة في الأرض تمنعه، الآن جبال الرخام تقتلع عن طريق التمدد، تحفر ثقوب في الصخور، وتملأ ماء، وتبرد فتخرج كرة أو مكعبة من الرخام، وهناك محرك مصنوع من خلائط معدنية عالية جداً، إذا لم يضع الإنسان في المحرك مادة مضادة للتجمد يتشقق المحرك، وحتى ماء العين، والفضل لله عز وجل فيها مادة مضادة للتجمد، لو سافر واحد إلى القطب، هناك درجة الحرارة سبعون تحت الصفر، وماء العين يلامس الهواء الخارجي، فلا بد من تجمد العين، وفقد البصر، لذلك أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد.
12 – خاصية التبخّر وعلاقتها بالأمطار:
الآن الهواء يحمل بخار الماء، لكن يحمل بخار الماء بكميات متناسبة مع حرارته، فالهواء الحار يحمل كميات بخار أعلى، إذا بردته يتخلى عن بعض الأجزاء، لولا هذا القانون ما كانت أمطار أبداً، تسلط أشعة الشمس على البحار فتسخن، فتتبخر مياه البحار، وتصبح بخارا يحمله الهواء، الهواء يسير إلى منطقة باردة، يبرد نسب بخار الماء المتعلقة بالحرارة، فلما يبرد يتخلى الهواء عن بعض بخار الماء على شكل قطرات فتكون الأمطار.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/18.jpg
شيء دقيق جداً أيها الإخوة، الهواء إذا سخنته يتخلخل، فيصبح ضغطه منخفضا، وإذا بردته يتراكم، فيصبح ضغطه مرتفعا.
ينتقل الهواء من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض، قم تجربة، دفئ غرفة الجلوس بشكل جيد، وشق الباب لسنتين، وضع شمعة عند فتحة الباب، فإنك ترى لهيب الشمع نحو الداخل، في الخارج الهواء بارد مضغوط ضغطا عاليا، الضغط العالي يتجه نحو الضغط الأخف، الهواء ساخن في الغرفة، ضغط الهواء فيها أقلّ، لذلك الطائرات أحيانا في الأماكن الحارة إلى أن تحلق في الجو تحتاج إلى مسافة أكبر، الهواء مخلخل لا يحملها سريعاً، في الأماكن الباردة تصعد هكذا، وفي الأماكن الدافئة تصعد هكذا، الهواء مخلل، هذا نظام، لذلك الله عز وجل جعل الماء من آيات الله الدالة على عظمته، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الأنبياء )
التفكر في آيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية سبيلٌ لمعرفة الله:
أيها الإخوة الكرام، طبعاً هذا غيض من فيض http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1447/ar-1447/19.jpg
آيات الله الدالة على عظمته لا تعد ولا تحصى، ولكن من أجل أن تعرف الله يجب أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
والآيات كما تعرفون آيات كونية، هذه التي تحدثنا عنها، وهناك آيات تكوينية هي أفعال الله، وهناك آيات قرآنية، هي كلام الله، وطريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية، وفي آياته التكوينية، وفي آياته القرآنية، وإذا فعلنا هذا اقتربنا من معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله أصل الدين، (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ ورد في الأثر ].


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السابع )


الموضوع : مقومات التكليف : العقل -1- العقل أداة لمعرفة الله ـ العقل وعلاقته بالنقل









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة تذكيرية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس العقيدة والإعجاز، وقد تحدثنا من قبل عن مقومات التكليف، وذكرنا بأن الكون هو الثابت الأول، وهو من أول مقومات التكليف، وأن العقل الصريح هو أيضاً من مقومات التكليف، وأن الفطرة السليمة وأن الشهوة التي نرقى بها مرتين صابرين وشاكرين، وأن الحرية التي منحنا الله إياها تثمن عملنا، وأن الشرع هو ميزان على ميزاني العقل والفطرة، وأن الوقت هو غلاف هذا التكليف، وقد أنهينا في دروس سابقة موضوع الكون، وموضوع الآيات الدالة على عظمة الله من خلال الكون، أما الآيات الدالة على عظمة الله فسوف تكون في كل درس إن شاء الله.
من مقومات التكليف: العقل:
والآن ننتقل إلى موضوع العقل، وهو أصل من أصول الكبيرة في الإنسان.
1 – الآيات الدالة على العقل كثيرة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/01.jpg
بل إنّ الآيات التي تذكر العقل ومشتقاته، وما يتصل به تقترب من ألف آية، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾
( سورة يس )
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾
( سورة الغاشية )
﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)﴾
( سورة الأنعام )
الآيات التي تتصل بالعقل، وما يلوذ به تقترب من ألف آية.

2 – الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك:
كلكم يعلم أيها الإخوة أن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وأن الإنسان ينبغي أن يلبي حاجة العقل، وحاجة العقل العلم، وينبغي أن يلبي حاجة القلب، وحاجة القلب الحب، كما ينبغي أن يلبي حاجة الجسم، وحاجة الجسم الطعام والشراب، فالذي يلبي هذه الحاجات الثلاث يتفوق، والذي يلبي حاجة دون الثانية يتطرف، والفرق كبير بين التفوق والتطرف، الإنسان نفس هي ذاته، هي المخاطَبة، هي المعاتبة، هي التي تؤمن، هي التي تكفر، هي التي تسمو، هي التي تسفل، هي التي تحب، هي التي تبغض، هي التي تشكر، هي التي تكفر، هي التي تنصف، هي التي تجهد، نفس الإنسان ذاته، لا تموت، ولكنها تذوق الموت، والموت يعني أن تنفصل ذات الإنسان عن الوعاء الذي هي فيه، وهو الجسد، عن طريق توقف الإمداد الإلهي، وهي الروح، الروح هي الإمداد الإلهي.
للتقريب: كالكهرباء في الآلة، يتوقف الإمداد الإلهي، وتنفصل ذات الإنسان عن الوعاء، وهو الجسم، فيكون الموت، ولا يغيب عن أذهانكم أن هذا المصباح الكهربائي إما أن نقطع عنه الكهرباء فيكون الموت، وإما أن نحطمه، والتيار واصل، فيكون القتل، الموت انقطاع الإمداد، أما القطع فتخريب الجسم بحيث لا يستطيع أن يستقبل الإمداد الإلهي، فيكون الموت.
على كلٍّ، البطولة أن تعتني بنفسك، لأنها خالدة الآبدين، لكنه مع الأسف الشديد الحضارة الغربية بكل إنجازاتها تعتني بالجسد فقط، وتنتهي إنجازات الحضارة الغربية عند الموت، بينما إنجازات الحضارة الإسلامية تبدأ مع الولادة، ولا تنتهي، ولا إلى أبد الآبدين.
هناك حقيقة دقيقة، قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾
( سورة الزخرف )
النفس البشرية تذوق الموت.
العقل قوة إدراكية لا بد من تلبية حاجاتها بالعلم:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/02.jpg
أيها الإخوة الكرام، أودع الله في الإنسان العقل، وهو قوة إدراكية، وهو حاجة عليا على المعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به أبداً، ما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، ما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، ما لم يبحث عن سر وجوده، ما لم يبحث عن غاية وجوده، ما لم يبحث عن الرسالة التي حمله الله إياها، ما لم يبحث عن التكاليف التي كلفه الله إياها، ما لم يسأل من أين وإلى أين، ولماذا، ما لم يتفرغ لمعرفة الحقيقة، ما لم يطلب العلم يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
الناس رجلان: عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما، << يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
<< الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم >>.
هذا كلام سيدنا علي.
هكذا تموت النفس:
إذاً: العقل قوة إدراكية، وما لم تلبَ هذه القوة الإدراكية يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته، ويقترب من البهيمية، لذلك قال تعالى:
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾
(سورة النحل )
موت النفس، قال تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾
(سورة الفرقان )
﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾

(سورة المنافقون )
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾
(سورة فاطر )
أيها الإخوة الكرام، لا يمكن أن تؤكد ذاتك إلا إذا طلبت العلم لا يمكن أن تؤكد إنسانيتك إلا إذا طلبت العلم.
العقل مجموعة مبادئ:
أيها الإخوة، هذا العقل ما هو ؟ هو مجموعة مبادئ.
المبدأ الأول: السببية:
المبدأ الأول: مبدأ السببية، إذ إن عقلك لا يمكن أن يفهم شيئا بلا سبب، إذا أقفلت باب بيتك، وليس أحد يملك مفتاحا آخر، وسافرت، وأطفأت المصابيح، فلما رجعت رأيت عن بٌعد النوافذ وراءها ضوء، تقلق قلقاً لا حدود له، تقول لك زوجتك: لماذا أنت قلق ؟ من دخل إلى البيت ؟ لأن عقلك لا يمكن أن يصدق أن هذه المصابيح تألقت من ذاتها، هذا العقل لا يفهم شيئاً إلا بسبب.
المبدأ الثاني: الغائية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/03.jpg
كذلك لا يفهم شيئاً بلا غاية، لماذا وضع هذا الشيء في هذا المكان، ما الغاية ؟
مرة كنت في العمرة، هناك مكتبة مصاحف في الحرم النبوي، لكن سقف هذه المكتبة مائل، لماذا ؟ تحتوي مصاحف، لئلا يخطئ معتمر فيضع شيئاً لا يليق فوق المصاحف، جعل سقف هذه المكتبة مائلاً، لا تفهم هذا الميل إلا لهذا الهدف، واضرب على ذلك آلاف الأمثلة، لماذا ترى سيارة وراءها سلسلة تجرها على الأرض، لا تفهمها، مع أنه لا علاقة لك بالشاحنات إطلاقاً، إلى أن يأتيك الخبر، إذا جاءت صاعقة هذه السلسلة تفرغها، وتنجو المركبة من الاحتراق، فالعقل البشري لا يفهم شيئاً بلا سبب، ولا يفهم شيئاً بلا غاية.
المبدأ الثالث: عدم التناقض:
ولا يقبل التناقض، هل تصدق أنه في الساعة الثامنة مساءً إنسان موجود في دمشق وفي حلب بآن واحد، مستحيل العقل يرفض التناقض، ولا يفهم شيئاً إلا بسبب، ولا يفهم شيئاً إلا بغاية، لكن الشيء الرائع أن أصل قوانين الكون أصلها سببية وغائية وعدم التناقض، ولولا التطابق التام بين مبادئ العقل وقوانين الكون لتعطل العقل عن مهمته الكبرى، وهي معرفة الله عز وجل، لو أن الكون ليس فيه مبدأ السببية، شيء يخلق فجأة بلا سبب، العقل يرتبك، لو بالعكس، في الكون مبدأ السببية، أما العقل لا يوجد هذا المبدأ، تقول: ما دام السبب ليس ضرورياً لحدوث شيء فهذا الكون بلا خالق، لكن ترى الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، مَن خلق الدجاجة الأولى ؟ من مسبب الأسباب ؟ الله جل جلاله، إذاً: الله عز وجل عن طريق مبدأ السببية يأخذك برفق إلى ذاته، هو مسبب الأسباب، وعن طريق مبدأ الغائية يأخذك برفق إلى الغايات التي تتوخاها مما حولك.
البقرة كمية الحليب التي تقدمها كل يوم تفوق عشرة أضعاف حاجة وليدها، لمن الحليب ؟ لنا، قال تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾
( سورة النحل )
لو تابعت هذا الموضوع مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، لرأيت أن العقل أداة معرفة الله، والشيء الرائع أن توافق مبادئ العقل مع قوانين الكون هو الذي جعل للعقل فاعلية عالية جداً.
مهمة العقل محدودة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/04.jpg
لكن العقل مهمته محدودة، كيف ؟ تماماً كمحل تجاري يبيع مواد غذائية، فيه ميزان، لكنه ميزان راقٍ جداً، وغالٍ جداً، فيه ذواكر، هذا الميزان على أنه بمستوى رفيع جداً، لكن مهمته محدودة، يمكن أن تستخدمه بين خمس غرامات وخمسة كيلوات، لو أردت أن تزِن بهذا الميزان مركبتك، وضعته على الأرض، وسرت فوقه لحطمه، هل لك أن تقول: ليس جيداً لأنه تحطم، نقول لك لأنك استخدمته بخلاف ما صنع له مهمته محدودة هذا يقودنا إلى أنه في ميزان .


أدوات اليقين في دائرة المحسوسات والمعقولات والإخباريات:
دائرة المحسوسات، ودائرة المعقولات، ودائرة الإخباريات، المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس، المصباح متألق، صوت المروحة مسموع، هذا اللون بني، هذا خشب محفور، أداة اليقين في دائرة المحسوسات الحواس الخمس فقط، أو استطالاتها الميكروسكوب استطالة لحواس، والتلسكوب استطالة للحواس، المجهر، والمرصد باللغة الفصحى المجهر، والمرصد أداتان لاستطالة الحواس، لكن كل شيء مادي أداة معرفته الحواس الخمس، هذه الدائرة لا خلاف فيها إطلاقاً.
ولكن الدائرة الثانية دائرة المعقولات، الدائرة التي أداة اليقين بها العقل، العقل مهمته أن يرى شيئاً مادياً، أو يرى آثار شيء مادي يحكم عليه من دون أن يراه، يرى آثار أقدام فيقول: الأقدام تدل على المسير، يرى جدول ماء فيقول: والماء يدل على الغدير، يرى بعرة يقول: تدل على البعير، يرى دخانا من وراء جدار فيقول: لا دخان بلا نار، هذه مهمة العقل، تعطيه آثار شيء يؤمن بالشيء، شيء غابت ذاته، وبقيت آثاره أداة اليقين به هو العقل، المصابيح متألقة، هذه آثار الكهرباء، صوت مكبر الصوت، آثار الكهرباء، إذاً: مهمة العقل هو أداة يقين في دائرة المعقولات، أي أشياء غابت ذواتها، وبقيت آثارها، هذا مجال العقل مهمته محدودة بهذه الدائرة، فالشيء الذي ظهرت ذاته وآثاره كهذا الكأس ظهرت ذاته وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس، باليد الملمس، بالجلد البرودة، والحرارة بالجلد أيضاً، المنظر بالعين، لو لها صوت بالأذن، الشيء المادي ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس، أما إذا رأينا دخانا، ولم نر النار نقول: عين النار غابت عنا، بقيت آثار النار، وهو الدخان، العقل يحكم ويقول: لا دخان بلا نار.
أما إذا غابت ذات الشيء وآثاره معاً فالعقل يتعطل، لا وظيفة له، هذه الدائرة الثالثة دائرة الإخباريات، الماضي السحيق من دائرة الإخباريات، ما بعد الموت من دائرة الإخباريات، الملائكة، الإيمان بالملائكة من دائرة الإخباريات، الإيمان بالجن من دائرة الإخباريات، شيء ظهرت ذاته وآثاره، هذا تابع للدائرة الأولى المحسوسات، الحواس الخمس أداة اليقين به، شيء غابت ذاته، وبقيت آثاره، هذا تابع لدائرة المعقولات، العقل أداة اليقين به، شيء غابت عينه وآثاره، أداة اليقين به الخبر الصادق، شيء واضح جداً، دخلت إلى بيت فرأيت إبريق ماء، أو كأس ماء، هذه الدائرة الحسية، رأيت الكهرباء متألقة، التألق آثار الكهرباء، تقول: في البيت كهرباء، إما من الشبكة العامة، أو من مولدة، وإذا رأيت خزانة مقفلة فلا يمكن مهما تكن ذكياً وعاقلاً أن تعرف ما بداخل هذه الخزانة، فجاءك صاحب البيت، وقال: هذه خزانة كتب، أضع فيها كتبي الثمينة، فأخبرك بها.
الحكمة تقتضي وضع كل شيء في موضعه المناسب:
هناك شيء ظهرت ذاته وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس، وشيء غابت ذاته، وبقيت آثاره، أداة اليقين به العقل، وشيء غابت عينه وآثاره أداة اليقين به الخبر الصادق، بطولتك أن تضع أي قضية في الدين مكانها الصحيح، أما حينما تريد أن تناقش الدائرة الثالثة بعقلك فإن عقلك يرتبك.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/05.jpg
قد يقول لك إنسان لا يؤمن بالله: ائت لي بدليل على وجود الملائكة، ليس هناك دليل، أريد دليلا علميا على وجود الملائكة، أريد دليلا علميا على وجود الجن، أريد دليلا علميا على وجود الدار الآخرة، هذه قضايا إخبارية.
هناك شيء دقيق جداً، لما يخطئ الداعية، ويعالج موضوعات إخبارية أمام من ينكر أصل هذا الدين فيقع في ارتباك شديد، وليس معه دليل، بطولتك أن تضع أية قضية في مكانها الصحيح، قضية حسية، قضية عقلية، قضية إخبارية.
أيها الإخوة، أنت أحياناً تدخل إلى بناء جامعة، هو بناء فخم بحدائق غناء، ومدرجات رائعة، فيها كواتم للصوت، فيها مقاعد وثيرة، فيها سبورة متحركة، فيها تكبير صوت، فيها جهاز عاكس، فيها أبنية للطلبة، وأبنية إدارية، ومخابر، ومدرجات، وقاعات، ومسرح، هذا كله تدركه بعقلك، ولكن هل تستطيع أن تعرف من هو رئيس الجامعة ؟ مستحيل، مَن هم عمداء الكليات، مستحيل، ما النظام الداخلي في قبول الطلاب وفي نجاحهم وفي طردهم وفصلهم، مستحيل، العقل وحده لا يكفي، لا بد من النقل، فعندنا عقل، وعندنا نقل.
كل ما عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الله به:
الفكرة الدقيقة: أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، وما دام هذا الميزان ميزان محل لبيع المواد الغذائية فإنه يعجز عن وزن سيارتك، وصانع السيارة وضع لك لوحة داخلية عليها وزن السيارة بالضبط، أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به.
أيها الأخوة يجب أن نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذه العين مهما تكن حادة البصر، أحياناً يفحص المرء عينيه، يقول له الطبيب: اثنا عشر على عشرة، آخر صف يعرفه تماماً من حيث الاتجاهات، الصف قبل الأخير عشرة على عشرة، أما الأخير فاثنا عشر على عشرة، هذه العين مهما تكن حادة البصر فلا قيمة لها إطلاقاً من دون نور يتوسط بينك وبين المرئيات، فلو جلس إنسان أعمى مع إنسان حاد البصر في غرفة ليس فيها نور يستويان تماماً، فكما أن العين لا قيمة لها من دون ضوء يتوسط بينها وبين المرئيات فالعقل لا قيمة له من دون وحي يرشده، فالضوء للعين كالوحي للعقل، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
( سورة المدثر )
معنى ذلك أن العقل البشري من دون وحي السماء يضل ويزل، وينحرف، وهذا الذي نعانيه مع الحضارة الغربية، عقل فقط، هم يعملون في ظلام دامس، والمسلمون نائمون في ضوء الشمس.
العقل الصريح والعقل التبريري:
الآن هناك عقل صريح، وهناك عقل تبريري، العقل الصريح يقودك إلى الحقيقة، لكن العقل التبريري تستخدمه لغير ما صنع له، كيف ؟
من الممكن أن تقتني آلة تصوير غالية الثمن جداً، ويمكن إذا استخدمتها في تصميم الأغلفة والبطاقات والتقاويم والمذكرات أن تربح أرباحاً طائلة، لكنك استخدمتها لتزوير العملة، فدخلت السجن، الآلة نفسها إما أن تستخدمها في أعمال فنية تجارية رائجة ذات أجر عالٍ جداً، وإما أن تستخدمها في عمل يحرمه القانون، فتكون هذه الآلة سبباً في دخول السجن، فالعقل من دون وحي قد يكون سبباً لهلاك صاحبه، قال تعالى: ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15)﴾
( سورة العلق )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/06.jpg
الناصية مقدمة الرأس، مكان اتخاذ القرار، مكان المحاكمة، ناصية كاذبة خاطئة، فحينما يتخذ الإنسان قرارا خاطئا يكون عقله هو السبب.
للتقريب: عند إنسان بيت غالي الثمن، وباعه بالعملة الصعبة، وفي جيبه جهاز يكشف له العملة الصعبة، الآن هناك أجهزة تضع العملة الصعبة عليه فيظهر على الشاشة لون، إذا كان لونًا برتقاليا فالعملة صحيحة، وإذا كان لونا آخر فالعملة مزيفة، باع هذا الإنسان بيته بسعر غالٍ جداً، وفي جيبه جهاز لكشف العملة المزورة، ولم يستخدمه، هذا العقل، في جيبه الآخر أرقام العملات المزورة، هذا الشرع، فلا استخدم عقله، ولا رجع إلى الشرع، ففوجئ أن العملة كلها مزورة فضاع بيته، وهو السبب في ذلك.
فلذلك أيها الإخوة، العقل الصريح هو العقل الذي يقودك إلى الخير، إلى الفلاح، إلى النجاح، إلى الإيمان بالله، إلى طاعة الله، إلى خدمة الخلق، إلى الإقبال على الله، وأما العقل التبريري فكأن تحتل بلداً، وتزعم أنك احتلته من أجل الحرية والديمقراطية، فإذا الواقع عكس ذلك، نهب للثروات، وقتل للبشر بلا حساب، لذلك أخطر شيء العقل التبريري، هذا عقل ساقط محتقر، يغطي الشهوات، يغطي الانحرافات، يغطي التفلت، وكلما جلست مع إنسان عاص، واستمعت إلى تبرير أعماله فهو يستخدم عقله التبريري، وكلما التقيت مع إنسان عاقل مستقيم مؤمن يستخدم عقله الصريح، لذلك الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط خط النقل الصحيح وخط العقل الصريح وخط الفطرة السليمة وخط الواقع الموضوعي، العقل الصريح النقل الصحيح الفطرة السليمة الواقع الموضوعي.
أيها الإخوة، كما قلت قبل قليل: العقل حينما تستخدمه لخلاف ما خلق له يكون سبب الدمار، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
( سورة المدثر )
لكن العقل يستنير بوحي السماء، ويستنير بتوجيهات الخالق الصانع الحكيم.
أيها الإخوة، حينما يقول الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
( سورة الرحمن)
بين العقل والمنهج:
الآن مع العقل والمنهج، أيعقل أن يعلَّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق أيعقل ؟ كيف هو تفسير الآية ؟
إنّ ترتيب الآية ترتيب رتبي، وليس ترتيباً زمنياً، فلا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، لذلك القرآن هو المنهج، كآلة غالية الثمن، عظيمة النفع، معقدة الصنع، الشركة التي اشتريتها منها نسيت أن ترسل لك تعليمات، فأنت إذ استخدمتها من دون تعليمات أعطبتها، وإن خِفتَ عليها جمدت ثمنها، أليست التعليمات أهم من الآلة، هذا معنى قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
( سورة الرحمن)
جاء تعليم القرآن مقدماً على خلق الإنسان تقديماً رتبياً لا تقديماً زمنياً.
خطوط حمراء لابد من مراعاتها في موضوع العقل:
العقل يمكن أن يصل بك إلى الله، ولكن لا يمكن أن تحيط بعقلك بالله عز وجل:
﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾
( سورة البقرة: 255)
كمركبة أقلتك إلى شاطئ البحر لكنك بهذه المركبة الأرضية لا تستطيع أن تخوض بها عباب البحر، ولا أمواج البحر، والذي قلته قبل قليل: أيّ شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، وكأن العقل حصان تركبه إلى باب السلطان، فإذا دخلت قصر السلطان دخلت وحدك، فأنت بعقلك وصلت إلى الله، أما إذا أمرك الله بأمر فينبغي أن تنصاع له، تماماً كما لو أن إنسانا بحث عن طبيب في أعلى مستوى من العلم والإخلاص والفهم والمراس والتجربة الكفاءة، فلما وصل إلى الطبيب بعقله قال له: إياك وتناول الملح، لن تستطيع أن تحاوره، عقلك أوصلك إليه يجب أن تأخذ أمره بحسب إيمانك بتفوق هذا الطبيب.
لكن العقل كحياتنا فيها خطوط حمراء، كذلك أمام العقل خطوط حمراء كثيرة جداً، لكن أبرز هذه الخطوط: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/07.jpg
(( تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))
[ الجامع الصغير عن ابن عباس بسند ضعيف ]
إنّ العقل أعجز من أن يتفكر في ذات الله كما قلت قبل قليل، والعقل موضوعه مادي، وذات الله لا يمكن أن يحيط به عقل، لذلك من أعمل عقله في ذات الله ربما هلك، وربما اختل، وربما أصيب بالجنون، يقول عليه الصلاة والسلام: (( تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))
إذاً هناك خطوط حمراء لا بد أن تراعى في موضوع العقل.
أيها الإخوة، من البطولة ألا تعرض على المشككين في الدين القضايا الإخبارية، فإن عرضت هذه القضايا الإخبارية وقعت في حرج شديد، لأن هؤلاء لن يدركوا ما معنى أن هذا الموضوع موضوع إخباري، أي أن العقل لا يستطيع أن يخوض فيه إطلاقاً، هذا موضوع إخباري صرف.
من آيات الله الكونية: أمّن جعل الأرض قراراً:
الآن ننتقل إلى شيء آخر، من آيات الله الدالة على عظمته قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
الأرض مستقرة، وهي تدور حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متر في الثانية، وفي الدقيقة ألف وثمانمئة، ودرْسنا هذا خمسون دقيقة، الآن اقتربنا من تسعة آلاف كيلو متر، ومن دمشق إلى الرياض بالطائرة ألف ومئة كيلو متر، نحن على الأرض، وهي في دورتها حول الشمس قطعنا تقريباً تسعة آلاف كيلو متر، قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾
( سورة النمل: 88)
مع هذه الحركة الأرض مستقرة.
مرة زرت مسجدا في استنبول، الدليل السياحي أخذني إلى المحراب، وأطلعني على عمود رخامي، والجامع مبني من سبعمئة عام، وطلب مني أن أدير العمود، العمود له قاعدة، وله غطاء، دار معي في فضاء ميليمتر واحد، سبعمئة عام ما ضغط هذا العمود، لو ضغط لا يتحرك، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
الأبنية ثابتة، والدليل الزلازل، ففي مدينة أغادير المغربية في ثلاث ثوان غاصت تحت سطح الأرض، حتى إن فندقا من ثلاثين طابقا اسمه بقي الفندق على الطابق الثلاثين، غاص الفندق كله إلى الأرض، فأصبح اسم الفندق شاهدا له، نزل هذا الفندق ثلاثين طابقاً تقريباً، إذاً: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
لذلك ينبغي أن نعرف نِعَم الله بوفرتها لا بزوالها، هذا المعنى الأول.
الآن هذا الكأس لماذا يبقى على الطاولة ؟ لأن له وزناً، ما هو الوزن ؟ هو انجذاب الشيء إلى مركز الأرض.
أيها الإخوة الكرام، نحن نعيش نعمة لا نعرفها إلا إذا فقدناها.
إنّ رواد الفضاء حينما توجهوا إلى القمر من الأرض، والقمر في منطقة اسمها انعدام الجاذبية، هذه المنطقة ليست خاضعة لا إلى الأرض، ولا إلى القمر، إذاً: الإنسان هناك لا وزن له، ينام على فراشه فيستيقظ وهو في سقف المركبة، يمسك حاجة فتبقى في الهواء، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
من جعل الأشياء تستقر على سطح الأرض ؟ هذه نعمة، الأثاث ثابت، المكتبة ثابتة، الحاجات ثابتة، لها وزن، وأنت ثابت، لو انتقل الإنسان إلى سطح القمر لكان وزنه تقسيم ستة، إن كان وزنه ستين كيلوا في الأرض فوزنه في القمر ستة كيلوات، لو ركب رائد فضائي المركبة، ودخل منطقة انعدام الوزن ليس له وزن أبداً، ورحلات الفضاء تؤكد ذلك، الوزن هو انجذاب الشيء إلى مركز الأرض، وهذه نعمة كبرى، الأشياء لها وزن، وهناك استقرار.
معنى امن جعل الأرض قراراً:
المعنى الأول:
أول معنى: من جعل الأرض قراراً مستقرة، هذا العمود الرخامي في المسجد يدور، لماذا يدور ؟ لأن هناك فراغا لا يزيد على ميليمتر، ولو ضغط البناء ميليمترا لما دار، هذه علامة إتقان البناء، والأرض مستقرة، أما بالزلازل فيقول لك: سبعة على سُلّم ريختر، انتهى كل شيء، وهناك زلازل تدمر كل شيء، إذاً: المؤمن يعرف نعمة الله بوجودها لا بزوالها، نعمة استقرار الأرض.
أحيانا يركب إنسان طائرة فيتوهم الأرض أكثر أمناً، الأرض نفسها حينما تضطرب لا تبقي ولا تذر، وقبل سنوات عدة زلزال في القاهرة، والزلازل موجودة في الأرض، فإذا كانت منطقة فيها استقرار فهذا من نِعم الله عز وجل، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1392/08.jpg
المعنى الثاني: من جعل الأشياء لها وزن، تضعها هنا فتبقى في مكانها، لو ما كان هناك وزن فإنك تغادر البيت وترجع فتجد كل حاجة بمكان آخر، لكنك ترجع وتجد كل شيء ثابتا، هذا أيضاً من نِعم الله عز وجل، والآية الكريمة: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
( سورة النحل)
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾
( سورة الأنعام:65)
الزلازل، أو كما يحدث في بعض البلاد المجاورة.
إذاً: أيها الإخوة، حينما يتفكر الإنسان في خلق الله عز وجل، حينما يتأمل في عظمة الله يزداد تعظيماً لله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
( سورة النمل: 88)
أنت واقف مستقر.
المعنى الثالث:
لكن هناك معنى آخر: كيف أنت مستقر، وأنت واقف، مع أن قاعدة استناد جسمك عن طريق قدميك لا تكفي، فأي مجسّم للإنسان يحتاج إلى قاعدة استناد تزيد على سبعين سنتيمترا، القدم لطيفة جداً، هذا الاستقرار، هذا الوقوف، هذا التوازن بفضل جهاز بالغ التعقيد، اسمه جهاز التوازن، ففي الأذن قنوات فيها سائل، والسائل سطحه أفقي، فإذا مال الإنسان، وبقي السائل أفقياً وصل إلى مكان في القناة لم يكن فيها سائل، فيدرك الإنسان أنه مال فيصحح وضْعَه، لولا هذه القنوات الثلاث لما استطاع إنسان أن يقف على سطح الأرض، بل يقع، والدليل: الميت يقع، ولا يقف، لتعطُّل هذا الجهاز.
لما يفكر الإنسان أن استقراري على الأرض بفضل نظام الجاذبية، واستقراري على الأرض بفضل سكون الأرض مع حركتها، مع أنها تسير، وكما قلت قبل قليل: نحن قطعنا في هذا الدرس تسعة آلاف كيلو متر، ومحيط الأرض أربعون ألفا، قطعنا تسعة آلاف كيلو متر بسرعة ثلاثين كيلو متر في الثانية، والأرض مستقرة، والأشياء لها وزن أيضاً، والإنسان جهز بقنوات التوازن، وهذا من حكمة الله عز وجل، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾
( سورة البقرة: 164)
التفكر في الكون أقصر طريق لمعرفة الله تعالى:
أيها الإخوة، دائماً وأبداً أردد هذه المقولة: التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله، والتفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله، لأنه يضعك أمام عظمة الله، وإذا قلت: العقل، ولعلي أقصد به الفكر، فتفكرك في خلق السماوات والأرض سبب معرفتك لله، فلذلك هذا اللقاء الطيب عنوانه: العقيدة والإعجاز، والإعجاز أن تتفكر في هذه الآيات، واستقرار الأرض شيء آخر.
حينما تذهب إلى أستراليا، على الكرة أستراليا في الأسفل، تذهب إلى هناك فترى السماء فوقك، والأرض من تحتك، شيء يحير، إذاً: ما هو العلو ؟ هي الجهة المقابلة لمركز الأرض، هذا نظام، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
تنعم بالاستقرار، أمن جعل الأشياء لها وزن، إذًا: أنت على الأرض أضعاف مضاعفة وزنك وحجمك، ولكان وزنك مئتي كيلو، ولو لم يكن هناك قنوات توازن لاحتجت إلى قنوات كأقدام الفيل، فيصبح المشي أشغالاً شاقة، هذا التفكر يعرفك بالله عز وجل، وبدقة صنعك، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
( سورة النمل: 61)
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾
( سورة التين )
أيها الإخوة الكرام، إلى متابعة موضوع العقل في اللقاء القادم.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثامن )


الموضوع : مقومات التكليف : العقل -2- العقل يتكامل مع الوحي ومرتبط بالواقع











الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة وتذكير:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن من دروس العقيدة، والإعجاز، وهذه الدروس تتحدث عن مقومات التكليف، وفي دروس سابقة تحدثت عن الكون كأحد مقومات التكليف، وتحدثت عنه كأول ثابت من ثوابت الإيمان، ثم انتقلنا إلى العقل كأداة لمعرفة الله عز وجل، وهو مناط التكليف، وبينت أن علاقته بالنقل التأكد من صحة النقل قبل النقل، ثم فهم النقل بعد النقل، ولن يكون العقل حكماً على النقل، ونتابع الحديث عن العقل في هذا الدرس الثاني.
الأمانة والإنسان:
كلكم يعلم من مسلَّمات الإيمان أن الإنسان هو المخلوق الأول، الأول رتبة، ولمجرد أنك إنسان، أنت المخلوق الأول، لأن الله حينما عرض على الخلائق كلها الأمانة أشفقن منها، وقال الإنسان: أنا لها يا رب، وتصدى لحمل الأمانة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب )
نفسك أمانة لابد من تزكيتها:
هل تعلم من أنت ؟ أنت المخلوق الأول الذي قبل حمل الأمانة، أنت فوق الملائكة إن أديت الأمانة، ولا سمح الله ولا قدر الإنسان دون الحيوان إذا خان الأمانة، فما الأمانة ؟ نفسك التي بين جنبيك: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾
( سورة الشمس )
النجاح كل النجاح، الفوز كل الفوز، التفوق كل التفوق في أن تزكي نفسك: ﴿قَدْ أَفْلَحَ ﴾
( سورة الشمس )
خالق السماوات والأرض يقول لك: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
( سورة الشمس )
تزكيها بأن تعرفها بخالقها، تزكيها بأن تعرفها بمنهج خالقها، تزكيها بأن تحملها على طاعة خالقها، تزكيها بالبذل، بذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، تزكيها بالاتصال بالله، إن زكيتها في الدنيا كانت التزكية ثمناً لجنة عرضها السماوات والأرض.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/01.jpg
الإنسان مخلوق للجنة، لذلك يمكن أن يقسّم الناس على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم ومذاهبهم إلى زمرتين: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾
(سورة الليل)
أول زمرة صدقت أنها مخلوقة للحسنى أي الجنة، أنت مخلوق للجنة فقط، وأنت في الدنيا من أجل أن تدفع ثمن الجنة، لذلك: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾
(سورة الليل)
الترتيب معكوس، لأنك صدقت بالحسنى اتقيت أن تعصي الله، ولأنك صدقت بالحسنى، وعلمت علم اليقين أن ثمن الجنة هو العمل الصالح، فبنيت حياتك على العطاء، وهناك فرق صارخ بين المؤمن وغير المؤمن.
هذا هو النجاح الحقيقي:
إنّ المؤمن يبني حياته على العطاء، غير المؤمن على الأخذ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، فإن أخذت ولم تعط، أو أعطيت ولم تأخذ فأنت بالحالة الأولى من أتباع الأقوياء، وفي الحالة الثانية من أتباع الأنبياء.
لذلك أيها الإخوة الكرام، حينما تقرأ قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
( سورة الشمس )
ترى أن هذا هو النجاح الحقيقي، والله الذي لا إله إلا هو لو أن إنسانًا يملك كما يملك ( بيل غيت ) تسعين مليارًا، وإنسانا فقيرا في التعتيم، إن حضر لم يُعرف، وإن غاب لم يُتفقد، وعرف الله، وزكى نفسه أفضل مليار مرة من الذي جمع أكبر ثروة في الأرض، لأن الدنيا دار انقطاع، وقف القلب انتهى كل شيء، كل الأموال المنقولة وغير المنقولة تصير إلى غيرك، تسكن بيتاً فخماً، لكن مصيرك إلى القبر، تتمتع بمكانة كبيرة إلى القبر، لك مركبة فارهة مصيرُك إلى القبر
والله أيها الإخوة الكرام، ما وجدت على سطح الأرض من آدم إلى يوم القيامة إنساناً أعقل ممن أعد لهذه الساعة، ساعة لقاء الله عز وجل، فلذلك لأنك إنسان المخلوق الأول، أنت مرشح إما أن تكون فوق الملائكة، ولا سمح الله ولا قدر، أو أن يكون الإنسان دون الحيوان: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
( سورة البينة )
الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) ﴾
( سورة البينة )
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
( سورة البينة )
أيها الإخوة الكرام، دققوا، ابتغوا العزة عند الله، لا يليق بك أن تكون لغير الله، إن كنت لغير الله تحتقر نفسك: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
( سورة البقرة )
إن كنت مجيراً لغير الله أنت بهذا تحتقر نفسك، أنت ممكن أن ترفض ملايين الأشياء لأنك تحتقرها، إلا إذا رفضت الدين فإنك تحتقر نفسك: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
( سورة البقرة )
فلذلك لأنك من بني البشر، لأنك إنسان أنت في الأصل عُرضت عليك الأمانة وقلت: أنا لها يا رب، بينما جميع الخلائق أشفقوا منها، لذلك الحيوان ركب من شهوة بلا عقل، رُكِبَ المَلَك من عقل بلا شهوة، أما الإنسان رُكِبَ من شهوة عقل، فإذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
العقل:الجهاز المعقد:
أيها الإخوة الكرام، نحن في موضوع العقل، تصور العقل جهاز حاسوب من أعلى مستوى لا يزال العقل عاجزاً عن فهم ذاته.
مرة قرأت في مقالة أنه لو أخذنا حياً من أحياء مدينة عملاقة في العالم الغربي كلها ناطحات سحاب، وكل هذه ناطحات السحاب فيها صمامات من الداخل والخارج، لا ترقى إلى مستوى العقل، هناك مئة وأربعين مليار خلية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد، والخلايا القشرية أربعة عشر مليار خلية في مكان لا يزيد على حبة العدس، والذاكرة فيها سبعون مليار صورة، هناك في مكان المحاكمة، وفي مكان الاستقراء، والاستنتاج، والرؤية، والسمع، والبصر، وقشرة الدماغ فيها كل المدركات، وفيها كل المفهومات:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/02.jpg
لذلك أيها الإخوة الكرام، العقل جهاز بالغ التعقيد، عاجز عن فهم نفسه، وهو أداة لمعرفة الله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾
( سورة يس )
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ ﴾
( سورة الغاشية )
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الصافات )
﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾
( سورة الزمر )
الآيات التي تتحدث عن العقل ولوازمه تقترب من ألف آية.
العقل محدود الإدراك محدود الاستعمال:
عظمة الإسلام أنه وسطي، لم يلغ دور العقل كما في بعض الأديان، يقال: الإيمان فوق العقل، ولو جُعل العقل كالعالم الغربي يتحكم بالدين، إن حكمت العقل بالدين فأنت معتزلي، وإن ألغيت العقل فقد ألغيت أداة معرفة الله، الإسلام وسطي.
أيها الإخوة الكرام، نحن حينما نبالغ بقيمة العقل نجعله أداة مطلقة للمعرفة، وأداة محدودة.
مرة ثانية: ميزان دقيق حساس فيه ميزات هائلة، غالٍ جدا، لكنه محدود الاستعمالات، من خمس غرامات إلى خمسة كيلوات، ضمن هل الوزنين رائع جداً، أما إذا كلفته بعمل فوق هذه الحدود فلا يلبيك، العقل محدود، العقل يجب أن يرى شيئاً مادياً، ويحكم عليه، يجب أن يرى أثراً يصل من هنا إلى المؤثِّر، يجب أن يرى حكمة يصل من الحكمة إلى الحكيم، يجب أن يرى تسييراً ينتقل من التسيير إلى المسير، يجب أن يرى بناء ينتقل من البناء إلى الباني، يجب أن يرى نظاماً ينتقل من النظام إلى المنظم، فالعقل مختص بهذه المهمة، شيء غابت عينه وبقيت آثاره.
دخلت إلى الجامعة في أيام الصيف، ليس هناك دوام، تأملت في القاعات، في المدرجات، في الحدائق، في المخابر، في الإدارات، في بيوت الطلبة، في بيوت الأساتذة، في الموقع، في الإطلالة، استنبطت آلاف الحقائق عن مصممي الجامعة، يتمتعون بعلم وبذوق وبجمال في أذواقهم، وبخبرة عالية، وفيها مرافق عامة تلافت كل أخطاء الماضي يمكن أن تستنبط من بناء الجامعة ما لا نهاية له من المعلومات، لكن لن تستطيع أن تعرف من خلال بناء الجامعة من هو رئيس الجامعة، و لا من هم عمداء كلياتها، ولا نظام القبول فيها، ولا نظام النجاح فيها، ولا قيمة الأقساط فيها، هذه لابد لها من كتاب.
العقل يتكامل مع الوحي:
الآن دقق، العقل يتكامل مع الوحي، أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرك الوحي به، بعقلك تستنبط أن هذا الكون لابد له من خالق، يأتي الوحي و يقول: ﴿اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
( سورة الأحقاف )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/03.jpg
بهذا العقل يرى ملاحظة دقيقة جداً، أن الحياة قصيرة، والحظوظ متفاوتة، هناك قوي وضعيف، غني وفقير، ووسيم ودميم، رحيم وقاسٍ، وظالم ومظلوم، ومُتحكم ومتحكم به، مُستغل ومستَغل، والحياة قصيرة، ويأتي الموت، وينهي كل شيء، العقل لا يقبل ذلك، لابد من حياة أخرى تسوى فيها الحسابات، يأتي الوحي، ويقول: ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
( سورة التوبة )
يأتي في الوحي اليوم الآخر، يوم الدين، يوم تسوية الحسابات: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
( سورة الفاتحة )
لذلك أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، فالعقل والوحي يتكاملان.
ما علاقة الوحي بالعقل؟
لكن مرة ثانية والأمر ضروري جداً ما علاقة الوحي بالعقل ؟
العقل مرتبط بالواقع، أما الوحي فمرتبط بالحقيقة المطلقة، وذكرت في لقاء سابق فيما أذكر أن إنساناً مات قبل خمسين عاماً، لا يصدق أن تجمع سبعة آلاف كتاب في قرص واحد، و لا يقبل، كذلك لا يقبل أن تمسك بجهاز صغير تخاطب أطراف الدنيا، الآن هذا مقبول، العقل مرتبط بالواقع، والوحي مرتبط بالحقيقة المطلقة، لذلك الأصل هو الوحي، والعقل لفهم الوحي، وللتأكد من صحة النص.
علاقة العقل بالنقل ؛ قبل النقل للتأكد من صحة النص، وبعد النقل لفهم النص، هذا هو الموقف الكامل.
لا يتناقض العقل مع النقل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/04.jpg
لكن إخواننا الكرام، لا يمكن أن يتعارض العقل مع النقل، لسبب بسيط ؛ أن العقل مقياس أودعه الله فينا، ولأن النقل كلام الله وبيان المعصوم، فهما فرعان من أصل واحد، فإذا تعارضا فلعدم قطعية أحدهما، فقد يتعارض نص موضوع غير صحيح مع العقل، هذا ممكن، وقد تتعارض نظرية لم تثبت بعد مع الوحي، أما إذا توافر في الوحي القطعية وفي العقل القطعية فإن تلازم العقل مع النقل حتم واجب، لأن العقل والنقل فرعان من أصل واحد، وهذه أعظم ميزة في هذا الإسلام العظيم، إسلامنا علمي، وما مِن شيء جاء به الدين، وقال العقل: لا، أما أيّ دين أرضي، أي مذهب أرضي العقل يقول: ألف لا، ولا مع مضي الزمن، هذه واحدة.

الحق دائرة تتقاطع فيه أربع خطوط:
لو وسعنا هذا الأمر أنا أرى أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، الآن دققوا في كل كلمة أقولها: خط النقل الصحيح، لأن هناك نقلاً غير صحيح، إما أنه حديث موضوع، أو تأويلٌ غير صحيح لنص صحيح، إما النص غير صحيح، أو التأويل غير صحيح، وخط العقل الصريح.
تحدثت في لقاء سابق عن أن هناك عقلاً صريحاً، وهناك عقل تبريري، لذلك:
الخط الأول: خط النقل الصحيح.
والخط الثاني: خط العقل الصريح.
والخط الثالث: الواقع الموضوعي، لأن هناك واقعاً مزوراً، مثلاً: شيء من أحداث الساعة، أيّ عمل في الأرض يشار بأصبع الاتهام للمسلمين، أي عمل عنيف في الأرض بادئ ذي بدء يشار بأصبع الاتهام إلى المسلمين، مع أن هناك أخاً كريماً مقيمًا في بلد غربي بعيد أجرى دراسة كلفته جهداً كبيراً، أحصى أعمال العنف في هذا البلد الكبير البعيد القطب، فإذا نصيب المسلمين من أعمال العنف ثلاثة بالمئة فقط، هناك واقع مزور، هناك اتهام.
والخط الرابع: خط الفطرة السليمة.
ما هو الحق:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/05.jpg
إذاً: ما هو الحق ؟ الحق ما جاء به النقل الصحيح، وقبِله العقل الصريح، وارتاحت إليه الفطرة السليمة، وأيده الواقع الموضوعي، هذا هو الحق.
بالمناسبة، كلمة الحق وردت في القرآن مئات المرات ما هو الحق ؟ يعرف الحق إن عرفنا الباطل، الباطل الشيء الزائل والعابث، الحق إذاً الشيء الثابت والهادف.
أحياناً تنصب خيمة سيرك، خيمة لأسبوعين، والسيرك للتسلية، ما فيه شيء، وأحياناً يبنى بناء ضخم ليكون جامعة، فالجامعة هادفة لتخريج قادة للأمة، وتعليم الجيل الصاعد العلوم الصحيحة، الجامعة هدفها واضح، وبنيت لتبقى، وهناك جامعات من عام ألف وخمسمئة موجودة الآن في العالم الغربي.
لذلك أيها الأخوة الكرام، الحق الشيء الهادف والثابت، عرفه الله بأنه نفي عن أن تكون أفعاله باطلة، إن الباطل كان زهوقا، ونفى اللعب، واللعب عمل عابث بلا هدف، صار الحق الشيء الثابت والهادف.
يمكن أن تجري تصنيفا لكل ما ترى عيناك، هناك أشياء، لعب ولهو، واللهو أن تلهو بالخسيس عن النفيس، واللعب أن تقوم بعمل بلا هدف، لعب النرد، فإذا لعب الرجلُ إلى الساعة الثالثة بالليل هل يصبح دكتورا ؟ هل يصير تاجرا كبيرا ؟ هل يصبح صاحب مؤسسة ؟ ومع الأسف الشديد معظم نشاطات الناس في البلاد النامية نشاطات عابثة بلا هدف، وتضييع للوقت.
مبادئ العقل: مبدأ السببية،الغائية،وعدم التناقض:
أيها الإخوة الكرام، ذكرنا في لقاء سابق عن العقل أن فيه مبدأ السببية، ومبدأ الغائية، ومبدأ عدم التناقض.
1 – مبدأ السببية:
هل يصدق عقلك أن طائرة من أحدث الطائرات صنعت في مستودع حديد، وضعنا فيه الديناميت، وفجرنا الديناميت، فإذا بطائرة، هل هناك واحد بالمليار وخمسمئة مليون إنسان يقبل هذا ؟ الطائرة نتيجة خبرات مئة عام ومهندسين وخبراء، وخبراء بالقوانين وبالفيزياء والكيمياء، وبالفلك والجو والآلات، وبالحركة، ومقاومة الرياح، وأموال طائلة، معقول طائرة تنتج من انفجار لمستودع حديد ؟ ائت إلى مطبعة فيها حروف، وفيها حبر، وفيها ورق، ضع فيها قنبلة، وانتظر أن تجد قاموسا رائع جداً من ألف صفحة، الأفعال مرتبة، أسماء الأفعال، المضارع، عين المضارع، الأفعال بالأحمر، الشرح بالأخضر، أو قاموس أعلام، هل هذا ممكن ؟ ممكن أن يحدث انفجار بمطبعة فيها حروف، وفيها حبر، وفيها ورق، فينتج قاموس ؟ مستحيل.
أيها الإخوة، بعض العلماء ألف كتابا عنوانه: ( الله يتجلى في عصر العلم )، كاتب أمريكي، في فصل منه يقول: ذرة الحمض الأميني لا تكفي ذرات الكون أن تصنعها صدفة، لذلك العقل لا يقبل شيئًا بلا سبب، سبحان الله، والكون فيه نظام السببية، فكأن الله يأخذك بلطف، أن لكل شيء سبباً، وهذا المسبب له سبب، وهذا المسبب له سبب، إلى أن تصل إلى مسبب الأسباب.
في العقل إله عظيم يأخذ بيدنا إليه، من هو مسبب الأسباب ؟ الله جل جلاله، نظام السببية أساسه أن الله عز وجل عن طريق هذا النظام في خلقه، وعن طريق هذا القانون في عقلك يأخذك إليه بلطف، الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، أول دجاجة من خلقها ؟ هو مسبب الأسباب.
شيء آخر، مرة وجدت قرص بلور مكتوب عليه: أن هذا القرص يمنع فوران الحليب، اشتريته، وضعته في أسفل الوعاء، ملأته في الحليب، فالحليب لم يفر، المشكلة حلت، لكن في العقل لم تحل المشكلة، عندك حاجات عقلية أحياناً حلت، لكن لم تحل في الفكر، قرص بلور تضعه في قعر وعاء فيه حليب، والحليب بعد أن يغلي لا يخرج من الوعاء، هذا ليس معقولا، والله فيما أذكر بقيت أبحث عن السر أسبوعا حتى مع مداولة مع أساتذة في التعليم الثانوي، هذا القرص له مثل قبة صغيرة، له فتحة واحدة، لما يغلي الحليب تخرج الفقاعات من فتحة واحدة كثيفة جداً، تثقب القشطة فيتوقف فوران الحليب، وفي الأصل القشطة مادة كتيمة الفقاعات، تصعد من كل الجهات نحو الأعلى، فالحليب يفور، أما هذا القرص فقد جمع الفقاعات، وأخرجها من مكان واحد، فالفقاعات أصبحت مثل الصاروخ، ثقبت هذه الطبقة الكتيمة في أعلى الحليب، فحلت المشكلة.
أحيانا يكون عندك مشكلات لا تحل إلا أن تفهمها على أساس السبب، كيف أن الحليب لا يفور في هذا الوعاء ؟
2 – مبدأ الغائية:
مثلاً: الغائية، لماذا الدماغ في الجمجمة ؟ لأنه أخطر جهاز في الإنسان، حساس جداً، ولماذا بين الدماغ والجمجمة سائل لامتصاص الصدمة، رواد الفضاء صمموا مركبات الفضاء فقلدوا الدماغ، الكبسولة التي فيها الرواد بينها وبين جسم المركبة سائل، فحينما يكون ارتطام في طبقة الهواء هذه الصدمة توزَع على كامل الجسم، والآن قد يقع طفل على الأرض تسمع لصوت رأسه مع البلاط رنينا، ومع ذلك لا يتأثر، هذا السائل المحيط بالدماغ يمتص الصدمة، ويوزعها على كامل مساحة الدماغ، لماذا العين في المحجر ؟ أي إنسان وقع على الأرض فقد بصره، هي في حصن حصين، الغاية من وضع العين في المحجر أن تحفظ، والغاية من وضع النخاع الشوكي في العمود الفقري أن يحفظ، والغاية من وضع معامل كريات الدم الحمراء وهي أخطر معمل في الإنسان في نقي العظام أن تحفظ، والغاية من وضع الرحم في الحوض أن يحفظ، الرحم في قرار مكين ضمن عظم الحوض، والنخاع الشوكي ضمن العمود الفقري، والدماغ ضمن الجمجمة، والعين ضمن المحجر، والقلب ضمن القفص الصدري.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/06.jpg
التفكير لا بالأسباب بل بالغاية، ما غاية وضع القلب في القفص ؟ لو واحد تلقى ضربة قوية تلقاها العظام القلب في حرز حريز، ما حكمة أن الشعر ما فيه أعصاب حس ؟ من أجل أن تهذب شعرك، وإلا تحتاج إلى عملية في المشفى، لأن فيه أعصاب حس، كل عملية حلاقة يجب أن تذهب إلى المستشفى، وأن تجري عملية حلاقة مع التخدير الكامل، ما حكمة وجود أعصاب حس في الأسنان ؟ حتى إذا وصل النخر إلى عصب الحس لا تنام الليل، تذهب وتصلح السن بدل أن تفقده، لو أن فكرك جال جولات لماذا المفصل نحو الداخل ؟ لو لم يكن مفصل، فما غاية هذا المفصل ؟ من أجل أن تأكل، لو ما عندك مفصل يجب أن تنبطح على الأرض، وتأكل مثل الهرة تماماً، لماذا في المثانة عضلات ؟ من أجل أن تفرغ ما فيها في وقت قليل، وإلا تحتاج إلى ربع ساعة أو نصف ساعة لو ما عندك عضلات ضغط، لماذا عندك مثانة ؟ لأن الكلية تفرز في كل عشرين ثانية قطرة بول، لو ما عندك مثانة تحتاج إلى حفّاظات فتبقى خمس ساعات، لما فكرك يجول بخلقك ؟ لتعرف عظمة الله عز وجل، لماذا أودع الله في طحال الطفل الصغير كمية حديد تكفيه سنتين ؟ لأن حليب الأم ما فيه حديد، فدون أن تشعر تفكر بالسبب وتفكر بالغاية.
مرة شاهدت مسجلة لها أزرار هنا، لها هنا نتوء أعلى من مستوى الأزرار، ونتوء ثانٍ هنا لماذا ؟ أريد الغاية، في أصل تصميم في المسجلة فيه نتوءان بارزان أعلى من مستوى الأزرار، لو أن الأزرار وقعت لا تتحطم، تقي تحطم الأزرار.
حدثتكم في درس سابق أني كنت في العمرة في مكتبة مصاحف في الحرم النبوي، سقف المكتبة مائل، لماذا ؟ قد يأتي معتمر دون أن يشعر يضع شيئا لا يليق أن يكون فوق المصحف، لذلك جعل غطاء المكتبة مائل، أنت لاحظ حالك، كل نشاطك الفكري يتحرك وفق السبب والنتيجة، والسبب والغاية، العقل مبدؤه سببي وغائي.
3 ـ عدم التناقض:
عدم التناقض: لو أن إنسانًا متهم بقتل إنسان، والجريمة بدمشق، وهذا الإنسان جاء بتقرير من محافظ حلب أنه كان عنده وقت وقوع الجريمة، ماذا يفعل القاضي ؟ يبرئه، لأن العقل لا يصدق أن إنسانا في آن واحد بدمشق وحلب، وما دام جاء بتصريح من رجل مسئول، أنه كان عندي الساعة الثانية عشرة، وقد وقعت الجريمة الساعة الثانية عشرة في دمشق، ما دام أثبت أنه كان في حلب في هذه الساعة إذاً هو بريء، في أثناء التفكير، التفكير شيء ممتع جداً، هذا العقل أكبر هدية من الله، نشاطه واسع جداً، أنا لاحظت طفلا أول ما بدأ يمشي هناك قطعة حلويات، والغرفة لها مقاعد على شكل ( يو )، فالقطعة هنا، وهو واقف هنا، ليس بإمكانه أن يمشي، فمشى على أطراف المقاعد كلها، إلى أن وصل إلى هدفه، هو فكر في الهدف الذي يجب أن يسير إليه بعكس الاتجاه حتى يصل إليه.
الموقف الكامل من الأسباب:
أيها الإخوة الكرام، الآن عندنا شيء، الله عز وجل جعل لكل شيء سببا، العالم الغربي يتوهم أن السبب خالق النتيجة، وليس الأمر ذلك، السبب لا يخلق النتيجة، ولكنه يأتي قبل النتيجة، من الذي يخلق النتيجة ؟ هو الله عز وجل، لذلك قال بعض علماء العقيدة: عندها لا بها، يعني عند إرادة الله، لا بالأسباب.
الآن عندنا موقف كامل، وموقف ناقص، الموقف الكامل أن تأخذ بالأسباب أيها المؤمن، وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذا كلام دقيق، ويحتاجه الناس جميعاً، عندك سفر بمركبتك، تجري مراجعة دقيقة جداً، العجلات، المكابح، الزيت، التوصيلات كلها، أخذت الأسباب، لكن الأخذ بالأسباب لا يعني سلامتك، السلامة يخلقها الله لك، لذلك تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء هذا الموقف الكامل، لذلك العالم الغربي، أخذ بالأسباب، واعتمد عليها، وألهها، ونسي الله، والعالم الشرقي لم يأخذ بها، فوقع في وادي المعصية، والذي أخذ بها، واعتمد عليها وقع في وادي الشرك، الموقف الكامل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، والذي ينظم هذه الحقيقة الحديث الشريف:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود]
أنا أستسلم، وأقول: انتهينا، ما بيدي شيء.
مرة قرأت قصة عن شيخ الأزهر، كان طالب علم، وانتسب إلى الأزهر، ما نجح، فترك الدراسة، وهو جالس بقريته رأى نملة صعدت على الحائط، بعد مسافة مترين وقعت، فأعادت الكرة عدّ محاولاتها ثلاثا وأربعين محاولة، فاستحى من النملة، وعاد، ودرس، وصار شيخ الأزهر، تقول: انتهيت، ما بيدنا شيء، العالم الغربي قوي جداً، بيده كل شيء، بيده أسلحة فتاكة، بيده الإعلام، بيده المال، بيده التحالفات، (( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ))
قال تعالى:
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )

(( وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ))
خطط، خذ بالأسباب، اسأل، ابحث، دقق، لذلك الإسلام ليس سكونياً، الإسلام حركي، وليس سلبياً، الإسلام إيجابي،
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
متى يحق لك أن تقول: حسبي الله، ونعم الوكيل ؟ إذا بذلت كل المستطاع، بذلت كل الجهد، إنسان درس بأعلى درجة جاءه مرض مفاجئ قبل الامتحان حال بينه وبين الامتحان، الآن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لكن ما درس، وما نجح، يقول: هكذا ترتيب الله، الله ما كتب لي أن أنجح، لا، أنت كسلان، هذا كلام غير مقبول، الحديث دقيق جداً:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
من الإعجاز القرآني:فلا أقسم بمواقع النجوم
أيها الإخوة، نحن في هذه السلسلة من الدروس تحت عنوان العقيدة والإعجاز، عندنا بعض الدقائق من أجل موضوعين في الإعجاز، الموضوع الأول هو من أهم الموضوعات في الحقيقة، مواقع النجوم، بين الأرض، وأقرب نجم ملتهب إليها أربع سنوات ضوئية، الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب 60، في الساعة ضرب 60، في اليوم ضرب 24، في العام ضرب 365، في أربع سنوات ضرب أربعة، هذا الرقم هو المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب إليها، لو أردنا أن نصل إلى هذا الكوكب بمركبة أرضية الناتج كم ساعة نحتاج ؟ لو قسمناه على 24، كم يوما نحتاج ؟ لو قسمنا على 365 كم سنة نحتاج ؟ من أجل أن نصل إلى هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى 50 مليون عام بسرعة 100 كم، أقرب نجم ملتهب إلى الأرض نحتاج أن نصل إليه بمركبة أرضية إلى 50 مليون عام، أربع سنوات ضوئية تعني 50 مليون عام من أجل أن تعرف ما معنى أربع سنوات أرضية، الرحلة إلى هناك تستغرق خمسين مليون عام، الإنسان عمره سبعون سنة، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى المرأة المسلسلة ؟ مجرة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، متى نصل إلى نجم اكتشف حديثاً يبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ الآن إذا قرآنا قوله تعالى يقشعر جلدنا: ﴿(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1393/07.jpg
وكلمة مواقع تعني أن صاحب الموقع ليس في الموقع، ولكن عالم الفلك لو وقف عند كلمة مواقع لخر ساجداً لله، بقي الضوء يمشي بسرعة ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، بقي يمشي عشرين مليار سنة حتى وصل ضوءه إلينا، أما النجم فسرعته 240 ألف كيلومتر في الثانية، أين هو الآن ؟ فهذا المكان ليس نجماً، المكان موقع، أي شيء تراه في السماء غير صحيح، أنت واقف على ساحل البحر، ورأيت الشمس قد نزلت تحت الأفق، هي نزلت قبل ثماني دقائق، لأن بين الأرض والشمس ثماني دقائق ضوئية حتى وصل إشعار النزول بعد ثماني دقائق، الشمس غابت حقيقة قبل ثماني دقائق، كل شيء تراه في الكون، ترى تاريخ السماء، ولا ترى واقع السماء، قال تعالى: ﴿(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
هدف الإعجاز أن تؤمن أن الذي خلق الأكوان هو الذي خلق الإنسان، وأن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ﴾
( سورة الواقعة )
أيها الإخوة الكرام، التفكر في آيات الله عز وجل أقصر طريق لمعرفة الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأنه يضعك أمام عظمة الله، هذه اللقطات الإعجازية إن شاء الله تكون في كل درس من دروس العقيدة

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( التاسع )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -1-الفطرة وخصائص النفس








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع من دروس العقيدة والإعجاز، وقد عالجنا في دروس سابقة مقومات التكليف، وبدأنا بالكون، ثم بالعقل، واليوم ننتقل إلى الفطرة. من مقومات التكيلف: الفطرة:

الآيات التي أشارت إلى الفطرة:
الآية الأولى:
في أي الآيات أشار الله إلى الفطرة ؟ في قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
( سورة الشمس )
النفس تعرف بالفطرة فجورها وتقواها:
جبلت هذه النفس جبلة عالية، حيث إنها إذا أحسنت شعرت بشكل طبيعي ابتداءً من دون تعليم، من دون توجيه أنها أحسنت، وإذا أساءت شعرت ابتدأً من دون توجيه ولا تعليم أنها أساءت، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
( سورة الشمس )
إن فجرت فجورها، وإن اتقت تقواها، عندك مشعر ذاتي، أنت بالفطرة تعرف خطأك من دون أن تنبه إليه، أنت بعقلك تعرف ربك، وبفطرتك تعرف خطأك، قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
( سورة الشمس )
أيها الإخوة، لولا هذه الفطرة لما تألم إنسان من معصية، فلو أن جبلته جبلت على معصية فكلما عصى ربه ازداد راحة وانسجاماً مع نفسه، ولكن لأنك مفطور فطرة عالية، مفطور على الكمال، مفطور على الرحمة، على الإنصاف، على العدل، على الصدق، على الأمانة، جبلتك، فطرتك، بنيتك النفسية، خصائصك تحب الرحمة، فإذا رحمت المخلوقات تنام قرير العين، تنام مرتاحاً، تنام مطمئناً، تنام سعيداً.
لذلك أيها الإخوة، لمجرد أن تتوب إلى الله، وأن تصطلح معه تصطلح مع نفسك، وترتاح نفسك، وتطمئن نفسك، وتسعد نفسك: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
( سورة الشمس )
كيف سواها الله عز وجل ؟ سواها حيث إذا فجرت تعرف أنها فجرت، وإذا استقامت تعرف أنها استقامت.
من صفات المسيْ والمذنب:النهيار الداخلي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/01.jpg
إن علماء النفس وصفوا حالة تصيب الإنسان المسيء بصفات عديدة، منها:
الانهيار الداخلي: فإذا بنى الإنسان مجده على أنقاض الناس، بنى غناه على إفقارهم، بنى أمنه على إخافتهم، بنى عزه على إذلالهم، ينهار من الداخل، يشعر بصغار، تصيبه الكآبة، والكآبة مرض العصر، فأية نفس خرجت عن منهج الله خرجت أيضاً عن فطرتها، خرجت أيضاً عن مبادئها، خرجت أيضاً عن جبلتها.


من خصائص النفس:
أيها الإخوة، من أرقى خصائص النفس أنها جبلت على الكمال، أنها توافقت مع منهج الله، فما من أمر أمرك الله به إلا وفطرتك ترتاح له، وما من أمر نهاك الله عنه إلا وفطرتك تتألم منه، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
(سورة الشمس )
الفطرة متوافقة تماماً مع منهج الله، كيف أن العقل متوافق توافق تاماً مع قوانين الكون، بني الكون على السببية، والعقل لا يفهم شيئاً إلا بسبب، وبني الكون على الغائية، والعقل لا يفهم شيئاً بلا غاية، كذلك بني منهج الله على الصدق والأمانة، والعدل والإنصاف، والرحمة، والنفس البشرية لو أنها عاصية، ولو أنها آثمة لا ترتاح إلا للصدق والأمانة، والعدل والإنصاف:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
(سورة الشمس )
حدثني أخ سافر إلى بلاد الغرب، نزل في بعض الفنادق، رأى لوحة على السرير كتب عليها: إن لم تنم في هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك، إنها كثيرة.
في قلب المؤمن من الراحة النفسية والطمأنينة والسكينة والهدوء ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، لأن المؤمن التائب انسجم مع نفسه، اصطلح مع نفسه، جاءت حركته متوافقة مع خصائصه، هذه آية من آيات الفطرة، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
(سورة الشمس )
الآية الثانية:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
(سورة الروم:30)
أن تقوم، وأن تقف، معنى ذلك أن الأمر في غاية الأهمية، والإنسان أحياناً يكون جالسًا، إذا حزبه أمر وأقلقه أمر، أو جدّ أمر يقف، قال تعالى:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
(سورة الروم:30 )
بكليتك، بكل اهتمامك، بكل طاقتك، بكل حركاتك وسكناتك، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
(سورة الروم:30)
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً، هذه الإقامة للدين حنيفاً هي نفسها فطرتك التي فطرت عليها، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
(سورة الروم:30)
أيها الإخوة الكرام، هذه حقائق في أي مكان في الأرض، في أي زمان الخطأ خطأ، والصواب صواب، بل إن أروع ما في هذا الدين العظيم أن الله سمى الأعمال القبيحة في ميزان الشرع منكراً، لأن الفطر السليمة تنكرها ابتداءً، وسمى الأعمال الصالحة في ميزان الشرع معروفاً، لأن الفطر السليمة تعرفها ابتداءً، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
(سورة الروم:30)
هكذا فطرنا، فطرنا على طاعة الله، فطرنا على الصدق والأمانة، والإحسان، والإنصاف والعدل، والرحمة والعفو، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الروم)
هذه الآية الثانية، فإذا توجهت إلى الدين بكل إمكاناتك، بكل اهتمامك، بكل طاقاتك، هذا التوجه هو نفسه ما جٌبِلتَ عليه، وما فطرت عليه، وما أراحك.
الآية الثالثة:
قال تعالى:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه ﴾

(سورة القيامة)
لا يمكن أن تخدع كل الناس لكل الوقت:
يمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، ويمكن أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل، أما أن تخدع نفسك ثانية واحدة فهذا مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل، لأن الله عز وجل يقول: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
(سورة القيامة)
المذنب يعلم علم اليقين أنه مذنب، وقد لا يعترف، وقد يكابر، وقد يركب رأسه، ولكن في أعماقه يعلم أنه مذنب، هذه فطرتك، قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
(سورة القيامة)
الآية الرابعة: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
(سورة الحجرات: 7)
للتوضيح: حينما تضع أمام أنفك وردة فواحة الرائحة لماذا تشعر براحة كبيرة ؟ لأنك مجبول على حب الرائحة الطيبة، لكن هناك حيوانات تعيش في المياه السوداء، وكأنها في عطور، أن تستمتع بالشيء الجميل هذا في الأصل ليس في الجميل فقط، بل في فطرتك، أن تستمتع برائحة طيبة هذا لا يعود إلى أن الوردة لها رائحة طيبة، يعود إلى أنك أيضاً جُبلت على قبول هذه الرائحة، والدليل: هناك كائنات أخرى تستمتع بأنتن الروائح، الخنزير أكلته المفضلة خنزير متفسخ، أكلته المفضلة لحم الجيف.
أحياناً يمشي الإنسان في الفلاة فيشعر برائحة يكاد يخرج من جلده، حيوان متفسخ، وهو أكلةُ الخنزير المفضلة، أطيب طعام يشمه من أعماقه الجيف واللحوم المنتنة والجرذان الميتة، معنى ذلك أنك حينما تستمتع بشيء طيب من الطعام والشراب، أو حينما تشم رائحة طيبة، فاستمتاعك بهذه الأشياء لا لأن الرائحة طيبة فقط، لأنك في أصل تركيبك مجبول على حب هذه الرائحة، وهذا من تكريم الله لك.
انظر إلى دجاجة إنها تأكل كل شيء، حتى براز الإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
(سورة الإسراء)
﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
(سورة الحجرات: 7)
أربع آيات في كتاب الله تتحدث عن الفطرة، وفي حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري ومسلم عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ:
(( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ))
[ مسلم ]
الشيء القبيح لا ترتاح له، بل تقلق مِن فعله، تقلق أشد القلق، والدعاة إلى الله يُسألون عن أشياء لم يرتح السائل لها، آلاف الأشياء تفعلها وأنت مطمئن، لأنها متوافقة مع الفطرة، لكن هناك شيء أقلقك فتسأل عنه، لأنه خالف الفطرة، إذاً: الآيات الكريمة والحديث الصحيح يؤكد أن الإنسان جُبِل على فطرة عالية.
من خصائص النفس:
لو أردنا أن نتابع خصائص النفس.
أيها الإخوة الكرام، من أولى خصائص النفس، وأنا أتمنى أن يجهد العلماء لمعالجة موضوعات تحت عنوان: علم النفس الإسلامي.
1 – كل نفس ذائقة الموت:
الحقيقة الأولى في خصائص النفس: أن كل نفس ذائقة الموت، ومعنى ذائقة لا أنها تذوق الموت، والإنسان مؤلَّف من ذات هي نفسه التي بين جنبيه، هي التي تؤمن، هي التي تكفر، هي التي تحب، هي التي تبغض، هي التي تسمو، هي التي تسهو، هي الطائعة، هي العاصية، هي المؤمنة، هي الكافرة، هي التي لا تموت، هي التي مصيرها إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها، هي ذات الإنسان، وقد خاطبها الله بقوله تعالى: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/02.jpg
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾
( سورة الفجر)
أو: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
( سورة القيامة)
أو: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾
( سورة يوسف: 53)
ذاتك، من أنت ؟ نفسك هذا وعاء الجسم، وعاء النفس، في داخل الجسم ترى من عينين، تنتقل، لها الأصوات من أذنين، تعبر عن ذاتها باللسان، تنتقل من مكان إلى مكان عن طريق الرجلين، تبطش باليد، تستخدم جهاز الفكر، هذه التي تخاطب، والتي تعاتب، هي ذاتك، هي التي تؤمن، هي التي تكفر، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
(سورة الشمس )
مَن حملها على معصية الله، من أبقاها غافلة عنه، لذلك: ( قد أفلح ) في القرآن تعني النجاح كل النجاح، والفلاح كل الفلاح، والفوز كل الفوز، والتوفيق كل التوفيق، والتفوق كل التفوق، أن تزكّي نفسك، أي أن تؤهّلها لدخول الجنة، ثمن الجنة تزكية النفس، قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
(سورة الشمس )
2 – البشر من نفس واحدة:
من خصائص النفس أن الله خلق البشر من نفس واحدة، من خصائص واحدة، الإنسان هو الإنسان، في أي مكان وزمان، (( يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ))
[ ورد في الأثر ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/03.jpg
خصائص البشر واحدة، فأيّ إنسان على وجه الأرض يحب الجمال، ويحب الكمال، ويحب النوال، خصائص ثابتة، مسلم أو غير مسلم، ملحد، علماني، بعيد، قريب، أيّ نفس إنسانية تحب الكمال، قد يكون الذي يحب الكمال ناقصاً، قد يكون مجرماً قد يكون لصاً، يقول اللص لإخوانه اللصوص: اقسموا بالعدل، فطرته العدل، لكنه يخالف فطرته.
أيها الإخوة، خصائص النفس واحدة، تحب الكمال، أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملً شيء آخر، أن تحب الرحمة شيء، وأن تكون رحيماً شيء آخر، الفطرة تعني أنك تحب الكمال، تحب العدل، تحب الإنصاف، تحب الكرم، تحب السخاء، تحب الرضا، خصائص البشر واحدة، الكمال موقف أخلاقي فيه وفاء، الجمال، الوردة الجميلة، الطفل الجميل، المنظر الجميل، البحر الجميل، الجبل الأخضر الجميل، أيّ شيء جميل تحبه النفس، والنوال العطاء، لو أن واحدًا كان قصير القامة، أسمر اللون، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرِّجل، مائل الذقن، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، منحك بيتاً، فإنك تذوب محبة له، على قماءة شكله، تحب النوال، وتحب الكمال، وتحب الجمال، الكمال أخلاقي، والجمال قد يكون حسيًا، والنوال عطاء، هذه خصائص النفس البشرية.
3 – الإنسان خلق هلوعا:
من خصائص النفس البشرية أن الإنسان خلق هلوعا، ما معنى هلوع ؟ القرآن فسر الهلوع، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾
(سورة المعارج)
لا يحتمل.
إنّ طبيبًا فحص مريضًا معه ورم خبيث منتشر، قال له: هذا المرض ينهي أجلك بعد أربعة أشهر، تدبر وقتك، اكتبْ وصية، نظم أمورك، مات في اليوم الثاني، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
(سورة المعارج)
يقلق على حياته، يقلق على رزقه، يقلق على من يلوذ به، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
(سورة المعارج)
لو لم يكن هلوعاً لما تاب إلى الله، لو أن الإنسان لا يخاف، فبلغوه بخبر ورم خبيث، خير إن شاء الله، ما من مشكلة، لا يتوب إلى الله، أما إذا لاح إلى الإنسان شبح مشكلة ـ لا سمح الله ـ عافاكم الله جميعاً، أنا والله من أدعيتي التي أتأثر بها: " اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء "، أكرموا عزيز قوم ذُلَّ، وغني افتقر، وعالم ضاع بين الجهال، لذلك خُلق الإنسان هلوعا، هذا ضعف في أصل خلقه لمصلحته، ألا ترى أن بعض الآلات الغالية جداً فيها وصلة ضعيفة جداً تسمى ( الفيوز )، كومبيوتر صناعي ثمنه ثلاثون مليونًا، لو جاءت شحنة كهربائية عالية جداً لأحرقته، لكن فيه وصلة ضعيفة جداً، فإذا جاء التيار عالياً ساحت هذه الوصلة، وقطعت عنه التيار، وسَلِم الجهاز، هذا الضعف في أصل تصميم الجهاز لصالح الجهاز، وهكذا الإنسان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
(سورة المعارج)
ومعنى: إذا مسه الشر جزوعا، يقلق أشد القلق يطرب، لا ينام الليل، وإذا مسه الخير منوعا، لأنه إذا مسك الخير تكون منوعًا، فترقى بالصدقة، والمال محبب، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْث ﴾ِ

(سورة آل عمران: 14)
لأن المال محبب، فبإنفاقه يرقى به، والشيء الذي لا تحبه إذا أنفقته هل تشعر برقي ؟
عندك ثوب بالٍ قديم لا ترتديه إطلاقاً، هو عبء عليك، ولا مكان له في البيت فتصدقت به، هل ترقى بهذا التصدق ؟ الشيء الجديد، الطعام الطيب، المال إن أنفقته تَرْقَ، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج)
المصلي قد ينجو من هذا الضعف الخلقي، وهو ضعف في أصل خلق الإنسان، لكنه لصالح الإنسان، الآية الثانية: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
( سورة الإسراء)
يريد أشياء قريبة، فإذا اختار الآخرة يعاكس فطرته، فإذا عاكس فطرته ارتقى عند الله، يريد شيئًا مستعجلا جاهزا، أحياناً يدعى إلى عمل دخله كبير جداً فيه مئات الشبهات، شبهات في العمل، في الدخل، يريد المال سريعاً، يأتي المؤمن فيقول: معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، يبحث عن شيء ينفعه بعد الموت، اختار هدفا بعيدا عن متناول يده، بهذا الاختيار يرقى الإنسان، لأنه عجول، إذا اختار هدفاً بعيداً يرقى بهذا الاختيار، لو كان في الأصل مَهُولا لا يرقى باختيار الآخرة أبداً.
4 – وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
الآية الثالثة: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
( سورة النساء)
خلق الله الإنسان ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، لذلك أحياناً يكون الإنسان في حالات قوياً جداً، فيستغني بقوته عن الله، قد يكون غنياً جداً فيستغني بماله عن الله، والآية واضحة جداً:
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
رأى نفسه مستغنياً عن الله عز وجل، لذلك بطولة المؤمن أنه مفتقر دائماً إلى الله عز وجل.
إذاً: من خصائص النفس أنها تذوق الموت ولا تموت، ومن خصائص النفس أنها خلقت من نفس واحدة، من صفات وسمات مشتركة بين كل البشر، ومن خصائص النفس أن: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج)
ومن خصائص النفس:
﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
( سورة الإسراء)

ومن خصائص النفس:
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
( سورة النساء)
هذا الكلام يقترب مما يسمى بعلم النفس الإسلامي.
خصائص الإنسان حيادية:
لكن أيها الإخوة، هناك ملاحظة دقيقة جداً: أن كل خصائص الإنسان حيادية، بمعنى أنه يمكن أن ترقى بها على أعلى عليين، ويمكن أن تهوي بها إلى أسفل سافلين.
مثلاً: الإنسان يحب التقليد، إن قلدت مؤمناً ارتقيت، وإن قلد فاسقاً هلكت، التقليد حيادي، الإنسان يغار، إن غار من مؤمن حافظٍ لكتاب الله يرقى، وإن غار من إنسان غارق في الزنا يهلك، فالغيرة حيادية.
بالمناسبة، لأن الإنسان مخير فكل خصائصه حيادية، التقليد خصيصة، طفل يقلد أباه، وهو يصلي، وطفل إنسان فاسق يقلده، وهو يفسق، التقليد صفة حيادية، أساساً من صفات المؤمنين أن أولادهم في الأعم الأغلب مؤمنون، ومن صفات الكفار والفاسقين قال تعالى: ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً ﴾
( سورة نوح)
فالطفل بحسب ما يرى يقلِّد، فالتقليد صفة في الإنسان، يمكن أن توظف في الخير أو في الشر، فإنْ صحبت المؤمنين تمنيتَ أن تكون مثلهم، وإن صحب الإنسانُ أهلَ الفسق والفجور تمنى أن يكون مثلهم، لذلك قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
( سورة التوبة )
عش في أجواء إيمانية، عش مع المؤمنين، لا تصاحب إلا مؤمناً، لا تصاحب إلا من يرقى بك إلى الله حالُه، ويدلُّك على الله مقالُه، صفات الإنسان كلها حيادية، سمات الإنسان كلها حيادية، خصائص الإنسان كلها حيادية، يمكن أن تكون سلَّماً ترقى به، أو دركات تهوي بها، لذلك التقليد من خصائص الإنسان المؤمن، قال تعالى:
5 – التقليدُ:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْم ﴾
( سورة الأحزاب )
غير المؤمن يقلِّد أهل الفجور والانحراف والفسوق والعصيان.
لذلك من خصائص الإنسان التقليد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري:
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[ البخاري ومسلم ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/04.jpg
هذا هو التقليد، إذا قلّدتَ مؤمناً في سَمته الحسن، في ورعه، في استقامته، في إنفاقه، في عبادته، ترقى عند الله، والذي يقلد فاسقاً يسقط من عين الله، ودائماً وأبداً هؤلاء النجوم والأعلام والقادة، مدير مستشفى، مدير مدرسة، معلم صف، إذا دخن أمام طلابه فقد أغراهم بالدخان، ويعاقَب مرتين، مرة لأنه أخطأ، ومرة لأنه قُلِّد مِن قِبَل مَن يراه كبيراً.
أيها الإخوة الكرام، الحسد مثلاً، الحسد أن تتمنى ما عند الآخرين، هذه خصيصة، لكنها حيادية.
التقيت مع مؤمن، رأيت سمته وأدبه، ومحبته لله، وتألق وجهه وورعه، وعلمه واستقامته، وأعماله الطيبة، تمنيت أن تكون مثله، لا حَسَدَ، أي لا غبطة إلا في اثْنَتيْنِ، إنسان ينفق ماله في الليل والنهار، وإنسان ينفق علمه في الليل والنهار، الصفة نفسها، الخصيصة نفسها، إذا تأملت حياة فاسق فاجر كل يوم في نادٍ، كل يوم في فندق، كل يوم مع فتاة، إذا استخدمت خصيصة التقليد تتمنى أن تكون مثلهم، إذاً: التقليد صفة حيادية.
الحسد أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك لتصل إليك، هذا مستوى، وهناك مستوى أسوء ؛ أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك، وهناك أسوء وأسوء ؛ أن تكتب، أن توغر صدر سيده عليه بتقرير .
لذلك أيها الإخوة، ما من خصيصة من خصائص النفس إلا وهي حيادية، سلم ترقى بها أو دركات تهوي بها، قد لا تصدقون أن هذه الفطرة موجودة عند الحيوانات أيضاً، الدليل: ألقِ لهرة أمامك قطعة لحم تأكلها أمامك، لو أنها خطفتها تأخذها، وتعدو بها بعيداً عنك، لأنها شعرت أنها في الحالة الثانية أنها كانت معتدية.
بين الفطرة والصبغة:
1 – الفطرة:
الآن مع موضوع الفطرة والصبغة، الفطرة أن تحب الخير، وقد لا تكون خيراً، الفطرة أن تحب العدل، وقد لا تكون عادلاً، الفطرة أن تحب الرحمة، وقد لا تكون رحيماً، هذه الفطرة، الفطرة شيء، حب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر.
2 – الصبغة:
أما إذا اتصلت بالله جل جلاله صلة محكمة استقرت في نفسك الكمالات، الله رحيم، وأي مؤمن يتصل به يصبح رحيماً، الله عز وجل عدل، وأي مؤمن يتصل به تراه عادلاً، الله عز وجل لطيف، وأي مؤمن يتصل به يشتق منه اللطف، أنت في الحالة الأولى فطرتك سليمة، أما في الثانية فهي صبغة، قال تعالى:

﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
( سورة البقرة )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/05.jpg
الفطرة أن تحب الكمال، لكن الصبغة أن تتخلق بالكمال، الفطرة أن تحب الرحيم، لكن الصبغة أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب العدل، لكن الصبغة أن تكون عادلاً، الصبغة من خصائص المؤمنين، لأنهم اتصلوا بالله عز وجل، لذلك قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
( سورة آل عمران )
أيْ: بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، لذلك إذا ابتعدتَ عن الله يغدو القلب قاسياً، وإذا اقتربتَ منه يغدو القلب رحيماً، قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

( سورة الزمر )
عندنا صبغة وفطرة، الفطرة أن تحب الكمال، لكن الصبغة أن تكون كاملاً، الفطرة من صفات البشر جميعاً، لكن الصبغة من صفات المؤمنين.
بين الطبع والتكليف:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1394/06.jpg
هناك شيء آخر، هناك طبع وهناك تكليف الطبع، أقرب إلى الجسم، طبعك يقتضي أن تبقى نائماً إلى ما بعد الشمس، أما التكليف فيأمرك أن تستيقظ قبل طلوع الشمس، طبعك يقتضي أن تملأ عينيك من محاسن النساء، لكن التكليف يأمرك أن تغض البصر، طبعك يقتضي أن تأخذ المال، لكن التكليف يأمرك أن تنفقه، طبعك يقتضي أن تخوض في فضائح الناس مستمتعاً بها، والتكليف يأمرك أن تسكت.
أيها الإخوة الكرام، الطبع مناقض للتكليف، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات )
إذاً: أنت لا ترقى عند الله إلا إذا خالفت طبعك، لذلك طاعة الله تنسجم مع الفطرة، وتتناقض مع الطبع، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة.
من الإعجاز العلمي في القرآن:إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا:
أيها الإخوة الكرام، لو انتقلنا إلى موضوع في الإعجاز العلمي: كلكم يعلم أن الأرض تدور حول الشمس، لكن في مسار بيضوي، ومعنى مسار بيضوي أنه يشبه البيضة، المسار البيضوي فيه قطر صغير وقطر طويل، الأرض تقطع في الثانية الواحدة ثلاثين كيلو متر في دورتها حول الشمس، لو أنها هنا في الطرف الطويل، وسارت على مسارها، ووصلت إلى هنا في القطر الصغير، ما الذي يمكن أن يقع ؟ نظام الجاذبية متعلق بالمسافة، ونظام الجاذبية متعلق بالكتلة، الكتلة ثابتة، لكن حينما تقلّ المسافة بين الأرض والشمس فهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت تبخرت في ثانية واحدة، وانتهت الحياة، لأن حرارة باطن الشمس عشرون مليون درجة، تتبخر الأرض فوراً، لذلك ما الذي يحصل ؟ الأرض عاقلة، الأرض جماد، الأرض حينما تقترب من القطر الأصغر ترفع سرعتها وحينما ترفع سرعتها ينشأ من رفع سرعتها قوة جديدة نابذة تكافئ القوة الجديدة الجاذبة، فتبقى الأرض على مسارها، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

( سورة فاطر )
من آيات الله الدالة على عظمته أن الأرض تسرّع إذا اقتربت من القطر الأصغر لينشأ من سرعتها الطارئة قوة نابذة طارئة تكافئ القوة الجاذبة الطارئة من قلّة المسافة بينها وبين الشمس، يد من ؟ صنع مَن ؟ تصميم من ؟ قال تعالى:

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾
( سورة الزمر)
فإذا تابعت الأرض سيرها، ووصلت إلى القطر الأطول زادت المسافة، و ضعفت الجاذبية، وهناك احتمال أن تتفلت الأرض من الجاذبية، وتسير في الفضاء الكوني، وعندئذ تصبح الأرض قبراً جليدياً بمئتين وسبعين درجة تحت الصفر، وتنتهي الحياة، هذه يد الله العظيمة، ماذا تفعل الأرض هنا ؟ تخفض من سرعتها لينشأ من تخفيض السرعة الطارئة قوة نابذة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقل، وتبقى على مسارها، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
( سورة فاطر )
أن لا تخرج الأرض عن مسارها هذا من آيات الله الدالة على عظمته.
بعض العلماء يقول: " لو أردنا أن نرجعها إلى الشمس، لو أنها شردت، وانفلتت، قال: نحتاج إلى مليون مَليون حبل فولاذي، قطر كل حبل خمسة أمتار، والحبل الفولاذي الذي قطره خمسة أمتار يستطيع أن يقاوم من قوى الشد مليوني طن، فالأرض مرتبطة بالشمس بقوة جذب تساوي مليون مَليون ضرب مليونين، أيْ اثنين أمامها ثمانية عشر صفرًا، كل هذه القوة من أجل أن تحرف الأرض في مسارها ثلاثة ميليمترات في الثانية، لينشأ مسار مغلق، هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه، قال: ولو أردنا أن نعيدها إلى الشمس، وزرعنا على سطحها مليون مَليون حبل فولاذي المفاجأة أن المسافة بين كل حبلين خمسة أمتار، نحن أمام غابة من الحبال، فلا بحار، ولا إبحار، ولا سفن، ولا طرق، ولا أبنية، ولا زراعة، ولا شيء.
الآية الكريمة: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
( سورة الرعد )
يعني بعمد لا ترونها، هذه قوى الجذب، لذلك الآيتان:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
( سورة فاطر )
والآية الثانية: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
( سورة الرعد )
هاتان آيتان في القرآن الكريم بعد اكتشاف حقائق الجاذبية، وحقائق الفلك وحقائق الأرض تبين أن هاتين الآيتين من الإعجاز العلمي الذي يشير إلى عظمة الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، نتابع هذا الموضوع إن شاء الله في درس قادم.






والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 08:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( العاشر )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -2- دقائق المنهج الإلهي في خصائص النفس







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. إيضاحات حول مقومات التكليف:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العاشر من دروس العقيدة والإعجاز، تحدثنا في يوم سابق عن الفطرة، ولكن لا بد من بعض الإيضاحات.
1 – الإنسان كائن متحرك:
الإيضاح الأول: الإنسان كائن لكنه متحرك، ما الذي حركه ؟ الطاولة كائن، لكنه جامد، لو وضعت هذا الكأس على الطاولة مئة عام فهو في مكانه، أما الإنسان فكائن متحرك.
2 – حاجة الطعام والشراب والجنس والذِّكر سببُ حركته:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/01.jpg
ما الذي يجعله متحركاً ؟ أن الله أودع فيه حاجةً إلى الطعام، يريد أن يأكل، أن يشرب، أن يتنفس، ثم يتزوج، ثم ينجب، لأن الله أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، وأودع فيه حاجة إلى الطرف الآخر على المرأة على بقاء النوع، وأودع فيه حاجة إلى تأكيد ذاته حفاظاً على الذكر، لولا هذه الحاجات الثلاث لكان الإنسان كائناً سكونياً.7
لولا هذه الحاجات الذي أودعها الله في الإنسان لما رأيت شيئاً على وجه الأرض، ما رأيت بيتاً، ولا طريقاً ولا جسراً، ولا مدرسةً ولا جامعة، ولا مستشفى ولا حديقة ولا شيء، الكائن الجامد لا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك الكائن الجامد، ولا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك، بينما الإنسان يحتاج إلى أن يأكل فيخرج من بيته ليبحث عن عمل، ويشتري بأجرة العمل الطعام والشراب، ثم صار في سن الزواج فيبحث عن زوجة، فيضاعف جهده يعمل بعد الظهر حتى يتزوج، أنجب الأولاد، ثم يحتاج إلى أن يكون شيئاً مهماً، هذا دافع تأكيد الذات، إذاً: الإنسان كائن متحرك، وليس شيئاً جامداً.
3 – الله سمح لنفسِه العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته:
نحن في درس سابق قلنا: إن الله عز وجل خالق، لكن سمح لذاته العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته كيف ؟ قال تعالى:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾
( سورة المؤمنون)
الله عز وجل سمى الإنسان خالقاً مزاجاً، كي توازن بين صنعة الإنسان وصنعة الواحد الديان، لكن خلق الله يخلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما الإنسان يخلق شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، فالغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطير، حتى العجلة تقليد لجذع شجرة يدور، فالإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، لكن الله عز وجل يصنع كل شيء من لا شيء، ومن دون مثال سابق.
إنّ الإنسان يصنع طاولة، يصنع كأسًا، كرسيًا، يبني بناء، كلها جمادات، لكن الإنسان ما صنع طاولة ذكرا وطاولة أنثى، وقال لها: تزوجوا يأتيكم آلاف الطاولات الصغيرة، أما الله عز وجل فجعل من كل زوجين اثنين، النبات يتوالد، والحيوان يتوالد، فلو اشترى شخصٌ سيارة فليس معقولا بعد سنة يرى سيارة أصغر منها فصارت اثنتين، أما أن يشتري حصانا فإنه يلد حصانا كل سنتين.
التوازن: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
الله سمى الإنسان خالقا مجازاً، وازن بين كُلية طبيعية بحجم البيضة صامتة هادئة، لا تشعر بوجودها، تصفي لك الدم في اليوم خمس مرات، وأنت تعمل، وأنت نائم، وأنت في عملك، وأنت راكب مركبتك، وأنت في الطريق تتنزه، أما الكلية الصناعية فبحجم نصف الطاولة، ولا بد من أن تستلقي على فراش ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، كل مرة ثلاثة آلاف ليرة، تسعة آلاف ليرة كل أسبوع من اجل تصفية الدم، لما قال تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
من أجل أن توازن بين صنعة الله، صنع الله الذي أتقن كل شيء، وبين صنعة الإنسان.
الفطرة:
1 – معرفة الهدف لرؤية الوسائل إليه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/02.jpg
الآن لازلنا في موضوع الفطرة، حينما تعرف الهدف تبرز أمامك الوسائل، وأخطر شيء في دروس العقيدة أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ لماذا خلقت ؟ حينما تعرف الهدف لماذا خلقك الله عز وجل تنبع أمامك الوسائل.
بصراحة إذا أرسل الأب ابنَه إلى باريس لينال الدكتوراه، يحمل إجازة في الطب من بلده، وأراده أن يكون متخصصا من بلد غربي، مدينة طويلة عريضة واسعة، فيها مقاصف، فيها ملاهٍ، فيها نوادٍ ليلية، فيها دور سينما، فيها معاهد، فيها متاحف، فيها حدائق، فيها بيوت سكن، فيها نهر، وفيها جامعة، الطالب الموفق يعلم أن علة وجدوده في هذه المدينة شيء واحد ؛ أن ينال الشهادة، لذلك إذا عرف علة وجوده تنبع أمامه الوسائل، وهذا مثل ضربته كثيراً، فأنت في فرنسا أو باريس من أجل الدكتوراه، أول عمل: تستأجر بيتا قريبا من الجامعة، وتوفر الوقت والجهد والمال، تصاحب صديقا يتقن الفرنسية، لا تصاحب صديقا عربيا تتكلم معه باللغة العامية حتى تضر بك أن تتكلم الفرنسية، تشتري مجلة تتعلق باختصاصك، تأكل أكلا خفيفا يعينك على الدراسة، إذاً: البطولة أن تعرف الهدف لماذا أنت في الدنيا ؟ واقرأ القرآن الكريم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
( سورة الذاريات)
2 – لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف هدفه:
لذلك احفظوا هذه القاعدة: لا تصح حركة الإنسان في الأرض إلا إذا عرف هدفه، لذلك أحد الإخوة الكرام درَس في أمريكا إدارة أعمال، قرأ آية والله اقشعر جلده، قال: والله هذه الآية تلخص دراسة عشر سنوات، ما هي الآية ؟ ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
( سورة الملك)
هدفه واضح، المؤمن يعيش حياة متميزة، هدفه الله، لذلك وسائله كلها في خدمة الهدف، يهمه أن يكون ساكنا في بيت فقط، لا يهمه بيت له مساحة معينة، إطلالة معينة، لا يضطر أن يأكل مالا حراما ليقتني مثل هذا البيت، يهمه مأوى، يهمه زوجة تحصنه، يهمه دخل يغطي نفقاته، يهمه أن يحقق رسالته، يهمه أن يحقق هدفه في الحياة، يهمه أن يتعرف على الله، فترى المؤمن واعيا جداً، وهدفه واضح، وسائله واضحة، يمشي قُدُماً في طريق هدفه، فإذا عرف الهدف صحت الحركة، فبالحركة يمتحن الإنسان، فيصدق أو يكذب، يخلص أو يخون، يتقن أو لا يتقن، ينصف أو يجحد، يرحم أو يقسو، هنا المشكلة، وأنت تتحرك من أجل كسب رزقك، وأنت تتحرك بعد زواجك، وأنت تتحرك من أجل تأكيد ذاتك تمتحن.
3 – الإنسان مخيَّرٌ وشهواته حيادية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/03.jpg
الإنسان مخير، ولأنه مخير كل شيء في حياته حيادي، قال تعالى:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾
( سورة آل عمران)
حب المرأة، وشهوة المرأة حيادية، ومعنى حيادية أنه يمكن أن تتخذ من هذه الشهوة سُلّماً ترقى بها، ويمكن أن تتخذ من هذه الشهوة دركات تهوي بها، تماماً كالوقود السائل في المركبة، هو هُو، ضعه في المستودع المحكَم ليسيل في الأنبوب المحكم، لينفجر في الوقت المناسب، فيولّد حركة نافعة، ضعه فوق المركبة، أعطه شرارة يحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هو هُو، الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بها.
إنسان شاب تزوج امرأة صالحة، فأنجب منها عشرة أولاد، خمس بنات، وخمسة ذكور، رباهم تربية دينية، الله عز وجل رزقه بأصهار مؤمنين، ترى هذا البيت مباركا، والله البيت مثل الجنة، مع أن الدخل وسط، لكن فيه حب، فيه هدف، فيه تصرف صحيح، فيه عقيدة، فيه عبادة، فيه صلة بالله، فيه هدف كبير.
4 – الإنسان مبرمج برمجة عالية:
أنا أقول: لأن الفطرة تكشف الحق من الباطل، والخير من الشر، وما يصح وما لا يصح، وما ينبغي وما لا ينبغي، فأنت مبرمج برمجة عالية جداً.
الآن حدثني أحد الطيارين عن أحدث الطائرات، ما فيها ولا ساعة، شاشات مغشاة، شاشة حليبية، ما دام لا شيء على الشاشة فكل شيء على ما يرام، إذا كان خلل تظهر رسالة، إذا كان لونها أسود فسهل جداً أن تعالجها، هناك جهاز آخر يعطيك على ورق كيف تعالج هذا الخلل، إذا كان الخلل ليس أسود اللون، لكنه لونه برتقالي، فهذا الخلل معه خطر، لكن ليس خطرَ سقوط، ومعالجته ممكنة، وأحياناً الرسالة على الشاشة باللون الأحمر الداكن، هذا خطر سقوط، فالطائرة مبرمجة، مادام لا خبر فالأمور على ما يرام، أيّ خلل تظهر رسالة، هكذا الفطرة، ما دمت مستقيما مرتاحا تنام نوما عميقا، تتعامل مع الناس تعاملا صحيًّا، لكن لما ترتكب خطأ لو لم يعلم به أحد ينشأ خلل داخلي، عندك ضيق، قلق، كآبة، تسأل، تدقق، تبحث، أنت مبرمج ومولّف على أنك إذا أخطأت عندك مشعر ذاتي، أنك أخطأت، والآن تقريباً حتى السيارات فيها شاشة، الأنواع الحديثة جداً، أيّ خلل في المركبة تظهر رسالة.
قال لي أحد الإخوة، إنه اشترى مركبة حديثة، قال له: قف فوراً، فإن لم تقف أطفأت لك المحرك، هناك نقص زيت حاد، قد يحترق المحرك.
أنت مبرمج أعلى برمجة أنت مبرمج أنك إذا أخطأت شعرت أنك أخطأت، البر ما اطمأنت له النفس، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلعه عليه الناس.
5 – لابد من الامتحان والابتلاء:
إذاً: الحركة من خلالها تمتحن، تكون صالحاً أو طالحاً لا سمح الله، الحركة من خلالها تكون محسناً أو مسيئاً، منصفاً أو جاحداً، مستقيماً أو منحرفاً، صادقاً أو كاذباً، مخلصاً أو خائناً، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾
( سورة المؤمنون)
علة وجودك على وجه الأرض أنك ممتحن، قال تعالى: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/04.jpg
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة الجاثية)
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
( سورة العنكبوت)
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾
( سورة آل عمران)
اعلم علم اليقين أنك في دار امتحان، (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

[ ورد في الأثر ]
الناس قسمان لا ثالث لهما:صالح وطالح:
الآن بشكل مختصر: إذا قلنا: فلان له عمل صالح، ما معنى عمله صالح ؟ يعني أنه منضبط بمنهج الله، وبنى حياته على العطاء، الانضباط صفة سلبية، والعطاء صفة إيجابية، منضبط، ويعطي، منضبط لا يكذب، لا يسرق، لا يغتاب، لا يخون، كلها لاءات أو ماءات، يقول لك: أنا ما أغلط، ما آكل مالا حراما، ما أقصّر، ما أتأخر، ما أغش، هذه الاستقامة، وقدمت من وقتي، من مالي، من علمي، من خبرتي، فكلمة صالح تعني أنك منضبط، ومعطٍ، لذلك يمكن أن يندرج الناس جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم، وأنسابهم وطوائفهم، ومذاهبهم في نموذجين، نموذج عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج وغفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء لخلقه، فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة، هذا التقسيم القرآني:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾
( سورة الليل)
حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/05.jpg
الآن أتمنى عليكم أن تدققوا فيما أقول: حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً، لأنك إذا كنت أخلاقياً فأخلاقيتك ثمن الجنة، أنت خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض، ثمن هذه الجنة أن تزكي نفسك كي تكون أخلاقياً، أن تحملها على طاعة الله كي تتصل بالله، كي تشتق من الله كمالاً يؤهلك لدخول الجنة، هذا كلام دقيق جداً، تتعرف إليه، تنضبط بمنهجه، تقبل عليه، تشتق منه الكمال، هذا الكمال ثمن الجنة، لذلك قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
( سورة آل عمران)
لولا الرحمة التي أودعها الله في قلبك لم تكن ليناً لهم، بل كنت فظاً غليظ القلب، قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
( سورة آل عمران)
الفطرة مرسخة في الإنسان ولو لم يكن له علم:
أيها الإخوة الكرام، الآن بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه القرآن الكريم، ومعه الوحي والأحاديث مئات ألوف، الأمور واضحة جداً، لكن هذه المرأة التي اسمها خديجة رضي الله عنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام قبل نزول الوحي لما جاءه الوحي، وقال: دثريني دَثريني، ماذا قالت له ؟ قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك تحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر، هذه فطرتها، كلام فطري ما فيه قرآن ولا في سنة ولا في أحديث، ولا علم، ولا كليات شريعة، على الفطرة، إنسان صادق أمين عفيف، يقري الضيف، يطعم الفقير، يعين الأسير، يحمل الكَلّ، يعين على نوائب الدهر، قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، هذه الفطرة.
أنا أذكر أحد أصدقائي سافر إلى هولندا، رأى إعلانا عن هاتف خلوي، رجل دين على رأسه قبعة كهنوتية، والأنوار تشع منه، مرت فتاة متفلتة ملأ عينيه منها، فسقطت هذه القبعة عن رأسه، وقطع عن ربه، هذا الإعلام بمجتمع متفلت ما فيه شيء حرام، لكن هذه الفطرة حتى في المجتمعات المتفلتة، يقول لك: فضيحة ما، الفضيحة جنسية، الزنا غير محرم عندهم، لمَ هو فضيحة ؟ بالفطرة، الفطرة ثابتة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
( سورة الأعراف)
أي إنسان على وجه الأرض عنده الخطأ خطأ، والصواب صواب، والانحراف انحراف، والأذى أذى، فلذلك أنت مبرمج ومولّف توليفاً رائعا، لذلك قال الله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة الجاثية)
الفطرة لا تقبل ذلك إلا أن المحسن محسن، والمسيء مسيء، المحسن مكافَأ عند الله، والمسيء معاقَب.
أحياناً تقع مشكلة فترى الناس على اختلاف مشاربهم يعتقدون أن المسيء ناله عقاب، والمحسن نجاه الله هذه فطرتهم.
والله أيها الإخوة، بحث الفطرة بحث عميق جداً، ودقائق الشرع مركزة في أعماق أعماقك، والعمل الطيب في فطرة.
سمعت عن سائق سيارة بمدينة في أمريكا وجد محفظة فيها عشرة آلاف دولار، بحث عن صاحبها، ثمّ سلمها للشرطة، وأخذ إيصالا فيها، والمبلغ عداً ونقداً، بعد حين حاكم الولاية دعا أكثر المدارس الثانوية لحفل تكريم لهذا السائق، إنسان بحث عن صاحبة هذه المحفظة التي فيها عشرة آلاف دولار، عدّ هذا العمل في بلد كله جرائم، وكله تفلت عد عملاً عظيماً، الحق حق، والخير خير، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان.
بالفطرة أنت مبرمج على الحق، مبرمج على الإحسان، على الصدق، على الأمانة، على العفة، مبرمج على الحلم، فإذا فعلت شيئاً وفق برمجتك ارتحت.
تعب الطاعة ثمنها السعادة والراحة النفسية:
إنّ أكبر راحة يرتاح لها المؤمن حينما تأتي حركته في الحياة موافقة لفطرته، هذا المحل التجاري ما هدفه الأول ؟ أن يبيع، وأن يربح، فصاحب المحل إذا جاء إلى المحل، وعليه ضغط شديد، من يشتري، تحميل بضاعة، شحن بضاعة، تسجيل ثمن بضاعة، تراه اثنتي عشرة ساعة ما ارتاح، هو في قمة السعادة، لأن هذه الحركة تتناسب مع أصل إنشاء هذا المحل، لو أن السوق كاسدة، وهو قاعد، أحضروا له قهوة، ثم الشاي، ثم مجلة، ثم جريدة، تراه مسموم البدن، أنت مرتاح، هذا المحل برمجته أن يبيع ويشتري، فإذا تعب تعباً لا يحتمل من البيع والشراء هو في قمة السعادة.
أيها الإخوة الكرام، النقطة الدقيقة أنت مبرمج على طاعة الله، فإذا أطعته، ولو أن طاعته متعبة، صلاة فجر، وغض بصر، وضبط لسان، وإنفاق مال، لكنك في قمة السعادة، ولو أن الراحة مريحة لتركت الصلاة، ولملأت عينك مما لا ينبغي، ولو فعلت شيئاً لا ينبغي وأنت مرتاح فأنت في حضيض الشقاء.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/06.jpg
لذلك أيها الإخوة، القضية دقيقة جداً، أنت حينما تأتي حركتك في الحياة موافقة لهدفك تكون أسعد الناس، لذلك أي إنسان يتوب توبة نصوحا نقول: لقد اصطلح مع فطرته، وهذا الذي ذهب إلى بلد غربي، ودخل إلى فندق ورأى لوحة على السرير كتب عليها: " إن لم تنَمْ فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك، إنها كثيرة "، وهناك حالة اسمها الانهيار الداخلي، لما يقترف الإنسان شيئًا لا يجوز يحس بانهيار داخلي، لو لم يعلم أحد بخطئه فهذه الكآبة، والآن أكبر مرض منتشر الكآبة، الكآبة عقاب الفطرة.
إذا كنت ماشيًا في الطريق، وجدت خطًّا عالي التوتر، وعليه لوحة كتب عليها: " ممنوع الاقتراب، خطر الموت "، لما تقرب هل يعاقبك أحد ؟ لا، التيار يعاقبك، لا شرطي، ولا مخالفة، ولا حجز مركبة، ولا توقيف، لكن هذا التيار إذا دخلت إلى ثمانية أمتار قبله يصبح الإنسان كالفحمة.
دقق حينما تخطأ التصور ما أحد يعاقبك، لكن نفسك تعاقبك، تحس بكآبة، بضجر، ترى أمراض الناس الآن من المعاصي، اعتدى على عرض، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
مرة قال لي أخ: غلطت غلطة، قال: والله من ثلاث وعشرين سنة ما تغادر مخيلتي هذه الغلطة، الخطأ نفسه يعاقبه، الانحراف نفسه يعاقبك، الذي عنده شفافية، الذي عنده نفس شفافة، لو ما أحد بلغه ما فعلت، حسب الإنسان عقاباً له أن ذاته تعاقبه.
الإيمان مضمون أخلاقي:
أريد من هذه المقدمة أن أصل إلى أن جوهر الدين الخلق، الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
النبي عليه الصلاة والسلام كان سيد الخطباء، كان سيد العلماء، كان قاضياً، كان فصيحاً، كان قائداً، كان زعيماً، لكن لما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه ؟ قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم﴾
( سورة القلم)
خلق، منه التزام، انضباط، سمو، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تفهم الدين شعائر، الدين خلق، الدين استقامة، الدين انضباط، الدين ورع، الدين رحمة، الدين تسامح، الدين عفو، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، وأنت ممتحن في الدنيا من أجل أن تكون أخلاقياً، فتستحق الجنة، فإن لم تكن كذلك فلا قيمة لعبادتك.
أيها الإخوة، كلكم يعلم أن في الأحاديث صيغة مشهورة: " ليس منا "، وهي من أشد أنواع الوعيد، أنت لست من المسلمين، شيء مخيف:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَسَأَلَهُ: كَيْفَ تَبِيعُ ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ))
[ أبو داود ]
لا قيمة لا لصلاته، ولا لصيامه، ولا لحجه، ولا لزكاته.
(( ليس منا من انتهب أو سلب ))
[ الطبراني عن ابن عباس بسند فيه ضعف]
هناك أشياء تخرجك من ملة المسلمين .
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ))

[ أبو داود ]
لو تتبعت الأحاديث الشريفة التي تبدأ بـ: " ليس منا " لرأيتم عجباً عجاباً، أشد أنواع الوعيد أن يأتي الوعيد بعد قول النبي عليه الصلاة والسلام: " ليس منا ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))
[ أبو داود ]
أن تفسد علاقة زوجين، أن تفسد علاقة أخوين، بين أم وابنها، بين أب وابنه، بين شقيقين، بين شقيقتين، ليس منا، نفى عنك أن تكون من المسلمين، وأتمنى عليكم أن تتبعوا الأحاديث ليس منا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ))
[ البخاري ]
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))
[ الترمذي ]
لذلك أيها الإخوة، المضمون أخلاقي،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ))
[ ابن ماجه ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[ البخاري، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]
ومن حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، نادى منادٍ: أن لا لبيك، و لا سعديك، وحجك مردود عليك. ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
( سورة التوبة: الآية 53)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/07.jpg
الذي أتمناه أن يكون واضحاً لديكم أن الإيمان مضمون أخلاقي، والآن المسلمون يزيدون على مليار وخمسمئة مليون، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولأعدائهم عليهم ألف سبيل وسبيل، أين وعود الله عز وجل ؟ أين قول الله عز وجل ؟ ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾
( سورة الصافات)
أين قول الله عز وجل ؟ ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
(سورة غافر)
أين قول الله عز وجل ؟ ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
(سورة الروم)
أين قول الله عز وجل ؟

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
( سورة النور)

البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة توافقاً مطلقاً:
دققوا أيها الإخوة، الإسلام بني على خمس، هذه الخمس ليست هي الإسلام، الإسلام هذا البناء الذي بني على خمس دعائم، بني الإسلام على خمس، الإسلام بناء أخلاقي، البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، فما من أمر أمرك الله به، وما من نهي نهاك عنه إلا ومركوز في أصل فطرتك لمجرد أن تطيع الله تشعر براحة لا توصف، والله كأن جبال أزيحت عن كاهلك، دخلك حلال، نصحتَ للمسلمين، الطبيب نصوح، المحامي صادق، المهندس أمين، المدرس مخلص، التاجر صدوق، العامل متقن، الموظف خدوم، هذا المؤمن والله أيها الإخوة، لو كان المجتمع كما ينبغي لكنا في جنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ))
[ الترمذي ]
دينك الإسلامي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، ولمجرد أنك أطعت الله، أو خضعت لقوانين فطرتك كانت النتيجة واحدة، تحس بسعادة، براحة نفسية، بتألق، بإقبال، المؤمن يصغي إلى صوت الفطرة، ومن أجمل ما مدح به الإسلام أنه دين الفطرة.
الله عز وجل خلق الذكر والأنثى، فلمَ خلقهما ذكراً وأنثى ؟ من أجل الزواج، الآن أي منهج يحرم الزواج فهو خلاف الفطرة، قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾
( سورة الحديد)
ولأنهم خالفوا فطرتهم ما رعوها حق رعايتها.
أحياناً ترى فضائح غير معقولة جداً، لأن هذا ابتدعوه هم، وما كتبه الله عليهم، بل كتبوه هم على أنفسهم، ولأنه خلاف الفطرة ما رعوها حق رعايتها، لذلك صحابي جليل في أعلى درجات القرب من الله أهمل زوجته، جاءت إلى السيدة عائشة بثياب بالية، سألتها عن حالها فقالت: إن زوجها صوام قوّام، في النهار صائم، وفي الليل قائم، كانت أديبة، النبي استدعاه، قال: أليس لك بي أسوة ؟ أنام وأقوم، أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، هذه سنتي، إن لجسدك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، الزائر، ولجسمك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه، يبدو أنه انصاع للنبي، والتفت لزوجته، ونالت منه حقها، في اليوم التالي ذهبت إلى السيدة عائشة عطرة نضرة متألقة، فقالت: ما الذي حلّ بكِ ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس، انظر إلى الأدب الراقي.
الإسلام دين الفطرة:
ديننا دين الفطرة، إنسان لا يتزوج، ليس من الفطرة، إنسان لا يشتغل، ليس من الفطرة، أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد صحابي وهي خشنة، قال: إن هذه اليد يحبها الله ورسوله، الدين دعم الأسرة، دعم العمل، دعم الترتيب والأناقة والنظافة، قال:
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ ))
[ أبو داود وأحمد عن أبي الدرداء ]
أي شيء تحبه أنت وارد في دينك، أي شيء تكرهه منهي عنه في دينك.
أبلغ مِن ذلك، الله سمى الأعمال الصالحة معروفاً، فلمَ سُمّيت معروفاً ؟ لأن الفطر السليمة تعرفه ابتداءً من دون تعليل، ولمَ سمّيت الأعمال القبيحة منكراً ؟ لأن الفطر السليمة تنكره ابتداءً، لذلك المعروف فطري.
الإنسان البار بوالديه إن كان في مجتمع متدين إسلامي أو غير إسلامي، مجتمع ملحد، مجتمع متفلت، مجتمع إباحي، الإنسان الذي يبر والده محترم في أي مجتمع، لأن هذا من الفطرة.
إذا سافرت إلى بلاد عديدة ترى فطرة سليمة، إنسان يساعدك في المطار، حدثني أخ قال: وصلت إلى المطار ما معي قطع نقدية صغيرة، بحاجة إلى عربة أضع عليها محافظي، جاءت امرأة دفعت عنه، بالفطرة، الخير مركوز في أصل الفطرة، ودقق، اعمل عملا طيبا تشعر براحة لا توصف.
أقسم لي أخ بالله قال: وجدت في الطريق امرأة تضم صبيا، وتبكي، وإلى جانبها زوجها، توقفت، خير، في أثناء أحداث لبنان، الابن حرارته إحدى وأربعين، وامرأة غريبة لا تعرف، ماذا تفعل الساعة الثانية عشرة ليلاً ؟ قال: أخذتهم إلى مستشفى، وانتظرت معهم حوالي خمس ساعات حتى انتهت المعالجة، واشترينا من صيدلية مناوبة الأدوية، ورجعنا إلى المستشفى، وأخذنا الإبر، قال لي: للساعة الخامسة، قال: والله عشرة أيام وأنا في قمة السعادة، كأني أعيش في جنة.
اعمل عملا طيبا.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1395/08.jpg
أحد إخواننا الكرام طبيب أسنان، زارته مريضة معها أسنان تحتاج إلى تقويم، والمبلغ غالٍ جداً، وهي معلِّمة وفقيرة، فإذا ابتسمت ظهر عيب أسنانها، فتخجل بنفسها، والمبلغ فوق طاقتها، فاعتذرت، قال: نويت أن أقوم بهذا العمل لله، قال: أنا أقدم لك هذا العمل هدية، بقيت عندي ستة أشهر، أقسم لي بالله في هذه الأشهر الستة كأنه في قمة السعادة، فطرة.
سعادتك بيدك، تملكها أنت، اخدم الناس، كن صادقا، كن أمينا، كن عفيفا، كن حليما، كن عفوا، كن خير، أعط من وقتك، من جهدك، أنت أسعد إنسان.
والله مرة في مجلة ليدر دايجست المختار، مجلة عالمية، أنا كنت مغرما بهذه المجلة، لها طبعة عربية، معنى مختار أي مختارة من كل مجلات العالم، أجمل مقالة بأي مجلة مجموعة بهذه المجلة، لها طبعة عربية، قديماً كنت أقرأ المجلة في ليلة واحدة، وهناك مقالة انتهت بأول الصفحة، صفحة فارغة، وضعوا حكمة، هذه الحكمة أربع كلمات، أقسم لكم بالله كأن هذه الحكمة حفرت في عظامي، ما الحكمة ؟ قال: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، حاول أن تطعم هرة، حاول أن تفرح طفلا، حاول أن تطعم جائعا، حاول أن تدل إنسانا ضالا، تحس براحة لا توصف، دينكم دين الفطرة، وكل سعادتك وراحتك النفسية أساسها أعمالك الصالحة، لذلك العمل الصالح يرفعك عند الله.
الذي أريده في هذا اللقاء الطيب دقائق المنهج الإلهي فيما يقابله في خصائص نفسك، تحب الصدق، تحب الأمانة، تحب الرحمة، تحب الإنصاف، إنسان زوجته صالحة، والأم ضدها، والأب ضدها، إذا وقف موقفا أخلاقيا مع زوجته، موقفا مشرفا، امرأة صالحة، وإنسان يتملق والده ووالدته، يطلقها، يشعر أنه مجرم، ما عملتْ شيئًا، صالحة، مستقيمة، صائمة، مصلية، مطيعة لك، لأن أباك كرهها، ما أطلقها، فالموقف المنصف المخلص صاحبه بطل يصبح.
أيها الإخوة الكرام، أتمنى أن يكون هذا الموضوع واضحاً عندكم، إسلامنا دين الفطرة، أنت إذا أطعت الله وجدت نفسك، اصطلحت مع نفسك، كنت أسعد الناس.
الموضوع العلمي:سرعة الضوء:
1 – نظرية إنشتاين:
الموضوع العملي، من أشهر النظريات في القرن العشرين النظرية النسبية التي جاء بها إنشتاين، هذه النظرية اكتشفت السرعة المطلقة في الكون، هذه سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، وأن أي جسم سار بهذه السرعة يصبح ضوءاً، هل ممكن لإنسان من لحم ودم وزنك سبعون كيلوا، لو ـ فرضاً علمياً ـ أتيح لك أن تمشي في الفضاء بسرعة الضوء تختفي، تصبح ضوءًا كهذا الضوء، وأي جسم سبق الضوء تراجع الزمن، أيضاً افتراض، لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لرأينا بأم أعيننا معركة بدر وأحد والخندق واليرموك، هذه معارك كلها مشرفة، والقادسية، فإذا قصر عن الضوء تراخى الزمن، فإذا سار مع الضوء توقف الزمن، هذه النظرية العملاقة قلبت مفاهيم الفيزياء في الأرض، صاحبها من أعلم علماء الأرض اسمه إنشتاين، لكن أتمنى أن أكون منصفاً معه، قال مرة: كل من لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، هو إنسان حي، ولكنه ميت.
2 – سرعة الضوء كما جاءت في القرآن الكريم:
كان مؤمناً بالله، هل يعقل أن هذه النظرية العملاقة التي غيّرت مفاهيم الفيزياء، مفاهيم الحركة والسرعة، أن تكون مدرجة في كتاب الله، وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
( سورة الحج )
العرب مخاطبون بهذه الآية، يعدّون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، لو أخذنا مركز القمر، وأخذنا منه خطاً مددناه إلى مركز الأرض، وطالب في الإعدادي يستطيع أن يحسب طول هذا الخط، نصف قطر القمر مع نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما، هذا الخط بين مركز القمر ومركز الأرض يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، أليس كذلك ؟ ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )، المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، ألف سنة، أنا حينما أعرف محيط الدائرة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض باثني عشر بسنة، بألف، بألف سنة، أنا حينما أحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يستطيع طالب في الإعدادي إن أعطيناه قطر الأرض وقطر القمر، يأخذ نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما، المجموع نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )، المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، دقائق الرقم تظهر، هذا الرقم عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض، لو قسمته على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة، لأن الضوء سرعته بالثواني، أما ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد. ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
( سورة الحج )
أنتم تعدون السنة القمرية، أما الناتج فليس ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، أدق من ذلك مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون ( 299752 )، هذه سرعة الضوء الدقيقة جداً.
إذاً: نظرية عملاقة مدرجة في آية واحدة في كتاب الله، وقد عرض الموضوع مفصلاً في مؤتمر الإعجاز العملي الخامس الذي عقد في موسكو، وأصل الموضوع عندي، وأرجو الله سبحانه وتعالى بأن يعرفنا بقيمة قرآنه الكريم، فهو الصراط المستقيم.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الحادى عشر )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -3- التصور الصحيح عن الدين يؤدي إلى سلوك صحيح









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الإنسان كائن متحرك:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الحادي عشر من دروس العقيدة والإعجاز.
أردت في هذا الدرس أن أعالج موضوعاً دقيقاً وخطيراً، ألا وهو أن كل حركة من حركات الإنسان، أو أن كل سلوك من سلوكياته، أو أن كل موقف من مواقفه، أو أن كل خطوة من خطواته يسبقها تصور، إن صح التصور صحت الحركة.
1 – ما معنى الحركة ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1396/01.jpg
ما معنى حركة ؟ ذكرت هذا من قبل، هذه الطاولة جامدة ليس فيها شهوات، ولا تحتاج إلى الطعام، لا تحتاج إلى الزواج، لا تحتاج لتؤكد ذاتها، إذاً: هي ساكنة، تدعها في هذا المكان سنوات وسنوات في مكانها، أما الإنسان فأودع الله فيه حاجة إلى الطعام، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، فلا بد من أن يتحرك، يتحرك ليكسب رزقاً ليشتري به طعاماً ليأكل، يتحرك لينال شهادة، ليكون في وظيفة تدر عليه دخلاً فيتزوج، يتحرك ليثبت للناس أنه متفوق، فحياتنا أساسها حركة، والإنسان كائن متحرك، هذه الحركة طبعاً قد تكون خيرة، وقد تكون شريرة، قد يكون فيها عدوان، أو فيها عطاء، أو فيها إحسان، أو فيها ظلم، فيها طهر وعفاف.
سيدنا يوسف تحرك:
﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّه﴾
( سورة يوسف)
وهناك أشخاص يتحركون نحو الفاحشة.
2 – كلُّ حركة للإنسان يسبقها تصوُّرٌ:
النقطة الدقيقة الآن: أي حركة يسبقها تصوّرٌ، هذا الذي سرق لماذا سرق ؟ السرقة حركة، لكن سبقها تصور خاطئ ؛ أن السارق يأخذ مالاً وفيراً بجهد قليل، وفاته أن هناك عقاباً قاسياً، كل إنسان يتحرك فإنه يسبق الحركة تصور.
3 – إنْ صحّ التصوّرُ صحت الحركةُ:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1396/02.jpg
الآن إن صح التصور صحت الحركة، ولا يمكن أن تكون هناك حركة من دون تصور، فلو أنه لا علاقة بين التصور والحركة نقول له: تصور ما شئت، واعتقد بما شئت، وآمن بما شئت، لكن لأن هناك تلازماً حقيقياً ثابتاً مستمراً بين التصور والسلوك ندقق على التصور، أي ندقق على العقيدة، فلا بد من أن تصح العقيدة، فإن صحت صح العمل، وإن صح العمل سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة.
آتي بمثل: لو أن طالبا تصور إما باجتهاده الشخصي، أو بكلمة ألقيت في أذنه ؛ أن الأستاذ قبل الامتحان، إنْ قدّمت له هدية ثمينة، يعطيك الأسئلة هذا التصور ماذا يقابله ؟ إلغاء الدراسة، فيمضي هذا الطالب عامه الدراسي كله مع أصدقائه في التنزهات، في السينمات، اعتماداً على تصور ؛ أن الأسئلة يأخذها، ويقرأ أجوبتها ليلاً، فينجح، فلما طرق باب المعلم، ومعه الهدية الثمينة من أجل أن يعطيه الأسئلة فوجئ هذا الطالب أن الأستاذ صفعه على وجهه صفعة قاسية وطرده، نقول: هذا الطالب كان ضحية التصور الخاطئ، فلو أن الطالب كان تصوره صحيحا ؛ أن الأستاذ نزيه، والامتحان نزيه، والتصحيح دقيق، ولا بد من أن يدرس، فدرس، الأول أخطأ في التصور، فخسر العام الدراسي، والثاني أصاب في التصور، فربح العام الدراسي، وعلى وسّع هذا المثل.
أحيانا يتصور إنسان إذا غش الناس يربح، وفاته أن الله له بالمرصاد، يغش الناس، يسلب الله منه لبّه وعقله، فيرتكب حماقة كبيرة جداً في مخالفة الأنظمة، فتصادر أمواله كلها، كل الذي جمعه من الغش دفعه في ثانية واحدة، هذه المصادرة، وهذا الإيقاع المؤلم لثروته بسبب غشه، فلو تصور أن الغاش سوف يعاقب في الدنيا ما غش الناس.
صدقوا أيها الإخوة، هذا الدرس يدور مع الناس جميعاً، في كل شؤون حياتهم، يتصور أنه إذا فعل كذا اغتنى، لكنه فعل كذا بمعصية، يتصور أن المعصية أحياناً قد تقوده إلى ربح وفير، وفاته أن لكل معصية عقاباً، وفاته أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، وأن تطيعه وتخسر.
4 – مشكلات الناس ناتجة من تصوّرٍ خاطئ:
أكاد أقول لكم: كل مشكلات الناس ناتجة من تصور خاطئ، ناتجة من ضعف العقيدة، ناتجة من ضعف التوحيد، ناتجة من فهم ساذج، لأنه حينما تؤمن أن لهذا الكون إلهاً، وأنه يراقبنا، وهو يربينا، ويحاسبنا في الدنيا قبل الآخرة عندئذ تستقيم على أمر الله، فإذا استقمت على أمر الله سلمت، وسعدت.
مرة ثانية ما من تصور تتصوره في أي موضوع إلا وينتج عنه سلوك.
مثلاً: لو أن رجلاً حضر مجلس علم لإنسان معلوماته ضعيفة، تحليلاته ضعيفة، فقال: شفاعتي، والحديث صحيح، لكن له تفسير دقيق، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ))
[ الترمذي وأحمد ]
اطمأن، وبدل أن يستقيم انحرف، بدل أن يستقيم تفلت، اعتماداً على مفهومٍ لشفاعة ساذج، فحينما يأتي يوم الدين، ويضعه الله عز وجل في حساب عسير، وقد تتلى عليه الآية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾
( سورة الزمر)
تصوره عن الشفاعة التصور الخاطئ أوقعه في المعاصي والآثام، ثم فوجئ أن هذه المعاصي والآثام لا بد من دفع ثمنها باهظاً.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة، ولكنه من أخطر دروس العقيدة، إنسان يأكل مالاً حراماً، ويظن نفسه متفوقاً، ثم يتلف ماله.
إنسان يعتدي على كرامة الآخرين، يضعه الله في موقف مهين، فالذي امتلك تصورا صحيحا، تصورا عن الإله صحيح، أنه عادل، أن لكل سيئة عقابا، ولكل حسنة ثوابا، أن المستقيم في مأمن من عذاب الله عز وجل، الآن بعض النصوص:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: (( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
( متفق عليه )
هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لا ينطق عن الهوى، وفي بعض الأحاديث التي نقلت عن سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: << ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى انصرف منها >>.
فالمؤمن حينما يقول النبي شيئاً يفهمه، ويوقن به، ويطبقه، فيسلم، أما الذي يتوهم أن أكل أموال الناس بالباطل يعد ربحاً مغرياً، ويجهل أن الله سيدمره، لأن المال الحرام يذهب، ويذهب بصاحبه، وأن المال الحلال ينفق، ولكن يبقى صاحبه موفور الكرامة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1396/03.jpg
أريد أن أقول: ما من خطأ يصيب الإنسان، أو ما من مشكلة تصيب الإنسان، أو ما من محنة تصيب الإنسان إلا بسبب خطأ في السلوك ناتج عن خطأ في التصور.
أحياناً يموت الأب، ويترك أولادا، أحد أولاده قوي، أكبر أولاده، وله سطوة على إخوته، يأخذ الثروة كلها، ويدع لأخوته الفتات، ويظن أنه بحكم قوته وعمره، وسيطرته وهيمنته، هذا من حقه، ولم يدخل الله في حساباته النتيجة.
والله سمعت قصصاً كثيرة ؛ أن هذه الثروة التي اغتصبها من إخوته، وتمتع بها تذهب أدراج الرياح، ويضطر أن يعمل محاسباً عند إخوته الذين حرمهم من هذه الثروة، لو كان طالب علم لا يقدم على هذا العمل، هناك حساب، هناك متابعة، هناك عقاب، هناك تأديب، هناك نتائج للعمل.
لذلك أيها الإخوة، اعتقد يقيناً أنه ما من مشكلة تصيب إنساناً إلا بسبب معصية ارتكبها، دقق الآن، وما من معصية ارتكبها إلا بتصور خاطئ، لذلك فلنصحح تصوراتنا حتى تصح أعمالنا حتى نسلم، ونسعد في الدنيا والآخرة.
طبعاً الأمثلة كثيرة جداً، مثلاً: إنسان يتوهم أن هذا الرزق الوفير يأتيه من معصية، يقول: ماذا نفعل ؟ نحن مضطرون، عندنا أولاد، فيرتكب هذه المعصية ليأخذ مالاً وفيراً، فيمحق الله له ماله.
إنسان آخر موقن أن الاستقامة التامة هي سبب الربح، فيرفض دخلاً فيه شبهة، فيعوضه الله خيراً منه.
والله هناك مقولة أيها الإخوة، والله أنا لا أرتوي من تردادها:
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
فلذلك التصور خطير جداً، أنا أقول: تصور، وأعني به العقيدة، أنت ماذا تعتقد ؟ حينما تعتقد أن هذه المرأة ضعيفة الآن لا تعجبك، تزوجتها، وكنت فقيراً، فقبلت بها، وهي قبلت بك، فلما أصبحت غنياً هي لا تعجبك، فأهملتها، وطلقتها، وأنت تظن أنك سوف تسعد بامرأة أخرى، حق هذه المرأة الضعيفة التي طلقتها، وأنت ظالم في تطليقها لن يذهب عند الله، سوف تحاسب عليه، لذلك بقدر ما تخاف الله تكون عاقلاً، وبقدر ما تقف عند حدوده تكون فقيهاً، بقدر ما تدخل محاسبة الله في حساباتك اليومية تكون ذكياً وعاقلاً.
أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي:
أيها الإخوة الكرام، أحيانا يأكل الإنسان، لكن هذا الأكل قد يكون نفيسا، قد يكون رخيصا، قد يكون خشنا، قد يكون رائعا جداً، لكن بعد حين انتهى الطعام، وانتهت لذة الطعام، وامتلأ البطن، وشعرت بالشبع، نوع الطعام ما له أثر مستقبلي، أكلنا، والحمد له، لكن أحياناً الإنسان يرتكب عملا، هذا العمل له أثر مستقبلي، هذا أخطر شيء.
مثلاً: الإنسان اعتدى، هذا العدوان سوف يجر له مشكلة كبيرة، أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي، كإنسان جلس في حوض الحمام، شعر براحة، ارتاح ربع ساعة، لكن ما ليس هناك أثر مستقبلي، أما إذا قرأ الإنسان باباً في العلم فانتفع به الآن إلى نهاية الحياة، كلما عرض له موضوع متعلق بهذا الحديث وقف في جانب الطاعة لله، فسلم، وسعد.
فرق بين عمل طارئ، عمل عارض، عمل ليس له علاقة بالمستقبل، وبين عمل قد يسبب لك متاعب، قد يسبب لك عقابا من الله، قد يسبب لك فقراً، قد يسبب لك إهانة، قد يسبب لك ذلاً، قد يسبب لك علاقة مع أهلك سيئة، قد يسبب لك علاقة مع أولادك سيئة، فكل عمل خاطئ وراءه تصور خاطئ، والعمل الخاطئ الذي وراءه تصور خاطئ له أثر مستقبلي، قال تعالى:
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾
(سورة الشورى)
أيها الإخوة، إنسان تصور أن الله غفور رحيم، هذا التصور صحيح ؟ صحيح، وغير صحيح، صحيح هو غفور رحيم، لكن متى ؟ قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
( سورة النحل )
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾
( سورة الحجر)
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾
( سورة البقرة)
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
(سورة الزمر)

استنبطوا التصورات الصحيحة حين قراءة القرآن:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1396/04.jpg
أيها الإخوة، حينما تقرأ القرآن يجب أن تستنبط منه تصوراً صحيحاً.
بعض الأمثلة، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
(سورة الجاثية)
نقول: في الآخرة، فالآخرة شيء بديهي، دعك من الآخرة في الدنيا، قال تعالى: ﴿سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
(سورة الجاثية)
يأتي إنسان يقبل على عمل فيه شبهة، فيه معصية، فيه حرمة، ودخله كبير، يطمع بهذا الدخل أن يعيش حياة ناعمة، أن يقتني بيتاً مريحاً، ومركبة فارهة، أن يختار زوجة بارعة الجمال، ثم يفاجأ أن هذا المال دمر، وأن هذا الزواج لم ينجح، والعمل ما نجح، والسكن ما نجح، لماذا يتعظ بعد فوات الأوان ؟ لو أنه قرأ القرآن، وهذا القرآن أدى له تصورا صحيحا، فما عصى الله عز وجل، لذلك المؤمن يرضى بدخل محدود حلال لا شبهة فيه، ويركل بقدمه دخلاً فلكياً في شبهة، المؤمن حياته بطولة، المؤمن رقم صعب، المؤمن لا يباع ولا يشترى، كلمة ( لا ) داخلة في حياته اليومية، قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾
( سورة يوسف)
شاب غير متزوج، غريب، تأمره سيدته، وهي بارعة الجمال، وليس في صالحها أن تفضح نفسها، وكل شيء مهيأ، ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
طبعاً القصص في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى.
أيها الإخوة، يلقون بعض الوقائع على مسامعي هي مصداق لِمَا أقول في هذا المعنى، دخلٌ غير مشروع اركله بقدمك، وقل: (( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
أحد إخوتنا الكرام عنده مركبة جيدة، استأجرتها شركة كبيرة جداً من اليابان برقم فلكي، هو مهمته أن ينقل الموظفين من دائرتهم إلى بيوتهم، في أثناء الانتقال يأخذونه إلى بعض المحلات ليشتروا حاجاتهم، لمح مرة أنهم يشترون الخمر، هو خاف من الله أن تستخدم هذه المركبة لنقل شراب حرمه الله عز وجل، فقدم اعتذاره عن متابعة العمل، ودخْلُه عشرة أضعاف دخل الناس العاديين، من أجل هذه الشركة الكبيرة، فلما رفض، ووضع هذا الدخل الكبير تحت قدمه اعتماداً على أن الله عز وجل لا ينساه ما الذي حصل ؟ شيء لا يصدق، بدل أن يرفضوه يأتيهم مئة إنسان، بدل عنه بهذا الدخل الكبير ومركباتهم أرقى، تمسكوا به، ومنعوا موظفيهم أن يقتنوا هذا المشروب إذا ركبوا معه، ثم وثقوا منه ثقة بالغة، سلموه مفاتيح بيوتهم إذا عادوا إلى بلادهم، أعطوهم مركباتهم الفخمة ليرعاها في غيبتهم، سبحان الله، (( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
أيها الإخوة الكرام، تتصور إنسانا أحيانا من أجل شهادة يلغي دروس العلم، لو تصور تصورًا صحيحا ؛ أنك إذا طلبت العلم سوف توفق في دراستك، المشكلة أن تضيع الدنيا والآخرة معاً، لذلك أي إنسان آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، وأي إنسان آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
مثلاً: الله عز وجل قال:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
( سورة البقرة)
الزنا حد الاقتراب منه صحبة الأراذل، الاقتراب منه الخلوة بامرأة أجنبية، الاقتراب منه إطلاق البصر، الاقتراب منه أن تمشي بطريق موبوء بكاسيات عاريات، الاقتراب منه أن تقرأ شيئاً مثيراً، أو أن تشاهد شيئاً مثيراً، هذا كله اقتراب منه، فإذا ما صدق إنسان كلام الله عز وجل، وكان تصوره غيرَ صحيح يقول: أنا إرادتي قوية، فاقترب من حدود الله، يفاجأُ أنه وصل إلى الفاحشة، لأنه ما صدق الله عز وجل، ولم يكن تصوره صحيحاً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
[ الترمذي ]
البطولة أن كل آية تقرأها، وأن كل حديث تقرأه ينبغي أن تستنبط منه تصورا يكون إضاءة لك لكل شؤون حياتك، المال الحرام يذهب، ويذهب معه أهله، والمال الحلال يبقى.
الواقع الموضوعي ينبئ بالتصورات الصحيحة وغير الصحيحة:
والله أعرف شخصاً يعمل في سلك يمكن أن يحقق منه دخل فلكي، أقسم لي بالله قال: أنا أمضيت في هذا السلك أربعين عاماً، ما أكلت درهماً واحداً حراماً، أنا تتبعت حياته فوجدت أنه عاش تسعين سنة في بحبوحة، وبصحة جيدة، أولاده أمامه، وكل ولد الله يسر له عملا، وله مكانة اجتماعية، والسلك نفسه فيه إنسان مد يده للحرام، وبنى ثروة كبيرة جداً على غذاء الناس، وابتزاز أموالهم، والله انتهى نهاية شهد الله لا يرضاها الإنسان لعدوه، أقول: يا رب، لو يعلم الناس قوانين الله عز وجل.
التقيت مع إنسان قال لي: أنا عمري ست وتسعون سنة، أجريت البارحة تحاليل كاملة، قال لي: كلها طبيعية، قال: والله يا أستاذ، الحرام لا أعرفه، لا حرام النساء، ولا حرام المال.
التقيت مع إنسان في بلد إسلامي قال لي: أنا كنت أعمل عتالاً في سوق الخضرة، الآن هو من أكبر تجار الخضراوات في ذلك البلد، عنده خمسون أسطول شاحنة براد للفواكه، قال: والله ما فاتني في حياتي فرض صلاة، ولا أكلت قرشاً حراما.
أيها الإخوة الكرام، لو تعرفوا قوانين الله عز وجل، لو تعرفوها ترون التوفيق والحفظ والتأييد، والنصر، إياك أن تقترب من الحرام، الحرام مدمر، وكل إنسان يقترب منه، ويأخذه عنده تصور خاطئ، تصور المبلغ الكبير، وكيف يستمع به، وينفقه، ويشتري به بيتاً جديداً، يوسع بيته، فإذا بالمال يذهب سدى، ويبقى العقاب الأليم.
فلذلك أيها الإخوة، ما من سلوك جيد، أو سيئ إلا ووراءه تصور وعقيدة، لذلك كانت هذه الدروس في العقيدة أخطر شيء في الدين، فإن صحت عقيدتك صح عملك، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة، وإن فسدت عقيدتك فسد عملك، فشقيت في الدنيا والآخرة.
مثلاً: كلمة ( الله غفور ) يجب أن يكون التصور الصحيح أن الله يغفر الذنوب بعد أن تؤمن، وبعد أن تتوب، وبعد أن تصحح الخطأ السابق، قال تعالى:
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
( سورة النحل)
تصور آخر: قد يتصور الإنسان أنه إذا حج إلى بيت الله الحرام عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا حديث صحيح، لكن لو لزم دروس العلم، وتلقى العلم عن علماء كبار متمكنين ورعين لأنبؤوه أن حقوق العباد لا حج، ولا مليون ركعة، ولا صيام الدهر يلغيها، حقوق العباد مبنية على المشاححة، لكن حقوق الله مبنية على المسامحة.
حينما تتصور أن الله لا يغفر لك في الحج إلا ما كان بينك وبين الله، وأن الله لا يغفر لك في الصيام إلا ما كان بينك وبينه، وأن الله لا يغفر بالتوبة النصوح إلا ما كان بينك وبينه صح تصورك، فأديت الحقوق لأصحابها، بدل أن تقول: أنا حججت، والله غفر لي، هذا وهم وتصور خاطئ، حقوق العباد لا تغفر إلا بالأداء والمسامحة.
أحياناً تتصور أن هذا الشيخ أفتى لي، إن شاء الله برقبته، لا، لو استطعت أن تنتزع من فم سيد الخلق وحبيب الحق فتوى نطق بها بفمه الشريف نطق بها، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله، هذا التصور الصحيح، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))
[ البخاري]
أنا أمام أمثلة كثيرة جداً، أحياناً تتصور مفهوم الشفاعة تصور خاطئ هذا التصور الخاطئ يدفعك إلى ارتكاب المعاصي اعتماداً على شفاعة النبي لك يوم القيامة، أحياناً تتصور المغفرة أن الله غفور رحيم، يا رب اغفر لي، بلا ثمن، بلا سبب، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
( سورة الزمر)
لكن: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾
( سورة الزمر)
تصورات غير صحيحة في العبادات:
هذا التصور الصحيح، لذلك أيها الإخوة، مفهوم الحج يحتاج إلى تصور صحيح، قضية أنه أنا ذهبت إلى هناك، أم عقدت توبة نصوحا في الحج، قضية العمرة يجب أن تملك لها تصورا صحيحا، قضية الصلاة، أنا صليت، لكن هل صلاتك حجزتك عن الحرام، ونهتك عن الفحشاء والمنكر ؟ هل الصلاة عند الله مقبولة ؟ يجب أن تملك التصور الصحيح للصلاة والزكاة والحج والصيام والشهادة أن لا إله إلا الله.
مثلاً: هناك وهم: يكفي أن تنطق بالشهادة للجنة، لا، أبداً، ليس هذا صحيحاً، (( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
[ البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ ].
يجب أن تملك تصورا صحيحا عن الصلاة.
الصيام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
[البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
يجب أن تملك تصوراً صحيحاً عن الحج:
(( من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ رواه الشيرازي وأبو مطيع عن عمر ].
إنفاق المال يجب أن تملك عنه تصورا صحيحا، قال تعالى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
( سورة التوبة )
الإسلام بناء شامل متكامل:
نجاحنا أيها الإخوة، فلاحنا، سعادتنا، سلامتنا، تألقنا أن نملك تصورا صحيحا عن الدين، وقد يكون التصور خطيرا جداً، الدين يختصر عنده بأداء الصلاة والصيام والحج والزكاة، لكن بيته غير إسلامي، احتفالاته غير إسلامية، عقد قرانه غير إسلامي، عمله فيه غش، عمله فيه مادة محرمة، عمله فيه كذب، عمله فيه احتيال، عمله فيه احتكار، هذه مشكلة المسلمين الأولى، يتصورون الدين أن تصلي الصلاة، هذه أحد أركان الدين، والخمسة أركان ليست هي الدين، (( بني الإسلام على خمس ))
[ متفق عليه عن ابن عمر ]
الإسلام بناء هذه أركان الإسلام، الإسلام بناء أخلاقي، الإسلام استقامة، الإسلام عفة، الإسلام ورع، الإسلام أمانة، المسلم إذا حدثك فهو صادق، إذا عاملك فهو أمين، إذا استثيرت شهوته، فهو عفيف.
إن خطأ المسلمين في التصور جعلهم في مؤخرة الأمم، فهموا الدين عبادات شكلية فقط، يضع المصحف في مركبته، وفي عيونه يبحلق في محاسن النساء، والمصحف للبركة، يكتب في محله التجاري:﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًاً مُبِيناً ﴾
وفيه غش وكذب، واحتيال ومادة محرمة، وصفقة محرمة، هذه المشكلة، تصور خاطئ عن الدين، فما لم يكن التصور صحيحا لم تكن هناك استقامة.
مثلاً: مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تطيعه وتخسر، هذه حقيقة، إن كان عندك هذا التصور تركل بقدمك مبلغا فلكيا، لأنه حرام، وتقبل بمبلغ محدود لأنه حلال.
من التصور الخاطئ أنك تريد امرأة جميلة بارعة الجمال، لا يهمك دينها، تقبل عليها وتتزوجها، تعيش معها جحيماً لا يطاق، لأنك ما صدقت رسول الله،
(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
هناك تصور خاطئ: يتصور أن المرأة البارعة تسعده، تسعدك امرأة تعرف الله مؤمنة، ترعى حقك وحق أولادك.
الدرس واسع جداً، المسلمون مع الأسف الشديد يملكون تصورا خاطئا عن حقيقة دينهم، تصوروه ديناً شعائرياً، دينك بعيادتك، دينك بمكتبك الهندسي، دينك بدكانك، دينك بمعملك، دينك بحقلك، يضع مادة مسرطنة تكبر حجم الفاكهة، وهو يصلي، العمل يتناقض مع الصلاة، هذه مادة مسرطنة، أنت تؤذي الناس، مستشفى فيه أدوية مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وأدوية يمكن أن تصيب المريض بالموت المفاجئ، وهناك ثلاث حالات موت، والمستشفى له جو ديني، تدخل فتقرأ: ﴿وَإِذَا مَرِضَتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
والأدوية التي تستخدمها مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وهناك حالات وفاة شيء مخيف، فلما فصل المسلمون دينهم عن سلوكهم فهموا الدين شعائر، ما فهموه سلوكا، فهموا الدين أداء عبادات شعائرية، ما فهموه ورعا، ولا دقة في المعاملة
من قوانين الحياة المعقدة:
أيها الإخوة الكرام، الحياة معقدة جداً، في الحياة المعقدة يمكن أن تستنبط قوانين، أن الإنسان إذا كذب يربح، أحياناً يشتري قماشا من بلد غير جيد في الصناعة، يحضر شريطا ذهبيا كتب عليه: صنع في إنكلترا، بالمكواة يثبته على القماش، يظن حاله ذكيا، تأتي امرأة فيبيعها قماشا على أنه قماش من أرقى دولة، سعره عشرة أضعاف بهذه الحاشية التي وضعها هو بنفسه على القماش، يظن نفسه ذكيا، تأتي الجمارك فيدفعونه سبعمئة ألف مثلاً، من أين أتت المشكلة ؟ لأنه تصور أن الله لا يعلم، ولن يحاسب والله يعلم، ويحاسب.
أيها الإخوة، دققوا في تصوراتكم، فأيّ تصور خاطئ معه سلوك خاطئ.
من شواهد سير الصحابة في صحة التصور:
مع سيدنا كعب بن مالك:
أيها الإخوة، كشاهد من السيرة حول صحة التصور:
أحد الصحابة، وهو سيدنا كعب تخلف عن رسول الله في الجهاد، حينما عاد النبي من تبوك حضره همه، ماذا يقول له ؟ يقول عن نفسه: أنا أوتيت جدلاً، بالتعبير المعاصر عنده قوة إقناع، وهذه ملَكة كبيرة في الإنسان، هناك إنسان يقنعك بأفكاره، مع أن أفكاره غير صحيحة، لكن عنده قوة إقناع قوية جداً، فلما اقترب النبي من المدينة وقع هذا الصحابي في صراع شديد، يكذب عليه، يقدر أن يعطيه تعبيرا أو تفسيرا أو وقائع يقتنع النبي بها، لكن الذي حصل أنه يملك تصورا صحيحا، قال: لقد أوتيت جدلاً، ولأن خرجت من سخطه ليوشكن الله أن يسخطه علي، قال: فأجمعت صدقه، تصوره أن هناك إلها، مهما كنت ذكياً فالله عز وجل بالمرصاد، أنا أوتيت جدلاً، أوتيت قوة إقناع، بإمكاني أن أذكر له قصة لم تكن مقنعة، فيقول: معك حق، انتهى الأمر، فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام، واستقبل الذين تخلفوا عنه ثمانين رجلاً، وكل واحد أدى عذرا رائعا، والنبي قبِل أعذارهم، هم منافقون تخلفوا في الجهاد، فلما جاء النبي استقبلوه، وذكروا له أعذاراً مقنعة، وقبِل النبي أعذارهم، جاء دور سيدنا كعب قال: والله يا رسول الله، ما كنت في حالة أقوى ولا أشد، ولا أغنى حينما تخلفت عنك، لكن لا عذر لي، كان مني تقصير، النبي لماح قال: أما هذا فقد صدق، ثمانون رجلا كذبوا، والقصة معروفة، كيف الصحابة بأمر إلهي حاربوهم، وصاروا بالقمم، قال تعالى:
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى﴾
( سورة التوبة)
قال: والله لقد أوتيت جدلاً، إن خرجت منه بهذا الجدل ليوشكن الله أن يسخطه علي، هذا التوحيد.
صحة التصور أساسها التوحيد:
أيها الإخوة، صدقوا أن صحة التصور أساسها التوحيد، الله لا يغفل، كل شيء بحسابه، أعرابي سأل النبي موعظة بإيجاز شديد، قال: عظني، ولا تطل، تلا عليه النبي فقرة من سورة، قال: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال: كفيت.
إذاً: البطولة أن تملك تصوراً صحيحاً، أن الله بيده كل شيء، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الموفق، هو الحافظ، هو الناصر، هو كل شيء، عليك أن تطيعه، لذلك:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
( سورة الزمر)
لك مهمة واحدة ؛ أن تعبده، وعلى الله الباقي، لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، اقلق على نفسك ما إذا سمح لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.
الموضوع العلمي:الحكمة من تذكية الذبيحة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1396/05.jpg
أيها الإخوة الكرام، تعودنا أن نعالج موضوعاً في الإعجاز العلمي، لكن دائماً نحن إذا قرأنا آية قرآنية فيها إعجاز نقول: هذه إعجاز، لكن في الحديث الشريف قد يكون فيه ما يشبه الإعجاز، لكن نسميه نحن من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
النبي عليه الصلاة والسلام وجهنا إن ذبحنا الدابة أن نذبحها من أوداجها فقط، دون أن يقطع رأسها، حديث شريف ليس في الأرض كلها لا في مشارقها، ولا في مغاربها مركز علمي متقدم بإمكانه أن يحلل، ويبين حكمة هذا التوجيه، نبي أمي نشأ في الصحراء، يقول لنا: لا تقطعوا رأس الذبيحة، اقطعوا أوداجها فقط، مضى مئة عام، مئتا عام، خمسمئة عام، ألف عام، ألف وثلاثمئة عام، ألف وأربعمئة عام، وليس في الأرض كلها جهة علمية يمكن أن تفسر هذا التوجيه إلا قبل عقدين من الزمن، فقد ثبت أن قلب الإنسان العضو النبيل التي تتوقف الحياة على نبضاته، لأنه عضو نبيل وخطير جداً، لا يتلقى أمراً بالنبض من الشبكة العامة، بل يتلقى أمراً بالنبض من مركز فيه مستقل عن الشبكة العامة في مركز كهربائي القلب يعطي أمراً بالنبض، إذا تعطل هذا المركز فهناك مركز آخر، إن تعطل الثاني هناك مركز ثالث، ثلاث بطاريات، والإنسان قد يصاب بإضراب بالنبض، فيضعون له بطارية بقلبه، لاضطراب بالنبض، هذا القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر ذاتي، لكن هذه النبضات لا تزيد على الثمانين، لكن الإنسان، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾
( سورة التين)
هناك آلية معقدة، يمشي الإنسان في الطريق، فوجد ثعبانا، صورة الثعبان انطبعت على شبكية العين إحساساً، فانتقلت إلى الدماغ مركز الرؤية، هناك ملفات للثعبان، درس العلوم، سمع قصتين أو ثلاثا، سمع من جدته قصة أن الثعبان في بيت عربي دخل إلى متحف، فوجد بعض الثعابين مصبّرة عنده لما صورة الثعابين انتقلت من الشبكية إلى الدماغ في الدماغ، قرأت قراءة في ضوء ملفات الثعابين، الدماغ ملك الجهاز العصبي أدرك الخطر، فأعطى أمر لملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية عندها وزير داخلية اسمه الكظر، فوق الكلية، أعطت له أمرا أن يواجه الخطر، الكظر أعطى أمرا للقلب فرفع النبض مئة وثمانين، ارتفاع النبض مئة وثمانين من أين يأتي ؟ يأتي بدءاً من الدماغ إلى الغدة النخامية إلى الكظر إلى القلب، إنسان يكون وراءه عدو، أو يصعد درجا، أو يحمل حملا ثقيلا يحتاج إلى طاقة أكبر، الطاقة الأكبر تحتاج إلى دم أغزر، والدم الأغزر يحتاج إلى سير أسرع، والسير الأسرع يحتاج إلى نبض أعلى، هذا شأن الإنسان.
الأمر الذاتي للقلب ذاته ثمانون نبضة، أما الأمر الاستثنائي فمئة وثمانون، يأتي من الدماغ للكظر للدماغ للنخامية للكظر للقلب، ومعظم الحيوانات التي نعيش معها لها النظام نفسه.
هذا الخروف إن قطعت رأسه كلياً يبقى الأمر النظامي ثمانين نبضة، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم، وثمانون ضربة لا تكفي لإخراج الدم كله، يخرج ربعه، فتبقى الدابة زرقاء مكتنزة، يصعب نضجها، أما لما تقطع الأوداج فقط فيبقى الرأس متصلا، الآن أنت سمحت للآلية المعقدة الثانية أن تعمل، من الرأس للنخامية للكظر نبض القلب مئة وثمانون نبضة، الدم كله يخرج، عندئذ تسمى هذه الدابة دابة مذكّاة، يعني خرج دمها كله، إذاً: قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
( سورة النجم)
لي صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري لحماً، بمهمة رسمية، فلما طالبهم بذبح على الطريقة الإسلامية رفعوا السعر، هذه الدابة فيها ثمانية كيلو دم، فإذا ذبحنا على طريقتكم نخسر هذا الوزن، إذاً: هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى عشر )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -4- طبيعة الانسان قبل ان يؤمن







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس العقيدة والإعجاز، ومع الدرس الثاني عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في درس سابق إلى موضوع الفطرة، وهي إحدى مقومات التكليف، ولنتابع في هذا الموضوع. مقدمة:الإنسان خصائصه وأحواله قبل أن يعرف الله:
أيها الإخوة الكرام، القرآن الكريم كلام الله، وحي السماء، كلام الخبير، كلام العليم، كلام الذي خلق الإنسان، كلام الذي يعلم السر وأخفى، في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن حقيقة الإنسان، وقد تنتمي موضوعات هذه الآيات إلى ما يسمى في العصر الحديث بعلم النفس الإسلامي، فهذا الإنسان المخلوق الأول ما حقيقته ؟ ما جوهره ؟ ما طبيعته ؟ ما خصائصه ؟ ما أحواله ؟ ما الذي يسعده ؟ ما الذي يشقيه ؟ ما خصائصه قبل الإيمان ؟ ما خصائصه بعد الإيمان ؟ متى يسلم ؟ متى يسعد ؟ متى يرقى ؟ متى يسقط، هذه قضايا دقيقة جداً القرآن الكريم، عالجها، ولكن العلماء لهم أحياناً توجه، بأن كلمة الإنسان إذا جاءت معرفة بـ ( أل ) تعني الإنسان قبل أن يؤمن.
1 – هلوع:
مثلاً، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج)
خصائص الإنسان قبل أن يؤمن:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج)
فقبل أن يؤمن، وقبل أن يتصل له خصائص، وبعد أن يؤمن، وبعد أن يتصل له خصائص أخرى، على كلٍّ، من خصائص الإنسان آيات كثيرة، اخترت لكم بعضها.
2 – ملتجِئٌ إلى الله في الضرّاء:
من هذه الآيات الكريمة: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ﴾
(سورة يونس)
الإيمان بالله مركب في أصل فطرته، فذا أصابه الضر يدعو الله وحده، بل إنني سمعت قصة عجيبة، هي أن طائرة تقل خبراء من بلاد رفعت شعار ( لا إله )، ركاب هذه الطائرة لا يؤمنون بالله أصلاً، ملحدون، دخلت هذه الطائرة في سحابة مكهربة، فاضطربت، وكادت تسقط، فإذا بهؤلاء الخبراء يرفعون أيديهم إلى الله متوسلين. ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ﴾
(سورة يونس)
كذلك الذي يركب البحر، فإذا اضطرب الموج، قال تعالى: ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة يونس)
إن الإنسان حين الشدة في أصل فطرته يتجه إلى الله، لكن ما بطولة المؤمن ؟ أن يعرفه في الرخاء، أن يعرفه وهو على الأرض، قبل أن يكون راكبًا طائرة، أو باخرة، أن يعرفه وهو صحيح قوي نشيط، أن يعرفه وهو شاب، لذلك المؤمن يعرف الله في الرخاء، وغير المؤمن يعرف الله في الشدة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1397/01.jpg
حدثني أخ قال لي: في بلدة إسلامية عاصمة كبيرة فيها حوالي خمسة عشر مليونًا، أصابها زلزال، أقسم لي أن المصلين في المساجد ضاقت بهم المساجد في الصلوات الخمس، الحرم لا يكفي، الصحن لا يكفي، الأروقة لا تكفي، صلى الناس خارج المسجد في أثناء الزلزال، لكن بعد أن نسي الناس الزلزال عادوا إلى ما كانوا عليه، لذلك لا تفرح لإيمان يأتي عند الشدة، هذا الإيمان سريعاً ما يذهب، يأتي ويذهب، افرح بإيمان ثابت مستقر مستمر، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾
(سورة يونس)
أحياناً ترتفع حرارة الابن الصغير، يشم من بعض أقوال الأطباء أنه مرض عضال، التهاب سحايا، فالأب يصلي، ويدعو، ويدعو، ويدعو، فإذا زال المرض وعاد الشفاء إلى الصغير يقول لك: هذا طبيب ماهر، والأدوية فعالة، وينسى أنه دعا الله عز وجل، هذه خصيصة من خصائص الإنسان قبل أن يعرف الله.
3 – يَئُوسٌ كَفُورٌ:
شيء آخر، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾
( سورة هود)
إيمانه بالله لا يكفي لفهم حكمة هذا الحدث، حتى إنهم قالوا: " من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر "، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ﴾
(سورة هود: الآية 9)
صحة، دخل كافٍ، زوجة، أولاد، منصب رفيع. ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ ﴾
(سورة هود: الآية 9)
لا يفهم أن لهذا النزع حكمة، الله عز وجل يقول: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
(سورة آل عمران)
فإيتاء الملك خير، ونزعه خير، والإعزاز خير، والإذلال خير:

﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
(سورة آل عمران)
إذاً: حينما تنزع منه هذه الرحمة إنه ليئوس كفور، يقنط من رحمة الله، أما المؤمن فلا يقنط، لا ييئس، لا يشعر بالإحباط، يرى أن هناك حكمة بالغة، يقول: يا رب، أنا راض بقضائك وقدرك، أنا راض بما أنا فيه، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، (( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف ]
بطولتك لا تبدو في الرخاء، تبدو في الشدة، والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وإذا أحب الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.
إذاً: لا يمكن أن يكون المؤمن يئوساً ولا كفوراً، لذلك أخطر شيء يصيب الأمة أن تهزم من الداخل، أن تيئس، أن تحس بالإحباط، أن يقول المسلم: انتهينا، لما ننتهي الله معنا، ولن يترنا أعمالنا.
أيها الإخوة الكرام. ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾
(سورة هود)
يغلب على الإنسان قبل أن يؤمن أنه يؤوس، ويغلب على الإنسان قبل أن يؤمن أنه كفور، لكن المؤمن متفائل شكور، لأن الله عز وجل طمأننا، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
(سورة التوبة)
لم يقل: علينا، خط البيان المؤمن صاعد صعوداً مستمراً، بل إن الموت نقطة على هذا الخط الصاعد، ويستمر هذا الخط صاعد بعد الموت، لذلك من نعم الله الكبرى على المؤمن أن نعم الآخرة تتصل بنعم الدنيا.
3 – خَصِيمٌ مُبِينٌ:
قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾
(سورة النحل)
يكون نطفة لا ترى بالعين يستحيا بها لو كانت على الثياب، هذه النطفة تخرج من عورة، وتدخل في عورة، ثم تخرج من عورة، ويكون طفلا جميلا في بطن أمه، ثم وليدا يحتاج إلى عناية، إلى تنظيف، إلى إرضاع، فإذا صار شخصية مرموقة بدأ ينشر أفكار الكفر والإلحاد، ويقول: أنا، وإنسان العصر، والتأله، قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾
(سورة النحل)
يستخدم طلاقة لسانه وبيانه في تفنيد بعض ما في الدين من حقائق، زاعماً بأنه حر التفكير، لا يخضع لشيء إلا لعقله، ونسي أن الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴾
(سورة المدثر)
إلى آخر الآية.
4 – وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ:
ومن خصائص الإنسان قبل أن يؤمن الحديث اليوم عن الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ﴾
(سورة الإسراء)
يلوح له مكسب مادي، وفيه شر، وفيه حساب، ويعقبه عذاب ومساءلة، وقد ينتهي إلى النار. ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ﴾
(سورة الإسراء)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1397/02.jpg
إقبال الناس على الدنيا، على مالها حلالاً أو حراماً، على نسائها نكاحاً أو سفاحاً، إقبال الناس على الدنيا من دون أن ينتبهوا إلى مشروعية عملهم، أو عدم مشروعيته، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا ﴾ً
(سورة الإسراء)
المؤمن يسعى إلى أهداف بعيدة، يسعى إلى الجنة، والجنة بعد الموت، يتحمل في الدنيا كل شظف، وكل عيش خشن في سبيل مبادئه وإيمانه ونقائه، ويرفض أي دخل فيه شبهة، يرفض أية امرأة لا تقيم شعائر الله، يرفض أي منصب لا يستطيع أن يوظفه لخدمة الخلق، بعيد عن المكاسب المادية، مؤمن بما عند الله، لذلك لأنه آمن بالله، وآمن باليوم الآخر نقل أهدافه الكبرى إلى الآخرة، فيتحمل كل متاعب الحياة من أجل أن يبقى منيباً لله، مطيعاً له، قال تعالى: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا ﴾ً
[ سورة الإسراء]
لذلك المؤمن يختار هدفاً بعيداً، يختار الآخرة، بينما غير المؤمن يختار الدنيا، الشيء العجول الذي أمامه، حق أو باطل، خير أو شر، مشروع أو غير مشروع، يرضي الله، أو يسخط الله، يريد المال، يريد المنصب، يريد المتع، هكذا الإنسان قبل أن يؤمن، اختياره حسي، اختياره مادي أحياناً.
5 – وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ:
يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾
[ سورة الإسراء]
يعني بادر بالأعمال الصالحة، قال عليه الصلاة والسلام:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ مفاجآت كبيرة، معك وكالة لشركة سحبت منك، معك مشروع تجاري لأسباب طارئة أصابه الإخفاق، أعلنت إفلاسك ـ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ كاد الفقر أن يكون كفراً ـ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ غنى حملك على معصية الله.
سمعت عن أخت كريمة مؤمنة مستقيمة محجبة، لها زوج له دخل محدود، سافر إلى بلاد حيث المال والغنى، فجمع ثروة جيدة، أرسل لها رسالة: إن لم تأت إلي بأحدث صرعة من صرعات الأزياء فلن أستقبلكِ، ما اسم هذا الغنى ؟ الغنى المطغي.
يبادر بالأعمال الصالحة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك ]
أيها الإخوة الكرام، مستحيل، وألف ألْف ألف مستحيل أن تستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، لا بد في أحد الأيام، وهذا نخضع له جميعاً من طارئ يطرأ على الصحة، وقد يكون هذا الطارئ سبب الموت، أنا أسميه بوابة الخروج، في المطار بوابات، وفي الدنيا بوابات، البوابة التي تخرج منها من الدنيا إلى الآخرة هي مرض الموت.
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك]
﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾
(سورة الإسراء)
نسي الله، نسي واجباته الدينية، نسي الآخرة، نسي المرض، نسي العقاب، نسي البلاء، نسي أن الله له بالمرصاد، نسي أنه في قبضة الله. ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾
(سورة الإسراء)
أما المؤمن فيزداد في الرخاء إقبالاً على الله، يزداد في الرخاء محبة لله، فإذا لحكمة بالغة تحولت عنه هذه النعمة، هو شاكر وراض عن الله.
إن إنسانًا كان يطوف حول الكعبة يقول: يا رب، هل أنت راضٍ عني ؟ كان الإمام الشافعي يمشي رواءه، قال له: " يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال: أنا محمد بن إدريس، قال: كيف أرضى عن الله، وأنا أتمنى رضاه ؟! قال: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ". ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾
(سورة الإسراء)
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾
(سورة الإسراء)
6 – وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا:
ومن صفات الإنسان قبل أن يؤمن أنه قتور، يحرص على ما في يديه لا ينفق حتى أنه يعيش فقيراً ليموت غنياً بل إن الشح مرض خبيث من أمراض النفس، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
(سورة الحشر)
لذلك: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
لا ينفق، يده ليست سحاء، يده قابضة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
إذاً: الإنسان لا ينفق، يجمع الأموال، والله هناك قصص لبخلاء هم في غباء لا يوصف، يعيش أحدُهم مقتراً على نفسه، والله هناك أناس حينما ترى حالهم البائس تتوقع أنهم فقراء، وقد تحدثك نفسك أن تعطيهم مساعدة، فإذا هم يملكون الملايين، لكنه قتور، كيف عندنا في الجسم أمراض خبيثة عضالة قاتلة مميتة ؟ الشح مرض يصيب النفس، مرض عضال قاتل مهلك، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً ﴾
(سورة الإسراء)
الإنسان حريص على ما في يديه، يتمسك بما في يديه.
7 – وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا:
أيضاً أيها الإخوة الكرام، من صفات الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
(سورة الكهف )
جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، تلا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فقرة من سورة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال: كفيت، اكتفى بجزء من سورة، اكتفى بآيتين، قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ً﴾
( سورة النساء )
ألا تكفي ؟
قوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
( سورة فصلت: الآية 46)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى: ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
( سورة سبأ )
ألا تكفي ؟
قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾
( سورة الرحمن)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه)
ألا تكفي ؟
قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
ألا تكفي ؟
ستمئة صفحة، كل آية قانون وقاعدة ومبدأ، ومنهج ودستور، ومع ذلك يقرؤون القرآن، ولا يعملون به، عندها يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ورُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ))
[ ورد في الأثر]
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
يحب المجادلة، يحب المماحكة، يحب الكلام الفارغ، يغرق في الجزئيات، ينسى مقاصد الشريعة، ينسى سر وجوده وغاية وجوده، يدخل في خصومات، في موضوعات صغيرة جداً.
إنّ مسجدا في عصور قديمة اختلف رواده على صلاة التراويح، أهي ثماني ركعات، أم عشرون، فتجادلوا، ثم تماسكوا، ثم تراشقوا التهم، وكان فيه عالم جليل، أصدر فتوى بإغلاق المسجد، قال: لأن التراويح سنة، ووحدة المسلمين فرض. ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
مرة ألقيت كلمة في مناسبة عقد قران، فذكرت أن النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر كان أصحابه لا يزيدون على ثلاث مئة إلا بقليل، والرواحل قليلة، ما الحل ؟ هو قائد الجيش، هو زعيم الأمة، هو سيد الخلق، هو حبيب الحق، فقال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، لقطة رائعة جداً، ما هذا التواضع ؟ قائد الجيش، زعيم الأمة، قمة المجتمع، رسول الله يسوي نفسه مع أقل جندي، قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فلما انتهت كلمتي، وجلست في مكاني كان إلى جانبي رجل يعمل في الدعوة، قال: هناك خطأ، قلت: أين الخطأ ؟ قال: الرواحل كانوا ثلاثمئة وأربعة عشر، الرقم الآن غير معني إطلاقاً، المعني أن ثلث هذا العدد رواحل، فالنبي قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة.
أحيانا ترى الإنسان غارقا بالجزئيات، لدرجة أنه نسي الكليات، ونسي مقاصد الشريعة. ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف)

والله أيها الإخوة الكرام، الجدال ليس ممدوحاً في القرآن الكريم، نحن في عصرنا المطلوب هو الحوار، أما الجدال ففيه مماحكة، حتى يقول الإمام الغزالي: " ما جدلت عالماً إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني ".
إذا قلت: الأعور نصف بصير، أليس كذلك ؟ والأعور نصف أعمى، الآن في الرياضيات إذا كان حدان يساويان حداً مشتركاً فهما متساويان، نصف البصير يساوي أعور، ونصف الأعمى يساوي أعور، وعندنا حد واحد مشترك يساوي الحدين، إذاً: الحدان فيما بينهما متساويان، إذاً: نصف الأعمى يساوي نصف البصير، اضرب باثنين الأعمى كالبصير.
في القرآن بالعكس، هل يستوي الأعمى والبصير ؟ بالجدل استويا، عند شخص عنده نفَسٌ طويل للجدال. ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
تسعة أعشار وقته في مناقشات وجدل لا يقدم ولا يؤخر، آدم كان طوله ستين مترا، إذا كان ستين، وإذا كان مترين، ماذا يبنى على هذا الحكم ؟ عندنا قاعدة مهمة جداً: أيّ قضية في الدين لا يبنى عليها حكم فهي باطلة.
مرة سألني أخ على الإذاعة قال: كيف قَتل قابيل هابيل ؟ قلت له: بمسدس ستة ميلي، مَن كان وقتها ؟ أنا أشعر عند شخص أسئلة سخيفة جداً لا تقدم ولا تؤخر.
مرة أخ كريم ألف كتابًا عن مرض النبي عليه الصلاة والسلام الذي توفي به، قال لي: ما رأيك ؟ قلت له: هل تسمح أن أقول لك رأيي ؟ قلت له: لا جدوى منه، النبي عليه الصلاة والسلام مات، كيف مات ؟ موضوع صغير، لو ألفت كتاباً في وصايا النبي الصحية لانتفعنا منه جميعاً، هو مات، مات بالتهاب سحايا، مات بأي مرض، لذلك القاعدة: أيّ قضية في الدين لا يبنى عليها حكم شرعي ننتفع به لا جدوى منها، بل في رأي آخر قضايا التاريخ كلها، دعك من المتخصصين، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
( سورة البقرة: 134)
ما الذي يعنينا أن نستورد حوادث تاريخية، ثم نتقاتل من أجلها، ثم تسيل الدماء، والخلافات القديمة، الفتنة ماذا تنفعنا ؟ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة البقرة: 134)
التاريخ كله بهذه الآية، ينتهي الجدال فيه، لنا هدف واضح، والوسائل واضحة، ونحن قادمون على دار آخرة فيها جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفذ عذابها.
إذاً: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
8 – أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى:
أيها الإخوة، محور الدرس: طبيعة الإنسان قبل أن يؤمن، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
هل يستقيم إيمانك حينما ترى في الأرض أقوياء وضعفاء وفقراء، وظالمون ومظلومون ؟
لا بد من الحساب:
إنسان عاش عمرا مديدا، وإنسان مات في سن مبكرة، امرأة وسيمة جداً، وامرأة دميمة جداً، وتنتهي الحياة، ولا شيء بعد الموت !!! أيعقل هذا ؟ أيستقيم إيمانك بهذا ؟ قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
أن يأتي طاغية يفني بحرب عالمية ثانية خمسين مليون إنسان بقرار منه، يدير حربا عالمية، وتنتهي الحياة، ولا شيء عليه ؟!
إنسان ألقى قنبلة ذرية على اليابان، الذي اصدر قرار بإلقاء القنبلة لا شيء عليه، وتنتهي الحياة هكذا ؟! ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
ما من حساب، ولا إله يحاسب، والله الذي لا إله إلا هو مرة ثانية، ما من قطرة دم تراق من آدم إلى يوم القيامة إلا ويتحملها إنسان يوم القيامة: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه ]
فكيف بمن يبيد أمما، مليون قتيل، أربعة ملايين مشرد، مليون معاق، بقرار واهم، من أجل شيء لم يعثر عليه، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
زوج ظالم يسحق زوجته، يبالغ في إذلالها وإهانتها، وضربها وأخذ أموالها، ثم يطلقها، وتنتهي الحياة هكذا ؟!
إنسان يتاجر بالمخدرات، يفسد شباب الأمة، وينتهي الأمر هكذا !؟
إنسان يدير ملهى يفسد به الشباب والرجال والسائحين، وتنتهي الحياة هكذا !؟
قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
( سورة القيامة )
كأنه يحسب، هذا يظن القضية بقوته وبغناه، وبقراره، ولن يحاسب.
9 – فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ:
قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

( سورة الفجر)
يقوم بسياحة حول العالم، يرتكب المعاصي والآثام كلها، يقول لك: إذا أحب عبده أراه ملكه، من قال: إن الله يحبك ؟ إذا أحب عبده أطلعه على ملكه، من فندق إلى فندق، ومن فاحشة إلى فاحشة، ومن ملهى لملهى، ومن نواد ليلية إلى نوادٍ ليلية، ويقول لك: إذا أحب عبده أطلعه على ملكه، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
( سورة الفجر)
لولا الله أن يحبني لما جعلني غنياً، لا، الله أعطى المال لقارون، وهو لا يحبه، قال تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾

( سورة القصص الآية: 81)
أعطى الملك لفرعون، وهو لا يحبه، فلذلك أيها الإخوة، الإنسان غير المؤمن ساذج، يستند إلى أشياء مضحكة، لأنه جعله غنيا يعد الغنى محبة من الله، لأنه جعله قويا يعد القوة محبة من الله.
10 – كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى:
ومن صفات الإنسان قبل أن يؤمن: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق
ما دام قويا وغنيا، وبيده الأمور، أب قوي، أمره نافذ، معه سلاح الطلاق أمام زوجته، معه سلاح الحرمان لأولاده، أمره نافذ، ينسى أن الله سيحاسبه. http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1397/03.jpg
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
لذلك المؤمن دائمُ الافتقار إلى الله، ولو كان غنياً، ولو كان متمكناً، يقول: يا رب، تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين.
في بدر الصحابة افتقروا إلى الله فانتصروا، لكن في حُنين، وهم علية القوم، وهم صفوة الله من خلقه، وفيهم رسوله، قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

( سورة التوبة
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
11 – إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ:
الإنسان قبل أن يعرف الله خاسر، أيّ إنسان، قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
لماذا هو خاسر ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
تصوروا إنسانا عمره عند الله سبع وستون سنة، وثمانية أشهر، وثلاثة أسابيع، وأربعة أيام، وخمس ساعات، وثمانية عشر دقيقة، وأربع ثوان، هذا عمره، كلما مرت ثانية يقترب من عمره، لأن مضي الزمن يستهلكه. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
مضي الزمن يستهلكنا جميعاً، بعد مئة عام في الأعم الأغلب لن نجد واحداً فوق الأرض، كلنا تحت الأرض، قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾

( سورة الإنسان )
مرة راجعت شريطا فيه إجابات آلية على الهاتف، سمعت هذه الإجابات أكثر من عشرة أشخاص في هذا الشريط ماتوا، وأحيانا دليل الهاتف، كل مرة تشطب اسما مات، فلذلك:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
طبعاً إلا الذين آمنوا، بعد الإيمان هناك وصف آخر، أما الحديث اليوم فعن حقيقة الإنسان قبل أن يؤمن، فهو خاسر، عنده تسعون مليار دولار ( بيل غيت )، هو خاسر، أنت وكيل شركة عملاقة، أرباحك اليومية مليونا ليرة، خاسر، هذا كلام الله، أنت عندك وكالة حصرية، خاسر، عندك ألف دنم، الدنم بخمسة آلاف، ثمن الدنم خمسة ملايين، أنت خاسر، الرقم فلكي، الآن هناك أراضٍ من خمسة آلاف إلى خمس ملايين، ارتفعت، يقول لك: بيته في الجنة، فوق الرياح، هذا كلام فارغ. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
( سورة العصر )
لأن هناك الموت، والانقطاع.
12 – لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
في ضعف، أيّ خثرة دم تشله، أنت وعظَمتك ومكانتك، وهيمنتك وحجمك المالي، وشهاداتك الكثيرة ومناصبك العديدة، كل عظمة الإنسان مرتبطة بسيولة الدم، فإذا تجمدت خثرة صغيرة لا ترى بالعين في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل.
الإنسان قوته وحجمه المالي، ومكانته وهيمنته، ومناصبه ومكتسباته، وشهاداته وسيرته الذاتية، وكم بلدا زار، وعضو في عشرين أو ثلاثين جمعية، حضر أربعين مؤتمرا، كله منوط بنمو الخلايا، فإذا نمت نمواً عشوائياً يأتي النعي على الجدران، عظم الله أجركم، انتهى.
لذلك: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
أحياناً يبقى طريح الفراش ثلاثين سنة، أحياناً يموت في ثانية، وبلا سبب ظاهر، سكتة قلبية، سكتة دماغية: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
الإنسان أقل سبب ينهي له حياته.
أعرف قريبًا طالبا طب، من أسرة راقية جداً، وبيت علم، حدث معه فقر دم، وغذاؤهم جيد جداً، فقر دم، لم يدَعوا طبيباً، بعد ذلك النتيجة أن هذا الطحال هذا مقبرة كريات الدم الحمراء، فالكريات الميتة يموت في الثانية مليونان ونصف مليون كرية، هذه الكريات تذهب إلى الطحال، تحلل إلى عواملها الأولية، تحلل إلى هيموغلوبين، يؤخذ إلى الصفراء، وتحلل إلى حديد، يعاد تصنيعه في معامل نقل الدم.
هذا القريب مات بمرض، أن الطحال له نشاط زائد، بدل أن يأخذ الكريات الميتة، ويحللها يأخذ الميتة والحية، نشاط زائد أنهى حياة إنسان.
الإنسان تحت رحمة هرمون تفرزه الغدة النخامية، الغدة النخامية وزنها نصف غرام، ملكة الغدد، كل هرمون لو قلّ إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
الإنسان سريع العطب.
أعرف رجلاً مركز التنبيه النوبي للرئتين عنده تعطل، يجب أن يبقى طوال الليل كي يتنفس تنفساً إرادياً، وإلا يموت، أنت تنام نوماً عميقاً، التنفس يجري آلياً، لكن هذه نعمة كبيرة جداً، فلا ينام أبداً، إذا نام يموت فوراً، يجب أن يبقى ساهراً، شهيق وزفير، اكتشفوا دواء يأخذ كل ساعة حبة، غال جداً، فعنده أربع منبهات إذا أراد أن ينام الساعة الحادية عشرة يبرمج المنبهات على الساعة الثانية عشر، يأخذ حبة، والساعة واحدة حبة، الساعة الثانية حبة، ثلاثة حبة، أربعة حبة، للصباح، له ابن جاء من أمريكا من فرحه الشديد المنبهات أصدرت صوتاً لم يسمعها، فوجدوه ميتاً صباحاً، مركز التنبيه النوبي بالمخيخ تعطل، لابد من أن تبقى ساهراً كي تتنفس: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾
( سورة البلد )
فالإنسان ضعيف، والإنسان يطغى أن رآه استغنى، والإنسان في خسر، والإنسان عجول، الإنسان يتوهم أنه يترك سدى، وهذا كله من ضلال الإنسان قبل الإيمان.
خلاصة الإنسان قبل الإيمان:
أيها الإخوة الكرام: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
حدثني أخ كان مضيفا بطائرة دخلت في سحابة مكهربة، فتحطمت واجهة الطائرة، وتعطل جهاز الرادار، وكادت أن تسقط، قال لي: أوضاع الركاب شيء مخيف، بعضهم يبكي، بعضهم يندب حظهم، بعضهم يصرخ بويله، بعضهم يمزق ثيابه، بعضهم يقول: يا ولدي، قال لي: غير معقول، الطيار اضطرب جداً، قال له: هدئ الركاب، قال له: ما استجابوا، قال له انتقِ شخصًا من الركاب، فوجد شخصاً جالسا بشكل هادئ، ساكت، فاختاره، فوجده مغمى عليه، الإنسان شيء مخيف: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
14 – وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا:
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
( سورة النساء )
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
( سورة الكهف )
في هذا اللقاء الطيب تحدثت عن آيات كريمة تصف الإنسان قبل أن يعرف الله، هذه صفاته، أما إذا عرف الله صار إنساناً آخر .

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث عشر )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -5- التطابق والتوافق بين منهج الله وبين فطرة الإنسان







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. التطابق بين منهج الله وفطرة الإنسان:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/01.jpg
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدروس السابقة إلى موضوع الفطرة، وإلى حقيقة الإنسان قبل أن يعرف الله عز وجل، ولكن في هذا الدرس نحن في حاجة إلى بحث دقيق متعلق بالفطرة، وهو هذا التطابق العجيب بين منهج الله وفطرة الإنسان، وأن الإنسان إن لم يتبع منهج الله فما الذي يحصل، وإن اتبعه فماذا يحصل ؟ هل هو تطابق أم تخالف ؟ 1 – تشريعات الله متوافقة مع النفس البشرية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/02.jpg
أيها الإخوة، كنت أضرب هذا المثل: لو جئنا بخارطة مجسمة، ووضعنا حولها إطاراً، وصببنا مادة سريعة التجمد، وبعد التجمد فتحنا القالب عن شقه الآخر، نرى تطابقا مئة في المئة على مستوى عُشر الميليمتر، خارطة مجسمة، والمادة أمامنا، التطابق مئة في المئة، أي أن أيّ شيء أمرَ الله به لو طبقته لارتاحت نفسك، ولو خالفته لشعرت بالضيق، فأنت من حيث خصائصك النفسية متوافق تماماً مئة بالمئة مع منهج الله.



2 – تطبيق أوامر الله راحة للنفس وسكينة لها:
حينما تصطلح مع الله بتطبيق منهجه تصطلح مع نفسك.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/03.jpg
والله أيها الإخوة، في نفس المؤمن المطبِّق لمنهج الله من الراحة النفسية، من الطمأنينة، من السكينة، من الاستقرار، من الرضى، من الشعور بالفوز، من صلاح البال، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الدليل: قال تعالى:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 )
تطمئن.
أنت صادق، والله يأمرك أن تكون صادقا.
أنت عفيف لا تتطلع على عورات المسلمين، تغض البصر، فإذا غضضت البصر عن امرأة لا تحل لك تشعر بانتصارك، فأنت صاحب إرادة، ولست عبداً لشهوتك، أنت سيد لها.
حينما تقول الحق ولو كان مُراً تشعر بانتصارك على ذاتك، وتشعر بعزة، فكلما طبقت منهج الله شعرت بالتفوق. 3 – الإنسان مجبول على حب السلامة والسعادة والتفوق:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/04.jpg
بالمناسبة أنت مجبول على حب سلامتك وعلى حب سعادتك، وعلى حب التفوق.
سيدنا يوسف، هذا النبي الكريم عدّ العلماء أكثر من عشرة أسباب تدعوه إلى الاستجابة لامرأة العزيز، فهو شاب، غريب، غير متزوج، تدعوه سيدته، ليس من صالحها أن تقول كلمة، هو معذور، هذا الإنسان قال: معاذ الله، كان عبداً، فأصبح ملكاً، ولو ـ افتراضاً ـ جمع شاب مع فتاة دعته إلى نفسها، واستجاب لها لسقط في الوحل، وانتهى، ما الذي رفع هذا النبي الكريم إلى الأوج ؟ عفته.


4 – الفطرة تحب الخير:
الفطرة تحب العفة، الفطرة تحب الصدق، الفطرة تحب الوفاء http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/05.jpg
الفطرة تحب الإحسان، الفطرة تحب الرحمة، أنت دون أن تشعر إن رأيت عملاً رحيماً تذوب فيه، إن رأيت وفاءً، إن رأيت صدقاً، إن رأيت تضحية، الذي يعجبك في الناس مطابق لفطرتك.
والله أيها الإخوة، لولا الفطرة لما تاب أحد من ذنبه، يقول الإنسانُ: أي ذنب عملت ؟ لكن أشد الناس انحرافاً يعرف أنه منحرف، فيتألم أحياناً، ويندم، ويبكي أحياناً، أكبر معاونة لك من قِبل الله أنه فطرك فطرة عالية، فإذا أخطأت عذبتك فطرتك، للتوافق التام بين الفطرة ومنهج الله.
قد تجد إنسانا فقيرا ضئيل الشأن، خشن الطعام، خشن الثياب، يسكن في بيت كأنه كوخ، لكنه مستقيم، رافع الرأس، عزيز النفس، متفائل، واثق من الله عز وجل، وقد تجد إنسانا يملك الملايين، لكنه دنيء النفس، يحتقر ذاته.
5 – بين احترامِ الذات واحتقارِها:
أيها الإخوة الكرام، هناك مصطلح اسمه احترام الذات، أو احتقار الذات http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/06.jpg
قد تكون في أبهى زينة، وقد تكون في أقوى موقع، وقد تكون في أكبر ثروة، لو أن فيك خيانة وكذبا ودجلا ونفاقا وتجميع الأموال من ابتزاز أموال الناس، ومن إدخال الرعب على قلوبهم، فمثل هذا الإنسان منهار من الداخل، يحتقر ذاته، ومهما عظمه الناس، مهما بجلوه، مهما رفعوه، مهما تأدبوا أمامه فهو يحتقر ذاته، أما حينما يكون صادقاً أميناً، لا يخون، لا يكذب، لا ينافق، قد يكون ضئيل الشأن، قد يكون من عامة الناس، لكنه يشعر بعزة الكمال، وعزة الاستقامة، من هنا الدعاء الشريف:
((... وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ... ))
[ أبو داود عن الحسن بن علي ]
6 – حبُّ الكمال من الفطرة، والكمال من الصبغة:
يجب أن نعلم علم اليقين أنك مبرمج وموَلّف ومفطور ومجبول على الكمال، وأن تحب الكمال لا يعني أن تكون كاملاً، فحب الكمال شيء http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/07.jpg
هذا فطرة، وأن تكون كاملاً شيء آخر، هذه صبغة، الصبغة أن تصطبغ بالكمال الفطرة أن تحب الكمال، أهل الأرض من دون استثناء يحبون الكمال، وقد لا يعني هذا أنهم كاملون، لكن المؤمنين حصراً الذين اتصلوا بالله عز وجل، واستقاموا على أمره هم كُمَّلٌ، اصطبغوا بالكمال، هذا الكلام مفاده أن هناك تطابقاً مذهلاً بين أدق دقائق الشرع وجبلة الإنسان، فأيّ إنسان أطاع الله عز وجل نقول له: أنت اصطلحت مع نفسك.
أحياناً تلتقي مع إنسان شهم كريم عفيف، يحس بعزة، والله أقول له: كأنك ملِك.
إنّ رجلا أوصل أم سلمة من مكة إلى المدينة دون أن ينظر إليها، يقود جملها، وبعد مرحلة متعبة ينيخه ويبتعد، التاريخ لا ينسى له هذا الموقف، إنه رجل في عزة.
يا أيها الإخوة الكرام، اعلم علم اليقين أن الله برمجك على كمال أمرك به، فإن فعلت الكمال وجدت نفسك، واصطلحت معها، وارتحت راحة نفسية لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
7 – تطبيق مبادئ الفطرة السليمة طريق السعادة والفلاح:
الآن التوافق حينما تأتي أفعالك مطابقة لفطرتك، حينما تصدق، وقد أمرت أن تكون صادقاً http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/08.jpg
حينما ترعى العهد، وقد أمرت أن تفعل ذلك، حينما ترحم، وقد أمرت أن ترحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، تشعر بشيء لا يوصف، تسميه تجليًّا، أو سكينة، أو رحمة، أو رضى، أو سرورا، أو غنى، فهو شعور بالغنى على شعور بالرضى، وبالراحة، وبالسكينة، وبالتماسك، وبقوة الشخصية، وبرفع الرأس عالياً، لأنك طبقت منهج الله أو وفي الوقت نفسه اصطلحت مع نفسك، فصار الوفاق.
أيها الإخوة الكرام، هل هناك رجلٌ واحد لا يبحث عن السعادة ؟ السعادة في طاعة الله، وتطبيق مبادئ فطرتك، السعادة في أن تصطلح مع الله، وحينما تصطلح مع الله دون أن تشعر تصطلح مع نفسك، حينما تصطلح مع نفسك دون أن تشعر تصطلح مع الله، لأن منهج الله وخصائص نفسك متطابقان تطابقاً تاماً، هذا أول قسم في الموضوع.
8 – تطبيق مبادئ الفطرة طريق العزة والكرامة:
القسم الثاني طبقت المنهج لا يستطيع أحد أن ينال منك، هذا عز الطاعة، قال تعالى: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/09.jpg

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26) ﴾
( سورة يونس )
معي شواهد كثيرة:
أنت تحب أن تكون موظفا في الدرجة العاشرة، تحب أن تكون كاتبا، مراسلا، عاملا على الهاتف، تحب أن تكون رئيس دائرة، أو معاون وزير، تحب أن تكون مليونيرا، تحب أن تكون مديوننيرا، أنت عزيز، كريم، رحيم، واثق من الله عز وجل، فالتوافق يعني مؤمنا اصطلح مع نفسه، يقول لك: مؤمن سعيد، يقول لك: مؤمن قوي الشخصية، مؤمن عزيز، مؤمن متواضع، مؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم، هذا التوافق. 9 – معظم الأمراض النفسية بسبب الخروج عن مبادئ الفطرة:
لا سمح الله ولا قدر التعارض انهيار داخلي، اختلال توازن، احتقار للذات، شعور بالذنب، كآبة، إحباط، ردود قاسية، تصرف غير حكيم، من نتائج عدم الانسجام مع النفس، والعياذ بالله الذين يبنون مجدهم على أنقاض الناس، أو غناهم على إفقار الناس، أو قوتهم على إضعاف الناس، أو عزهم على إذلال الناس http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/10.jpg
هم أشقى الناس، لأنهم اختل توازنهم، فهم في قلق، في خوف من المجهول، في ردود فعل قاسية جداً، ليس لهم حكمة أبداً، هناك آلاف الشواهد، الذي انسجم مع فطرته هادئ وديع، الأمور عنده ميسرة، حياته بسيطة غير معقدة، كلامه لطيف، أعصابه متينة، حليم، أما حينما يقف موقفا عنيفا بلا مبرر يكون فيه غليان داخلي، واضطراب داخلي، وقلق داخلي، وخوف داخلي، خوف من المجهول.
مِن أطرفِ ما سمعت في ألمانيا أن فندقا كُتِب على السرير: " إذا لم تَنَمْ هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكنها في ذنوبك، إنها كثيرة ".
إذا كان الإنسان مستقيما يقول لك: ما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى غرقت في نوم عميق، يقول: فلان نائم على ريش نعام، لا ذنب له، ما أكل مال أحد، ما ظلم أحدا، ما كذب على أحد، ما نافق، ما سبّب انهيار أسرة، ما ابتز أموال الناس، ما أخافهم، ما أرهبهم، نائم على ريش نعام، والذي يبني مجده على أنقاض الناس ما إن يضع رأسه على الوسادة فتبدأ متاعبه، يقول لك: إنسان ببذل الجهد يحس بضيق في الصدر http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/11.jpg
هذا معه تضيّق، وهناك أشخاص معهم تشنج، في الراحة يشعر بضيق الصدر، ينام، ويقول: أنا ضائق الصدر، معي شيء ليس طبيعيا، لما كان النهار فهو مشغول بالعمل، ولما آوى إلى الفراش استيقظت أمامه ذنوبه وأخطاءه فأقلقته، فشعر بالضيق، وأحياناً الشدة النفسية تضيق الأوعية، يقول لك: ارتفاع ضغط تشنجي، وارتفاع ضغط وعائي، وأحيانا الوعاء تضعف مرونته من ترسب مواد دهنية حوله، فالذي معه تضيق حقيقي يظهر هذا الألم على الحركة، والذي عنده ذنوب كثيرة يظهر هذا الألم عند النوم، لأنه حينما يأوي إلى الفراش بدأ يحاسب نفسه، بدأت فطرته تعذبه، ما الذي يحصل ؟ الذي يحصل أن الإنسان إذا خالف منهج الله وخرج عن مبادئ فطرته، وأساء للخلق، ابتز أموالهم، اغتصب بيتا، اغتصب شركة، اغتصب حقوق موظف عنده، هو قوي، ولفّق له تهمة، وطرده، وما أعطاه تعويضا، وله معه مبالغ ضخمة متراكمة، قال له: ما لك عندي شيء، وقال له: أنت خنتني، والموظفون يسكتون لأنهم يخافون منه، أما هو في أعماق أعماقه اعتدى عليه، وأكل ماله، وشوه سمعته، وطرده، فترى صاحب هذه المؤسسة عنده قلق، عنده قلق من المجهول، عنده خوف من لا شيء، عنده قسوة غير معقولة، عنده ردود فعل قاسية جداً، لأن حدث له اختلال توازن، وشرخ عميق، واحتقار للذات، وشعور بالذنب وكآبة.
صدقوا أيها الإخوة الكرام، تكاد تكون معظم الأمراض النفسية وراء خروج على مبادئ الفطرة.
نحن درسْنا في الجامعة في علم النفس أو في الصحة النفسية مرضا اسمه: ( الهستيريا )، طبعاً باللغة الدارجة تستخدم لرجل مختل التوازن مجنون مهستر، أما في المصطلح العلمي الهستيريا شلل لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية.
قصص من واقع الناس في اختلال التوازن:
القصة الأولى:
تُروى قصة في بريطانية ؛ أن إنسانا مريضا استدعى طبيبا عنده فتاة جميلة جداً، هذا الطبيب خان الأمانة، وتحرش بالفتاة، فأصيبت يده بالشلل، شعوره بالذنب أنه إنسان عمله إنساني، جاء إلى بيت ليسعف مريضا أغرته هذه الفتاة فتحرش بها، واليد التي تحرش بها شلت، هذا المرض شلل عضوي لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية، لا حل له إلا أن يعمل عملاً بطولياً حتى ينسى هذه الخيانة.
القصة الثانية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/12.jpg
حدثني أخ من بلد مجاور أن إنسانا أرسل ابنه إلى البقالية الساعة الثانية في الليل بمنطقة في شمال بيروت، فإذا سيارة مسرعة دهسته، ومات فوراً، لكن في الساعة الثانية ما لم يكن هناك شرطة ولا شهود ولا أحد، كتبت هذه الحادثة ضد مجهول، والذي دهسه نجا من كل مسؤولية، أول يوم ما قدر أن ينام أبداً، ثاني يوم ما نام، مضى عشرون يوما ما نام لحظة، التقى مع طبيب نفسي، قال له: لن تستطيع النوم، نفسك تعذبك، طفل مثل الوردة دهسه، وخاف من المسؤولية فهرب، لكن هناك حساب النفس، قال: ليس هناك حل ثانٍ إلا أن ترسل لأهل هذا الطفل الذي كنت سبباً في موته الدية، ولتكن مجزية من أجل أن تنام.
والله أيها الإخوة، إذا ما انتبه إنسان لنفسه يُعذَّب عذابًا لو أخطأ، لو أكل حقوق الناس، لو طلق زوجته ظالماً، أنا والله لا أرى أكثر حمقًا ممن يستهين بمحاسبة النفس، حتى إنه أقيم استبيان، ووزعوه على مئة زوج، لماذا لا تخون زوجتك ؟ جاءت الأجوبة وصنفت تصنيفا أخلاقيا: أدنى الأجوبة: لا أستطيع، لأنها معه في العمل، هناك جواب أرقى: لا أتحمل الشعور بالذنب، الخيانة ذنب كبير، وأرقى من هذا: لا أحب الخيانة. من نتائج التوازن النفسي في الإنسان:
اختلال التوازن النفسي سبب للتعلُّقِ بالعقائد الفاسدة:
أيها الإخوة، لما يختل توازنُ الإنسان يلجأ إلى ما يلي: إلى التعلق بعقيدة فاسدة، فأيّ فكر يغطي انحراف الإنسان، ويعفيه من المسؤولية يتشبث به، فإذا قدّم الرجلُ بضاعة مغشوشة للمسلمين، بضاعة غذائية، حليبا مضافا إليه الماء، هو في قرية ما عنده ثقافة، عنده مشكلة في الداخل، حضر درس علم، الموضوع عن الشفاعة، يطرب لهذا البحث طربا أيّما طربٍ:
(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ))
[ الترمذي عن أنس ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/13.jpg
أمّن نفسَه، لأنه تعلق بهذا الموضوع غير الصحيح، الحديث صحيح، لكن الشفاعة لها بحث طويل ودقيق، وقد يفهمها الناس فهماً ساذجاً، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾
( سورة الزمر )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ:
(( يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))
[ مسلم ]
(( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
لكن الذي ألقى هذا الكلام في المسجد ضعيف المعلومات، ما عنده إمكانية أن يحلل، فأوهم الناس أن أيّ إنسان يشفع له النبي، ويغفر الله له ذنوبه، والإنسان الذي يغش الناس تمسك بهذا الحديث، وتعلق بهذا الدرس، ورواه لمئة إنسان، هل سمعت ما قال الشيخ ؟ ما هذا الدين العظيم ! لأنه غطى له انحرافه، ولما يخالف الإنسان فطرته يتعلق بأي نص ضعيف، بأي فكرة غير صحيحة، بأي تفسير ضعيف، بأي رأي شاذ، بأي فتوى ضعيفة، حتى يرتاح.
كنت أقول دائماً: يمكن أن تصدق فكرة ليست صحيحة، ولا تبحث عن الدليل إطلاقاً، كمثل إنسان أراد أن يشتري سيارة، وله صديق آخر أراد أن يشتري سيارة، الآخر اشترى، والأول ما اشترى، بعد يومين سرت إشاعة في البلد أن ثمة مشروع قانون أو مرسومًا بتخفيض الرسوم خمسون بالمئة، رسوم السيارة مئتا ألف صار مئة، الذي اشترى يكذب، ويقول: هذا غير صحيح، سمعناها مليون مرة، ولم يحدث شيء، كله كذب، التكذيب يريحه، والذي ما اشترى يقول: أعوذ بالله، كيف يكون هذا كذبا ؟! البلد بحاجة إلى تخفيض رسوم، أنا واثق أن الكلام صحيح. فلا الأول طالب بالدليل، ولا الثاني، لكن الأول أزعجه الخبر، فدافع عن نفسه بتكذيبه، والثاني أراحه الخبر، فتشبث به، فأيّ إنسان ينحرف بأخلاقه وسلوكه دون أن يشعر يتعلق بأي فكرة دينية ضعيفة غير صحية، لأنها تريحه.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/14.jpg
شارب الخمر يفتح القرآن فيقرأ قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ (90)﴾
( سورة المائدة ).
يقول: الله ما حرمه، بل قال: ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
هذا أمر إرشادي، هات آية الخمر فيها حرام ؟ صار الإنسان فقيها، لأنه قال:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
ارتاح، إذاً: الخمر ليس حراما.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/15.jpg
إنّ أيّ إنسان ينحرف يأكل الربا، ويقول: الله ما حرم الربا إلا بأضعاف مضاعفة، الدليل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (130) ﴾
( سورة آل عمران ).
فأنا آخذ بالمئة خمسة.
لما ينحرف الإنسان، ويختل توازنه، وينكشف أمام نفسه يحاول أن يعيد التوازن بتعلقه برأيٍ شاذٍّ، بفتوى ضعيفة، باستنباط شخصي، برأي منحرف يتمسك به.
لذلك اسمعوا هذه الحقيقة، أنا لا أوافق أبداً أن يظهر على الشاشة ملحد مع مسلم، الملحد يدلي بأدلة على أن الإله غير موجود، الذي عنده رغبة أن يكون ملحدا يعجبه الدليل، ولا يصغي للرد إطلاقاً، ويسمع عشرات الملايين الكلام الباطل، هذه مشكلة كبيرة، لذلك لا تقبل أن تكون طرفا في مناظرة، ولو كنت أقوى من الطرف الآخر، لكن الذي يعجبه اتجاه الطرف الأول يأخذ أدلته على أنها يقينية، ويتمسك بها.
أول ظاهرة من ظواهر اختلال التوازن التعلق بعقيدة زائغة. الطعن في الصالحين:
والظاهرة الثانية الطعن في الصالحين: هو غير مستقيم، يقول لك: لا أحد مستقيم.
مرة سألت طالبا: أين وظيفتك ؟ قال: لسنا كاتبين كلنا يا أستاذ، قلت له: أنت كم واحد ؟ إذا قال: لست كاتبا لها، فهو وحيد، إذا قال: لسنا كاتبين يريد أن يوسع الغلط حتى يرتاح.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/16.jpg
لو كنت عالم نفس ترى ردود فعل الناس عندما يرتكبون المعاصي والآثام، وحينما يسألون تسمع أشياء مضحكة، يقول لك: لولا أن المرأة لها أن تظهر مفاتنها، وهذا شيء شرعي لما كان من موجبٍ لغض البصر، شيء جميل، هذا فقه جديد، إذا كان له زوجة متفلتة تبرز كل مفاتنها للناس، يفكر لماذا هناك غض بصر، لأنه مسموح للمرأة أن تبرز كل مفاتنها، إذاً: غُضَّ بصرك !!!
والذي يحب المال يقول: الله عز وجل جعل الزكاة فرضا من أجل أن نكون أغنياء، فإن كنا فقراء فقد عطّلنا هذه الفريضة !!! يا الله، لو أن إنسانا خالف منهج الله عز وجل تخرج منه أفكار غير معقولة إطلاقاً.
مرة قال لي إنسان: النصب مقرَّرٌ في القرآن، ما هذا الكلام ؟ قال: قال تعالى:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾
شيء عجيب أيها الإخوة، حينما تخالف فطرتك، حينما تخالف منهج ربك أول شيء تتعلق عقائد زائغة، وبأحكام باطلة، وفتاوى شاذة، وآراء فقهية ضعيفة.
والشيء الثانية: تطعن في الصالحين، وكلّ إنسان مهما تألق، مهما ارتقى عند الله، مهما أخلص، مهما أناب، مهما تواضع فله مآرب، يقول: لا تعرفون شيئًا، يشكّك بكل شيء، وصدّق هذا شيطان، يشكك بأي إنسان، لا يصدق إنسانا مستقيما، ولا إنسانا يخاف من الله، تريدون دليل: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ (24) ﴾
( سورة المؤمنون).
اتُّهِم نبي كريم أن دعوته من أجل الاستعلاء والهيمنة.
أول شيء: الطعن في الصالحين.
الشيء الثاني: التعلق بعقائد زائغة. الحل لمشكلة اختلال التوازن:
هل هناك حل حقيقي لاختلال التوازن ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/17.jpg
أن تتوب إلى الله، الخطأ تب منه، ترجع سويا.
عندنا ثلاثة حلول، حل سوي صحيح يرضي الله، أن تعود إلى الصواب، وأن تقبل بالصواب، وأن تتوب إلى الله، وأن ترجع إليه، فإن كان فيك توازن مختل يُرَمَّم، أو كآبة تزول، أو حاجة إلى طبيب نفسي تنتهي هذه الحالة، أو وساوس ترتاح منها، أو شعور بالانهيار يرمم هذا الشعور بالتوبة، بالصلح مع الله، أما أن تقيم على هذه المعصية فلا بد من أن تفكر تفكيرا آخر، فتشكّ بكل إنسان، لأن الذي يشك هو غير مستقيم.
تذكية الذبيحة: أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى موضوع علمي عنوانه: تذكية الذبيحة. 1 – عدمُ قطع رأس الذبيحة حكمةٌ بليغة:
النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا نذكي الذبيحة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/18.jpg
أيْ أن نجعل دمها يخرج منها كله، عن طريق أنه نهانا عن أن نقطع رأسها، بل أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، لماذا ؟ لا نعرف، الأمر بقطع أوداج ومعظم مسالخ العالم تعلق الدابة من رجليها، ويقطع رأسها، فلا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بعد مئة عام، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وأربعمئة عام هناك جهة في الأرض تستطيع أن تفسر هذا الأمر.
شيء ثابت عندكم جميعاً أن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ليست من اجتهاده، ولا من خبرته، ولا من بيئته، ولا من معطيات عصره، ولا من ثقافته، إن هي إلى وحي يوحى.
2 – التعليل العلمي لعدم قطع رأس الذبيحة:
لماذا أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، والمسلمون في شتى بقاع الأرض الذبح عندهم دون قطع رأس الدابة، بل يبقى موصولاً، التعليل العلمي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/19.jpg
لأن القلب أنبل أعضاء الإنسان، ولأنه إذا توقف انتهت حياة الإنسان، ولأنه من أعضائه النبيلة جعل الله له مركزاً كهربائياً يعطيه الأمر بالنبض، فالقلب ما له علاقة بالشبكة العامة، له علاقة بكهرباء ذاتية، تماماً كمستشفى تجرى فيها عمليات قلب مفتوح، والمريض حينما يفتح صدره توصل أوعيته بقلب صناعي، ويخدر القلب، ويجرى فيه العمل الجراحي، بعد أن ينتهي هذا العمل يصعق القلب صعقة كهربائية فينبض، ويعود الدم من القلب الصناعي إلى القلب الطبيعي، لو أن الكهرباء قطعت في هذه المستشفى لتوقف القلب الصناعي ومات المريض، إذاً: أي مستشفى فيها عمل جراحي تحتاج إلى مولّدة خاصة.
القلب البشري يتوقف حياة الإنسان على نبضه، لذلك الله عز وجل زوده بمركز كهربائي ذاتي يعطي الأمر بالنبض، لو تعطل هذا المركز فهناك مركز ثانٍ، لو تعطل الثاني فهناك مركز ثالث، ثلاثة مراكز، الأول هو الأصل، والثاني والثالث هما الاحتياط، إلا أن هذه المراكز الثلاثة لا تعطي إلا الأمر النظامي ثمانين ضربة في الدقيقة، والإنسان قد يكون حاملا لأثقال، يصعد درجا عاليا فيحتاج إلى نبض أعلى، يحتاج إلى مئة وثمانين نبضة، القلب ينبض من ثمانين الحد الأدنى إلى مئة وثمانين نبضة، كيف ينتقل القلب للنبض العالي ؟
آلية النبض الاستثنائي عند الإنسان:
هناك آلية معقدة جداً أوضحها لكم عند الإنسان، بعدها ننتقل إلى الدابة، إذا مشى الإنسان في بستان، ورأى أفعى ماذا يحدث ؟ صورة هذا الثعبان تنطبع على شبكية العين إحساساً، إلا أن الشبكية لا تقرأ الصورة، ثم تنتقل للدماغ إدراكاً، في الدماغ مفهومات الثعبان، هذه جمعت من دراسته، من قصص سمعها، درس في كتاب العلوم درساً عن الأفاعي والثعابين، ساهمت هذه المعلومات في تكوين الأفعىhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/20.jpg
الدماغ يدرك حقيقة هذا الشيء، الدماغ ملِكُ الجهاز العصبي، أدرك الدماغ أن هناك خطراً قاتلاً، هناك ملكة هي ملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية ملكة، وزنها نصف غرام، تفرز تسعة هرمونات، كل هرمون لو تعطل إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، ملك الجهاز العصبي يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني أن تواجه عن طريق ضابط اتصال هو تحت السرير البصري خطرَ الأفعى، هذه الملكة توجه أمراً هرمونياً إلى غدة الكظر، وهي غدة فوق الكلية كي تواجه الخطر، ماذا تفعل غدة الكظر ؟ هي مكلفة بمواجهة الخطر، ترسل أول أمر إلى القلب برفع النبض من ثمانين نبضة إلى مئة وثمانين نبضة ليواجه الخطر، فالخائف لو قست نبضه لوجدتَه مئة وسبعين أو مئة وثمانين، ولأن هناك علاقة بين القلب والرئتين فلا بد للرئتين أن يرتفع وجيبُهما، لذلك هناك أمر ثانٍ يتجه من الكظر للرئتين، فيزداد وجيب الرئتين، فالخائف يلهث، الخائف عنده أوعية محيطية، هذه الأوعية تعطيه اللون الوردي، فهو خائف في هذه اللحظة الحرجة، ولا يحتاج للون وردي أبداً، يحتاج للنجاة، لذلك يأتي أمر هرموني للأوعية المحيطية فتضيق لمعتها، فيصفر لونه، فالخائف يصفر لونه، مثل الكهرباء أصفر، ثم الكظر يرسل أمرا للكبد بطرح كمية سكر إضافية للدم، لو فحصت دم خائف لوجدت سكره مئة وثمانين أو مئتين وخمسين، الأحوال الطبيعية خمسة وثمانين، السكر طاقة يحتاج إلى بذل جهد، وهناك أمر خامس هو طرح هرمون التجلط، هذا يتم في ثوانٍ، أمر للقلب، أمر للرئتين، أمر للأوعية، أمر للكبد، الآن القلب ينبض مئة وثمانين نبضة. آلية النبض الاستثنائي عند الحيوان:
الآن ننتقل إلى الدابة، نفس الجهاز، نفس الآلية، لما نقطع رأسها نعطل الأمر الاستثنائي لرفع النبض، لأن الرأس إذا بقي الرأس موصولاً فالأمر الاستثنائي جاهز، فحينما نذبح الدابة يرتفع النبض مئة وثمانين نبضة، وجميع الدم يخرج، ولو كان الرأس مقطوعا كان النبض ثمانين نبضة، فيخرج ربع الدم فقط، والدم مكان لكل الجراثيم والأوبئة والأمراض http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1450/ar-1450/21.jpg
لذلك الدابة لا تذكَّى إلا بإخراج دمها، ولا يخرج دمها إلا إذا بقي الرأس موصولاً، مَن علم النبي ذلك ؟ ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
هذا يندرج تحت دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
لكن أيها الإخوة الكرام، حدثني صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري اللحم صفقة للحكومة السورية، لما طلب الذبح بهذه الطريقة رفعوا السعر، فكان جوابهم: البقرة فيها ثمانية كيلوات من الدم، لو ذبحناها بهذه الطريقة لخرج الدم، وينقص الوزن ثمانية كيلو، ادفع لنا ثمانية كيلو زيادة بكل دابة، القضية واضحة، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمرنا لا نقطع رأس الدابة من أجل أن يكون دمها كله خارجاً منها عند الذبح.
إن هو إلا وحي يوحى:
إذاً: هو رسول الله، لم يستنبط هذا التوجيه لا من ثقافته، ولا من معطيات بيئته، ولا من اجتهاده. ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )



والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع عشر )


الموضوع : مقومات التكليف :الفطرة -6- الفرق بين الفطرة والصبغة وبين الطبع والتكليف









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. ( 1 ) بين الفطرة والصبغة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، والموضوع اليوم فرع من فروع الفطرة، وهو الفرق بين الفطرة والصبغة، وبين الطبع والتكليف.
1 – الفطرة متوافقة مع المنهج الرباني:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/01.jpg
أيها الإخوة الكرام، الفطرة جبلة النفس خصائص النفس، ما فطرت عليه النفس قال تعالى:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾
( سورة الروم: 30)
فخصائص النفس تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله مع أحكام الدين: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾
( سورة الروم: 30)
أي: إذا أقمت وجهك للدين، أي خضعت لكل أوامره، واجتنبت كل نواهيه فهذه الأوامر، وهذه النواهي هي نفسها الفطرة التي جبلت عليها. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾
( سورة الروم: 30)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/02.jpg
لكن قد يتبادر إلى الذهن أن الإنسان ما دامت فطرته كاملة فهو كامل، الجواب: لا، أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر، أن تحب الرحيم شيء، وأن ترحم شيء آخر، المؤمن الذي عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، واتصل به، واشتق منه الكمال يصبح رحيماً، فالرحمة صبغة صبغ بها من قِبل خالقه، أما قبل أن يؤمن، قبل أن يعرف الله، قبل أن يصطلح معه، قبل أن يستقيم على أمره في أصل تركيبه يحب الرحمن، يحب الرحيم، حتى إن أبعد الناس عن الله عز وجل يحب الموقف الرحيم، يحب الموقف العادل، يحب الإنصاف، يحب العدل، هكذا فطرنا، ولولا محبتنا للكمال لما عذبتنا نفوسنا إذا خرجنا عنه.
دقق أيها الأخ، لولا أن الله عز وجل فطر الناس فطرة عالية ما تاب أحد من ذنبه، لماذا يتوب ؟ لو توافقت خصائصه مع المعصية، مع الجريمة، مع الظلم، يظلم، ويعصي، ويأخذ ما ليس له، وهو في قمة الراحة النفسية، لكن لأنه فطر، ولأنه جُبِل، ولأنه بُرمِج، إن صح التعبير، وفق الكمال، فأيّ خروج عن هذه الخصائص تعذبه النفس، من هنا ظهرت الأمراض النفسية، المرض النفسي معاقبة الفطرة لذاتها، تعاقب الفطرة صاحبها إذا خرج عن مبادئها، وأكبر رادع، أكبر حافز إلى التوبة وطاعة الله هو الفطرة، يقول: لست مرتاحًا، لماذا هو لا يرتاح ؟ لأن فطرته تعاقبه على خروجه عن مبادئها.
نستنبط أنه سواء عصى الإنسان ربه، أو خرج عن مبادئ فطرته فالمؤدَّى واحد، والنتيجة واحدة.
2 – الصبغة كمال في الإنسان :
الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة من دون أن تنظر إلى أحد، من دون أن ترجو أحدا، من دون أن تخشى من أحد، أنت كامل، لا تفعل إلا الكمال.
مثلاً: لما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح سبعون ألف إنسان مسلم في يومين، أما لما فتحها صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ لم تُرَقْ قطرة دم واحدة، لأن الإنسان الموصول بالله مصطبغ بالكمال، و يقع الإنسان في صراع وشد ورد، وإقدام وإحجام، أما إذا كان مصطبغاً بكمال الله فهو في الأعماق.
صدق، ولا أبالغ، إذا اتصلت بالله عز وجل وحدك ومع الناس، في خلوتك وفي جلوتك، أمام مشاهد كثيرة أو أمام مشاهدين كثيرين، أو وحدك في البيت، لا تفعل إلا الكمال، لأن الكمال أصبح صبغة لك.
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (138) ﴾
( سورة البقرة)
أيها الإخوة الكرام، إذا لم يكن الفرق بين المؤمن و غير المؤمن فرقا صارخا فليس هذا هو الإيمان، ليس الإيمان الذي يظهر لأداء عبادات، ولكن الإيمان يظهر في كل دقيقة من دقائق حياتك، إن تكلمت فأنت صادق، إن حكمت فأنت منصف، إن قدرت فأنت تعفو http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/03.jpg
ولا يشد الناس إلى الدين إلا الكمال الذي ينبغي أن يتحلوا به، ولا يشد الناس إلى الإسلام صلاتنا ولا صيامنا، ولا حجنا ولا زكاتنا، يشد الناس إلى الإسلام صدقُنا وأمانتنا، ورحمتنا وإنصافنا، الموقف الأخلاقي له قوة تأثير مذهلة، فما الذي فعله النبي الكريم حتى قال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
كان صادقا، أمينا، رحيما، متواضعا، ما تكلم كلمة إلا طبقها، ما في قلبه على لسانه، والذي يقوله في قلبه حق وحقيقة.
إذاً: الإيمان يحتاج إلى جهد كبير، أما إذا جهدت، وتعرفت على الله، وطبقت منهجه، واتصلت به يغدو الأمر إليك سهلاً جداً، لا تظلم، لا تأخذ ما ليس لك، إن كنت تحت رقابة، أو من دون رقابة، إن كنت وحدك أو مع الناس.
قال ابن عمر لرجل: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال له الراعي: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ >>.
لعلك تقول: هناك مبالغة، إن لم يحبك الناس من أعماق أعماقهم ففي الإيمان خلل.
صور من الصبغة الأخلاقية في حياة الصحابة:
كنت أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهِموا الإسلام كما نفهمه نحن الإسلام لما خرج من مكة، ما الذي جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ؟ ما الذي جعل الناس يقبلون على هذا الدين إقبالاً منقطع النظير ؟ لأنهم يروا أناساً يتحركون وفق منهج الله المبادئ كبيرة جداً.
بين سيدنا عمر وجبلة بن الأيهم:
في عهد سيدنا عمر ملك اسمه جبلة بن الأيهم وأعرابي من قبيلة فزارة، بالتعبير المعاصر من الدهماء، من السوقة، من الطبقة الدنيا، يقف في حضرة عمر أمام جبلة نداً لند، جبلة ملِك دخل في الإسلام، فرحّب به عمر، طاف جبلة بن الأيهم حول الكعبة فداس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي اشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملِك جبلة، وقف أمامه نداً لند، وقال له:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة:
لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر:
أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
صعق جبلة.
قال:
كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
قال عمر:
نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها.
أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة:
كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر:
عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الدين.
قصة فتح سمرقند:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/04.jpg
هل من المعقول لجيش ضخم ذهب إلى سمرقند وفتحها واحتلها، إن شئت أن تقول: يذهب وفد سراً من سمرقند إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويخبر الخليفة أن فتح هذه المدينة لم يكن شرعياً، الفتح الشرعي أن يعرض الإسلام على أهل المدينة، فإن أسلموا فهُم منا ونحن منهم، ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو الإسلام، فإن أبوا يدعون إلى دفع الجزية، فإن أبوا يقاتلون، يبدو أن هذا الجيش تجاوز الشرط الأول والثاني، وفتح المدينة، تروي الروايات أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كتب على قصاصة ورق صغيرة، وأعطى أمراً لقائد الجيش أن يخرج هؤلاء الوفد، نظروا، القصة مثل الخيال، هم في الطريق يشككون، فلما وصلوا يأتي أمر من خليفة إلى قائد الجيش أن انسحب، واسلك الطريق الشرعي في فتحها، حينما أعطوا هذه الورقة لقائد الحملة قبلها، وأعطى أمرا بالانسحاب، قالوا: لا، نحن أسلمنا جميعاً، ما دام الأمر هكذا فيه عدل.
والله أيها الإخوة، نقرأ التاريخ أحياناً من شدة غرابته لا يصدق، العدل بهذه الرحمة، بهذا الصدق، بهذه الأمانة، هكذا فتحت البلاد، فتحت بالعلم، فتحت بالإحسان، فتحت بالرحمة، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطعمون الأسرى أطيب الطعام، ويأكلون أردأه، حتى أسلم الأسير، الفرق كبير جداً، لقد رضي الله المؤمنين، والآن لا تطمع من أحد أن يقتنع بالإسلام إن لم تكن كاملاً، إن لم تكن منصفاً، إن لم تكن رحيماً، إن لم تكن حكيماً، معك فكر، ومعهم فكر، تتكلم، ويتكلمون، تؤلف كتابا، ألفوا مئة كتاب، قضية معلومات ومناقشة وحوار قضية سهلة جداً، أما الموقف الأخلاقي فهو الموقف البطولي.
صحابي جليل وقصة الوفاء بالعهد:
هل من المعقول لصحابي جليل في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه، فقال لمن قبض عليه: عهدُ اللهِ إن أطلقتموني فلن أحاربكم، فأطلقوه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرّ به سروراً عظيماً، بعد سنتين هناك غزوة، هذا الصحابي دون أن يشعر نسي وعده، فانخرط مع الجنود، قال له النبي: ارجع، ألم تعاهدهم ؟ هذا هو الدين، الدين صدق، الدين أمانة.
الآن يا أيها الإخوة، ليس هناك شيء يشد الناس إلى الإسلام إلا أن يراك الناس بأعلى درجة من الصدق والأمانة والاستقامة.
النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان صادقاً، وكان أميناً، الآن يقول لك بعض المتطرفين: إن مال الكفار مباح لنا، من قال لك ذلك ؟ النبي عليه الصلاة والسلام لماذا وضع ابن عمه علياً رضي الله عنه مكانه في السرير ؟ ليؤدي الأمانات إلى أهلها، هذه أمانات من ؟ أمانات المشركين، لمَ لمْ يقل: هؤلاء مشركون، ومالهم حلالٌ لنا ؟ قال تعالى:
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾
( سورة المائدة)
والله أيها الإخوة، لما تعامِل إنسانا غير مسلم فعليك حساب مضاعف، لأنك إن أساءت إليه فهذا إنسان غير المسلم، لا يقول: فلان أساء إلي، يقول: الإسلام أساء إلي.
(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))
[ ورد في الأثر ]
إن أسأت إلى مسلم يقول لك: فلان أساء إلي، أما إذا أساءت إلى غير المسلم فيقول لك: المسلمون سيئون، فيعمم القول والتهمة، يتهم الدين كله بالتقصير.
قصة إمام في عصرنا:
يا أيها الإخوة الكرام، دائماً كنت أروي هذه القصة لأنها معبرة، إمام سكن في لندن، ثم نُقل إلى ظاهر لندن إلى مانشيستر، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له السائق التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، ودخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، يروي كاتب القصة وهو الإمام نفسه أنه وقع مغشياً عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
لما باع المسلمون دينَهم بتوقيع كاذب، بتصريح كاذب، لما اغتصب بعضهم بعضاً البيت أو الشركة انتهى الإسلام، الإسلام كفكر هناك فكر آخر يقابله، كمؤلفات هناك مؤلفات، كمحاضرات هناك محاضرات، أما إن لم تتميز عن بقية الناس بخلق قويم، بصدق وأمانة، بإنصاف ورحمة فلا أحد يلتفت إلى هذا الدين، وهذا الطريق الآن واضح جداً، يجب أن يرى الناس عظمة الإسلام من خلال السلوك، يجب أن يشار إليك بالبنان، يجب أن يقال: والله هذا إنسان عجيب، ما هذه الأخلاق ؟ إن لم يقل الذين حولك هذا الكلام فلا يمكن أن تقنع الناس بالإسلام.
قصة لمستأجر مع المؤجِّر:
كنت أروي قصة شابين على مقاعد الدراسة، الأول مسلم، والثاني غير مسلم، لما كبرا المسلم له دكان بسيطة بقالية، وغير المسلم صار من كبار تجار الأبنية، لما أراد هذا المسلم أن يتزوج خطر في باله أن يسأل صديقه ورفيق دراسته لعله يقدم له بيتاً أجرة، طلب منه بيتَ أجرةٍ، اعتذر، قال له: أنا ما عندي بيت للإيجار، أنا عندي بيت للبيع فقط، طلب منه ثانية، فاعتذر، والثالثة، يبدو أن المسلم بحاجة ماسة لبيت، وزواجه تعطل، والمشكلة كبيرة، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك، وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيامٍ ثلاثة، هذا الصديق غير المسلم تأثر من هذا الكلام، أعطاه بيتا في أحد أحياء دمشق، لما ارتفعت الأسعار ارتفاعا جنونيا صار للبيت قيمة كبيرة، فجاء من يشتريه، فجاء إلى المستأجر، وقال له: أنت وعدتني بالخروج بعد ثلاثة أيام، وجاء من يشتري البيت، أنا سأعطيك ستة أشهر، قال له: طيب، في اليوم الثالث طرق صاحب البيت، قال له: هذا المفتاح، صاحب البيت صعق، الآن الأمر ميسّر، أما قبل تعديل قانون الإيجار ما كان هناك أمل ولا بعشر سنوات أن تجد بيتا للأجرة إلا شراء، ما صدق، لما غادر المستأجر اتجه مالك البيت إلى البيت، ما صدق، فتح البيت فإذا هو فارغ نظيف مرتب صالح للسكن فوراً، صعق، لما غادر البيت فتح أحد الجيران الباب، قال له: بالله عليك هذا الجار الذي ترك البيت من أيام ثلاثة كم دفعت له حتى خرج ؟ قال له: ما دفعت له شيئاً، هو عاهدني، ونفذ عهده فقط، قال: لمَ السؤال ؟ قال: باع أثاث بيته كله بأبخس الأسعار، وسكن في الفندق، إنسان قدّر هذا العهد، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيام ثلاثة، القصة مثل الخيال، ذهب إليه، وقال: هذا البيت بيتك، وسوف أبيعك إياه بسعر اليوم الذي سكنته، وكل الأجرة الذي أخذتها منك أقساط من ثمنه، وأثاث البيت سأجدده لك على حسابي، لو أن الناس مثل هذا لما كانت أزمة سكن وأزمة إسكان، وأزمة ثقة.
الصبغة تطبيق عملي لما تعرف:
والله أيها الإخوة، لو طبقنا هذا الدين العظيم لكانت حياتنا جنة والله، اقرأ التاريخ اقرأ مواقف الصحابة، اقرأ التابعين، اقرأ عن الورع، والرحمة، والإحسان، الدين ما انتشر في العالم المعلومات، لا بإلقاء المحاضرات، ولا بالمؤتمرات، الدين لا ينتشر بهذه الطريقة، ينتشر أن تكون حياة المسلمين متميزة صارخة، هذا الفرق بين الفطرة والصبغة، الآن الناس في الأرض جميعاً البطولة يقدروها، الموقف العدل يقدرونه، الرحمة يقدرونها، هم لا يعدلون، ولا يرحمون، لكنهم يقدرون الرحمة والعدل، أما الصبغة فأن تكون رحيماً، وأن تكون منصفاً، وأن تكون وقافاً عند حدود الله، وما مِن قصة تهز مشاعرنا إلا إذا كانت تعبّر عن تمسك المسلم بإسلامه.
عندنا تجارب معاصرة لمثل هذا، ذكرت مرة أن بلد إسلامي طابعه علماني، لأن أحد رؤساء الوزراء أراد أن يؤذن باللغة العربية فشنق، ولأن نائبة في البرلمان وضعت على رأسها الخمار فسحبت منها الجنسية، وطردت من المجلس، إنه موقف عنيف جداً ضد المسلمين، لكن بعد حين قدمت خدمات عن طريق البلديات رائعة لأناس مسلمين، فقنع الناس بهذا الإسلام، وألغيت الرشوة، أنشأ السدود، قدمت خدمات كبيرة جداً، القصة طويلة، وهؤلاء الذين قدموا الخدمات ما تكلموا عن الإسلام ولا كلمة، لكن الأسعار انخفضت، والديون قلّت، وسعر العملة ارتفع، ثلاثة عشر ألف مومسا تابت وتزوجت، قدموا إنجازا حضاريا، الآن الأمر بيدهم، وتعديل الدستور بيدهم، وسن القوانين بيدهم، وما تكلموا في الإسلام ولا كلمة واحدة، بل قالوا: نحن علمانيون من أجل أن تكونوا مطمئنين، القضية واضحة جداً كالشمس، تتكلم أتكلم، تقيم مؤتمرا أقيم مؤتمرا، أما لما تكون وقافا عند حدود الله تكسرني، تكون مستقيما تكسرني.
والله يا أيها الإخوة، لا تتصور أن الله عز وجل يفرج عنا إلا إذا عدنا إلى حقيقة هذا الدين، أما النشاط الإعلامي، والنشاط السياسي، والنشاط الاقتصادي، هذا كله لا يشكل بمجموعه سببا كافيا لأنْ ينصرنا الله عز وجل .
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/05.jpg
لذلك الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة أن ترى موقفا أخلاقيا، أن ترى إنصافا، أن ترى صدقا، أن ترى أمانة، أن ترى ورعا.
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]
الصبغة اتصال بالله، الصبغة اشتقاق الكمال من الله عز وجل، الصبغة ورع، الصبغة رحمة، الصبغة عدل، الصبغة حب، الصبغة عمل الصالحات.
أما الفطرة فبصراحة لو أن مجموعة لصوص سرقوا ماذا يقولون لزعيمهم ؟ لا تظلم، وزِّع بالعدل، هم سارقون، لكن الفطرة في أصل جبلتهم، وليس لك فضل بالفطرة، هكذا جبلت، هكذا جبلت على الفطرة، أما فضلك فبالصبغة، لذلك الفرق بين الفطرة والصبغة فرق كبير، بين أن تحب الخير وأن تكون خيراً، بين أن تحب العدل وأن تكون عادلاً، بين أن تحب الإنصاف وأن تكون منصفاً فرقٌ كبير. قمّة عدل النبي عليه الصلاة والسلام:
القصص كثيرة جداً، يمكن أن يسرق درعٌ، ويوضع في كيس طحين / والكيس مثقوب، وأخذ هذا الدرع إلى بيت يهودي ليكون أمانة عنده، واليهودي قبِل هذه الأمانة درع، ثم يفتقد الدرع صاحبُه، فبحث عنه، وقيل له: اليهودي هو السارق، والذي دبر هذه الحيلة أنصاري محسوب على المسلمين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تمنى، وهذا شأن كل إنسان، تمنى أن يكون الخبر صحيحاً، اليهودي هو السارق، والأنصاري بريء، والحقيقة معاكسة، الأنصاري هو السارق، واليهودي بريء، أيعقل أن يأتي وحي السماء ليخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:
﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا ﴾
( سورة النساء )
هذا الدين، الوحي دافع عن إنسان عدو لدود، واتهم إنسانا محسوبا على المسلمين، هذا هو العدل، إن لم نكن كذلك فلا نتصور أن الله عز وجل سوف ينفذ وعده بالنصر لنا، النصر له ثمن. هذا ملخّص ما بين الفطرة والصبغة:
الصبغة والفطرة، فالفطرة أن تحب الخير، لكن الصبغة أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب الرحمة، لكن الصبغة أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب العدل لكن الصبغة أن تكون عادلاً، والصبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان، أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان أنك تصطبغ بكمال الله عز وجل.
لذلك أيها الإخوة الكرام:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180 )
أي: أنك لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بوسيلة أكبر من أن تتخلق بالكمال الإلهي، الله رحيم فارحم مَن دونك.
أيها الإخوة الكرام، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
[ البخاري عن سهل بن سعد]
هذا الضعيف، ضعيف يمكن أن تهمله، يمكن أن تسحقه، يمكن أن تعتم عليه، لا معه إعلام ولا معه قوة، ضعيف مقهور مظلوم، أنت كمؤمن لو أنصفت هذا الضعيف، إن أطعمته إن كان جائعاً كسوته إن كان عارياً، أنصفته إن كان مظلوماً، علمته إن كان جاهلاً، آويته إن كان مشرداً، هذا الضعيف لأنه ضعيف ولأنك قوي ولأنك لست بحاجة إليه بل هو بحاجتك لأنك بدافع من خلق نبيل أكرمته الآن الله يكافئك بمكافئة من جنس عملك ينصرك على من هو أقوى منك لأنك نصرت من هو أضعف منك ينصرك على من هو اقوى منك، هذا الطريق إلى النصر.
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
حينما تنصر الضعيف، فتعطيه حاجته وتنتصر له يتفضل الله عز وجل علينا بالنصر إن شاء الله.
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
دائماً النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أشياء كثيرة، رجل دخل إلى بستان أنصاري، وأكل من دون إذنٍ، فشكاه الأنصاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وسيق إليه على أنه سارق، ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال له:
(( هلاّ علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً ))
[ ورد في الأثر ]
انظر إلى المعالجة، هل بحثت عن أسباب المشكلة ؟ قبل أن تقيم عليه الحد، قبل أن تعاقب، قبل أن تثور، قبل أن تغضب، قبل أن تتوعد، هل قلت: لماذا فعل هذا ؟ أحياناً يقول لك: ضبطته بسرقة، السارق سارق، لكن يا ترى هل من المعقول أن تعطيه مبلغا لا يكفيه يومين طوال الشهر ؟ هناك سبب، وأنا لا أدافع عن الخطأ أبداً، لكن كل خطأ له سبب، أنت كمؤمن تبحث عن السبب، وإذا ظهر السبب بطل العجب، هناك ظلم شديد، أحياناً ظلم من قِبل صاحب العمل، هناك يد عاملة متوافرة كثيرة، يضع رقما أقلّ من حاجة الإنسان بكثير، فيقبل الإنسان، لكن للإيمان الضعيف، وقد وأتيح له أن يأخذ ما ليس له فأخذ، فضبطته أنت، العمل خطأ كبير، وأنت مخطئ لأنك ما أعطيته حاجته، ما أعطيته ما يستحق، فلا بد من مراجعة الحسابات.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/06.jpg
أيها الإخوة، عندنا في حياتنا خلل كبير، عندنا وضع خطير، عندنا عدوان شرس، عندنا دول تتكالب على ثرواتنا، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود ]
وقد وقع مثل هذا الشيء، ثلاثون دولة محتلة لأفغانستان، والعراق والصومال محتلة وفلسطين كلها بلدان محتلة.
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، مليار وخمس مئة مليون، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود ]
هذه هي المشكلة، الوضع واضح جداً، نحن أمة الإسلام، نحن أمة القرآن الكريم، نحن أمة الوحيين، معنا وحي، فإذا عدنا إلى هذا الدين العظيم، نصلي جميعاً، نصوم جميعاً، نحج جميعاً، في الحج أحياناً أربعة ملايين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ].
العبرة لا بالكم بالنوع. ( 2 ) بين الطبع والتكليف:
1 – بين الطبع والتكليف تناقض حادٌّ:
أيها الإخوة، بقي موضوع الطبع والتكليف، بين الطبع والتكليف تناقض، الطبع شيء فطرت عليه، فأنت تميل إلى النوم، ففي أيام الشتاء الباردة تكون في فراش وثير، ومن الصعب بمكان أن تنزع عنك الغطاء، وأن تتوضأ بالماء البارد، وأن تصلي، الطبع أن تبقى نائماً، والتكليف أن تستيقظ، الطبع أن تأخذ المال، والتكليف أن تعطيه، الطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء، والتكليف أن تغض البصر، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تسكت، فالطبع يتناقض مع التكليف.
2 – الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/07.jpg
لكن الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة دقق الآن، الطبع أقرب إلى الجسم، الجسم يرتاح بالنوم، فلو أن إنسانا سمع أذان الفجر، وما صلى، يستيقظ يشعر بكآبة وانقباض، لكن جسمه مرتاح، لأنه شبع من النوم، أما لو قام وصلى، ورجع فنام يستيقظ الساعة التاسعة براحة نفسية لا توصف، لأنه صلى الفجر في وقته.
إذاً: الطبع أقرب إلى الجسم، والتكليف أقرب إلى النفس، لما يكون الأمر بيده، ويقدر أن يأخذ مبلغا فلكيا دون أن يعلم أحد، ثم يأخذه، فإنه يمكن أن يشتري سيارة به، ويمكن أن يغير بيته، لكن يشعر بكآبة لأنه أكل مالا حراما، واعتدى على حقوق غيره، أو لم يقسم هذه التركة بالعدل، أما لما يؤدي الحقوق لأصحابها تماماً يشعر براحة نفسية، فصار التكليف أقرب إلى الفطرة، والطبع أقرب إلى الجسم.
3 – تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة:
ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
( سورة النازعات)
من تناقض الطبع مع التكليف تكون الجنة، والله عز وجل يمتحن عباده جميعاً بقضايا مهمة، قد تكون صفقة رابحة، لكن فيها شبهة، حينما تتركها تتخذ قرارا بطوليًّا، والله بعد حين يعوض عليك أضعافاً مضاعفة لكن امتحنك بامتحان صعب البطولة أن تنجح بامتحان الله عز وجل.
إذاً الطبع يتناقض مع التكليف، الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب على النفس، فإذا أديت ما عليك من تكاليف ترتاح نفسك، وتشعر أن الله راض عنك، وأن الله يحبك، أما إذا لبيت حاجة الجسد بخلاف منهج الله عز وجل تشعر بالكآبة.
أقول لكم كلاما دقيقا: لا يمكن أن يحتاج المؤمن الصادق إلى طبيب نفسي، هذا مستحيل، لأن الله عز وجل منحه السكينة، لما أطاعه منحه السكينة، وبالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء، ومن دون سكينة تشقى ولو ملكت كل شيء.
هذا هو الفرق بين الطبع والتكليف، وبين الصبغة والفطرة، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع موضوعات مقومات التكليف، وهي من ألصق موضوعات العقيدة. من الإعجاز العلمي في القرآن:
1 – وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَال
عندنا بعض القضايا في الإعجاز.

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/08.jpg التقرحات تحصل لمن لا يستطيع التقلب والحركة

أيها الإخوة الكرام، الإنسان ينام على سريره، ما الذي يحصل ؟ له هيكل عظمي، له وزن، وفوق الهيكل العظمي عضلات، إنسان نائم بنصف جسمه تقريباً، في العمود الفقري عظم الفخذ، عظم الساق، القفص الصدري، الجمجمة، هناك عظام فوق العظام، ولحم وعضلات، وزن العظام مع ما فوقها من عضلات تضغط على ما تحت الهيكل من عضلات، هذا الضغط يسبب ضيقا في الأوعية الدموية، إذا استمر هذا الضغط يشعر الإنسان بتنميل أو خضران، وإذا جلس إنسان في درس على ركبتيه فترة طويلة يشعر بتنميل إنسان، ثم خضران، ثم لا يشعر برجله إطلاقاً، الذي يحصل أن الأوعية الدموية في المنطقة المضغوطة تنضغط وتضيق لمعتها، فتقلّ التروية، وتشعر بهذا التنميل، الله عز وجل هيأ آلية بالغة التعقيد في الجسم، ووضع في كل مكان في الجسم مراكز إحساس بالضغط، فإذا انضغطت المراكز فيما تحت الهيكل العظمي تعطي إشارة إلى الدماغ، وأنت نائم، وأنت غارق في النوم، يعطي الدماغ أمرا إلى الجسم فيقلب إلى ناحية اليمين، ثم تمضى نصف ساعة ما تحت الهيكل العظمي ينضغط، فيعطى استغاثة للدماغ، الدماغ يعطي أمرا فتقلب قلبة ثانية، فتصوّروا إنسانا نائما ثماني ساعات قلب ثمانية وثلاثين مرة، الله عز وجل قال: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/09.jpg الأماكن الحساسة التي نتجنبها عند من هم في غيبوبة بتقليبهم حتى لا يتفسخ جسدهم

أهل الكهف لو ما قلَبهم الله عز وجل خلال شهر يتفسخون تفسخا كاملا.
الآن عندنا أمراض أيها الإخوة، مرض السبات، هذا بغيبوبة كاملة، لو أن أهله ما قلبوه يتفسخ اللحم، وينزعون اللحم كمادة متفسخة من تحته، فما مِن إنسان يمكن أن يعيش لو لم يتقلب جسمُه في نومه، يموت رأساً. ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
والحكمة مرة على اليمين، ومرة على الشمال ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
وأنت نائم الدماغ صاحٍ، وجهاز الضغط يعمل بانتظام، ويعطي رسائل استغاثة، الدماغ يأمر الجسم فيغيّر نومته دون أن تشعر، هذه الآية في الحديث عن أهل الكهف من إعجاز القرآن الكريم: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
2 – بلع اللعاب والإنسانُ نائم:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/10.jpg قدرة الله تجعل لسان المزمار يغلق طريق التنفس كي تستطيع بلع اللعاب أثناء النوم

وأنت نائم غارق في النوم، يتجمع اللعاب في الفم فتذهب رسالة من الفم إلى الدماغ، أن اللعاب زاد، فيأتي أمر من الدماغ إلى لسان المزمار، فيفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك وأنت نائم، كل ربع ساعة وأنت نائم لسان المزمار كان قد أغلق طريق المريء، ويفتح طريق التنفس، يفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك، هذا تقدير مَن ؟ تصميم مَن ؟ حكمة مَن ؟ علم من ؟ قدرة من ؟ وأنت نائم شيء مذهل.
أيها الإخوة، قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف ).
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾
( سورة التين ).
3 – رد فعل الإنسان اللا إرادي:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1398/11.jpg رد فعلك اللا إرادي على بوق سيارة وتوجهك عكس مصدر الصوت يقوم به جهازك العصبي بفارق يساوي واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية

وأنت تمشي في الطريق سمعت بوق سيارة فاتجهت نحو اليسار، فالصوت دخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن بفارق يساوي واحدا على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، وفي جهاز الدماغ أدرك الفرق، وعرف جهة الصوت هنا قبل هنا، والفارق هكذا، يعطي الدماغ أمرا إلى الإنسان أن انحرف نحو اليسار، كيف عرفت جهة الصوت ؟ من جهاز بالغ الدقة، لذلك قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
من التقليب وأنت نائم، إلى إنسان عند طبيب الأسنان مضطر أن يفتح فمه فترة طويلة، ماذا يفعل معه الطبيب ؟ يضع له شراقة حتى لا تشط ريالته، لأنه لا يستطيع أن يغلق فمه، وأنت نائم ينتقل اللعاب آلياً عن طريق آلية معقدة جداً بإغلاق ممر التنفس، وفتح ممر المعدة. ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾
( سورة لقمان )


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس عشر )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 1 - يمكن أن نقلب شهواتنا إلى عبادات ونرقى بها صابرين وشاكرين









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الشهوة مقوِّمٌ من مقومات التكليف:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس عشر من دروس العقيدة والإعجاز ، والموضوع اليوم " الشهوة "، وقد أنهينا موضوع الكون كأحد مقومات الإعجاز، وكأحد مقومات التكليف، وأنهينا موضوع العقل كأحد مقومات التكليف، وأنهينا موضوع الفطرة كأحد مقومات التكليف، وننتقل اليوم إلى موضوع " الشهوة ".
1 – الشهوات سلَّم للرقيّ إلى رب الأرض والسماوات:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/01.jpg
أيها الإخوة، بادئ ذي بدء: قد يتوهم واحد من الناس أنه لولا الشهوات لما كانت المعاصي والآثام، وبالتالي لما كانت النار عقاباً لمن عصى لله في الدنيا، والحقيقة الصحيحة أنه لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، كيف نرتقي إلى رب الأرض والسماوات ؟ كيف نقبل عليه ؟ كيف نثق أنه يحبنا ؟ كيف نطمع برحمته ؟ كيف نناجيه إن لم ننضبط ؟ أعطانا شهوات، أعطانا معها حرية الاختيار، فأيّ شهوة يمكن أن تتحرك بسببها 180 درجة سمح لك بمئة درجة، الدين كله، الانضباط كله، الصبر كله، أن توقع حركتك مع هذه الشهوة ضمن الحيز الذي سمح الله به، هذا إن أردت أن تضغط الدين كله.
2 – كلُّ شهوة لها قناة نظيفة:
الإنسان يحب المرأة، في أعماقِ أعماقه أودع الله في الإنسان حب الأنثى، وفي أعماق الأنثى أودع الله فيها حب الرجل، وهيأ قناة نظيفة طاهرة، ترقى بالإنسان، هي قناة الزواج، فهذه الشهوة تلبَّى في هذه القناة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/02.jpg
والإنسان أودع الله فيه حب المال بكل إنسان، رسم له طريق لكسب المال الحلال طريق العمل، طريق التجارة، الصناعة، الزراعة، الوظيفة، الخدمات، الإرث، الهبة ، الصدقة، إنها طرائق عديدة لاكتساب المال، كلها شرعية، لكن هناك سرقة، وغش، واحتيال، وتدليس، وكذب، هناك طرائق عديدة لكسب المال الحرام، ما هو الدين ؟ أن توقع حركتك في الحيز الذي سمح الله به، هذا المعنى أشارت إليه آية كريمة، قال سيدنا شعيب: ﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 86 )
الذي تبقى لكم من كل شهوة الحيز الذي أباحه الله لنا من كل شهوة هو الذي يسعدنا ويسلمنا، فلذلك قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
عندنا في أصول الفقه ما يسمى المعنى المخالف، المعنى العكسي: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
هناك إنسان يلاحظ إنسانا يخطب فتاة، وفي عقد القران هناك إشهار، وإيجاب، ووليّ، وشهود، ومهر، وتهانٍ، واحتفالات، وهدايا، لأنه أمرٌ مشروع، ما هو عقد الزواج ؟ يفضي إلى علاقة جنسية بين الزوج وزوجته، لكن لأنه وفق منهج الله يسمو به الإنسان، يتزوج، ويأتي ابن من هذه الزوجة يملأ البيت سعادة، يكبر، يتربى تربية عالية ، يصبح إنسانا ذا شأن، داعية، طبيبا، أستاذا جامعيا، تاجرا كبيرا، صناعيا كبيرا، تربى تربية إسلامية، تربية أخلاقية، تجده معطاء، كريما، منضبطا، صادقا، أمينا، تجد هذه الأسرة أنجبت أولادا قمة في الكمال، أساس المشروع كله علاقة جنسية، والزنا علاقة جنسية، لكنه سقوط وفضيحة وانهيار.
مرة حدثني صديق طُرق بابه الساعة الرابعة فجراً، فتح الباب فلم يجد أحدا، حانت منه التفاتة نحو الأسفل فوجد كيسا يتحرك، فيه طفل ولد لتوه من الزنا، وضع في كيس أمام بيت طُرق بابُه، ثم هرب الذي وضعه.
أجريت موازنة، حينما يأتي طفل من أب وأم، من بيت فيه زواج مشروع، تجد الفرح والتهاني والتبريكات والضيافة والهدايا، والفرح يعم الأسرتين، ولما يأتي هذا المولود من الزنا يكون وصمة عار وفضيحة وشيئًا لا يحتمل، فالشهوة هي هي في الحالتين.
أدق مثل أرويه: أن هذا البنزين في السيارة، الوقود السائل إذا وضع في المستودع المحكَم، وسال في الأنبوب المحكم، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولّد حركة نافعة، أقلّتك هذه السيارة أنت وأهلك في يوم جميل من أيام الربيع إلى الحدائق، وسعدتَ بهذه النزهة، ما الذي يجري ؟ انفجارات، لكنها منضبطة وفق تصميم السيارة، صفيحة البنزين نفسها صبَّها على السيارة، أعطها شرارة، أحرقت المركبة ومن فيها، السائل هوهو، كان حركة دافعة نافعة مسعدة، فأصبح حركة مدمرة محرقة قاتلة، هذه الشهوات، فهي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها.
قبل أيام دعاني أخ كريم من كبار علماء القرآن الكريم، سنه فوق 95، قال لي: أنا في من أحفادي 13 دكتورا، أساس العلاقة كلها علاقة جنسية، هذه هي الشهوة.
لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، كيف أنت في الصلاة تخشع وتبكي، لأنك في الطريق إلى المسجد مررت على عشرات الفتيات الكاسيات العاريات المائلات المميلات، فغضضت البصر عنهن، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، لو ما الله أودع الله فيك الشهوة، وحبِّ الأنثى، وأن تمتع عينيك بمحاسنها، ثم أمرك بغض البصر ، وغضضت البصر لا تستطيع في الصلاة أن تبكي.
(( انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي ))
[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ].
سيدنا يوسف عبدٌ في بيت دعته امرأة ذات منصب وجمال، سيدة القصر دعتْه إلى نفسها. ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
( سورة يوسف الآية: 23 ).
أودع في السجن، فصار عزيز مصر.
إذاً: دققوا لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لم تكن جنة، ولولا الشهوات لم يكن نعيم مقيم، لولا الشهوات لم يكن اتصال بالله، لولا الشهوات لم يكن شعور بالتفوق، أنت قوي، وبإمكانك أن تفعل كل شيء، لكن الله عز وجل قيّدك بمنهج.
سأل أحدُهم سيدنا عمر، قال له: << أتحبني ؟ قال له: والله لا أحبك، قال له: هل يمنعك بغضك لي أن تعطيني حقي ؟ قال له: لا والله، قال له: إذاً إنما يأسف على الحب النساء >>.
إنسان غير المنضبط ينكل به، لا تحبني ؟ ينكل به، لكن سيدنا عمر لا يقدر لأن:
(( الإيمان قيد الفتك ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة وأحمد، و أبو داود عن معاوية ].
المؤمن قوي، لكنه مقيد، غني لكنه مقيد.
إذا سافر رجلٌ مؤمن غني إلى بلاد الغرب لا يستطيع أن يفعل شيئًا، يجلس بفندق ويأكل، يزور المكاتب التجارية، أكثر من هذا لا يستطيع، لكن الغني غير المنضبط يسهر كل يوم سهرة حمراء، وثاني يوم سهرة خضراء، لأن المؤمن مقيَّد.
(( الإيمان قيد الفتك ))
يرقى بهذا الشيء، وما مِن واحد من إخواننا الكرام إلا كان أحد أسباب اتصاله بالله وظيفة أتيحت له، لكن لا ترضي الله، البضاعة محرمة، العلاقة مشبوهة، الأسلوب بالتعامل غير شرعي، فيركل بقدمه الملايين المملينة، ويكتفي بالآلاف المؤلفة، يقول: هذا مال حلال، ولولا الشهوات لم يمكن أن نرتقي إلى رب الأرض والسماوات. 3 – بالشهوات ترقى إلى الله صابرً وشاكرا:
لكن الشهوات أيها الإخوة فيها شيء رائع جداً، فيها رقي إلى الله مرتين.
مثلاً: إذا كان المسلم يمشي في الطريق، ومر على نساء كاسيات عاريات، فقال:
﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
غض بصره عنهن، يرقى إلى الله صابراً، تزوج، واختار فتاة ضمن طموحه، جلس معها، سعد بها، ملأ عينيه من محاسنها، يرقى إلى الله، يصلي قيام الليل، لأن هذا شيء مشروع.
فأنت ترقى إلى الله صابراً، وترقى إلى الله شاكراً، مرة صابراً، ومرة شاكراً.
جاءتك وظيفة دخلها كبير جداً، لكن أساسها إيذاء الناس، أو إلقاء الرعب فيهم، معاذ الله، ثم أتيحت لك وظيفة بربع الدخل، لكنه مال حلال، في التعليم، تقبض المال، تشتري الطعام والشراب، تأتي لأولادك بهدايا، يفرحون، يقبّلونك، هذا المال هو هو، بالحرام حجبك عن الله، وبالحلال دفعك إلى الله. 4 – لابد للإنسان من حركةٍ في الحياة:
قضية الشهوة إياكم أن تتوهموا أن الإنسان بالشهوة تزل قدمه، أو يتوهم أنه لولا الشهوات ما كانت نار تحرق العصاة، الشهوات لا بد منها، الشهوة هي كالمحرك في السيارة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/03.jpg
هذه الطاولة اتركها مئة سنة هنا، لا تتحرك، لأنه ما فيها شهوات، أما الإنسان فقد أودع الله فيه حاجة إلى الطعام والشراب، فهل تبقى جالسا في مكان واحد ؟ نريد أن نأكل، يبحث عن عمل، يدرس، يتعين بوظيفة، يداوم، يعمل، يأكل، الشهوة قوة محركة، ولولا الشهوات والله ما رأيت على وجه الأرض شيئا، لا جسرا، ولا جامعة، ولا بناء، ولا بستانا، ولا زراعة، ولا معملا، ولا باخرة، ولا سيارة، لماذا تعمل ؟ لأنك مضطر أن تعمل من أجل أن تكسب المال، من أجل أن تأكل، لذلك من أوصاف ربنا البليغة للأنبياء على أنهم بشر، وليسوا آلهة:
﴿ ليَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 20 )
لمجرد أنك تأكل الطعام فأنت من بني البشر.

﴿ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 20 ).
هم مفتقرون إلى طعام يقيمون به أودهم، ومفتقرون إلى مشيهم بالأسواق لكسب ثمن الطعام، أنت تعمل من أجل أن تكسب المال، من أجل أن تشتري به الطعام، من أجل أن تأكل.
إذاً: ما أودع الله في الإنسان الشهوات إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، الشهوات سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، قوة دافعة، أو قوة مدمرة. 5 – كلّ شيء في الحياة حيادي:
الفكرة الدقيقة جداً: لأنك مخير فكل شيء في حياتك حيادي، كيف ؟ شهواتك حيادية، وحب المال حيادي، يمكن أن تكسبه من طريق مشروع، وأن تنفقه في طريق مشروع، فترقى به إلى أعلى عليين، بالمال، ويمكن أن تكسبه من طريق غير مشروع، وأن تنفقه إنفاقا غير مشروع، فتهوي به إلى أسفل سافلين، والمال هو هُو.
إنسان يبني مسجدا، أو ميتما، أو معهدا شرعيا، أو مؤسسة خيرية، يموت وهذا الخير يستمر إلى يوم القيامة، وهو في صحيفته، وقد يبني ملهى أحياناً، أيضاً صدقة جارية، لكن من نوع ثانٍ، يموت ويمضى مئة سنة على موته، كلما دخل واحد إلى الملهى كان وزرُه في صحيفته.
والله مرة دُعينا إلى فتح مسجد في منطقة يعفور، سبحان الله ! الذي بنى المسجد استقبلنا على الباب واحد واحداً، دعا علماء دمشق، وألقينا كلمات، وقدّم لنا طعاما نفيسا، أنا لا تغيب عني صورة وجهه المتألق، يا رب هذا جامع ! يبدو أنه عمّره وحده، ما أخذ مساعدة من أحد من الأرض، والبناء، والكسوة، والأثاث، وكل شيء، سبحانك يا رب ! لحكمة بالغة لما انتهى الاحتفال خرجت من هذا المسجد إلى الطريق العام، يقابل الطريق العام بالضفة الثانية ملهى، بلغني أن فيه من الموبقات ما لا يوصف، وأن صاحبه بعد افتتاحه بسبعة أيام مات، قلت: يا رب ! واحد يرقى إلى أعلى عليين، وواحد يهوي به إلى أسفل سافلين، والعمليتين عملية شهوة، والمال محبوب، لكن أُنفق المال فيه بخلاف طبع الإنسان، فهذا عمر مسجدا فارتقى بهذا المسجد إلى أعلى عليين، والذي عمر ملهى أنفق ماله أيضاً، المال شقيق الروح، لكن هوى بهذا الإنفاق إلى أسفل سافلين، هذه الشهوات.
ليس عطاء الله إكراما ولا منعُه حرمانا:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/04.jpg
من هنا يقول الله عز وجل:
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
هذا الكلام ربنا عز وجل ما قبله، هذا قول الإنسان: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
جاء الجواب: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 ).
هذه أداة ردع ونفي، لا يا عبادي، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، الله أعطى المال لمن لا يحب، أعطاه لقارون، أعطاه لمن يحب، أعطاه لسيدنا عثمان، أعطى الملك لمن لا يحب، أعطاه لفرعون، أعطاه لمن يحب، لسيدنا سليمان. ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ﴾
( سورة ص ).
فالشهوات حيادية.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

الجواب:
﴿ كَلَّا ﴾
ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، كيف هو ابتلاء ؟
الله امتحنك بالمال، فإما أن تنجح، وإما ألاّ تنجح، إذا أنفقته في طرق مشروعة ترقى به ، فصار سلماً ترقى به، أما إذا أنفق في طرق غير مشروعة تهوي به إلى أسفل سافلين، المال هو هُو، كالبنزين هو هُو، ولّد حركة نافعة، أو دمر المركبة ومَن فيها.
فهذه الشهوات هي قوى محركة، تصور مركبة فيها محرك هي الشهوات، فيها مِقود هو العقل، فيها الشرع هو الطريق، مهمة المحرك أن ينطلق بالسيارة، مهمة العقل أن يبقيها على الطريق، بطولتك أن تستخدم عقلك لتضبط حركة السيارة المندفعة بقوة المحرك، أن تضبطها على الطريق. 6 – التفكر في الموت يضاعف السرعة إلى الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/05.jpg
والله مرة كنت في شيكاغو، ففي المطار شريط متحرك، وقفت عليه شيء مريح، أنت واقف وهو يمشي، فإذا مشيت عليه كانت السرعة مضاعفة، وعلى اليمين حاجز ، وعلى اليسار حاجز، سبحان الله ! كيف تمثل لي هذا الشريط بالتفكر بالموت، التفكر في الموت يضاعف السرعة إلى الله، ويمنعك أن تنزلق يمنة أو يسرى.
ادرس وخذ الدكتوراه، وأقِم مشروعا صناعيا كبيرا، مشروعا زراعيا، صل إلى منصب رفيع وفق منهج الله، التفكر في الموت يضاعف سرعتك إلى الله، والتفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله، العمل مطلوب.
قال عمل لأحدهم: << مَن يطعمك ؟ شاب يتعبد الله في وقت العمل، قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك >>.
صدقوا أيها الإخوة، حينما أرى شاباً يتقن عمل، معه شهادة، يتقن مهارة معينة، يتقن حرفة معينة، ويذهب إليها باكراً، ويعود مساء، وقد تعب، والله الذي لا إله إلا هو هذا الشاب هو في عبادة، أتى بمال وتزوج، أنجب أولادا وأطعمهم، وكساهم، أكرم زوجته، فقد حقق رسالته.
سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>.
الجهاد وأهمية كلِّ نوعٍ منه:
وحينما نتحدث عن الجهاد فهناك جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد الأساسي والجهاد الدعوي هو الجهاد التعليمي.
(( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن علي أحمد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عثمان ].
والجهاد البنائي هو أن تطور عملك، أن تطور خبراتك، معلوماتك، أن تنهض بحرفتك، بمهنتك، أن تكون في خدمة أمتك، هذا الجهاد البنائي، والدليل، طبعاً الجهاد الدعوي دليله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت ).
الجهاد النفسي دليله:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 69 ).
الجهاد البنائي دليله:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 ).
وآخر جهاد، ظهر جديدا هو الجهاد الإلكتروني، تدمير مواقع العدو، وجهاد أخير هو الجهاد القتالي، فإذا نجحنا في الجهاد النفسي وهو الأصل، تعليم أساسي، ثم نجحنا في الجهاد الدعوي، في الدعوة إلى الله، ثم نجحنا في الجهاد البنائي، طورنا صناعاتنا، استخرجنا الثروات، أنشأنا السدود، أصلحنا الأرض، نمينا قدراتنا، وخبراتنا، اكتفينا بمنتجاتنا عن أن نستورد، صدرنا، اغتنينا، هذا جهاد بنائي، أعددنا قوة لأعدائنا، طورنا أنفسنا، صنعنا السلاح الذي يحمي كرامتنا وأرضنا وبلادنا، هذا الجهاد جهاد بنائي، وهناك جهاد دعوي، وجهاد نفسي، وجهاد إلكتروني، وجهاد قتالي، فإذا نجحنا في الجهاد الأول النفسي، والجهاد الثاني الدعوي، والجهاد الثالث البنائي يُنتظر أن ننجح في الجهاد القتالي، أما أن نذهب مباشرة إلى القتالي فلا ينجح.
قدّم رجلٌ أميّ طلبا إلى جامعة السربون حتى يعطوه درجة دكتوراه، اذهب وتعلم القراءة أولاً، هو أميّ لا يقرأ ولا يكتب، فوراً إلى الدكتوراه باللغة الفرنسية، ودكتوراه دولة أيضاً يريدها.
الجهاد قبل الإعداد الدقيق، قبل إنشاء جيل مؤمن، ملتزم، مستقيم، شهواته تحت قدمه، يعبد الله، لا بد من هذه الشروط:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/06.jpg
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
هذه الشهوات لا أحد يتأفف منها، لولا الشهوات لا نرقى إلى رب الأرض والسماوات، كل واحد من الشباب الأكارم ما سر إحساسهم أن الله يحبهم، لأنه ضابط نفسه لأنه، ضابط عينه، ضابط لسانه، ضابط أذنه، ضابط ماله، لا يأكل مالا حراما، ضابط إنفاقه، ما دام ضبط سمعه، وبصره، ولسانه وإنفاقه، وحركته، ويده، ورجله، لذلك الله عز وجل يكرمه في الدنيا والآخرة.
فالشهوات طريقنا إلى الله، لكن كلمة شهوات يُظن أنه شيء قميء، لا ، الإنسان كلما ارتقى مع الله ترتقي شهواته، كان يحب المرأة فصار يحب الحق، يحب البطولة، يحب التضحية، يحب الفداء، يحب الالتزام، يحب أداء العبادات بشكل متقن، يحب إنفاق المال، يسميها علماء النفس تصعيد الأهواء، كان يحب الدرهم والدينار، إذاً: به يحب الإنفاق. بين الطبع والتكليف:
وبالمناسبة دخلنا إلى موضوع دقيق: أنت معك طبع، ومعك تكليف، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة الطبع يتناقض مع التكليف.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/07.jpg
الطبع أن تنام، أن تبقى نائماً في السرير الوثير، في فصل الشتاء، البرد شديد، والفراش دافئ، والغطاء يعطي الدفء، أنت مرتاح، الطبع أن تبقى نائماً، والتكليف أن تنزع الغطاء من جسمك، وتتوضأ بالماء البارد فتصحو، وتصلي، الطبع يناقض التكليف، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، والتكليف أن تنفقه، الطبع يقتضي أن تملأ العين من محاسن امرأة لا تحل لك، والتكليف أن تغض البصر، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تضبط لسانك، هذه الشهوات هي سبب الرقي إلى الله عز وجل، واللهُ عزوجل يباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
صدقوا أيها الإخوة، صدقوا أيها الشباب، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، إن الله عز وجل يباهي به الملائكة.
سيدنا يوسف لو خضع لعرض امرأة العزيز هل صار سيدنا يوسف ؟ لا أحد كان يعرفه، ما الذي ارتقى به وقال:
﴿ مَعَاذَ اللّهِ ﴾
والله هناك من المواقف أيها الإخوة شيء صعب أن تتصوره، تنعم بهذا الموقف إلى أبد الآبدين، لأنه موقف شريف.
إذاً: الطبع يناقض التكليف، لكن التكليف يتوافق مع الفطرة، والطبع يتوافق مع الجسم، الجسم يحتاج إلى راحة، فيميل إلى النوم، أما الفطرة تحب أن تكون على صلة وثيقة بالله عز وجل فتستيقظ، وهكذا.
حينما تفهم الشهوات قوى دافعة، ولا ينبغي أن تكون قوى مدمرة تكون فقيهاً.
النقطة الدقيقة: لما تجد في القرآن تحريما كيف تفهم التحريم ؟ حقل واسع مكتوب على لوحة: حقل ألغام، ممنوع التجاوز، أنت كإنسان مدني، وحضاري، هل تشعر بحقد على من وضع هذه اللوحة ؟ أبداً، بالعكس، تكون ممتنا لمن وضعها، لأن واضع اللوحة حريص على سلامتك، لمجرد أن تراها حداً لحريتك فأنت لست بفقيه، أما إذا علمت علم اليقين أنها وضعت ضماناً لسلامتك فأنت فقيه.
أيها الإخوة، إذاً: موضوع الشهوة موضوع دقيق جداً، هو سر اتصالك بالله، هو سر فوزك بالجنة، هو سر دخولك الجنة، هو سر قربك من الله، هو سر إقبالك على الله ولو أن كائنا لا يشتهي شيئاً كيف يتقرب إلى الله ؟ فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشهوات سلماً نرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، ولكن مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يكون في الإسلام حرمان. لا حرج في اتبع الهوى والشهوة وفق منهج الله:
الحقيقة الآن الدقيقة: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل قناة نظيفة تسري خلالها، فالإنسان يحب أن يكون له شأن، أن يكون له مكانة، متفوق في القمة، لا في الحضيض، باختصاص، بعلم، بحرفة، بدخل، بصنعة، بمنصب، بشكل، بوسامة، ببيت، بمركبة، بحب التفوق، هذا ميل، وشهوة، وحاجة أساسية، يمكن أن تتفوق في معرفة الله، وفي العمل الصالح، وفي الدعوة إليه، وفي نشر الحق، يمكن أن تكون في قلوب الآلاف، بل الملايين، بل مئات الملايين، ويمكن أن يشار إليك بالبنان، حينما ينغمس في شهوات منحطة، كشخص فتح ملهًى، يتفنن بعرض الموبقات على رواد هذا المكان، أيضاً يشار له بالبنان، دخله فلكي، بيته فخم جداً، مركبة رائعة، وأساساً أعلى دخل في العالم دخل تجار المخدرات، يسكن بيتا هو قصر، فيه خمسون سيارة، وطائرة خاصة، تاجر مخدرات، هذا علو، لكن الميل حيادي، يمكن أن ترقى به، أو أن تهوي به.
فتأكيد الذات، أن تشعر بأهميتك، أن تتوق إلى العلو، إلى التفوق، هذا حيادي، هناك طريق مشروع للتفوق، وطريق مشروع للسقوط.
هل أمرُ سيدنا صلاح الدين شيء قليل ؟ قائد مسلم يواجه 27 جيشاً أوربياً، ويفتح القدس ؟! هل أمرُ سيدنا عمر قليل ؟ هناك أعلام، هؤلاء أكدوا ذاتهم، وارتقوا في سلم العظماء، وأسماءهم في لوحة الشرف.
يقف أحدهم أمام سيدنا رسول الله، بعد قليل ينتقل إلى مقام سيدنا الصديق، هل مقام الصديق شيء قليل ؟
(( ما طلعت شمس على نبي أفضل من أبي بكر ))
[ ورد في الأثر ]
أكد ذاته، تفوق في خدمة الدعوة، وأبو جهل أكد ذاته في المعارضة، فأصبح في مزبلة التاريخ، فأنت تؤكد ذاتك بالخير، فيشار إليك بالبنان وتؤكد ذاتك لا سمح الله ولا قدر بالشر، ويشار إليك بالبنان.
الأقوياء في العالم، كهتلر سبّب حربين عالميتين، كل حرب فيها خمسون مليون قتيل، وخمسون مليون معاق، مئة مليون، الذي ألقى قنبلة على هيروشيما ونكازاتي شخص مهم جداً، أخذ قرارا، مات 300 ألف في ثلاث ثوان، والحرب انتهت بهاتين القنبلتين.
إنّ تأكيد الذات حيادي، التفوق حيادي، هناك تفوق بعمل ساقط، تقول الراقصة: الله وفقني في هذه الرقصة، عمل ساقط، وهناك كتاب أدب إباحي، وهناك إقبال على كتبهم بشكل عجيب، وكتّاب الأخلاقيين كتبهم في أعلى مستوى، الأمرُ حيادي، تأكيد الذات حيادي،و حب المرأة حيادي، يمكن أن تكون أسعد زوج، ولك منها ذرية صالحة.
أحياناً الذي في سن 60 ـ 65 ـ 70 عنده 25 حفيدا، هذا طبيب، هذا مهندس، هذه البنت داعية كبيرة، تزوجت، لها أولاد، ربت بناتها، كلهم مِن رجلٍ واحد، والعملية كلُّ أساسها شهوة، أساس هذا الزواج مشروع شهوة، لكن وفق منهج الله، أقمت أسرة، وأنجبت أولادا، وبنات، ولك أصهار، وأحفاد، وذرية، هذه أساسها شهوة، والتفوق أساسه شهوة، لكن هذه الشهوات حيادية، يمكن أن نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن نهوي بها إلى أسفل سافلين، لا أحد يتألم من كلمة شهوة، طريقنا إلى الله، إما بالكف أو بالممارسة ، تعمل لتكسب مالا حلالا، تشتري بذلة للعيد، تدخل إلى البيت لتزور أقرباءك، ما هذه الأناقة ! هذه شهوة، لكنها مشروعة.
(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس ))
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا:
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ ))
[ أحمد ]
فيا أيها الإخوة الكرام، الشهوة أحد أهم مقومات التكليف، من أجل أن تصل إلى الله، أن تصل إلى الجنة، أودع الله فيك الشهوات، لترقى بها مرتين مرة صابراً، ومرة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها. مقدمة لموضوع في الإعجاز العلمي:
أيها الإخوة، ننتقل لموضوع في الإعجاز كمقدمة لا بد من ذكرها.
1 – لكل نبي معجزة دالة على صدق رسالته:
النبي عليه الصلاة والسلام أرسله الله للشعوب والأمم كافة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
أما الأنبياء السابقون فكل نبي لقوم، لذلك اقتضت حكمة الله أن تكون معجزة النبي التي هي شهادة الله لعباده أنه رسوله. 2 – معجزة الأنبياء السابقين حسية:
سابقا كانت المعجزة حسية:
معجزة سيدنا موسى:
سيدنا موسى:
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف ).
ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً.
سيدنا إبراهيم:
سيدنا إبراهيم ألقي في النار فلم يحترق. ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
سيدنا عيسى:

﴿ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 49 ).
هذه معجزات، هذه شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبيائه ورسله. 3 – معجزة النبي هي القرآن، لأنه رسولٌ للعالمين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1399/08.jpg
لكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعثته لكل الأمم والشعوب، ولآخر الزمان ، وكتابه كتاب الخاتم، فلابد من شهادة مستمرة، وهناك شهادة منقطعة كتألق عود الثقاب، تألق مرة وانطفأ، أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، ولكن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام لكل الأمم والشعوب، وكتابه كتاب خاتم، إذاً: لا بد من أن تكون المعجزة علمية عقلية، من هنا كان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، من هنا ورد في القرآن إشارات علمية اكتشفت قوانينها بعد 1400 عام، وقد قال الله عز وجل:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية: 53 ).
هذا الذي حصل. من الإعجاز الرباني في جسم الإنسان:
(1) خلايا الدماغ لا تتغير:
هناك نقطة دقيقة: أن كل خلية في جسم الإنسان لها عمر، أقصر عمر 48 ساعة، هذه خلايا بطانة الأمعاء، الطبقة التي تمتص الكيلوس، خلاصة الطعام ، هذه زغابات الأمعاء الداخلية، هذه خلاياها أقصر خلية في جسم الإنسان، عمرها 48 ساعة، فأنت أيها الإنسان كل 48 ساعة تتجدد خلايا الأمعاء عندك، أطول خلية العظمية تتبدل كل خمس سنوات، فأنت بأكملك جملة وتفصيلاً، بشعرك، بجلدك، بعظامك، بعيونك، بآذانك، بلسانك، بأنفك، بالمريء، بالقصبة الهوائية، بالرئتين، بالقلب، بالمعدة، بالأمعاء، جملة وتفصيلاً تتبدل تبدلا كليًّا كل خمس سنوات، لكن لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة خلايا الدماغ لا تتبدل، لو تبدلت لكانت الطامة الكبرى، يقول الرجل: والله كنت طبيبا، سبحان الله ! رجع أميًّا، كنت مهندسا، كنت خياطا، المهارات أين هي مودعة ؟ في الدماغ، الذاكرة، من أنت ؟ لا أعرف، ابنه، انتهى لتبدل خلايا الدماغ ؟ ما عرف أولاده، يقول: من أنتِ ؟ ابنته، لا يعرفها، أين هويتك ؟ لو تبدلت خلايا الدماغ فما مِن شيء اسمه علم، ولا ذاكرة، ولا خبرة، ولا مهارة، ولا قدرة، كله ينتهي، هذه حكمة مَن ؟ قدرة مَن ؟ رحمة مَن ؟ الذاكرة ثابتة.
لكن الله أحياناً، سبحانك يا رب، يحدِث حالات نادرة لتأكيد هذه القاعدة، أحيانا يحدُث للإنسان فقدُ ذاكرة جزئيٌّ.
حدثني أخ كريم، قال لي: أبي عنده معمل، فخرج من معمله إلى البيت، قال لي: بقي ساعتين ما عرف أين بيته، ابنه ساكن في منطقة الجسر الأبيض، تذكّر بيت ابنه، جاء إليه، فال له: أين بيتي ؟
رجلٌ آخر فقدَ ذاكرته، جاء ابنه من أمريكا قال له: من أنت ؟
هذه الذاكرة الله عز وجل في حالات نادرة يعرّفك بقيمة دماغك، دماغك فيه ذاكرة، الذاكرة بحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة.
مرة صار تفجير بمدينة عربية بفندق، طبعاً لمحته بالأخبار، زرت هذه المدينة بالفندق نفسه، هذا الفندق نفسه، الصورة تلتقطَ في ثانية، تصور من خمس سنوات الصورة محفوظة في الدماغ، فلما تطابقت الصورة قلت: هذا الفندق نفسه.
فالذاكرة شيء عظيم جداً، والدماغ لا يتغير، طمئن نفسك، ذاكرتك، خبراتك معلوماتك، أصدقائك، أولادك أقرباؤك، قدراتك العامة، مهاراتك كله محفوظ بذاكرتك.
هناك طرفة: دخل رجلٌ إلى الجامع، يضع حذاءه، له محل بدماغه، الدليل أنه قد يكون في حديث حميم مع صاحبه، فيدخلون إلى الجامع لا يتركز بذهنه أين محل حذائه، ينسى أين وضعه ؟
(2) خلايا القلب لا تتغير:
والله إنها آيات مذهلة دالة على عظمته، واضحة جداً، لكن يقول الإنسان: أنا لي عشرون سنة، خلايا القلب أيضاً لم تتغير، لماذا ؟ لا أعلم، القلب هو هوَ، لما تأتي آية قرآنية:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
( سورة الحج الآية: 179 ).
الله أعلم، ثم اكتشف أن القلب موطن الأحاسيس والمشاعر والأذواق، كيف عُرف هذا ؟ بعد ما زرعوا 73 قلبا من إنسان لإنسان، كل مشاعر وهوايات الذي أُخذ القلب منه انتقلت لمن أُخذ القلب إليه، هذا إن شاء الله في درس قادم سأشرحه لكم بالتفصيل، هذا إنجاز علمي كبير.
إذاً: حينما قال الله عز وجل:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
هذا القلب في قوة إدراكية، القلب الصنوبري، المضخة في خلايا عصبية إدراكية تفوق الخلايا الدماغية بخمسمئة ضعف، وهي تأمر القلب، هذا إنجاز علمي عمره قريب جداً.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس عشر )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 2 - تحكم الشهوة بالانسان -خصائص الماء







بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين. الشهوة مقوِّمًا للتكليف:
1 – مَن هو عبدُ الشهوة ؟
أيها الإخوة الكرام، مع درس السادس عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وفي الدرس الماضي بدأنا موضوع " الشهوة "، والشهوة إحدى مقومات التكليف، هناك تساؤل عند معظم الناس أنه لولا الشهوات لما وقع الناس في المعاصي والآثام، وقد يأتون ببعض الشواهد أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ))
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/01.jpg
فالإنسان عبدٌ للدينار، وعبدٌ للدرهم، وقد يكون عبداً لبطنه، وقد يكون عبداً لفرجه، وقد يكون عبداً للخميصة لثيابه.
الحقيقة أن هذا الحديث يشير إلى فئة من الناس عبدت شهواتها من دون الله، وقد أكد الله هذا المعنى فقال: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 43 )
وكما تعلمون أن العبادة نوعان، هناك عبيد، وهناك عباد، العبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر، فالإنسان الذي عرف الله، بمبادرة منه، وأحبه، وأطاعه وأقبل عليه، والتزم بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، هذا عبد الشكر، وجمعه عباد. ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾
( سورة الفرقان الآية: 63 )
بينما الذي ركب رأسه، وتحكمت به شهوته، وعبد شهواته من دون الله فهذا عبد القهر، هو عبد لله، لأنه مقهور، لأنه في قبضة الله، ففي أية ثانية ينتهي عند الله، فهذا عبد القهر جمعه عبيد. ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
( سورة فصلت الآية: 46 )
2 – الشهوة حيادية:
كما قلت في درس سابق: الشهوة حيادية، لأنك مخير يمكن أن تكون الشهوة سلماً ترقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون الشهوة نفسها دركات يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين، هي حيادية، ولا أدلّ على ذلك من هذا المثل الذي استخدمه كثيراً:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/02.jpg
الوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة، وسال في الأنابيب المحكَمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة، السائل هوهو، إذا صُب على المركبة أعطى شرارة أحرقت المركبة ومَن فيها، فكما أن هذا الوقود السائل قوة محركة نافعة رائعة، هو قوة مدمرة ماحقة، هكذا الشهوة، اعتقد اعتقاداً يقينياً أن الشهوات حيادية، فهي سلَّمٌ ترقى بها إلى أعلى عليين، ودركات يهوي بها الإنسان أحياناً إلى أسفل سافلين.
ضربت مثلا، إنسان يتزوج امرأة صالحة تسره إن نظر إليها، تطيعه إن أمرها، تحفظه إذا غاب عنها، ينجب منها أولاداً أبراراً، وبنات مؤمنات يتزوجن شباب مؤمنين، تجد الأسرة رائعة، أحفاد وأحفاد الأحفاد أناس صالحون، تربيتهم عالية، وعناصر طيبة في المجتمع، رأس هذه الأسرة له مكانة مرموقة جداً، مع أنّ أصل هذا المشروع علاقة جنسية ، أليس كذلك ؟
والإنسان قد يفتح ملهى ليليا، يمارَس المعاصي والآثام، يسمح لرواد هذا الملهى أن يقعوا في الزنا والحرام، وما إلى ذلك، تجد هذا المكان بؤرة فساد، والأصل علاقة جنسية.
فالشهوات حيادية، يمكن أن ترقى بها إلى أعلى عليين، وبالشهوة يمكن أن يهوي الإنسان إلى أسفل سافلين، والشهوة هي هيَ.
3 – الحظوظ الدنيوية حيادية:
الشهوات حيادية، والحظوظ حيادية، والذكاء حيادي، فقد تكون ذكياً فتستخدم هذا الذكاء في نشر الحق، وقد تكون ذكياً فتستخدم هذا الذكاء في إفساد البشر، وفي جمع الأموال الطائلة من طريق غير مشروع.
الوسامة قد تكون في خدمة الحق، لأن الإنسان إذا كان وسيماً أعانته وسامته على تحقيق أهدافه في الحياة، وقد تكون هذه الوسامة سبباً لوقوع هذا الشاب في آلاف المعاصي والآثام.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/03.jpg
طلاقة اللسان، وجميع الحظوظ حيادية، وجميع الشهوات حيادية، وجميع الأعطيات الإلهية حيادية، أعطاك الله مالا، فإما أن ينفق في طاعة الله فترقى به إلى أعلى عليين، أو أن ينفق المال في إفساد الناس، وفي ممارسة شهوات لا ترضي الله.
الوجاهة: قد تكون في منصب رفيع فتستخدم هذا المنصب لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، فترقى بهذا المنصب إلى أعلى عليين، وقد تستخدم هذا المنصب لتجميع أموال طائلة بطريق غير مشروع،فتهوي إلى أسفل سافلين ف، الحظوظ، والشهوات، والأعطيات الإلهية كلها حيادية، لأنك مخيَّر فكل شيء حيادي، ترقى به أو تهوي به.
لذلك قرأ بعضهم هذه الآية، وهي قوله تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر ).
جاء الجواب الإلهي الرادع: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 ).
ليس كذلك، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
سؤال أطرحه كثيراً: هل المال نعمة ؟ نعم، ولا، هل الفقر نعمة ؟ نعم، ولا ، كيف ؟ المال نعمة إذا كان كسبه مشروعاً، وأنفق في طريق مشروع.
واللهِ زرت شخصا والد صديقي في العيد قبل سنوات، قال لي: أنا عمري 96 سنة، وقد أجريت البارحة فحوصا كاملة، والنتائج كلها طبيعية، في سن 96، قال لي: والله لا أعرف الحرام، لا حرام النساء ولا حرام المال، من عاش تقياً عاش قوياً. 4 – طاعة الله تجلب الأمن والسعادة والطمأنينة:
أيها الإخوة، الدنيا جميلة بطاعة الله، الدنيا مسعدة بطاعة الله ، هذا الذي يطيع الله عز وجل أعطاه الله عز وجل حقًّا عليه.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/04.jpg
عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ:
(( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا... ))
[ متفق عليه ]
أنت أيها المؤمن، يا من تحضر هذا الدرس، ويا من يسمع هذا الدرس، إذا أطعت الله فيما أمرك أنشأ الله لك حقاً عليه، ألاّ يعذبك. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 30 ).
والله أيها الإخوة، أنا لا أصدق أن يجتمع في قلب المؤمن خوف، أو قلق، أو إحباط أو سوداوية، الله عز وجل طمأنك في القرآن الكريم قال لك: إنني أدافع عنك، الله في عليائه يدافع عنك. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
( سورة الحج الآية: 38 ).
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية: 296 ).
يؤتيك الرضى، أنت راضٍ عن الله، يؤتيك الأمن، وهي أغلى نعمة على الإطلاق. ﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/05.jpg
يؤتيك السعادة، يؤتيك السكينة.
فلذلك أيها الإخوة، الشهوات حيادية، بالعكس لولا الشهوات لم ترقَ إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنة، تصور أن كل شيء مباح، بمَ تتقرب إلى الله ؟ فإذا وجِدت محرمات، فبغض البصر تتقرب إلى الله، وبترك دخل مشبوه تتقرب إلى الله، وبضبط اللسان تتقرب إلى الله، الغيبة محرمة، والنميمة كذلك، والإيقاع بين الناس، والكبر، وارتكاب خمسين معصية باللسان، فإذا اجتنبت كل هذه المعاصي، ضبطت سمعك، ضبطت بصرك، ضبطت لسانك، ضبطت حركتك، ضبطت يديك، ترقى إلى الله.
فلذلك أؤكد لكم لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنات، هذه الجنات التي تجري من تحتها الأنهار. ﴿ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا ﴾
( سورة الرعد الآية: 35 ).
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
( سورة الحاقة ).
5 – في الإسلام تنظيم للشهوة، وليس فيه حرمان:
أيها الإخوة، أنا أخاطب الشباب، أنت في بداية حياتك، إياك أن تعتقد، أو أن تتوهم أن هناك في الإسلام حرمانا، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، الشعور بالحرمان لا أصل له في الدين، لأن هذا الدين دين الفطرة، وأيّة شهوة أودعها الله فيك جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، حتى شهوة العلو في الأرض موجودة في كل إنسان، لها أسماء متعددة، يسميها علماء النفس تأكيد الذات، يسميها بعضهم الشعور بالتفوق، يسميها بعضهم الآخر السيطرة، هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان يمكن عن طريق طلب العلم، والعمل الصالح أن تروى، وأن تكون في موضع تكريم لك، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/06.jpg
ما مِن إنسان يطلب العلم إلا وله مكانة عند الله عز وجل، نحن في العمرة يأتي إلى هذا المسجد ملايين مملينة كل عام، يقولون: يا سيدي، يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد، لأنه عرف الله، وحمل لواء الدعوة. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾
( سورة الأحزاب )
ثم تقف أمام الصديق، تقول له: يا صاحب رسول الله، يا من قال النبي بحقك: ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، ما ساءني قط.
تقف أمام قبر سيدنا عمر، يا أيها الفاروق، لو كان نبي بعدي لكان عمر.
هؤلاء الذين صدقوا، وآمنوا، واستقاموا، وأخلصوا، وأحسنوا، رفع الله ذكرهم، والذين عارضوا وكذبوا أين هم ؟ في مزبلة التاريخ، أبو جهل، هل يقول أحد: سيدنا أبو جهل !!؟ مستحيل.
أيها الإخوة الكرام، الشهوة هي هي، ترقى بها أو تهوي بها، هي حيادية، وأنت مخير، أو لأنك مخير هي حيادية، أية شهوة أودعها الله فيك ترقى بها إلى أعلى عليين.
6 – حركةُ الشهوة، والشرع أعطاها حيزا محدودا:
لكن هناك شيء آخر: ما من شهوة أودعت فيك إلا لها قناة نظيفة تسري خلالها ، لذلك مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، أنت معك منهج، الآن الفكرة الدقيقة جداً الشهوة حيادية، لكن الحركة فيها 180 درجة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/07.jpg
أنت في طريق عن اليمين وادٍ سحيق، وعن اليسار وادٍ سحيق، تركب مركبة، المقود بيدك، لكن المقود فيه حركة واسعة، 90 درجة، و90، الـ90، الأولى على الوادي، والـ90 الثانية على الوادي، هلاك محقق، المقود يتحرك 180 درجة، 90 نحو اليمين، و90 نحو اليسار، والطريق عرضه 60 مترا، يتحمل تحريك المقود زاوية مع اليمين ثلاثين، وعلى اليسار ثلاثين، لكن الـ60 مسموح بها، الـ60 تبقى على الطريق، إذا حرفتَ المقود ضمن الـ60 درجة تبقى في الطريق، إذا تجاوزت هذا الرقم يكون صاحب هذه المركبة في الوادي، وقد انتهت حياته.
الشهوة حركتها واسعة، والمنهج أعطاك حيز محدود، الدين كله، فلسفة الدين كلها أن تأتي حركتك في هذه الدرجات الـ60، المال ممكن سرقة، ممكن اغتصاب ممكن احتيال، ممكن تزوير، ممكن مكر، ممكن كذب، ممكن غش، ممكن، ممكن في مليون ممكن، وفي كسب مشروع أساسة الأمانة والإتقان، ما دام المقود بالـ60 درجة أنت على الطريق، سالم، غانم سالم، فإذا الحركة تجاوزت هذه الدرجات الستين في الوادي ما هو الدين ؟ الدين http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/08.jpg
هو الضبط، أن تضبط حركتك بدافع شهواتك وفق منهج الله، وفق الحيز الذي سمح الله لك به، هذا هو الدين، هذه هي الاستقامة، هذا هو العمل الصالح، أن تأتي الحركة وفق منهج الله، أو أن تبقى حركة المقود بالستين درجة، الستين تبقى على الطريق، أكثر إلى الوادي، يمنة أو يسرى.
لذلك قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
الجنة كلها لمن ضبط شهواته، يقولون: حضارة المسلمين أساسها ضبط الذات، وحضارة الغربيين أساسها السيطرة وضبط الطبيعة.
حقل البترول في قعر بحر الشمال كيف حُفرت هذه الأبيار في قعر البحر ؟ وكيف لم يدخل الماء المالح إليها ؟ وكيف حصنت ؟ وكيف أودعت الأنابيب ؟ وكيف صب الاسمنت فوق المال ؟ شيء مذهل، استخرجوا النفط من قعر الشمال، وصلوا إلى القمر، وصلوا إلى المريخ، وصلوا إلى المشتري، نقلوا الصورة في العالم كله، نقلوا الصوت ، والعالم الآن قرية، وهناك إنجازات علمية مذهلة، الغرب سيطر على القرية، أصبح العالم سطح مكتب، فبقطعة صغيرة تخاطب العالم كله.
كنت في عرفات، طُلب مني كلمة على الفضائية السورية، ألقيت حديثا سُمع في الخمس قارات، أمامي قطعة تكلمت بها هذا الكلام عُمم على خمس قارات، شيء لا يصدق، وإنجاز مذهل. 7 – ضبطُ الشهوة ثمنُ الجَنة:
أيها الإخوة الكرام، ما من شهوة جعلها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أما ضبط إيقاع الحركة فوفق60 درجة بالضبط، جاءت الآية الكريمة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/09.jpg
ثمن الجنة هو الضبط، ثمن الجنة أن توقع الحركة وفق الحيز الذي سمح الله به ، فلك أن تأكل من طعام حلال، أي اشتُري بمال حلال، وهذا المال الحلال اُكتسب وفق الصدق والجهد الحقيقي، لا وفق الكذب والاحتيال.
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ رواه الطبراني عن ابن عباس ]
لك أن تتزوج امرأة تروق لك بالحلال، لا تخجل بهذا، هذا شيء شرعي، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أشار فقال:
(( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر ].
شيء غير معقول ! لو كانت في الحرام كان عليك وزر، إذاً هو في أجر، من هنا يرقى المؤمن بالشهوة مرتين، يرقى مرة شاكراً، ويرقى مرة صابراً، مثل المنشار يعمل طالعًا ونازلاً، شاكراً، وصابراً.
أنت تمشي في الطريق، مرت امرأة متبذلة متفلتة فغضضت بصرك عنها وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، ارتقيت، دخلت بيتك نظرت إلى امرأتك، مِن حقك أن تنظر إليها، شكرت الله على أن الله أكرمك بزوجة، ترقى إلى الله شاكراً.
تركت مالا حراما ترقى إلى الله صابراً، عملتَ عملا مشروعا، وكسبتَ مالا حلالا، واشتريتَ به طعاماً وشراباً وثياباً ترقى إلى الله شاكراً، ترقى بها مرتين، ترقى بها صابراً، ترقى بها شاكراً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/10.jpg
مرة ثانية: لولا الشهوات لما وصل الإنسان إلى رب الأرض والسماوات، لولا الشهوات لما كانت جنات.
لابد أن تدَعَ بينك وبين المعصية هامش أمان:
الآن مع فكرة فرعية، الزنا محرم، الله عز وجل قال لك: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 ).
الحكمة الإلهية ما قال الله: لا تزنِ، قال:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
أي: اجعل بينك وبين هذه المعصية الكبيرة هامش أمان.
أوضِّح هذا بمثلٍ: تيار كهربائي 8000 فولت، وزير الكهرباء يضع لوحة: ممنوع الاقتراب من التيار، لأن للتيار ثمانية أمتار، مَن دخل في حرم التيار أصبح فحمة سوداء، فلا بد من ترك مسافة بينك وبين التيار، لأن قوة جذبه كبيرة جداً، وهناك شهوات قوة جذبها كبيرة، الله منع الخلوة، منع صحبة الأراذل، منع إطلاق البصر، منع مقدمات الزنا، فمن ابتعد عن مقدمات الزنا كرمه الله، وحماه من الزنا.
(( من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ))
[ متفق عليه ].
(( وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى اللَّه محارمه ))
[ متفق عليه ].
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/11.jpg
لا بد من أن تدع بينك وبين الزنا والمحرمات هامش أمان، تصور الشهوات المحرمة كنهر عميق مخيف له شاطئ مائل زلق، له شاطئ مستوٍ جاف، النهر هنا، بطولتك كمؤمن أن تمشي هنا، شاطئ مستوي جاف متمكّن، أما هذا الشاطئ فزلق ومائل، احتمال السقوط فيه كبير، من هنا جاء قول سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: " الشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة ".
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
( سورة البقرة الآية: 187 ).
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 152 ).
يجب أن تعرف مقام الله، الإيمان كله أن تخاف مقام الله. ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
( سورة الرحمن ).
جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
والله أحد العلماء يقول: " مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، أطيب ما فيها القرب من الله عز وجل "، بدليل: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة الروم الآية: 7 ).
الله عز وجل أثبت لهم علماً بظاهرها.
يقول عالِم آخر: " بستاني في صدري، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ ".
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن كبير جدا:
بصراحة الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ليس فرقاً بين إنسانين، الأول يصلي والثاني لا يصلي، لا، الفرق أعمق من هذا بكثير، بين إنسان متوازن، سعيد، متفائل، آمن، موفَّق، محفوظ، منصور، متقدم، متطور، وبين إنسان خامل، يائس، قلق، حذر، كئيب، معه إحباط، الفرق كبير جداً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/12.jpg
أنا أتمنى أن نوقن يقيناً قطعياً أن الفرق ليس شكلياً، هناك فرق شكلي أحياناً، يكون جسمُ الطالب غير وسيم، لكن الأول، والثاني أطول، الفرق فقط في الطول، وهذا فرق بسيط، هذا الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير جداً، فرق في البنية، فرق في النوع، فرق في الحالة النفسية، الفرق في الثقة بالله، الفرق في التوازن، الفرق في السعادة.
هناك معنى دقيق، الله عز وجل لما قال:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم ﴾
( سورة الحاقة ).
السؤال هنا: ما لم تؤمن بالله العظيم فلن تستقيم على أمره، إبليس آمن بالله، لكن ما عظّمه، قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
( سورة ص الآية: 82 ).
﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
( سورة الأعراف ).
قال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 12 ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/13.jpg
فالبطولة أن تؤمن بالله العظيم، فالأمر ينصب على تعظيم الله عز وجل، فلذلك الإنسان إذا لم يؤمن بالله العظيم لمَ يستحق النار ؟ سؤال عميق جداً، يستحق الإنسان النار إن لم يؤمن بالله العظيم، لأنه عندئذٍ لا يطيعه، وكل إنسان ما آمن بالله لا بد من أن يعتدي على الآخرين.
أوضح مثلٍ، الذي أراد التفلت في شهواته، فهذه فتاة لا تحل له، يمكن أن تكون أمًّا، تكون زوجة صالحة، أمًّا راقية جداً، لما أفسدها انحرفت، فشقيت في الدنيا والآخرة، وهو سبب شقائها، معنى ذلك: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
( سورة المؤمنون ).
لو ما آمنت بالله العظيم، وبقيت مستقيماً فلا مشكلة، لكن إذا ما آمن الإنسان بالله العظيم ففي الأعم الأغلب سوف ينحرف، وانحرافه يعني العدوان، أن يأخذ ما ليس له، فهذا ملمح دقيق في الآية، أن الإنسان إن لم يؤمن بالله العظيم فلا بد من أن ينحرف عن منهج الله القويم.
الإنسان مخيَّر في أعماله:
الآن كل ما يقال أن الشيطان أغوانا، الشيطان أفسدنا، الشيطان وسوس لنا، الآية الصارخة لحاسمة القاطعة، هذه الآية:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾
( سورة إبراهيم الآية: 22 ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/14.jpg
ما مِن إنسان يضل إنسانا، لكن في الظاهر إنسان يضل إنسانا عنده رغبة في الانحراف، أما في الأصل فالإنسان مخير.
الآية الثانية: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 42 ).
أيها الإخوة الكرام، هذه الشهوات سبب رقينا إلى الله، هذه الشهوات سبب دخولنا الجنة، هذه الشهوات سلم نرقى به، هذه الشهوات حيادية، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، إذاً: لولا الشهوات لما ارتقينا إلى الجنة، هي نعمة أم نقمة ؟ هي نعمة.
هناك شعراء لا ينطلقون لا من كتاب ولا من سنة، قال أحدُهم:
خلقتَ الجمال فتنةً وقلت يا عبادي اتقون
***
هذا كلام شعراء. ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾
( سورة الشعراء ).
موازنة سريعة بين صنفين:
الآن مع موازنة سريعة:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا ﴾
( سورة القصص الآية: 61 ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/15.jpg
إنسان انضبط، غض بصره، ضبط لسانه، ضبط أذنه، ضبط دخله، ضبط إنفاقه، أوقع حركته بـ 60 درجة، بقي على الطريق، مات على هذا الحال، هذا إنسان عند الله مكرم، قال تعالى: ﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
( سورة القصص الآية: 61 ).
بينهما بون شاسع:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
فلذلك هذه الشهوات تحقق للإنسان لذائذ، واللذائذ آنية، ومتناقصة، وتعقبها كآبة، أما الإيمان فيحقق سعادة، اللذائذ حسية، تأتيك من الخارج وآنية، ومتناقصة، تتبعها كآبة.
أيها الإخوة، إذاً: حينما يتعرف الإنسان إلى الله عز وجل يوقع حركته انطلاقاً من شهواته وفق الحيز الذي سمح الله به، عندئذٍ يسلم.
العمل الصالح له أثرٌ مستقبلي:
بالمناسبة في الإنسان سلامة وسعادة، بالاستقامة على أمر الله يسلم، لكن بالعمل الصالح يسعد، والفرق كبير بين السلامة والسعادة، أما الإنسان لو انكب على الشهوات وحدها، يقول بعض الفلاسفة: " إذا اتخذت الشهوة مبدأ انقلبت إلى ألم "، والذين يحرصون على شهواتهم دون غيرها، ولا يلتفتون إلى شيء آخر هؤلاء أشقى الناس، وإنّ أشقى الناس في الدنيا أرغبهم فيها، وأسعد الناس في الدنيا أبعدهم عنها، الإنسان له هدف كبير، له هدف نبيل، هدف عظيم أن يعرف الله، أن يقدم عملا صالحا لأمته، هذا الهدف، وهذا العمل يَسْمُوَان به، فيشعر نفسه إنسانا مقدسا، إنسانا عند الله مقربًا، أما إذا التفت إلى شهواته فالشهوات ليس لها أثر مستقبلي، وإذا غرق الإنسان في الملذات، وفي الطعام الطيب، وفي النزهات، هذه اللذائذ كلها لا تصنع له مكانة، ولا قيمة، ولا مستقبلاً.
ملأ أحدُهم حوض الحمام بماء فاتر، وجلس فيه، سُر به، هل تعلم شيئًا ؟ هل يصبح طبيبا ؟ هل يصبح تاجرا كبيرا ؟ الاستمتاع بالحياة ليس له أثر مستقبلي، أما العمل الطيب فله أثر مستقبلي، فإذا عاش الإنسان لشهوته يشقى بها، وإن أشقى الناس في الدنيا أرغبهم فيها، أسعد الناس في الدنيا أبعدهم عنها، لذلك ورد في بعض الأحاديث عَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ:
(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))
[ أخرجه أحمد ]
التنعم وحده يفضي بالإنسان إلى الشقاء، لذلك أعلى نسب انتحار في العالم في دخل أصحابها فلكي، وأكاد أقول: مشكلة الإنسان الآن أنه إنسان بلا هدف، الله عز وجل قال: ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة الملك )
حدِّدْ هدَفك في الحياة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/16.jpg
الذي أتمناه على الإخوة الكرام أنْ حدِّدْ هدفك، واجعل هذا الهدف الله، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، لو اخترت هدفاً آخر أقلّ من إمكاناتك بعد بلوغه تشقى، وتشعر بالفراغ وبالملل، لو اخترت أيّ هدف أرضي، ما دام بعيداً عنك لعلك تحلم به، فإذا وصلت إليه، وأحطت به، واستوعبته انتهى تأثيره، فيبدأ الشقاء.
فلذلك من اختار الله عز وجل اختار الحق الأبدي الأزلي.
من الإعجاز العلمي في القرآن: الماء:
1 – الماء أصل الحياة:
الآن ننتقل إلى موضوع في الإعجاز العلمي، الحقيقة هناك موضوعات ثلاثة، قد يعجب أحدكم أن الحياة على وجه الأرض متعلقة بها، لولاها لما كانت حياة على وجه الأرض، هذا الموضوع هو الماء.
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 30 ).
2 – من خصائص الماء التمدد والانكماش:
ليس الماء وحده، خصيصة فيه، خصيصة واحدة فيه، يتميز بها، وينفرد بها من بين كل عناصر الكون، هذه الخصيصة أن الماء شأنه كشأن أي عنصر، بالتسخين يتمدد، وبالتبريد ينكمش، وأيّ عنصر حتى الحجر، حتى المعادن كلها، حتى الغاز، حتى السوائل كلها، أي عنصر في الأرض تسخنه يتمدد، تبرده ينكمش، الأصل في ذلك أن الحرارة تسرع حركة الذرات، وإن تسرعت حركة الذرات تباعدت، فانقلب الجسم من صلب إلى لزج، إلى سائل، إلى غاز، وذرات الحركة في الغاز كثيرة جداً ومتباعدة، فالغاز ليس له حجم ثابت، ولا شكل ثابت، أما السائل فله حجم سائل، لكن شكله غير ثابت، أما الصلب فله شكل وحجم ثابتان، والشكل والحجم ثابت في الجماد، الشكل متبدل، الحجم ثابت في السوائل، الشكل والحجم متبدل في الغازات.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/17.jpg
تنتقل المادة من حالة صلابة إلى سيولة، إلى حالة غازية بحسب التسخين، وبالعكس إذا كان الشيء سائلا فبرّدناه يجمَّد، كالثلج، والشيء الغازي إذا بردناه يصبح سائلا، اسطوانات الغاز تجد فيها سيولة لأننا بردناها، والتبريد يساوي الضغط، والتسخين يساوي رفع الضغط، فكل عنصر في الأرض بالتسخين ورفع الضغط يتمدد، وكل عنصر في الأرض بالتبريد وبالضغط ينكمش، إلا الماء، الماء فله استثناءات بدرجة واحدة، درجة زائد أربع، أنت تأتي بوعاء ماء في بدرجة 40، فضضته للـ35 طبيعي 20 ـ 25 ـ 20 ـ 10 ـ 5 ـ 4 ـ تنشأ آلية معاكسة، يتمدد.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/18.jpg
فهذا الماء لأنه يتمدد بدرجة زائد أربع فهناك حياة في الأرض، لو انكمش زادت كثافته ما الكثافة ؟ نسبة الوزن لا الحجم، الآن البسمار كثافته عالية، يغوص، أما الفلين لا يغوص، فكلّ شيء كثافته أقلّ من الماء يطفو، وكل شيء كثافته أكبر يغوص.
لو أن الماء إذا تجمد انكمش فزادت كثافته يغوص، وفي بعض الحقب تتجمد جميع البحار، من قعرها إلى سطحها، فإذا تجمدت انعدم التبخر، وإذا انعدم التبخر انعدمت الأمطار، وإذا انعدمت الأمطار مات النبات، ومات الحيوان، ومات الإنسان، فكل حياتنا وحياة النباتات والحيوانات وجميع الكائنات أساسها أن هذا الماء في درجة زائد أربع تنعكس آليته من الانكماش إلى التمدد.
بالمناسبة الماء إذا تمدد فليس هناك قوة في الأرض تقف أمامه، الآن تقتلع الصخور عن طريق تجميد الماء، يحفر صخر، أربع ثقوب، يوضع فيها ماء، ويبرد، تقتلع الصخرة مكعبة من الرخام من أصل الجبل بهذه الطريقة، وأشد أنواع الخلائط المعدنية فيه محرك سيارة، إذا تجمد الماء ينفجر المحرك ويتصدع.
3 – الماء من النِّعم الربانية الكبرى:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/19.jpg
فلذلك أيها الإخوة، هذا الماء من نعم الله العظمى، أولاً: هو شفاف، ثانياً: لا طعم له، لو كان له طعم معين، وجميع الأطعمة، وأنواع الطبخ، والمشروبات بهذه الطعمة، تخرج من جلدك، ما له طعم، ولا رائحة، ولا لون، لو كان لونه زهرا فكل شيء صار زهرا، ويتبخر بدرجة 14، شديد النفور، مهما تكن المسامات ضيقة يدخل منها، ويتبخر بدرجة متدنية، غليان بدرجة معتدلة.
هناك خصائص أنا أعتبر الماء أحد الآيات الكبرى الدالة على الله عز وجل، لولا الماء لما كانت حياة، ولولا أنه يتمدد في الدرجة زائد أربع لما كانت حياة:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
والإنسان 70% من وزنه ماء.
4 – سبعون بالمئة من جسم الإنسان ماء:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/20.jpg
كملاحظة طريفة: لو ضغطنا الإنسان بمكبس ينزل منه 70% من وزنه ماء، والباقي تصنع لوحَ صابون من دهنه، وبسمار حديد، وعود ثقاب، مجموع ثمنه المادي لا يزيد على 20 ليرة سورية، 70% ماء، والمواد الأخرى سعرها منخفض جداً ، وقد أقسم الله بعمر النبي فقال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
( سورة الحجر ).


خاتمة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1400/ar-1400/21.jpg
الإنسان له قلب يكبر، ولا ترى كبره، يتعاظم على كل عظيم، ويصغر ولا ترى صغره، يتضاءل أمام كل حقير.
اسمعوا هذه الكلمة: المؤمن إذا عرف الله فهو أكبر من أكبر مشكلة في الحياة، فإذا ما عرف الله فهو أصغر من أصغر مشكلة في حياته، إن عرفت الله فأنت أكبر من أكبر مشكلة، وإن لم تعرفه فأنت أصغر من أصغر مشكلة.
فليتك تحلــو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غــضاب
ولـيت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين الـــعالمين خراب
إذا صح منك الوصل فالــكل هين وكل الذي فوق التراب تراب



والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السابع عشر )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 3 - العدالة والضبط - ثقب بوتال - آلية المص - خصائص الماء - التجمد







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من فروع الشهوة: العدالة والضبط:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وكنا في اللقاء السابق في موضوع الشهوة، والآن نتحدث عن بعض فروع هذا الموضوع.
(1) العدالة:
بادئ ذي بدء يقول عليه الصلاة والسلام:
(( مَن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
لكن من عامل الناس فظلمهم، وحدثهم فكذب عليهم، ووعدهم فأخلفهم، فقد سقطت عدالته. 1 – مفهوم العدالة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/01.jpg
العدالة هي الصفة التي لا بد من توافرها في المؤمن، فالمؤمن مستقيم، المؤمن لا يكذب، المؤمن لا يحتال، المؤمن لا يتكبر، المؤمن ليس بذيء اللسان، عدالته واضحة، ودائماً وأبداً الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير، في التفكير، في التصورات، في المشاعر، في الرؤية، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، يرى الآخرة، يرى ما بعد الموت، يرى عظمة الله عز وجل، يرى الشقاء الذي يصيب الإنسان لو عصى الله، يرى النعيم المقيم الذي يكافئ الله به عبده المؤمن، يرى الآخرة الأبدية، يرى أن قيمته في الحياة أن يؤمن، يرى أن أثمن شيء في الحياة أن يعمل صالحاً، يرى أن ذكاءه في العطاء لا في الأخذ، وفي خدمة الخلق لا في استخدامهم، يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون.

2 – هذا ليس من العدالة في شيء:
المؤمن ليس عنصرياً، ما معنى عنصري ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/02.jpg
أكاد أقول لكم: العالم كله يصنف وفق هذين التصنيفين، إنساني أو عنصري، فهناك بلد يعامل شعبه معاملة تفوق حد الخيال، ويعامل بقية الشعوب معاملة بالقتل والقهر، والإذلال ونهب الثروات، معاملة سيئة تفوق حد الخيال، نقول: الذين في هذا البلد وطنيون، وقد يكونون قوميين، لكنهم حينما عاملوا بقية الشعوب معاملة وحشية كانوا غير إنسانيين، كانوا عنصريين، لو دققنا في هذا الموضوع، الزوج إذا توهم أن له ما ليس لزوجته فهو عنصري، وأن عليها ما ليس عليه فهو عنصري، لقوله تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (228) ﴾
( سورة البقرة )
الأب الذي عامل زوجة ابنه في البيت معاملة لا يرضاها لابنته عند بيت زوجها فهو عنصري.
الموظف الذي يعامل المواطن معاملة لا يرضاها لنفسه لو كان مكانه فهو عنصري.
حينما تتوهم أن لك ما ليس لغيرك، وأن عليهم ما ليس عليك فأنت عنصري.
البلد الذي يعامل شعبه معاملة راقية جداً، ويعامل بقية الشعوب معاملة ظالمة جداً بلد عنصري.
البلد الذي يعطي حرية مطلقة لمواطنيه، ويمنع الحجاب في بلده الأوربي فهو عنصري، الحريات مطلقة.
البلد الذي يسمح للفتاة أن تتعرى، ولا يسمح لها أن تتحجب بلدٌ عنصري.
أكاد أقول لكم: العالم الآن منقسم قسمين: إنساني وعنصري، في أي موقع أنت، مدير معمل، مدير مؤسسة، صاحب شركة، إذا كان هذا الإنسان الذي عندك تعامله معاملة لا ترضاها لابنك فأنت عنصري.
الأم التي تعامل زوجة ابنها معاملة لا ترضاها لابنتها هي عنصرية.
وما دامت هناك في الأرض عنصرية، فإن أعمال العنف لا تقف، ولن تقف.
النبي عليه الصلاة والسلام تفقد امرأة تقمُّ المسجد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ:
(( أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ ))
[ متفق عليه ]
حينما تشعر أن أي إنسان هو أخ لك فأنت إنساني، وحينما ترحم شاباً في محلك التجاري كما ترحم ابنك فأنت إنساني، وحينما ترحم زوجة ابنك كما ترحم ابنتك فأنت إنساني.
لو صعدنا إلى مستوى أعلى، حق الفيتو عنصري، الحصار الاقتصادي عنصري، منع بلد نامٍ من تطوير حياته هذا منع عنصري، فلذلك المؤمن يتصف بالعدالة، معنى عدالة أي أنه مستقيم، وإنساني، وصادق، وأمين، وعفيف، ومتواضع، ومنصف.
إنسان قال لسيدنا عمر في حضرة أصحابه: " والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله ـ يا لطيف غلط غلطة كبيرة ـ فأحدّ فيهم النظر، وخافوا، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال له: من ؟ قال: أبو بكر الصديق، قال سيدنا عمر: لقد كذبتم جميعاً وصدق ـ عد سكوتهم كذباً ـ قال: والله كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك ".
(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))
3 – مما يجرح العدالة:
أيها الإخوة، لو أنه عاملهم فظلمهم سقطت عدالته، وحدثهم فكذب عليهم سقطت عدالته، ووعدهم فأخلفهم سقطت عدالته، هذا اسمه سقوط العدالة، وعند الفقهاء مصطلح اسمه جرح العدالة، هذا الكأس لو أتيت بمطرقة، وحطمته أكون قد كسرته، وأحياناً يقع من يدي، فنرى فيه خطًّا، العوام يقولون: انشعر، هناك حالة ليست سقوط عدالة، ولكن جرح.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/03.jpg
من مشى حافياً في الطريق جرحت عدالته، من بال في الطريق جرحت عدالته، من أكل في الطريق جرحت عدالته، من أطلق لفرسه العنان، الآن هناك سيارة، السرعة الزائدة تجرح عدالته، من قاد برذوناً، من مشى مع حيوان مخيف ككلب عقور، والكلب يخيف الصغار جرحت عدالته، من علا صياحه في البيت، وهناك بيت هادئ، يقول لك: ثلاثا وعشرين سنة ما سمعنا صوتهم، من علا صياحه في البيت حتى سمعه مَن في الطريق جرحت عدالته، من طفف بتمرة جرحت عدالته، إذا وزنتم فأرجحوا. أو يسلِّط المروحة على كفة معينة، أو الميزان عالٍ لا ترى ماذا فيه، فالتطفيف بتمرة يجرح العدالة، لقمة من حرام، أكل لقمة من حرام يجرح العدالة، تطفيف بتمرة يجرح العدالة، من علا صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق يجرح العدالة، من مشى حافياً في الطريق جرحت عدالته، من بال في الطريق جرحت عدالته، من أكل في الطريق جرحت عدالته.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/04.jpg
صحبة الأراذل تجرح العدالة، إنسان منحرف، إنسان شارب للخمر، إنسان زانٍ كيف تذهب معه في نزهة طويلة ؟ كيف يكون انسجام بينكما، إنسان متفلت لا يعبد الله أبداً، وأنت إنسان ملتزم، فصحبة الأراذل تجرح العدالة.
من تنزه في الطرقات، وهناك طرقات في الصيف مليئة بالكاسيات العاريات المائلات المميلات، كل يوم في نزهة في هذا الطريق يمتع عينيه بهؤلاء.
حدثني أخ صديق له جار متقاعد، زوّج بناته، وزوّج أولاده، ليس له عمل، قال: أنا لي في الصيف سوسة، بالتعبير الدارج، يذهب إلى طريق من أوجه طرقات دمشق عصراً، طريق فيه باعة نسائية من أعلى مستوى، فهذا الطريق مفعم بالنساء، ينطلق من مكان إلى مكان، ويرجع، ومرة ثانية، ويرجع، ويملأ عينيه من محاسن هؤلاء النساء، حدثني هذا الأخ قال: والله أصابه مرض اسمه ارتخاء الجفون، حتى ينظر إلى إنسان يجب أن يفتح جفنه بيده، التنزه في الطرقات من أجل أن تملأ العين بمحاسن الكاسيات العاريات هذا يجرح العدالة.
عدّ الفقهاء حالات كثيرة قد تصل إلى ثلاثين حالة كلها تجرح العدالة.
(2) الضبط:
الضبط صفة عقلية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/05.jpg
يا ترى المؤمن يتمتع بهذه الصفة وحدها أم معها صفة أخرى ؟ صفة العدالة صفة نفسية، فالمؤمن صادق، أمين، عفيف، يغض بصره، يضبط لسانه، إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، فهناك صفة تلازم العدالة هي الضبط، فالمؤمن يتمتع بصفتين: الأولى عقلية هي الضبط، والثانية نفسية هي العدالة.
لا ينقل حديثا موضوعا، بل يتأكد منه، وإذا قرأ آية يتأكد من ضبطها، فهو واعٍ، مدقق، يطلب الدليل، المؤمن المنضبط لا يقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا يرفض شيئاً إلا بالدليل، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
فالعدالة شيء، والضبط شيء آخر، الضبط صفة عقلية، والعدالة صفة نفسية، فالمؤمن من لوازم إيمانه أنه يتمتع بصفة الضبط وصفة العدالة، هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
أيها الإخوة، كما أقول لكم دائماً: بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، والطاعة مطلوبة. الأمر يفيد الوجوب ما لا تصرفه قرينة عن ذلك:
الله عز وجل حينما قال:
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
( سورة آل عمران الآية: 31 ).
الأمر الإلهي فاتبعوني، هذا الأمر له لوازم ؟ إذا قال لك الله عز وجل : ﴿ َأَقِمِ الصَّلَاةَ (45) ﴾
( سورة العنكبوت)
الصلاة لها شيء من لوازمها ؟ ما لوازمها ؟ الوضوء، لأن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية.
أوضح من ذلك إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
( سورة الحشر )
كلمة خذوه هل لها ما يلزمها ؟ أنا أقول متى يمكن أن تعالج ضغطك المرتفع ؟ الضغط المرتفع القاتل الصامت، الجواب بسيط جداً حينما تعلم أن الضغط مرتفع، من لوازم معالجة الضغط المرتفع أن تعلم أن الضغط مرتفع، وكيف تعلم ؟ أنت بحاجة إلى مقياس ضغط، من لوازم معالجة الضغط المرتفع أن تقتني جهاز ضغط، تقيس الضغط من حين إلى آخر، دققوا: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7) ﴾
( سورة الحشر )
من لوازم وما آتاكم، ما الذي آتانا ؟ كيف تأخذ شيئاً لا تعلمه ؟ إذاً لا بد من معرفة سنة رسول الله، فرض عين، وللأصوليين قاعدة، وهي: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، الله عز وجل حينما قال: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
هذه اللام ما إعرابها في الفعل الثاني فليكفر ؟ هل هذه لام الأمر ؟ أيعقل أن يأمرنا الله بالكفر ؟ نقول: هذا أمر تهديد، هذا أمر خرج عن أصل الأمر، أصل الأمر يقتضي الوجوب، أما هذا الأمر فيقتضي التهديد والتخويف لا الوجوب. ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
(سورة الأعراف)
هذا أمر، لكن قد لا يأكل الإنسان، نقول: هذا أمر ندب لا أمر وجوب، فما كل أمر يقتضي الوجوب، لكن أيّ أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
كلمة زهرة ماذا تعني ؟ نبات، إذا قلت: في بيتنا زهرة تلعب، فهناك قرينة تمنع تصور المعنى الحقيقي ـ فمادامت هذه الزهرة تلعب إذاً هي طفل جميل في البيت، نقول: هناك قرينة مانعة من تصور المعنى الحقيقي، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، الله عز وجل قال: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(7) ﴾
( سورة الحشر )
معرفة سنة رسول الله من لوازم الضبط والعدالة:
من لوازم هذا الأمر أن تعلم ما الذي آتاك، وعن أي شيء نهاك، من هنا يمكن أن نقول: إن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، لأنها من لوازم تطبيق هذه الآية، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) ﴾
( سورة الأحزاب)
كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أسوة لنا إن لم نعرف كيف عاش ؟ كيف كان في بيته ؟ كيف عامل زوجته ؟ كيف ربى أولاده ؟ كيف عامل أصحابه ؟ كيف كان في وقت السلم ؟ كيف كان في وقت الحرب ؟ كيف تصرف وهو فقير، وهو غني، وهو منتصر، وهو مضطهد في الطائف ؟ فلا بد ليكون النبي عليه الصلاة والسلام أسوة لنا من أن نقرأ سيرته، إذاً: معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان.
نحن في موضوع الشهوة وأحد فروع هذا الموضوع العدالة والضبط، العدالة صفة نفسية، والضبط صفة عقلية، من لوازم أن تكون عادلاً، وضابطاً أن تعرف سنة النبي القولية وسنة النبي العملية، أيْ سيرته. العلمُ من لوازم الضبط والعدالة:
الآن كلكم يعلم أن هذه الطاولة جماد، ما معنى جماد ؟ شيء أولاً يشغل حيزاً في الفراغ، له حجم، طول وعرض وارتفاع و وزن، فالجماد يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، وله وزن، أرقى من الجماد النبات، وهو شيء يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، له طول، وارتفاع، وعرض، وله وزن، لكنه ينمو، يمتاز النبات على الجماد بالنمو، والحيوان يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، له طول وارتفاع وعرض، وله وزن، لكن يمتاز عن النبات أنه يتحرك ويمشي، النبات ينمو، أما الفيل فينمو ويمشي، الإنسان وزنه ثمانية وثمانين كيلوًا، له وزن، ويشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، ويتحرك كالحيوان، لكنه يفكر، إذاً: أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، إذاً: هو بحاجة إلى علم، هذه القوة الإدراكية تحتاج إلى علم، إذاً: الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، هذه القوة تدعوه إلى المعرفة، فإن لم يطلب العلم هبط هذا الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، إذاً: طلب العلم فرض واجب على كل مسلم، ومجيئك إلى الدرس كي تتعرف على الله، وإلى منهجه، مجيئك هذا ليس ناشئًا من فراغ، وما عندك حل لهذا الفراغ إلا حضور الدرس http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/06.jpg
المعنى أعمق بكثير، حضور الدرس كي تعرف الله، فأنت تحقق الهدف الذي من أجله خلقت، أنت خلقت لمعرفة الله، والله عز وجل خلقك لتعرفه، وأنت إذا عرفته عبدته، وإن عبدته سلمت وسعدت في الدنيا والآخرة، وحققت الهدف من وجودك، إذاً: من لوازم موضوع الشهوة أن تطلب العلم كي تعرف الحلال والحرام، وما ينبغي وما لا ينبغي، والخير والشر، والحق والباطل، والدنيا والآخرة والمادة والروح، أما هذا الإنسان الجاهل الذي يتوهم أن الإنسان هكذا:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)﴾
( سورة القيامة )
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (116) ﴾
( سورة المؤمنون )
تعالى الله أن يخلق إنساناً عبثاً.
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الشهوة، فالشهوة قوة اندفاع، هناك شهوة إلى الطعام والشارب، شهوة إلى الجنس، شهوة إلى العلو في الأرض، هذه الشهوة تحتاج إلى منهج، إذاً: لا بد من طلب العلم كي تكون ضابطاً، ولا بد من أن تتصل بالله كي تكون عادلاً، فالضبط صفة عقلية والعدالة صفة نفسية، لا بد من أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، ولا بد من أن تزكو نفسك باتصالك بالله، فمن أجل أن تكون هذه الشهوة منضبطة وفق منهج الله عز وجل لا بد من هذا وذاك.
لكن أحياناً لما ينحرف الإنسان، ويقصّر في طلب العلم يرتكب الموبقات، ويقصر في أداء الواجبات، وينتهك حرمات الله عز وجل، رب العالمين مُرَبٍّ كيف يؤدبه ؟ عن طريق المصائب بالضبط، السيارة لماذا صنعت في الأصل ؟ من أجل أن تسير، وفيها مكبح، ويبدو أن المكبح يتناقض مع علة صنعها، المكبح ضمان لسلامتها، والمصائب في الدنيا تماماً كالمكبح ضمان لسلامة هذه المركبة. المتابعة والمعاقبة الربانية:
عندنا شيء اسمه متابعة، وشيء اسمه معاقبة، فالإنسان القوي الظالم يعاقب فقط، أما الإنسان الرحيم فيتابَع، المتابعة شيء والمعاقبة شيء آخر، الله عز وجل قال:
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾
( سورة السجدة).
هناك متابعة من الله عز وجل، أقول لكم هذا الكلام: حينما تشعر أن الله يتابعك في الخطأ يسوق لك مصيبة، وفي العلو في الأرض يسوق لك موقفاً حجّمك، وفي الإسراف في إنفاقك يضيق عليك، وفي التقصير في المعاملة ينشب خلاف بينك وبين أهل بيتك، وفي التقصير في بر والديك تطاول ابنك عليك، الله عز وجل يعالج، هذه المعالجة إذا فهمها الإنسان على الله فقد قطع أربعة أخماس الطريق إليه.
إذا أحب الله عبده ابتلاه، وكنت أقول لكم دائماً: فرق كبير بين مريضين:الأول معه التهاب معدة حاد، هذا المرض قابل للشفاء التام، لكن يحتاج إلى حمية قاسية، والورم الخبيث المنتشر هذا مرض عضال غير قابل للشفاء، مرض قاتل، لو أن الأول سأل الطبيب: ماذا آكل ؟ يقول له: الحليب فقط، لو أن الثاني سأل: ماذا آكل ؟ يقول له: كُلْ ما شئت، لا أمل، فما دام الله عز وجل أدخلك في العناية الإلهية، مادام تابعك، ما دام حاسبك، ما دام نبهك، ما دام أيقظك، ما دام ضيق عليك، ما دام شدد عليك، ما دام ساق لك بعض المصائب، ما دام خوفك، ما دام لا سمح الله أمرضك أو أفقرك، هذه المصائب رسائل من الله عز وجل، إذاً: الله عز وجل رب العالمين، لذلك علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول: الله خافض، هو خافض، ولا أن تقول: الله ضار، هو ضار، ولا أن تقول: الله مذل، هو مذل، ينبغي أن تقول: هو المذل المعز، والضار النافع، والخافض الرافع، والمعطي المانع، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع، يذل ليعز، هذه الأسماء الحسنى ينبغي أن تذكر معاً، الضار النافع، والخافض الرافع، والمعطي المانع، لذلك قال ابن عطاء الله السكندري: " ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ".
أحياناً بلد فيه ثروات طائلة، وغنى فاحش، الغنى يتوهمه الناس نعمة، وأحياناً يكون نقمة، ليس في هذا البلد حضارة ولا تفوق علمي، بل فيه أناس يستهلكون، لا عندهم علم ولا حضارة، ولا تفوق ولا ألمعية، بل إن وفرة المال منعتهم أن يتابعوا العلم.
أحيانا ترى ابن يتيم ليس أمامه إلا العلم، يجتهد من شدة الحاجة للمال، فيتفوق وينال الدكتوراه، ويحتل منصبا رفيعا جداً، يأتيه دخل وفير، له قريب والده غني جداً، السيارة موجودة، والطعام الطيب موجود، والبيت موجود، ليس له دافع إلى الدراسة إطلاقاً، أليس هذا الفقر للأول نعمة باطنة جعلته عالماً كبيراً ؟ و أليس هذا الغنى للثاني نقمة ؟ " ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ". الشر المطلق ليس له وجود في الكون:
فقرة أخيرة مهمة جداً، وهي أن الشر المطلق ليس له وجود في الكون، لأن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله.
إذا ركب رجل مركبة، وكان مخمورا، ونزل في الوادي، والمركبة أصابها العطب، منظرها مخيف، صورناها، هل تعتقد أن هناك معملا صنعها هكذا ؟ مستحيل، المصنع يصنعها كاملة، خطوطها انسيابية، ألوانها زاهية أنيقة، أما هذا الوضع فلا يحتاج إلى معمل، يحتاج إلى سائق مخمور فقط، فالشر ليس إيجابيا، الشر سلبي، الشر ناتج عن سوء استخدام فقط، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
[ مسلم عن علي بن أبي طالب ]
الشر لا يحتاج إلى خالق، يحتاج إلى سوء استخدام، الملح مادة نفيسة جداً، لكن لا يوضع في الحلويات، هذا سوء استخدام.
عندك مسحوق تنظيف غالٍ جداً، ضعه في الطبخ انتهى الطبخ.
لسكر له استعمال، والملح له استعمال، ومسحوق التنظيف له استعمال، أحياناً سوء الاستخدام ينتج عنه شر، هذا الشر لا يحتاج إلى خالق، سببه سوء استخدام فقط، ينبغي أن تفهم الشر هكذا في الكون، سائق مخمور قاد المركبة، وهو مخمور نزل في الوادي، أصبح لها شكل مخيف، لا تقل لي: مَن صنعها هكذا ؟ لا تحتاج إلى معمل إطلاقاً، ولا إلى مصمم، ولا تصور إطلاقاً، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
أيها الإخوة، لهذا الموضوع متابعة في درس قادم إن شاء الله، وننتقل اليوم إلى موضوع في الإعجاز العلمي. من الإعجاز العلمي: ثقب بوتال :
الحقيقة في اللقاء السابق بينت لكم أن خاصة في الماء لولاها لما كان هذا الدرس، ولما كان هذا المسجد، ولما كانت دمشق، ولما كانت سوريا، ولما كانت حياة على وجه الأرض إطلاقاً، لولا أن هذا الماء يمتاز وحده بخاصة أنه عند التبريد إلى درجة زائد أربع يتمدد بدل أن ينكمش.

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/07.jpg ثقب بوتال في قلب الجنين يغلق عند الولادة

في قلب الإنسان بين الأذينين وهو في بطن أمه ثقب كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، سمي هذا الثقب ثقب بوتال، لأن الجنين وهو في بطن أمه لا يتنفس هواء، الرئتان معطلتان، لكن كيف يجدد دمه ؟ كيف يكتسب الجنين الأكسجين ؟ عن طريق دم أمه عن طريق المشيمة.
عن طريق المشيمة يذهب دم الجنين الأزرق، ويعود، ويصفى عن طريق رئتي أمه، ويعود الدم إلى المشيمة أحمر اللون، ثم إلى الجنين محملاً بالأوكسجين.
في الجنين وضع استثنائي، لذلك الرئة معطلة، والقلب لا يضخ إلى الرئة، نحن الآن القلب يضخ إلى الرئة، فهناك تنفس الأوكسجين، يأخذه الدم، ويطرح ثاني أوكسيد الكربون، فإذا غطى إنسان رأسه في الليل بالغطاء يشعر بضيق لوجود ثاني أوكسيد الكربون، إلى أن يستنشق الأوكسجين فيعود إلى وضعه الطبيعي.
ليس عند الجنين هواء، والرئة معطلة، لذلك القلب لا يضخ إلى الرئة، فلا بد من وضع استثنائي، فهناك فتحة بين الأذينين ينتقل الدم من أذين إلى أذين، الطفل وُلِد.
والله مرة كنا في الجامعة قال الأستاذ: تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يا رب يد من هذه ؟ من ساق هذه الجلطة حتى أغلقت هذا الثقب، ولمجرد أن يغلق هذا الثقب الطفل يبكي، استنشق هواء، وهذا الثقب لو لم يغلق يصاب الطفل بمرض اسمه داء الزرق، يموت بعد سنوات، يبقى دمه أزرق اللون، لأنه في أثناء عمل القلب هناك طريق طويل للرئة و طريق قصير، إذا كان عندك مضخة، وأمامها أنبوب طويل وفي الأنبوب ثقب، الماء يقترب، أو يرى أن الثقب أقرب له من نهاية الأنبوب، ما دام الثقب مفتوحا فالدم لا يذهب إلى الرئتين، إذاً لا يأخذ الأوكسجين.
إن المشيمة انتهت، والجنين أصبح خارج الرحم، يد مَن تأتي وتغلق هذا الثقب ؟ ثقب بوتال.
والله أيها الإخوة، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته، إغلاق ثقب بوتال، ولحكمة بالغة، ولحالة نادرة مهمتها فقط تأكيد القاعدة أن الله عز وجل كل أربعمئة أو خمس مئة ألف طفل يسمح لطفل واحد أن لا يسدّ هذا الثقب، فيحتاج إلى عملية تكلف أربعمئة ألف ليرة، ونجاحها بالمئة خمسون، لإغلاق ثقب بوتال.
مرة أخ حدثني قال لي: إذا أكرم الله عز وجل إنسانا بغلام سليم قال: هذا الغلام معه هدية مليون ليرة، ما فهمت عليه، كيف ؟ أين المليون ؟ قال لي: ابن ابنتي ولد بشريان عكس الوريد، وفي ببلد عربي مجاور طبيب واحد مختص بإجراء هذه العملية، قال: طلب أربعمئة ألف، والمستشفى ثلاثمئة ألف، والسيارة من دمشق إلى بيروت بخمسين ألفا، قال: دفعت سبعمئة وخمسين ألف ليرة خلال ساعتين في الولادة، أو يموت الطفل.
هناك أشياء دقيقة جداً، هذا الثقب لو ما أغلق لما كان درس، لو كان كل الصغار بثقب مفتوح لا يبقى أحد على قيد الحياة، أنا آتي بأفكار يسمونها حدية، كيف هذه الخاصة بالماء تلغي الحياة، وثقب بوتال إذا لم يسد تلغى الحياة، ولا يعيش إنسان. آلية المص عند المولود:
شيء أخير، الطفل ولد الآن، في أثناء تنظيفه تمر أصبع الممرضة أمام شفتيه فيمصها، المص آلية معقدة جداً، يضع الطفل الذي ولد لتوه شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويحكم الإغلاق، ويسحب الهواء فيأتيه حليب.

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1401/08.jpg المص آلية معقدة جداً يتقنها الوليد ليحصل على حليبه

بالمناسبة أول يومين يأتيه حليب أسود، يأتيه حليب هو ليس بحليب، بل مادة مذيبة للشحوم في جهازه الهضمي، لأنه ممتلئ بالشحوم، هذه الشحوم تقي أن تلتصق الأمعاء ببعضها، الأمعاء أنبوب، إذا لم يكن فيها شحوم تنمو مع بعضها، ويصبح الموت محققا، فهذه المادة تمنع التصاق الأمعاء، أول أربع وعشرين ساعة مادة مذيبة للشحوم، الطفل الذي ولد لتوه لونُ برازه أسود، هذا من الشحوم، ثم يأتي الحليب.
الآن سؤالي: هل هناك قوة في الأرض، أو أكبر جامعة في العالم بإمكانها أن تعلم طفل المص ؟ إنها آلية معقدة جداً، هذه يسميها علماء النفس منعكسا، كيف أنك أحياناً تمشي في الطريق، ومع أحدهم دخينة، تمس الدخينة بيدك فتسحبها، تسحبها قبل أن تفكر.
مرة كنت أمشي بسيارتي في شارع ضيق فيه مزاريب، والمطر غزير، وركب إلى جانب أخ، لما نزل المزراب على البلور رجع إلى الوراء، هناك بلور، لكن هذا منعكس، المنعكس الشرطي أسرع من التفكير.
الإنسان يولد معه منعكس واحد، منعكس المص، ولولا هذا المنعكس لما كان هذا الدرس، ولا جامع النابلسي، ولا دمشق، ولا سوريا، ولا أي مكان في العالم. خاتمة:
ثلاث خواص، خاصة الماء، ثقب بوتال، منعكس المص، هذه من نعم الله الكبرى، وأحياناً يأتي طفل واحد من كل خمسمئة ألف طفل ليس معه هذا المنعكس فيموت ولا يعيش، يموت من الجوع، علّمه كيف يمص ثدي أمه !!! إنها آلية معقدة جداً تولد مع الطفل، وهذه آيات الله عز وجل:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة : طه ).
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة: التين ).
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) ﴾
( سورة النمل: 88 ).
التفكر في خلق السماوات والأرض يعد أقصر طريق على الله، وأوسع باب ندخل منه على الله.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثامن عشر )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 4 - تفسيرات المصائب - البقرة مصنع كامل وصامت










الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة لموضوع الشهوة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الشهوة، وإلى الموضوع الفرعي وهو العدالة والضبط، واليوم ننتقل إلى موضوع آخر متعلق بالشهوة.
1 – الله ربُّ العالمين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/01.jpg
إن الإنسان حينما يتحرك في الحياة حركة بدافع من شهواته بخلاف منهج الله ما الذي يكون ؟ أول حقيقة أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين، معنى رب العالمين أي يربّينا، يربّي أجسامنا، ويربّي نفوسنا.
من أجل أن تتضح هذه الحقيقة لا بد من مثل: مدير مؤسسة عيّن موظفًا تحت التجريب لستة أشهر، مهمة هذا المدير أن يحصي على هذا الموظف أخطاءه، فإذا بلغت حداً لا يحتمل صرفه، لأن مهمته إحصاء أخطائه، فلو أن هذا الموظف هو ابن صاحب المؤسسة فهل تكون القضيةُ قضيةَ إحصاء ؟ إنها قضية تربية، عند كل خطأ ينبهه، يبين له، ينصحه، يرشده، يوجهه، بدافع من رحمة الأب، وحرصه على نجاح ابنه في هذه الوظيفة يتابع حركته، يدقق في أخطائه، يوجهه، ينصح، يرشد، وأحياناً يعاقب، وأحياناً يشدد، كل هذه المتابعة، كل هذا التشديد رحمة بهذا الموظف الناشئ لينجح في عمله.
2 – الشهوة حيادية:

لذلك الله عز وجل رب العالمين، خلقنا ليرحمنا، إذاً: هذه الشهوات كما قلنا في درس سابق حيادية، فإما أنها سلم نرقى بها إلى أعلى عليين، أو أنها دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين، هي حيادية، بل لأن الإنسان مخير كانت كل شهواته، وكل حظوظه، وكل خصائصه حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها.
الآن نحن أمام حالة، إنسان تحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، إما في كسب ماله، أو في علاقته بالنساء، ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل رب العالمين، النقطة الدقيقة أنه لا بد من لفت نظر، وقد يكون هذا لفت النظر كلاماً يسمعه من صديق، أو كلاماً يسمعه من مدرِّس، أو من شيخه، وقد يكون لفت النظر هذا مصيبةً تحل به، ولها علاقة بنوع خطئه، العلاقة بين المصيبة وبين الخطأ تعليم من الله أن يا عبدي أن هذه الشدة من أجل كذا، أي أنه لا بد من أن يتابعه الله عز وجل. 3 – المتابعة الربانية رحمة بالعبد:
بالمناسبة: أنت حينما تشعر أن الله يتابعك، هذا فضل من الله كبير، حينما تشعر أن الله سيحاسبك، سوف يلفت نظرك، بنصيحة، بشدة، بشبح مصيبة، بتضييق بإفقار، بموقف محرج جداً يضعك فيه هذا يعني أنك في العناية المشددة، هذا يعني أنه يمكن أن تشفى من هذا الخطأ، وأن هذا المرض الذي أنت فيه قابل للشفاء، وأنه يمكن أن تعود صحيحاً معافىً كما ينبغي أن تكون.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/02.jpg
إذاً: حينما تشعر أن الله يتابعك، وأن الله يحاسبك، وأن الله يلفت نظرك، وأن الله يؤدبك، وأن الله يضيق الله عليك، وأنه يلقي في روعك أن هذه الشدة من أجل كذا، فإما إلقاء في الروع، أو شرح من إنسان تسأله، أو من علاقة متينة بين المصيبة والذنب الذي اقترفه الإنسان، حينئذ تنتبه إلى أعمالك.
رجل استحقت عليه زكاة ماله، زوجته ضغطت عليه، وضيقت عليه، وتمنت عليه أن يجدد أثاث البيت، فاستجاب لها، وجدد أثاث البيت بالمبلغ الذي كان يمكن أن يكون زكاة، والزكاة فرض حتمي، يقول لي هذا الإنسان: أصاب مركبته حادث، مجموع كلفة إصلاح هذا الحادث يساوي تماماً المبلغ الذي كان عليه أن يدفعه زكاة، ولم يدفعه، فتشابهُ المبلغين رسالة من الله أن يا عبدي لقد أخطأت، وأنا ألفت نظرك بهذا الحادث.
قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة السجدة )
بل إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾
( سورة البقرة )
أيها الإخوة: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة الروم )
الآن قد يسأل سائل: ما فلسفة المصيبة في الإسلام ؟ 4 – المصيبة ضمان لسلامة المؤمن:
بشكل مبسط واضح: لماذا صنعت السيارة ؟ الجواب: من أجل أن تسير، بتعبير منطقي علة صنعها هي السير، صنعت السيارة من أجل أن تسير، أي أن علة صنعها هو السير، ولماذا وضع فيها المكبح ؟ المكبح في فلسفته يتناقض مع علة صنع السيارة، السيارة صنعت من أجل أن تسير، والمكبح يوقفها، هناك تناقض بين علة صنع السيارة وحقيقة المكبح، المكبح يوقفها، وهي صنعت من أجل أن تسير، ألا ترى معي أن أخطر جهاز في المركبة هو المكبح، لأنه ضمان لسلامتها.
وتأكد ولا أبالغ أن كل أنواع المصائب في الدنيا هي ضمان لسلامة المؤمن.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/03.jpg
وفي دروس أخرى لا بد من شرح معنى المصيبة، المصيبة التي تصيب الشاردين، والمنحرفين، والعتاة، والمجرمين مصيبة قصم، أو ردع، بينما المصائب التي تصيب المؤمنين هي مصائب دفع أو رفع، أما مصائب الأنبياء فهي مصائب كشف لكمالات كامنة فيهم.
إذاً: كما أن المكبح من أخطر الأجهزة في المركبة لأنه ضمان لسلامتها، كذلك المصائب مع أنها مؤلمة، مزعجة، بل إن الله سبحانه وتعالى سما في كتابه الكريم المصائب نعم باطنة.
﴿ وَأَسْبَغ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان الآية: 20 )
وحينما تدخل إلى مسجد، وترى في المسجد آلافا فاعتقد يقيناً أن عدداً كبيراً منهم ساقه الله إلى بابه بعد معالجة حكيمة، وحينما يكشف الله لك يوم القيامة عن سر ما ساقه لك من متاعب في الدنيا يجب أن تذوب محبة لله على كل ما ساقه لك.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/04.jpg
أنت مخير فيما كُلفت، لكنك مسير في كونك ذكراً أو أنثى، مسير في أمك وأبيك ، مسير في مكان ولادتك، مسير في زمن ولادتك، مسير في قوامك وشكلك، مسير في قدراتك، هذه لصالحك، ويوم القيامة يكشف عن سر القضاء والقدر، ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، هذا كمال مطلق لوضعك.
إذاً: هذه الشدائد، وهذه المتاعب، وهذا التضييق للمؤمن تربية حكيمة من الله عز وجل، وحينما تقرؤون في سورة القلم قصة: ﴿ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾
( سورة القلم )
لا يطعمون أحداً من الفقراء من غلّة بساتينهم، الله عز وجل قال: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
( سورة القلم )
بالتعبير المعاصر أصاب البساتين موجة صقيع. ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
( سورة القلم )
كأنها بساتين قد قطفت ثمارها. ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾
( سورة القلم )
ليست بساتيننا، ثم تأكدوا أنها هي، قالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
الآن المغزى والشاهد: ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
( سورة القلم )
يا عبادي، جميع أنواع الشدائد التي أسوقها لكم في الدنيا من هذا النوع، رسالة ولفت نظر، فانتبهوا.
إذاً: حينما ينحرف الإنسان عن منهج الله، أو حينما يتحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، الله عز وجل لا بد من أن يربيه، لا بد من أن يؤدبه، لا بد من أن يلفت نظره، وبطولة المؤمن أن يفهم على الله سرَّ أفعاله معه، قال تعالى: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
( سورة النساء )
وفي الحديث الصحيح القدسي:
(( يا عِبادِي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))
[ رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه ]
كلام واضح كالشمس:
(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))
هذه حقائق، آيات قرآنية، أحاديث صحيحة، توجيهات نبوية المصائب لها حِكم بليغة، المصائب لها حِكم عميقة، المصائب في خدمة الإنسان، المصائب نعم باطنة، هذا للمؤمن. 5 – اتباع الهوى وفق شرع الله جائز:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/05.jpg
أيها الإخوة الكرام، ماذا ينبغي أن يكون حينما يتحرك الإنسان في دنياه بعيداً عن منهج ربه، لكن بالمناسبة ينبغي أن تعلموا علم اليقين أن الذي يتحرك بدافع من شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه، الدليل:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
المعنى المخالف: أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، معنى ذلك أنه ليس في الإسلام حرمان، الإسلام دين الفطرة، الإسلام دين الواقعية، الإسلام راعى في الإنسان حاجاته وقيمه، راعى جسمه وروحه، راعى الدنيا والآخرة، ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، بل فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها. كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
أيها الإخوة، الآن الإله العظيم، الرب الرحيم، المربي الكريم كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
الحقيقة من خلال الكتاب والسنة هناك إجراءات في حق هذا الشارد.
1 – الدعوة البيانية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/06.jpg
أول إجراء بحقه الدعوة البيانية، وأنت صحيح معافىً، في بيتك، بين أهلك، بين أولادك، في عملك ما مِن مشكلة، ولا ضغط، هناك من ينصحك، هناك من يبين لك، إما من خلال خطبة، أو من خلال درس، أو من خلال كتاب، أو من خلال شريط، أو من خلال نصيحة، أو من خلال محاضرة، أو من خلال ندوة، هذه هي الدعوة البيانية، الهدى البياني كلام، وأرقى علاج إلهي، وأرقى إجراء إلهي لهذا الذي شرد عن منهج الله الدعوة البيانية، وأكمل موقف يقفه الإنسان من خلال هذا البيان الذي ساقه الله إليك أن تستجيب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 24 )
دعوة إلى الهدى، نصيحة إلهية. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾
( سورة التحريم الآية: 8 )
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾
( سورة الحديد الآية: 16 )
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
أسعد إنسان ممن شرد عن الله عز وجل حينما يأتيه الهدى البياني، النصح الرباني، القرآن الكريم، البيان الإلهي، الحديث النبوي، خطبة، محاضرة، درس، نصيحة، مناظرة، ندوة، يصحو، يقول: يا رب عدت إليك، هذا أكمل شيء، وأنت صحيح، وفي بيتك، وأولادك أمامك، وأهلك معك، وفي عملك، كرامتك موفورة، صحتك موفورة ، جاءت نصيحة ربانية من خلال قرآن، أو سنة، أو عالم، أو داعية، أو ندوة، أو خطبة...إلخ.
فإن لم يستجب الإنسان لهذه الدعوة، وبقي مقيماً على معصية، مؤثراً شهوته أصم أذنيه عن نداء الله عز وجل، لم يرعه، لم يستجب، وغلبته شهوته. ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾
( سورة المؤمنين الآية: 106 )
ما الذي يحصل ؟
أول مرحلة لطيفة، ناعمة، سلمية، دعوة بيانية، نصيحة، وتخلّق بهذا الخلق، قبل أن تعاقب، قبل أن تضرب، قبل أن تقطع، قبل أن تصب جام غضبك، انصح، بيّن، وضح. 2 – التأديب التربوي:
إن لم يستجب الإنسان للدعوة البيانية فهناك تأديب تربوي، هنا دخلنا في مرحلة أصعب.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/07.jpg
أحياناً يقول الطبيب للمريض: معك قرحة في المعدة، أو معك التهاب حاد في المعدة، هناك طريقان ؛ إما أن تتبع حمية قاسية جداً لا تحتاج معها إلى عمل جراحي، حمية قاسية جداً شهرا بكامله، على الحليب فقط، هذا الالتهاب يزول، وإن آثرت أن تأكل ما تشتهي فلا بد من عمل جراحي، القضية بيدك.
لذلك الآية الكريمة:
﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة البقرة ).
﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ﴾
من أمراض،
﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾
الله عز وجل رب رحيم،
﴿ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
إن ذكرت أو لم تذكر، إن اعترفت أو لم تعترف، إن أخفيت أو أظهرت.

﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
اختر أيها المؤمن،
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ﴾
بالتوبة والاستقامة والاستجابة،
﴿ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾
بالتأديب التربوي.
إذاً: أول مرحلة الهدى البياني، الدعوة البيانية، إن لم تستجب تخضع لمعالجة أشد، ألا وهي التأديب التربوي، اعتقد يقيناً أن الله يحبك، وأن الله لن يدعك تفعل ما تشاء، من دون أن يربيك، اعلم علم اليقين إما أن تأتيه طائعاً، أو أن تأتيه مضطراً.
مرة أراد رجلٌ أن يسألني سؤالاً عن جوهر الدعوة إلى الله التي أمارسها، فأجبته إجابة فيها دعابة، قلت له: ملخص الدعوة بالتعبير الدارج طبعاً: إمّا أن تأتيه ركضا، أو يأتي بك ركضا، إما أن تأتيه طائعاً بمبادرة منك، بصلح معه بتوبة، بإنابة، بندم، أو الله عز وجل متكفل أن يأتي بك إليه مضطراً.
قال لي أحدهم: كان في موسم كبير جداً جاءته أرباح طائلة، القصة في السبعينات ، قال لي: أردت أن أذهب إلى بلاد بعيدة من دون زوجتي، حتى أنفق مبالغ فلكية على الملذات والشهوات، هكذا خطط، وصل إلى هناك شعر بآلام في ظهره، دخل إلى المستشفى، التشخيص ورم في النخاع الشوكي، قطع رحلته، وعاد إلى الشام، من مسجد إلى مسجد ، ومن طبيب إلى طبيب، وقد شفاه الله عز وجل.
الله عز وجل حكيم، كل واحد فيه نقطة ضعف، وأحيانا إنسان غني كبير المال ما له قيمة عنده، لكن كرامته لها قيمة كبيرة، كل واحد يعالجه الله عز وجل معالجة يأتي به إليه، لأنه يحبنا، لأنه خلقنا ليسعدنا، لأنه خلقنا ليرحمنا، لأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض.
والله أيها الإخوة، يوم القيامة حينما تكشف الحقائق يجب على الإنسان المؤمن أن يذوب محبة لله عز وجل على ما ساقه له من شدائد، فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
كنت أقول لكم دائماً: الماس أصله فحم، لكن هذا الفحم جاءته ضغوط، وحرارة قلبته إلى ألماس، وهناك ماسة في استنبول ثمنها 150 مليون دولار، لكن قطعة فحم بحجمها ما ثمنها ؟ خمسة قروش، الفرق بينهما أن الفحم حينما تأتيه الضغوط يصبح ألماساً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/08.jpg
لن تدخل الجنة إلا إذا كنت طاهراً، والتطهير في الدنيا معالجات إلهية حكيمة، لذلك ارضَ عن الله.
إنسان يطوف حول الكعبة قال: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ! قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وبطولتك إذا ساق الله لك مصيبة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أن تقول: الحمد لله رب العالمين، لأن الله عز وجل أفعاله كلها رحيمة، وكلها حكيمة، وكلها عادلة، فإمّا أن تستجيب لله إذا دعاك إليه، وإلا تخضع للتأديب التربوي، فيسوق من الشدة ما يحملك على طاعة الله، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
( سورة التوبة الآية: 118 )
يعني تابوا فقبِل الله توبتهم.
الآية الأخرى:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
في بعض معاني هذه الآية: أنه ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة.
البطولة أن تأتيه قبل أن تأتي الشدائد، أن تصلي قبل المصيبة، أن تتجه إليه وأنت صحيح شحيح، أن تتجه إليه وأنت قوي، أن تتجه إليه وأنت غني، أن تتجه إليه ولا تشكو شيئاً.
التأديب التربوي أهم شيء فيه التوبة إلى الله، فقد دعاك دعوة بيانية ينبغي أن تستجيب، الآن أخضعك للتأديب التربوي ينبغي أن تتوب، فإن جاء التأديب التربوي ولم تتب فهناك حل ثالث. 3 – الإكرام الاستدراجي:
الحل الثالث عدد الناجين فيه قليل، يخضعك إلى ما يسمى بالإكرام الاستدراجي، يعطيك الدنيا، بمالها، بمكانتها بمباهجها، بشهواتها، لعلك تستحي، لعلك تتوب، لعلك تشكر، الموقف الكامل فيه الشكر، الشكر ثم التوبة.
4 – القصم والإهلاك:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/09.jpg
فإن بيّن لك ولم تستجب، وأدبك ولم تتوب، وأكرمك ولم تشكر، نعوذ بالله من المرحلة الرابعة، يأتي القصم.
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
أيها الإخوة، هذه مراحل.
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل منها أن تستجيب لله لأنه دعاك إلى ما يحييك.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل أن تتوب.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل أن تشكر.
المحلة الرابعة: يأتي القصم. إياك أن تصل مع الله إلى طريقٍ مسدود:
إن أخطر شيء في حياة الإنسان أن يصل مع الله إلى طريق مسدود، كيف ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/10.jpg
ثمة إنسان ارتكب جريمة قتل ـ لا سمح الله ولا قدر ـ سيق إلى السجن، خضع إلى محكمة الجنايات، حكم عليه بالإعدام، نقل الحكم إلى التمييز، إلى محكمة النقض، محكمة النقض صدقت حكم محكمة الجنايات، رفع الحكم إلى رئاسة الجمهورية ليصدق عليه، وصدق عليه رئيس الجمهورية، وحُدد يوم معين لتنفيذ الإعدام، هذا الإنسان قبل أن يُعدم يحب أن يضحك فليضحك، لا بد من أن يعدم، يحب أن يبكي فليبكِ، يحب أن يتوسل فليتوسل، لا بد من تنفيذ هذا الحكم، نقول: هذا الإنسان مشى في طريق مسدود.
أنا أقول أنصح نفسي، وأنصح من حولي، إياك ثم إياك ثم إياك أن تمشي في طريق مسدود، أن تبالغ في إيقاع الأذى بالناس، عندئذٍ يأتي القصم، يأتي الانتقام، فدَع للصلح مكاناً، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، اسأل نفسك: هل عملي يرضي الله ؟ هل هناك ظلم أقترفه ؟ هل أبني مجدي على أقاض الآخرين ؟ هل أبني حياتي على موتهم ؟ هل أبني عزي على ذلهم ؟ هل أبني غناي على فقرهم، ماذا أفعل ؟ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
التعلّم بالنص سبيل الإنسان الذكي، والتعلم بالواقع من سبل الحيوان:
فسنة الله مع خلقه تبدأ من الدعوة البيانية، إلى التأديب التربوي، إلى الإكرام الاستدراجي، إلى القصم، فالبطولة أن تبقى في أول مرحلة، تستمع، وتستجيب، وهذا أكمل شيء في الإنسان، والإنسان كلما ارتفع مكانه تعلم بالنص، ولم يتعلم بالواقع.
إذا قرأ الإنسان موضوعا دقيقا عن أخطار التدخين، وترك الدخان لهذا الموضوع، أو لحكم شرعي، هذا يكون في أعلى مستوى، أما حينما يدع التدخين بعد الورم الخبيث يكون قد تعامل لا بعقله بل تعامل بأحاسيسه.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/11.jpg
أوضح مثل: إنسان ركب مركبته ليسافر إلى حمص، في أيام الشتاء، خرج من دمشق فرأى لوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك، مقصده حمص، وله مبلغ كبير جداً في حمص، الطريق مغلق، هو الآن في ظاهر دمشق ، ماذا يفعل ؟ يعود، ما الذي حكَمه ؟ اللوحة، أربع كلمات أعطته قرارًا بالعودة، لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع، حكم العاقل النص، وحكم الدابة الواقع.
اسأل نفسك سؤالا محرجا، ما الذي يحكمك ؟ نصوص القرآن والسنة، أم الواقع ؟ الذي يخاف بعقله إنسان راقٍ جداً، والذي يخاف بأحاسيسه إنسان غبي جداً، فكلما ارتقى مقامك تخاف بعقلك، تخاف من النص، تخاف من تحذير الله لك، تخاف من وعيد الله، وكلما هبط مستوى الإنسان، وجاءه قضاء الله، جاءته المصيبة عندئذٍ يقول:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
( سورة الفجر )
خيار الإنسان مع الإيمان مسألة وقت فقط:
إخواننا الكرام، هناك نقطة مهمة جداً، خيارك مع الإيمان خيار وقت، مع مليون موضوع أنت مخير خيار قبول أو رفض، عرضوا عليك بيتاً لم يعجبك، فرفضته، عرضوا عليك فتاةً كي تتزوجها لم تعجبك أخلاقها، فرفضتها، أنت مع مليون موضوع، مع مئة مليون موضوع، معك خيار قبول أو رفض، إلا مع الإيمان فخيارك خيار وقت، الدليل فرعون أكفر كفار الأرض، الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات ).
والذي قال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/12.jpg
هذا الإنسان الذي ادعى الإلوهية حينما أدركه الغرق قال: ﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
( سورة يونس الآية: 90 )
إذاً: آمن، لأن الإنسان أيّ إنسان لا بد من أن يؤمن عند الموت. ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
( سورة ق الآية:22 )
هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً، إذاً: خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض.
أيها الإخوة، هذا الدرس حول أن الإنسان إذا تحرك في الحياة الدنيا بدافع من شهواته، ومن دون منهج إلهي ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل يربيه، وتربية الله له لطيفة جداً، وفيها مراحل أربع:
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل الاستجابة.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل التوبة.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل الشكر.
المرحلة الرابعة: حينما لا ينفع معه البيان، ولا التأديب، ولا الإكرام القصم عندئذٍ يقصمه الله عز وجل. الموضوع العلمي:
الأمر القرآني للوجوب ما لم يدل دليل على خلافه:
أيها الإخوة ، إلى الموضوع العلمي، أو إلى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
أيها الإخوة، من مسلمات علم الأصول أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لكن يعلق علماء الأصول ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، فإذا فال الله عز وجل:
﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾
( سورة الكهف الآية: 29 )
هذا أمر بالكفر، لكنه أمر تهديد، وإذا قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى ﴾
( سورة النور الآية: 32 )
هذا أمر ندب، وإذا قال الله عز وجل: ﴿ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ ﴾
( سورة البقرة الآية: 187 )
أمر ندب، أمر إباحة، أما لو لم تكن هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.
البقرة مصنع للحليب: 1 – التفكر في حليب البقرة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/13.jpg
من هذه الأوامر، دقق:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
( سورة عبس ).
هذا أمر، أنت مكلف بنص هذه الآية أن تفكر في هذا الطعام، هذه البقرة تقدم لك الحليب، هي معمل صامت، تأكل الحشيش فتعطيك الغذاء الكامل، الغذاء الكامل في الحليب، والغدة الثديية في البقرة على شكل قبة، محاطة من أعلاها بأوعية دموية كثيفة جداً، والغدة الثديية تأخذ من الدم حاجتها لصنع الحليب. ﴿ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
( سورة النحل )
في الدم حمض البول، وفي الدم مواد سامة، ومواد لا يعلمها إلا الله، بروتينات، وشحوم، وسكريات، ومعادن، وأشباه معادن، و حمض البول، و مفرزات بعض الأجهزة...
2 – كيف تختار الخلية الثدييةُ من مكونات الدم مكونات الحليب ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/14.jpg
هذه الخلية الثديية كيف تختار من مكونات الدم مكونات الحليب ؟ طبعاً هذه الخلية تأخذ من الدم حاجتها، ويرشح منها نقطة حليب، هذه النقطة تصب في ثدي البقرة، ثدي البقرة قد يتسع لـ20 أو 30 أو 40 كغ، هذا الثدي مقوى من الداخل بجدارين متعامدين، جدار هكذا، وجدار هكذا، ثدي البقرة مقسم إلى أربعة تجاويف، مع كل تجويف حلمة، لو أن أربعة إخوة يملكون بقرة، وأخذ كل أخ حلمة من حلم ثدي البقرة لأخذ ربع الكمية بالتمام والكمال، هذه الخلية الثديية تأخذ من الدم حاجتها، هل هي عاقلة ؟ الإنسان بحاجة إلى سكريات، تأخذ سكرا، بحاجة إلى بروتين، تأخذ البروتين، بحاجة إلى دهن، تأخذ الدهن، بحاجة إلى فيتامينات، مكونات الحليب غذاء كامل للإنسان، " وحاجة وليد البقرة إلى الحليب لا يزيد عن بضع كيلوات، الـ60 كغ والـ40 لمن ؟ للإنسان.
﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
( سورة النحل الآية: 5 )
خُلقت لكم خصيصى، ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
كلمة لكم، تعني صممت من أجلكم إنتاج الحليب في العالم يفوق حد الخيال.
انظر إلى الحليب، اللبن، الجبن، السمن، القشطة، مشتقات الحليب شيء مذهل،
﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
فكل 400 لتر دم تجول في حول الغدد الثديية من 400 لتر دم يصنع لتر واحدا من الحليب، وهو محصلة جريان 400 لتر فوق الخلايا الثديية بثدي البقرة، وحتى لآن لا أحد يعلم، وهذا في كتاب علمي يُدرس في جامعة دمشق لا أحد يعلم طبيعة عمل الغدة الثديية، الذي نعلمه أنها تختار من الدم حاجتها لصنع الحليب، الله عز وجل يقول:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
﴿ أنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
( سورة عبس )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/15.jpg
هذه آية.
تأكل البقرة في اليوم ثلاث وجبات، هذا الخبز، هذا الحليب، هذا اللبن، هذه القشطة، هذه الجبنة صنع من ؟ تصميم من ؟
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ: بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ ))
[ أبو داود ]
أنا الذي أتمناه عليكم، وهذا أمر إلهي في القرآن الكريم، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، الذي أتمناه عليكم أن تتفكروا فيما تأكلون. تفكروا في الفواكه والمحاصيل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/16.jpg
الفواكه تنضج تباعاً، الله عز وجل برمج الفواكه في الصيف على مراحل، أول شيء اللوز، ثم الكرز، ثم المشمش، ثم التفاح، ثم الأجاص، ثم الدراق، ثم العنب، لو أنها نضجت كلها في يوم واحد، ماذا نفعل بها ؟ الآن الفاكهة الواحدة تنضج تباعاً، البطيخ ينضج خلال ثلاثة أشهر في أيام الصيف، فمِن ضمن حقل بطيخ يقطف منه كل يوم مركبة، أما المحاصيل فتنضج في يوم واحد، لو كان القمح ينضج خلال ثلاثة أشهر لكان عملا فوق طاقة الإنسان، يمسك سنبلة سنبلة ويقول: هل استوت لنقطعها ؟ القمح في يوم واحد، المحاصيل في يوم واحد http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/17.jpg
الفواكه مبرمجة فيما بينها على ثلاثة أشهر، مبرمجة في الفاكهة، هذا نوع من الفواكه في شهر، وعشرين يوما، وعشرة أيام، هذا تصميم من ؟ برمجة من ؟ حكمة من ؟.
انظر للتفاحة، حجمها معقول، لونها زاهٍ، رائحتها عطرة، قوامها معقول، تأكلها بأسنانك، لو كان التفاح كالصخر تحتاج إلى مطحنة، ولو أن التفاح له رائحة كريهة لا تأكله، فله رائحة طيبة على لون زاه، على حجم مقبول، بقشر يحميها، فكر فيها فَاكهةً فاكهةً، وجزء من إيمانك هذا طريق معرفة الله:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
الفواكه، القمح، الشعير، الحمص، العدس، هذا الطعام الذي نأكله، وهذا الحليب الذي نشربه، وهذه الفواكه التي نأكلها، تصميم من ؟ من يستطيع أن يصف لي طعوم الفواكه دون أن يذكر اسمها ؟ صف لي طعم الأجاص، حلو، والدراق حلو، والتفاح حلو ، والتوت حلو، وكل الفواكه حلوة، لكن كل فاكهة بطعم، هل بإمكانك أن تصف لي طعم الفاكهة دون أن تذكر اسمها ؟ لا تستطيع، طعم مشمش، تقول: مشمش من دون أن تصف الطعم ؟ لا تستطيع. يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ
الله عز وجل قال:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
( سورة الرعد الآية: 4 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1402/18.jpg
هذا قرآن، الله عز وجل يلفت نظرك بهذا:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
الفاكهة الواحدة، التفاح أصفر، وهناك تفاح أحمر، وتفاح حامض شتوي، و تفاح سكري، أنواع منوعة، إلى 400 ـ 500 نوع من التفاح، كل فاكهة أنواع منوعة، تصميم من ؟ فمن أجل أن نعرف الله لا بد من أن نفكر في مخلوقاته.
مرة ثانية:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
هذا أمر قرآني، وكل أمر يقتضي الوجوب.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( التاسع عشر )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 5 - الفرق بين اللذة و السعادة








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، لكن قبل أن نبدأ بموضوع الدرس سنذكركم بهيكلية هذه الموضوعات. هيكلة موضوعات الإعجاز:
في أول درس أكدت لكم أن علة وجود الإنسان أن يعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، إذاً: علة وجودنا أن نعبده، وما أمرنا أن نعبده إلا بعد أن أعطانا مقومات هذه العبادة، وأول مقوم من مقومات العبادة هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وهو الثابت الأول، هو قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
وقد وقفنا وقفات متأنية عند الكون، والمقوم الثاني هو العقل، وهو مناط التكليف، وكيف أن في العقل مبادئ ثلاثة، مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، وأن العقل مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل، ومهمته بعد النقل فهم النقل، ولا يمكن أن يكون العقل حَكماً على النقل، وأمضينا دروساً عدة في موضوع العقل.
ثم انتقلنا إلى الفطرة، وكيف أن الإنسان فطر فطرة سليمة، هذه الفطرة متطابقة تطابقاً تاماً مع منهج الله، فالعقل مقياس علمي، والفطرة مقياس نفسي، والكون دليل حسي.
ثم انتقلنا إلى الشهوة، وبينت لكم أنها القوة المحركة، وهي حيادية، يمكن أن تكون سُلّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، وبينت في دروس عدة الفرق بين الفطرة والصبغة، وكيف أن الإنسان المؤمن يتمتع بالعدالة والضبط، وكيف أن الإنسان إذا سلك طريق شهوته يتعرض لمراحل علاجية من الله عز وجل، أولها الهدى البياني، ثم التأديب التربوي، ثم الإكرام الاستدراجي، ثم القصم، ولازلنا في موضوع الشهوة.
اليوم أريد أن أبين لكم فرقاً دقيقاً بين اللذة والسعادة، والبون شاسع بينهما.
الفرق بين اللذة والسعادة:
1 – طابعُ اللذة حسيٌّ:
أيها الأخوة، اللذة حسية طابعها حسي تحتاج إلى مادة، اللذة تحتاج إلى طعام تأكله، تحتاج إلى منظر جميل تمتع عينيك به، تحتاج إلى مأوى واسع دافئ، تحتاج إلى مركبة تركبها، تحتاج إلى زوجة تتزوجها، تحتاج إلى مال تنفقه، فاللذائذ طبيعتها حسية، لا تأتي من الداخل، بل تأتي من الخارج، تحتاج إلى بيت، إلى مال، إلى أثاث في البيت، إلى طعام، إلى شراب، إلى زوجة، إلى شراب... والزوجة تحتاج إلى زوج فهناك تكافؤ.
2 – اللذة إمدادُها منقطع:
لكن سبحان الله ! لحكمة بالغة أرادها الله لم يشأ ربنا جل جلاله أن تمدك اللذة بإمداد مستمر، بل إمداد متناقص، فكل لذة لها فورة، وبعدئذٍ تصبح شيئاً مألوفاً تفقد بريقها، لذلك هؤلاء الذين نجحوا في الحياة بعد أن نجحوا شعروا بالفراغ، لأن في النفس فراغاً لا يملؤه المال، ولا المرأة، ولا المنصب، ولا مباهج الحياة.
لا بد من توضيح هذه الحقيقة، أنت أيها الإنسان، أنت مهيأ لمعرفة الله، فطبيعة نفسك لا نهائية، الخطر الكبير أن تختار هدفاً محدوداً، قبل أن تصل إليه أنت تحلم به، فإذا وصلت إليه، وأحطتَ به شعرت بفراغ لا يوصف، لأنك اخترت المحدود، وأنت مهيأ للامحدود، اخترت شيئاً يموت، وأنت مهيأ للإله عظيم حي باق على الدوام.
أنا أقول للشباب: الشيء الذي لم تصلوا إليه يبدو لكم كبيرا جداً، ويبدو متألقاً، فإذا وصلتم إليه خبا بريقه، وصغر حجمه، ويمكن في مرحلة ما أن تقول: هو لا شيء، فاللذائذ لا يمكن أن تمدك بمتعة مستمرة، بل بمتعة متناقصة، هذا إذا كانت في الحلال، فإذا كانت في الحرام فبعد المتعة كآبة، وشعور بالذنب، واختلال توازن، واحتقار للذات.
أنا أتحدث عن لذة بحثت عنها ضمن الحلال فتملّ، الدنيا تغر، ومعنى تغر أنها قد تبدو لك بحجم أكبر من حجمها بكثير.
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/01.jpg
كنت أروي هذه القصة كثيرا: شاب يعمل في محل تجاري، وهو ذو دعابة، فكان يكنس المحل، ويضع المخلّفات في علبة فخمة، ويغلف هذه العلبة بورق هدايا غالٍ، ويضع شريطا أحمر، وكأن هذه العلبة فيها قطعة ألماس غالية جداً، يضعها على طرف المحل التجاري، يمر إنسان فيظنها ألماسا، يأخذها، ويمضي سريعاً، فيتبعه صاحب المحل، بعد مئتي متر يفك الشريط أولاً، وبعد مئتي متر أخر يفك الورق، وفي مئتي متر الثالثة يفتح العلبة، فإذا فيها قمامة المحل، فيلعن، ويسب، وما إلى ذلك، هذه خيبة الأمل التي حصلت له والله سوف تحصل لكل إنسان أحب الدنيا، وجاءه ملَكُ الموت.
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) ﴾
( سورة الفجر )
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
( سورة المؤمنون)
الدنيا تغر، وتضر، وتمر، الدنيا زائلة، وقد جاء في كلام سيدنا علي: << يا دنيا غُرّي غيري، طلقتك بالثلاث، غرّي غيري >>، ليس معنى كلامي أن تدع الدنيا، ادرس، أسس عملا، تزوج، الزواج سنة، معنى كلامي ألا تغتر بها، ألا تظنها نهاية الآمال، ألا تظنها محطة الرحال، هي عارية مستردة.
والله هناك حديث أيها الإخوة يقصم الظهر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي ]
هذا كلام علمي، فهل من واحد منا وأنا معكم يمكن أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل، هناك بوابة خروج في المطارات، أنت تخرج من هذه البوابة، الله عز وجل عنده بوابات، فالورم بوابة، الجلطة بوابة، الاحتشاء بوابة، خثرة بالدماغ بوابة، فشل كلوي بوابة، تشمع كبد بوابة، حادث سير بوابة الخروج.
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا
ـ كاد الفقر أن يكون كفراً ـ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ
ـ الذي يأتي إلى بلاد المسلمين من أجل الحرية والديمقراطية، وينهب الثروات، ويقتل الناس ـ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
هذه هي الدنيا فدقق فيها، ربما بلغت أعلى منصب في العالم، ثم ماذا ؟ موت، الموت ينهي كل شيء، ربما جمعت أكبر ثروة في الأرض، ثم ماذا ؟ الموت، ربما استمتعت بكل مباهج الحياة، ثم ماذا ؟ الموت، ربما طفتَ أركان الدنيا، ثم ماذا ؟ الموت، لذلك الموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، وغنى الغني، وفقر الفقير، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء.
هناك طرفة ثانية أرويها دائماً عن رجل من أهل البادية له أرض شمالي جدة، فلما توسعت جدة كثيراً اقتربت من أرضه، فارتفع سعرها، نزل صاحب هذه الأرض، وباع الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً، اشتراها بربع قيمتها، وأنشأ على هذه الأرض بناء من اثني عشر طابقاً، أصحاب المكتب العقاري شركاء ثلاثة، الأول وقع من أعلى البناء فدقت عنقه، والثاني دهسته سيارة، فانتبه الثالث، وبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر، وعثر عليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته، فقال له هذا البدوي: أنت أدركت أمرَ نفسِك.
أيها الإخوة الكرام، (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ].
إذاً: اللذائذ لا يمكن أن تمدك بمتعة مستمرة، بل بمتعة متناقصة، فإن كانت هذه المتعة في معصية يعقبها كآبة ومرض نفسي: ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) ﴾
( سورة الزمر)
محبوس بالشقاء النفسي، محبوس بالكآبة، محبوس بالضيق، محبوس بالإحباط، محبوس بالتفاهة، أما المؤمنون: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
الهدى يرفعهم، المهتدون على، والضالون في، في كآبة، أو في سجن، ارتكب جريمة، إما في كآبة، أو في مرض نفسي، أو في سجن، أما المؤمنون: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
الهدى رفعهم إلى أعلى عليين.
أيها الإخوة، هناك شيء دقيق جداً، أن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، هذه السكينة صلة بالله، الشعور بالأمن الشعور وبالرضى، والتوفيق والتأييد والنصر، فاللذة إن كانت في مباح كانت متناقصة، وتمل منها، وإن كانت في معصية أعقبتها كآبة، وتحتاج إلى شيء خارجي، إلى مال. اللذة تحتاج إلى شيء خارجي:
بالمناسبة، قال بعض علماء النفس: تحتاج اللذة إلى شروط ثلاثة، تحتاج إلى وقت، وإلى مال، وإلى صحة، سبحان الله ! في بدايات الحياة الوقت موجود، والصحة متوافرة، لكن المال غير متوفر، يقول لك: شاب منتوف ما عنده شيء، وفي وسط الحياة استلم عملا وصار عنده مال، وصحة، لكن ليسس عنده وقت، كل يوم دوامه في المحل حتى يضبط أمره.
أقسم لي بالله رجلٌ عنده معمل نسيج، قال: والله ثلاثين سنة ما غادرت دمشق إلا إلى اللاذقية لتسلم سيارة، مرة واحدة في حياتي، الأيام كلها قابعٌ في المحل التجاري، فهناك مال وصحة، لكن الوقت مفقود، ثم تقدم في السن فسلّم التجارة لأولاده، الآن هناك مال ووقت، لكن الصحة مفقودة، في جسمه خمسون علة، أسيد أوريك، وشحوم ثلاثية، والتهاب مفاصل، وديسك في الظهر، شيء لا يحتمل، ترى كل واحد الآن معه من الأدوية الشيء الكثير، قبل الأكل، وبعد الأكل، على الريق، هذه يسبقها شيء، هذه بعد شيء، بعد ذلك يأتي النعي.
أيها الإخوة الكرام، هكذا هذه اللذة، تحتاج إلى مال، وإلى صحة، وإلى وقت، وهي خارجية، وطابعها حسي، ومتناقصة، وإن كانت في معصية تعقبها كآبة.
3 – السعادة تنبع من الداخل:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/02.jpg
أما السعادة فتنبع من الداخل، فلستَ بحاجة إلى شيء، بحاجة إلى أن تستقيم على أمر الله، بحاجة أن تتصل بالله، بحاجة أن تذكر الله، بحاجة أن تصلي، بحاجة أن تقوم الليل، بحاجة أن تقرأ القرآن الكريم ، بحاجة أن تغض بصرك عن محارم الله، بحاجة أن تضبط لسانك، لا تحتاج إلى مال، ولا إلى صحة، ولا إلى وقت، تحتاج إلى إنابة.
والله أيها الإخوة، إن لم تقل: أنا أسعد من كل الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني، ففي الإيمان خلل، أنت متصل مع الله، وتقلق، متصل مع الله، وتخاف، متصل مع الله، وتذل، متصل مع الله، وتيأس، متصل مع الله، وتشعر بالضعف، هذا مستحيل.
السعادة تنبع من الداخل، وهي متاحة لنا جميعاً، ليس متاحا لنا جميعاً أن نسكن في بيت فخم جداً، بيت بأربعمئة متر، ثمنه ثمانون مليونًا، هذا ليس متاحا، والمركبة الفارهة ليست متاحة، لكن متاح لنا جميعاً أن نكون في قمة السعادة. بالإيمان أنت أسعد الناس ولو فقدَ الدنيا:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/03.jpg
والله الذي لا إله إلا هو يمكن أن تصل إلى قمة السعادة وأنت في السجن، وأغني ما أقول، ولا أبالغ.
إذا كنت في كل حال معـــي فعن حملي زادي أنا في غنى
***
فليتك تحلو والـحيــاة مريرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب
وليـت الذي بيني و بينك عامر و بـيني و بين العالمين خراب
***
فلو شاهدت عيناك مـن حسننـا الذي رأوه لمـا وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضـحى قتيلاً بحبنا
و لـو نسمت من قربنا لك نسمة لمتّ غـريباً واشتيــاقاً لأجلنا
***
سعادة سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو في النار: السكينة والسعادة والتألق وجدها إبراهيم في النار:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
سعادة أهل الكهف في كهفهم:
السعادة والسكينة والتألق وجدها أهل الكهف في الكهف.
سعادة النبي عليه الصلاة والسلام وهو في غار ثور:
السعادة والسكينة والتألق وجدها النبي عليه الصلاة والسلام في غار ثور، يا رسول الله لقد رأونا قال:
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ ))
[ متفق عليه ]
والله أيها الإخوة الكرام، لو أذاقنا الله طعم القرب منه لنسينا الدنيا وما فيها، من عرف الله زهد فيما سواه.
السعادة عند ماشطة بنت فرعون:
ماشطة بنت فرعون، (( و هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ ))
[ أحمد ]
النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء العروج:
(( لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ بِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ))
قال يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ قال هذه رائحة ماشطة بنت فرعون.
أيها الإخوة الكرام، ابحث عن الأبد، هذه الدنيا تضر وتغر وتمر، ألا ترى جنازة في الطريق ؟ انتهت جميع المتع، والرجل يُحمَل إلى القبر، فإما أن يكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، هذه السعادة معك، ما تحتاج إلى مال، لا تحتاج إلى مركبة فارهة، لا تحتاج إلى بيت، لا تحتاج إلى مركز مرموق، لا تحتاج إلى امرأة جميلة، تحتاج إلى اتصال بالله.
لذلك أيها الإخوة، السعادة تنبع من الداخل.
4 – السعادة متنامية تعقبها راحة نفسية:
السعادة متنامية لا متناقصة، السعادة تعقبها راحة نفسية، وتوازن، واستقرار، وثقة، وتفاؤل، ويقين، ونفس متألقة، لأنها اتصلت بالله، لذلك الآية الدقيقة، دققوا معي:
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
أية قوة ؟ لماذا أكل المال الحرام ؟ من أجل أن يتزوج امرأة جميلة جداً، مهرها كبير، طلباتها كبيرة، تريد بيتا فخما، إذاً: أكل المال الحرام من أجلها. ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
قوة الجمال التي سبَتْك هي مسحة من جمال الله، شهوتك للمال الذي أغراك هو عطاء من الله، الله عز وجل عنده الجمال، وعنده الكمال، وعنده النوال، ونحن جميعاً نحب الجمال والكمال والنوال.
إذاً: أيها الإخوة، السعادة متنامية، والله الذي لا إله إلا هو خط المؤمن البياني خط صاعد صعوداً مستمراً، والموت نقطة على هذا الخط، والصعود مستمر، فإذا عرفت فأنت في سعادة متنامية، وكلما كشف لك من كمال الله شيء تقول: الله أكبر، أكبر مما كنت أظن، أكبر مما كنت أعرف، هذه هي السعادة، السعادة قد تكون في كوخ صغير، قد تكون مع مرض عضال.
والله أيها الإخوة، حدثني طبيب عن قصة من أندر القصص، قال: جاءنا مريض مصاب بمرض خبيث منتشر في أحشائه، هذا الورم الخبيث في الأحشاء له آلام لا يحتملها بشر، قال: كلما دخل عليه إنسان عائد يراه مبتسماً، يقول: اشهد أنني راض عن الله، يا رب، لك الحمد، تماسكه عجيب.
الحقيقة أنني قرأت مرة بحثا حلت عندي مشكلة، لماذا المرض نفسه يؤلم إنسانًا إلى درجة أنه يتكلم كلام الكفر من شدة الألم، وإنسان آخر ألمه واحد بالمئة والمرض نفسه ؟ العلماء قالوا كلاما غير مقنع، قالوا: هناك عتبة للألم، أنت غرفتك لها عتبة، أمام الباب قطعة مرتفعة من الرخام، فهناك عتبة مرتفعة تعني آلاما كثيرة، لكن لا ألم في عتبة منخفضة، هذا كلام الأطباء، لكن بعد هذا ثبت أن طريق الآلام عليه بوابات، طريق الآلام يبدأ من الأعصاب المحيطة للنخاع الشوكي للمخيخ إلى المخ إلى القشرة، هذا الطريق عليه بوابات، هذه البوابات إذا فتحت كانت الآلام مئة ضعف، وإذا أغلقت كانت الآلام واحدا في المئة، المقال مترجم، ويغلب على ظني أن كاتب المقال لا يعرف الله، قال: تتحكم في هذه البوابات الحالة النفسية للمريض، فإذا كان المريضُ مؤمنا بالله فالبوابات مغلقة، فيصل الألم بسيطا جداً معقولا.
هذا المريض كلما دخل عليه عائد يعوده يقول: اشهد أنني راض عن الله، يا رب لك الحمد، يقول لي الطبيب: إذا قرع الجرس يتهافت الممرضون على خدمته، والأطباء يأتون فوراً، وفي بهذه الغرفة نور، وجذب، وروحانية، إنسان معه ورم خبيث منتشر ولا يصيح، بل يقول: يا رب، لك الحمد، قال لي: جلس سبعة أيام، ثم توفي، لكن مات بحالة حلوة جميلة، مات بحالة راقية جداً، قال لي: لحكمة بالغة جاء إلى هذا الغرفة إنسان مريض بالمرض نفسه، ورم خبيث في الأحشاء، قال لي: ما من نبي إلا سبّه، يا لطيف، يكفر كفرا، يصيح، يشتم، يقذف بالسباب كل من رآه، فإذا قرع الجرس لا يأتيه أحد، الغرفة مظلمة مخيفة، غرفة كفر، غرفة سخط، مع أن المرض نفسه.
أيها الإخوة، السعادة تنبع من الداخل، ولا تحتاج إلى شيء مادي، قد تكون أسعد الناس في كوخ.
والله مرة كنت في مؤتمر إسلامي في المغرب في أكبر فندق في الدار البيضاء، عند الفجر سمعت قرآناً يُتلى، والله أبكاني، نظرت من الشرفة فإذا عامل الحدائق يصلي الفجر في وقته، وله صوت حسن، قلت: يا رب، لعل هذا العامل أقرب إليك من كل أعضاء المؤتمر، المؤتمر إسلامي، الصلة بالله لها ثمن، ثمنها أن تكون محباً لله، أن تكون مستقيماً على أمره.
الشهوة إذا كانت هدفا كانت ألمًا:
تعلقوا بالسعادة أيها الإخوة، هناك فيلسوف من مصر يقول: مبدأ اللذة إذا كان هدفاً أصبح مبدأ ألم.
أنت تتصور إنسانا دخله مليون في الشهر، ومعه كآبة، وينتحر بعد ذلك، أعلى نسب الانتحار في العالم في أغنى البلاد في العالم، الذي صمم ثاني أطول جسر في العالم يعبره ثلاثمئة ألف سيارة مهندس ياباني، في أثناء قص الشريط ألقى بنفسه في البوسفور، ذهبوا إلى غرفته، فكتب على ورقة: " ذقتُ كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت ".
الحياة ليس فيها شيء، أكاد أقول لكم: سافرت كثيراً شرقاً وغرباً، وجدت صفة مشتركة في العالم الشرقي والغربي، إنسان بلا هدف، هو غني ما عنده مشكلة، ولأن ما عنده مشكلة فهذه أكبر مشكلة، حياة مملة، ألِف كل شيء، أكل، شرب، شاهد أفلام، وبعد هذا ؟
والله أيها الإخوة، هؤلاء الذي ينجحون في حياتهم المادية يأتي وقت لا يحتمِلون ولا يُحتمَلون، فهم في مللٍ، وضجرٍ، وسأمٍ.
أيها الإخوة، الحقيقة أن الإنسان إذا لم يعرف الله عز وجل يصبح مبدأ الشهوة عنده مبدأ ألمٍ، لماذا ؟ لأنه بلا منهج، وسوف يعتدي، وحينما تعتدي، عندك زوجة، وإذا لم تكن لك زوجة كانت لك عشيقة، هذه العشيقة فتاة كان من الممكن أن تكون أمًّا عندها أولاد، عندها أصهار، هي أمٌّ محترمة، زوجة محترمة، أفسدها هذا الشاب، فنقلها من امرأة شريفة إلى امرأة ساقطة، عنده ضمير، عنده فطرة سليمة، هذه الفطرة تعذبه، فلذلك أي إنسان يتفلت من منهج الله يعاني من أمراض نفسية، أولها الكآبة، ثانيها اختلال التوازن.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) ﴾
( سورة المؤمنون)
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
المصائب نتائج حتمية للمعاصي:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/04.jpg
ذكرت شيئًا: المصائب في الدنيا ليست عقاباً، وليست انتقاماً، وليست تشفياً، بل هي نتائج علمية للمعاصي والآثام، وكما أن المركبة علة صنعها السير، فلا بد لها من مكبح يتناقض مع علة سيرها، والمكبح ضروري، هو أخطر ما في المركبة، مع أنها صنعت من أجل أن تسير، والمكبح يتناقض مع علة سيرها، لهذا لما يختار الإنسان الشهوة المحرمة فأمامه سلسلة معالجات تحدثنا عنها في درس سابق، منها الهدى البياني، والتأديب التربوي، والإكرام الاستدراجي، والقصم.



5 – متعة الشهوة زائلة والمسؤولية باقيةٌ، والمجاهدة في الطاعة زائلة والتكريم باقٍ:
أيها الإخوة الكرام، المتع في المعاصي زائلة والمسؤولية باقية، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
الآن المجاهدة في الطاعات زائلة لا تستمر، بل تنتهي، والتكريم باق، المتعة آنية وزائلة والمسؤولية باقية، والمجاهدة في الطاعة زائلة ومنقضية والتكريم هو الباقي.
لكن أدق كلام أن في أنفسنا جميعاً فراغا لا يمكن أن يملأ إلا بمعرفة الله، المال لا يملؤه، ولا المنصب، ولا اللذة، ولا المتعة، هذا الذي نسعى إليه كي نملأ فراغ الإيمان.
مرة كنت في بلد في أمريكا، وفي مدينة إلى جانب مدينة إقامتي اسمها توليدوا اتصلوا بي وطلبوا زيارة، أول سنة اعتذرت، والثانية اعتذرت، والثالثة اعتذرت، الرابعة ذهبت، بعد أن انتهت المحاضرة والله الذي لا إله إلا هو قال لي أخ: أنا أخو فلان، وفلان صديقي، قال: تعرف كم مسافة قطعتُ وقدتُ مركبتي كي أستمع لهذه المحاضرة ؟ قلت له: كم ؟ قال ستمئة ميلا، أي ألف كيلو متر، هناك تصحر، إنسان يقود مركبته ألف كيلو متر ليستمع إلى محاضرة، نحن في الشام دروس، خطب، ندوات من فضل الله، العلم ثمين جداً، أنت حينما تعرف الله فقد وصلت إلى كل شيء، وإذا غابت عنك حقيقة الإيمان فما وصلت إلى شيء.
مرة أخيرة، يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
الموضوع العلمي: خلايا الجسم تتبدل كلها إلا...
1 – خلايا الدماغ:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/05.jpg
وننتقل أيها الأخوة إلى موضوع علمي جديد، كلكم يعلم أن جسمك يتبدل تبدلاً كلياً كل خمس سنوات، لأن أطول عمر خلية الخلية العظيمة، خمس سنوات، وأقصر عمر خليةٍ خليةُ زغابة الأمعاء، عمرها ثمان وأربعون ساعة، زغابات الأمعاء تتبدل كل ثمانٍ وأربعين ساعة، والخلايا العظمية تتبدل كل خمس سنوات، أما أنت أيها الإنسان فبمجملك تتبدل كلياً كل خمس سنوات، لا الجلد هو هوَ، ولا الشعر هو هوَ، ولا شيء بجسمك هو هوَ، كل شيء يتبدل إلا خلايا الدماغ وخلايا القلب.
في الدماغ ذاكرتك، خبراتك، مهاراتك، معلوماتك، كل شيء حصلته في حياتك مودع في الدماغ، معارفك، أولادك، أصدقاءك، أقرباءك، اختصاصك، أنت طبيب، كل المعلومات في الدماغ، لو تبدل الدماغ ماذا كنت تعمل ؟ أنا كنت طبيبا، الآن أنا أميٌّ، شيء لا يحتمل، ضاعت ذاكرتك، ما عرفت أولادك، نسيت معلوماتك، فقدت اختصاصك، فقدت الدكتوراه.
جاء رجلٌ من أمريكا أصيب بفقد الذاكرة، دخل عليه ابنه، قال له: من أنت ؟
أحد إخواننا الكرام توفاه الله، قبل أن يموت خرج من معمله باتجاه بيته في المهاجرين، نسي بيته، بقي ساعتين، لكنه يعلم بيت ابنه في الجسر، ذهب إليه، قال: يا بني، أين بيتي ؟ فقَد ذاكرته.
لو أن إنسانا يتبدل دماغه لخسر كل شيء، خسر دراسة ثلاثٍ وثلاثين سنة، فالدماغ لا يتبدل، والحكمة واضحة جداً وضوح الشمس، هذا شيء قديم ذكرتُه لكم.
2 – خلايا القلب:
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1404/06.jpg
أما الشيء الجديد أن القلب أيضاً لا يتبدل، لماذا ؟ ما كنت أعلم، لكن الآن ثبت أن القلب مكان المشاعر والأذواق والميول، كيف عرفوا هذا ؟ بعد أن استطاع الإنسان أن يزرع قلب إنسان في إنسان آخر، رجل في الثمانين قلبه معطوب، شاب مات بحادث، أخذوا قلب الشاب إلى هذا المتقدم بالسن، هذا المتقدم بالسن عاش بالأربعينات، حيث كانت الموسيقى الكلاسيكية، وجد نفسه يحب موسيقى الجاز، ليس معقولا، تبدل في الميول عجيب، وجد نفسه يحب أكلات معينة، ما كان يحبها سابقاً.
في العالم الآن ثلاثة وسبعون حالة زرع قلب، القصص التي تروى عن أحوال هؤلاء الذين أخذوا قلوب الآخرين شيء ممتع جداً:
إنسان زرع له قلب إنسان يتكلم كلاما ليس له معنى، كلمة ليس لها معنى، من شدة قلقه اتصل بزوجة الذي أخذ قلبه، قالت له: هذه كلمة سر بيننا، تعني أن كل شيء على ما يرام، وبعض الأشخاص يحب أغاني ما كان يحبها من قبل، طبعاً القصص طويلة وممتعة، هذه كلها نجدها في مراجعها.
صار القلب مركز الأحاسيس والمشاعر والأذواق، لو تبدل يكون الإنسان الذي كان يحب أن يسمع القرآن الكريم فرضاً يصبح يحب أن يسمع شيئا ثانيا، أما الله عز وجل فثبت القلب في خلاياه.
أنا كنت أظن أن هذا القلب الصنوبري لا علاقة له بموضوع القلب في القرآن الكريم، والله أنا كنت أقول: إن هذا القلب الصنوبري مضخة، أما القلب الذي ورد في القرآن الكريم فهو قلب النفس، الآن ثبت أن القلب الذي ورد في القرآن الكريم هو هذا القلب نفسه، هذا مكان المشاعر والأحاسيس والأذواق، والحديث طبعاً طويل، ويمكن أن أروي لكم ثلاثاً وسبعين قصة عن أشخاص زرعت قلوب لهم، وانتقلت أحاسيس الآخرين إليهم وأذواقهم ورغباتهم وميولهم.
أخطر شيء في هذا الموضوع أن الله ثبت أن حول القلب خلايا عصبية إدراكية، قدراتها تفوق خمسمئة ضعف، وأن هذه الخلايا تأمر الدماغ، وأن الدماغ محكوم بالقلب، هذا بحث يمكن أن تراه في الإنترنت، والذين اكتشفوه لا علاقة لهم بالدين إطلاقاً.
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية: 53 ).
هناك خلايا عصبية محيطة بالقلب، وقدرتها أضعاف مضاعفة عن خلايا الدماغ، بل هي تحكم معظم خلايا الدماغ.
زارنا عالم من علماء الدين والدنيا، وذكر هذه المعلومات، أنا تابعتها في الإنترنت فوجدتها صحيحة كما قال.
أيها الإخوة الكرام، كلما تقدم العلم كشف عن جانب من عظمة هذا القرآن الكريم ، كلما تقدم العلم تبين أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن. ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
( سورة الواقعة ).
خاتمة:
الآن هناك نجوم تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، أو أربعة وعشرين مليار سنة، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربعة وعشرين ألف مليون سنة. ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة ).
جواب القسم:
﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)﴾
( سورة الواقعة ).
الإعجاز العلمي محوره أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
إن شاء الله في دروس قادمة نتابع في العشر دقائق الأخيرة من كل درس موضوع في الإعجاز العلمي.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 09:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 6 - الشهوات والقدرات والحظوظ حيادية









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الشهوة:
1 ـ ليس من طبيعة النفس الشرُّ:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولا زلنا في موضوع الشهوة، ولكن موضوعنا اليوم، وإن كانت الشهوة تظله، لكنه موضوع فرعي من فروع موضوعات الشهوة، إلا أن المنطلق لهذا الموضوع هو أن حسن الظن بالله ثمن الجنة، ولبعض الأئمة العظام كلمة رائعة، وهي أن العوام لئن يرتكبوا الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ (6)﴾
(سورة الفتح )
إنّ الإنسان يتوهم أحياناً أن الشر من طبيعة النفوس، بل إن شعراء الجاهلية قال:
الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِفَّــةٍ فَـلِعِلَّةٍ لا يَظلِـــمُ
***
وهناك كلمات يرددها معظم الناس: الإنسان لئيم، الإنسان مادي، والحقيقة أن خَلْقَ الله كاملٌ. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
( سورة الروم: 30)
النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب ربه ويقول:
(( وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
[ مسلم عن علي ]
2 ـ الشهوة حيادية:
هذا التقديم من أجل أن أؤكد لكم أن هذه الشهوات الذي أودعها الله فينا هي حيادية، يمكن أن تكون سلّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، الشهوات حيادية لأن الإنسان في الأصل مخير، لكن قد يقول بعضهم مثلاً: الحسد من خصائص الإنسان، والحسد صفة ذميمة، وهي من خصائص الإنسان، الآن الجواب الدقيق الحقيقي المنسجم مع كمال الله الذي تؤكده آيات القرآن الكريم أن الإنسان فطر فطرة عالية، وأن منهج الله عز وجل يتوافق مع هذه الفطرة توافقاً تاماً، وأن الشهوات التي أودعها فيه ما أودعها فيع إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد يهوي بها لأنها حيادية، ولأنه مخير.
3 ـ الحظوظ حيادية:
وأن الحظوظ ؛ حظ المال قد يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين، وقد يهوي به إلى أسفل سافلين، حظ الذكاء قد يرقى بك الذكاء إلى أعلى عليين، وقد يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين، حظ الوسامة، قد تكون الوسامة من نعم الله الكبرى، فإذا سخرت الوسامة لارتكاب الموبقات وانتهاك الحرمات كانت سبيلاً إلى النار.
إذاً: كما أن الشهوات حيادية:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/01.jpg
هذه الشهوات حيادية، وذكرت لكم أن الإنسان أحياناً يتزوج امرأة صالحة فينجب منها أولاداً أبراراً، يأتيه أصهار مؤمنون، تصبح لديه أسرة من عشرين أو ثلاثين أو أربعين إنسانا من نسل هذا الأب، ومن نسل هذا الجد، أسرة منضبطة بالمبادئ والمثل والأخلاق، أكثرهم أطباء ومهندسون، ودعاة إلى الله، ومتخصصون، ونساءهم محجبات، والبيت فيه رحمة ومودة وتعاطف، كل هذا الجمع الغفير أساسه علاقة جنسية، وكل دور الدعارة مبنية على علاقة جنسية تخرج الساقطات والساقطين، والمنحرفات والمنحرفين.
الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بك إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي بك إلى أسفل سافلين، لأنك مخير، الشهوات حيادية.
ولأنك مخير فالحظوظ حيادية، هناك إنسان قوي جداً، وإنسان وسيم جداً، وإنسان ذكي جداً، وإنسان بليغ طليق اللسان، هذه حظوظ، وهي غير شهوات، طلاقة اللسان، القدرة على الإقناع، فصاحة اللسان، الذكاء، سرعة الفهم، القوة أحياناً، الصحة، صحة متينة جداً، فالصحة، والذكاء، والوسامة، والقوة يسميها علماء النفس القدرات العامة، وهناك قدرات خاصة، مثلاً من القدرات الخاصة أن هناك أناساً يستطيعون أن يظهروا أمام مَن حولهم بحجم أكبر من حجمهم، لا يكذب، يعطيك أوصافا لحياته حتى تتوهم أنه إنسان كبير، مع أنه ما كذب، كإنسان ساكن بأحد أحياء دمشق المتواضعة، سألوه: أين ساكن ؟ قال لهم: بلاك استون سيتي، أي في منطقة الحجر الأسود، ما كذب، هو يسكن في منطقة الحجر الأسود، لما أعطى اسم هذا الحي باللغة الإنكليزية توهمت أنه حي راقٍ جداً من أحياء مدينة في أمريكا، فهناك قدرات عامة وقدرات خاصة، فالذكاء والطلاقة والوسامة والقوة والصحة والجسم الرياضي، هذه حظوظ أيضاً حيادية، كما أن الشهوات حيادية الحظوظ حيادية، سلم ترقى بها، أو دركات تهوي بها. 4 ـ القدرات حيادية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/02.jpg
أحياناً يقال لك: فلان بياع عجيب، عنده أسلوب يقنع الزبون، يقنعه تماماً، هذه قدرة خاصة، عنده قدرة إن دخل إلى المحل عشرون شخصًا يشتري منهم خمسة عشر، هذه قدرة، العلماء عددوا أنواع منوعة من القدرات.
هناك إنسان اجتماعي يرفض لك طلبك فتخرج مسرورا، يرفضه ويعتذر منك، ما بيده حيلة، هناك تعليمات مشددة، يقول لك: إن شاء الله في وقت آخر أخدمك، هذا الإنسان يصلح للعلاقات العامة، وهناك إنسان يربي أعداءً كل دقيقة، كلامه قاسٍ، عنده جفاء، عنده عنف، فهناك ذكاء اجتماعي، وذكاء تحصيلي إذا درس دائماً.
مرة إينشتاين هذا العالم الفيزيائي الكبير الذي جاء بالنظرية النسبية التي قلبت مفاهيم الفيزياء طاف في ولايات أمريكا يلقي ملخص نظريته في جامعات أمريكا، معه سائق ذكي جداً، لكن ما تعلم، هنا تعليق الآن مهم جداً: لو تصورنا الآن إينشتاين نفسه ولد راعياً ابن راعٍ بدولة متخلفة، إينشتاين نفسه الذي يحار العلماء في قدرة دماغه، ماذا سيفعل إذا كان ابن راعٍ من رعاة الأغنام في بلد متخلف ؟ يبقى راعيًا، لكنه يعرف كم غنمة عنده بالضبط، وكل غنمة وضعها، لكن لا يزيد على أنه راعٍ، ما الذي جعله أينشتاين ؟ دراسته، فالإنسان لما يدرس كل قدراته الكامنة تتفجر، ولو ما درس مهما يكن ذكاءه عالياً لن يكون شيئًا.
هذا سائق إينشتاين كان ذكيا جداً، لكن ما أتيح له أن يدرس، سمع المحاضرة خمس عشرة مرةً فحفظها، وكان إينشتاين ذا دعابة، فطلب منه في آخر جامعة أن يلقيها عنه، وأن يقدمه للجامعة على أنه إينشتاين، لم يكن يومئذٍ فضائيات، ولا تواصل، وما كان شكله معروفًا، سمح له بإلقاء محاضرة، دخلوا آخر جامعة فقدم سائقه على أنه إينشتاين، صعد المنصة، وألقى المحاضرة التي حفظها غيباً، هناك سؤال عويص سأله أستاذ في الجامعة، لم يكن في الإمكان أن يجيب، فلما سئل قال: أنا سوف أكلف السائق أن يجيبك عنه.
هذا يتمتع بذكاء فطري، وليس بذكاء تحصيلي، فالذكاء قدرة، وحسن التخلص قدرة، وروح الدعابة قدرة، وقوة الإقناع قدرة، والخطابة قدرة، ومواجهة الجمهور قدرة.
هناك شخصيات عظيمة جداً في الاستديو لا يستطيع أن يتكلم كلمة، فقَد قدراته، ما عنده إمكان أن يواجه جمهور، فالقدرة على البيع قدرة على الإقناع، وهذا موضوع طويل درسناه في علم النفس.
القدرات حيادية، يمكن أن توظف هذه القدرات كسلم ترقى بها إلى الجنة، ويمكن أن توظف هذه القدرات كطريق إلى النار، اللصوص أذكياء جداً، والذين يأخذون أموال الناس بالباطل أذكياء جداً، وفي المجتمع قمم في الذكاء، تبني دخلها على الكذب والدجل والإيهام.
الذكاء مع طلاقة اللسان، مع قوة الإقناع، مع الوسامة، مع القوة العضلية، هذه حظوظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، يعني أنت لك مادة امتحان مع الله جعلك وسيم، هل هذه الوسامة تشكر الله عليها، وتكون عفيفاً بها، ولا تستخدمها لما لا يرضي الله ؟ أم تستخدم هذه القدرات العامة والخاصة في المعاصي والآثام ؟ هي حيادية لأنك مخير.
5 ـ الخصائص حيادية:
بقيت الخصائص، الخصائص تمني ما عند الآخرين، هذه خصيصة، يسميها الناس أحياناً الغيرة، أو الغيرة، إذا اتجهت إلى الدنيا تسمى حسداً، وإذا اتجهت إلى الآخرة تسمى غبطةً.
أنا أذكر في بعض السنوات السابقة أنهم كانوا يجمعون أغنياء البلد في حفل، أو في طعام إفطار في رمضان، يدعى بعض العلماء لإلقاء كلمات تشجيعية على جمع تبرعات للأيتام لميتم معين، ميتم كبير جداً في دمشق، أنا أذكر أنني ألقي كلمة، في عشر دقائق جمع مبلغ كبير جداً، لأن التبرع علني، فلان مئة ألف، شريكه مئة ألف، هناك محل منافس لهم دفع مئتين، يجمع مبلغ كبير جداً، لكن مرة ارتأى القائمون على هذا الحفل أن يكون التبرع مكتوبا، أذكر أن المبلغ الأول ستة ملايين، لكن في المرة الثانية أعطوه إيصالا فكتب مبلغَ خمسة وعشرين ألفا، لعدم المنافسة، هذا عشرة آلاف، هذا خمسة آلاف، أما أمام الناس والأنداد فيعطي أحدُهم مئة ألف، والآخر مئتي ألف، ماذا قال الله عز وجل ؟ ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) ﴾
( سورة البقرة)
الحكم الكامل أن هذه الصدقة إذا اتجهت إلى مشروع فلتكن علانية، أما إذا اتجهت إلى إنسان فلتكن سراً، هذه الغيرة حيادية، لا تقل: الإنسان حسود في الأصل، الإنسان جيل على خصيصة الغيرة يتمنى ما يكون ما عند الآخرين، بربك لو رأيت شاباً مؤمناً تقياً حافظاً لكتاب الله له وجه كالشمس صادق أمين الأول في صفه قدراته عالية جداً ألا تتمنى أيها الشاب الآخر أن تكون مثله ؟ هذه الغيرة الله عز وجل خلقها عامة حيادية، يمكن أن تكون هذه الغيرة سبباً لتكون في أعلى عليين، ويمكن أن تكون سبباً ليكون الإنسان في أسفل سافلين.
أنا أريد في هذا اللقاء الطيب أن أقنعكم أن شهوات الإنسان حيادية، وأن حظوظه حيادية، وأن خصائصه حيادية، وكل هذه الأشياء الثلاثة شهوات وحظوظ وخصائص إما أنها سلم ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، أو أنها دركات تهوي به إلى أسفل سافلين، لأنك مخير فكل شيء خصك الله به حيادي، إذاً: ليس هناك شر، هل يمكن أن تقول: السكِّين شر ؟ هي أداة أساسية جداً في البيت، وبها يذبح الإنسان، هي حيادية، فإما أنها أداة لتأمين حاجات الإنسان من الطعام، تقطع بها الخضار والفواكه واللحوم، أو بها يذبح الإنسان، وهي أداة واحدة، الكأس شر أم خير ؟ هذه الكأس إذا كان فيها خمر فهي شر، وإذا فيها ماء أو عصير فهي خير. 6 ـ الإنسان فُطِر فطرةً سليمةً:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/03.jpg
أنا أريد أن أصل معكم إلى أن أي وهم يتوهمه الإنسان أن الله خلق إنسانا شريرا، إنسانا حقودا، إنسانا أسود رأس، إنسانا لئيما هو وهم خطأ، لأن الإنسان فطر فطرة سليمة، فأيّ إنسان في الأرض يحب الخير، لكن أن يحب الخير شيء، وأن يكون خيّراً شيء آخر، هذا عالجناه في الدرس قبل الماضي بالتفصيل، الفطرة والصبغة، الفطرة جبلة، حتى الذين يسرقون يقتسمون المال المسروق بالعدل، يقولون له: اقسم بالعدل، الفطرة غير الصبغة، الصبغة أن تكون كاملاً، أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب الرحمة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/04.jpg
إذاً: أن تقول: إنسان شرير، إنسان لئيم، إنسان حسود، هذا كلام غير صحيح، الإنسان فطر فطرة سليمة، الإنسان فطر فطرة عالية الإنسان، فُطِر على حب الخير، لأن صنع الله كله خير، لكن كل شيء خلقه الله يسيره إلى عدلٌ رحيم الله يسير كل مخلوقاته إلا نوعين من المخلوقات الإنس والجن، أودع فيهما الشهوات، ثم أعطاهم الحرية، أعطاهم منهجا وشهوة.
القطار ما فيه مقود، لأن انعطافه ليس إلى يمين أو يسار، بل يسير على السكة، المخلوقات كلها كالقطار، لكن الإنسان كسيارة فيها مقود حر، الطريق هو الشرع، وفي الطريق وادٍ هو المعصية، وللسيارة محرك هو الشهوة، السيارة تندفع بقوة المحرك، والمقود يوجه السيارة، والشرع هو الطريق المعبد، من هو الذكي والعاقل ؟ الذي يبقي المركبة على الطريق عن طريق المقود بقوة المحرك، المحرك يندفع، والطريق معبد، وقائد المركبة عن طريق المقود يبقي المركبة على الطريق، هذه القصة كلها.
7 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة توزيع ابتلاء:
أيها الإخوة الكرام، إلا أن الحظوظ قد وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، هناك غني وفقير، مادة امتحان الغني الغنى، ومادة امتحان الفقير الفقر، قد ينجح الغني، وقد يرسب، والفقير قد ينجح وقد يرسب، وقد ينجح الفقير في امتحان الفقر، وقد يرسب الغني في امتحان الغنى، الفقير ينجح إذا صبر، ينجح إذا تعفف، ينجح إذا رضي عن الله، ينجح إذا قال: اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة، وكما يقال: ما أروع إحسان الأغنياء للفقراء، والأروع منه تعفف الفقراء عن مال الأغنياء.
الناس أمام امتحان الغنى والفقر بين راسب وناجحٍ:
والله أيها الإخوة، طبيب من إخوانا الكرام جراح قلب، جاءته حالة طفل يحتاج إلى عملية، كُلفتها أربعمئة ألف ليرة، والده فقير، عنده ورشة متواضعة جداً في الجبل لصنع مَحافظ النساء، هذا الطبيب حدث عن هذه الحالة أحد المحسنين، قال له: علي العملية، بلّغه، ظن نفسه أن معه خبرا سارا جداً لهذا الأب، اتصل به، قال له: أعتذر، قال: لماذا ؟ قال: أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أنا سوف أبيعها، وأجري عملية لابني، أما هذا المحسن الكبير فدع مالَه لغيري، يقول لي الطبيب: في حياتي ما صغرت أما إنسان كهذا، عرضنا عليك أربعمئة ألف، والعملية مجانية، والطبيب رقم واحد، قال: لا، أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أبيعها، وأعود صانعا، ودع هذا المبلغ لرجلٍ ابنه مريض، لكن ما عنده شيء يبيعه، هو أولى مني، هذا الفقير نجح في امتحان الفقر.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/05.jpg
والفقير الثاني الذي يعمل حاجبا في مدرسة عنده ثمانية أولاد، ودخْله أربعة آلاف، وتحت الخط الأحمر بمسافة كبيرة جداً، ويسكن في غرفة واحدة، ورث أرضا في منطقة الميدان، هذه الأرض مربعة مناسبة جداً، فجاء محسن كبير من محسني هذه البلدة، وأراد إنشاء مسجد في هذا الحي، والأرض مناسبة جداً، أرسل أحد إخواننا الكرام لشرائها، نهاية المفاوضات بثلاثة ملايين ونصف مليون، جاء المحسن ليرى الأرض، أعجبته، مربعة مناسبة، سعرها معقول، فتح دفتر الشيكات كتب مليوني ليرة، أعطى صاحب الأرض الذي يعمل حاجبا في مدرسة وعنده ثمان أولاد، ودخله أربعة آلاف، لا تكفيه ثمن خبز، ويسكن في غرفة واحدة، قال: أين الباقي ؟ قال: عند التنازل، قال: أي تنازل ؟ قال: تذهب إلى الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، وعندها نقدم لك بقية المبلغ، قال: أنا أبيع أرضا لتصبح مسجدا ؟ والله أستحي من الله، أنا أولى أن أقدمها لله، والآن عليها جامع فيه أطول مئذنة في المنطقة، هذا فقير، لكن نحج في امتحان الفقر، يأتي إنسان غني كبير مسافر إلى أمريكا عن طريق ألمانيا بشركة طيران ألمانية، ابنته في ألمانيا، يتخلف عن الطائرة، يقدم أعذارا واهية، ينام في الفندق فتأتي إليه ابنته، وتراه يلتقي مع ابنته بفندق على حساب الشركة، محفظته لا يضع فيها شيئًا، يمزق بطاقتها، يدّعي أن المحفظة ضاعت، يعطونه ستمئة دولار، وهو غني، قدم تصريحا كاذبا، واحتال وهو غني، هذا رسب في امتحان الغنى.
بطولتك أن تنجح في امتحانك، غني أو فقير، ذكي أو غير ذكي، بطولتك أن تنجح في امتحانك، وكل واحد منا له امتحان، هناك إنسان ما أعطاه الله عز وجل جسما قويا، وإنسان ما أعطاه وسامة زائدة، وإنسان ما أعطاه طلاقة لسان.
إنّ أحدَ أخوانا ما تعلم إطلاقاً، وتمنى أن يكون داعية من أعماق أعماقه، لكن لا يحسن إلقاء الكلام، اشترى مئة شريط، وزعها بالتسلسل على أقربائه، يعيرها، يقول لأحدهم: سمعته، هاته لأعطيك غيره، خلال شهرين حوالي ثلاثين رجلا داوموا عندنا في المسجد من أقربائه، هذا نحج في امتحان، مع أنه ليس متعلمًا.
أريد أن أقول لكم: كل واحد منا ممتحن، إما بشهادة عليا، أو عدم نيله الشهادة، أو له زوجة رائعة جداً، أو زوجة من الدرجة العاشرة، لكن رضي بها، يا رب، هذا اختيارك، وأنا راض عنك، فالبطولة أن تنجح في أي امتحان، في زوجة صالحة، وفي زوجة سيئة، والابن الصالح وفي الابن السيئ، في الصحة الطيبة وفي الصحة السقيمة، وفي الوسامة وفي الدمامة، وفي الذكاء وفي عدم الذكاء، وفي الغنى والفقر، والقوة والضعف، لذلك البطولة ليس أن تنجو من المصائب، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل من المصائب.
8 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة في الآخرة توزيع جزاء:
الآن الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، الآن دققوا، الحظوظ الإيجابية والسلبية ما أعطِيتَه وما زوي عنك، موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.
﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
بربكم طبيب جراح قلب، كل عملية له منها مئة ألف، عنده في الأسبوع خمس عمليات، نصف مليون ليرة، في الشهر مليونان، والعملية في ساعتين أو ثلاث، لكن بين الدارس والممرض فرقا ومسافة كبيرة، أستاذ في الجامعة ومعلم ابتدائي في قرية مسافة كبيرة كثير، رئيس غرفة تجارة، وبائع صحون في الشارع، مجند في خط المجابهة الأول في الشتاء والبرد ورئيس الأركان بينهما مسافة كبيرة، غني كبير وإنسان فقير يمل على آلة كاتبة أو حاجبا. ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
والله الذي لا إله إلا هو قد يكون هذا الفقير الذي في الدرجة الدنيا من المجتمع إذا كان مستقيماً قلامة ظفره تساوي عند الله ألف إنسان ممن أوتوا المال.
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ الترمذي عن أنس بن مالك ]
إذاً: الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء .وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء. ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).
بصراحة قد يخرج إنسان في نعش من بيت ثمنه مئة وثمانون مليونا، مَن صمّم كسوة هذا البيت ؟ الذي في النعش، من اشترى الرخام ؟ مَن جاء بالمهندس وزين السقف بالجبس ؟ الذي في النعش، من اشترى هذه المناظر الطبيعية ؟ الذي في النعش، من اشترى الثريات ؟ الذي بالنعش، أين هو الآن ؟ في القبر، انتهت الدنيا، وقد يخرج إنسان من بيت عادي جداً من ستين مترا تحت الأرض، لكن له عمل صالح، قبره جنة، وموته قرب من الله عز وجل، موته عرس وتحفة، وا كربتاه يا أبت، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.
أيها الإخوة الكرام، الأمور بخواتيمها، فنحن كل بطولتنا أن ننجح في كل امتحان، قوي امتحانك قوة، ضعيف امتحانك ضعف، وسيم امتحانك وسامة، لا سمح الله أقلّ وسامة امتحانك أقلّ وسامة، ذكي جداً امتحانك ذكاء، أقل من هذا الذكاء امتحانك أقلّ، غني، فقير، ذاكرتك قوية جداً، وهناك إنسان ذاكرته قوية جداً لا ينسى شيئًا، وهناك إنسان ذاكرته ضعيفة، الذي ذاكرته قوية عنده اسم ثلاثة وثلاثين بنتا يكلمهنّ ليلا ونهارا، مثلاً، ما قولك في هذه الذاكرة ؟ هي سبب معاصيه وآثامه، وهناك إنسان ذاكرته قوية يحفظ كتاب الله، الاثنان معهم ذاكرة قوية. الخلاصة الموجزة:
ملخص هذا اللقاء الطيب أن كل شيء تملكه، كل خصيصة من خصائصك، كل شهوة أودعها الله فيك، كل حظ من حظوظك حيادي، إما أن تستخدمه سلماً ترقى به، أو دركات تهوي بها، وما من شر في الكون أبداً، الشر جاء مثلاً من إنسان ركب مركبة، وكان مخمورا، ونزل في الوادي، السيارة تحطمت، جاء إنسان ساذج وقال: هذه السيارة مَن صنعها بهذا الشكل ؟ هذه لا تحتاج إلى معمل، تحتاج إلى سائق مخمور، أما المصنع فجعل خطوطها جيدة جداً، الطلاء لامع، الفراش وثير، أما هذا الوضع الأخير للسيارة فلا يحتاج إلى معمل، لا تقل: مَن خالق الشر، الشر ما له خالق، الشر ناتج من سوء الاستخدام، والشر ليس إليك، حسن الظن بالله ثمن الجنة، أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء.
يروى أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى توجيها لأصحابه قبيل معركة بدر، أن لا تقتلوا عمي العباس، لكن رجلاً فكّر، فما استوعبها، لماذا منعنا عن قتل عمه ؟ عمه مشرك عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، مقيم في مكة، وجاء مع قريش ليحارب النبي، تألم، وأساء الظن برسول الله، قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه ؟ رآها تعصباً، ثم اكتشف بعد حين أن العباس كان مسلماً، وكان عين النبي في مكة، والنبي قيادته ذكية جداً، كان يعرف كل ما يجري في مكة عن طريق عمه، عمه لا أحد يعلم أنه مسلم، وكان من وجهاء قريش كلما اتخذوا قرارا ضد سيدنا محمد يبلغه العباسُ هذا القرار، تصور لو قال: عمي أسلم، لكشفه، تصور عمه ما شارك في القتال، لماذا ؟ أنت مسلم، كشف حاله، تصور النبي سكت، يقتله صحابة النبي، النبي عليه الصلاة والسلام مضطر أن يقول فقط: لا تقتلوا عمي العباس، لا يستطيع أن يقول: إنه مسلم، ولا يستطيع عمه ألاّ يشارك، ولا يستطيع أن يسكت، هذا الصحابي كشف الأمر بعد حين، يقول: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
لا تقل: الإنسان شرير، الإنسان أسود الرأس لئيم، بخيل، الله فطره فطرة عالية، أعطاه شهوات، وأعطاه اختيارا، إما أنه باختياره يرقى بهذه الحظوظ، وتلك الخصائص، وهذه الشهوات إلى أعلى عليين، وإما أن يسقط بهذه الشهوات، وهذه الحظوظ، وهذه الخصائص إلى أسفل سافلين.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة محوره حسن الظن بالله، محوره أن كل خصائص الإنسان، وأن كل شهواته حيادية، يمكن أن تستغل في الصعود إلى الجنة، أو يمكن أن تكون سبباً في الهبوط إلى النار، ونحن نرجو الله عز وجل أن نحسن الظن بالله عز وجل، أما الإنسان المخير إذا تحرك بقوة المحرك، الشهوة على طريق معبد، والشرع، وما استخدم المقود وقع في الوادي، لا نقول: الوادي شر، الوادي موجود، وأنت معك مقود، لمَ لمْ تستخدم المقود ؟ إذاً: والشر ليس إليك.
من الإعجاز العلمي:
مقدمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق
وننتقل إلى موضوع في الإعجاز.
أيها الإخوة الكرام، حينما قال في أول كلمة، وفي أول آية، وفي أول سورة:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾
( سورة العلق )
نحن في دروس سابقة بينا أن هناك قراءة بحث وإيمان:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
معنى اقرأ أي: تعلم، لأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، أودع فيه حاجة عليا، أعطاه عقلاً، أعطاه سمعاً وبصراً، أعطاه محاكمة، أعطاه استنتاجاً، أعطاه استقراءً، أعطاه كوناً ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقال له: اقرأ، وما لم تبحث عن الحقيقة تهبط عن مستوى إنسانيتك.
أيها الإخوة الكرام، اقرأ من أجل أن تؤمن أن العلم في الإسلام مقيد بالإيمان، فالعلم إن لم يَقُدْك إلى الإيمان فهو حجة عليك. ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) ﴾
(سورة المدثر)
جسم الإنسان إبداعُ الخالق:
الآن أرجو أن تنتبهوا إلي هذه العين الباصرة، إن كانت سليمة مئة بالمئة هل يمكن أن ترى الأشياء من دون ضوء ؟
أدخل إنسانا إلى غرفة مظلمة ظلاما دامسا هل تنفعه عينه ؟ هل ينفع الضوء بلا عين ؟ أدخل إنسانا كفيفا البصر إلى غرفة مضاءة هل ينتفع بعينه ؟ لا، هل ينتفع بالضوء ؟ لا، النقطة الدقيقة أن العين ترى الأشياء عن طريق الضوء، فالضوء والعين شرطان، كل من الشرطين لازم غير كاف للرؤية.
نقلة أخرى الآن، هناك عقل، والعقل لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة إلا عن طريق الوحي، الوحي للعقل كالضوء للعين، لذلك:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/06.jpg تفيد الرؤية بالعينين معاً في تحديد البعد الثالث

أقرب آية إليك هي جسمك، ما الذي يمنع أيها الأخ الكريم أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، أقرب شيء الشعر، العين، الأنف، الفم، الأسنان، اللسان، الأذن، لسان المزمار، المريء، المعدة، البنكرياس، الأمعاء، الرئتان، القلب، العضلات، الأعصاب، الأوعية، الشرايين، الكليتان، جسمك الذي هو أنت، الذي هو أقرب شيء إليك، عوّد نفسك أن تفكر فيه، كلما تفكرت في شيء ارتقيت إلى الله، لماذا هناك عينان ؟ ألا تكفي عين واحدة ؟ الجواب: لا، بعين واحدة ترى السطح فقط، الطول والعرض، بالعينين ترى البعد الثالث. ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ 88 ﴾
(سورة النمل: 88)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1405/07.jpg يقوم الدماغ بتحديد جهة الصوت عن طريق حساب تفاضل وصوله إلى اﻷذنين

بعين واحدة ترى الطول والعرض، بالعينين ترى الطول والعرض والعمق، وهناك أجهزة يقول لك: هي ثلاثية الأبعاد، في الكومبيوتر برنامج يرسم أشياء ثلاثية الأبعاد، لماذا هناك أذنان ؟ من أجل أن تعرف جهة الصوت، لكن بأذن واحدة لا تعرف هذا، لو استمعت إلى بوق مركبة من خلفك بأذن واحدة تأتي أمامها، لكن مادام لك أذنان، والمركبة هنا، يأتي الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، لأن جهازا في الدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، والتفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، هذا الجهاز في الدماغ يدرك أن المركبة على اليمين، فالدماغ يعطي أمر للأرجل بالتحرك نحو اليسار، هل هذا النظام حدَث وحده ؟ فهل يمكن أن تصدق أن طائرة من أحدث الطائرات وضعت قنبلة في معمل الحديد، فالنتيجة كانت طائرة، وأحدث طائرة فيها ثمانمئة راكب ؟ هل يمكن أن تقبل إذا وضعت عشر أوراق في كيس، مرقمة من واحد إلى عشرة، كم حالة من عدد الحالات يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل ؟ واحد إلى عشرة، عشرة أصفار، الستة مليون وأربعة عشرة آلاف مليون حالة واحدة من عشرة آلاف مليون حالة يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل، ذرة واحدة من حمض أميني لا تكفي ذرات الكون أن تصنعها صدفة.
الشعر ليس فيه أعصاب حس، لو كان فيه أعصاب حس فإنك تحتاج إلى عملية في المستشفى للحلاقة، لأنك لا تتحمل، لكن الله ما جعل في الشعر أعصاب حس، ولا جعل في الأظافر أعصاب حس، وجعل العين بمحجر، والدماغ في الصندوق العظمي، والنخاع الشوكي في العمود الفقري، والقلب في القفص الصدري، والرحم في عظم الحوض، ومعامل كريات الحمراء في نقي العظام، ما هذه الحكمة ؟ والأوردة خارجية، الدم ضعيف فيها، والشريان داخلي.
حدثني طبيب جراح قال لي: مرة انفتح معي شريان، أقسم بالله الدم وصل إلى السقف، الله عز وجل جعل الشرايين داخلية عميقة، والسطحية أوردة، هذه يد مَن ؟ الله عز وجل جعل هذه الأجهزة الخطيرة في حصون، هذه يد من ؟ جعل في الأنف أشعارا، الأنف فيه سطوح متداخلة، وأوعية معها عضلات، في البرد الشديد تتوسع العضلات، فتأتي كمية دم إضافية، فتجد الإنسان في الشتاء في البرد الشديد أنفه أحمر، معنى ذلك أن الدم ارتفع مستواه، والدم حرارته سبع وثلاثون، دخل الهواء، فيمشي عشرة أضعاف المسافة كمستقيم، تكون الحرارة صفرا فتصبح هنا سبعا وثلاثين، لا يكفي، هناك تداخل ودم كثيف وعضلات للأوعية هنا، هناك مادة لزجة إذا كان الغبار في الطريق، هذه المادة اللزجة تستقطب الغبار، وإذا كان في المكان دخان تستقطب هذه المادة اللزجة الدخان، ولما ينظف الإنسان أنفه يجد الغبار والدخان، لو فرضنا أن ذرة غبار استطاعت أن تسير في الفراغ فقط، هذه حالة مستحيلة، مَن يلقطها ؟ الأشعار، وهي سطوح متداخلة، وساخنة تدفئ الهواء، وتلتقط المواد الغريبة والأشعار، والإنسان يأخذ الهواء بدرجة صفر، عند الحنجرة يصبح سبعا وثلاثين، هذا صنع مَن ؟ إنه صنع الله عز وجل، فحاولْ كلَّ يوم أن تفكر في شيء.
هذا المفصل، لو لم يكن لدينا مفصل، تريد أن تأكل فتأكل مثل الهرة، تنبطح وتلحس بلسانك الصحن، لكن هنا مفصل كروي تدور، لولا هذه اليد وهذه الأصابع لما كان هناك صناعات.
فكر في اليد، فكر في مفصل الرجل، هو خارجي، اليد داخلي، هل انتبه أحد لهذا ؟ ما هذا التصميم التخطيط والحكمة ؟
أيها الإخوة الكرام، الآية الدقيقة: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
( سورة الذرايات )
1 – تقديم وترحيب
أرجو الله عز وجل أن نتدرب على التفكر، هناك أذنان لاتجاه الصوت، وعينان للبعد الثالث، والشعر ما فيه أعصاب حس، والأسنان فيها أعصاب حس في لبِّ العظم، حتى إذا حدثَ نخر تسارع إلى الطبيب فيحفظ أسنانك، يمكن أن تخصص كل يوم خمس إلى عشر دقائق لتفكر في جسمك، لتتجه إلى الله عز وجل، وهذا التفكر يضعك أمام عظمة الله، هذا التفكر هو أوسع باب تدخل منه على الله، وأقصر طريق بينك وبين الله.


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الواحد و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 7 - شهوة المال -1- فلسفة المال في الإسلام من حيث اكتسابه وإنفاقه







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. شهوة المال:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/01.jpg
أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الواحد و العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلا في الدرس الماضي من مقومات التكليف إلى موضوع الشهوة، وبينت لكم في دروس عدة أن الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها، وأنه لولا الشهوات لما ارتقينا على رب الأرض والسماوات، ودخلنا في موضوعات فرعية كثيرة حول الشهوة.
والآن ننتقل إلى أحد أكبر شهوات الحياة، إنه المال، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
1 ـ المال مِن مقوِّمات الحياة:
فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/02.jpg
لكن بادئ ذي بدء المال قوام الحياة، فحينما تعمل تكسب مالاً حلالاً تشتري به بيتاً، وتتزوج، تنجب أولاداً، وتسعد بأهلك وبأولادك، هذا المشروع الكبير أساسه أن لك عملاً ترتزق منه، فالمال قوام الحياة.
أيها الإخوة الكرام، لا بد من إيضاح دقيق لدور المال في حياة المؤمن.
أولاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ـ لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفيق قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
المال قوام الحياة، فينبغي أن تكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، المال قوة، ومعنى قوة أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بماله يزوج شاباً، بماله يعالج مريضاً، بمال يرعى أرملة، بماله يطعم يتيماً، بماله ينشئ معهداً، بماله يؤسس ميتماً، بماله يفعل الخير، الخيارات المتاحة لصاحب المال لا تعد ولا تحصى، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل.
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ و آنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَ آنَاءَ النّهَار ))
[ متفق عليه ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/03.jpg
فلسفة المال في الإسلام أن هذا المال أحد أكبر أسباب دخول الجنة، أن هذا المال أحد أكبر أسباب التقرب على الله، أن هذا المال يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين المال نفسه.
لكن أيها الإخوة، الآية الدقيقة جداً التي تبين قيمة المال: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) ﴾
( سورة النساء: 14 )
موطن الشاهد:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾
تقوم حياتك على دخل تشتري طعاماً لأهلك وأولادك، تشتري كساءً تستأجر بيتاً، يعني المال قوام الحياة، إذاً هذا الذي يدعي أنه لا يحب المال أنا لا أصدقه.
لقد أودع الله في الإنسان حب المال، وهذا شيء متغلغل في أعماق النفس، لكن هناك من يعترف، وهناك من لا يعترف، ولكن شهوة المال مودعة في كل إنسان اعترف أو لم يعترف، صرح أو لم يصرح، الحقيقة الأولى أن المال قوام الحياة، فلا تحتقر المال، المال مِن نعمِ الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً، وكان إنفاقه في وجوه الخير. 2 ـ المال حياديٌّ:
أيها الإخوة، شيء آخر في موضوع المال، هو أن المال حيادي، الغنى خير ؟ نعم ولا، إذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير، وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، المال ليس نعمة وليس نقمة، ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه، بل على طريقة كسبه أيضاً، لذلك الإنسان يوم القيامة يُسأَل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه ؟ يسأل عن عمره، وعن شبابه، وعن علمه، أما عن ماله فيسأل سؤالان: من أين اكتسبه، و فيمَ أنفقه ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/04.jpg
أيها الإخوة، الحقيقة الأولى: المال قوام الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت، ولأن الله سبحانه وتعالى من حِكَمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، وهذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال، فكأنه دفعنا إلى كسب المال، والفكرة الدقيقة أن الله عز وجل حينما وصف بشرية الأنبياء قال:
﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
( سور الفرقان: 20 )
هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين، سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>. العمل والحرفة من العبادات والطاعات:
لكن بادئ ذي بدء، أحب أن أطمئنكم أن كل واحد منا في عمله الذي يكسب منه رزقه، في حرفته التي يحترفها، في مهنته التي يمتهنها، في حركته التي يتحركها، في مشيه في الأسواق، أن كل واحد منا بإمكانه وبيسر أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/05.jpg
إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا كذب فيها، ولا غش، ولا احتيال، ولا إيهام، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا بيع على بيع، ولا تلقي الركبان، ولا كتم عيب، إذا نجا المؤمن من معاصي البيع والشراء كلها، وكانت حرفته في الأصل مشروعة، يبيع قماشاً، يبيع طعاماً وشراباً، يبيع خشباً، يبيع حديداً، إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلك بها المسلم الطرق المشروعة، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كانت عبادة.
والله أيها الإخوة، كان السلف الصالح حينما يفتح محله التجاري يقول: نويت خدمة المسلمين، إنسان يمضي ثماني ساعات في محله التجاري وهو في عبادة ؟ لأنه نوى في هذا العمل كفاية نفسه، وكفاية أهله، وحبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، نوى كفاية نفسه وأهله، ونوى خدمة المسلمين، هذه الحرفة، وتلك المهنة، وهذه الوظيفة، وهذا الطب، وهذه المحاماة، وهذه الهندسة، وهذا التدريس عبادة، طبعاً ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن عمل صالح، ما قولك أن تقول: عادات المؤمن عبادات.
هل هناك واحد في الأرض لا يعمل ؟ إلا حالات نادرة، انظر إلى الطرقات صباحاً المؤمن وغير المؤمن، والمنافق والعاصي والمستقيم يتحرك، هذا إلى مدرسته مدرسًا، وهذا إلى معمله عاملا، وهذا إلى مكتبه محاميًا، هذا إلى عيادته طبيبا، كلهم يتحركون، فبيْنَ أن تكون هذه الحركة عند الله عبادة ترقى بها إلى أعلى عليين، وأن تكون هذه الحرفة سبباً كافياً لدخول الجنة.
أيها الإخوة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، من دكانك، من وظيفتك، من مكتبك الهندسي، من عيادتك كطبيب، من حقلك من معملك، من أي مكان، إذا كان العمل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، لا غش فيه، ولا كذب، ولا احتيال، ولا تدليس، ولا احتكار، ولا مديحًا كاذبًا ولا إيهام، ولا استغلال، ولا تلقي الركبان، ولا بيع على بيع، إذا كانت الحركة في هذه المهنة مشروعة، والحرفة في أصلها مشروعة، ونويت بها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن واجب ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة، لذلك عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/06.jpg
أيها الإخوة، المال حيادي، أركز على هذا، قيمته موقوفة على طريقة كسبه وإنفاقه، هو نعمة ونقمة، هو سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، الدليل:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
( سورة الفجر)
أكرمه بدخل واسع.
على ذكر كلمة نعمة تذكرت موقفا لصاحبي، أحد الصحابة اسمه خبيب قبض عليه المشركون، وأرادوا قتله أو صلبه، جاءه أبو سفيان، دققوا، قال له: أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت معافى في أهلك ؟ والله سمعت هذه الكلمة منه بحسب ما قرأت طبعاً قال: << والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في بيته مع زوجته الشابة، وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها ـ العافية الصحة جيدة، وطعام، ونعيمها تكييف مثلاً، وباقة ورد، وألوان منوعة من الأطعمة والفواكه ـ والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة >>، فقال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
هذا الإسلام، الإسلام حب، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ (15)﴾
( سورة الفجر)
3 ـ ليس كسبُ المال دليلَ حبِّ الله للعبد:
هناك أشياء ثانوية وأشياء تسمى رفاهاً وزيادة، فإذا لم يأكل الإنسان بعض أنواع الفواكه الغالية والنادرة هل يموت من جوعه ؟ لا، لكنه يأتي بهذه الفواكه.
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
فيقول، وهذه مقولته، كأن الله عز وجل ما قبِل هذا الجواب: ﴿ كَلَّا ﴾
( سورة الفجر الآية: 17 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/07.jpg
إذا آتى الله الإنسان المال، وما كان مستقيما، وكان منحرفا، يقول لك: الله يحبني، لأنه أعطاني المال، مَن قال لك ذلك ؟ قارون أغنى منك: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾
(سورة القصص)
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 79 )
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
( سورة القصص الآية: 81 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/08.jpg
الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ما دام الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً لا يمكن أن يكون المال مقياساً لمحبة الله، ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل، أعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وزويت عمّن يحب وعمّن لا يحب، إذاً: ليست مقياساً. ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
الجواب الإلهي: ﴿ كَلَّا ﴾
(سورة الفجر الآية: 17 )
كلا أداة ردع، فضلاً عن أنها أداة نفي، قال لك رجل جائع: هل أنت جائع ؟ تقول له: لا، لا سمح الله ولا قدر لو قال لك هل: أنت سارق ؟ هل يكفي أن تقول له: لا ؟ تقول له: كلاّ، فكلمة كلاّ تنفي الرغبة والإقرار والموافقة إطلاقاً، كأن الله عز وجل يقول: ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، الدليل: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
( سورة الفجر)
4 ـ إنفاق المال أحد أسباب التقرُّب إلى الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/09.jpg
أيها الإخوة، يجب أن تعلم علم اليقين يقيناً قطعياً أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال، الدليل قال تعالى:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾
( سورة البقرة)
﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾



معنى: وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
قال علماء التفسير: " تحتمل هذه الكلمة: ﴿ عَلَى حُبِّهِ ﴾ معنيين: إما آتى المال وهو يحبه، أو آتى المال حباً في الله.
على كلٍّ:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) ﴾
( سورة آل عمران)
المعنى الأول صحيح، والمعنى الثاني صحيح: ﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾
( سورة البقرة)
دققوا الآن: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾
( سورة البقرة)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/10.jpg
آتى المال على حبه شيء، وإيتاء الزكاة شيء آخر، إيتاء الزكاة فرض، أما آتى المال على حبه فهو تطوع، وعلامة محبتك لله أن تنفق من مالك فضلاً عن أموال الزكاة صدقةً. ﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾
( سورة البقرة)
إذاً: أيها الإخوة، أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل إنفاق المال، وورد في بعض الآثار:
(( أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ـ شر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ـ فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
[ ورد في الأثر ]
﴿ آَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾
5 ـ المال قوّةٌ:
فإنفاق المال أحد أكبر أسباب القرب من الله، والمال قوة:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/11.jpg
أقول لكم هذه الحقيقة، دققوا: إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله فالأرجح أنه ينبغي أن تكون غنياً، لأن الغنى قوة، ولأن فرص العمل الصالح التي تتاح أمام الغني كثيرة جداً، وليست متاحة أمام الفقير.
أحيانا يكون الشاب بأعلى درجات الاستقامة لكن ما عنده بيت، وشابة مؤمنة حافظة لكتاب الله ما أحد يخطبها، أنت هيئت بيتا، فهذا الشاب تزوج هذه الفتاة، أنت أسست أسرة مؤمنة صالحة، وهذا عمل عظيم، وأنا رأي الآن أن ما مِن عمل أعظم منه أن تسهم بحل مشكلات الشباب، أن تهيئ بيتا لشاب، وبهذا البيت يتزوج شابة تحصنه ويحصنها، وتستره ويسترها، وتسعده ويسعدها، المال قوة، لك أن تنشئ مشروعا خيريا، أن تعمل تنشئ ميتما، أن تبني معهدا شرعيا، أن تبني مستوصفا، وهذا المال إذا كان طريق كسبه سالكاً وفق منهج الله بعمل مشروع، بتجارة مشروعة فهو شيء وفق منهج الله، أما إذا كان طريق الغنى على حساب دينك وقيمك ومبادئك فالفقر وسام شرف لك، هذا منهج الله.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فالأرجح والأكمل أن تسلك هذا الطريق، لأنك إذا كنت غنياً فالغنى قوة، وفرص العمل الصالح المتاحة أمامك لا تعد ولا تحصى، كيف أن القوي بتوقيع يحل مشكلة، بتوقيع يقر معروفاً، ويزيل منكراً، بتوقيع يقرب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، والمال يمكن أن تملأ قلب الناس محبة لك بإنفاقه.
" يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها وبغض من أساء إليها ". 6 ـ المال مسؤولية كبيرة:
أيها الإخوة، كما أن المال أعظم قربة إلى الله عز وجل، المال نفسه مسؤولية كبيرة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/12.jpg
بالمناسبة الممكَّن في الأرض كلمة عامة، فإذا كنت غنياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت قوياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت عالماً فأنت ممكَّن في الأرض، الممكَّن في الأرض له حساب خاص، إذا أحسن له أجران، وإذا أساء فعليه وِزران.
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: << إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد واقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >>، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
فالذي يحسن له أجران، أجر نفسه ومَن قلده، لأنه غني، الأغنياء يقلَّدون دائماً، الأغنياء يحتلون مرتبة عالية في أي مجتمع، فالناس ينظرون إليهم هكذا، فإذا قلد فقير غنياً في معصية فعليه إثمه وإثم مَن قلّده، وإذا قلّد فقير غنياً في طاعة لله فله أجره وأجرُ مَن قلّده، لذلك من أروع ما سمعت أن " العدل حسن، لكن في الأمراء أحسن، أروع شيء أمير عادل، والسخاء حسن، لكن الأغنياء أحسن، والتوبة حسن، لكن في الشباب أحسن، والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، والحياء حسن، لكن في النساء أحسن ".
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/13.jpg
أيها الإخوة، الإنسان مسؤول مسؤولية كبيرة عن كسب المال، ما قولكم أن إنساناً ضحى في حياته فكان شهيداً، قدّم أثمن ما يملكه الإنسان، قال الشاعر:
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
***
(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))
[ أخرجه أحمد و مسلم عن ابن عمرو ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ ))
[ الترمذي ]
والله زرت مرة صديقي، وكان والده حاضراً، قال لي: أنا عمري ستٌّ وتسعون سنة، وأجريت فحصا كاملا شاملا للدم فكانت النتائج كلها طبيعية، ثم عقّب فقال: والله في كل حياتي تلك ما أكلت حراماً، ولا عرفت حراماً، يقصد ما أكل حراماً مالاً، ولا عرف حراماً في النساء، من عاش تقياً عاش قوياً.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
اشتريت طعامك بمال حلال كسبته من طريق مشروع، هذا الطعام الذي اشتري بمال حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
والله أيها الإخوة، يمكن بدخل معقول محدود أن يكفي إذا بارك الله عز وجل فيه، ودخل غير محدود مع المعاصي والآثام لا يكفي، كلمة بركة ما أحد يضعها في حساباته، مع أنه ليس في الآلات الحاسبة مكان مكتوب فيه بركة، فيها جمع طرح ضرب تقسيم نسب جذر، لكن ما فيها بركة، أما البركة فشيء حقيقي، بدخل حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/14.jpg
وعند الله عز وجل شيء يسمى الرزق السلبي، الله عز وجل حفظ لك صحتك وصحة أولادك، فأيّ مرض يحتاج إلى ألوف مؤلفة، وهناك أمراض الإبرة ثمنها مئة ألف، الأورام الخبيثة الجرعة قيمتها مئة ألف ليرة، يحتاج كل شهر إلى جرعة، فحينما يكون الإنسان مستقيما، ودخله حلالا، واشترى به طعاما طيبا بثمن الحلال، فالله عز وجل يكافئه برزق سلبي، فيحفظ له صحته وصحة أهله وأولاده، وصحة مَن يلوذ به، ينجو من احتراق المحل التجاري، أو احتراق البيت، ينجو من أن يخضع لظالم يأخذ كل ما عنده.
أساساً:
(( وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، مَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ ابن ماجه عن ابن عمر ]
ترون أنتم كيف أن الغرب يأخذ أموالاً طائلة بشكل أو بآخر، وبأسلوب أو بآخر.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/15.jpg
أيها الإخوة، إذاً: المال الإنسان محاسب عنه محاسبة شديدة، وقد مرّ معي أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى على السرير تمرة قال: يا عائشة لولا أني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها، اشتهى أن يأكلها، لكنه خشي أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ:
(( إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ))
[ مسند أحمد ]
من هنا قيل:
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]
المخلط خلط عملاً صالحاً بعمل سيئ.
أيها الإخوة الكرام، قضية المال تحتاج إلى فهم عميق، قضية المال تحتاج أن تفهم فلسفة المال في الإسلام، المال قوام الحياة، والمال محبب للنفس، والمال حيادي سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، والمال وراءه مسؤولية كبيرة جداً، والمال أحد أكبر القرب إلى الله عز وجل، هذه فلسفة المال في الإسلام. 7 ـ ليس المال للزهو والافتخار والاستعلاء على الناس:
لكن لما يتصور الإنسان أن المال من أجل متعته، الآن أضع بين أيديكم تصورا آخر، المال من أجل الرفاه، المال من أجل الزهو، المال من أجل البذخ، من أجل الاستعلاء، هذه كلها أمراض نفسية، ورد في بعض الآثار:
(( يحشر الناس أربع فرق يوم القيامة، وفريق جمع المال من حلال تجارة مشروعة، وأنفقه على الموائد الخضراء في الليالي الحمراء، فيقال: خذوه إلى النار، المجتمع المخملي حسابه سهل، وفريق جمع المال من حرام، عنده ملهى، عنده راقصات ومغنون وخمر، لكن تزوج واشترى بيتا وعاش حياة، شراء البيت حلال، وأنفقه في حلال، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، والثالث والعياذ بالله جمع المال من حرام، وأنفقه في حرام، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، بقي الأخير الفريق الرابع جمع المال من حلال، وأنفقه في حلال، قال: هذا قفوه واسألوه ))
[ ورد في الأثر ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/16.jpg
الأول والثاني والثالث الحساب سريع جداً، أما الرابع فقفوه واسألوه، هل تاه بماله على مَن حوله ؟
قد تقول لغيرك: أين تسكن ؟ هو ساكن بحي راق جداً، بيت ثمنه ثمانون مليونًا، فترى المسؤول يخجل، مرة قال لي أحدُهم: أنا ساكن بمنطقة برزة، جلست مع جماعة ساكنين بأرقى أحياء دمشق غربي المالكي، قال له: أنت أين ساكن ؟ قال شرقي المالكي، وأحدهم يسكن في منطقة الحجر الأسود، قال: أنا ساكن في البلاك ستون، فيصغرك بمكان سكنك، ومساحة بيتك، وبراتبك، كم تأخذ راتبا، يصغّرك، هذا الذي يستعلي بماله هذا شيطان يتكلم.
والله أيها الإخوة، بإمكانك أن تطيب قلب أيّ إنسان، وأنا أذكر أني دخلت إلى بيت أحد إخواننا الكرام غرفة الضيوف صدق أنه يجلس فيها أربعة أشخاص بصعوبة بالغة، فهو خجل، قلت له: يا بني النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، فإن أراد أن يصلي انزاحت جانباً، مَن هو ؟ سيد الخلق.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/17.jpg
قائد القوات الإسلامية في الشام أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دخلوا إلى بيته فوجدوه غرفة فيها جلد غزال وقدرا مغطى برغيف خبز، وسيفا معلَّقا، قالوا: ما هذا يا أمين الأمة ؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل ؟
هناك إنسان يستعلي بالمال ويفتخر، يزهو، يصغر الآخرين، الله كبير.
جاء صهر إلى رجلٍ من أرقى الناس، ويعيش في الخليج، ودخله جيد، لكن هو عنده تجارة واسعة جداً، فقال: كم دخلك في الشهر ؟ قال له فرضاً: خمسون ألفا، قال: لا يكفي هذا المبلغ ابني يومًا، الله كبير، دارت الأيام وصودرت أملاكه، واضطر أن يتوسط بهذا الذي خطب ابنته أن يقبل العمل عنده، فلما قبِل عمل عنده محاسباً، الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/18.jpg
تروى قصة رمزية عن إنسانٍ جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، فطرق الباب سائلٌ، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام، فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء مَن يخطبها، وجلست معه وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: مَن الطارق ؟ قالت: السائل، قال: مَن هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول.
الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
والله حدثني أخ قال: أنا عندي معمل، وعندي سيارة كبيرة للسفر، وسيارة أخرى، وسيارة للمعمل، قال: ما دخلت الحلويات بيتي إلا بأكبر كمية كبيرة والفواكه بأكبر كمية، حدَّث عن حياته الناعمة، أقسم لي بالله الآن أنه ينقّب في القمامة ليأكل، قصة طويلة وواقعية، إياك أن تزهو بمالك، المؤمن إذا أغناه الله يزداد تواضعاً لله، يزداد تواضعاً للفقراء، ما أعظم سخاء الأغنياء على الفقراء، وأعظم منه عفة الفقراء عن مال الأغنياء.
الملخَص:
أيها الإخوة، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله كبيرة على كلٍّ أنا أخاطب الشباب، إذا كان طريق كسب المال وفق منهج الله فاكسبوا المال الحلال، وحلوا به مشكلات المسلمين، وإذا كان طريق كسب المال على حساب دينكم وقيمكم فالفقر وسام شرف لكم، هذا ملخص الملخص.
من الإعجاز العلمي: القمح:
1 ـ أنواع القمح:
أيها الإخوة، ننتقل إلى موضوع الإعجاز العلمي، الله عز وجل جعل القمح لبني البشر غذاءً كاملاً، لكن كم هي أنواع القمح ؟ هناك خمسة وأربعون ألف نوع، أحد إخواننا الكرام أستاذ في الجامعة، وذكر لي هذا الرقم.
2 ـ القمح غذاء كامل:
لكن القمح غذاء كامل، ينبت في كل بقاع الأرض، في السهول والجبال، وفي الأغوار، في الأجواء الباردة والأجواء الحارة، في المعتدلة، وفي كل لحظة من لحظات الزمن، هناك قمح على وجه الأرض ينبت، والغريب أن ساق القمح غذاء كامل للأنعام http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/19.jpg
الغذاء الأول يسمى في الاقتصاد الغذاء الاستراتيجي، التبن له سعر عالمي، كما أن القمح غذاء كامل للإنسان، وساق القمح غذاء كامل للحيوان.
﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) ﴾
( سورة النازعات )
مرة أحب رجلٌ أن ينال من موضوع ديني، وفي محاضرة ذكرت عن البعوضة أشياء رائعة جداً، هو يبدو أنه علماني، وفهمكم كفاية، قال لي: كأن في الدين الإسلامي أن الذباب إذا وقعت في إناء أحدكم فليغمس جناحيها معاً، فإن في الأول داءً، وفي الثاني دواءً، قالها من باب الاستهزاء، قال لي: هل ينسحب هذا على البعوضة ؟ أيضاً البعوضة نغمسها ؟ قلت له: إذا أقنعك طبيب أن تأكل التفاح بقشره هل ينسحب هذا على البطيخ الأخضر ؟ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾
( سورة الشورى)
3 ـ مكوِّنات القمح:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/20.jpg
أيها الإخوة، الآن دققوا هذه الحبوب الكاملة، فيها غلاف خارجي، القمحة لها غلاف خارجي يزن تسعاً في المئة من مجموع وزنها، يسمى عند الناس نخالة، فيها قشرة رقيقة تنطوي على مادة آزوتية لا تزيد على ثلاثة بالمئة من وزنها، وفيها الرشيم الكائن الحي في القمحة الذي ينبت إذا توافرت له شروط الإنبات، هذا يحيا آلاف السنين.
القمح الذي استخرج من أهرامات مصر قبل ستة آلاف سنة زرع فنبت، لأن فيه كائنا حيًّا لا يموت، الرشيم كائن حي، إن أصابت القمحة رطوبة نبت، وزنه لا يزيد على أربعة بالمئة من وزن الحبة، والأربعة وثمانون في المئة من القمح نشاء خالص، ماذا نفعل نحن ؟ ننزع عن القمحة غلافها وغشاءها، ولا يبقى من القمح إلا النشاء الخالص، أما الغلاف الذي يسميه الناس نخالة فاسمعوا ماذا فيه:
4 ـ فوائد نخالة القمح:
النخالة التي يطعمها بعض الناس للدواب، ويأكل هو النشاء فقط، فيها ستة فيتامينات، فيتامين ب1، ب2، ب6، وفيتامينات أخرى، وفي هذا الغلاف مادة فسفورية هي غذاء للدماغ والأعصاب، وفي هذا الغلاف حديد يهب الدم قوة وحيوية، ويعين على اكتساب الأكسجين من الرئتين، وفي هذا الغلاف الكالسيوم الذي يبني العظام، ويقوي الأسنان http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/21.jpg
وفي هذا الغلاف السيلكون الذي يقوي الشعر، ويزيده قوة ولمعاناً، وفي هذا الغلاف اليود الذي ينشط الغدة الدرقية، ويضفي على آكله السكينة والهدوء، فيه البوتاسيوم والصوديوم و المغنزيوم، هذا كله نطعمه للدواء، ونأكل نحن الخبز الأبيض، وهذا هو الحمق بعينه، هذه المعادن تدخل في تكون الأنسجة والعصارات الهاضمة، أما نحن فننزع عن حبة القمح قشرها، ونرميه للبهائم، ونأكل النشاء الصافي، لذلك قالوا: احذروا السموم البيضاء الثلاثة، الطحين الأبيض، والسكر الأبيض، والملح الأبيض.
أيها الإخوة الكرام، غلاف القمحة الغشاء القشرة النخالة أعلى مادة في الأرض لتيسير عملية الهضم، كل أدوية معالجة الإمساك عن طريق مواد مشتقة من النخالة، والإمساك يسبب خمسين مرضا، ودواء الإمساك الأول أن تأكل الخبز بقشره، الخبز الأسمر، فإذا سافر الرجل كثيراً ونزل في أرقى الفنادق فإنه يأكل الخبز الأسمر الأول، لأنه هو الصحة، وأقلّ شيء أنه يحميك من الإمساك الذي يسبب خمسين مرضا.
كم معدنا فيه ؟ فيه ستة فيتامينات، فسفور للدماغ والأعصاب، حديد للدم، ويعطي الحيوية، كالسيوم للعظام والأسنان، سيلكون للشعر، يود للغدة الدرقية، بوتاسيوم وصوديوم و مغنيزيوم .
5 ـ بدعةُ العصر: نخلُ وتصفيةُ القمح والشعير:
والله أنا العبد الفقير من عشرين سنة لا آكل إلا الخبز الأسمر، هو الصحة، هو المفيد http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1406/ar-1406/22.jpg
لذلك هذه القشور إذا غليت فهي دواء مهدئ للسعال والزكام، وإذا شرب هذا المغلي كان قابضاً للأمعاء، ودواء لتقرحات المعدة وللزحال، وهو غذاء للجلد، ووقاية له، أما حينما نأكل الخبز المنخول نكون قد خالفنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق، وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ:
(( هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ ))
[ البخاري ]
أيها الإخوة، أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق.
هذه نصيحة لوجه الله: كلوا الخبز الأسمر، كلوا الخبز الذي هو دقيق قمح مطحون من دون نزع القشرة.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 8 - شهوة المال -2- المال و المراة









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. المال والمرأة شهوتان أودعهما الله في نفس الإنسان:
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الثاني و العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، والموضوع اليوم متابعة لموضوع الدرس السابق حول شهوة المال، وقد بينت لكم كيف أن المال قوام الحياة، وكيف أن المال محبب للنفس، وكيف أن المال حيادي يمكن أن يكون سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها، وكيف أن إنفاق المال من أعظم القربات إلى الله عز وجل، هذا الموضوع موضوع لصيق جداً بحياة الإنسان بل إن تسعة أعشار الأحكام الفقهية متعلقة بالمال والمرأة لأنهما أقوى شهوتين أودعهما الله في نفس الإنسان.
الله عز وجل أراد أن يكون المال متداولاً بين كل الناس:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/01.jpg
الحقيقة الأولى الصارخة الدقيقة أن الله عز وجل أراد أن يكون المال متداولاً بين كل الناس، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:
﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
إذا كان هذا المال متداولاً بين الأغنياء هلكت الأمة، موفور عند الأغنياء والحاجات لا يستطيعها إلا الأغنياء وبقية الناس في فقر مدقع، المال ليس بأيديهم وقد عبّر عن هذه الحقيقة بأن واحداً يملك مليوناً ومليوناً لا يملكون واحداً، الوضع الطبيعي، الوضع الصحي، الوضع الذي يرضي الله، الوضع الذي يحقق مصالح الناس جميعاً أن يكون المال متداولاً بين كل شرائح الأمة، وإن أردتم مقياساً للتقدم الحقيقي في الدنيا كلما ضاقت المسافة بين الأغنياء والفقراء وبين الأقوياء والضعفاء كان المجتمع بخير، وكلما ابتعدت المسافة بين الفقير والغني وبين القوي والضعيف هناك شر مستطير، وهناك أخطار تنتظر الأمة. فقدان المال نفعه إن خُزن و لم يُطرح للعمل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/02.jpg
أول حقيقة يجب أن يكون المال متداولاً بين كل أفراد المجتمع، لا أن يكون متداولاً بين الأغنياء فقط، فالله عز وجل أراده متداولاً بين كل الناس، بعض الأمثلة لماذا فرض الله الزكاة على المسلم ؟ أو ما حكم الزكاة ؟ معك مئة ألف عليها زكاة كل عام اثنين ونصف بالمئة لو أنك خزنت هذا المال وكنزته ولم تطرحه للعمل والتداول ولم تنفع به أحداً، الزكاة تأكله في أربعين عاماً.
اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، فكأن حكمة الزكاة أن هذا المال الذي بين يديك يجب أن تجعله متداولاً، إنسان معه مليون ليرة متقاعد ودخله التقاعدي يكفي، اطمأن عليه، أودعه في مكان أمين أي كنزه، لو فرضنا شاب في مقتبل الحياة يتأجج نشاطاً وحيوية، ويحمل اختصاصاً، ومعه خبرة، معه شهادة عليا، يحتاج في مشروع إلى مليون ليرة، فجاء صاحب هذا المليون قدّمه إلى هذا الشاب، الشاب وجد عملاً استخدم خبرته وليكن مهندساً زراعياً، استخدم خبرته ومعه هذا المال لو ربح هذا المشروع أربعمئة ألف، مئتا ألف لصاحب المال ومئتا ألف للمهندس الذي استخدم علمه وجهده، ما الذي حصل ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/03.jpg
صاحب المال انتفع، وهذا المهندس كان على مشارف البطالة فانتفع بهذا المال، ولما انتفع تزوج، خطب فتاة، حلّ مشكلة أسرة عندهم فتاة في سن الزواج، واستأجر بيتاً صاحب البيت انتفع بالأجرة، واشترى حاجات الطفل، ترى العجلة دارت، هذا المليون ما دام أعطاه لهذا المهندس الأمين المستقيم الخبير، وعمل بهذا المليون وربحوا أربعمئة ألف وتقاسم صاحب المال وصاحب الجهد هذا الربح إذاً هذا المال أصبح متداولاً بين أطراف عديدة ,.
المشروع يحتاج لمحل تجاري استأجروا محلاً تجارياً، صاحب المحل انتفع، المشروع بحاجة إلى محاسب عينوا محاسباً، هيئوا فرصة عمل، المشروع بحاجة إلى مستودع، استأجر مستودعاً، بحاجة إلى مطبوعات، المطبعة اشتغلت.

الوضع الصحي الذي يقوي الأمة التقارب في المستوى المعاشي بين الأغنياء والفقراء:
بدأنا من واحد معه مليون أعطاها لشاب يتأجج حيوية ونشاطاً، معه اختصاص، وعنده خبرة، الشاب انتفع والشاب تزوج واستأجر بيتاً واشترى أثاثاً للبيت انتفع النجار بغرفة النوم، انتفع من يعمل في التمديدات الصحية، انتفع من يعمل في أواني المطبخ، يعني مئة أو مئتا مشروع انتفع من هذا المليون، المحل التجاري والمستودع ومكتب الاستيراد والطباعة والدعاية، هذا المليون حرّك عدداً كبيراً فصار هذا الربح متداولاً بين شريحة كبيرة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/04.jpg
أنا الذي أراه أن أصل التصميم الإلهي للمال أن يكون متداولاً بين أفراد المجتمع، فالوضع الصحي الطبيعي الذي يقوي الأمة أن يكون هناك تقارب في المستوى المعاشي بين الأغنياء والفقراء، كل الناس عندهم بيوت، في بلد أخذ قرار يجب أن يتملك كل إنسان بيتاً الساكن في بيت ملك مشكلته محلولة، و مستأجر هذا البيت يتملكه بثمن قدره 25 ضعفاً من أجرته السنوية، والدولة تدفع لصاحب البيت المبلغ دفعة واحدة وتأخذه تقسيطاً من الذي تملَّك البيت، فكل إنسان في عنده بيت، كل إنسان قادر أن يعالج ابنه عند الطبيب، كل إنسان قادر أن يأتي بطعام جيد صحي فيه بروتين فيه نشويات فيه سكريات متناسب، أراد الله عز وجل أن يكون المال متداولاً بين أفراد المجتمع وضع صحي، أما كل شيء موجود لكن بسعر يفوق طاقة الطبقة الوسطى، أوضح مثل لو الفواكه قليلة وأحد أنواع الفواكه سعر الكيلو مئتي ليرة، الشام فيها خمسة ملايين إنسان كم أسرة تشتري هذه الفاكهة ؟ أعتقد خمسمئة ألف من خمسة ملايين، إذا كان الكيلو مئة ليرة مليون يشترون، لو بخمسين مليونين، لو ثلاثين ثلاثة ملايين، لو بعشرة أربعة ملايين، لو بخمسة خمسة ملايين، كلما هبط السعر تتسع شريحة المنتفع بهذه المادة، فحينما تكون الأسعار معتدلة والمواد موفورة، الناس بخير وحينما قال الله عز وجل:
﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ (84) ﴾
(سورة هود)
في إحدى القصص، قال العلماء: الخير وفرة المواد ورخص الأسعار. إنفاق المال أعظم قربة إلى الله عز وجل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/05.jpg
إذاً الحقيقة الأولى المال الذي أودع الله فينا حبه، وجعله قوام الحياة، وجعله حيادياً، وجعله سلماً نرقى به أو دركات نهوي بها، وجعل إنفاق المال أعظم قربة إلى الله هذا المال أراده الله أن يكون متداولاً، أنت أحياناً تذهب لبلد دعك من وضعه الديني، هذا البلد المسافة بين الأغنياء والفقراء صغيرة، يعني كل أفراد هذا البلد يعالجون عند الأطباء عندهم مركبة، عندهم بيت مدفأ، في طعام، في شراب، في كساء، الوضع طبيعي كلما قلت المسافة بين الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء بالمقياس المادي أو الحضاري الأمة بخير، وكلما وجدت إنساناً يقيم عقد قران بفندق بخمسة وثمانين مليوناً وثمانية ملايين شاب لا يجدون غرفة يسكنون فيها، هنا المشكلة، المفارقة الحادة، إنسان يقيم وليمة برقم فلكي وملايين لا يملكون ثمن طعام يأكلونه هذه مشكلة.
الحكمة من فرض الزكاة:
لذلك أيها الأخوة، الآية الأولى:
﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
والشرع فرض علينا الزكاة لأنك إن لم تستثمر هذا المال تأكله الزكاة كله، الزكاة من أجل ألا تخزن المال وألا تكنز المال، ولئلا يكون معطلاً عن الانتفاع به من قبل الناس.
مثلاً ما الذي يمنع إذا إنسان غني معه أموال طائلة قام بمشروع تنموي، أنا هذه الملايين الخمسة لا أحتاجها لخمس سنوات، أقرضوها لمشاريع مبلغه معقول لكن إنسان يحتاج إلى خمسمئة ألف، إنسان لمليون اشترى محلاً صغيراً، انطلق بمشروع، هذا المال نفع به أناساً كثيرين، وبقي له، ما لم نفكر هذا التفكير التعاوني، ما لم نفكر في الشباب، في مستقبل الشباب، في زواج الشباب، في سكن الشباب، في فرص عمل الشباب، فنحن على خطر، لأن الشباب طاقة كبيرة، الشباب رمز المستقبل، والشباب عماد الأمة، والشباب المعول عليهم بأن ينهضوا بهذه الأمة وأن يعيدوا لها دورها القيادي سابقاً. من وضع ماله في الاستثمار نما و نفع الآخرين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/06.jpg
إذاً الزكاة تدفع الإنسان إلى وضع ماله في الاستثمار، المال حينما يوضع في الاستثمار ينمو، فإذا نما عليه زكاة من ينتفع بهذه الزكاة ؟ الفقراء، مثل سريع ضربته مليون ليرة يملكها إنسان وشاب مهندس زراعي أقاما مشروعاً معاً ربحوا ستمئة ألف طبعاً في مصاريف مئتي ألف، المصاريف أجار محل، تجهيز المحل، مركبة لنقل البضائع مثلاً، مستودع، مطبوعات، مئات الأعمال تحركت في هذا المشروع، مرة قرأت مقالة عن شركة سيارات فرنسية عاملة مئتي ألف عقد مع شركات متعددة بغية تأمين حاجات هذه السيارة، اسأل التجار أحياناً المصاريف نصف الربح تمام، مصروف أنت تحتاج إلى كهربائي، بلاط، دهان، موظف، أنت تؤمن فرص عمل مؤقتة أو دائمة، دائمة موظف عندك، مؤقتة تحتاج إلى طبع فواتير.
لذلك الله عز وجل حينما فرض علينا الزكاة من أجل ألا نكنز المال فإذا كنزناه حرمنا فئات المجتمع، أنا لا أقول لك تَصَدق به لا، استثمره وخذ ربحاً.
الدخل المشروع و الدخل غير المشروع:
عندنا حقيقة دقيقة، حديث يكثر حول الدخل المشروع والدخل غير المشروع، يا ترى في عندنا قاعدة واضحة تحدد الدخل المشروع، وقاعدة أخرى تنتظم كل أنواع الدخل غير المشروع، قواعد كلية ؟ الجواب نعم، أية منافع متبادلة في الأعم الأغلب الدخل مشروع، وأية منفعة بنيت على مضرة في الأعم الأغلب الدخل غير مشروع، منفعة متبادلة أنت ساكن بأحد أحياء دمشق في دكان صغير في أحد الأحياء استأجرتها، صاحب المحل أعطيته أجرة، جيد، أمنت دخلاً لصاحب هذا المحل، أنت اشتريت بضاعة ولتكن طعاماً وشراباً، ذهبت إلى منابع البضاعة واشتريتها وجئت بهذه البضاعة لهذا الحي، جيران هذه الدكان وجدوا حاجاتهم قريبة مترين، خمسة أمتار، عشرة أمتار، وفرت له وقته و لم يتكلف أن يذهب إلى مكان بعيد ليشتري هذه البضاعة، جانب البيت تحتاج إلى حليب، إلى بيض، إلى جبن، إلى طعام، فأنت أضفت على الرأسمال مبلغاً ربحت، أتيت بالطعام إلى أهلك، ابنك يحتاج إلى قسط أمنت له إياه، تحتاج إلى مصروف كهرباء أمنته، أنت ربحت، صاحب المحل ربح، و الجيران انتفعوا فيك، أمنت لهم حاجاتهم إلى جانب البيت، الجيران انتفعوا و صاحب المحل انتفع و أنت انتفعت، نسمي هذه العلاقة منافع متبادلة، هذه مشروعة، أوضح منفعة متبادلة المضاربة، و النبي عليه الصلاة والسلام ضارب بمال خديجة، أول مُضارب في الإسلام، أول شريك جهد في الإسلام النبي الكريم، أول شريك مال السيدة خديجة، انتفعت و انتفع النبي بهذه التجارة، طبعاً و كل المصاريف عبارة عن إدخال شريحة كبيرة جداً في هذا الربح.
الكسب المشروع منفعة متبادلة و الكسب غير المشروع سرقة:
أنت عندك مزرعة ظهرت حشرة يجب أن تكافحها، ذهبت إلى مركز زراعي، طلبت من صاحب المحل مهندساً زراعياً ليرى ما هذه الحشرة ؟ يوجد آفة، هذا المهندس له راتب من صاحب المحل كشف الآفة، أعطاك اسم الدواء ذهبت و اشتريته، الذي استورده باع و انتفع، أي ربح هذه المزرعة توزع بين المهندس و بين صاحب الدواء، فالله عز وجل بهذه الطريقة تجد الربح توزع، ناله عدد كبير من أصحاب الحرف هذه يسمونها العجلة، عجلة الاقتصاد دارت.
مرة سألت صاحب مطعم كيف الوضع عندكم ؟ قال لي: و الله سيئ جداً، ما السبب ؟ قال لي الأمطار قليلة، ما علاقة المطر بالمطعم ؟ قال لي أمطار قليلة إذاً المحاصيل قليلة إذاً الربح قليل إذاً الإنسان دائماً يتعشى دائماً ببيته لا يأتي لعندنا.
أمطار غزيرة، غلات كبيرة، أرباح جيدة، أحياناً يأكل الإنسان بمطعم، أو يحضر طعاماً جاهزاً، عجلة.
مرة قال لي شخص: أنا سامع أصحاب معملي تطريز أي أبعد معمل عن الحاجة اليومية معمل التطريز، المرأة يلزمها ثوباً مطرزاً في العمر مرة واحدة، هذه ثياب العرس، أي ليس حاجة يومية، ليس حليباً، و ليس طعاماً و شراب، حاجة العمر مرة واحدة، قال شخص للآخر بعنا بيعاً مخيفاً، قال له ما السبب ؟ قال له الأمطار في الحسكة كانت غزيرة، سبحان الله أمطار غزيرة، محاصيل وفيرة، الفلاح قبض مبلغاً فلكياً، قال لي شخص: شخص قبض ثمانية و خمسين مليوناً سعر القمح من الدولة بسعر مخفض، أمطار غزيرة، غلة وفيرة، أرباح جزيلة، يتزوج، يحتاج إلى بذلة عرس مطرزة فالمعمل باع بذلة، حياة متشابكة.
إذاً الكسب المشروع بشكل أو بآخر منفعة متبادلة، الكسب غير المشروع سرقة.
الحلال منفعة متبادلة والحرام منفعة بنيت على مضرة:
شخص زرع أرضاً ثمانية أشهر، زرع و سقى و عشّب و عالج الأمراض الزراعية بالأدوية و تعب ثمانية أشهر حتى جمع المحصول، أخذه إلى السوق و باعه، و بجيبه يوجد فرضاً مئتا ألف هم جهد ثمانية أشهر ليلاً نهاراً هو و أولاده و زوجته، جاء شخص و سرقهم، شخص مات ألف ميتة و الثاني أخذهم بلا جهد، هذا حرام لأنها منفعة بنيت على مضرة، أنا أعطيك القواعد الثابتة، الحلال منفعة متبادلة، الحرام منفعة بنيت على مضرة، لو وسعنا الدائرة شخص قضى حاجته من فتاة بالزنا، جعلها مومس، ساقطة، حينما فُضح أمرها هربت خوفاً من أن تقتل من قبل أهلها فرضاً على حسب العادات و التقاليد، امتهنت الدعارة مادام فيها بقية جمال لابأس، عندما انتهى جمالها ألقيت على قارعة الطريق، أصبحت متسولة.
شخص قضى حاجته و سبب لإنسانة السقوط و الدمار و الفضيحة و الشقاء و مستقبل مظلم، تسول، و شخص حقق حاجته على حساب هذه الفتاة، هذا حرام، الآن تزوج، الزوجة لها أولاد، بناتها كبروا، زوجتهم أصبح عندها أربعة أصهار، امرأة عمو امرأة عمو، لها مكانة، لها أولاد، الابن غال جداً، عندها أربعة أو خمسة أولاد، أربع بنات، أربعة أصهار، زوج يحبها، كبرت في السن، ذوا جمالها، هذه مرحلة ثانية أرقى، الآن هي أم، كانت زوجة شابة، الآن أم بعد ذلك جدة، يقول لك كبة نور، انظر المرأة بنظام الزواج بكل مرحلة لها مكانة، تكون زوجة شابة مرغوبة عند زوجها، بعد ذلك أم حنون، ثم تصبح متقدمة بالسن، تصبح مرجع العائلة كلها، ثم جدة، عميدة الأسرة، لأن الزوج انتفع الزوجة انتفعت، الزوج قضى حاجته ضمن رضاء الله عز وجل والزوجة هذه الحاجة التي الله عز وجل أودعها فيها قضتها عن طريق الحلال، لا تستحي زوجها، وهو لا يستحي زوجته، الأمر واضح جداً وأنجبوا أولاداً ملؤوا البيت فرحة وجاءهم أصهار والأولاد زوجهم وصار عنده كنة، وهو يحب كنته، صار في كنة وفي زوج وصار في صهر، يقول أنا عندي خمسة وعشرين حفيداً.
النظام الإلهي نظام رائع يقوم على مخافة الله وتطبيق أوامره:
مرة زرت عالم قرآن (أمدّ الله في عمره) قال أنا من أحفادي ثلاثة عشر دكتور، أسرة منفعة متبادلة، الزوجة لها مستقبل، لها مكانة أمام أسرتها، فلانة الله يرضى عليها لها زوج محترم جداً لا تخاف، زوج ليس عشيقاً، تفتخر به، عندها أولاد، عندها أصهار، الأب عنده زوجات ابن، الكل يعتني به، هذا النظام الإلهي منفعة متبادلة، ومنهج الشيطان منفعة بنيت على مضرة.
شخص من أثرياء بعض البلاد سافر إلى إيطاليا يبدو الفندق فيه انحراف، طرق بابه الساعة الواحدة ليلاً فتح الباب وارتكب الفاحشة، وبعد أن نام واستيقظ صباحاً قرأ رسالة على مرآة غرفة النوم مرحباً بك في نادي الإيدز، انتحر فوراً، هذا الحرام. ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً. مرحباً بك في نادي الإيدز، مصابة بالإيدز، توهم نفسه أنه ذكي قضى حاجة وهي ضمته إلى المصابين بالإيدز، تصور أن مريض إيدز.
مرة قال لي شخص سافرت إلى بلد بعيد وغلطت وأصبت بمرض جنسي قال إخفاؤه عن زوجتي وأولادي سحقني سحقاً، له مكانته وهو أحضر مرضاً جنسياً، زنا، بشكل عام الحلال منفعة متبادلة والحرام منفعة بنيت على مضرة.
أيها الأخوة، إن لم تكن تفاصيل الشرع رائعة من كل الجوانب هناك مشكلة هذا دين الله عز وجل، خلق الإنسان، صممه تصميماً راقياً جداً، يعني إن شاء الله نحن جميعاً لنا أسر ولنا أولاد ولنا بنات ولنا أصهار، ترى الأسرة ملتئمة في محبة، في ود، أحياناً الأب يمرض يجد حوله عشرة، يأتي ابنه وابنه الثاني وكنته جاءت، زوجته، اهتموا أحضروا طبيباً، تجد في تواصل لأن في أسرة، إذا ما في أسرة يلقى الإنسان على قارعة الطريق.
من استثمر أمواله دفع زكاته من الربح:
أردت من هذا اللقاء الطيب أن أبين لكم أن المال قوام الحياة، وحيادي وسلم نرقى به أو دركات نهوي بها، وأعظم قربة إلى الله إنفاق المال، لكن المال الذي أراده الله أراده أن يكون متداولاً بين الناس، من أجل أن يكون متداولاً الله فرض الزكاة، والحديث في ملمح رائع: اتجروا في أموال اليتامى وإلا تأكلها الزكاة. إن لم تستثمر هذا المال سوف تدفعه زكاة خلال أربعين عام، أما أنت تستثمره ينمو تدفع الزكاة من الربح.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
( سورة الأحزاب)
قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
من تجاهل منهج الله عز وجل وقع في ضلال كبير:
ذكرت مرة قوله تعالى:
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (5) ﴾
( سورة البقرة)
على تفيد العلو، الهدى منهج والمنهج فيه افعل وفيه لا تفعل، المنهج في حرام، الزنا حرام، الخمر حرام، الغيبة حرام، المنهج فيه تفاصيل مع كل هذه القيود التي تفرض على من يتبع هذا المنهج. وفي الحديث أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
إذا أخطأ معك البائع بألف ليرة تتجاهلها وأنت مؤمن لا تقدر، ترجع تعطيه إياها، فلما الإنسان يتجاهل منهج الله عز وجل: ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) ﴾
( سورة الزمر)
منهج الله عز وجل ليس قيداً للإنسان و إنما حفاظاً على سلامته:
الضلال كله إباحية، كله تفلت حرية، ما في قيد، إذا ما في قيد تدخل في قيد الكآبة أو في قيد السجن، إنسان سرق، حر سرق.
لا أنسى هذه القصة شاب فقير جداً لدرجة أن حرفته بيع أقمشة فضل مقصوصة على الرصيف في سوق الحميدية، قماشة عليها ثلاثين قطعة القطعة ثمنها دولاراً واحداً (خمسين ليرة)، واقف جاءت امرأة ليست من هذا البلد من إيران أعجبتها قطعة أعطته ثمنها أخذه ووضعه في جيبه، بعد دقيقة دقيقتين نظر إلى جيبه في معه مئة دولار، من أين جاءت المئة دولار ؟ هو أخذ دولاراً واحداً، هو ظنه دولاراً لكن هو مئة دولار، في محل أمامه قال له رجاءً عينك على الأقمشة، عدا نحوها مسرعاً بعد مئتي متر لحقها قال لها هذه مئة أريد واحداً، شكرته من أعماقها دفعت له الواحد وأخذت المئة، صاحب المحل وجده أميناً المئة دولار خمسة آلاف ليرة هو يريد خمسين ليرة، والمحل كان صرافاً والصرافة منعت يبحث عن عمل ثانٍ وهذا بائع أقمشة قال له هل تشاركني ؟ قال أتمنى، بائع أقمشة يبيع فضل دخل على محل في الحميدية جهزه ورتبه معه رأسمال ضخم، صاحب المحل هذا الإنسان تزوج وسكن في بيت في الطابق الثاني عشر من أجمل البيوت عنده سيارة أمريكية الآن، عاش في بحبوحة الآن لأنه بحث عن صاحبة المئة دولار، لفت نظر جاره البائع شاركه، الله وفقه.
صدقوا هناك قصة معاكسة بمكان اسمه السيدة رقية، أيضاً إنسان يبيع فضل أقمشة وجاءت إنسانة إيرانية واختارت قطعة أعطته خطأً مئة دولار، كن عليها، أعجبته، في أثناء عد مالها في نقص مئة دولار، اشتكت للشرطة دلتهم على البائع أحضروه مغفوراً أنكر، قتلوه، فاعترف أخذوا المئة دولار حتى ما يحولوه للنيابة العامة أخذوا منه خمسة آلاف ليرة، وأكل قتلة.
أقسم لكم بالله القصة نفسها شخص مؤمن كان بائع أقمشة على الرصيف صار تاجر أقمشة وعنده بيت وسيارة والله أكرمه لأنه أعاد المئة دولار لصاحبها، والثاني نفس الشيء مئة دولار سكت عليها، اعتبر نفسه شاطراً وهي تورطت معه.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
( سورة الأحزاب)
ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب مخالفة لمنهج الله:
لذلك أيها الأخوة الكرام، تسعة أعشار المعاصي في كسب المال والعلاقة بالنساء، تسعة أعشار المعاصي وتسعة أعشار الأحكام الفقهية في كسب المال وإنفاق المال والعلاقة بالنساء، وإذا شخص عفواً بتاريخ البشرية في عندنا شيء اسمه فضيحة، الفضيحة ما هي ؟ إما فضيحة جنسية أو مالية، في غير هذا، المؤمن أغلق هذه الثغرة حصّن نفسه في خطأ من كسب المال وخطأ في إنفاقه وفي خطأ من علاقته بالنساء.
أيها الأخوة، أول خطبة خطبتها في هذا المسجد عام أربعة وسبعين، بعدما انتهيت رجل بالخامسة والخمسين صار يبكي أمامي خير إن شاء الله، قال لي زوجتي تخونني، قلت مع من ؟ قال مع الجار، قلت كيف عرفت هذا الجار ؟ قال والله سهر عندنا مرة هذا الجار، قلت في نفسي زوجتي لوحدها يضيق خلقها أم فلان تعالي واجلسي معنا هذا مثل أخوك تعرف عليها طبعاً، قلت له أنت لو حضرت درس علم واحد ما تعمل هذا، دفعت الثمن تفضل.
بشكل أو بآخر ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب مخالفة لمنهج الله وما من مخالفة لمنهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان.
مرة في مدير سجن صديق لي ألّف كتاباً أهداني إياه، في عنده ثلاث وستين حالة في السجن، درس حالات الجريمة، العقوبة، الآية والحديث الذين يحرمان هذه الجريمة، منهج واضح، ارتكب جريمة بسبب الجهل، المادة القانونية تسجنه كذا سنة ولأنه خالف الله عز وجل في هذه الآية وهذا الحديث.
المال يجب ألا يكون دولة بين الأغنياء:
أيها الأخوة، المال قوام الحياة محبب، حيادي، سلم نرقى به، دركات نهوي بها، عنوان تقدم الأمة، أن تكون المسافة بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء صغيرة، وعلامة تخلف الأمة أن تكون النسبة بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعاف كبيرة.
زرت بلداً إفريقياً أقسم لكم أن قلبي اعتصره الألم، قال أغنى بلد في إفريقيا أول بلد في الألماس واليورانيوم والذهب، وأفقر شعب بإفريقيا، أغنى بلد وأفقر شعب، هذه مشكلة كبيرة جداً، لذلك أيها الأخوة:
﴿ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (7) ﴾
( سورة الحشر)
والحمد لله رب العالمين من لم يطلب العلم هبط مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/07.jpg
بقي الموضوع العملي، الإنسان بحسب الآية الكريمة: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق )
أولاً: أول كلمة في أول آية في أول سورة تبدأ بكلمة اقرأ، يعني تعلم والله عز وجل كما تعلمون أودع في الإنسان قوة إدراكية، والإنسان ما لم يطلب العلم، يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ما لم يطلب العلم، قال لك اقرأ، تعلم، أنت الآن في هذا المجلس أنت تحقق سر وجودك أن تعرف الله، ما في شيء أعظم من أن تعرف الله.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ))
[ ورد في الأثر ].
من عرف الله عز وجل سعد في الدنيا و الآخرة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/08.jpg
الله عز وجل قال:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
شخص معه مليارات يأخذ أوسع بيت وأجمل مركبة ويقتني أغلى الأجهزة ويعمل سياحة كل سنة، يعيش حياة تفوق حد الخيال، دقق: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
والباقيات الصالحات معنى ذلك أن المال لا يبقى، الباقيات قال بعضهم الأعمال الصالحة، وقال بعضهم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يعني أنت إن سبحته ووحدته وكبرته وحمدته عرفته، إن عرفته عرفت كل شيء، إن عرفته سعدت في الدنيا والآخرة، إن عرفته لا تندم على شيء فاتك من الدنيا. العقل آلة بالغة الدقة تحتاج إلى وحي من الله عز وجل:
الله عز وجل قال لك: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
قراءة البحث والإيمان، اقرأ من أجل أن تؤمن والعياذ بالله أحياناً إنسان يقرأ فيكفر، لماذا ؟ هذه العين البشرية لا قيمة لها إطلاقاً من دون نور يتوسط بينها وبين المنظور، إنسان بصير بغرفة مظلمة لا قيمة لعينيه، إنسان أعمى بغرفة مضاءة لا قيمة للإضاءة، العين والإضاءة شرطان كل منهما شرط لازم غير كاف، الآن العقل والوحي حاجة العقل إلى الوحي كحاجة العين إلى الضوء، عقل من دون وحي إنه فكر وقدر، شخص فكر فكر فكر ألّف كتاباً في لبنان قال إله محمد قمعي لأنه لا إله إلا الله ما قبل معه إله آخر، أما آلهة قريش ديمقراطيون كل واحد منهم قبل الآخر، مجتمع ديمقراطي لأنه في آلهة: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28﴾
(سورة المدثر)
يعني عقل بلا وحي كعين بلا ضوء لا قيمة لها، فالعقل آلة بالغة الدقة تحتاج إلى وحي إلى نور من الله عز وجل. على كل إنسان أن يقرأ من أجل أن يؤمن بالله العظيم:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
اقرأ من أجل أن تؤمن: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾
( سورة العلق )
أقرب شيء لها جسمك: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾
( سورة العلق )
خلق الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:
معقول ثلاثمئة مليون نطفة تنطلق من الزوج، والبويضة بحاجة إلى نطفة واحدة ؟ وهذه النطفة كيف تخرق جدار البويضة ؟ شيء عجيب والله، هذه النطفة فيها سائل نبيل، معنى نبيل أي نادر إذا وضع على جدار البويضة أذاب الجدار ودخل، وهذا السائل مغطى بقشرة حينما تصطدم هذه النطفة بالبويضة يتمزق الغشاء، يسيل السائل على جدار البويضة يفتح ثقباً و يدخل، يغلق الباب وانتهى الأمر، ثلاثمئة مليون تحتاج إلى واحد
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/14.jpg صورة توضح مراحل دخول النطفة في سيتوبلاسما البويضة بدون غشائها السيتوبلاسمي

تنتقل البويضة من المبيض إلى قناة فالوب تنقسم البويضة الملقحة إلى عشرة آلاف قسم في طريقها إلى الرحم دون أن يزداد حجمها، لو ازداد حجمها لوقفت في مكانها، أنبوب ضيق. http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/09.jpg صورة توضح الإباضة , الإخصاب , الانقسام في قناة فالوب , تشكل التويتة , تشكل الكيسة الأرومية في الرحم , انغراس الكيسة الأرومية في جدار الرحم

أما هو السؤال الذي يعجب له الإنسان كيف تنتقل هذه البويضة في قناة فالوب ؟ في عجلات، في جهة تدفعها ؟ شيء لا يصدق في بأرضية هذه القناة أشعار تتحرك لولا هذه الأشعار ما كان في هذا المجلس وما كان في دمشق ولا في سوريا ولا في أزمة الشرق الأوسط ولا في حرب ولا في عالم ولا في بشر، وجودنا منوط بأشعار، بأرض قناة فالوب تتحرك والبويضة كرة تندفع، في عندي صور مجهرية كيف تنتقل البويضة بقناة فالوب عبر هذه الأشعار، تصل إلى الرحم، تغرس في جدار الرحم هذا اسمه العلوق http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/15.jpg صورة بالمجهر الالكتروني الماسح لبطانة القناة الناقلة للبيوض توضح الأهداب

إذا ما غرست تأتي دورة المرأة ما في حمل، إذا انقطعت الدورة معنى أن البويضة الملقحة التي انقسمت عشرة آلاف قسم والذي برأس الحوين مادة نبيلة تذيب جدار البويضة، وغشاء رقيق حينما تصطدم بالجدار يتمزق السائل يذيب جدار البويضة، و حينما تصل إلى الرحم هي بلا أرجل تتشبث بالجدار، و يحفر لها حفرة و تستقر و يبدأ النمو، تسعة أشهر، طفل له عين. العين عند الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:
العين فيها 130 مليون عصية ومخروط، بالشبكية ميلي و ربع في مئة و ثلاثين مليون عصية و مخروط، الشبكية عشر طبقات
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/12.jpg صورة توضح طبقات الشبكية العشر و توضح العصي و المخاريط

القرنية شفافة، القزحية هوية، ماء العين فيه مادة مضادة للتجمد، عضلات العين، عضلات يمنى و يسرى و علوية و سفلية و مائلة و حاجب و محجر و دموع و جفن و رموش: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/13.jpg صورة توضح عضلات العين

(سورة البلد )
بعد ذلك صورة فورية و ليس تعال ثاني يوم، لو كنا كالمصورين تعال ثاني يوم و انظر إلى الدرس، اليوم أغمض عينيك و غداً ترى الدرس، لنحمض الفيلم، صور فورية، العين تدرك ثمانية ملايين لون، و اللون الواحد إذا درج ثمانمئة ألف مرة العين البشرية تدرك الفرق بين اللونين.
إذا شخص ذهب إلى فنلندا، الحرارة سبعين تحت الصفر، معنى ذلك أن كل إنسان يعيش هناك سوف يفقد البصر لأنه يوجد بالعين ماء، ماء يلامس سبعين تحت الصفر، من أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ يد من ؟ من جعل القرنية شفافة ؟ من جعل القزحية تضيق و تتسع ؟ إذا في ظلام تتسع، إذا في ضوء شديد تضيق، يسموها بالآلة الفتحة، تتسع و تضيق http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/11.jpg صورة توضح توسع الحدقة في الضوء الباهت و تضيق الحدقة في الضوء الساطع

من قاس المسافة بين العين و بين الشيء المرئي و أمر الجسم البلوري (العدسة) أن ينضغط واحد على ألف من الميكرون من أجل أن تأتي الصورة على شبكية العين بالمحرق تماماً ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1407/10.jpg صورة توضح الجسم البلوري الذي يكون قليل التحدب عند النظر إلى شيء بعيد و متحدب عند النظر إلى شيء قريب

آيات الله كثيرة علينا أن نتفكر بها لنصل إلى الخالق سبحانه:
و الله يوجد بالعين آيات لو أمضيت الحياة كلها في هذه الآية لما انتهيت منها:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
(سورة البلد )
القزحية هوية، الآن بمعظم المطارات يأخذون صورة للعين، بدبي طبقت، بروما، بواشنطن، بلندن، صورة لقزحية العين، لا يمكن أن يأتي إنسان آخر لأنه في الستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان قزحية عينه تشبه قزحية عين الآخر، هوية. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ﴾
(سورة البلد )
إذاً: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق )

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 9 - شهوة المال -3- المال فى الاسلام - 1







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة تذكيرية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وكنا في دروس سابقة في فقرة الشهوات، وبدأنا بشهوة المال، والله عز وجل يقول:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
1 ـ كل شهوة لها قناة نظيفة تسري مِن خلالها:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/01.jpg
وذكرنا في دروس سابقة أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، معنى ذلك أنه ليس في الإسلام حرمان.
2 ـ الشهوة حيادية:
بل الشهوة حيادية، تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين أو دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.
3 ـ المال قوام الحياة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/02.jpg
وبيّنا سابقاً أن المال قوام الحياة، وأنه محبب إلى النفس، وأن إنفاقه من أعظم القرب على الله عز وجل، وأن هذا المال يمكن أن يكون سبباً لسلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.
ولكن بينت أيضاً أن هذا المال مع أنه قوة كبيرة بيد المؤمن، والذي يملك المال أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى للعمل الصالح، وأن هذا المال له طريق مشروع، وطريق غير مشروع.
4 ـ الحلال منفعة مشتركة بين الناس:
ثم وصلنا إلى أن أية منفعة متبادلة بين شرائح المجتمع وأفراد المجتمع هي الحلال منفعة مشتركة، وأن كل منفعة بنيت على مضرة هي الحرام، هذا كلام جامع مانع: المنفعة إذا بنيت على مضرة فهذا المال حرام، ولكن قد ينتبه إلى أن أحد أكبر أسباب السلامة والسعادة والتوفيق أن يكون طعامك حلالا، معنى الطعام الحلال أي أن الطعام اشتريته بمال حلال، ومعنى المال الحلال أن هذا المال كسبته من طريق مشروع.
أخطر شيء في حياتك مالك:
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
5 ـ الدين في معترك الحياة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/03.jpg
هذا ينقلنا إلى أن الدين ليس في المسجد، في المسجد تأتي لتلقي تعليمات الصانع، كهذا الدرس، وفي المسجد تصلي فتقبض ثمن طاعتك له، تماماً كمندوب مبيعات يأتي إلى مركز الشركة الساعة الثامنة صباحاً يتلقى التعليمات من المدير العام، ويذهب، ويبيع، ويعود معه الغلة، فيأخذ المكافأة، حينما تتوهم أن الدين مقصور على المسجد فأنت في وهم كبير، الدين في عيادتك أيها الطبيب، والدين في مكتبك الهندسي أيها المهندس، والدين في قاعة صفك أيها المعلم، والدين في دكانك أيها البقال، والدين في حقلك أيها المزارع، الدين في عملك، أما المسجد فتتلقى فيه التعليمات، وتقبض الثمن، فلذلك تركُ دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
حينما فهم المسلمون الدين على أنه عبادات شعائرية فكأنهم فرغوه من مضمونه، تجد ملايين مملينة، مليارا وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله، الأَلْفُ منهم كأفٍّ، بينما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام عليهم رضوان الله الواحد كألْفٍ، هل يعقل أن سيدنا خالد يستنجد بسيدنا أبي بكر احتاج إلى خمسين ألف جندي مدد لمعركة طاحنة حاسمة سيدنا خالدًا معه ثلاثون ألفًا، والجيش الذي يواجهه ثلاثمئة ألف، فأرسل له المدد، أرسل له القعقاع بن عمرو، قال له: << أين المدد يا قعقاع ؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت ؟ قال له: أنا >>، معه كتاب، قرأ الكتاب، يقول سيدنا أبو بكر: << فو الذي بعث محمد بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم >>، وانتصروا، لكن الآن ترى ملايين مملينة، أممًا، دولة فيها مئتان وخمسون مليونًا لا وزن لها عند الله، وهناك شعوب تملك ثروات، لكن أمرهم ليس إليهم بأسهم بينهم، فقراء، نحن مضطهدون، لماذا ؟
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
أنا أحاول في هذا اللقاء الطيب أن أضع يدي على أخطر ما في الدين، أن يكون كسبك حلالاً، أن يكون عملك مشروعاً، وكسبك حلالاً، عندئذ تكون مستجاب الدعوة.
والله أيها الإخوة، هناك معلومات ومشاعر لا يتاح لي أن أعبر عنها كلها، لكن ما مِِن إنسان مستقيم يكسب المال الحلال إلا ويوفَّق.
هناك قصة أرويها كثيراً، لأخ من إخواننا العاديين قدم طلبَ إجازةٍ لرئيسه في الدائرة، إجازة ستة أيام، مديره في العمل عصبي المزاج، انفجر عليه، قال له: ما مِن وقت الآن لإجازتك، قال: هذه إجازة قد استهلكتها، قال: كيف استهلكتها ؟ قال: أنا أصلي في المسجد كل يوم، أصلي الظهر في المسجد، جمعت هذه الأوقات فكان مجموعها ستة أيام، وحتى يكون دخلي حلالاً أريد أن توافق لي على إجازة استهلكتها، الجامع إلى جانب الدائرة جامع الطاووسية وهناك درس لي كل يوم فيه، يقول لي: هذا المدير صعق، قال: والله لا أصدق أن يدخل في حياته إلى مسجد، قال له: أنت أين جامعك ؟ فقال له، قال لي: والله يا أستاذ رأيته مع الحضور في الدرس القادم، فما الذي دفع هذا المدير العام أن يأتي إلى هذا المسجد ؟ الاستقامة.
أيها الإخوة الكرام، أنت حينما تستقيم تفعل المستحيل.
والد أحد إخواننا توفي ـ رحمه الله ـ سافر إلى ألمانية لدورة تدريبية، وقدّم أفكارا رائعة جداً، بني على هذه الأفكار إجراء تعديلات في المحركات، وكلفوا أن يطلع على معمل آخر، أعطوه مبلغا من المال ليغطي نفقات السفر، فسافر، وأقام بفندق، وأكل وزاد معه ضعفي ما أنفق، فرد التتمة، قال له المدير العام: أنا ما سمعت في حياتي إنسانا يأخذ تعويضَ سفر ثم يُرجِع البقية، قال: هذا حقك.
6 ـ ليس في التعامل اليومي ما يؤكِّد إسلامَنا حقيقة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/04.jpg
أحضر لي رجلاً مستقيمًا بلباس مدني، بثياب عادية، ليس له مظهر صارخ إسلامي، وهو مستقيم، وخذ نصرًا من الله عز وجل، لكننا نصلي ونأكل أموال بعضنا، نصلي ونغش المسلمين، نصلي ونبيع الشيء المحرم، نصلي ونخفي العيب عند البيع، وهناك ألف معصية في البيع والشراء، لا ترى المسلم بسلوكه اليومي ما يؤكد إيمانه بالآخرة، وإيمانه بيوم القيامة وبالحساب الدقيق.
حينما أخصص دروسا عديدة للمال أنا أضع يدي على الجرح، الدين ليس في المسجد، الدين أيها الفلاح ألاّ تستخدم هرمونا مسرطنًا، كهرمون يعطي الفاكهة حجمًا كبيرًا وصفات فيزيائية عالية، فيتضاعف ربحك، لكنه مسرطن، وممنوع استخدامه في العالم، ويأتي تهريباً، ولا يأتي استيراداً، فصلاته وصيامه وحجه ألغاها حينما استخدم هذا الهرمون.
هناك معمل مواد غذائية يضيف مادة مسرطنة تعطي الإنتاج لونا فاتحا، ويرتفع السعر، لا يهمه صحة المسلمين، يهمه حققا ربحا كبيرا، وهو يصلي في أول صف، ما شاء الله على هذا الدرس، يا أستاذ ما هذا ؟ الله يجزيك الخير، لكن هل ينفعك عند الله أن تثني على هذا الدرس ؟ لا والله.
ذكروا لي إنسانًا يبيع أقراصًا إباحية، ويصلي الظهر في الجامع، هؤلاء الشباب الذين أفسدتهم حطمت أُسَرًا كاملة.
أيها الإخوة الكرام، عندنا علة كبيرة جداً، وعندنا خلل خطير جداً في حياتنا، ألاَ تعجب ـ إن صح التعبير مِن تخلِّي الله عنا ؟ هان أمر الله عليهم فهُنّا على الله، لا تفهم أن الدين صلاة، الدين صلاة، لكنها صلاة أساسها الاستقامة:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)﴾
( سورة العنكبوت)
لا تفهم الدين ذهابا إلى الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
لا تفهم الدين طقوسا وحركات وسكنات وتمتمات، لا، الدين ليس كذلك، الدين أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، الدين معاملة.
حدثني أخ قال: أنا حرفتي لفّ المحركات، قال لي: في الجاهلية قبل أن أصطلح مع الله يأتي المحرك في حالات نادرة فيه شريط خارجي مقطوع، أوصله في ثانية، والأجرة خمسة آلاف ليرة، يأتي صاحب السيارة، أشغّل المحرك له، يعجبه، آخذ منه خمسة آلاف ليرة، والعملية كلفتني عشر دقائق، قال: بعد أن اصطلحت مع الله، وتبت إليه يقول له: ثمن التصليح خمسًا وعشرين ليرة، إذا ما تعجّب الآخر صدمة باستقامتك فلن تكون مؤمنًا، لكننا نتساهل في أكل المال الحرام، نتساهل في غش المسلمين، نكتم العيوب عن المشتري، نغش في المواد في أثناء بيعها، هناك معاصٍ في البيع والشراء لا تعد ولا تحصى، وهي منتشرة بشكل واسع جداً، والذين يفعلون هذا يتوهمون أنهم على حق، يصلي، واعتمر ثلاثة وأربعين مرة، ما شاء الله، لو تعتمر مليون عمرة، لو تحج كل سنة، لو تصلي كل يوم مئة ركعة، ما لم تستقم على أمر الله فلا تنفعك هذه العبادات.
أنا أضع يدي على جرح المسلمين، دينك في بيتك، في البيت معصية، وتجاوز، خروج ابنتك ليس بمظهر إسلامي، لمَ فيه تفلت ؟ ابنتك من صلبك، أنت القيم عليها، أنت وليُّها، أنت المنفق عليها، زوجتك هل علاقتها مع الجيران صحيحة ؟ إسلامية ؟ هل عملك مشروع ؟ هل عندك بضاعة محرمة تبيعها ؟ يقول لك أحدُهم: نحن مضطرّون إليها، والطلب عليها كثير، هذه مشكلة، إذا فرقت بين العبادات والمعاملات، وقلت: هذه وحدها، وهذه وحدها، فلا تفقه من الدين شيئاً، ومرة ثانية: تركُ دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
أكدت هذا كثيراً حتى تعتقد أنك بأي مظهر الله يقبلك، بمظهر إسلامي صارخ، بمظهر مدني، أي مظهر يقبلك الله، لكن الشرط أن تستقيم على أمره، والفيصل في الدين الاستقامة، وما لم تستقم على أمر الله فلا تقطف من الدين شيئاً، والمظاهر الإسلامية سهلة، فماذا يكلفك أن تظهر بمظهر إسلامي صارخ.
واللهِ هناك مسبح مختلط، هل هناك من معصية أكبر من هذا ؟ ثم يقيم مولدًا في شهر المولد، يدعو أناسا فيتكلمون عن رسول الله، هذا المسبح المختلط لا علاقة له بدينك، كيف تتوازن ؟ هذه مشكلة المسلمين، لذلك المال تسأل عنه مرتين: مرة من أين اكتسبته ؟ ومرة فيم أنفقته ؟
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]
والله التقيت مع إنسان في العيد عمره ستٌّ وتسعون سنة، والد صديقي، جلس معي، وحدثني فقال: أجرينا البارحة تحليلا كاملا للدم والبول، فلم يظهر شيء غير طبيعي، كل التحليل طبيعي، قال: والله بكل عمري ما أكلت قرشًا حراما، ولا أعرف الحرام، حرام النساء، مَن عاش تقياً عاش قوياً. 7 ـ أيها الشباب لا تقلقوا على الرزق:
أيها الإخوة الكرام، أخاطب الشباب، لا تقلق، الله موجود، الله عز وجل فوق الظروف، تقول لي: هناك ظروف صعبة، وضغوط، وحصار، والمكاسب قليلة، وفرص العمل نادرة، الله في كتابه الكريم قال:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه:
(( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
[ متفق عليه ]
مع الإيمان لا ألم، ولا حزن، ولا يأس، ولا إحباط، أمرك بيد الله، وما سلّمك الله إلى أحد، قال تعالى: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ َاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
ريح الجنة في الشباب، اتق الله يجعل الله لك مخرجاً، وترزق من حيث لا تحتسب، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق )
والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفت. المال الحلال منفعة متبادلة متداولة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/05.jpg
أيها الإخوة، المال الحلال منفعة متبادلة، المال الحرام منفعة بنيت على مضرة، أنت ربحت، لكنك قدمت بضاعة سيئة، وأخذت ربحا، أو أن السعر لبضاعة جيدة، وقدمت بضاعة سيئة، فكأنك سرقته، الآن هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس مجتمع فيه عشرون مليونا بين أيدي الناس، هذه بالتعبير الاقتصادي كتلة نقدية، بين أيدي الناس مال، مجموع المال الذي بين أيدي الناس الله عز وجل ما أمْره مع هذا المال ؟ المال الذي بين أيدي الناس، والكتلة النقدية التي عند الناس الشرع الإلهي، والوحي الرباني كيف أرادها أن تكون ؟ أرادها الله أن تكون متداولة بين كل طبقات المجتمع.
﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم﴾
الوضع الصحي الطبيعي المشروع الذي يرضي الله أن تكون هذه الكتلة متداولة، ما الدليل ؟ قال تعالى:
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (7) ﴾
( سورة الحشر)
في المجتمعات المتخلفة غنى فاحش، وبضاعة جميلة جداً، وغالية جداً، وهذه البضاعة الجميلة والغالية بأموالٍ طائلة، ومن الممكن لإنسان أن يقيمَ عرسًا في فندق ذي خمس نجوم بخمسة وثمانين مليونًا، وهناك مئة ألف شاب ليس عند الواحد منهم إمكانية أن يتزوج في غرفة واحدة في رأس الجبل، الوضع الصحي الطبيعي، والذي يرضي الله أن تكون هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس متداولة، بأيدي كل الناس، يعني كل واحد في عنده بيت وكل واحد بإمكانه أن يعالج ابنه بمستشفى، بإمكانه أن يشتري لأولاده ثياب بإمكانه أن يقدم لأولاده حاجاتهم الأساسية، حينما يكون هذا المال متداولاً هذا يكون سبب رضوان الله علينا، أما حينما تجد أكبر كتلة نقدية بأيدي قلة قليلة والأكثرية محرومة من هذا النقد هذه حالة مرضية هذا لا يرضي الله. ما الذي يجعل هذا المال متداولاً ؟ وما الذي يجعل هذا المال غير متداول ؟
جعل هذا المال متداولاً ؟ وما الذي يجعل هذا المال غير متداول ؟ الكسب المشروع آليته أن يجعل الكتلة النقدية متداولة بين الناس.
الفكرة دقيقة، تريد أن تكون تاجراً، و أنت شاب معك اختصاص إدارة أعمال، درست دراسة جامعية، أنت في مقتبل الحياة، وهناك إنسان متقاعد جمع مالا في حياته من حلال، لكن في هذا السن لا يتاح له أن يستثمره، جاءك وقدّم لك هذا المال، وأنت قدمت له الخبرة، فتحت مشروعا، منه المال، ومنك الخبرة، إذاً: المنفعة متبادلة، هو انتفع بخبرتك، وأنت انتفعت بماله.
نحتاج إلى محل تجاري، الذي هيأ البناء عنده محلات تجارية، أنت أربحته، واشتريت منه، المحل يحتاج إلى كسوة، تحتاج إلى مئتي حرفة في خدمة البناء الآن، تحتاج إلى بلاط، إلى دهان، إلى تمديدات صحية، كهربائية، لوحة، خط، تزيينات، دون أن تشعر دفعت مبالغ كبيرة جداً حتى هيأتَ هذا المكان، فأنت شغلت مئتي مصلحة، المحل بدأ العمل، أنت بحاجة إلى موظفين، بحاجة إلى مستودعات، بحاجة إلى سيارة، بحاجة إلى دفتر فواتير، بحاجة إلى مطبعة، دون أن تشعر تحرّك ألف مصلحة وألف حرفة، فأنت ربحك، شئت أم أبيت، ووزعت الربح بينك وبين هؤلاء الذين قدموا لك مواد، أو خبرات، أو خدمات مقابل أجر، فالعجلة دارت، فحينما تلد الأعمال المال يغدو المال متداولاً بين كل الشرائح، هذا منهج الله، أن تلد الأعمالُ المال.
(( إن أطيب الكسب كسب التجار ؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ))
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند ضعيف ]
التاجر الصدوق مع النبيين، فلا بد أن تكون تاجراً مستقيماً مسلماً مؤمناً طاهراً الأعمال البضاعة جيدة صالحة بسعر معتدل، هذا عمل يرضي الله، التاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة، ولأنه يمكن التاجر أن يكون أكبر داعية لا بلسانه، لكن بمعاملته، ودون أن تشعر تشتري حاجة متقنةً بسعر معتدل، فتدعو له: الله يبارك له، الله يوفقه، ممتازة، تقول هذا من أعماق أعماقك، وتثني على هذا التاجر، لأنه قدم لك بضاعة جيدة بسعر معتدل.
متى تكون هذه الأموال متداولة بين كل الشرائح ؟ حينما نسمح للأعمال فقط أن تلد الأموال.
يا ترى بشكل نظري، مصرف إسلامي يقبل الإيداعات، عمل مشاريع ضخمة، أسّس مشروعا زراعيا ضخما، مشروعا صناعيا ضخما، موّل هذه المشاريع من أموال المودعين، وهذه المشاريع وضعت أرباحها كلها في سلة واحدة، وزعت هذه الأرباح وفق رؤوس الأموال، هذا المصرف بهذه الطريقة إسلامي مئة بالمئة، لأنه اعتمد على المضاربة، تلقى إيداعات، ووظفها في الأعمال الكبيرة التجارية والصناعية والزراعية، ووزّع الأموال بينه وبين المودعين.
كل منفعة متبادلة بين الناس هذا دخل مشروع، أما كل منفعة بنيت على مضرة فمحرّمة.
لعبة ( يا نصيب ) قد يربح الرجل منها خمسين مليونًا، والبقية دفعوا، وما ربحوا، هذه مضرة، المنفعة بنيت على مضرة، تركوا الناس كلهم يتعلقون بالجائزة الأولى، مثلاً، فأيّ مال يُبنى عليه مضرة، فيه شبهة كبيرة، أو فيه حرمة صارخة، أو حرمة ماحقة، أو شبهة كبيرة، عندئذ لا يبارك الله في هذه الأموال، وإذا لم يبارك بها أتلفها، حتى في المال معنى دقيق جداً، يجري بالنية، فمَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، أخذ مالا استثمارا، ونوى أن يربح، صاحب المال هذه النية التي يعلمها الله منه أحد أسباب التوفيق، أما إذا أخذ مالا كبيرا، وقال: هذا غني، ما أردّ له شيئًا، ثم أكذب عليه، أقول له: ما ربحنا، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها، المنطق: أتلفها الله، وأتلفه الله.
هناك قوانين دقيقة، أيها الإخوة، قوانين دقيقة جداً تحكم هذه الحياة، الله موجود بأدق الدقائق، المنفعة التي تبنى على مضرة حرام، وأوضح شيء السرقة، أوضح منفعة تبنى على مضرة السرقة، ثاني أوضح منفعة تبنى على مضرة الغش، مصدر البضاعة دولة عظمى متفوقة بهذه البضاعة، وهذا المصدر مزور، أنت اشتريت البضاعة من دولة متخلفة جداً، لكن كتبت عليها: ( صنعت في ألمانية )، هذا غش، فالغش أحد أسباب أن تجتمع الأموال في أيدي قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة، فأنت بهذا عكست الحكمة الإلهية من أن تكون هذه الأموال متداولة بين الناس.
أيها الإخوة، هذا درس في الأصول درس في الكليات، فيه تفاصيل كثيرة جداً، الغش أنواع منوعة، غش بالوزن، غش بالحجم، غش بالنوعية، في المصدر، في التسليم، والله هناك ألوان للغش لا تعد ولا تحصى في حياتنا، يغش المسلمين وهو مرتاح، وكل سنة يذهب إلى العمرة، ويصلي في الجامع، تدخل إلى محله تجد قد علق على الحائط: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾
تدخل إلى بيته تجد آية الكرسي معلٌّقة، وفي سيارته مصحف، وليس فيه استقامة، لا أعرف كيف تقيّمون كلامي.
الاستقامة في المعاملات أصلٌ في صحة العبادات:
أنا أعتقد أنه إذا لم توجد استقامة فقد ألغيت صيامك وصلاتك وحجك وزكاتك، مِن أين جئت بهذا ؟ السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قولوا لفلان: إنه ألغى جهاده مع رسول الله.
من أجل عمولة عالية تنصح إنسانا بشيء مؤذٍ في مثل هذا، ففي العمل الجراحي ( استاندات ) للقلب، مثل ( الراصور ) يوضع للشرايين، هناك ( استاند ) احتمال النكسة فيه عشرون بالمئة، معه عمولة عشرة آلاف، وفي استاند احتمال النكسة فيه ثلاثة بالمئة، لكن بلا عمولة، لما يختار إنسان الذي فيه عمولة عالية، وفيه خطر على صاحبه، سامحوني بهذه الكلمة فقد ألغى صلاته كلها وصيامه وحجه وزكاته، لأنه بنى منفعته على خطر حياة إنسان، هذا مثلٌ، وهناك آلاف الأمثلة بل ملايين الأمثلة.
المحامي مثلاً يعلم علم اليقين أن هذه الدعوى خاسرة، وهناك اجتهاد لمحكمة النقض تمنع أن يكون الحكم لصالح هذا الموكل، لكن القضية طويلة تحتاج إلى عشر سنوات، يقول: القضية ناجحة، أنا مسؤول عنها، كل فترة نريد دفعة، سحب منه ثمانمئة ألف خلال عشر سنوات، ومن السهل جداً في النهاية أن تخلص منه، يقول: القاضي ما كان منصفًا، ماذا أفعل لك ؟ الله عز وجل يعرف أنك كذبت عليه، لذلك المال الحرام يذهب من حيث أتى، يذهب ويأخذ معه صاحبه، فترى مصادرات، واحتراق معامل أحياناً، وإتلاف المال وراءه حكمة بالغة، الله عز وجل غني عن تعذيبنا:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
( سورة النساء)
أيها الإخوة، أنا أرى أن قضية المال من أخطر موضوعات الدين، أنا أريد مسلمًا دخله حلال، هذا الدخل القليل يبارك الله له فيه، فقد ترى الدخل محدودا، وصاحبه مرتاح، ما عنده مشكلة، الله حفظ له صحته وصحة أولاده وزوجته، وسمعته طيبة، وعنده اعتدال في الصرف، يشتري بضاعة من مصدرها بسعر معتدل، وينفقها باعتدال، يقول لك: الحمد لله، نحن ما فهمنا ما هي البركة، البركة أن الشيء القليل يبارك الله فيه، والشيء الكثير قد يتلفه الله عز وجل، (( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
الشيء الأول في الدين أن يكون الدخل مشروعاً، اشتريت سيارة جديدة لها لوحة استثنائية، إلى أن ترسم أوقفه شرطي، قال له: هذه اللوحة لا تسمح لك أن تركب معك أحدًا، السائق فقط، ركب معه زوجته وأولاده، قال له: أنا ذاهب لأصلي التراويح، تحب أن أدعو لك ؟ هكذا قال له، ليس الموضوع أن تدعو لي، هذه مخالفة، فأعطاه مبلغا من المال، قال له: انظر إلى يدي، أنا أعمل في البلوك، أنا تبت إلى الله من أي قرش حرام، نحتاج إلى مثل هذا الشرطي، الرجل صاحب معمل ألبسة، تأثر تماما من هذه الاستقامة، شاء أم أبى، هيأ له ألبسة لكل أهله في العيد، قال له الشرطي: أنا أعمل بعد الظهر في معمل بلوك حتى أؤمّن رزقي الحلال، والله كبير، لما تخاف منه يعطيك ويرفع رأسك ويكرمك، فقط خف منه.
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
أقول لك: المؤمن ما موقفه ؟ يركل بقدمه الملايين من حرام، ويقبَل ألف ليرة في الحلال، هذا فيه بركة، يشتري طعاما يقوي جسمه ويأكله بهناء، والله يبارك فيه، لذلك جعل الله الحلال صعباً في البداية، وجعل الله الحرام سهلاً.
قد تعمل امرأةٌ فقيرة زوجها مريض ثماني ساعات في بيت، وتأخذ خمسمئة ليرة، وامرأة أخرى تأخذ هذا المبلغ في خمس دقائق، حلال صعب والحرام سهل، فإذا اخترت الحلال الصعب يأتيك الحلال السهل بعد.
أيها الإخوة، والله أتمنى أن نفهم الدين على حقيقته، صاحب دين يعني أن الناس لا يصدقون استقامتك، ولا يصدقون عفافك، لا يصدقون نصحك إلا إذا كنت مستقيما في التعامل معهم، هذا هو الدين، أما إذا كان فيك غش واحتيال وخداع وتدليس وكذب واحتكار واستغلال فقد سقطتَ من عين الله ومن أعين الناس، و لئن يسقط الإنسانُ من السماء إلى الأرض أهون من أن يسقط من عين الله.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/06.jpg
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في موضوع المال، الدين استقامة، إذا ألغيت الاستقامة ألغي الدين، ألغيت كل ثمار الدين، الدين راحة نفسية، الدين توازن، الدين أمن وسعادة، وثقة بالله، الدين جرأة وعزة وكرامة ووضوح، الدين مؤمن مستقيم.
أنا أريد بهذا الدرس مع التوفيق الإلهي إن شاء الله أن نعقل جميعاً، وأنا معكم أن الدين سلوك وأن، الدين التزام.
النبي عليه الصلاة والسلام أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر، أغروه بحلي نسائهم كرشوة، فقال: << جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم >>، فقالت اليهود: " بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا ". الكون من بديعِ صنعِ الله تعالى:
1 ـ التفكر في خلق السماوات والأرض:
أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى الموضوع الآخر، هناك طريقة من طرق التفكير يمكن أن تقدم لك أدلة كبيرة جداً على عظمة الله، هذا الكون، كلمة كون تعبير معاصر يقابله في القرآن السماوات والأرض:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )
2 ـ ما هو الكون ؟
يعني الكون، والكون ما سوى الله، هو أجرام سماوية، كلمة أجرام ما تعني ؟ تعني كواكب ونجوما، الكوكب منطفئ كالأرض، والنجوم مشتعلة كالشمس.
3 ـ ماذا لو كان الكون كله كواكب ؟
الآن دقق لو أن الكون كله كواكب هل تكون فيه حياة ؟ لا حياة عندئذ، الكون حرارته صفر مطلق، أو مئتان وسبعون تحت الصفر، بهذه الدرجة تتوقف حركة الذرات، لو أن الكون كله ملتهب لم تكن هناك حياة، الشمس حرارتها عشرون مليون درجة في مركزها، مَن صمم أن الكون كواكب ونجوم ؟ الله عز وجل، هناك حكمة، وبالتعبير الفلسفي عقل، أول تصميم هذا الكون كواكب ونجوم.
4 ـ ماذا لو كان الكون سكونيًا غير متحرك ؟
سؤال آخر: لو أن الكون سكوني غير متحرك، فيه كواكب ونجوم بحسب قانون الجاذبية الكتلة الأكبر تجذب الأصغر، فالمحصلة يجب أن يكون الكون كله كتلة واحدة، عندنا مليون مَليون مجرة، والله هناك رقم بثلاثة آلاف مليون، المجرات كلها، وكل مجرة فيها مليون مَليون كوكب ونجم، يمكن أن يكون الكون كله كتلة واحدة، ما الذي يمنع أن يكون كتلة واحدة ؟ الحركة، الحركة لها قانون، وفي أثناء الحركة الدائرية تنشأ قوة نابذة، وببساطة بالغة الغسالة حينما تجفف الثياب عن طريق الدوران السريع، في الدوران قوة نابذة طاردة، ترى الماء خرج، فالحركة فيها قوة نابذة، والقوة النابذة تكافئ القوة الجاذبة.
هناك الكون والأرض والقمر والمريخ والمشتري والشمس والمجرة ونجم قطب، والمرأة المسلسلة، لولا هذه الحركة لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة، هذا تصميم من ؟ حكمة مَن ؟ الله عز وجل.
5 ـ تفاوت درجة انصهار عناصر الكون:
الآن أنا جالس على مقعد وثير، أمامي طاولة من خشب قاسية، وأمامي كأس ماء سائل، وهناك هواء أتنفسه، مَن صمم هذا الغاز والسائل والصلب في آن واحد ؟ الله عز وجل، كيف أن درجة انصهار كل عنصر خاصة، ففي الدرجة مئة الحديد صلب، أما بدرجة ألفين فالحديد يصبح سائلا، في ثلاثة آلاف صخر البازلت يصبح سائلا، وبدرجة واحدة تجد صلبا، ومَن صمم أن درجة انصهار العناصر متفاوتة ؟ ولولا تفاوت درجة انصهار العناصر لكان الكون من طبيعة واحدة، الكون إن كان غازا فقط فالحياة فيه مستحيلة، أو كان سائلا فقط، أو صلبا فقط، لكن عندنا غازات، وسوائل، وطعام، وعندك ماء، وعندك أشياء صلبة، الحديد صلب، فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وهناك أشياء جميلة، وأشياء طرية، وأشياء قاسية، مَن قنّن أن درجة انصهار المواد متفاوتة، إذاً: في الكون تنوّعٌ كبير جداً.
6 ـ الحكمة الربانية في دوران الأرض:
دققوا، هذه الشمس وهذه الأرض، لو أن الأرض تدور هكذا، والشمس هنا، بالتعبير الرياضي بمحور موازٍ لمستوى دورانها حول الشمس، وإذا كان دوران الأرض حول ذاتها بمحور موازٍ لمستوى دورانها معنى ذلك أن الأرض فيها نهار أبدي وليل أبدي، الشمس هنا تدور هكذا، هنا نهار، وهنا ليل، في الليل مئتان وسبعون درجة تحت الصفر، وفي النهار ثلاثمئة وخمسون درجة فوق الصفر، فلو أن الأرض دارت حول نفسها بمحور موازي لمستوى دورانها لانتهت الحياة.
لو أنها دارت على محور متعامد مع مستوى دورانها هكذا، الشمس هنا، ما الذي يحصل ؟ إلغاء الفصول، الأرض هكذا، الشمس هنا، الأشعة هنا عمودية، إذاً فصل الصيف أبدي، هنا مائلة، الشتاء أبدي، نحن عندنا صيف وشتاء وربيع وخريف، كيف يكون هذا ؟ الأرض تدور على محور مائل، هي هنا الآن، هنا أشعة عمودية في قسمها الجنوبي، الآن في أسترالية صيف، فإذا دارت هكذا صار كانت هكذا الأشعة هنا عمودية، في الجنوب صيف، فإذا ذهبت إلى هنا صارت هنا عمودية، يكون في الشمال صيف، لولا ميل المحور لما كان تبدل الفصول.
7 ـ كيف لو كانت الأرضُ بحجم الشمس:
ولو أن الأرض بحجم الشمس، لو فرضنا وزن الشمس مئة ضعف عن وزن الأرض، الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، إذا قلنا: مئة ضعف فأنت وزنك في الأرض ثمانون، في الشمس وزنك كم ؟ ضرب مئة، ثماني أطنان، مَن جعل حجم الأرض يتناسب مع وزن معتدل ؟ ومَن جعل دورة الأرض حول محور حول ذاتها أربعًا وعشرين ساعة ؟ أنت طاقتك في العمل ثماني ساعات، ترى الناس جميعاً نائمون في الليل، أما لو كانت الدورة سنة، ستة أشهر ليل دائم، وستة أشهر نهار دائم، تستيقظ وتنام، وتستيقظ وتنام، صارت الحياة فوضى، ولم يصبح الليل سكنًا، وما لا النهار معاشًا، مَن صمم دورة الأرض حول ذاتها أربعا وعشرين ساعة ؟ ومَن صمم دورتها حول الشمس سنة، لو أنها تدور حول الشمس بيوم فعندك أربع ساعات صيف، وأربع ساعات شتاء، أربع ساعات ربيع، وأربع ساعات خريف، فكّر في الشيء وفي خلاف ما هو عليه تكشف الحقيقة.
8 ـ إذًا تفكّرْ في الكون:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1408/07.jpg
أيها الإخوة، التفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة، لأن هذه العبادة تضعك أمام عظمة الله.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )



والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 10 - شهوة المال -4- المال فى الاسلام - 2- الشهوة وواقع المسلمين







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولازلنا في مقومات التكليف، وانتقلنا من الكون إلى العقل، ثم إلى الفطرة، ثم إلى الشهوة، وتدرجنا في الشهوة في موضوعات كثيرة، ثم انتقلنا إلى شهوة المال، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 14 )
لابد من التفوق في الدنيا من أجل إظهار الإسلام:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/01.jpg
لكن في هذا الدرس أيها الأخوة، أردت أن أربط هذه الشهوة بواقع المسلمين، وكنت أقول دائماً: ما لم تكن متفوقاً في دنياك فلا يحترم دينك، أنا لا أدعو إلى التنافس على حطام الدنيا، ولكن كيف تقنع الآخر ؟ الله عز وجل جعل هذه الأمة وسطاً بينه وبين بقية الأمم، وأذكركم مرة ثانية أن الأمة الإسلامية إذا كان فيها تخلف، ونسب الفقر عالية جداً، ونسب البطالة عالية جداً، ونسب الأمية عالية جداً، ونسب العنوسة عالية جداً، معظم هذه الدول تستورد ولا تصدر، بأسها بينها، سلمها لأعدائها، كيف تقنع العالم أن منهجنا صحيح ؟ أؤكد لكم ولا أبالغ ما دمنا بهذا الوضع من التخلف فلا يمكن أن نقنع أحداً بهذا الدين العظيم، ومن قال لك: إنك إذا أسلمت، واستقمت حلت كل المشكلات، يجب أن تحمل رسالة، لأن الله عز وجل قال: ﴿ وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾
( سورة العصر )
جواب القسم: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾
أي إنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ (3)﴾
( سورة العصر )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/02.jpg
من هذه الكلمة يتضح أن الدعوة إلى الله فرض عين، فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، ومن خلال تجارب كثيرة وخبرات متراكمة أؤكد لكم أن المتألق في عمله، الأول في اختصاصه، الذي يعتني بصحته، يعتني بمعلوماته، يعتني بتصرفاته، يضبط نفسه، ثم يتكلم في الدين يكون كلامه مسموعاً، أما إذا كان مهملاً في عمله أو في صحته أو في شؤونه الخاصة أو في بيته فلن يستطيع أن يقنع أحداً بالدين.
لذلك الحقائق التي أكرمنا الله بها هي موقوفة على ما لم نتفوق في دنيانا حتى نستطيع أن نقنع الآخر من هنا قال عليه الصلاة والسلام: (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ صحيح مسلم]
كم من طالب مسلم ذهب إلى بلاد بعيدة ليدرس ؟ طالب من الهند استطاع أن يكتشف البريد السريع ( الهوت ميل )
وفي أول عام جاءه عشرة ملايين مشترك، هذا الأمر دفع بيل غيت صاحب مايكروسوفت إلى أن يشتريه منه، عرض عليه خمسين مليون دولار، فطلب خمسمئة مليون، خلال عامين تم التفاوض على أربعمئة مليون، قبضها، وأنفق ثلاثمئة مليون لحل مشكلات المسلمين في الهند، والآن رصيده مئة مليون.
أنا أدعوكم إلى التفوق، الدنيا كما ترى نأكل ونشرب وننام، إن كنت كذلك فأنت واحد من ستة آلاف مليون، لا تقدم ولا تؤخر عندما لا تكون متفوقاً، لأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى تفوق، الدعوة إلى الله تحتاج إلى انضباط، أن تكون أولا، فإن كنت طبيباً فكن الطبيب الأول، وإن كنت محاميا فأنت المحامي الأول، وإن كنت مهندساً فالمهندس الأول، وإن كنت تاجرا فالتاجر الأول، هذا شيء سهل جداً، لكن يحتاج إلى تخطيط.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/03.jpg
أيها الأخوة، والخبر مؤلم جداً، أن كل مئة شاب ثلاثة يعرفون أهدافهم، ويتحركون نحوها، ثلاثة بالمئة فقط، هدف واضح، أنت الآن ماذا تريد أن تكون حينما تتخرج من الجامعة ؟ تحب أن تكون عالماً؟ تحب أن تكون طبيباً؟ تحب أن تكون تاجراً كبيراً؟ صناعياً؟ فكر.
هناك كلمة قرأتها قبل أربعين عاماً ولا أنساها: " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان ".
أقول لك بشكل واضح: اطلب ما شئت من الله إن كان الطلب صادقاً، وقدمت الثمن، وهو السعي: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 19 )
لا بد من أن تصل إلى هدفك، هذه حقيقة.
أنت علاقتك مع الله، علاقتك مع الذي بيده كل شيء، قال لك: عبدي اطلب تعطَ، لا أكلفك إلا أن تطلب بصدق، اطلب بصدق، وأنا أعطيك، خلاف ما يقال: الظروف صعبة، الدخل قليل، الضغوط عالية، وعود الله عز وجل فوق الزمان والمكان، وعود الله عز وجل فوق كل المعطيات، وعود الله عز وجل فوق كل الظروف. ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق )
علاقة المال بوضع المسلمين:
درسنا اليوم علاقة المال بوضع المسلمين. هذا هو حال المسلمين للأسف الشديد:
واللهِ زرت بلدًا في إفريقيا، وهو بلدٌ مسلم، واللهِ كاد قلبي يعتصر من الألم، أغنى بلد في إفريقيا، البلد الأول في الماس، واليورانيوم، والذهب، وفي خام الألمنيوم، وأغنى بلد من حيث التربة والأمطار، معدلات الأمطار في الليلة الواحدة أربعمئة مليمتر، وإنتاج زراعي غزير، ومع ذلك هو أفقر بلد في إفريقيا، أغنى بلد من حيث الثروات، وأفقر بلد، لأن فيه الجهل، والحديث في هذا طويل.
حينما أرى المسلمين فقراء، وهم يتربعون على ثروات مذهلة، ويحتلون أخطر موقع في العالم، وعندهم كل الثروات، ومع ذلك فقراء، لأن فيهم تقصيراً كبيراً جداً، هذا البلد الذي شوه صورة نبينا عليه الصلاة والسلام- والآن أعادوا نشر الصور- كم عدد سكانه ؟ خمسة ملايين، كم يطعمون؟ خمسين مليوناً في العالم، خمسون مليوناً يأكلون من إنتاج هذا البلد، وهناك شركة في اليابان عدد عمالها أربعون ألفاً أرباحها تساوي الدخل القومي لأكبر بلد عربي، كل أنواع الإنتاج؛ إنتاج الشعب، والصناعيين، والتجار، وإنتاج المرافق العامة، والثروات، مجموع الدخل إجمالاً يساوي الدخل القومي. 1 – المال عصبُ الحياة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/04.jpg
فيا أيها الأخوة، علاقة المال بعصرنا، المال عصب الحياة، والمال قوة، بالمال تحل المشكلات، وهناك مقولة يسمعوننا إياها كثيراً، أن الكثافة السكانية عبءٌ، من قال لك: إنها عبءٌ؟ اليابان فيها أكبر كثافة سكانية في العالم، وتايوان وكوريا الجنوبية، والهند واليابان، وهي أغنى بلاد العالم، اليد العاملة إما أن تكون ورقة رابحة وإما ورقة خاسرة، إن أطلقتها وعلمتها تغدو ورقة رابحة كبيرة جداً، والآن من مسلَّمات الاقتصاد أن الموارد البشرية هي أعلى موارد اقتصادية في العالم، فاليابان ما عندهم أي مادة أولية، وهي أغنى البلاد، عندهم جهد بشري فقط، أغنى البلاد في العالم ما عندهم ولا مادة أولية.
أيها الأخوة، أحياناً هناك ظروف صعبة جداً، ظروف القهر الاقتصادي، والحصار الاقتصادي، ومنع التصدير لبعض الدول، في مثل هذه الظروف يغدو كسب المال عبادة، كسب المال وحل مشكلات المسلمين، وهناك فقراء، وطلاب أذكياء جداً يحتاجون إلى من يرعاهم لينالوا أعلى الدرجات. 2 – مجالات الخير بالمال كثيرة منوَّعة:
كنت في مهرجان القرآن الكريم العام الماضي، وبلغني أن حافظًا لكتاب الله يعطى مبلغاً يقترب من مليون ليرة أو أكثر، قلت: ماذا يفعل هذا الشاب بهذا المبلغ ؟ كنت أتمنى أن يمنح هذا الشاب منحة دراسية حتى الدكتوراه، الأمة قوية بعلمائها، المستشفيات بأطبائها، الجامعة بأساتذتها، وأتمنى أن يكون المال في هذه الظروف الصعبة جزءًا من تقربنا إلى ربنا.
أحيانا ترى إنساناً صناعياً عنده ثمانية آلاف عامل، فتح ثمانية آلاف بيت، والبيت فيه خمسة أشخاص، زوج وزوجة وثلاثة أولاد، الحد الأدنى، ثمانية آلاف ضرب خمسة تساوي أربعين ألف شخص، كلّ إنسان يأكل عن طريق هذا المعمل، أليس هذا ربحاً ؟ ربح كبير، أنا أتمنى لا تقول لي ظروفي صعبة مع الدعاء كل شيء يسهل.
مرة ثانية: " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان ".
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/05.jpg
إنسان في بلد أتقن البرمجيات، قال لي: والله أرباحنا برقم لا يصدق، يبيع الدول الكبرى برامج، وهيأ يدًا عاملة، ثم قال: أعطي الموظف مئة ألف في الشهر، هذا الإنسان إذا تكلم في الدين يسمع له، لأنه متفوق، وهيأ فرص عمل بدخل كبير، ويبيع الدول الكبرى برامج، فإذا تكلم في الدين يصغى إليه.
الهند أيها الأخوة من سنتين أو ثلاث دخْلها من البرمجيات ثلاثة وثمانون مليار دولار، برمجيات لا نفط، ولا حديد صلب، ولا نحاس .
الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هذا اللقاء الطيب أنك حينما توحّد الله، وتقول: الله خلقني للجنة، والجنة تحتاج إلى عمل، ابحث عن عمل تتقرب به إلى الله، قل: يا رب هيئ لي عملاً صالحاً يرضيك.
والله أحد أخواننا الأطباء أقسم لي بالله أنه عالج ثمانية عشر ألف مريض مجاناً مدى الحياة، يعطيهم بطاقة، طبيب معه رسالة، يحتاج أن يقدم للمسلمين خيراً، وأطباء آخرون أسسوا جمعية، كل إنسان درس في بلاد بعيدة، ومعه بورد يعلّم إخوانه الأطباء الذين لم يتح لهم أن يسافروا، يعطونهم أحدث الخبرات حتى يرتفع مستوى الطب في القطر.
بصراحة قد تقول لي: أنا أصلي، لكن الفرق بينك وبين غير المصلي يجب أن يكون فرقاً صارخاً كبيراً، في المنطلقات، والأهداف، والتصورات، والسلوك، فإذا لم يكن بينكما فرق يلفت النظر يحدث صدمة فلن تكون مؤمناً.
حينما تحمل همَّ المسلمين ٍتكون عند الله مقرباً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به ))
(رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه وإسناد البزار حسن)
فالمال قوة، حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي.
نحن مع الأسف الشديد الغني يجمع الأموال لينفقها على ملذاته، ليتباهى بها، ليكسر قلوب العباد بمركبته وبيته، برفاهيته وأسفاره، أما المؤمن فيجمع المال لينفقه في سبيل الله.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/06.jpg
كأن هذا الدرس علاقة المال بالدار الآخرة، المال قوة، المال تحل به المشكلات، المال قوام الحياة، يمكن أن تكسبه حلالاً، وأن تنفقه حلالاً، يمكن أن تؤسس جامعة، وقد زرت جامعة الطلاب فيها بالآلاف، والأقساط مجانية، المواصلات للطالبات من البيت، وفوقها معاش شهري، خرّجت هذه الجامعة آلاف الطلاب والطالبات، وتعينوا موظفين، والبنات تعينّ وتزوجن، هيأ للفتاة عملا وهن محجبات بغير اختلاط، هذا عمل بالمال طبعاً، وهناك خبرات عند المسلمين تلفت النظر، مشروع تعليمي، مشروع خدمي، مشروع ميتم، مشروع صحي، إذا كنت غنيا فمن الممكن أن تصل بالمال إلى أعلى درجة في الجنة. (( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ البخاري عن أبي هريرة ]
أيها الأخوة، أريد أن أستثير حماسكم، أريد أن أجعل الواحد منكم بطلاً، والقضية سهلة جداً، اعتقد معي أن الشيء الذي لا تستطيع أن تفعله هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله، أما إذا أردت، والله إيماني لو أن واحداً منكم من أسرة فقيرة لا يملك شيئاً من حطام الدنيا إذا صدق قد يملك ملياراً، إذا صدق، وأراد بهذا المال أن يحل به مشكلات المسلمين، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى عن أناس جمعوا أموالاً طائلة أنفقوها في الحق، وفي الخير، وفي حل مشكلات المسلمين، وحملوا همَّ أمتهم. 3 – المال ميدان معركة بين الحق والباطل:
اليوم العلاقة في فريق، نحن فريق المؤمنين فريق في الأرض، وهناك فريق آخر، والطرف الآخر يتناقض مع المؤمنين، وهذا من حكمة الله عز وجل، لحكمة بالغة أراد أن يكون الطرفان معاً في الأرض، مؤمن وغير مؤمن، خير وشر، مستغِل ومُستَغل، ظالم ومظلوم، منتج ومستهلك، هذه الاثنينية، أراد الله أن نكون معاً، ومن نتائج هذا الجمع بين الفريقين معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، هذا قدرنا.
كنت أقول دائماً: ليست البطولة أن يكون هناك باطل، هناك باطل، الباطل قديم، وكان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام باطل، لكن البطولة ألا ينفرد في الساحة، أحياناً تستمع إلى أعمال الأغنياء المؤمنين والله تذوب شوقاً لأنْ تكون مثلهم، إنفاق منضبط معتدل، فهذه الأموال الطائلة تحل بها المشكلات، تفتح ميتماً، أو معهداً، أو مستشفى، أو تزوج مئة شاب، وتنشئ بيوتاً للشباب، أو تبني مصحّا، هذا كله ممكن، فلذلك حينما تنوي أن تجمع المال لحل مشكلات المسلمين فالله عز وجل يفتح عليك أبواب الرزق. لا يكن همُّك دنيويًّا:
لا أتمنى أن يكون هدفُ الأخ أن يتزوج فقط، هدفه أن يسكن في بيت، فإذا تزوج وسكن في بيت انتهت كل مشكلاته، لكن أقول لكم: عندما يسكن في بيت يملكه طبعاً يتزوج، بعد أن تحققت هذه الأهداف المادية المحدودة يبدأ شقاؤه، يشعر بتفاهته.
تصور رجلاً قال له ملِك: اطلب مني ما تريد، فكر الرجل مليًّا، جمع وطرح وقسم وضرب، قال له: قلم رصاص، ثمنه عشرون قرشًا فقط، الإله العظيم خلقك لجنة عرضها السموات والأرض ليس لك طلب عنده إلا أن تتزوج، وبيت فقط ؟ ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ (38)﴾
( سورة التوبة )
قبِلت أنت ؟ ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
( سورة التوبة )
نريد طموحًا.
مرة أخ من إخواننا الكرام لا يملك من الدنيا شيئاً، طلب من أخ أن يقرضه عشرين ألف ليرة، اشترى دراجة نارية بثلاث عجلات، وبدأ يبيع عليها، ويوزع أكياس النايلون في الريف، العام القادم رد المبلغ، ودفع زكاة ماله.
بعض كبار التجار والصناعيين بدؤوا من الصفر، لكن فكر بخدمة الخلق، فكر إذا كان معك مال أن تحل مشكلات الناس، بمشروع خيري، صحي، اجتماعي، تؤسس عملاً، تؤسس دعوة، تنشئ مسجداً، أو معهداً، ولا تقل: لا أملك شيئاً، الرجال العظام ما كان معهم شيء، ولو قرأتَ تاريخ المتفوقين تندهش، لأن معظمهم بدؤوا من الصفر، لكن لهم قلباً كبيراً، وأهدافاً كبيرة، ونيات كبيرة، وهناك آلاف الشواهد لأناس بدؤوا من لا شيء، من الصفر، بدأ حياة كلها حرمان، كلها بعدٌ عن الدين، ثم صار علَمًا كبيرا من أعلام الأمة.
مرة التقيت بإنسان قال لي: أنا أَصلُ عملي عتال بسوق الخضرة، الآن عنده أسطول من البرادات لنقل الفواكه من بلد إلى بلد، وهو أكبر تاجر فواكه في بلد ضخم، قال: لكن ما فاتني فرض صلاة في حياتي، ولا عرفت الحرام، له أعمال كبيرة، وبنى جوامع في إفريقيا، وأسس معاهد.
لا ترض أن تكون شخصاً عادياً من عامة الناس، لا ترضَ أن تكون شخصًا هدفك أن تشتري بيتاً، هدفك تتزوج، أنت واحد من ستة آلاف مليون جاؤوا إلى الدنيا، وغادروها، ولم يعلم بهم أحد، كن شيئاً مذكوراً، كن إنساناً يشار لك بالبنان، لا من باب الكِبر، بل من باب الخير. أنواع العبادة:
أيها الأخوة، الحديث ذو شجون، كما يقولون، كنت أقول: هناك عبادة، هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سادة أبدية. 1 ـ عبادة الهوية:
لكن كنت أقول: إن هناك عبادة أخرى هي عبادة الهوية، أنت من؟ أنت قوي، العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، والعالِم عبادته الأولى تعليم العلم، والمرأة عبادتها الأولى رعاية زوجها وأولادها، هذه عبادة سميناها اصطلاحاً عبادة الهوية. 2 ـ عبادة الظرف:
لكن هناك عبادة الظرف، المسلمون يمرون بظروف صعبة، من أرقى العبادات أن تحل مشكلات المسلمين، أن تقدم لهم فرص عمل، أن تقدم لهم منحًا دراسية، الله عز وجل وزع الذكاء والغباء بالتساوي على كل شعوب الأرض، بأي أمة عدد الأذكياء والعباقرة يساوي عدد الأغبياء، في أعلى أمة متقدمة تقدماً مادياً، الآن هناك مفاجآت وإنجازات في الكومبيوتر كلها من عمل المسلمين، وفي الصناعة، والمسلمون كأفراد أقوياء جداً كأفراد أما كمجموع فهم ضعاف، هذه عبادة الظرف واضحة. 3 ـ عبادة العصر:
عبادة العصر، إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا، بسياسة اسمها الإفقار، ونقل الثروات من أمة إلى أمة، ففي أول حرب وثاني حرب وثالث حرب نقل بضع آلاف من المليارت من بلادنا إلى بلاد الغرب، ثمن أسلحة... هذه سياسة إفقار، أنا أقول: إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا فالعبادة كأمة وليس كفرد هي استصلاح الأراضي، وتطوير الزراعة، وتطوير الصناعة، وتطوير الإنتاج، وحلّ مشكلات الأمة.
قد ترى سدًا للماء بجانب أرضٍ مساحتها خمسة آلاف، وهي أرض صالحة للزراعة، الآن هناك حرب بين عقلين فيما يسمى تنازعَ البقاء، إنسان خامل كسول، ينام إلى الظهر، يؤجل كل شيء، يسوّف كل شيء، لا يتقن عمله، ليس له محل في الحياة، التنافس الآن مذهل.
كان سابقاً من الممكن أن تعيش وحدك، وأن تنجو من قوة القوي ببعدك عنه، هذا كلام دقيق، قبل خمسين سنة كان يمكن أن تنجو من قوة القوي ببعدك عنه، الآن لا مجال لذلك، القوي معك، وأنت معه شئت أم أبيت، وبينكما تداخل بالتواصل الإعلامي والفضائي، الأرض أصبحت كلها سطح مكتب، فأيّ حدث في العالم تراه بعد دقائق، وتتفاعل معه، ويؤثر على حياتك، بل أحيانا تصريح يرفع السعر، والآن العالم مجتمَع واحد، فأيّ خلل في مكان ينعكس على مكان آخر. الشباب هم المستقبل:
أنا أقول: أنتم شباب الأمة، أنتم المستقبل، وكم يمتلئ قلبي غبطة حينما أرى أن معظم الحضور من الشباب، لأن الشباب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( ريح الجنة في الشباب ))
[ ورد في الأثر ]
الشباب هم المستقبل، وهذه الأمة كبَت، ولكل جواد كبوة، ولكل حسام نبوة، ولكل عالم هفوة، فقد كبا جواد هذه الأمة، والمعوّل الآن على الشباب ليعادَ إلى هذه الأمة ماضيها المجيد، نحن من شدة الاتهامات المستمرة صدقنا أننا متخلفون، صدقنا أننا لا نملك إمكانيات التطور، هذه حرب ثقافية خطيرة جداً، نحن متهمون، ومع ضعف الوعي نصدق ذلك.
نحن أمة عظيمة أيها الأخوة، لأن الله عز وجل في قرآنه الكريم الذي يتلى إلى يوم القيامة يقول: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه ِ﴾
( سورة آل عمران: 110)
هناك حرب في بلد آسيوي، وفي أرض واسعة جداً كلها مزروعة بالألغام، الأمة القوية ساقت جنود بلد إسلامي ضعيف إلى هذه الأرض، كم مات منهم ؟ أربعة آلاف جندي ماتوا بالألغام، هم طهروا الأرض من الألغام، يقول الضابط: ولا جنديا بريطانيًا مات، دفعهم إلى هذه الأرض دون أن يعلموا ما فيها، فانفجرت الأرض، وتطهرت، ودخل الجيش البريطاني، إنهم وحوش.
من يومين استمعت إلى خبر من شدة غرابته ما صدقته، رئيس وزراء أستراليا فيما أذكر، أو رئيس المجلس النيابي عندهم قدم اعتذارا للسكان الأصليين، اعتذاراً رسمياً، قال: نحن قتلنا شبابكم، نحن شردناكم، نحن أفقرناكم، لأول مرة أسمع اعتذارًا من جهة غربية للشعب الأصلي، أخذ أبناءهم، الجيل الحالي كله لا يعرف حنان الأم أبداً، أخذ الأبناء من آبائهم وأمهاتهم، ووضعهم في أماكن بعيدة، والإنسان من دون دين وحش كاسر، ومع ذلك اعترفوا، وقدموا اعتذاراً، ووضعوا لوحات في السماء ( نتأسف ) يجب أن تكون قوياً. ماليزيا مثال رائع لبلدٍ مسلم متقدِّم:
سافرت إلى بلد إسلامي في آسيا، وكنت في وفد رسمي، استقبلنا السفير، قال لنا السفير: ماليزيا بلد صغير، هذا البلد مجموع صادراته للعالم تفوق صادرات العالم العربي بأكمله بما فيها النفط، قلت: كم مليوناً ؟ قال: ثلاثة وعشرون مليونًا، كانوا في الغابات قبل خمس وعشرين سنة، لا تاريخ لهم، الآن الشعب مجموع صادراته لأوربا تفوق صادرات الوطن العربي بأكمله بما فيها النفط.
الشيء المألوف أن تزور بلداً غربياً متقدماً جداً، تشده بالحضارة والأبنية والطرقات، تزور بلداً إسلامياً تحس أنك منه، وهو منك، لكن فيه تخلفاً، وهذا البلد بالذات فيه إحساس عجيب، كأنك في أرقى بلد أوربي، وهو مسلم، كله مساجد، والنساء محجبات، مرة جاءهم من يتدخل في شؤونهم، فقالت له وزيرة بالضبط: ضع حذاءك في فمك، ولا تنطق إلا بما يعنيك، لأن ستين بالمئة من صادراتهم إلى دولة قوية، ما عندهم ثروات، عندهم زيت النخيل فقط، أكثر صادراتهم أشياء كومبيوترية، وسيارات، وهو بلدٌ مسلم عملاق في الشرق، هذا البلد يحترم كثيراً، وتجربة ماليزيا الاقتصادية تحدث صدمة بالإنسان.
أنا أتمنى أنني أردت أن أربط شهوة المال في هذا الدرس بالعمل الأخروي، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، يجب أن نقتبس من بلاد إسلامية خبراتها في النمو، وأذكر أن نسب الطلاق ارتفعت هناك، فأسسوا مدرستين، لا يعقد عقد قران بين شاب وشابة إلا إذا كان الشاب والشابة قد التحقا بهاتين المدرستين، ونجحا فيهما، والدوام فيها ستة أشهر، حقوق الزوجة، حقوق الزوج، الآداب، فهبطت نسب الطلاق من ثمانين بالمئة إلى عشرة بالمئة، لانتشار الوعي، وكلّ شيء له حلّ، ففكر أن تحلّ مشكلة، وأن ترسم هدفاً كبيرًا.
مرة هناك قرية حدودية ذهب إليها موجه تربوي، زار مدرسة في قرية حدودية، وهناك سؤال تقليدي: قم يا بني، يقف الطالب، حينما تكبر ماذا تحب أن تكون؟ هناك إجابات تقليدية: ضابط، أستاذ، طيار، ما شاء الله، طبيب، وقف طالب صغير قال له الموجِّه: أنت حينما تكبر ماذا تحب أن تكون؟ قال له: أريد أن أكون مهرِّباً.
يا أيها الأخوة، الحياة معقدة جداً، والأرض أصبحت سطح مكتب، ولن نستطيع أن نعيش وحدنا، والأقوياء عندهم إمكانيات أن يتدخلوا في كل شؤوننا، لكن ما الذي يمنعهم؟ قوتنا وتماسكنا ووعينا، والأمل بالشباب بعد الله عز وجل، وريح الجنة بالشباب. همة وطموحُ الشباب قوة وضمان:
تصور أن سيدنا الصديق يمشي، وسيدنا زيد شاب في السابعة عشرة من عمره يركب على الناقة، وهو قائد الجيش، الصدِّيق أحد جنوده، سيدنا الصديق وعمر وعثمان وعلي جنود عنده، قال له: يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن، قال: والله ما ركبتُ، ولا نزلتَ، وما علي أن تغبرّ قدماي ساعة في سبيل الله.
سيدنا أسامة قائد الجيش ريح الجنة في الشباب، دخلت مرة إلى مسجد في بلد إسلامي، بارك الله برواده، لكن كلهم ما فوق سن الثمانين، بالتعبير الطريف: العداد قالب، والدولاب ماسح.
الظاهرة في بلدنا الطيب أنك تدخل إلى أي جامع كله شباب، فالمستقبل أنتم، والله قد يُجري الله عز وجل على أيديكم الخير.
مرة كنت في قرية إزرع، جاء إنسان فهمس في أذني، أن هذه البلدة بلدة ابن قيم الجوزية، ابن القيم هنا؟! ابن القيم ترك أربعمئة مؤلَّف، يعد العالم الأول، عندما كان طفلاً في الابتدائي هل يخطر في بال واحد أن هذا الطفل سيكون ابن قيم الجوزية، عظماء الأرض كانوا طلاباً صغاراً، أين الطموح؟ درسنا اليوم ربطنا المال بأهداف الأمة. الموضوع العلمي: الغشاء الأمنيوسي عند الجنين:
1 ـ الجنين محاطٌ بثلاثة أغشية:
إلى الموضوع العلمي، درسنا عقيدة وإعجاز، الموضوع العلمي هذا الجنين في رحم أمه مغلف بأغشية ثلاثة، القرآن أشار إليها فقال: ﴿ ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ (6)﴾
( سورة الزمر )
2 ـ السائل الأمنيوسي:
أول غشاء يلي الجنين اسمه الغشاء الأمنيوسي، هذا غشاء مغلق، ليس له فتحة، ولأنه مغلق فهو ممتلئ بسائل اسم السائل الأمنيوسي، هذا السائل بين الغشاء والجنين، حجم السائل لتر ونصف، مَن يصدق منكم جميعاً أنه لولا هذا السائل لما كان هذا الدرس، ولما كان في دمشق ولا سوريا إنسان يعيش، لولا هذا السائل لما ولد مولود. وظيفة السائل الأمنيوسي:
1 ـ تغذية الجنين:
وهذا السائل له وظائف كثيرة، أول وظيفة أنه يغذي الجنين، هذا السائل فيه مواد زلالية، مواد سكرية، أملاح غير عضوية، هذه تغذي الجنين. 2 ـ حماية الجنين من الصدمات:
الوظيفة الثانية، وهي أخطر الوظائف، هذا السائل يحمي الجنين من الصدمات، فهو تماماً كالدماغ، الدماغ أيضاً بينه وبين الجمجمة سائل، والمركبة الفضائية بين قمرة الرواد والغلاف الخارجي سائل، فلو أن ضربة وجهت إلى بطن المرأة الحامل، واعتبرنا هذه الضربة قوتها أربعة كيلو وجِّهت إلى بطنها http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1448/07.jpg الغشاء الأمنيوسي والسائل المحيطان بالجنين

وجود سائل يمتص هذه الضربة يوزعها على كامل سطح الجنين، أربعة كيلو بالسنتمتر، أما السائل الأمنيوسي فيوزّع الصدمة على كامل سطح الجنين، فيصبح الوضع خمسة عشر بالألف بالغرام، ما مِن مشكلة، من أربعة كيلو على السنتمتر المربع إلى خمسة عشر بالألف من الغرام.
هذا المبدأ قلدته مراكب الفضاء، هذا المبدأ موجود في الدماغ، الدماغ محاط بسائل بينه وبين الجمجمة، فأيّ ضربة على الرأس يقول لك: كسرت رأسه، يتلقى الضربة، فيوزّع الرأسُ قوة الضربة عن طريق السائل على كامل الدماغ على واحد بالألف من الغرام. 3 ـ تسهيلُ حركة الجنين في بطن أمه:
شيء آخر، بهذا السائل يسمح للجنين بالحركة السهلة، وفي جميع الآلات الزيت يسهل الحركة، المحرك بلا زيت يحترق، الزيت روح المحرك، والسائل أيضاً يسهل حركة الجنين في رحم الأم، وأحيانا قد يكون الباب صعب الفتح، بنقطة زيت يفتح، إذاً: فهذا السائل يسمح بحركة حرة خفيفة للجنين في رحم الأم. 4 ـ منعُ التصاق الجنين برحم الأم:
هذا السائل يمنع التصاق الجنين برحم الأم، فلولا السائل لالتصق الجنين برحم أمه، لكنه في نمو مستمر، وقد تنمو الخلايا مع بعضها بعضاً فتشكل جزءاً متصلاً، فالسائل من خصائصه أنه يمنع التصاق جسم الجنين بجدار الأم.
بالمناسبة الجهاز الهضمي للجنين ممتلئ بمادة شحمية سوداء تمنع التصاق الأمعاء في أثناء النمو، والأمعاء إما أن تكون أنبوباً فالولادة سليمة، أو أن تكون شريطاً فالطفل يموت، وقد تنمو الأمعاء ملتصقة، أما هذا السائل والشحم في الجهاز الهضمي فمهمتهما أن يمنعا التصاق الجنين بالغشاء الأمنيوسي. 5 ـ جهاز تبريد وتسخين:
هذا السائل جهاز تكييف، حرارته ثماني عشرة درجة، في البرد والصقيع، وفي موجة الصقيع الشديدة جداً، أو موجة حر لا تحتمل، الجنين معه تكييف حار وبارد في آن واحد، وحرارة السائل ثابتة، هذه وظائف السائل. 6 ـ مساعدة الجنين في الخروج عند الولادة :
قبل الولادة يتمزق الغشاء الأمنيوسي من الأسفل ينطلق السائل صار المجرى مزيتًا بالسائل، فانطلاق الجنين عبر الممر الضيق صار سهلاً، فهو يسهل الولادة. 7 ـ تعقيم مجرى الولادة :
وهذا السائل أيضاً له ميزة يعقم المجرى، يعقم ويطهر. خاتمة:
نعود إلى خصائص السائل الأمنيوسي بالترتيب: يعقم ويطهر، ويسهّل الولادة، والجو مكيف، ويسهّل الحركة، ويمنع التصاق الجنين بجدار الرحم، وفيه مادة مغذية.
ثماني وظائف، هو مغذٍّ، ومحرك، ومكيف، ومعقم، ومسهل. ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11)﴾
( سورة لقمان )
أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو حينما نقف على بعض الحقائق العلمية في خلق الإنسان لا تملك إلا أن يقشعر جلدك لعظمة الله عز وجل، وأن الموضوعات العلمية في خلق الإنسان تجعلك تقف أمام عظمة الله، بل إن هذه الحقائق تعد أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
( سورة الذرايات )






والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 11 - شهوة المال -5- المال فى الاسلام - 3-








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. المال في الإسلام:
1 – الشهوات حيادية:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولازلنا في مقومات التكليف، ولازلنا مع مقوم الشهوة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/01.jpg
وقد بينت لكم بفضل الله عز وجل أن الشهوات سلَّمٌ إلى رب الأرض والسماوات، وأن الشهوات حيادية، يمكن أن توظف في الخير كما يمكن أن توظف في الشر، ولأن الإنسان مخير فشهواته كلها حيادية، وحظوظه كلها حيادية، وخصائصه كلها حيادية، بمعنى أن أي شيء أودعه الله فيك، أو جبلك عليه، أو خصّك به حيادي، توظفه في الخير أو توظفه في الشر، وذكرت لكم أن عالماً كبيراً التقيت به مرة قال لي: أنا عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، منهم ما يزيد على ثلاثة عشر طبيباً، كلهم حفظة لكتاب الله وأطباء، خطر في بالي أن هذا الحشد من الحفدة الطيبين الطاهرين، وهؤلاء الحفظة الكرام والأطباء الأعلام سبب كل هذا الحشد علاقة جنسية بين الجد وبين زوجته، وهناك بيوت دعارة، وفيها علاقات جنسية، فعلاقة أنجبت هذا الخير، وعلاقة أنجبت ذلك الشر، إذاً: الشهوات حيادية، يمكن أن تكون سلماً ترقى به أو دركات تهوي بها.
2– الشهوات إمّا سُلَم نرفى به، أو دركات نهوي بها:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/02.jpg
أيها الإخوة، بشكل أو بآخر لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، فهي المحرك الذي يدفعك إلى المجد وإلى معرفة الله، أودع فيك شهوة، ومن أجل أن ترضي الله ضبطتها، فتحركت خلالها في الحيز الذي سمح الله لك به، فأرضيت الله عز وجل، وارتقيت عنده، فكل من يقول: لولا الشهوات لما دخلنا إلى النار، أو لما استحق الإنسان النار كلام ساذج غير صحيح، لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات.
3 – المالُ قوامُ الحياة:


ونحن في بنود هذا الموضوع الكبير وصلنا إلى موضوع المال http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/03.jpg
وبيّنا أن المال قوام الحياة، وأن المال يعد أكبر قربة إلى الله، وأن المال حيادي، يكون زاداً للإنسان إلى الجنة، وطريقاً إلى النار، وأن المال يقسم إلى قسمين، رزق وكسب، فالرزق ما انتفعت به، والكسب ما لم تنتفع به، لكن تحاسب عليه، فالأشياء المستهلكة هي الرزق، والأشياء التي حصلتها بجهدك هي الكسب.
وذكرت لكم أن الإنسان يسأل عن علمه، ماذا عمل به ؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟ وعن عمره فيمَ أفناه ؟ لكنه يسأل عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنفقه ؟


4 – المالُ الحلال قوامُ الحياة:
ومرة ثانية، الإخوة الكرام الذين حباهم الله بالمال بإمكانهم أن يصلوا بالمال إلى أعلى درجة في الجنة، بالمال وحده بإنفاق المال.
الآن بدأ الدرس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
لماذا ؟ لأن علة وجودك في الأرض العمل الصالح الدليل الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
(سورة المؤمنون )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/04.jpg
لا يندم الإنسان حينما يأتيه ملَك الموت إلا على ساعة مضت لم يعمل فيها عملاً صالحاً، فالعمل الصالح علة وجودنا، والمؤمن القوي بعلمه أو بماله أو بمنصبه متاح له مِن الأعمال الصالحة ما لا يتاح لغيره، وبالتعبير المعاصر خياراته في العمل الصالح كبيرة جداً، كإنسان حصَّل مالا من حلال من تجارة مشروعة، لا فيها كذب ولا غش، ولا دجل ولا إيهام، ولا تدليس ولا احتكار، ولا استغلال ولا ربح فاحش، تجارة مشروعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ))
[ الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ]
إن أكبر قطر في العالم الإسلامي إندونيسيا في إحصاء أنه يزيد على أربعة عشر ألف جزيرة، وهو أكبر قطر إسلامي من حيث السكان، مئتان وخمسون مليونًا، هذا القطر الإسلامي الكبير سبب هدايته تسعة تجار جاءوا إليه بالتجارة، لكنهم استقاموا.
قد لا تفهم كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ))
لأن التاجر الصدوق داعية إلى الله بمعاملته، بصدقه، بأمانته، بإخلاصه.
5 – المالُ الحلال من مقوِّمات التكليف:
أيها الإخوة، قضية المال أحد أكبر مقومات التكليف، فمن جمع المال الحلال بإمكانه أن يزوج شاباً، بإمكانه أن يؤسس مدرسة شرعية، بإمكانه أن يفتتح ميتماً، بإمكانه أن يؤسس جمعية خيرية، بإمكانه أن يعين ضعيفاً، أن يعالج مريضاً، أن يرحم مسكينا، أن يطعم جائعاً، أن يرعى يتيماً أن يرعى أرملة، فالخيارات التي أمام الغني لا تعد ولا تحصى، لذلك إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، أنا أرى أنه يجب أن تكون غنياً، أما إذا كان طريق الغنى سالكاً على حساب مبادئك ودينك وقيمك فالفقر وسام شرف لك.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، دون أن تضحي بدينك، ولا بمبادئك، ولا بقيمك، تجارة مشروعة، رزق حلال، يجب أن تكون غنياً، لأنك بمالك تحل آلاف المشكلات، بمالك ترعى يتيماً، بمالك تربي إنساناً، بمالك تعطي منحة دراسية حتى الدكتوراه لطالب مؤمن مسلم متألق، تجعله أحد علماء الأمة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/05.jpg
مرة ثانية، والله أيها الإخوة، أمام الإخوة الكرام الذين أكرمهم الله بالمال أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، وقد قال بعض العلماء: " الطرائق على الخالق بعدد أنفاس الخلائق "، طرق كثيرة لتؤسس جامعات، أنا التقيت مع إنسان أسس جامعة كبيرة جداً، أمضيت فيها يوما يستقبل الطلاب بعد الظهر والطالبات صباحاً، هؤلاء الطلاب يتعلمون من أماكن فقيرة، الأقساط مجانية، بل فيها راتب والمواصلات على حساب الجامعة، والجامعة مضى على إنشائها عشر سنوات، خرجت آلاف الطلاب ممن يحملون شهادة عليا ليتعين، ويتزوج، أو تحمل شهادة عليا فتعين مدرسة لتتزوج، رأيت صاحب هذا العمل الطيب إنسانًا متميزًا بماله فقط، المال قوة كبيرة أيها الإخوة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/06.jpg
يجب أن نفهم لماذا جعل الله بعض الناس أغنياء، لأن هؤلاء بإمكانهم أن يصِلوا إلى أعلى درجة في الجنة بإنفاق أموالهم، وسيدنا الصديق أنفق كل ماله على رسول الله، سيدنا عثمان بن عفان: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ، وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَرَّتَيْنِ ))
سيدنا عبد الرحمن بن عوف كان غنياً، وكان يقول: << وما عليّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ؟ والله لأدخلن الجنةَ خبباً >>، أي هرولة.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/07.jpg
الذي أتمناه من الإخوة الكرام ألا تكون شخصاً عادياً، ملايين من الناس تأتي إلى الدنيا، تكبر، تتزوج، تنجب، ثم تموت، ولا أحد يعلم ماذا حصل، وعدد كبير يسمَّون الخط العريض، يسمَّون الطبقة الدنيا، تعيش لتأكل وتشرب، أقصى طموحه أن يشتري بيتًا صغيرا فقط، لا هموم له، أما المؤمن فهمّه كبير، هو يحمل همَّ الأمة، همّه نشر الحق، همه إسعاد الناس، همه أن ينقل الناس من الظلمات إلى النور، من الضياع إلى الوجدان، من الشرك إلى التوحيد، من الشقاء إلى السعادة، من البخل إلى الكرم، من الجهل إلى العلم، من التبعثر إلى التوحد، فلذلك وصف الله النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الأفق الأعلى.
إن الإنسان في الدنيا إذا حمل همَّ من حوله نقدّسه، وإذا فكر إنسان بمن حوله نقدّسه.
حدثني أخ الله عز وجل أكرمه بالمال، قال لي: والله ما مِن شاب من أسرتي الواسعة إلا هيئت له عملاً، لذلك الله عز وجل حينما قال: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103) ﴾
( سورة التوبة )
6 – المالُ الحلال قوامُ الحياة:
أيها الإخوة، الإنسان المؤمن القوي عند رسول الله خير وأحب إلى الله تعالى، ما أتيح لك المال، العلم متاح لك لما ترضى أن تكون غير متعلم لما، لما لا تكون طموحاً، إذا المال ما أتيح لك العلم متاح http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/08.jpg
إذا أتيح لك منصب فبجرة قلم تحق حقاً، وتبطل باطلاً، تقر معروفاً وتنكر منكراً، تقرب مخلصاً وتبعد فاجراً، بتوقيع، فإما أن تكون قوياً بمنصبك، أو أن تكون قوياً بعلمك، أو أن تكون قوياً بمالك.
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))
[ مسلم، ابن ماجه، أحمد ]
والله أيها الإخوة، أنا أستمع من حين إلى آخر إلى نماذج من الشباب الطموحين يتطلعون إلى خدمة الأمة، شيء يلفت النظر، بتقديم خدمة عالية، بحل مشكلة، بتوعية، بتبصرة، إن لم تكن من هذا المستوى فما قيمة الحياة ؟
قال سيدنا علي رضي الله عنه: << يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم رحيم قال:
(( وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
7 – الضعيف قدرًا ومشيئةً له مكانة في الإسلام:
حتى المؤمن الضعيف بارك الله به، لكن هناك نقطة دقيقة: إذا كان متاحا لك أن تكون قوياً فينبغي أن تكون قوياً، أما إذا سعيت جهدك، ولم تصل إلى القوم فهذا من قضاء الله وقدره، عندئذ تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل إذا بذلت كل جهدك، ولم تصِل إلا إلى هذا المستوى http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/09.jpg
أنا لا أقول لك:أن تعاند القدر، لا، لكن أنا أتألم أشد التألم بما يسمى بفقر الكسل، يؤجل الرجُ كلَّ شيء، ويسمى إرجائي، يقول: غداً، غداً.
مرة قال رجل للنبي: غداً، قال: ويحك، أو ليس الدهر كله غداً، الآنَ الآن.
هناك تأجيل، وعدم إتقان، وعدم تطوير، وإهمال، ومواعيد غير مضبوطة، وعمل غير متقن، وتواكل، وعزوُ الخطأ لغيره، مثل هذا الإنسان قد يكون فقيراً، لكن هذا الفقر ليس قدراً له، بل من جراء إهماله وتقصيره، هذا يسمى فقر الكسل، أما فقر القدر فإنسان معه عاهة، صاحبه معذور، وفقير الكسل مذموم، أما فقير الإنفاق فمحمود، هذه حالات نادرة، أنفق كل ماله قال: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: أبقيت الله ورسوله. فقال عليه الصلاة والسلام:
(( ما طلعت شمس على نبي أفضل من أبي بكر ))
[ ورد في الأثر ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/10.jpg
ما ساءني قط، أعطاني ماله، زوجني ابنته، احفظوا له ذلك، سدوا كل خوخة علي إلا خوخة أبي بكر، وما من إنسان ارتقى إلى مستوى هذا الصدِّيق بعد رسول الله، هل خطر في بالك هذا النص الذي قاله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هو يحبه حباً يفوق حد الخيال، لا أعتقد أن على وجه الأرض رجلان يحب كل منهما الآخر كما يحب الصديق رسول الله، والرسولُ الصديقَ، ومع ذلك حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال الصدِّيق ؟
(( أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لماذا ما قال رسول الله ؟ باسمه فقط من دون أي لقب ـ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ))
[ متفق عليه ]
لأن الرسالة لا تنقطع بوفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل الرسالة مستمرة. ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
لكن تكون في بعض الأحيان عن طريق الأنبياء، وقد تكون أحياناً عن طريق الصديقين والشهداء والصالحين والعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، تارة تكون عن طريق الأنبياء أو الرسل، وتارة عن طريق الصالحين، فلذلك ما قال: من كان يعبد رسول الله فإن رسول الله قد مات، هذا الكلام يوهم أن الرسالة انتهت، لا، الرسالة مستمرة، والدليل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
(سورة الأنفال )
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/11.jpg
الآن العالم الإسلامي مليار وخمسمئة مليون معذبون، ليست كلمتهم هي العليا، ليس أمرهم بيدهم، أعلنت عليهم حرب عالمية ثالثة في كل بقاع الأرض، ومع ذلك لأن رسول الله ليس فيهم، سنته ليست مطبقة في حياتهم، هذه آية دقيقة جداً:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
(سورة الأنفال )
يعني يا محمد، مادامت سنتك قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله.

حقيقة الشباب:
والله أيها الإخوة، حديث لا أشبع من ترداده، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل سيدنا معاذ بن جبل قال:
(( يا معاذ، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))
[ متفق عليه عن معاذ ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/12.jpg
كأن الله عز وجل من خلال كلام نبيه صلى الله عليه وسلم أنشأ لنا حقاً عليه قال:
(( يا معاذ، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))
[ متفق عليه عن معاذ ]
أنت في مأمن، أنا أخاطب الشباب، لا تخف، ما دمت مستقيماً فأنت مستثنى من كل الظروف، هناك ظروف صعبة، بل ظروف بالغة الصعوبة، فرص العمل منعدمة، البيوت أسعارها فوق طاقة الشباب، أنا أقول لكم ولي ثقة مطلقة بالله عز وجل: إنك إذا كنت مستقيماً فالله يتولاك، والدليل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
أنا أرى أيها الشاب، وكل الحاضرين شباب، والأصح أن هناك مؤمنا شابًا في سن الخامسة والتسعين، الشباب بالتعريف الحديث لا علاقة له بالسن أبداً، له علاقة بالطموح، فما دام الهدف كبيراً فأنت شاب، وقد ترى إنسانا في الخامسة والأربعين تجلس معه فتضيق ذرعاً به، لا طموح له، أكل، وشرب، ولعب النرد طول الليل، ومتابعة الأفلام، والنوم بعد الظهر، وسهر.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/13.jpg
مرة سمعت كلمة أعجبتني: هناك شيخ شيخه الزمان، عمره مئة وعشر سنوات، يقول لك: شيخ كبير، هذا شيخ الزمان، وهناك شيخ شيخه الأقران، شيخ قبيلة، أفراد القبيلة اختاروه شيخا، وهناك شيخ شيخه الشيطان، السحر والشعوذة، وفك السحر، يريد ديكا أبيض وخروفًا أسود، ويعطيك طلاسم وحجابا لا تفهم منه شيء إطلاقاً، هذا شيخ شيخه الشيطان، والذي قبله شيخه الأقران، والذي قبله شيخه الزمان، و شيخ شيخه السلطان، السلطان عينه شيخ، و شيخ شيخه الإعلام، و شيخ شيخه الرحمن، فالبطولة أن تكون مع شيخ شيخه الرحمن. ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) ﴾
(سورة يس)
لا تصاحب من لا يرقى بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، لا تصاحب أهل الهواء.
(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
[ أخرجه الحاكم، عن أبي هريرة ]
(( ابن عمر، دينَك دِينَك، إنما هو لحمك ودمك))
[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ].
8 – عبادة العصر: تسخير المال لخدمة الأمة الإسلامية:
نحن لا زلنا في موضوع المال، المال قوام الحياة، وقوة، والمال أحد أكبر بنود القوة، وإن صح أن هناك عبادة العصر http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/14.jpg
فنحن في عصر فيه حرب عالمية ثالثة معلنة، أحد بنود هذه الحرب أخذ الأموال، في حرب الخليج الأولى انتقل من الشرق إلى الغرب سبعمئة مليار دولار، وكل يوم ينتقل مليارات من الشرق إلى الغرب، إنها حرب إفقار، الثروات نهبت، البلاد احتلت، الشباب قتل، النفط أخذ بلا حساب، حرب إفقار في هذا العصر، عصر إفقار المسلمين، ما هو أعظم عمل ؟ أو أقرب عبادة تعاملية إلى الله ؟ أن تكسب مالا حلالا، وتحل به مشكلات المسلمين، هذا أعظم عمل، قد لا تنتبهون إلى خطورة المال، المال قوام الحياة.
مرة كنت في مؤتمر لحفظ القرآن الكريم، لفت نظري أن الجائزة الأولى بمبلغ يقترب من مليوني ليرة، الذي حفظ كتاب الله له جائزة، فأنا اقترحت أن هذا المبلغ يأخذه الأب مباشرة، وقد يحل به بعض المشكلات، يشتري به بيتًا صغيرا يقضي ديونه، لكن تمنيت على من هيئوا لهذه المهرجانات والمسابقات الرائعة أن يعطوا حافظ كتاب الله منحة دراسية حتى الدكتوراه، نجعل منه عالماً، والأمة بعلمائها، والله أنا أحب كل المؤمنين من دون استثناء. مَن لا يعمل لا يخطئ:
ولكن هناك مَن يحمل معك، وهناك مَن تحمله، والفرق كبير جداً، في الحج قديماً ما كان الطواف بالكرسي، كان الطواف بالحمل، إذا تتذكرون كانت منصة لها سور، يجلس الإنسان الكبير في السن، ويحمله أربعة، هذا المنظر منظر مؤلم جداً http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/15.jpg
الآن المسلم بهذا الشكل، لا يتحرك، ولا يقدم شيئًا، ولا يعين أحدا، جالس مرتاح، لا بعمل شيئا، ويقيِّم الناس، ويوزِّع ألقاب البطولة وعدم البطولة، وهذا جيد وهذا سيئ، وما عمل شيئًا.
أنا أقول كلمة دائماً: هناك إنسان أموت في حبه، لأنه لا يخطئ، إنه رسول الله، وسامحوني على الكلمة الثانية، وهناك إنسان أحتقره أشد الاحتقار، مع أنه لا يخطئ، هو الذي لا يعمل، الذي لا يعمل لا يخطئ، ما قدم شيئًا، ما حاول أي محاولة، فاسأل نفسك هذا السؤال: اليوم ماذا فعلت ؟ هل قدمت خدمة لإنسان ؟ هل نصحت، هل عاونت إنسانا، هل أطعمت هرة ؟ هل خدمت والدتك.
إن الإنسان الذي لا يعمل لا يخطئ، فالذي لا يخطئ وهو لا يعمل يجب أن نحتقره، وأنا والله أكبر من يعمل، وقد يخطئ، وقد سمعت من بعض الدعاة في مصر أن داعية مشهورا كان يمشي، فوجد شابا على دراجة يبيع الشاي، يعرفه، معه شهادة جامعية، ما وجد عملا، فعمل هذا العمل، وكسب رزقا، وتزوج بعد هذا، فهذا العالم قال: والله أوقفت مركبتي، وذهبت إليه، وصافحته، وأكبرت عمله، العمل شرف، كان سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا حرفة له فيسقط من عيني >>.
العمل شرفٌ:
العمل شرف، اليد العليا خير من اليد السفلى، والله هناك مشهد من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/16.jpg
إنسان في عهد النبي طلب منه مساعدة، النبي غضب، ما فتح أحد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، قال له:
(( أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ ـ أي بساط ـ نَلْبَسُ بَعْضَهُ، وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ـ المزايدة مشروعة ـ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ، وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
[ أبو داود، ابن ماجه ]
وصدقوا أيها الإخوة، حينما تسترزق فإن الله عز وجل أن يرزقك، وترجو الله أن يرزقك فيرزقك، ويهيئ لك عملا، والعمل بيد الله، والزواج بيد الله، والبيت بيد الله، والصحة بيد الله.
أنا أريد أن تنعقد هذه الصلة مع الله، أريد أن تسأل الله أن يكون هناك حوار مع الله، الآن كل حياتنا حوار، نريد حوارا مع الله، يا رب، ارزقني رزقاً حلالاً طيباً، اللهم اهدنا، واهد بنا، واجعلنا هادين مهديين، وارزقنا طيباً، واستعملنا صالحاً، وكلما رأيت أخا كريما له عمل شريف أقول له: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، الله استعملك في الخير. الحياة سعيدة بخدمة الخلق:
كلمة الحياة حلوة، حلوة بطاعة الله، حلوة بأن تحمل هم المؤمنين http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/17.jpg
حلوة أن تقدم شيئًا للناس، أنا أستثير عزائمكم، لا ترضَ أن تكون صفرا على الشمال، بل صفرا بعد الواحد، وصفرين فتصبح مئة أو ألفا، لا ترضَ أن تكون شخصا عاديًا، بهمتك وإيمانك وعملك الصالح ترقى عند الله.
البارحة جئت من منطقة الميدان، وقبل الميدان حي فيه مئذنة عالية جداً، ذكرت لكم قصة صاحبها كثيراً، المستخدم بمدرسة فقير عنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف ليرة، وهو تحت الخط الأحمر في الفقر، ويسكن في غرفة واحدة مستأجرة، ورث أرض هذا المسجد، فعرضها للبيع، جاء من يشتريها، الذي اشتراها أعطاه نصف الثمن مقدَّماً، قال: أين بقية المبلغ ؟ قال له: عند التنازل، قال: ما التنازل ؟ قال: تذهب إلى مديرية الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، قال: مسجد !!! مزق السند !!! وقال: والله إني أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتغدو مسجداً، أنا أولى منك أن أهبها إلى الله، هذا عمل يسعد به إلى أبد الآبدين، بعمل عظيم، وتضحية، وخدمة، أو طلب العلم، أو خدمة إنسان، أو كنت بارا بوالديك، اعمل عملاً ترقى به عند الله عز وجل.
المال عنصر مهم وخطير:
موضوع المال أحد أكبر أنواع القوى في الحياة، والمنصب قوة، والعلم قوة، والمال قوة، والموضوع عن المال فبإمكان أصحاب الأموال أن يصلوا إلى أعلى درجات الجنة، الدليل رائع جداً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ متفق عليه ]
هناك محسنون، الله عز وجل يزيدهم غنىً، يبارك لهم بصحتهم، بأولادهم، بمالهم، يحفظهم من كل مكروه لذلك:
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
[ الطبراني في المعجم الكبير والأوسط بسند حسن عن أبي هريرة ]
نحن في عصر الطرف الآخر اتخذ قرار بإفقارنا عن طريق نهب الثروات، وإشغالنا بحروب جانبية إلى آخر القصة المعروفة فما هي العبادة الأولى ؟ أن تكسب المال الحلال، وتهيئ فرص عمل.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/18.jpg
حدثني أخ كان في ألمانيا، جاء إنسان من هذا البلد ليقيم معملاً هناك، قال لي: فوجئت مفاجأة كبيرة، هو توقع مثل أي بلد آخر، رخص، ومعاملات، وإجراءات مطولة، وروتين، ووثائق، وبراءات ذمة، وموافقات، ما طُلب منه شيء إلا تصريحين: الأول بعدم تلويث البيئة، والثاني بتأمين فرص عمل لأبناء ألمانيا، وقدموا له الأرض مجاناً بأجرة رمزية، كل دنم أجرته بالسنة مارك واحد، والآن يورو، انظر إلى التفكير، هذا إنسان منتج يجب أن نشجعه، أعطوه أرضا الدنم بمارك، وبتصريحين بعدم تلويث البيئة، والثاني بتأمين فرص.
مرة أخ من إخواننا، هذا الشيء ذكرته سابقاً، قال لي: أنا سوف أغلق معملي، السبب ؟ قال: ما ربحت، قلت له: كم عاملا عندك ؟ قال: ثمانين، قلت له: من قال لك: إنك لا تربح ؟ فتحت ثمانين بيتًا، إذا كان في كل بيت خمسة أشخاص ؛ أنت وزوجتك وثلاثة أولاد في خمسة، في ثمانين، الناتج أربعمئة إنسان، أنت بهذا المعمل تطعمهم من فضل الله عليك، فبقاء المعمل مفتوحاً هذا أكبر ربح.
أحيانا أجد صناعيا عنده ثلاثة آلاف عامل والله أكبره، فتح ثلاثة آلاف بيت:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
أنت أمامك العلم، فإما أن تكون ابن إنسان معه مال، تفتح مشروعا، أو تكون إنسانا ما عندك إمكانية، ادرس، خذ شهادة عليا في اختصاص نادر، أتقن عملك، أو إنسانا عندك حرفة، أتقنها، أبدع فيها، يرتفع دخلك، تعين غيرك، المال أكبر قربة إلى الله عز وجل. الموضوع العلمي: حيوان البطريق:
وننتقل إلى الموضوع العملي.
1 – القطب الجنوبي موطن البطريق:
أيها الإخوة، في خلق الله عز وجل آيات دالة على عظمته، ففي القطب الجنوبي، هذا المكان يعد أبرد منطقة في العالم، الشتاء فيه ستة أشهر، وبيئة صعبة جداً، وفيه مخلوق هناك اسمه البطريق، حيوان برمائي يمشي على رجلين، أو يزحف على بطنه.
2 – رحلة البطريق إلى القطب الجنوبي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/19.jpg
تقوم هذه البطاريق برحلة إلى هذا القطب الجنوبي الحلة تستمر بضعة أسابيع، وتقطع مسافة مئة كيلو متر زحفاً أو مشياً، لذلك تصل إلى هذا المكان فتتجمع آلاف مؤلفة، هكذا صممت، بطاريق تجتمع، وتهاجر إلى مكان في القطب الجنوبي، حرارته خمسون تحت الصفر، وسرعة رياحه الباردة مئة كيلو متر، سرعة مستمرة مع ثلج وبرد لا يحتمل، هذه تجتمع في القطب الجنوبي، وتبقى مع بعضها بعضاً.
3 – نظام التناوب على أماكن الدفء والبرودة:
من الذي يبرد ؟ الذين على المحيط، على المحيط يتبادلون الأمكنة بالمناوبة، ليس الواحد منهم داخل المجموع دافئا والآخر على المحيط، الذي في المحيط يبقى ساعة ثم يدخل إلى الداخل، ويحل محله واحد من الداخل.
4 – كيفية التلقيح بين الذكر والأنثى:
الشيء العجيب يتم التلاقح بين الذكر والأنثى، والأنثى تنزل إلى البحر لتضع البيضة، هذا البطريق وهو واقف كل جسمه محاط بفرو سميك، لأن البرد لا يحتمل، وله رجلان يقف عليهما.
5 – حضانة الذكر للبيضة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/20.jpg
هذا البطريق يضع البيضة التي ولدتها أنثاه على رجليه، ويغطيها بالفرو، لأنه لو تدحرجت على الأرض لمات وليده من شدة البرد، يضع البيضة على قدميه، ويغطيها بالفرو إلى متى ؟
الشاهد كله في هذه الكلمة: يبقى أربعة أشهر واقفاً على قدميه وبيضة أنثاه على قدميه يغطيها بفروة جسمه، ولا يأكل، ولا يشرب، ما هذا العطف ؟ لو أنه اضطر أن يمشي لمشى زحفاً، وتنقل بطيء جداً، لو حركه برجليه وقعت البيضة، يمشي بقفزة بطيئة، شيء لا يصدق، ما هذه الرحمة التي أودعها الله في قلب هذا البطريق الذكر.


6 – عملُ أنثى البطريق:
الأنثى في البحر تجمع الطعام، وتهيئ للعودة، حينما تعود الأنثى إلى البر تكون هذه البيضة قد فقست، وخرج منها بطريق صغير تأخذه الأنثى وترعاه.
7 – الوجبة الغذائية الأولى لصغير البطريق:
بالمناسبة البطريق الأب في حوصلته كمية حليب يبقيها أربعة أشهر، ولا يستخدمها، وهو في أمسِّ الحاجة إليها http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/21.jpg
هي الوجبة الغذائية الأولى للبطريق حينما يولد، فبعد أن يولد يفتح البطريق الابن فمه، ويأتي إلى الأب فيضع في فم ابنه هذه الوجبة التي خبأها له من أربعة أشهر.
من علمه هذا ؟ من أودع في قلبه الرحمة ؟ لذلك هذا البطريق يجب أن يعلم الأمهات المقصرات درساً لا ينسى، أربعة أشهر لا يأكل ولا يشرب، لذلك ورد في بعض الآثار:
(( وأيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة))
[ ورد في الأثر ]
الآن أولادها في الطريق، وهي عند الجيران، الحيوان أحسن منها، حيوان يضع البيضة على قدميه، يغطيها بالفرو، ويقف أربعة أشهر بالتمام والكمال لا يضع في فمه شيئا، لا يشرب ولا يأكل، لأنه يحافظ على دفء هذه البيضة، تفقس البيضة، يهيئ لها وجبة هو في أمسِّ الحاجة إليها فيعطيها للصغير بفمه.
8 – تعاون الذكر والأنثى على رعاية الصغير:
الآن انظر التعاون، تأتي الأنثى من البحر لتتسلم الوليد الصغير، وترعاه، وقد امتلأ بطنها طعاماً في البحر http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/22.jpg
وينزل الأب إلى البحر ليأخذ حظه من الطعام والشراب، هذا خلق الله، فلذلك: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 72 )
إذا لم يحمل الإنسان الأمانة، ولا أدى الرسالة يعد أحقرُ حيوان أفضلَ منه، أما إذا حمل هذه الأمانة، وأدى تلك الرسالة يعد فوق الملائكة، فقد رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. فائدة جليلة: رعاية الأولاد من أعظم الأعمال:
أيها الإخوة، رعاية الأولاد من أعظم الأعمال، العناية بصحتهم، بدراستهم، بأخلاقهم، بدينهم.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1449/ar-1449/23.jpg
أذكر أني كنت في بلد حدثني عالم جليل أن طفلا جاء إلى المسجد في إحدى الصلوات في النهار، في الصف الأول ثمانية مصلين، أحدُهم ـ عافانا الله من هذا الحمق ـ سمع حديثا أن الطفل في الصف الثاني، فدفع هذا الطفل، ولم يكن هناك صف ثانٍ أصلاً، هم كلهم ثمانية، يقول هذا الطفل بعد أن أصبح عمره خمساً وخمسين عاماً: والله خرجت من المسجد، وتركت الصلاة خمساً وخمسين عاماً، لشدة ما تألم من هذا الذي دفعه بالمقابل.
حدثني أخ قال: كنت طفلا صغيرا كنت في جامع الأحمدية في سوق الحميدية بعد العيد، وكان معي حذاء جديد، جزء من عقله صار في الحذاء، افتقده، تألم، وبكى بكاء مراً، قال لي: رجل صالح أخذني إلى محل أحذية، واشترى لي حذاء من الدرجة الأولى، قال له: لا تبكِ، يقسم بالله العظيم هذا الطفل أنه من أجل هذا العطاء والإحسان والرعاية من هذا المحسن ما فاته فرض صلاة في حياته، انظر:
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي ]
وبالمقابل: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ))
[ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد]







والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 12 - شهوةالجنس -1- العلاقة بين الرجل والأنثى وفق منهج الله







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. شهوة الجنس:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وكما تعلمون محور هذه الدروس مقومات التكليف، ومن مقومات التكليف الكون، وتحدثنا عنه ملياً، والعقل وهو أداة معرفة الله، والفطرة وهي أداة معرفة الخطأ والصواب، ثم تحدثنا عن الشهوة، وأمضينا حلقات كثيرة في الحديث عن شهوة المال، وننتقل اليوم إلى الشهوة الثانية، إن صح التعبير، وهي شهوة الجنس.
1 – الإنسان كائن متحرك:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/01.jpg
بادئ ذي بدء الإنسان كائن متحرك، لماذا هو متحرك ؟ لأن الله أودع فيه الشهوات، هذه الأدوات التي أمامي كائنات جامدة، لا تتحرك، لماذا ؟ ليس فيها دوافع، ولا حاجات، لو بقيت هذه الطاولة آلاف السنين فهي هي، أما الإنسان فهو كائن متحرك.
2 – الشهوات سبب حركة الإنسان:
ما الذي يحركه ؟ شهواته.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/02.jpg
أول شهوة، شهوة الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، والشهوة الثانية شهوة الجنس، المرأة حفاظاً على النوع، لولا هذه الشهوة لانقرض النوع البشري، وهذه الشهوة متغلغلة في أعماق الإنسان، هذا التغلغل يشير إليه الحديث الشريف:
(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير ))
[ الترمذي ]
لو أقمتم عقبات كأداء أمام زواج الشباب ماذا يحدث ؟ يحدث الفساد:
((... إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير ))
ثمة أشياء إذا منعتها يمتنع الإنسان عنها، لكن هناك أشياء متغلغلة في أعماق النفس، فلذلك لا بد من ترشيدها. 3 – الإنسان مخيَّر:
ومرة ثانية أؤكد لكم أن الإنسان لأنه المخلوق المكرَّم، ومن خصائص هذا المخلوق أنه مخيّر، ما دام الإنسان مخيراً فكلّ شهواته حيادية، يمكن أن تكون سلماً يرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات يهوي بها إلى أسفل سافلين.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/03.jpg
للتوضيح بمفارقة عجيبة: في لقاء يتم بين الذكر والأنثى، لو أن هذا اللقاء وفق منهج الله، وفق شرع الله، بخطبة، وعقد نكاح، وإيجاب وقبول، وولي وشاهدين، ومهر، ماذا ينتج عنه ؟ ينتج عنه أسرة، ولو تصورنا الأب عالما، والزوجة صالحة، تم هذا الزواج، أنجبوا أولادا.
قلت لكم مرة: حدثني أحد علماء القرآن قال لي: أنا عندي ثمانية وثلاثون حفيدًا، منهم ما يزيد على ثلاثة عشر طبيباً، كلهم حفظة لكتاب الله، تصور إنسانا تم لقاء زوجي بينه وبين زوجته فكان بعد عدد من الأعوام ثمانية وثلاثون حفيدا شبابا مؤمنين، وفتيات صالحات، وأصهارا، الأحفاد حفاظ كتاب الله، أطباء، ومهندسون، كل هذا الخير من لقاء زوجي، بالتعبير الآخر من علاقة جنسية بين الزوجين، أليس كذلك ؟
كلكم جميعاً آباء أبناء وأمهات صالحون، أنتم ثمرة هذا الزواج، أليس كذلك ؟ فهذا عالم، هذا خطيب، هذا داعية، هذا طبيب، هذا مهندس، أرأيت إلى العلاقة الجنسية، لو أنها وفق منهج الله ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/04.jpg
أنا أذكر لي صديق أخبرني أنه طرق بابه الساعة الرابعة صباحاً، فتح الباب فلم يجد أحدًا، فحانت منه التفاته إلى الأسفل، فإذا بمحفظة تتحرك، فتحها فوجد طفلا وُلد لتوّه، أغلب الظن أنه ابن زنا، وحينما خرج إلى الدنيا وضع أمام هذا الباب، والرجل صالح، أخذه إلى المستشفى، وإلى حاضنة... لكن أنا وازنت بين طفل تنجبه أمه من زوج، حينما حملت الأخبار انتشرت أن ابنتنا حاملة، الحمد لله، الأخبار طارت بين الأقارب، وجاءت التهاني الهدايا، وخلال هذه الأشهر التسعة الأم تهيئ نفسها، تهيئ السرير، تهيئ حاجات الطفل، وحينما أنجبت هذا الطفل، جاءت التهاني، كأنه عرس بالتقاليد الشامية، كيف جاء هذا الطفل ؟ جاء مع احتفالات والتهاني والهدايا والفرح والولائم، والعقيقة.
قلت: سبحان الله ! طفل يأتي في الحاوية أحياناً، أو أمام باب، وطفل يأتي من أبوين، الشهوة هيَ هي، اللقاء بين الذكر والأنثى هوَ هو، فإذا كان وفق منهج الله أنجب أسرة وأولاداً، وأحفاداً وأصهاراً، صارت الأسرة، وأكثر الأجداد له من خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين حفيدا، إذا كان عنده خمس بنات، كل بنت أنجبت خمسة أولاد، المجموع : خمسة وعشرون، كل هذه المجموعة الطاهرة أساسها علاقة زوجية، أساسها علاقة جنسية.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/05.jpg
هذه الشهوة أول شيء حيادية، يمكن أن تكون سلماً ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات تهوي بها إلى أسفل سافلين، وفي بكل بلد دُور دعارة، وزنا، والزانية امرأة ساقطة، تخجل من نفسها، أقسم لكم بالله لو أن امرأة سقطت في الزنا إن رأت امرأة محجبة تحمل ابنها تذوب أسفاً على حالها.
أيها الإخوة الكرام، للمرأة جمال الحشمة، جمال العفة، تشعر المرأة العفيفة الشريفة الحرة أنها ملكة، والمرأة الساقطة شيء مبتذل، شيء ساقط شيء، لا أحد يأبه له.
على كلٍّ، عافنا الله وإياكم وعافى أولادنا وأحفادنا وبناتنا من كل زلل، وهو شيء صعب جداً.
أول نقطة أن الإنسان كائن متحرك، ما الذي حركه ؟ شهوة الطعام حفاظاً على وجوده، وشهوة الجنس حفاظاً على النوع، هذه الشهوة حيادية.
كنت أذكر هذا المثل كثيراً، لأنه واضح جداً، الوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة، وسال في الأنابيب المحكَمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة، تقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، وإذا صبَّ هذا الوقود على المركبة، وأصابها شرارة أحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هُوهو، قوة نافعة، قوة مهلكة مدمرة.
4 – الزنا سقوط من كل الجوانب:
ترى إنسانا يتزوج، ويحب زوجته، تنجب له أولادا يملؤون البيت سروراً، أسعد لحظات الزوج إذا جلس مع أهله وأولاده البريئين الطاهرين، لهم كلام لطيف جداً، لهم حركات لطيفة، والأم امرأة جميلة متزينة أمام زوجها http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/06.jpg
هكذا ترتيب الله عز وجل، إذا صح التعبير: التصميم إلهي الذكر والأنثى صُمِّما في الأصل ليكونا زوجين، نحن في العالم الإسلامي عندنا الفتاة إما أنها أم، أو أنها أخت، أو أنها بنت ما عندنا خليلة ما عندنا عشيقة، ما عندنا امرأة تمتهن الزنا، معها بطاقة، معها شهادة صحية، لها نقابة، والعياذ بالله، هذا الشيء ليس عندنا ليس، نحن في بلاد المسلمين لا نشرع المعصية ببطاقات ونقابات وشهادة صحية.
عندنا الفتاة إما أنها أم أو أنها أخت أو أنها بنت، عندنا زوجة، وخالة وعمة، وبنت أخت، وبنت أخ، وبنت ابن، وبنت بنت، المرأة مقدَّسة، هل تصدقون أن الرجل إذا قاتل دون عرضه فهو شهيد، الذي يدافع عن زوجته، أو عن ابنته، أو عن أخته يعدُّ عند الله شهيداً.
ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب:
على كلٍّ، أيها الإخوة، أنا أقول لكم أيها الشباب: الله عز وجل لا ينسى من فضله أحدا، لك حق عليه، وأذكِّركم حينما أرى أن معظم الذين يحضرون هذا الدرس من الشباب الأطهار بهذا الحديث الشريف: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/07.jpg

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))
[ أخرجه أبو المظفر السمعاني عن سلمان بسند ضعيف، كما هو في الجامع الصغير]
والله كنت في عقد قران، أحد الخطباء ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب معاذاً فقال له:
(( يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ))
[ سنن أبي داود ]
والله الذي لا إله إلا هو لو أن شاباً شعر أن الله يحبه، وخالق السماوات والأرض يحبه، والله ما في الأرض أعلى من هذه المرتبة.
ما من شيء أحب على الله من شاب تائب، يقول: انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي.
لا يستويان مثلا:
لكن بمحاكمة منطقية معقول لشاب في ريعان الشباب، شهوته متأججة، يغض بصره عن محارم الله، ويرتاد بيوت الله، وبعيد عن كل المعاصي والآثام، هذا الشاب الذي عف عن الحرام، ومنع نفسه عن كل إثم، وخاف من الله عز وجل، معقول أن يعامل هذا الشاب في زواجه كما يعامل شاب منحرف له خبرات مع النساء قبل الزواج ؟ ذوّاق.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/08.jpg
ورد في بعض الأحاديث: لعن الله الذواقين والذواقات، يعبَّر عنها الآن بتعبير آخر، عنده خبرة .
الشاب المؤمن طاهر مطهر، عفته وسام شرف له، غض بصره وسام شرف له.
(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ))
يقول الله عز وجل للملائكة: " انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي ".
السؤال: هل تعتقد أنه يمكن أن تعامَل أيها الشاب التائب، أيها الشاب الغاض للبصر ؛ أن تعامَل عند زواجك كما يعامَل شاب متفلت ؟ يملأ عينيه من الحرام، يمشي مع رفقاء السوء، يسهر إلى ساعة متأخرة على موقع في الإنترنت، أو على فيلم إباحي، هذا الشاب الثاني أيعقل أن يعامَل كما يعامل مؤمن طاهر ؟ الدليل واحفظوا هذه الآية: ﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 )
في الآخرة شيء بديهي، الآية تشير إلى الحياة الدنيا:
﴿ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
في الدنيا. ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
( سورة السجدة)
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
( سورة القلم )
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ﴾
( سورة سبأ )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )

لا يضيع عملٌ عند الله:
لي صديق زار دمشق، هو من لبنان، يبدو أنه وقع له خطأ في القيادة سبَّب ضررا لسيارة أخرى، والسيارة صاحبها يرتزق منها، سيارة عامة، والمألوف أن الإنسان إذا أصاب مركبته ضررٌ يصيح ويعلو صوته، والرجل غني يدفع له ما يريد، فإذا بهذا الأخ ينظر إلى الذي سبَّب له الحادث، هذا في أثناء أحداث لبنان، بابتسامة راضية، ويقول له: لا شيء عليك، سامحتك، كان سيدفع بضعة آلاف من الليرات لإصلاح سيارته، شيء عجيب، بلا تعقيدات، بلا تشنج، بلا رفع صوت، فهذا الصديق الذي معي لبناني، وجدت منه دمعة تسيل على خده، هذه الدمعة حيرتني، إنسان غني، لو طلب منه خمسة آلاف فهي لا شيء أمام غناه، فلماذا دمعت عينه ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/09.jpg
سألته: ما الذي أبكاك ؟ قال لي: قبل سنتين كان إنسان راكب سيارة سورية في بيروت، كل نسائه محجبات، وأصابني بأذى في مركبتي، أردت ألا أفسد عليه نزهته، قلت له: سامحتُك، ما الذي دعاه للبكاء ؟ أن الله ما ضيع له هذا الموقف.
والله الذي لا إله إلا هو لو أنقذت نملة في أثناء الوضوء فهذا العمل عند الله لا يضيع، لو أطعمت هرة فهذا العمل لا يضيع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ))
[ متفق عليه ]
امرأة بغي رأت كلباً يكاد يموت من العطش، نزلت البئر وملأت خفها ماءً، وارتقت، وسقت الكلب، فشكر الله لها فغفر لها، هي في الصحراء لا ترجو سمعة، ولا مديحاً، لكنها أرادت إنقاذ هذا الحيوان.
والله الذي لا إله إلا هو سأسمعكم هذا النص وأنا مؤمن به: ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أم في الآخرة.
تعمل عملا طيبا، ترحم إنسانا، تكرم إنسانا، تعالج إنسانا، تطعم إنسانا، تستر إنسانا، تعين إنسانا، ويضيع هذا العمل ؟! الكفار لا يرحمون أحدًا:
ماذا يعاني المسلمون اليوم من أعداء أشداء أقوياء ؟ في غفلة من الدهر بنوا قوتهم العملاقة، وفرضوا ثقافتهم على العالم كله:
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر )
لم يقل: طغوا في بلدهم، بل: ﴿ فِي الْبِلَادِ ﴾
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
( سورة الفجر )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/10.jpg
في مكان يقصفون، وفي مكان يفسدون بأفلامهم، هؤلاء مستكبرون متغطرسون، قالوا: مَن أشد منا قوة ؟
يقول بعض زعماء هذه البلاد العملاقة: سياستنا الخارجية كالداخلية، في الأساس السياسة الداخلية أوامر للوزراء أما الخارجية فمفاوضات، الخارجية أيضاً أوامر، وتعليمات، وإملاءات، وضغوط.
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾
تغطرسوا. ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
تفوقوا في العمران : ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
تفوقٌ عمراني، وتفوق صناعي، وتفوق عسكري، وتفوق علمي، و: ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
( سورة العنكبوت )
وغطرسة.
وما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها قال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً (15) ﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
يعني ما كان فوقها إلا الله ومع ذلك: ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
( سورة الفجر )
الله عز وجل لا تضيع عنده مثقال ذرة:
﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/11.jpg
﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾
( سورة الأنبياء)
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) ﴾
( سورة الإسراء)
خيط بين فلقتي النواة، هذا هو الفتيل:
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ﴾
( سورة النساء)
والنواة أحد رأسيها مؤنف كالإبرة، هذا النقير، ولا تظلمون مقدار قطمير، غشاء رقيق يلف النواة، ولا حبة من خردل.
حينما يستقيم الشاب قبل الزواج أول مكافأة له زوجة تسره إن نظر إليها، وتطيعه إن أمرها، وتحفظه إن غاب عنها. الزوجة الصالحة حسنةُ الدنيا:
مرة كنت في دعوة في استنبول، أوصلني سائق إلى المطار، هو لا يتكلم العربية، صديقه يتكلم العربية، لأنه تبرع بإيصالي، أردت أن أشكره، قلت له: أنت متزوج ؟ قال: لا، قلت له: أدعو لك بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، قال لي: والله أتمنى أن أوصلك إلى دمشق، من شدة فرحه بهذا الدعاء، لذلك قال تعالى:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/12.jpg
﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) ﴾
( سورة البقرة )
قال علماء التفسير: المرأة الصالحة حسنة الدنيا، ستيرة عفيفة قنوعة:
(( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ))
[ أحمد ]
أعظم النساء بركة أقلُّهن مهراً.
هناك صحابي طلبت منه زوجته حاجات لا يملك ثمنها، بالتعبير المعاصر ضغطت عليه، فقال: << اعلمي أيتها المرأة، أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداها على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأَن أضحي بكِ من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك >>.
الصحابية الجليلة التي كانت تودِّع زوجها، وتقول: << اتقِ الله فينا، نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام >>.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/13.jpg
في عصور التخلف الإيماني تضغط المرأة على الرجل إلى أن يأكل المال الحرام، فإذا أكل المال الحرام سقط من عين الله، ومن عين الناس، وهذا المال الذي جمعه بالحرام يتلفه الله عز وجل.
إذاً: شهوة الجنس شهوة حيادية، ويمكن أن تصل بها إلى أعلى عليين، فلو تزوجت امرأة صالحة، وأدعو لكل الشباب بزوجة صالحة، وأنجبت منها غلاماً، هذا الغلام ربيته تربية إيمانية، أحد الإخوة خطباء المساجد استيقظ مرة متأخرا، فهيأ لابنه شطيرة، قال له: كلها في الطريق، لا يوجد وقت، وقف الطفل، وقال: قال عليه الصلاة والسلام: الأكل في الطريق دناءة، أعطى درسا لأبيه، هذا هو الطفل المربى الذي ينشأ على طاعة الله، على حفظ كتاب الله، والله أحياناً يكاد يخلع قلبك محبة له إذا تكلم طفل صغير.
مرة دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفدٌ من الحجاز، تقدَّمهم غلام صغير، غضب سيدنا عمر، وقال: " اجلس أيها الغلام، وليَقُم مَن هو أكبر منك سناً، قال له: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه ؛ قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً ذاكراً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس "، إنها فصاحة ما بعدها فصاحة. كل شهوة لها سبيل شرعيٌّ لإروائها:
أيها الأخوة، ننتقل إلى فكرة دقيقة جداً، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فلا حرمان في الإسلام:
((... إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))
[ البخاري ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/14.jpg
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل اللهُ لها قناة نظيفة تسري خلالها، فيمكن أن تتحرك فيها مئة وثمانين درجة، لكن المؤمن يوقع حركته بدافع شهوته في الحيز الذي سمح الله به، هذا يكون بالصبر، الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر، الصبر إيقاع الحركة بدافع الشهوة في الحيز الذي سمح الله به، ولعل بعضهم فسر قوله تعالى: ﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 86 )
مسموح لك أن تتزوج، وأن ترى من النساء أمك وأختك، وابنتك وعمتك، وخالتك وبنت أخيك، وبنت أختك، هذه المحارم، لذلك الآية الكريمة: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
المعنى المعاكس أو المخالف في أصول الفقه: الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، فمن الممكن أن تتزوج، ويصير لقاء، وأن تستيقظ لقيام الليل، وأن تبكي في الصلاة، لأنك ما فعلت شيئاً، فعلت شيئاً وفق منهج الله، وفق أمر الله ونهيه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
أقول لكم ولا أبالغ: الأصل أن تحب الله، وأن تحب رسوله من فروع محبة الله، وأن تحب صحابته الكرام جميعاً، وأن تحب المؤمنين، وأن تحب الصالحين، وأن تحب العلماء العاملين، والعلماء الربانيين، وأن تحب بيوت الله، وأن تحب كتاب الله، ومن فروع محبة الله أن تحب زوجتك، لأنها حليلتك، لأن الله أمرك أن تحبها، والنبي علمنا ذلك:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
والحب تصنعه أنت بيدك، يدخل الرجل إلى البيت فيسلم، ويبتسم، إذا رأى إنجازًا يثني عليه، وبعضهم يجد البيت مرتبا، والطبخ جاهزا، الزوجة مرتدية أجمل ثيابها، لا تسمع الزوجةُ منه: السلام عليكم، فلذلك قل: الله يرضى عليكِ، أنا سعيد جداً بهذا الزواج، أنت أمل حياتي، كلام لطيف، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان يقول:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
[ الحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر بسند ضعيف ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/15.jpg
أكثر المشكلات التي أطلع عليها من خلال الهاتف أن الزوج لا يتكلم كلمة في البيت، ومرة أحصيت على خطيب قال لي: المكالمة مع خطيبتي استمرت ثلاث عشر ساعة، بعدها بسنتين لا يتكلم كلمة في البيت، ثلاثة عشر ساعة بعد سنتين تجر منه الكلام جرًّا، الحب يستمر ويتنامى بالبسمة، بالكلمة الطيبة، بالشكر، بالاعتذار أحياناً، والبطولة أن تنجح مع ربك، ومع أهلك، ومع أولادك، وفي عملك، ومع صحتك، احفظ هذه الرباعية، أن تنجح مع الله، ومع أهلك، وأولادك، ومع عملك، ومع صحتك، وليس هناك نجاح جزئي، النجاح شمولي.
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، هذا من فضل الله علينا جميعاً فلا حرمان في الإسلام، ولا قيود، ولا حواجز بين الزوجين، فإذا كان الزوج معلوماته ضعيفة منع زوجته من أشياء هي مباحة لها، مباح لها أن تتزين له كما يبدو لها، لأنها حلال له، بلا في قيد ولا في شرط، إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( اتقوا الحيضة والدبر ))
[ ورد في الأثر ]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/16.jpg
والباقي لا داعي للتفاصيل المحرجة، هذان شيئان محرمان فقط، والباقي مسموح، الزواج سنة رسول الله، والزوجة الصالحة حسنة الدنيا، ومحبة الزوجة من فروع محبة الله، لأنها أم أولادك، ولأن حبك لزوجتك يرفع من قدرك عند الله.
الفكرة الدقيقة أن الشيطان له نشاطات كثيرة، من يقول لي أخطر نشاط له، وأكبر نشاط ؟ هو التفريق بين الزوجين. ﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (102) ﴾
( سورة البقرة )
لذلك عمل الشيطان أن يكرِّهك بزوجتك، بينما الإيمان يدعوك أن تحب زوجتك، أنا أرفض أشد الرفض مقولة يتداولها العامة: أن بعد فترة يألف الزوجين بعضهما، هذا كلام ليس صحيحا، إن كان كذلك فهناك خطأ استراتيجي في العلاقة بينهما، الحب الزوجي يتنامى، وفي كل سن المرأة لها جمال، وهي عروس لها جمال، وهي أم، وهي جدة، وهي أكبر امرأة في الأسرة يسمونها عميدة الأسرة، لها جمال من نوع آخر. عقدُ الزواج أقدس العقود:
فلذلك المرأة بالزواج لها مستقبل، لكن بالزنا ما دام فيها مسحة جمال حينما يزوي جمالها تلقى في الطريق، فلا مستقبل للمرأة من دون زواج http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/17.jpg
وأنا أقول: إنسان يفكر أن يتزوج زواجا مؤقتا الإمام الأوزاعي يرى أنك إذا عقدت عقداً، وفي نيتك التطليق بعد حين لقيتَ الله وأنت زان، عقد الزواج على التأبيد، هل ترضى بنت في الأرض أن تتزوج لأمد بسيط ؟ لا تقبل، هل يقبل أب ؟ لذلك عقد الزواج على التأبيد، بل إن عقد الزواج أقدس عقد على الإطلاق، قال تعالى:
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾
(سورة النساء)
أقدس عقد على الإطلاق في الأرض عقد الزواج، لأن هذا عقد ينتج عنه أولاد وأحفاد، وتنشأ عنه ذرية، وأكثر مكافأة للزوجين: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾
( سورة الطور)
فلذلك الحديث الذي تقشعر منه جلود الإنسان: أن الله عز وجل فيما يروي النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في الجامع الصغير:
(( ومن تزوج ثقة بالله، واحتسابا كان حقا على الله تعالى أن يعينه، وأن يبارك له ))
[ الجامع الصغير عن جابر بسند ضعيف ]
شاب يطلب العفاف الأمر ميسر من قِبل الله عز وجل، لا تقلق ما دمت تطلب العفاف، فالأمر ميسَّر، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى عن شباب خطبوا، وليس في يدهم شيء، والله عز جل أكرمهم، وتفضل عليهم بزوجة صالحة، سعدوا بها وسعدت بهم.
على كلٍّ شهوة المرأة يمكن أن نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن يكون لنا أولاد طاهرون.
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
حتى إن سيدنا عمر يقول فيما تروي الروايات: << أقوم إلى زوجتي، وما بي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي >>.
والولد استمرار لك.
الموضوع العلمي: معامل كُريًات الدم الحمراء:
أيها الإخوة، الموضوع العلمي:
1 – معامل كُريًات الدم الحمراء أخطرُ المعامل في الجسم:
في نِقْيِ العظام معامل من أخطر المعامل، إذا أكل الإنسان لحما مطبوخا بعظمه، فالعظمة لو هزها كثيراً ينزل ماسورة سمراء منها، هذه هي معامل كريات الدم الحمراء، هذه أخطر معامل في الجسم البشري.
2 – نقيُ العظام مكان معامل كُريًات الدم الحمراء:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/18.jpg
أين وضعها الله ؟ ضمن العظام، الدماغ ضمن الجمجمة في حصن حصين، والقلب ضمن القفص الصدري، والعين ضمن المحجر، والنخاع الشوكي ضمن العمود الفقري، ومعامل الكريات الحمراء ضمن العظام.
3 – كم تنتج معامل كُريًات الدم الحمراء في الثانية ؟
هذه المعامل تنتج في الثانية الواحدة مليونين ونصف مليون كرية، ويموت في الثانية الواحد مليونان ونصف مليون كرية حمراء.
4 – أين تذهب الكريات الحمراء الميتة ؟
هناك ملمح اقتصادي: هذه الكريات الحمراء الميتة من الممكن أن تطرح خارج الجسم بسهولة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/19.jpg
لكن ربنا عز وجل يعلمنا درساً في الاقتصاد، هذه الكريات الحمراء الميتة تذهب إلى الطحال، الطحال مقبرة الكريات الحمراء، تحلَّل إلى عواملها الأولية، فيها حديد وفيها هيموغلوبين، الحديد يفرز عن هيموغلوبين، الحديد يعاد شحنه إلى معامل كريات الدم الحمراء، ليعاد تصنيعه ثانية، و الهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليكون المادة الصفراء، ربما عز وجل كن فيكون، لكن علَّمنا أن نستفيد من كل شيء، فهذه الكريات الحمراء الميتة، وفي الطحال مقبرتها، الطحال يحللها إلى عواملها الأساسية، ويعيد شحن الحديد إلى معامل كريات الدم الحمراء داخل العظام، ويشحن هيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء، والصفراء مادة فعالة جداً في هضم الدهون والشحوم، إذا استأصلت الصفراء لا يستطيع الإنسان يأكل دهنا، لأن الدهن يتعطل هضمه باستئصال الصفراء.
5 – ماذا لو كفَّت هذه المصانع عن تصنيع الكريات الحمراء ؟
عندنا مرض خطير اسمه فقر دم لا مصنع، هذه المعامل حين تكفُّ عن تصنيع الكريات الحمراء حتى الآن لا يعرف السبب، هذا مرض خطير جداً، اسمه ابيضاض الدم، أو فقر الدم اللامصنع، معامل كريات الدم الحمراء تكف عن تصنيع الكريات، ما علاقة هذا الكلام بموضوع هذا اللقاء ؟
6 – نقص الدم المنتظمُ بالحجامة تنشيط لمعامل الكريات الحمراء :
النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالحجامة، ويجب أن يعلم لديكم أن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لا علاقة لها بثقافة العصر، ولا علاقة لها باجتهاد النبي، ولا علاقة لها بمعطيات العصر، ولا علاقة لها بأي شيء:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/20.jpg
يجب أن تعتقد أن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن تكون من بيئة العصر، يقول لك: بيئة بسيطة جداً، العلاج كان بالحجامة، العمل أكبر من هذا، ما دام النبي أمر بالحجامة فالحجامة ليست من معطيات العصر، ولا من خصائص البيئة، ولا من ثقافة النبي، ولا من اجتهاد النبي. ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم)
الحكمة لا أحد يعلم، ثم اكتشف أن معامل الكريات الدم الحمراء صيانتها الوحيدة في نقص الدم المنتظم، صيانتها الوحيدة في نقص الدم المنتظم، فحينما تأخذ الدم ينقص الدم في الجسم، وهذه المعامل تنشط، فتنشيط هذه المعامل بشكل مستمر يتم عن طريق نقص الدم المنتظم، هذا الذي قال هذا الكلام ليس مسلماً، ولا يعرف عن الإسلام شيئاً، بل لا يعرف عن الحجامة شيئاً، إلا أنه اكتشف أن نقص الدم المنتظم يصون المعمل الذي إذا توقف كان الموت المحقق، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتجم. 7 – فصدُ الدم من الوريد ليس كالحجامة:
بعضهم يقول: لو أخذنا الدم من الوريد، يمكن، لكن يبدو أن الحجامة تأخذ الدم من سطح راكد، المفصل فيه دم، لكن مع الحركة الدورة الدموية هنا نشطة، من أين أخذت هذا ؟ الذي عنده شعر ضعيف ينصح بفرشاة لها رؤوس حادة حتى تحرك فروة الرأس، و بالتحريك تنشط الدورة الدموية http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1437/ar-1437/21.jpg
فلو فركت يديك تحمر يديك، فالدورة الدموية تنشطت بالحركة، فأي مكان فيه حركة فيه دورة دموية نشطة، أما الظهر فهو سطح ما فيه حركة، فلذلك حينما يؤخذ الدم من الظهر تتنشط الأوعية الدموية وتتجدد، لأن نقص الدم المنتظم يسهم بشكل أو بآخر في صيانة هذا الجهاز الخطير الذي يعاني منه العالم ما يعاني، والمرض الخطير اسمه ابيضاض الدم، فحينما تكف هذه المعامل عن تصنيع الكريات الحمراء لا تبقى إلا البيضاء، فيصبح الدم أبيض، وهو مرض اسمه ابيضاض الدم.
سبحان الله ! اكتشفوا الآن أن الدم الذي في حبل السرر هذا الدم في أي مكان يوضع في الجسم تتشكل منه خلايا كالخلايا المجاورة، فهناك بنوك، هذه اسمها الخلايا الجذعية، دم حبل السرر يؤخذ، ويوضع في بنك، وأي إنسان أصابه ورم خبيث لا بد من استئصال هذا النسيج، لو وضع مكان الاستئصال دم من حبل السرر تتشكل منه خلايا مماثلة للخلايا المجاورة، ولا زال الإنسان يكتشف حقائق في الجسم مذهلة
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
حدثني طبيب قلب قال: حينما يسد شريان في القلب يتخلق لهذا المريض عشرة شريانات، مجموع أقطارها يساوي قطر الشريان المسدود، صيانة ذاتية، هذا من فضل الله علينا. ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )



والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السابع و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الشهوة - 13 - شهوةالجنس -2- تعرية المرأة مسلك شيطاني والتستر مسلك رحماني









الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة بين يدي شهوة الجنس:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وفي هذه الدروس تحدثنا عن مقومات التكليف، وقفنا وقفة متأنية عند الكون كأحد أكبر مقومات التكليف، ثم وقفنا عند العقل، وبعد العقل وقفنا عند الفطرة، وانتقلنا إلى الشهوة، وأمضينا حلقات عديدة في الحديث عن شهوة المال، وفي الدرس الماضي انتقلنا إلى شهوة الجنس، أما اليوم فنتابع هذا الموضوع، لكن أحببت أن أضع بين أيديكم هذه المقدمة: العقيدة أهمُّ مقاطع الإسلام الأربعة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/01.jpg
إذا صح أن الإسلام هرم، فإنّ هذا الهرم مقطع إلى أربعة مقاطع: وأعلى مقطع هو العقيدة، وهو أخطر ما في الدين، فإن صحت صح العمل، وإن صح العمل سلم الإنسان، وسعد في الدنيا والآخرة، هذا كلام دقيق، إن صحت العقيدة، بتعبير معاصر: إن صح التصور، إن صحت العقيدة، أو صح التصور صلح العمل، وإذا صلح العمل سلم الإنسان، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن فسدة العقيدة أو فسد التصور شقي الإنسان في الدنيا والآخرة.
تقريباً: العقيدة يمثلها الميزان، والخطأ الكبير الذي لا يصحح هو الخطأ في الميزان نفسه، إذا كان الميزان غير متساوٍ لو استخدمته مليون مرة ففي كل هذه المرات الوزن غير صحيح، لأن الخطأ في الميزان، أما الخطأ في الوزن فلا يتكرر، فلو وزنت حاجة، وتوهمت الكيلوين واحدا فهذا خطأ مرة واحدة، والخطأ في الميزان لا يصحح، لكن الخطأ في الوزن لا يتكرر.
أول مقطع في الإسلام الهرمي العقيدة، إن صحت صح العمل والإنسان سلم، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن لم تصح العقيدة ساء العمل، وشقي الإنسان، وهلك في الدنيا والآخرة.
مثل صارخ: أنت راكب مركبة، وفي لوحة البيانات تألق ضوء أحمر، إذا تصورت أن هذا التألق تألقًا تزيينيًّا ليسلِّيَك في الطريق، فتابعت السير احترق المحرك، وتوقفت السيارة، وتعطلت الرحلة، وألغي الهدف، وإن فهمت هذا التألق تألقا تحذيريًا أوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وسلم المحرك، وتابعت السير، وبلغت الهدف، فالفرق كبير بين أن تتصور هذا التألق تزيينيا أو تحذيريا.
مثل آخر: أنت مظلي، وحينما انطلقت بمظلتك من الطائرة لا تعرف ما شكل هذه المظلة، أعطوك إياها كحقيبة تفتح في أثناء الهبوط، يا ترى شكلها دائري، بيضوي، مستطيل، مربع، عدم معرفتك لشكل المظلة لا يقدم ولا يؤخر، يا ترى كم حبلا فيها ؟ الحبال من خيوط طبيعية أم صناعية ؟ ما ألوان هذه الحبال ؟ ما قطر هذه الحبال ؟ قد تجهل مئات المعلومات، وهذا الجهل لا يؤثر في نزولك سالماً، إلا معلومة واحدة إذا جهلتها نزلت ميتاً ؛ طريقة فتح المظلة.
العقيدة تمثل طريقة فتح المظلة، والعقيدة تمثل تألق هذا الضوء، لماذا ؟ قضية حضور درس علم ليست قضية مزاجية، وعلى وقت الفراغ، وشيء ثانوي، حينما أرى وقتاً فارغاً أذهب، وأحضر درس علم، قضية طلب العلم مطلب مصيري، لأن طلب علمك يحدد مصيرك، يجب أن تعلم علم اليقين أن ما مِن مشكلة على سطح الأرض في الخمس قارات، ومن آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، وما من خروج عن تعليمات الله عز وجل إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
شهوة الجنس:
1 – دليل شهوة الجنس في القرآن:
شهوة الجنس شهوة أودعها الله فينا، الدليل:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران )
2 – شهوة الجنس حيادية، تكون سبب رقيٍّ كما تكون سببَ انحطاط:
لكن مَن منكم يصدق أن هذه الشهوة يمكن أن تكون سبباً رقياً في الدنيا والآخرة، الشهوة نفسها، ويمكن أن تكون أحد أكبر أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، وهِي هي، صفحة البنزين تضعها في مستودع الوقود المحكم، ويسيل في الأنابيب المحكمة، وينفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، فيولد حركة نافعة تقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، والصفيحة نفسها لو صببتها على المركبة، وأصابها شرارة أحرق المركبة ومَن فيها، الصفيحة هِي هي، وعي سبب نزهة جميلة جداً، وسبب دمار أسرة بأكملها، هذه هي الشهوة.
3 – اتباع شهوة الجنس وفق منهج الله سبب السعادة :
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/02.jpg
الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً ترقى بها، أو دركات تهوي بها، يمكن أن تكون مسعدة، أو أن تكون مهلكة، هي مسعدة إذا طبقتها وفق منهج الله:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾
( سورة القصص)
المعنى المعاكس: الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل فلا شيء عليه، فلذلك أخطر ما في هذا اللقاء الطيب أن الشهوة نفسها أودعها الله فينا يمكن أن ترقى بنا إلى أعلى عليين والعكس.
والله هناك أُسر في هذه المدينة الطيبة يقول لك أحدهم: عندي ثمانية وثلاثون حفيدًا، شباب مؤمنون، فتيات صالحات، أصهار وأحفاد حفّاظ لكتاب الله، أكثرهم مثقفون ثقافة عالية، هي علاقة جنسية بين إنسان مؤمن وزوجة صالحة، أنجبا أولادا، أنجبا أولادا، وزوج البنات، وجاءه أصهار، بعضهم في الطب، بعضهم في الهندسة، بعضهم في التجارة، فيهم ولاء ومحبة ومودة، وطاعة، ترى أسرة مباركة، فقد تكون الأسرة جنة، الأسرة التي وفق منهج الله قطعة من الجنة، حتى إن الله عز وجل حينما قال: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾
( سورة البقرة الآية: 201 )
قال علماء التفسير: " المرأة الصالحة حسنة الدنيا التي تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت وتطيعك إن أمرتها ".
إياك أن تقول: لولا الشهوات لما عصينا ربنا، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، تصور بماذا تتقرب إلى الله ؟ أودع فيك شهوة، وقال لك: مسموح لك هذا الحيز، فأنت كل بطولتك أن توقع هذه الشهوة في هذا الحيز، أودع فيك حب المرأة، وقال لك: تزوج، الزوجة حليلتك مباحة لك، لذلك يمكن بالشهوة أن ترقى دائماً مرتين: مرة إذا عففت عن الحرام، وغضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة البقرة )
ومرة حينما تملأ عينيك من زوجتك التي جعلها الله هدية لك، ترقى إلى الله شاكراً، وترقى إلى الله صابراً، كالمنشار تماماً، هو صاعد يستخدم، وهو نازل يستخدم، ترقى إلى الله صابراً بغض البصر، وترقى إلى الله شاكراً بأن تستمتع بالتي أحلها الله لك. 4 – غض البصر عبادة الإخلاص:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/03.jpg
الإسلام ليس في الإسلام حرمان، أنا أخاطب الشباب، لكن هناك ملمح لطيف جداً، أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، كل بلد فيه أنظمة، أيّ بلد في العالم فيه قوانين وأنظمة، وتقريباً معظم المحرمات في أي بلد تتوافق مع الدين تقريباً، السرقة في الدين حرام، وفي القانون حرام، فإذا لم يسرق الرجل فالله أعلم به، يا ترى عنده مدير عام مخيف دقيق جداً مسيطر، معه معلومات دقيقة، وسائل ضبط عالية جداً، أو أنه يخاف من الله، قد لا نعرف الذي لا يسرق، هو لا يسرق خوفاً من الله، أو خوفاً من المساءلة، لكن لحكمة بالغة جعل الله بعض الأوامر في الدين لا علاقة لها بأي قانون أرضي، فما من قانون في الأرض يمنعك من أن تنظر إلى المرأة إلا الدين الإلهي:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور: 30)
معنى ذلك أنك حينما تغض بصرك يتأكد لك أنك تحب الله، لأن جهة في الأرض لا تستطيع أن تحاسبك على هذا، إذاً: أسمِّي هذه الطاعة، أو هذه العبادة عبادة الإخلاص، لذلك هناك شيء اسمه جمال التعري، يعشقه أهل الدنيا، وشيء اسمه جمال الاحتشام، والله الذي لا إله إلا إن المرأة حينما تكون محجبة ومحتشمة، والله الذي لا إله إلا هو كأنها ملِكة في جمال خاص، امرأة ثيابها فضفاضة ثخينة، لا تشف هذه ملكة، لأنها حققت جمال الاحتشام، وأدت عبادة اسمها عبادة إعفاف الشباب، بربك هل يمكن لشاب ساقط أن يتحرش، أو أن يُسمِع امرأة محجبة كلاماً بذيئاً ؟ مستحيل، ما بدا منها شيء حتى تثير اهتمامه، فالحجاب من صفات المرأة المسلمة، وأنا أقول دائماً: إما أن تكون المرأة محجوبة عن الله، أو أن تكون محجّبة. 5 – مبدأ اللذة هدفًا ألمٌ وشقاءٌ:
حقيقة دقيقة: أن مبدأ اللذة حينما يصبح هدفاً ينقلب مبدأ ألم وشقاء، فما مِن إنسان ركّز على الاستمتاع بالحياة إلا كان هذا التركيز سبب شقائه، والإنسان الذي لا هدف له، الذي ما عرف ربه يعيش لشهوته، إلهه هواه، فشيء طبعي جداً أنه كلما انتقل من امرأة طمع في الثانية، هذا شيء طبيعي عنده، أن يشقى لأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل علاقة زواج، فأنت عندك امرأة، ولها شكل معين، فلو طمعت بأشكال عديدة فهذا غير متاح لك، أما إذا كان لك هدف كبير في الحياة ؛ هدف أن تعرف الله، هدف أن تعبده، هدف أن تحقق شيئاً في الحياة سمت أهدافك، وهذه الزوجة التي قسمها الله لك ترضى بها، وتراها أكبر هدية من الله.
6 – المرأة فتنة عظيمة:
أيها الإخوة، أكاد أقول لكم: إن أكبر مشكلة أن الإنسان إذا لم يكن له هدف كبير، وعاش حياة متكررة مملة يبحث عن المتعة بطريق مشروع أو بطريق غير مشروع، أنت عرفت الله عز وجل، أنت تعبده تغض بصرك، أؤكد لك أنك أسعد الناس في بيتك، أما إذا غفلت عن الآخرة، ولم تعبأ بأهداف الدين العظيمة، وعشتَ للمتعة لا ترضيك أية امرأة، وأنت متزوج تبحث عن أخرى، وتبحث عن خليلة، وهذا شيء مألوف وواضح، وشيء مكرر، وكأنه من طبيعة النفس، أنها إذا غفلت عن الله عز وجل تاقت إلى المتعة من أي طريق، والله عز وجل من ملامح منهجه في المرأة أنه أمر المرأة بالاحتشام، وأمر الرجل بغض البصر، فغض البصر مدرسة في هذا الدين، أنا أخاطب الشباب، يمكن أن أخاطب إنسانا في سن الخمسين تاجر كبير، أحذره من الكسب الحرام، أما إذا التقيت بشاب فما عندي شيء أخاف عليه أكثر من أن يفتن بفتاة لا تحل له، لذلك:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
(( فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))
[ مسلم ]
والشيطان ما له هدف إلا تعرية المرأة، والتعرية مسلك شيطاني، والتستر مسلك رحماني. 7 – عفة المرأة أثرها عظيم على المجتمع:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/04.jpg
لكن لا بد من ذكر حقيقة توضيحها يتم بمثل: أنت معك هاتف، حولك خمسون صديقًا ليس لواحد منهم هاتف، هل لهاتفك قيمة ؟ أما إذا كان الخمسون صديقًا كلهم معهم هاتف فهاتفك له قيمة كبيرة، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾
( سورة النور)
لا نقطف ثمار حجاب المرأة وغض البصر إلا من مجتمع ملتزم كله.

8 – شهوة الطعام داخلية، لكن الجنس شهوة خارجية:
أنتم في العمرة باعتبار أن الحجاب هناك كامل في مكة والمدينة، والإنسان قد يمكث هناك أيامًا وأسابيع، ولا يأتيه خاطر نسائي واحد، المرأة شيء غير ظاهر، كلهن محجبات، لكن الطعام غير الجنس، الطعام يبدأ من الداخل، أجلِسْ إنسانا في غرفة وحده، ليس هناك أي علاقة بالطعام، ولا صورة، ولا رائحة، ولا مطبخ، ولا منظر فواكه يجيع، الجوع يبدأ من الداخل، الجنس يبدأ من الخارج، فإذا كان البيت نظيفا والطريق نظيفا، والنساء محجبات، وفي مكان ليس فيه اختلاط تحس بإحساس عجيب، تحس بالنقاء والطهر، الناس ينصرفون إلى أعمالهم، والطلاب إلى جامعاتهم، والصنعة إلى صنعاتهم، والإنسان ينصرف إلى عمله ليحقق هدفا كبيرا، أما الاستفزاز في الطريق، في المجلة، في الجريدة، في الإنترنت، في الفضائيات، استفزاز مثير، فتاة لا تخفي من مفاتنها شيئاً، وبين الشاب والزواج عشرون عاما قادمة، تحدث هذه الفتاة مشكلة، فأنا أهنئ كل فتاة محجبة، أقول لها: أنت عبدت الله فيما أقامك، أقامك أنثى، والأنثى محببة إلى الذكر، فهذه المفاتن سترتها، وتقربت إلى الله بسترها، وانتظرت من الله زوجاً مؤمناً صالحاً يحميها، ويكرمها، ويرقى بها إلى الله عز وجل.
9 – عظمة الشاب العفيف ومنزلته عند الله:
وأقول لشاب ضبط نفسه، ضبط شهوته، وقف عند حدود الشرع، أقول له: هنيئاً لك، وأسمعه هذا الحديث الشريف:
(( ما من شيء أحبُّ إلى الله من شاب تائب ))
[ الجامع الصغير عن سلمان، وسنده ضعيف ]
وإن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
سهل جداً لرجل في سن الخامسة والثمانين أن يستقيم، البطولة أن تستقيم وأنت شاب، كتلة نشاط، كتلة شهوات، ضابط لسانك، ضابط عينك، ضابط أذنك، وكل شيء بحسابه، أنا أخاطب الشباب، أقول لكم: هذه الآية والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن للشباب إلا هي لكفتهم: ﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم ﴾
( سورة الجاثية)
دققوا دنياهم: ﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 )
مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يعامل شاب مستقيم تائب عفيف غاض لبصره، ضابط لسمعه، ضابط للسانه، ضابط لحركته، بار لوالديه، أن يعامل هذا الشاب كما يعامل شاب متفلت منحرف، غارق في ملذاته التي لا ترضي الله عز وجل.
سأقول كلمة أخرى: والله الذي لا إله إلا هو أن يعامل شاب مستقيم ورع، طاهر، عفيف، كما يعامل شاب متفلت، والله هذا يتناقض مع وجود الله.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 ).
هذا وعد إلهي، وزوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق وعوده لهذا الشاب. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
10 – تنتهي حرية الإنسان حينما تبدأ حرية الآخرين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/05.jpg
أيها الإخوة، أن يقال: إن هذه الفتاة حرة، غير حرة، تنتهي حرية الإنسان حينما تبدأ حرية الآخرين.
حدثني إنسان أن امرأة محجبة راكبة مع ابنتها بسيارة عامة، سائق السيارة وضع شريط لأغنية ساقطة، الإنسان العفيف يخجل أن يسمعها وحده، وقفت، وقالت للسائق: هذا الشريط اسمعه في بيتك، هذه مركبة عامة، ليست ملكك، هي ملك جميع الركاب، فأنت بهذا الشريط تعتدي على حريتهم.
الإنسان حر، لكن حر في بيته، أما في مركبة عامة أن تسمِع الناس أشياء ساقطة، لأنك تطرب لها فهذا اعتداء على حريات الآخرين.
مفهوم الحرية في زماننا مفهوم تفلُّتي، الحرية أساسها انضباط، عكس المفهوم السائد، مَن الحُر ؟ الدابة المفتلتة، أنت منضبط، والعوام يقولون: متعصب، لا، هو متمسك، فرق كبير بين متعصب ومتمسك، المؤمن متمسك، المؤمن مطبق لمنهج الله عز وجل.
لكن أيها الإخوة، لما يكون للإنسان مجلس علم، فبهذا المجلس يشحن، تماماً كالهاتف الخلوي، لو لم تشحن تنطفئ الشاشة، ويسكت، أما بالشحن فأنت في خطبة الجمعة تشحن، وفي الصلوات الخمس تشحن، وفي درس العلم تشحن، وفي تلاوة القرآن تشحن، ما دام هناك شحن بدرس علم، أو بعبادات فأنت قادر أن تستقيم على أمر الله، فلذلك القضية تحتاج إلى انضباط.
11 – تحرُّشُ المرأة بالرجل !!!
أنا أذكر قصة غريبة جداً حدثني عنها إنسان، في محطة فضائية، وفي بلد عربي: شاب اغتصب عشر فتيات، وذبحهن، باحثة اجتماعية أرادت أن تجري معه حوارا في فضائية، والفضائية إسلامية، فاستأذنت وزير الداخلية في هذا البلد، فوافق على أن تحاوره، وليأتي به من السجن، وأن تحاوره على مسمع من الملايين، أنا أحفظ بالضبط ما الذي جرى، سألته: ما اسمك ؟ فقال لها اسمه، هل أنت متعلم ؟ قال: لا، أنا لا أقرأ، ولا أكتب، قالت له: هل تصلي ؟ قال لها: مستحيل أن أصلي، هل تحفظ الفاتحة ؟ قال: لا أحفظها، أنا آتي بالتفاصيل لأبين لكم كم هو جاهل، فلما دخلت في الموضوع: لماذا تفعل هذا ؟ قال: هن السبب، ببساطة، كيف ؟ قال: من ثيابهن، قالت له: لو رأيت فتاة محجبة ؟ قال: والله الذي يتكلم معها كلمة أقتله.
هذا الشاب المجرم الجاهل الذي اغتصب عشر فتيات، وقتلهن وضع يده على المشكلة، هن السبب، أنا على أثر هذه المقابلة خطر في بالي مصطلح جديد، تحرش المرأة بالرجل، المألوف أن الرجل يتحرش بالمرأة إما باللمس أو بالكلام، أما الثياب الفاضحة فهي تحرش المرأة بالرجل، فلذلك أيها الإخوة، الآن هناك ظاهرة مؤلمة جداً، تضع المرأة على رأسها غطاء، وثيابها ضيقة، كيف هي متوازنة ؟ والعورة الغليظة بادية.
12 – الحجاب الشرعي الكامل ضمان وسلمة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/06.jpg
بالمناسبة، الحجاب خصائصه ألا يصف لون البشرة، الثياب الشفافة ممنوعة، ومحرمة أشد التحريم، وألا تصف الثياب خطوط الجسم، والضيقة كذلك، وأن تكون سابغة، من الأعلى ومن الأسفل، إذاً: ألا تكون شفافة أو رقيقة، وألا تكون ضيقة، وأن تكون سابغة، علواً وسفلاً، وألا تكون ذات ألوان صارخة:
﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ(69) ﴾
( سورة البقرة)
هناك ألوان براقة تلفت النظر، هذا الحجاب غير كامل. 13 – الفضائح إما مالية أو جنسية:
أيها الإخوة الكرام، لا يغيب عن ذهنكم أن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بالمال والنساء، لأنهما أكبر شهوتين يطغى بهما الإنسان، فلذلك المؤمن حينما يحصن نفسه من المال الحرام والمرأة الحرام ينجو.
لي صديق أزوره في العيد، مرة والده يبلغ من العمر ستة وتسعين عامًا، توفي ـ رحمه الله ـ الآن كلما أزوره أسمع منه قصة جديدة، اشتهيت أن أسمع منه قصة مرتين، ذاكرته قوية، قال لي مرة: أنا البارحة أجريت تحليلات كاملة كلها طبيعية، وعقب تعقيباً تأثرت له، قال: والله في كل حياتي ما عرفت الحرام، يقصد به حرام المال وحرام النساء، ما أكل قرشاً حراماً، ولا نظر نظرة مريبة، ومن عاش تقياً عاش قوياً.
لذلك أيها الأخوة، تاريخ البشرية فيه فضيحتين، جميع أنواع الفضائح لا تزيد على فضيحتين: فضيحة جنسية وفضيحة مالية، فالمؤمن محصن من خطأ في علاقته بالمرأة، فالخلوة محرمة.
14 – لابد من هامش أمان كبير بين الرجل والمرأة الأحنبية:
أقول لكم كلاما دقيقا جداً: هذه الشهوة شهوة النساء مشكلتها لها قوة تأثير كبيرة ما دمتَ في المنطقة المحرمة، كنهر عميق جداً له شاطئ مائل زلق، وشاطئ مستوٍ جاف، المشي على الشاطئ المائل الزلق احتمال الوقوع في النهر بالمئة تسعون، الأمر الصارم لا يتعلق بالنزول في النهر وهو عميق جداً، بل يتعلق أن تمشي على الشاطئ المائل الزلق، هذا الشاطئ المائل الزلق يقودك إلى الغرق، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
فالخلوة اقتراب من الزنا، صحبة الأراذل اقتراب من الزنا، إطلاق البصر اقتراب من الزنا، أن تستمع إلى مغامرة غير أخلاقية من شاب اقتراب من الزنا، فيجب أن تغادر المكان، أن تطالع المجلات اقتراب من الزنا، أن تتابع بعض المواقع التي لا ترضي الله اقتراب من الزنا، أن تقرأ قصة ماجنة اقتراب من الزنا، أن تتنزه في الطرقات اقتراب من الزنا.
والله مرة قال لي أخ اتصل بي من لوس أنجلس قال: أنا اسمي فلان، قال لي: أنا سمعت لك شريطاً خمسين مرة، وكانت توبتي بهذا الشريط، قال: لي عمل قذر جداً، قلت: ما هو ؟ قال إخراج الأفلام الإباحية، سمع لي شريطَ تفسير، وذكرت في هذا الشريط أن إنسانا هوايته أن يتنزه في الطرقات، وأن يملأ عينيه من الحسناوات عمره خمسة وستون عامًا، أصيب بمرض ارتخاء الجفون، لا يرى إلا بطريقة فتح الحفن بيده، قال: والله سمعت هذا الشريط خمسين مرة، وتبت إلى الله، أنا التقيت به في واشنطن.
لما تستقيم تحس بعزة، تحس بقوة، تحس بمكانة عند الله.
ملخّص الدرس:
فيا أيها الإخوة الكرام، ملخص هذا الدرس أن نغض البصر، ملخص هذا الدرس أن نبتعد عن أسباب المعصية، وهناك قول للسيد المسيح رائع جداً: " الشريف مَن يهرب من أسباب المعصية ".
هذه الشهوة عندما تبدأ بأول خطوة في الأعم الأغلب تصل على آخر مرحلة، كالصخرة المتمركزة في قمة الجبل، أنت أردت أن تدفعها في المنحدر خمسة أمتار، هيهات أن تبقى خمسة أمتار، لن تستقر إلا في قعر الوادي ما دام أمط دفعتها، كل هذه المعاني مأخوذة من قوله تعالى:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
إطلاق البصر، متابعة قصة، شراء كتاب، متابعة موقع لا يرضي الله، صحبة الأراذل، التنزه في الطرقات، هذا كله من أسباب الفاحشة، لذلك الآية: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء الآية: 32 )
أي ابتعدوا عن أسبابه. الموضوع العلمي:
1 – البويضة:
1 – حجم البويضة:
أيها الإخوة الكرام، في خلق الإنسان آيات عظيمة جداً تدل على عظمة الله، فقالوا: البويضة حجمها بحجم ذرة الملح، ضع شيئًا مِن لعابك على طرف أصبعك، وضعها على كمية ملح دون أن تضغط إطلاقاً، ثم ائت بمكبر، وانظر إلى البويضة التي في المرأة لا تزيد في الحجم على حبة الملح، والحوين الذي يلقحها أصغر منها بكثير.
هذه البويضة الملقحة تنتقل من المبيض إلى الرحم عن طريق قناة فالوب، هنا سؤال دقيق: كيف تتحرك ؟ ألها أرجل ؟ لا، مَن يدفعها ؟ هل هناك كائن في هذه القناة يدفعها ؟ لا، هل هناك جاذبية ؟ الطريق مستوٍ فكيف تنتقل ؟
2 – كيف تُلَقَّح البويضةُ ؟
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/07.jpg
لو سألتني قبل قليل: كيف لقحت ؟ الحوين في رأسه مادة نبيلة تذيب جدار البويضة، فإذا اصطدم أقوى حوين في البويضة مزق الغشاء، والمادة تحت الغشاء تذيب جدار البويضة فيدخل، ثم يغلق الباب، تحتاج البويضة واحداً حوينًا في اللقاء الزوجي، قد يتم فرز ثلاثمئة مليون حوين، وتحتاج البويضة إلى حوين واحد، البويضة الملقحة من قناة فالوب إلى الرحم تنقسم إلى عشرة آلاف جزء، دون أن يزيد حجمها، فلو زاد حجمها وكبرت توقفت، وهو أنبوب دقيق جداً.


3 – كيف تسير البويضةُ في قناة فالوب ؟
أقول لكم: بدهيات الطب ليس أشياء معقدة، فالطلاب في الثانوي يقرؤون هذا الكلام، أما السؤال: كيف تمشي البويضة في قناة فالوب ؟ لو ما مشت ما كان هذا الدرس، ما كان في دمشق كلها، وما كان في سوريا، وما كان في آسيا إنسان واحد، فكيف تمشي ؟
في هذه القناة أشعار تتحرك فتدفعها، ومرة عرضت هذا في فيلم في هذا المسجد، أشعار تتحرك هكذا، فتدفعها إلى الرحم وتنقسم.
4 – ظاهرة التمايز في خلايا البويضة
أما الشيء الدقيق جداً أن هذه البويضة تنقسم إلى عشرة آلاف جزيء، وهناك حالة في أثناء تشكل الجنين في رحم أمه اسمها التمايز، ملايين الخلايا تصبح قلباً، ملايين أخرى تصبح رئتين، ملايين ثالثة تصبح دماغاً، ملايين رابعة تصبح أوعية، ملايين خامسة تصبح عظاماً، هذا التمايز يد مَن ؟
الإنسان الذي يكفر بوجود الله نقول له: انسجاماً مع ما تقول يجب أن تنمو هذه البويضة من الانقسامات بنسيج واحد، فعظمة كبيرة، أو عضلات، أو جلد، أو أوعية، أو دماغ، أو خلايا عصبية، أما أن الملايين دماغ، والملايين رئتان، والملايين جهاز هضمي، والملايين عظام، والملايين عضلات، هذا التمايز هو أكبر دليل قطعي على وجود الله عز وجل.
والله أيها الإخوة، لو أتيح لكم أن تتطلعوا على علم الأجنة أقسم لكم بالله لابد لكل واحد منكم أن يبكي خشوعاً لله عز وجل.
2 – العين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1438/08.jpg
في شبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، حجم الشبكية ميليمتر وربع، وفي الميليمتر مربع مئة مليون عصية ومخروط، الآن أكبر آلة تصوير حديثة احترافية بالميليمتر مربع فيها عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما في شبكية العين فهناك مئة مليون مستقبل ضوئي، ميليمتر وثلاثة بالعشرة فيها مئة وثلاثون مليونًا من أجل أن تميز العين البشرية بين ثمانية ملايين لون، وإذا ذهبت إلى بلاد بعيدة في الشمال الحرارة تسعة ستون تحت الصفر، كل شيء يتجمد، وفي العين ماء بحسب قواعد الفيزياء يجب أن يفقد كل الأشخاص هناك عيونهم، لكن الله أودع في العين مادة مضادة للتجمد، الآن كل الجسم من دون استثناء يتغذى عن طريق الأوعية إلا قرنية العين فتتغذى عن طريق الحلول، والخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، والغذاء يتسرب عبر الغشاء الخلوي:
﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
العين وحدها آية، الأذن وحدها آية، الشعر وحده آية، القلب وحده آية، من فتح ثقب بين الأذينين، وعند الولادة تأتي جلطة، وتغلق هذا الثقب ؟ الله عز وجل. خاتمة:
يا أيها الإخوة، حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )
والله أتمنى عليكم أن تفكروا في هذا الجسم، في هذا الشعر، فلو أن الشعر فيه أعصاب حس للزم منه عملية حلاقة في المستشفى بتخدير كامل، العين، الأنف، الأسنان، ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الأرض، أقسى عنصر الماس، وبعده ميناء الأسنان، هذا خلق مَن ؟ حكمة مَن ؟ قدرة مَن ؟
أيها الإخوة الكرام، كلما تفكرتم في خلق السماوات والأرض ازددتم تعظيماً لله عز وجل، وهذا التعظيم يؤدي إلى الخشية، وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران )


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثامن و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الاختيار -1- الإنسان مسير ومخير -1- الإنسان مخير في حمل الأمانة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى سلسلة من الموضوعات الفرعية المتعلقة بالشهوة، والشهوة أحد مقومات التكليف، وقبلها تحدثنا عن الفطرة، وقبلها تحدثنا عن العقل، وقبلها تحدثنا عن الكون، فالكون والعقل والفطرة والشهوة من مقومات التكليف.
1 – الإنسان مخلوق مكرَّم مكلَّف:
الإنسان هو المخلوق الأول، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 73 )
والإنسان هو المخلوق المكرم: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
( سورة الإسراء )
والإنسان هو المخلوق المكلف، مكلف بعبادة الله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
( سورة الذاريات )
2 – الإنسان مُنِح مقومات التكليف وحمل الأمانة:
وما كلفنا ربنا أن نعبده إلا وقد أعطانا مؤهلات هذه العبادة، ومقومات هذا التكليف، في رأس هذه المقومات هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، أعطانا عقلاً كأداة كافية لمعرفة الله من خلال الكون، أعطانا فطرة كأداة كافية لمعرفة خطأنا، أعطانا شهوة كقوة دافعة نرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد أمضينا دروساً عديدة حول موضوع الشهوة.
الاختيارُ من مقوِّمات للتكليف:
1 – الإنسان مخيَّر في الجانب التكليفي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/01.jpg
وننتقل الآن إلى مقوِّم جديد من مقومات التكليف ؛ ألا وهو الاختيار، أنت مخير، وما من عقيدة شلت الأمة، وأخرتها كعقيدة الجبر، أي أن تتوهم أن الله أجبرك على أفعالك، فلو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مُكرًهاً.

2 – عقيدة الجبر شللٌ للأمة:
مثلٌ للتقريب: مديرُ مدرسة في أول يوم للعام الدراسي جمع الطلاب في الباحة، وتلا على الطلاب أسماء الناجحين في آخر العام مقدماً، وأسماء الراسبين، هل يستطيع الطالب أن يدرس ؟ هذا مصيره، فلا الذي نجح سيدرس، ولا الذي رسب سيدرس. آياتٌ قرآنية تثبت الاختيار للإنسان:
عقيدة الجبر عقيدة شلت الأمة، فيها أوهام معشَّشة في أذهان الناس ؛ أن كل شيء منتهٍ، الله كتب على إنسان الشقاء أو السعادة، لا:
الآية الأولى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)﴾
( سورة طه)
الآية الثانية:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
فهو إما شاكراً وإما كفوراً، لأنه مخير.
الآية الثالثة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
هو مولِّيها.
هل يستطيع الراكب في المركبة أن يخاطب الراكب في المقعد الخلفي، ويقول له: خذ اليمين، أيّ يمين ؟ حدث السائق.
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
على من يعود الضمير هو ؟ إنّك إنْ أعدته على الله فإنه ينشأ في الآية تناقض: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
ليس الأمر بيدي،
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ﴾
الإنسان مُوَلِّيهَا، باختياره هذا.
عزو الأخطاء إلى الآخرين فكرٌ قديم:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/02.jpg
هناك موقف حاسم لسيدنا عمر، جاءوا إليه بشارب خمر، قال: << أقيموا عليه الحد >>، الباطل قديم، والإنسان يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره، اسأل طالبًا رسب: لماذا رسبت ؟ يقول: هذا الأستاذ ليس معقولا إطلاقاً، هو ليس له ذنب، فقط الأستاذ، السؤال غير معقول، المنهاج غير معقول، لمَ لا تقول: أنا كسول، أنا ما درست، دائماً الإنسان يريد أن يعزو أخطاءه إلى غيره، كالنعامة تماماً تخفي رأسها في الرمال، وتنسى أنها مِن خطأها صادها الصياد، وهذا مرض مستشرٍ، فلو وجدنا حفرة في الطريق ماذا نقول ؟ الاستعمار، عندنا مشجب نعلق عليه كل أخطائنا، الاستعمار، الصهيونية، الإمبريالية، لا، نحن مخطئون، أخطائنا أودت بنا إلى ما نحن عليه، وما فينا جرأة، يجب أن تكون جريئًا أن تقول: أنا أخطأت، اسأل طالبا ما نجح يقل لك: الله ما كتب لي النجاح، لماذا أنت ما درست ؟ لمَ لا تقول: أنا ما درست، ما آن الأوان، هذا أمر الله ترتيب سيدك، كل إنسان يقع في خطأ بتقصير، ولا يؤدي الواجب، لا يتقن عمله، لا يحتاط، لا يأخذ بالأسباب، ويأتي جزاء التقصير، جزاء الإهمال، جزاء عدم الأخذ بالأسباب، جزاء الجهل، يقول: هذا من إرادة الله.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28) ﴾
( سورة الأعراف)
أيها الإخوة، أنا لا أبالغ، هذا الموضوع أعدُّه أخطر موضوع في العقيدة، ولمجرد أن تتوهم أن كل شيء منتهٍ، الشقي شقي، والسعيد سعيد، ولا أمل، ولمَ العمل ؟ ولِمَ الأمر أساساً ؟ ولمَ النهي ؟
وجودُ الأمرِ والنهيِ في القرآن دليلُ الاختيارِ:
بربكم بشكل صريح، لو قسنا عرض كتف إنسان قد يكون ثلاثة وستين سنتيمترا وثمانية ميليمترات، وبنينا جدارين، الفراغ بينهما ثلاثة وستون سنتيمترا وثمانية ميليمترات، فإذا سار هذا الإنسان بين الجدارين فإن الجدار الأيمن يلامس كتفه الأيمن، والجدار الأيسر يلامس كتفه الأيسر، ثم قلنا له: رجاءً خذ اليمين، هل هناك يمين ؟ والطريق ذو الممر الإجباري، ولا مسافة للاختيار هل الأمر له معنى ؟
اسمعوا الدليل: لمجرد وجود الأمر في القرآن الكريم، ولمجرد وجود النهي في القرآن الكريم فأنت مخير، ولو لم تكن مخيراً لما كان معنى إطلاقاً للأمر والنهي.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
الآية الرابعة:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
أما الآية الأصل في هذا الباب أن الإنسان مخير:
الآية الخامسة:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام)
هذه الآية أليست كافية ؟ أليس هذا كلام الله ؟ أليس هذا توجيه الله عز وجل ؟ مجالات كون الإنسان مسَيَّرًا فيها غير مخيَّر:
أنت مخير، لكن البحث يحتاج إلى تفصيل، أنت مخير في ماذا ؟
1 – الإنسان مسيَّر في كونه ذكرًا أو أنثى:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/03.jpg
الحقيقة الدقيقة أنك مسيَّر ومخيَّر، بماذا أنت مسيَّر ؟ مَن منكم عرضوا عليه أن يكون ذكر أو أنثى، فاختار أن يكون ذكراً أو أنثى، لا أحد، أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، أليس كذلك ؟ أنت في هذا مسيَر، ولكن لو كشف الله لك الغطاء لوجدت أنه ليس في إمكانك إلا أن تكون كما سيّرك الله إليه، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أي ليس في إمكاني أفضل مما أعطاني، ولو كشف الله لك الغطاء لكانت الحكمة المطلقة أن تكون ذكراً، ولو كشف الغطاء للأنثى لكانت الحكمة المطلقة أن تكون أنثى، فأنت في كونك ذكرا أو أنثى مسيَّر.
2 – الإنسان مسيَّر في الانتساب إلى أبيه وأمه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/04.jpg
مَن منكم اختار أمه وأباه ؟ وأنت مسير في أمك وأبيه.
3 – الإنسان مسيَّر في مكان ولادته:
من كان مخيَّراً في مكان ولادته ؟ إنسان ولد في دمشق، وإنسان في شيكاغو، وأنت مسيَّر في مكان ولادتك.
4 – الإنسان مسيَّر في زمان ولادته:
ونحن جميعاً وُجدنا في القرن العشرين وجدنا، وبعد مئة عام لا أحد من الحاضرين على سطح الأرض، وقبل مئة عام ما لا أحد في كل هذا اللقاء الطيب كان على سطح الأرض، أنت مسير في زمن ولادتك، مسير في كونك ذكر أو أنثى، في أمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك.
5 – الإنسان مسيَّر في خَلْقِه وصورتِه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/05.jpg
أنت ذو قامة مديدة، هذا شيء رائع، هل كنت مخيراً فيها ؟ أنت ذو قامة ليست مديدة، هل أنت مخير ؟ أنت لونك أبيض، و إنسان آخر لونه أسود، هل هو مخير ؟ شكلك، لونك، خصائصك، عندك سرعة بديهة، عندك ذاكرة قوية، عندك قوة فهم، عندك محاكمة دقيقة، فخصائصك، وقدراتك أنت فيها مسيَّر.


ما أنت عليه هو أفضلُ وضع لك:
أما أخطر ما ينبغي أن نعلمه في موضوع التسيير أن الذي ساقه الله إليك، أو الذي أقامك الله فيه هو أفضل شيء يمكن أن يكون مسعداً لك، وحافظاً لك، لذلك البشر جميعاً يوم القيامة، وقد كشف لهم الغطاء يلخصون علاقتهم بالله بآية تقول:
﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
( سورة يونس الآية: 10 )
وهذا معنى بعض الأقوال: لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع، أنت مسير بكونك ذكراً أو أنثى، بأمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك، في خصائصك. الإنسان مخيَّر في مسائل الأمر والنهي التعبدية:
أما فيما أنت مكلف به فأنت مخير، الله عز وجل أمرك بالصلاة، فأنت مخير أن تصلي أو لا تصلي، أمرك بالاستقامة، أنت مخير بأن تستقيم أو لا تستقيم، أمرك بالصدق، تصدق أو لا تصدق، أمرك بالعدل، تنصف أو لا تنصف، أمرك أن ترحم مَن حولك، فأنت ترحم أو تقسو، أمرك ببر والديك، تبرهما أو تعقهما، أنت مخير فيما كلفت، أمرك أن تطلب العلم، أتيتم إلى هذا المسجد، وكل واحد منكم بإمكانه ألا يأتي، وأن يجلس في بيته، بل بإمكانه أن يتوجه إلى ملهى، أليس كذلك ؟ هذا شيء واقعي، وأنت مخير فيه، مخير فيما كلفت،
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (148) ﴾
( سورة البقرة )
أنت مخير، ولولا أنك مخير لما كان معنى للثواب والعقاب، والجنة والنار، والتكليف والأمانة، وما كان عملك مثمنًا إطلاقاً.
لو معك جهاز هاتف متطور جداً، و شهر عليك أحدُهم ـ لا سمح الله ـ مسدسًا، وقال لك: أعطني هذا الجهاز، أو أقتلك، فإنك تعطيه إياه، هل تشعر أن هذا عمل طيب قمت به ؟ هل تشعر بنشوة الإيمان أنك قدمت له هاتفا ؟ قلبك محروق، لأنك أُجبِرتَ على ذلك. المطلوب الهدى الاختياري لا الهدى القسري:
أريد أن أقول لكم كلمة: لو أن الله أراد أن نؤمن جميعاً:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا (99) ﴾
( سورة يونس )
لو شاء ربك لهدى الناس جميعاً، العملية سهلة جداً، الهدى القسري سهل جداً، لكن لا يكون هذا الهدى مسعداً إطلاقاً.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/06.jpg
إن رئيس جامعة فكّر، وقال: سوف اجعل نسب النجاح مئة بالمئة، ما شاء الله، كيف ذلك ؟ قال: سأوزع على الطلاب أوراق الإجابة التامة، وعلى اليسار طبعت علامة مئة بالمئة، نجمع الطلاب في قاعة ونعطيهم الأوراق، نقول للطالب: اكتب اسمك فقط، واخرج، والنتيجة أن جميع الطلاب ناجحون، وكلهم أوائل بامتياز، لكن ما قيمة هذا النجاح عند الناس ؟ لا قيمة له، ولا قيمة لهذا النجاح عند الطلاب، ولا قيمة لهذا النجاح عند رئاسة الجامعة، فالهدى القسري لا قيمة له أبداً.
تصور وقد يكون هذا المثلُ طريفًا: لو أن كل إنسان نظر إلى فتاة يفقد بصره، ماذا يفعل الملحدون، يغضون البصر، الملحد يخاف على عينه، أساساً الأقوياء يطاعون هكذا، أقوياء الأرض وطغاة الأرض يطاعون مئة بالمئة، هل هذه الطاعة طوعية ؟ إنه مقهور مجبور، ولو أن الله أراد أن يجبرنا على الطاعة فالقضية سهلة جداً، لكن هذا الإجبار على الطاعة لا قيمة له إطلاقاً، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يسعد ولا يرقى بالإنسان، الذي يرقى بالإنسان أن يأتي الله مختارا، أن يأتيه طائعاً، أن يأتيه بمبادرة منه، أن يأتيه عن محبة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) ﴾
( سورة المائدة )
ولك أن تفهم جميع الآيات التي في مضمون: ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً في هذا المعنى، هذا الهدى القسري لا قيمة له إطلاقاً، ولا يرقى بك، ولا يسمو بك، ولا يسعدك، أما الذي يسعدك أن تمر أمامك فتاة، وبإمكانك أن تملأ عينيك من محاسنها، لكنك خوفاً من الله، ومحبة له، وطاعة له تغض البصر عنها، وتقول: إني أخاف الله رب العالمين، وبإمكانك ألا تصلي، لكن الوقت شتاء، والبرد شديد، والفراش وثير ودافئ، وسمعت أذان الفجر، جسمك يدعوك أن تبقى نائماً، لكنك تنزع عنك الغطاء، وتقوم إلى الوضوء وتصلي، أنت مختار، أرادك أن تأتيه مختاراً، أرادك أن تأتيه طائعاً، أراد أن تأتيه بمبادرة منك، أراد أن تكون علاقتك به علاقة حب، علاقة ود. بين عبدِ القهر وعبد الشكر:
من هنا كان البشر عبادا أو عبيدا، العباد جمع عبد الشكر، والعبيد جمع عبد القهر، كل واحد عبد لله، حتى الملحد، حتى الكافر، حتى العاصي، حتى الفاجر، ومعنى عبد أنه في قبضة الله، في أي لحظة يتجمد الدم في إحدى أوعية الدماغ، وقد كان بأعلى درجة من الحيوية والنشاط فيقع في الأرض من الشلل، فيفقد النطق، فيقال لك: خثرة في الدماغ، سكتة دماغية، في أي لحظة يضيق الشريان فيشعر الإنسان بذبحة صدرية، بأي لحظة تنمو الخلايا نمواً عشوائياً، وهذا مرضٌ تحدى أهل الأرض، وهم في أعلى درجة من التقدم، الورم الخبيث حتى الآن مرض عضال لا دواء له، أنت في قبضة الله، أنت بهذه الطريقة عبد قهر، وإذا فكر الإنسان في هذا الكون تعرف على الله، أقبل عليه، أحبه، قرأ كتابه، أدى عباداته، عمل أعمالاً صالحة لخدمة خلقه، هذا عبد جمعه عباد:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) ﴾
( سورة الفرقان)
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
( سورة فصلت الآية: 46 )
والعبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر.
أنت مخير، ولولا أنك مخير فلا قيمة لعملك إطلاقاً، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
سأل رجلٌ الإمام عليًّا رضي الله عنه: << أكان مسيرُنا إلى الشام بقضاء الله وقدره ؟ قال: ويحك، لو كان قضاء لازماً وقدراً حاتماً إذاً لبطل الوعد والوعيد، ولانتفى الثواب والعقاب، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مكرهاً >>. الموقف العلمي من الآيات التي ظاهرها الجبر والقسر:
أيها الإخوة، أحياناً الإنسان في بعض آيات القرآن الكريم يحتاج إلى عالم، ففي آية يقرأها قراءة أولية قد لا يفهم أبعادها الدقيقة، من ذلك هذه الآية: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
ظاهر الآية معنى مخيف، لكن حقيقة الآية: يا عبادي، أنتم تزعمون أنني أجبرتكم على أعمالكم، لو كنت مجبركم على عملٍ ما لما أجبرتكم إلا على الهدى، ولو كان من الممكن أن أجبركم على عمل لأجبرتكم على الهدى، ولو شئنا أن نلغي اختياركم، ولو شئنا أن نلغي تكليفكم، ولو شئنا أن نلغي حملكم للأمانة، ولو شئنا أن لغي الرسالة التي كًلِّفتم بها، لو شئنا أن نلغي هويتكم كمخلوق مكلَّف قال:يا رب أنا لها للأمانة حينما قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 72 )
لو شئنا أن نلغي اختياركم، لو شئنا أن نلغي تكيفكم، لو شئنا أن نلغي هويتكم، لو شئنا أن نلغي أنكم المخلوق المكلَّف، لو شئنا أن نلغي حمل الأمانة لما أجبرناكم إلا على الهدى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا 13) ﴾
( سورة السجدة )
ولكن أعمالكم ليست من إجبار الله لكم، بل من اختياركم، ولذلك سوف تحاسَبون عليها، وتدفعون الثمن باهظاً: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
هذا جزاء عملهم، وجزاء جريمتهم، وجزاء عدوانهم، لذلك أخطر ما ينبغي أن تعتقده ألا تعزو خطأك لجهة أخرى، وأوضح مثلٍ، بل هو مثل صارخ: طالب ما درس أبداً، طبعاً لا ينجح، فلما رسب قال: هذه مشيئة الله، الله عز وجل ما كتب لي أن أنجح، سبحان الله ! ألا تضحك عليه بهذا الكلام ؟ هذا كلام مرفوض، وهذا كلام المسلمين اليوم للأسف، تقول لأحدهم: ألاَ تصلي ؟ يقول: الله لم يهدني، لمَ لا تستقيم ؟ الله ما كتب لي الهدى، كل أخطائه، كل معاصيه، كل تقصيره يعزوها إلى الله عز وجل، هذه أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون، لذلك لا يعدّون لأعدائهم العدّة، والله عز وجل قال: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
هم أعدُّوا لنا، ولم نعدّ لهم، أعدّوا لنا أسلحة فتاكة، فأجبروا العاَلم كلَه على ثقافتهم، وعلى إباحيتهم، وعلى أنماط حياتهم، هذه هي العولمة، هذا أدق مفهوم للعولمة، يعني جهة قوية جداً تفرض ثقافتها وتفلتها وإباحيتها على العالم كله، والتقصير مِن قِبَلنا، هم أعدوا لنا، هم يعملون في ظلام الليل، ونحن نائمون في ضوء الشمس.
أنا أتمنى ألاّ يفكر إنسان مسلم أن يعزو الخطأ إلى غيره، لو تعمقنا أكثر في هذا الموضوع، أكثر أخطاء أولادك منك أيها الأب، أيها المعلم أكثر أخطاء طلابك منك، لا تتهرب مِن تحمُّلِ المسؤولية، كن جريئاً وشجاعاً، قل: أنا مخطئ، أخطائي في تربية أولادي أودت بهم إلى ما هم عليه.
أيها الإخوة، هذا موقف شجاع، موقف جريء أن تتحمل أخطاءك. ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة )
أيها الإخوة، ولكن لابد من حقيقة، وهي أن الله يعلم، يعلم ما سيكون علْمَ كشفِ لا علمَ جبرٍ.
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ...
أيها الإخوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطير جداً، له معنى خطير ومصيري:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ... ))
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/07.jpg
تستسلم، ما بيدنا شيء، انتهينا، أعداءنا أقوياء، هذا خطأ كبير.
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ـ فكّر، دبِّر، خذ بالأسباب، تحرك، استعن بالله، ولا تعجز ـ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود وأحمد ]
متى ينبغي أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل ؟ إذا غلبك أمر (( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
المثل الأول: طالب ما درس إطلاقاً، بدأ يقول: الله ما كتب لي أن أنجح، هذا خطأ، الله ما قدر لي النجاح، هذا خطأ، الأستاذ كان ظالما بأسئلته، هذا خطأ، قل: أنا ما درست، لذلك أنا لم أنجح، هذا الموقف العلمي، الموقف الإيماني، الموقف الأخلاقي، لكن إذا درست دراسة بأعلى درجة، وحال بينك وبين تقديم الامتحان مرض مفاجئ الآن:
(( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج، فقال: << مَن أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله >>.
تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وتتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذا هو الإيمان، الإيمان أخذ بالأسباب، الإيمان: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )

بين فقر الكسل وفقر القدَر وفقر الإنفاق:
الإيمان أن تطوِّر عملك، أن تنمِّي اختصاصك، أن تنمِّي خبرتك، الإيمان أن تبحث عن كل ثغرة في حياتك، بعد ذلك تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، بعد أن تستنفذ كل الجهود تستسلم لقضاء الله وقدره، الاستسلام لقضاء الله وقدره يكون بعد أن تستنفذ الأسباب، وإلا يمكن أن أقول، وأنا لا أتورع عن أقول: هناك من الفقراء فقر الكسل، عمله غير متقن، مواعيده غير مضبوطة، بضاعته سيئة جداً، ليس له اهتمام، ولا إنجاز، ولا متابعة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً سيفتقر، هذا فقر الكسل، إياك أن ترى أن هذا الفقر من الله عز وجل، هذا من فعلِ نفسك، هذا فقر الكسل، لا إتقان لا إنجاز، لا صدق، لا أمانة، لا اهتمام بالطرف الآخر، ولا معاملة طيبة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً المحل يتراجع، والمشترون يتفرقون عن هذا المحل التجاري، فيقول صاحبه: يا أخي، ليس هنا رزق، الله ما كتب لي رزقا، هذا كرم مضحك، قل: أنا مقصر، فنفر الناس من هذا العمل، فانصرفوا عني إلى غيري، هذا فقر الكسل.
لكن هناك فقر القدر، إنسان امتحنه الله بعاهة، هذه العاهة تحول بينه وبين أن يكسب رزقا وفيرا، هذا فقر القدر.
وسيدنا الصديق افتقر، لكن افتقاره كان افتقار الإنفاق، يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله، فهناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الكسل صاحبه مذموم، وفقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه محمود.
كنا مرة في مؤتمر إسلامي ضخم في ماليزيا، فألقيت كلمة، ووجهت للأمة العربية، والكلمة مؤلمة جداً، قلت: أنتم في بلادكم تعزون أخطاءَكم إلى القدر، وهذا سبب تخلفكم، تقولون: ما كتب للأمة النصر، انتظروا النصر، إنه لا يأتي بالانتظار، بل يأتي بالعمل:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
الأخذ بالأسباب أمر ضروري شرعا وعقلا:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/08.jpg
لكن نمط المسلم المعاصر نمط غير مقبول إطلاقاً، لا يفعل شيئًا، سيدنا عمر رأى مع رجل جملا أجرب قال: << ما تفعل يا أخا العرب ؟ قال: أدعو الله له، قال: هلاّ جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
خذ بالأسباب، << هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
قد يسافر المسلم، ولا يراجِع مركبته، وقد يكون فيها أخطاء كبيرة جداً، يمشي بسرعة عالية وما ليس معه مكابح، فوقع حادث، فيقول: سبحان الله ! هذا قضاء الله وقدره، لا، هذا جزاء التقصير، القضاء والقدر شيء آخر، لما تراجع المركبة، تراجع المكابح، تراجع العجلات، تراجع كل شيء في المركبة تقول: يا رب، توكلت عليك، ولحكمة بالغة وقع حادث، هذا الحادث قضاء وقدر، إياك أن تفهم القضاء والقدر أن نتائج أخطائك هي قضاء وقدر، نتائج أخطائك جزاء التقصير، والقضاء والقدر حينما تأخذ بكل الأسباب، وتتوكل على رب الأرباب، والذي يأتي بعد هذا هو القضاء والقدر، ولهذا البحث له تتمة إن شاء الله في درس قادم.
الموضوع العلمي:
أيها الإخوة، الغرب يزهو بعالم فيزيائي كبير، اسمه إنشتاين، لكن هذا العالِم له عندي مكانة خاصة، هو من ألمانيا، السبب أنه قال: " كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، فهو إنسان حي، ولكنه ميت ".
1 – نظرية النسبية:
هذه الكلمة الرائعة لهذا العالم الذي جاء بنظرية النسبية التي قلَبت مفاهيم الفيزياء في العالم، هذه النظرية ما فحواها ؟
هذه النظرية تؤكد أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء، الضوء سرعته تقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كيلومتر، فالدرس ستون دقيقة، اضرب ستة في ثلاثة، ثمانية عشر، الدقيقة ستون ثانية، عندنا صفر وثلاثمئة ألف خمسة أصفار، وصفر ستة، ثمانية عشر أمامهم ستة أصفار، سرعة الضوء بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، الضوء قطع بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، فهذا العالم اكتشف السرعة المطلقة في الكون، إنها سرعة الضوء التقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، الآن أيّ شيء مشى بسرعة الضوء أصبح ضوءاً ، فهذه الساعة لو أتيح لنا أن نجعلها تنطلق بسرعة الضوء لفقدت كل خصائصها، وأصبحت ضوءاً ، وأيّ جسم يمشي بهذه السرعة يصبح ضوءاً.
2 – الزمن هو البعدُ الرابعُ للأشياء:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1451/09.jpg
لو حركنا نقطة تحريكاً مستقيماً، أقلُّ مفهوم في الهندسة النقطة، لو حركت حركة مستقيمة لشكلت خطاً، لو حرك الخط حركة مستقيمة لشكل سطحاً، هذا خط، أما هذا فهو سطح، لو أن السطح حركناه حركة مستقيمة لشكّل حجماً، هذا الحجم إذا حركناه شكّل زمناً، فقالوا في تعريف الزمن: هو البعد الرابع للأشياء، فهذه الطاولة لها طول وعرض وارتفاع، وهذه الطاولة بعد عشرين سنة يتغير لونها، فتغيُّر اللون هو البعد الرابع، بعد عشرين سنة يكون هذا المكان ثقيلا أكثر من حركة اليدين عليه، ودرج الأبنية القديمة مع الاستعمال الشديد يذهب لونه، وآلة خياطة مستعملة منذ عام 1930 تجد الخيط حافرا حفرة على هذه الآلة.
الزمن البعد الرابع، بالحركة والاستعمال ينشأ تغيرات، هذا القميص له وزن، له أبعاد، لكن عندما تلبسه خمس سنوات يصبح في مكان ما ضعيفًا، واللون يتغير، وكل تطور يأتي بفعل الزمن الذي يعدّ البعد الرابع للأشياء، كل شيء له وزن.
3 – الجماد والنبات والحيوان والإنسان:
بالمناسبة الجماد شيء له وزن، له أبعاد ثلاثة، يشغل حيزاً، هذا الجماد.
النبات شيء يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، لكنه ينمو.
الحيوان يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، يمشي وينمو، النبات لا يمشي، أما الدابة فتمشي.
الإنسان له وزن، ويشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، يكون ابنك طوله أقل منك، وفي الثامنة عشر يصبح أطول منك، ويتحرك، و يفكر، فأنت الميزة الوحيدة التي ميزك الله بها أنك تفكر.
4 – كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً:
نظرية النسبية أن كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، هذا واضح تماماً، وهذا الدرس فيه إضاءة، هذا منبع ضوئي، ونحن مستقبل ضوئي، المستقبل الضوئي يصدر موجات ضوئية سرعتها ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، لو تصورنا أن مركبة فضائية تمشي مع الضوء، هذا الدرس يبقى على ما هو عليه إلى مليارات السنين، لو تصورنا أننا ركبنا مركبة أسرع من الضوء، وسبقنا الضوء لرأينا بهذه العين معركة بدر، هذا شيء علمي، لو سبقنا الضوء لتراجع الزمن، نرى بهذه العين موقعة بدر وأحد والخندق والقادسية واليرموك، لو سرنا مع الضوء لتوقف الزمن، هذا المنظر يبقى إلى أبد الآبدين، لو قصرنا عن الضوء يتراخى الزمن، تكون الساعة في الفضاء الخارجي ألف سنة.
5 – السبق العلمي القرآني في نظرية النسبية:
في مؤتمر الإعجاز الخامس الذي عقد في موسكو طرح موضوع خطير، موضوع أن هذه النظرية العملاقة التي جاء بها إنشتاين مدرجة في بضع كلمات في القرآن الكريم ، الآية:
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
( سورة الحج )
العرب مخاطَبون بهذه الآية، وهم يعدُّون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، ولو أخذنا مركز القمر و مركز الأرض، ووصلنا بينهما بخط، ما هذا الخط ؟ القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، الخط الواصل بين مركز الأرض ومركز القمر يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض.
هل من الممكن أن نعرف طول هذا الخط ؟ طبعاً، نصف قطر القمر يُضاف إليه نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما، هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنان، هو القطر، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر ( البي )، هو المحيط، ضرب اثني عشر، هو السنة، ضرب ألف، ألف سنة، فنصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، والتي نأخذها من نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما ضرب اثنين، القطر، ضرب 3.14 المحيط، ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، أحد الطلاب اليوم يحسبها على الآلة الحاسبة بطريقة سهلة جداً، هذا الرقم هو الشاهد، لو قسمناه على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء لا التقريبية، ولكنها الدقيقة، وهي مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون كيلومتر، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لأن سرعة الضوء تقاس بالثواني، تقسم على ثواني اليوم: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
( سورة الحج )
هذا البحث يزيد على ثمانين صفحة، إلا أنني عرضته لكم ملخصاً، وهذا البحث عرض في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عقد في عاصمة كانت ترفع شعار: ( لا إله )، فقط، ولحكمة بالغة الباطل كما قال الله عز وجل: ﴿ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾
( سورة الإسراء )
زهق الباطل، وعقد مؤتمر في موسكو في الإعجاز العلمي.



والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( التاسع و العشرون )


الموضوع : مقومات التكليف : الاختيار -2- الإنسان مسير ومخير -2- لو أن الإنسان مسير لبطل الثواب والعقاب







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، لازلنا في مقومات التكليف: الكون، العقل، الفطرة، الشهوة، الاختيار.
1 – الاختيار يثمِّن العمل:
وفي اللقاء السابق كان الحديث عن الاختيار، وبينت لكم بفضل الله عز وجل كيف أن الاختيار يثمِّن العمل، فقيمة العمل أنك تفعله مختاراً، لأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بين عباده وبينه علاقة حب، وعلاقة ود:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) ﴾
(سورة مريم)
وداً بينه وبينهم، ووداً فيما بينهم، ولو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب، فقيمة عملك أنك تفعله مختاراً.
2 – الإنسان مسيَّر في جوانب محدَّدة :
بينت أيضاً أن هناك قضايا لست مخيَّراً فيها، بل أنت فيها مسيَّر، كما لو عددت هذه النقاط: لسن مختاراً في كونك ذكراً أو أنثى، ولست مختاراً في أمك وأبيك، ولست مختاراً في مكان ولادتك، ولا في زمن ولادتك، ولست مختاراً في خصائصك وخبراتك، وقدراتك وطاقاتك وشكلك، لكن العلماء الأجلاء أجمعوا على أن الذي لست مختاراً به هو محض حكمة بالنسبة لك، عبر عن هذه الفكرة عالم جليل فقال: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، فلما أراد شرحها قال: " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني ".
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/01.jpg
يوم القيامة إذا كشف لك الغطاء، وتبينت لك الحكمة لا تملك إلا أن تقول: الحمد لله رب العالمين:
﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
( سورة يونس الآية: 10 )
لكن الذي يلفت النظر أن النبي عليه الصلاة والسلام ربى أصحابه تربية حملت أحدهم على أن يقول: << والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً >>، فيقيني بحكمة الله، ورحمة الله، وعدل الله قبل كشف الغطاء كيقيني بعد كشف الغطاء، هذه درجة عالية في الإيمان، والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وحملت أحدَهم على أن يقول: << والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي >>.
هذه بطولة في الإيمان، بطولة في الاعتقاد الصحيح.
أيها الإخوة، نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن يكون اعتقادنا صحيحاً سليماً.
إذاً أنت مخير، واختيارك يثمن عملك، وأنت مخير فيما كلفت، كلفت أن تكون صادقاً، أنت مخير في أن تصدق أو لا تصدق، أمرت أن تكون أميناً، فأنت مخير أن تكون أميناً أو لا تكون، كلفت بالصلاة، أنت مخير أن تصلي أو لا تصلي، كلفت بالصوم، أنت مخير أن تصوم أو لا تصوم، أنت مخير فيما كلفت به، فقيمة التكليف أنك مخير فيه، وكل عمل أنت مخير به له قيمة كبيرة، لأنه بإمكانك ألا تفعله. 3 – لا معنى للثواب والعقاب بالتسيير:
وأكدت لكم في لقاء سابق أيضاً أنه لمجرد أن تكون مسيراً فلا معنى للثواب ولا للعقاب، ولا للجنة ولا للنار، بطل التكليف، ألغيت الأمانة، ألغي كل شيء في الدين حينما تتوهم أن الله أجبرك على أعمالك، وهذه عقيدة الجبر، وهي عقيدة فاسدة تشلّ الإنسان، وذكرت لكم من أقوال السلف الصالح كيف أن عملاق الإسلام الخليفة الراشد جيء له بشارب خمر، فقال: << أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين اللهُ قدَّر علي ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين ؛ مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >>.
4 – عزوُ الأخطاء إلى القدَر، والتهرُّب من المسؤولية:
ثم بينت لكم أيضاً أن الإنسان يميل إلى التهرب من المسؤولية، فكل أخطائه وتقصيره يعزوها خطأً متعمداً أو غير متعمد إلى القضاء والقدر، يقول لك: إن الله كتب علي الشقاء، أنت أشقيت نفسك باختيارك، يقول: الله عز وجل ما أعطاني ما أريد، و لم يشأ هدايتي، أعوذ بالله، الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
الله عز وجل ما ألهمني أن أصلي، كل هذا الكلام كلام باطل، ما كتب لي الهداية، ما شاء لي أن أصلي، لم يهدني بعد، هذا هروب من الحقيقة، إياك ثم إياك ثم إياك أن تعزو خطأك إلى القضاء والقدر. كلُّ شيء يقع بإرادة الله ولحكمة وخيرٍ:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/02.jpg
وقد بينت أيضاً بشكل واضح أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، بدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية: 11 )
لماذا هو خير ؟ لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، ولا يقبل ولا يعقل أن يقع في ملك الله ما لا يريد، فالذي وقع أراده الله، بمعنى أنه سمح به، والذي أراده الله وقع، إلا أن هذه الإرادة متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، مِن هنا ينبغي أن نعتقد جميعاً أن الشر المطلق لا وجود له في الكون، الشر المطلق يعني الشر للشر، هذا يتناقض مع وجود الله، لكن الذي يليق بكمال الله أن الله يوظف الشر النسبي للخير المطلق، الدليل: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 26 )
لم يقل: والشر، إيتاء الملك خير، ونزع الملك خير، والإعزاز خير، والإذلال خير:
﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
الخطأ في العقيدة يساوي فساد العمل والشقاء:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/03.jpg
مرة ثانية: أخطر شيء في الإسلام العقيدة، فإذا صحت صح العمل، وإذا صح العمل سلم الإنسان وسعد، ولأن أخطر شيء في الإسلام العقيدة لأنها إذا فسدت فسد العمل، وإذا فسد العمل شقي الإنسان وهلك، لذلك يمكن أن نصف الخطأ في العقيدة كالخطأ في الميزان، والخطأ في الميزان لا يصحح، فإحدى الكفتين تزيد مئة غرام على الكفة الأخرى، فلو استخدمت هذا الميزان مئة ألف مرة فالمئة ألف مرة الوزن خطأ، خطأ في أصل الميزان، والخطأ في أصل الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، وأفضلُ ألف مرة أن تخطئ في مفردات التكاليف من أن تخطأ في عقيدتك، فلا بد من مراجعة الحسابات، ولا بد من جرد عقيدتك جرداً دقيقاً، فما كان منها صحيحاً اقبله وتبناه، وما كان منها مغلوطاً فينبغي أن تبتعد عنه.
أيها الأخوة، ولكن لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
الأدلة على أن الإنسان مخيَّر:
بادئ ذي بدء، ما الدليل على أن الإنسان مخير ؟
للتوضيح والتبيين:هناك أدلة قرآنية، وهناك أدلة نبوية، وهناك أدلة من أقول السلف الصالح، وهناك أدلة واقعية.
1 ـ الدليل المنطقي الواقعي:
وجودُ الأمرِ والنهيِ في القرآن الكريم:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/04.jpg
أذكِّركم بهذا المثل: لو قسنا عرض كتف إنسان، قد يكون ثلاثة وستين ونصف سنتيمتر، ثم بَنَيْنا جدارين، الفراغ بينهما ثلاثة وستون ونصف سنتيمتر، فإذا سار هذا الإنسان بين الجدارين، الآن دقق: لو قلنا له: خذ اليمين، هل لهذا الكلام من معنى ؟ هل هذا الكلام يطبَّق ؟ لو قلنا له: خذ اليسار هل لهذا الكلام من معنى ؟ هل هذا الكلام يطبَّق ؟ أتعتقد أن في القرآن الكريم كلام لا معنى له ؟ فإذا كان الإنسان مسيَّراً بحسب زعم الجهلة تسييراً كاملاً، وأنه مجبور على أعماله، فوجود الأمر والنهي في القرآن الكريم عبث، لا معنى للأمر ولا معنى للنهي إذا كان الإنسان مسيراً، هذا دليل واقعي، دليل عقلي، دليل منطقي، ما دام هناك أمر فهناك اختيار، وما دام هناك نهي فهناك اختيار.
إنسان مسجون، وباب الزنزانة مقفل، نقول له: إياك أن تتأخر مساءً، ما هذا الكلام ؟ هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، ما دام هناك أوامر إلهية في القرآن:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (114) ﴾
( سورة هود)
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾
( سورة الإسراء: الآية 78 )
أمرٌ آخر: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 152 )
القرآن طافح بالأوامر والنواهي، فإن لم تكن مخيراً، وكنت مسيراً فكل هذه الأوامر لا معنى لها، وكأنك تتهم القرآن الكريم أن فيه كلاماً لا معنى له إطلاقاً.
أول فقرة في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله أنه لمجرد وجود الأمر والنهي في القرآن وفي السنة فأنت مخير، هذه حقيقة. 2 ـ الأدلة القرنية:
الحقيقة الثانية الآيات القرآنية الواضحة الجلية الآيات قطعية الدلالة:
الآية الأولى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
الآية الثانية:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
الآية الثالثة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
ضمير ( هو ) يعود على من ؟ إذا توهمت أنه يعود على لفظ الجلالة نقول لك: فلمَ قال الله عز وجل بعدها:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
هل من المعقول أن تجلس في المقعد الخلفي للسيارة، وأن نقول لك: خذ اليمين، المقود ليس بيدك، ما دام الأمر موجها إليك:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
معنى ذلك أن المقود بيدك، أما الآية فهي أصلٌ في أنك مخير. الآية الثالثة:
الآية الفصل في أنك مخير قوله تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا (148) ﴾
( سورة الأنعام )
أرأيت إلى هذه الكلمات ؟ ينسحب عليها معظم كلام العوام، الله ما كتب له الهداية، ما شاء له أن يصلي، الله لم يهده بعد، أو ما هداه:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )
هذا وهم وظن، أن تتوهموا، أو أن تظنوا أن الله سبحانه وتعالى ما شاء لكم أن تهتدوا.
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )

كيف نفهم الآياتِ التي ظاهرها التسيير والإجبار ؟ الآن قد يسأل أحدكم: هذه الآيات واضحة محكمة، صارخة، قطعية الدلالة، لكن هناك آيات تحتاج إلى شرح، من هذه الآيات:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾
( سورة السجدة)
كأنك تظن أن الله ما شاء لك أن تهتدي: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة)
الآية تحتاج إلى شرح، يعني: يا عبادي، إنكم تزعمون أنني أجبرتكم على المعصية، أو على أعمالكم السيئة فأنتم واهمون، فلو أردت أن أجبركم على شيء ما أجبرتكم إلى على الهدى، لو أردت أن ألغي اختياركم، أن ألغي تكليفكم، أن ألغي حمل الأمانة، لو أردت أن ألغي الخصيصة التي أنتم بها مخيرون، ولو شئنا أن نجبركم على شيء ما لَمَا أجبرناكم إلا على الهدى، ولكن هذه الأعمال السيئة من اختياركم، ومن كسبكم، وسوف تحاسبون عليها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/05.jpg
الفكرة دقيقة: أنت صيدلي، وبحاجة إلى موظف يعمل بعد الظهر، لكن لا بد لهذا الموظف من ثقافة معينة في الأدوية، فأردتَ أن تمتحنه، الآن هو في طور الامتحان، وضعت له بعض الأدوية على الطاولة، قلت له: هذا المكان أدوية مضادة للالتهاب، هذا المكان أدوية مسكنة، هذا المكان أدوية مقوية، الآن أرني خبرتك في الأدوية، هذه مجموعة أدوية، ضع كل دواء في مكانه، الآن الطور طور امتحان، لو أمسك دواء السموم، وتوجّه إلى مكان الأدوية المقوية، ومنعته فقد ألغيت اختياره، وألغيت الامتحان، الآن هو في طور الامتحان، ومن لوازم الامتحان أن يكون مخيراً، فيجب عليك أن تبقى ساكتا، أخذ هذا الدواء، ووضعه في مكان غير مناسب، لو قلت له: ضع هذا هنا لألغيت الامتحان، ومن لوازم التكليف أن تكون مخيراً. ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
( سورة السجدة)
أعمالكم محض اختياركم، أعمالكم من كسبكم، وسوف تحاسبون عليها. الآيات المتشابهات مهْما كثُرتْ تٌحمَل على الآيات المحكًمات مهْما قلَّتْ:
إنّ أيّة آية ـ دققوا ـ يُشَمُّ منها رائحة الجبر فلها معنى دقيق جداً كما يلي:
عندنا قاعدة أصولية، لعل هذا الدرس فيه صعوبة، أنه مجرد أفكار دقيقة جداً مع أدلة نظرية، لكن نستعين بالله على شرحها وعلى فهمها، هناك آيات محكمات واضحات جليات، وهناك آيات متشابهات، القاعدة الأصولية: أن الآيات المتشابهات مهما كثرت تحمل على الآيات المحكمات مهما قلَّت، فإذا قلت: القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، معنى خطيرة هذا كلام متشابه، يا ترى خطيرة كالقنبلة تفجره، أم أنها خطيرة تعني هنا أنها مادية أساسية في حياته، ولولاها لما عاش الإنسان، فكلمة ( خطيرة ) كلمة متشابهة، تحتمل معاني كثيرة، أما لو قلت: القمح مادة أساسية مفيدة جداً لحياة الإنسان، فهذه واضحة، فأنا أمام عبارة متشابهة، القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، وأمام عبارة واضحة جلية محكمة، كيف أفهم العبارة المتشابهة: القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، مع المقولة الثانية: القمح مادة أساسية مفيدة جداً لحياة الإنسان، أحمل العبارة المتشابهة على العبارة المحكمة، هذا واضح .
الآيات المحكمة:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
محكمة: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
محكمة: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا (148) ﴾
( سورة الأنعام )
هناك آيات يُشمُّ منها رائحة الجبر: ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93) ﴾
( سورة النحل )
الإضلال الجزائي من الله مبنيٌّ على ضلال اختياري من العبد:
أروع ما قرأت حول هذه الآيات أن هذا الإضلال إذا عزي على الله عز وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، الدليل:
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
لما زاغوا عن منهج الله اختياراً أزاغ الله قلوبهم فعلاً.
للتوضيح: طالب في الجامعة ما داوم ولا ساعة، ولا اشترى الكتب، ولا قدم امتحانا، جاءه إنذار أول فلم يستجب، إنذار ثانٍ فلم يستجب، إنذار ثالث فلم يستجب، صدر قرار من إدارة الجامعة بترقين قيده، هذا القرار فيما يبدو ترقين القيد إلغاء تسجيله، أليس هذا القرار تجسيداً لاختيار الطالب حينما لم يداوم، ولم يلتحق، ولم يشترِ الكتب، ولم يقدم الامتحان ؟ قرار ترقين القيد تجسيد لاختيار الطالب: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
فلما اختاروا الضلال كتب الله عز وجل عليهم الضلال، فالضلال إذا عُزِي إلى ذات الله:
﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93) ﴾
( سورة النحل )
إذا عزي على الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياره، شاهده الدقيق والقوي: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) ﴾
( سورة الصف)
في اللغة العربية قواعد دقيقة، هذه القواعد فعل أفعل، أغفل، لا يعني أنه خلق الغفلة فيهم، بل يعني أنه وجدهم غافلين: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ (28) ﴾
( سورة الكهف)
نقول: عاشرت القوم فما أجبنتهم، ما وجدناهم جبناء، عاشرت القوم فما أبخلتُهم، ما وجدتُهم بخلاء: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ (28) ﴾
( سورة الكهف)
أيْ: مَن وجدناه غافلاً فقط، إذا عزي فعل الضلال إلى الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري. الإضلال الحُكمي:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/06.jpg
شيء آخر، أنت ذاهب إلى حمص، والقصة قديمة جداً قبْل وضعِ اللافتات، وصلت إلى مكان فيه طريقان: طريق يمين وطريق يسار، وأنت في حيرة، وأمامك إنسان واقف، قلت له: مِن فضلك أيّ الطريقين إلى حمص ؟ قال: الطريق الأيمن، قلتَ له: جزاك الله خيراً، قال لك: انتظر، بعد خمسة كيلومترات تقاطع خطر، وبعد سبعة كيلومترات ممر زلق، وبعد كذا كيلو متر جسر ضيق، وفيه تفتيش دقيق إذا كان معك بضاعة ممنوعة، أعطاك معلومات دقيقة جداً، فأنت ازددت له شكراً، أما لو وصل غيرُك إلى هذا المفترق، وأمامه الإنسان نفسُه واقفا قال له: بالله عليك مِن أين حمص ؟ قال: مِن الطريق الأيمن، قال له: أنت كذاب ! هل بإمكان هذا الإنسان أن يعطيه التفصيلات، رفضت مشورته كلياً، هنا الإضلال السلبي، أنت حينما أعرضت عن الدين كلياً فكل تفاصيل الدين بَعُدت عنك، وكأن الله أضلك، بمعنى أنه مَنَعك من تفاصيل كانت تسلمك وتسعدك، هذا معنى آخر من معاني الضلال.
أيها الإخوة الكرام، إذا عزي فعل الضلال إلى الله عز وجل فهو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، وعندنا إضلال حكمي، فحينما رفضت الدين أصلاً مُنِع منك كل التفاصيل التي يمكن أن ترشدك إلى الحق، وحينما رفضت الدين كله أصلاً مُنِع منك بعد أن قلت: أنت كاذب، لهذا الدليل الذي معه معلومات دقيقة جداً، كان من الممكن أن تنتفع بها، لكنك رفضت مشورته وعلمه كلياً، فمُنِعتَ من كل التفاصيل التي يمكن أن تنقذك مما أنت فيه، هذا الضلال حكمي.
الإضلال الحُكمي:
عندنا ضلال آخر، الله عز وجل يضل العباد عن شركائه:
﴿ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا (37) ﴾
( سورة الأعراف)
حينما تعلق الأمل على إنسان، وتنسى الواحد الديان، الله عز وجل بشكل واضح يضلُّك عنه، أو يضلّه عنك، يخيب ظنك، عقدت الأمل على إنسان قوي وقريب لك، ونسيت الله عز وجل، الله عز وجل يضلك لمصلحتك، أي يلهمه أن يتخلى عنك، وأن يتنكر لك، هذا إضلال من الله، أضلك عنه، وأضله عنك، غيرة عليك.
الصحابة الكرام هم قمم البشر، في حُنين وجدوا أنفسهم عددًا كبيرًا لم يسبق في الجزيرة أن اجتمع عشرة آلاف إنسان، فقالوا مطمئنين: لن نُغلَب اليومَ مِن قِلَّة، اعتمدوا دون أن يشعروا على كثرتهم، الله عز وجل أضلَّهم عن كثرتهم، ولم ينتفعوا بكثرتهم: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
هذا ضلال آخر، هذا ضلال لمصلحة التوحيد، حينما تتوهم جهة قوية تعتمد عليها، وتنسى الواحد الديان يلهم اللهُ هذه الجهةَ القوية أن تتخلى عنك، وأن تتنكر لك، تأديباً لك على هذا الشرك الخفي، وهذا أيضاً نوع من أنواع الإضلال، الإضلال عن الشركاء، وأيّة جهة تعتمد عليها، وتثق بها، وتنسى الله عز وجل يلهمها أن تتنكر لك.
قال لك صديق حميم: أنا بخدمتك، فاطمأننتَ، وقعتَ في مشكلة، دخلت عليه فتجهم في وجهك، لم يقل لك: تفضل اجلس، ما الموضوع ؟ أنا في مشكلة، قال لك: لا علاقة لي، هذا شيء خلاف صلاحياتي، أعتذر، أنت تُصعَق، هذا ضلال آخر من أجل التوحيد.
في هذا الدرس إن شاء الله تبين أن الإنسان مخير، ولو أنه مسير لبطل الثواب، ولبطل العقاب، << إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلَّف يسيراً، ولم يكلِّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مكرهاً >>. الموضوع العلمي: خَلْقُ الإنسانِ:
ننتقل الآن إلى الموضوع العلمي.
1 – عجائبُ خَلق الله هي أثرٌ مِن علْمِه:
هناك مقولة رائعة: أن كل ما في الكون من عجيب خلق الله: المجرّات، المذنَّبات، النجوم، الأرض، الجبال، الصحارى، الأنهار، البحيرات، الأسماك، الأطيار، النباتات، الإنسان، أن كل هذه العجائب عجائب خلق الله عز وجل هي أثرٌ من علم الله، ولنأْتِ على بعض التفاصيل في خلق الإنسان.
أيها الإخوة الكرام،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين )
2 – البويضة الملقحة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/07.jpg
ضع بعض لعابك على رأس أصبعك، وضع يدك على ملحٍ، دون أن تضغط، بأقلِّ مسٍّ ممكن، وائتِ بمكبر، فإنك سترى ذرات صغيرة جداً من الملح، البويضة التي تُلقح مِن قِبل النطفة بحجم ذرة الملح، هذه البويضة الملقحة، هذه البويضة الملقحة بعد حين بعد، بعد تسعة أشهر تصير طفلا.
3 – شَعر الرأس:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/08.jpg مقطع في الشعرة

في رأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان، وعضلة وعصب، وغدة دهنية وغدة صبغية، ما هذا الخلق في رأس الإنسان، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان، وعضلة وعصب، وغدة دهنية وغدة صبغية. 4 – دماغ الإنسان:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/09.jpg دماغ الإنسان

في دماغ الإنسان مئة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء، إلى عام ألفين تقريباً لم تُعرَف وظيفتها، فوقها أربعة عشر مليار خلية قشرية، فيها الذاكرة والمحاكمة، والاستنباط والاستنتاج، والبصر والسمع والنطق، الخلايا القشرية، والدماغ أعقد شيء في الوجود، وهو عاجز عن فهم ذاته، هنا مكان الحكم: ﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) ﴾
( سورة العلق )
الأحكام هنا، وفي مكان آخر الرؤية، ومكان آخر السمع، ومكان آخر الذاكرة، حجمها بحجم حبة العدس، فيها ستون مليار صورة، الدماغ يقوم بوظائف يعجز عن فهمها هو:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾
( سورة الطور)
والدماغ خلاياه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير. 5 – العين:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/10.jpg العين

العين لها قرنية، وهي طبقة شفافة شفافية مطلقة، شفافة لأن لها خصائص تتميز بها ؛ أن العين تتميز بخاصة تنفرد بها في أن خلايا القرنية تتغذى عن طريق الحلول، لا عن طريق الأوعية الشعرية، ولو تغذت عن طريق الأوعية الشعرية لرأينا ضمن شبكة، ولكن هذه الطبقة في العين المتميزة التي أراد الله أن تكون شفافة شفافية مطلقة من أجل دقة الرؤية: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
( سورة المؤمنون )
في شبكية العين عشر طبقات، ومجموع العصيات والمخاريط في الشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، بمعنى أن مساحة الشبكية ميليمتر وثلث، بواقع ميليمتر في مئة مليون مستقبل ضوئي، وأكبر آلة رقمية احترافية في التصوير في الميليمتر عشرة آلاف مستقبل:
﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، وأن اللون الواحد لو درج ثمانمئة ألف درجة لتمكنت العين السليمة من إدراك الفرق بين درجتين. ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد )
الأجفان، والجسم البلوري، وماء العين لا يتجمد، العين فيها ماء فيه مادة مضادة للتجمد، ففي بلد بارد في بلاد الشمال بلاد المنطقة المتجمدة تهبط الحرارة إلى سبعين درجة تحت الصفر، لو لم يكن في العين هذه المادة لفقد الإنسان بصره، مِن تجمدِ هذا الماء، لكن الله عز وجل أودع في هذا الماء مادة مضادة للتجمد. 6 – حاسة الشمِّ:

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1439/11.jpg حاسة الشم

العصب الشمي ينتهي بعشرين مليون نهاية، وكل عصب فرعي ينتهي بسبعة أهداب، وكل هدب مغطى بمادة لزجة تتفاعل مع الرائحة، فيتكون شكل هندسي، الشكل هندسي الرمز الرائحة يشحن إلى الدماغ، فيعرَض على الذاكرة الشمية، فيها عشرة آلاف رمز، فحينما توافق الرمزان تقول: في بالأكل النعناع ؟ الشم شيء رائع جداً، والذوق، والرؤية، والسمع، وما مِن جهاز عندنا من صنع الإنسان في آن واحد يكبر الصوت ويخمد الصوت إلا غشاء الطبل الذي خلقه الله، الصوت العالي يخمده، والصوت المنخفض يكبره، فهو جهاز تكبير وتخميد في آن واحد. 7 – القلب:
القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم، ما هذه المضخة، لا تكلُّ، ولا تمل، إلى أن ينتهي الأجل فتقف.
إن الطبيب له علم يدل بـــه إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلتـه حار الطبيب وخانته العقاقيــر
***


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : الاختيار -3- الإنسان مسير ومخير -3- التمييز بين القضاء والقدر





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. من توهم أن الله تعالى أجبره على أعمال سيئة فقد وقع في عقيدة زائغة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/01.jpg
تنقلنا في الدروس السابقة بين مقومات التكليف الكون، والعقل، والفطرة، والشهوة، والاختيار، وفي درسين سابقين تبينا أن الإنسان مخير، وفي اللحظة التي يتوهم أن الله أجبره على أعماله السيئة فقد وقع في عقيدة زائغة، هذه العقيدة الزائغة التي تسمى عقيدة الجبر هي وراء حالة المسلمين الذين توهموا أنه لا حول لهم ولا قوة ؛ مع أن الإنسان في آيات كثيرة جداً واضحة، صريحة، قطعية الدلالة، مخير فيما كلف، وأذكركم ببعض هذه الآيات:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )
على كل إنسان أن يقيّم تصوراته في ضوء القرآن الكريم و السنة الشريفة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/02.jpg
أريد في هذا الدرس أن أوضح لكم أنه ما من سلوك يسلكه الإنسان إلا ويسبقه تصور، يصح هذا التصور أو لا يصح، فحينما تتصور أن الهدى ليس بيدك ولكن إلى أن يشاء الله الهدى لك تهتدي، هذا التصور غير صحيح، هذا التصور يقعدك أن تبحث عن الحقيقة، يقعدك عن أن تبحث عن الإيمان الصحيح، فأنا أقول لا بد من مراجعة تصورات الإنسان، لا بد من تقييمها تقييماً في ضوء الموازين القرآنية، والأحاديث النبوية، فإذا بقي الإنسان على تصورات تسربت إليه من دعوة خاطئة، من شرح غير صحيح، من عقيدة ليست سليمة دفع الثمن باهظاً.
طبعاً لا بد من مثل يوضح ذلك، لو توهم طالب في أول العام الدراسي أنه يمكن أن يقدم للمدرّس هدية قبل الامتحان بيومين فيعطيه الأسئلة هل يمكن أن يدرس ؟ أمضى العام الدراسي كله باللعب متوهماً أنه قبل يومين يأخذ السؤال من المدرس، ويحفظ عن ظهر قلب الإجابة، وينجح، وقد كان في تصوره أذكى من كل هؤلاء الطلاب الذين يدرسون، لماذا لم يدرس ؟ لوهم خاطئ، قبل الامتحان طرق باب المدرس، جاء له بالهدية وطلب منه الأسئلة، فتلقى صفعتين على وجهه وركلة بقدمه وطرده، ضيّع العام الدراسي كله بسبب وهم وقع به.
من أراد أن يبني مجده على أنقاض الآخرين لا يعبأ بالقيم بل بالقوة:
أيها الأخوة، دائماً وأبداً وأتمنى أن يكون هذا واضحاً لديكم أن الإنسان أحياناً بعقله الباطن يؤمن ببعض الأفكار لا لأنها صحيحة، ولكن لأنها مريحة، و سآتيكم بالدليل، إنسان يريد أن يشتري سيارة وإنسان آخر كذلك، الأول اشترى والثاني لم يشترِ، سرى في البلد إشاعة أنه سوف يصدر قانون بتخفيض الرسوم الجمركية إلى النصف، الذي اشترى السيارة يكذب هذه الإشاعة من دون بحث ولا درس ولا دليل، تكذيبها يريحه، والذي لم يشترِ يصدقها من دون دليل، فأنت أحياناً تكذب بلا دليل وتصدق بلا دليل.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/03.jpg
لذلك آتيكم بمثل دقيق: نظرية دارون التي جاء بها عالم في القرن السابق، هذا العالم يقول: إن لم يثبت العلم نظريتي فهي باطلة، هذا في كتاب أصل الأنواع، هو يرى أنه لا بد من طفرة، معنى الطفرة أن تنشأ خلية حية من مادة جامدة، هو يرى الضفدع تخلق من الطين، يعني الطين وحده كاف لخلق ضفدع، وأن الفئران تخلق من الخرق البالية مع حبات القمح (شيء مضحك)، وأن بعض الديدان تنشأ من اللحم المتفسخ، طبعاً العلم سَخِر من هذه النظرية، ولا أصل لها علمياً وليست مقبولة ولا معقولة أساساً، العالم بأكمله يتمسك بهذه النظرية، أينما ذهبت في كل جامعات العالم، في كل الموسوعات العلمية، في كل البلاد التي على سطح الأرض، لماذا ؟ في شيء دقيق جداً هو يعتقد أن الإنسان كائن متطور من مخلوق وحيد الخلية، ومعنى متطور ليس هناك إله خلق هذا الكون، يعني هذه النظرية تقوم على إلغاء عقيدة وجود الله، لماذا العالم يتمسك بها تمسكاً لا حدود له ؟ لأنها تعفيه من المسؤولية، قضية سهلة، إذا كنت قوياً فأنت على حق (القوي عند الغربيين) الحق مع القوي، أنت قوي فأنت صاحب الحق، وأنت ضعيف أنت لا تملك الحق، هذا الفكر فكر القوة الذي لا يعبأ بالقيم، هذا فكر مريح للذين يريدون أن يبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، أن يبنوا غناهم على إفقار الشعوب، أن يبنوا حياتهم على إماتة الشعوب، أن يبنوا عزهم على إذلال الشعوب، هذا الفكر يتناسب مع الجرائم التي نراها.
ما من تصرف خاطئ إلا وراءه تصور خاطئ ينعكس على استقامة الإنسان:
هناك من يعتقد شيئاً لا أصل له، وهناك من يرفض عقيدة واقعة دقيقة مقنعة مع الأدلة، أنا أريد أن يراجع الإنسان حساباته قبل أن تقول ما بيدي، حتى الله يكتب لنا الهدى نهتدي، هذا كلام ما له أصل، الله عز وجل قال:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/04.jpg
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
وحيثما جاء كلمة على مع لفظ الجلالة فتعني أن الله ألزم ذاته العلية بالهدى، الله عز وجل هدانا وانتهى الأمر، هذا الكون كل ما فيه ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا الكون يشير إلى إله عظيم، إلى إله رحيم، إلى إله حكيم، إلى إله قوي، إلى إله حكيم، هكذا حينما نعتقد اعتقاداً خاطئاً هذا الاعتقاد الخاطئ ينعكس على استقامتنا.
مثل أبسط من ذلك لو أن إنساناً (بقال) دخل إلى المسجد واستمع إلى درس علم وشرح الدرس لم يكن دقيقاً أن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، على ظاهر الحديث افعل الكبائر ولا شيء عليك، فإذا فعلت هذه الكبائر تنالك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يمكن أن يغش الحليب، يمكن أن يبيع بضاعة فاسدة اعتماداً على هذا الفهم السقيم للحديث الصحيح، أؤكد لكم مرة ثانية ما من تصرف خاطئ إلا وراءه تصور خاطئ، ما من حركة تتحركها إلا هناك اعتقاد وراء هذه الحركة، طبعاً أوضح شيء لماذا يسرق السارق ؟ لأنه يتوهم أنه يأخذ مالاً كثيراً بلا جهد ولا يصدق أنه سيحاسب أو سيلقى القبض عليه، يقول أنا أعيش حياة هانئة بهذه الملايين المملينة، ثم بعد أسبوع يلقى القبض عليه ويودع في السجن وتأخذ منه الأموال ويلقى شر عمله. عقيدة الجبر شلت الأمة فعلى كل إنسان أن يقيّم تصوراته حتى لا يقع في الوهم:
لذلك أيها الأخوة، أنا أدعوكم بهذا اللقاء الطيب إلى أن تمحص عقيدتك، أن تمحص تصوراتك، ألا تقع في الوهم، عقيدة الجبر شلت الأمة، ما بيدنا شيء، الله عز وجل يقول:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
( سورة الكهف)
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
( سورة الإنسان)
وقد يفاجأ الإنسان أنه يعتقد عقيدة أهل الشرك:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
( سورة الأنعام )
الله عز وجل هدانا إلى ذاته العلية من خلال:
1 ـ الكون:
الله عز وجل هدانا إلى ذاته العلية من خلال هذا الكون، كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله.
2 ـ القرآن الكريم:
وهدانا إلى ذاته العلية من خلال هذا القرآن الكريم، القرآن يعرفنا بمهمتنا، برسالتنا، بالأمانة التي حملنا الله إياها.
3 ـ الحوادث:
الله عز وجل هدانا بالحوادث: ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
أخطر شيء هو العقيدة إن صحت صحّ العمل وإن صحّ العمل سلم الإنسان وسعد:
الأفعال أفعال الله عز وجل تؤيد ما في القرآن الكريم، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾
( سورة يونس الآية: 39 ).
معنى التأويل في هذه الآية وقوع الوعد والوعيد، يعني محق مال المرابي تأويل لآية الربا: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
( سورة البقرة )
الحياة الطيبة التي يحياها المؤمن تأويل لقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 ).
الحياة الضنك التي يحياها المعرض هي تأويل لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه ).
فلذلك أخطر شيء هو العقيدة، قلت لكم سابقاً إذا كان الإسلام هرماً مقطعاً إلى أربع أقسام، القسم العلوي هو العقيدة، إن صحت صح العمل وإن صح العمل سلم الإنسان وسعد وإن فسدت فسد العمل فشقي الإنسان وهلك.
الله عز وجل ما خلق الإنسان إلا ليسعده و يرحمه:
أخطر شيء أن تكون العقيدة صحيحة، فالإنسان مخير والدليل من السيرة أن سيدنا عمر بن الخطاب جاؤوا إليه بشارب خمر قال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
أنت حينما تتوهم أنك لست مخيراً لكنك مسير ترتاح من مجاهدة نفسك، تتوهم أن الله عز وجل ما كتب لك الهدى، تتوهم أن الله عز وجل ما سمح لك أن تصلي، تتوهم أن الله عز وجل أرادك أن تكون شقياً، هل من عقيدة فاسدة أكثر من أن تتوهم أن الله كتب عليك الشقاء:
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية: 119 ).
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم. الله عز وجل منح الإنسان حرية الاختيار:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
( سورة طه)
الذي قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
( سورة النازعات)
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) ﴾
( سورة القصص)
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) ﴾
( سورة طه)
فالإنسان بيده الأمر، ونحن في درسين سابقين بفضل الله عز وجل بينت لكم أدلة قطعية نصية وواقعية ومنطقية وعلمية، أن الإنسان مخير، لو أن الله أجبر عباده الطاعة لبطل الثواب ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً. حسن الظن بالله ثمنه الجنة:
مرة ثانية لا بد من تصحيح العقيدة، لا بد من تصحيح التصور، لا بد من أن تنفي عنك آلاف الكلمات التي يرددها العوام، الله ما كتب له الهدى، معنى ما له ذنب فكيف يحاسب ؟ كيف يعاقب ؟
ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إيّاك إياك أن تبتل بالماء
***
أنت حينما تتوهم أنك مسير ولست مخيراً شلت حركتك وقعدت ولم تعمل شيئاً، أما حينما توقن أنك مخير وأن الله ينتظرك:
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين؟ ))
[ ورد في الأثر ].
إياك أن تردد كلمات العوام، الله ما كتب له الهداية، الله توهه، الله لا يتوه، الله عز وجل يبين، يهدي إلى صراط مستقيم، الله عز وجل ألزم ذاته العلية بالهدى و حسن الظن بالله ثمنه الجنة.
العقيدة الصحيحة ينبغي أن تؤخذ من القرآن الكريم لا من أقوال العامة: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/05.jpg
لذلك أنا أدعوك أن تقرأ القرآن الكريم قراءة واعية، وأن تعتقد أن العقيدة الصحيحة ينبغي أن تأخذها من القرآن الكريم لا من أقوال العامة، من كتاب الله الصريح:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
هو الإنسان والدليل: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
( سورة البقرة )
أنت حينما تشعر أنك مسؤول عن أعمالك وأن الله سيحاسبك وأنك لا تقع تحت سيطرة وهم لا أصل له، يعني: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾
( سورة السجدة)
ولكن يا عبادي لو شئت أن ألغي اختياركم، أن ألغي حملكم للأمانة، أن ألغي التكليف الذي كلفتكم به، لو أردت أن أجبركم على شيء ما، لو أردت أن ألغي اختياركم وتكليفكم وحملكم للأمانة وأن أجبركم على شيء ما لما أجبرتكم إلا على الهدى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13)
( سورة السجدة)
ولكن هذه الأعمال الذي تقترفونها ليست من قضاء الله وقدره بل من اختياركم، من اختياركم أنت وسوف تحاسبون عليه. الإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره أو إلى القضاء والقدر:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/06.jpg
أيها الأخوة الكرام، أنت حينما تشعر أنك مخير، وأنه بإمكانك أن تصل إلى أعلى مرتبة في الإيمان لكنك مقصر، لعل هذا الفكر الصحيح المستنبط من كلام ربنا جل جلاله لعله يدفعك إلى البحث عن الحقيقة، وإلى الإيمان بها والعمل وفقها، وإلى بذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، لكن الإنسان أحياناً كما يقول علماء النفس له عقل باطن، العقل الباطن يتجه إلى أن يعزي أخطاءه إلى غيره، الناس جميعاً المتفوق يقول لك ما نمت الليل درست، رسب الله ما كتب لي أن أنجح، لماذا عندما تنجح ما نمت الليل وبذلت جهداً كبيراً والكتاب استوعبته وكنت تتابع المدرس وتؤدي الوظائف وتراجع الأبحاث، أما حينما لم تنجح الله ما كتب لك، لما لا تقول أنا كنت مقصراً ما درست.
فالإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره، ونحن كأمة أيضاً مرتاحون كل مشكلاتنا من الاستعمار والصهيونية، في شعوب لها عمر حضاري كأعمارنا تحررت وتقدمت وتطورت وتفوقت وأصبحت قوية جداً، هذا شاهد لا يؤيد أفكارنا، فالإنسان يريد أن يعزو أخطاءه إلى غيره أو إلى القضاء والقدر.
لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد:
بالمناسبة أيها الأخوة، أنا أتمنى أن يكون هذا واضحاً جداً لكم، الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يلغي المسؤولية، الدليل الله عز وجل في حديث الإفك يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية: 11 )
لماذا هو خير ؟ لأن كل شيء وقع أراده الله، لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، ولا يقبل ولا يعقل بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، فكل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. حديث الإفك سمح الله به لحكمة بالغة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية: 11 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/07.jpg
هذا فهم للقضاء والقدر، ما دام الله عز وجل سمح لهذا الحديث حديث الإفك أن تتهم السيدة عائشة، ما دام الله سمح هناك حكمة بالغة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، لعلماء التفسير لفتات لطيفة لو أن السيدة عائشة لم يقع عقدها في الأرض لما كان حديث الإفك (ذهبت لتبحث عنه)، لو أن الصحابيين الجليلين حينما حملا هودجها شعرا أنه خفيف جداً هي ليست بالهودج فبحثا عنها لما كان حديث الإفك، لو، لو، عدّ العلماء عشر حالات لو وقعت واحدة من هذه الحالات لما كان حديث الإفك لكن لحكمة بالغة بالغة بالغة شاء الله أن يكون سمح به، سمح به ليمتحن النفوس، فالمؤمنون ظنوا بأنفسهم خيراً والمنافقون كشفوا وظهروا، ظهرت شماتتهم وروجوا الخبر وبالغوا به، فالله امتحن هؤلاء وهؤلاء وكشف هؤلاء وهؤلاء: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ (179) ﴾
( سورة آل عمران)
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية: 11 )
الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يلغي المسؤولية:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/08.jpg
بعدها: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
يا ترى فهمنا للقضاء والقدر في حديث الإفك هل يعفي من روج هذا الخبر من المسؤولية ؟ مستحيل، يعني كتطبيق عملي طبيب إسعاف جالس مع ممرضة يدير حديثاً لا يرضي الله أخبر أنه في مريض على وشك الموت، قال: انتظر قليلاً ليتابع حديثه فبعد ربع ساعة أبلغ أن المريض مات، إذا قال سبحان الله مات بأجله، ألا يحاسب ؟ يحاسب مع أن الموت قطعي، والموت يكون بأجل الإنسان لكن في هذه الربع ساعة التي قصر فيها الطبيب إسعاف المريض يحاسب بأشد أنواع المحاسبة عند الله.
فاحفظوا هذه الحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، بناء على الهيكل وفراغ المصعد غير مصان ما في حاجز وشخص سقط ونزل ميتاً لا يقول صاحب البناء قضاء وقدر، لا أنا قصرت ولم أضع الحاجز أمام فتحات المصعد فكان عدم وجود الحاجز سبب موت هذا الإنسان. التمييز بين القضاء و القدر و بين جزاء التقصير:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/09.jpg
أيها الأخوة، أنا لا أرى في العقيدة موضوعاً أخطر من القضاء والقدر لكن أن نعزي كل أخطائنا إلى القضاء والقدر، أن نعزي كل تقصيرنا إلى القضاء والقدر، أن نرسل كل حججنا باتجاه القضاء والقدر، هذا كلام لا يقبل ولا يعقل، نحن مقصرون، وأريد أن أؤكد لكم أيها الأخوة، البطل الذي يعترف بخطئه، والبطل الذي يعزي الخطأ إليه لا بادئ ذي بدء أحياناً يكون في خطأ بتربية الأولاد، الناتج لهذه التربية الخاطئة يجب أن يتحملها الأب، الأب مسؤول، وفي خطأ يعزى إلى المعلم، وفي خطأ يعزى إلى أولي الأمر، فالبطولة أن تكون جريئاً وأن تصرح أنك أخطأت، أما كل شيء يعزى للقضاء والقدر، أردت أن أميز بين القضاء والقدر وبين جزاء التقصير.
طالب ما درس أبداً فلم ينجح كلما سئل عن نتيجة هذا العام الدراسي يقول: الله ما كتب لي النجاح، هكذا ترتيب الله ما في إذن بالنجاح، كلام غير صحيح يجب أن يقول أنا لم أنجح لأني لم أدرس، وإياك أن تدخل القضاء والقدر بالموضوع، أما طالب درس دراسة عالية جداً، متقنة جداً، وقبل الامتحان بيومين أصابه طارئ على صحته منعه أن يؤدي الامتحان هذا الطالب بالذات له أن يقول الله عز وجل ما شاء لي أن أنجح.
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك]
تحرك، اسعَ، قدم طلباً، ابحث عن وسيلة، ابحث عن سفر، اخرج من بيتك راجع إعلانات الوظائف، قابع في بيته لا يتحرك، لا يسأل، ينتظر المعجزة، وهذا حال المسلمين، أعداؤنا الآن يعدون لنا ونحن ننتظر فرجاً من الله، ننتظر معجزة، ننتظر زلزالاً يقضي على أعدائنا، هذه أحلام المجانين والله. نصر الله عز وجل للمؤمنين مقيّد بشرطين هما:
1 ـ الإيمان بالله تعالى:
الله عز وجل قال: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
نحن ما أعددنا لهم، بالمناسبة لما تقرأ القرآن تجد قوانين، النصر له قانون، الله عز وجل قال: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 10 ).
النصر حصراً وقصراً من عند الله لكن له ثمن، ثمنه أول ثمن: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم ).
هل أنت مؤمن ؟ هل أنت مؤمن الإيمان الذي ينجيك ؟ ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة غافر الآية: 51 ).
النصر حصراً وقصراً من عند الله و لكن ثمنه الإيمان بالخالق سبحانه:
أي إيمان ينبغي أن يكون ؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، الإيمان الذي يمنعك من أن تعصي الله، الإيمان الذي يحمل على طاعة الله هو الإيمان الذي يعد أحد شرطين من شروط النصر:
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة غافر الآية: 51 ).
2 ـ الإعداد:
الشرط الثاني الإعداد: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )

قدم ثمن النصر، الثمن ليس سهلاً استقامة وانضباطاً والتزاماً وإقامة للإسلام في النفس وفي البيت وفي العمل ثم إعداد العدة أعدوا لهم، أما لا نقيم الإسلام في البيت ولا في العمل ولسنا متمسكين بأهداف هذا الدين ولا نفعل شيئاً، ننتظر معجزة هذه أحلام الجهلاء، هذا القانون، كل شيء له سبب وكل شيء له قانون. معظم مشكلات المسلمين من سوء تصورهم:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/10.jpg
أيها الأخوة، أنا أرى معظم مشكلاتنا من سوء تصورنا، العقيدة غير صحيحة يعني مثلاً:
لما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر أغروه بحلي نسائهم كرشوة ليخفف تقييم التمر (في اتفاقية)، فقال هذا الصحابي الجليل: والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي، ولأنتم أيها اليهود أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
واضح والآن مؤامرة على المسلمين طبعاً العدو شأنه أن يتآمر ماذا تفعل أنت ؟ لماذا سهلت له هذه المؤامرة ؟ لماذا لم تمنعه منها ؟ والله على مستوى فرد وعلى مستوى جماعة وعلى مستوى أمة يسهل علينا أن نعزي أخطاءنا إلى طرف آخر ونرتاح، هذا خطأ كبير وبهذه العقلية وبهذا الفهم لن نتقدم ولن نقوى ولن نحقق أهدافنا الكبرى.
العقيدة أخطر موضوع في الإيمان:
لذلك أيها الأخوة، الخطأ يبدأ من التصور، في تصور خطأ، من هنا كانت العقيدة أخطر موضوع في الإيمان، إن صحت العقيدة صحّ العمل.
مثلاً كم إنسان يتوهم أنه إذا حجّ بيت الله الحرام عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يكون عليه حقوق لم يؤدها، مغتصب بيتاً، مغتصب شركة، مغتصب إرثاً، كان الأخ الأكبر أخذ كل شيء له وحرم أخوته الصغار يقول لك: أنا أحج أعود من الحج كيوم ولدتني أمي، نقول له كلامك غير صحيح، لا يغفر في الحج إلا ما كان بينك وبين الله لكن ما كان بينك وبين العباد لا يغفر ولا يسقط إلا بالأداء أو المسامحة والدليل:
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (4) ﴾
( سورة نوح ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/11.jpg
لذلك الأحاديث من مثل: (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة].
ما تقدم من ذنبه الذي بينه وبين الله فقط لكن الذنب الذي بينه وبين العباد لا يسقط إلا بالأداء والمسامحة:
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة].
الذي بينه وبين الله حصراً، أما الذي بينه وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء والمسامحة هذه الحقيقة، مثلاً:
(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ].
في عطاء أكبر من أن تقدم حياتك في سبيل الله ومع ذلك لو قدمت حياتك في سبيل الله وعليك دين الدين لا يغفر، (( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
الجاهل من بنى اعتقاده على أوهام ما أنزل الله بها من سلطان لا على كتاب الله:
لذلك دخل النبي الكريم بيتَ أحد أصحابه، وقد توفاه الله، وكان صحابياً جليلاً، فقبل أن يصلي عليه سأل:
(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))
[أحمد عن جابر ]
كم مسلم يتوهم أنه إذا حجّ أو صام أو تاب توبة نصوحة ذهبت عنه كل ذنوبه ؟ ملايين مملينة كلهم في خطأ كبير، العبادات التي تؤديها والتي وعد النبي صلى الله عليه وسلم عليها بالمغفرة لا تصل إلى الذنوب التي بينك وبين العباد، هذه الحقوق لا بد من أن تؤدى في أوهام كثيرة جداً، أنا أتمنى أن نصحح تصوراتنا، أن نراجع عقائدنا، أن نعتقد اعتقاداً وفق الكتاب والسنة، أن نستنبط عقائدنا من كتابنا، من قرآننا، أما أن نعيش من أوهام ما أنزل الله بها من سلطان فهذا جهل وغباء.

قضية الماء من الموضوعات العلمية التي أمرنا الله عز وجل أن نتفكر بها:
أيها الأخوة الكرام، من الموضوعات العلمية التي أمر الله عز وجل أن نتفكر بها قضية الماء، قال في بعض الآيات:
﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
( سورة الحجر )
أي جزيرة فيها نبع ماء والنبع مستودعه في مكان أعلى منها وأوسع منها:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/12.jpg
مستودعات الماء من صممها ؟ نحن في هذه المدينة نشرب من نبع، حوض هذا النبع يصل إلى منتصف لبنان، ويصل إلى حمص تقريباً، ويتسع شرقاً إلى نصف سيف البادية، يعني من سيف البادية إلى منتصف لبنان إلى مدينة حمص هذا حوض هذا النبع الذي تشرب منه دمشق، هذه المياه من خزنها ؟ من جعل هذا النبع يمد هذه المدينة بماء على مدى العام ؟ في أيام الفورة ستة وثلاثين متراً مكعباً بالثانية، مياه معدنية هذه مستودعات المياه فيها ضمن الجبال، والجبال هي في الأصل لها مهمات كثيرة أحد مهماتها أنها مستودعات للمياه.
جزيرة متواضعة جداً في سوريا أرواد إلى جانب طرطوس فيها نبع مياه عذب يا ترى أمطار الجزيرة هل تكفي لهذا الماء ؟ لا تكفي، من أين ؟ من جبال طرطوس المستودع في طرطوس، وهذا المستودع موصول بتمديدات تحت البحر إلى هذه الجزيرة واعتقد يقيناً أنه ما من جزيرة إلا وفيها نبع ماء عذب، يوجد بإندونيسيا ثلاث عشرة ألف جزيرة ولكل جزيرة مياه عذبة، ومساحة الجزيرة الواحدة لا تكفي أمطارها لهذا النبع الذي يتفجر طوال العام، فلا بد من مستودع في مكان آخر في جبل آخر، بل هناك في بعض جبال همالايا ينابيع مياه في قمم الجبال من أجل الوعول في حيوانات تعيش بالجبال من أجل أن تشرب هناك ينابيع مياه في قمم الجبال، أين مستودعاتها ؟ يقيناً في جبل آخر أعلى منه، هذا شيء يؤكده موضوع خصائص المياه، الاستطراق في المياه، لا ممكن تشرب مدينة إلا من مستودع مرتفع ؟ في جميع بلدان العالم أحياناً بالقرى ترى مستودع ماء عالٍ جداً لا بد من مسافة، من فارق بين مكان الماء المغذي وبين مكان استخدمه، إذاً أي جزيرة فيها نبع ماء والنبع مستودعه في مكان أعلى منها وأوسع منها، الله عز وجل قال:
﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
( سورة الحجر )
تخزين الله عز وجل الماء في الجبال ليريح الإنسان من عناء تخزينه:
تخزين الماء: لو كل إنسان يحتاج إلى خزان لمياه العام لاحتاج كل إنسان إلى مساحة مكعبة تساوي مساحة بيته، أنت تستهلك ماء تقريباً ما يساوي حاجة بيتك المساحة الكاملة الله عز وجل قال:
﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
( سورة الحجر )
أراحك من تخزين المياه وخزنه لك في الجبال، ترى أي مدينة فيها نبع ماء هذا النبع له مستودع بجبال، بجبل مرتفع من أجل التفاضل حتى الماء أن يسير من مكان إلى مكان فلذلك الله عز وجل جعل. التفكر في آيات الله الكونية تكشف للإنسان عظمة الخالق سبحانه:
أيها الأخوة الكرام، لما الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران ).
الآن موضوعات التفكر لا تعد ولا تحصى:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *
لكن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم عدداً كبيراً جداً من الآيات الكونية، لو جعلنا هذه الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون، لو جعلنا من هذه الآيات منهجاً لنا فمثلاً الله عز وجل قال:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد ).
العين موضوع للتفكر، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
( سورة الحجر )
الماء وتخزين الماء موضوع للتفكر، لو كل واحد منا قرأ القرآن الكريم ووقف عند الآيات الكونية وجعلها موضوعاً للتفكر لرأى عظمة الله عز وجل. الماء من آيات الله الدالة على عظمته:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1440/13.jpg
هذا الماء مثلاً فيه خاصة أنه في الدرجة زائد أربعة إذا بردناه يزداد حجمه، ولولا هذه الظاهرة ما كانت حياة على وجه الأرض، الماء العنصر الوحيد من بين كل العناصر في الكون إذا بردناه بدل أن يزداد انكماشه يزداد حجمه، لولا هذه الظاهرة ما كان في حياة إطلاقاً هذه شرحتها في دروس سابقة فهذه الخاصة بالماء، لا لون له، لا طعم له، لا رائحة له، تبخر الماء، سيولة الماء، ينفذ في أدق المسام، يتبخر بدرجة أربع عشرة، لو درست خصائص المياه، لو تعطلت خصيصة لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، لو تبخر في درجة مئة لا يجف شيء إطلاقاً، أما يتبخر الماء في درجة أربع عشرة، لو له لون لكانت كل الطعوم التي نأكلها بهذا اللون، لو له رائحة كل شيء نأكله داخل فيه الماء بهذه الرائحة لخرجنا من جلدنا، لا لون له لا طعم له لا رائحة له، شديد النفوذ يتبخر في درجة أربع عشرة، هذا الماء قوام حياتنا:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 30 ).
من خزنه لنا ؟ الله عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
( سورة الحجر )
موضوعات التفكر لا تعد ولا تحصى علينا الوقوف عندها متأملين متفكرين:
أردنا أن نهيئ مستودعاً للماء لدمشق كم عمق المستودع ؟ تصوروا أربعمئة متر تحت سطح الأرض نقلد بهذا المستودع المستودع الطبيعي في الجبال حتى الماء ما يفسد، المستودع الذي يغذي دمشق تحت الأرض بأربعمئة متر هذا مشروع ضخم جداً، يعني هذا المستودع بهذه الصفات كي يبقى الماء صالحاً للشرب، كي ينجو الماء من الفساد، من الطحالب، من أن يكون سائلاً مؤذياً للإنسان، فنحن إذا قرأنا آية قرآنية وقفنا عندها متأملين متفكرين لعل الله عز وجل ينفعنا بهذه الآيات لأن الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )

التفكر يساعد الإنسان على اكتساب معرفة تعينه على طاعة الهَ و القرب منه:
كلما مررت بآية في كتاب الله تشير إلى آية كونية كالطعام والشراب:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ {24} ﴾
( سورة عبس ).
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾
( سورة الأعلى ).
فلينظر الإنسان إلى ما حوله: ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية: 101 ).
ليأخذ هذه الآية موضوعاً للتفكر وليتأمل في هذه الآية فلعل الله عز وجل يرزقه معرفة تعينه على طاعته وعلى القرب منه.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 04:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الواحد و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : الوقت -1- أهمية الوقت في الإسلام - الغدة النخامية







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الواحد والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. من مقومات التكليف:
الوقت:

قد تحدثنا في هذه الدروس عن مقومات التكليف، بدأنا بالكون ثم بالعقل ثم بالفطرة ثم بالشهوة ثم بالاختيار، وها نحن ننتقل إلى الوقت، أحد مقومات التكليف أن الله عز وجل أعطانا وقتاً نستطيع فيه أن نحقق الهدف الذي خلقنا من أجله، لكن ما الوقت ؟ الوقت هو الزمن بعضهم يقول: إذا حركنا نقطة بشكل مستقيم رسمت خطاً مستقيماً، فإذا حركنا هذا المستقيم رسم سطحاً، فإذا حركنا هذا السطح شكّل حجماً، فالحجم له طول وعرض وارتفاع أو طول وعرض وعمق، والإنسان بعينيه يدرك الطول والعرض والبعد الثالث العمق، لكن هذا الحجم إذا تحرك قال شكّل زمناً، فمن تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء، بشكل أدق كل مادة الله عز وجل خلقها صممها بطريقة أن الزمن له أثر فيها، ضع شيئاً تحت أشعة الشمس لأمد طويل يضعف لونه ويزيل بريقه، معنى ذلك أن هذه المدة التي وضع فيها هذا الشيء تحت أشعة الشمس غيّر من لونه البراق إلى لون غير براق، نقول التغير الذي أصاب الشيء بفعل الزمن هو البعد الرابع للأشياء.
1 – الزمن هو البعد الرابع للأشياء:
أحد أكبر علماء الفيزياء اينشتاين، طبعاً جاء بالنظرية النسبية التي قلبت مفهومات الفيزياء، هو اكتشف أن هذا الكون العظيم أعلى سرعة فيه هي سرعة الضوء، هي السرعة المطلقة، ويؤكد هذا العالم الفيزيائي أن أي جسم سار بسرعة الضوء أصبح ضوءاً، وأن أي جسم افتراضاً سار بأسرع من الضوء تراجع الزمن، أي يمكن نظرياً أننا إذا ركبنا مركبة باتجاه الفضاء الخارجي وسرنا بها أسرع من الضوء لرأينا بأم أعيننا موقعة بدر وأحد والخندق واليرموك والقادسية، لأن هذه المعارك عليها ضوء الشمس وأجسام المتقاتلين عُكست هذه الأشعة على شكل موجات إلى الفضاء الخارجي، وهذه الموجات سرعتها ثلاثمئة كيلو متر في الثانية، افتراضاً لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لوصلنا على هذه الموجات ولرأينا المعركة رأي العين، وهذا ما يحدث في التلفاز، المشهد يصور لو فرضنا وجه المذيع عليه إضاءة شديدة هو عاكس لهذه الإضاءة على شكل موجات، تلقتها آلة التصوير هنا في عملية معقدة جداً وضعت هذه الصورة على لوحة، وهذه اللوحة عبارة عن نقاط ضوئية متفاوتة في الشدة وجاء مدفع إلكتروني مسح هذه النقاط ، حينما مسح هذه النقاط رمم الفراغ، لما رمم الفراغ اختلفت شدة التيار، هذا التيار الذي اختلفت شدته يعاد بثه إلى الفضاء، وهناك جهاز عكس آلة التصوير يستقبل هذا التيار المتفاوت الشدة، والذي تعد الشدة المتفاوتة هي الصورة يبث على الشاشة هذا ما يحدث في العين بالضبط، حينما ينطبع الخيال على الشبكية هناك مئة وثلاثين مليون عصية ومخروط في ميليمتر وربع، هذه العصيات تستقبل الصورة تتفاعل معها تفاعلاً كهربائياً ينشأ تيار متفاوت الشدة يشحن إلى الدماغ بمركز الرؤية في الدماغ ترى الشيء، العملية معقدة جداً.
نحن نريد أن نصل إلى أن الزمن هو البعد الرابع للأشياء.
2 – الإنسان زمن:
أما الإنسان والله أيها الأخوة الكرام، ما وجدت تعريفاً جامعاً مانعاً لهذا الإنسان كهذا التعريف الضوئي هو بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
هذه الحقيقة ينبغي أن تكون ماثلة في أذهاننا جميعاً، أنت أيها الإنسان زمن، أنت بضعة أيام للتقريب، هذا الإنسان خلقه الله عز وجل، له عنده زمن محدد ثلاثة وثمانين سنة وسبعة أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وسبع ساعات وخمس دقائق وثمان ثوان، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي يا بن آدم أنا خلق جديد و على عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
تعريف الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. الوقت أثمن من المال:
الآن وقفة متأنية بربكم لو أن إنساناً لا سمح الله ولا قدر أصابه مرض عضال، و يوجد الآن بلاد بعيدة الطب فيها متطور تطوراً شديداً، وقيل له: إن عملية جراحية يمكن أن تكون سبب شفائك لكنها باهظة التكاليف، وقد تساوي ثمن بيتك، هل يتردد المريض ثانية واحدة في بيع البيت والسفر إلى هناك وإجراء هذه العملية ؟ لا يتردد لماذا ؟ لأنه مركب في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال، لذلك ضحى بالمال من أجل الوقت حتى يعيش عدة سنوات إضافية، ضحى بالمال من أجل الوقت، طبعاً هذه مقدمة، ثابتة، لا يوجد إنسان يعرض عليه بيع بيته لإجراء عملية جراحية تنقذه من مرض عضال، ربما ساهمت هذه العملية في فهم هذا الإنسان إلى أن يعيش بضع سنوات أخرى كان بهذا المرض محروماً منها لا يتردد.
من عرف قيمة الوقت استفاد من كل ثانية:
الآن لو وقف إنسان وأمسك بخمسمئة ألف ليرة وأحرقها أمامكم، وحاولتم جهدكم أن تثنوه عن ذلك فلم يقبل وتمّ إحراقها بماذا تحكم عليه ؟ بأنه مجنون، وبالتعبير الشرعي سفيه:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ (5) ﴾
(سورة النساء)
إذا كان إتلاف الأموال يعدّ سفهاً، فكيف يكون إتلاف الوقت والوقت أثمن من المال ؟ لذلك أذكى الأذكياء يحسن إدارة الوقت، أنا كنت في فرنسا ركبت قطاراً سريعاً سرعته ثلاثمئة وخمسين كيلو في الساعة كأنه طائرة، لكن لفت نظري أن كل ركاب القطار إما أن الواحد منهم يقرأ أو أمامه كومبيوتر محمول لقيمة الوقت، وكلما ارتقيت تحرص على وقتك، إما أنه يقرأ من دون استثناء أو يعالج موضوعاً في الكومبيوتر وهو يركب القطار، وهيؤوا لكل مقعد طاولة ومأخذ كهربائي للكومبيوتر، فأنت حينما تعرف قيمة الوقت تستفيد من كل وقتك. العاقل من أحسن إدارة الوقت:
المؤمن أيها الأخوة، أعيد هذه الفكرة مئات المرات حينما يختار هدفاً لا نهائياً يرى أثمن شيء يملكه هو الوقت، الوقت هو أنت، أنت وقت، أنت بضعة أيام لذلك أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر، يعتني بدنياه، يمضي ساعات طوال لترفيه نفسه، يرتب بيته، يرتب شؤون حياته، يسعى إلى أن يستمتع إلى أعلى درجة من الاستمتاع، ثم يفاجأ بملك الموت يأخذ منه كل شيء في ثانية واحدة، الذكاء كل الذكاء، والنجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والبطولة كل البطولة، والتفوق كل التفوق أن تحسن إدارة الوقت.
أحياناً في انتظار ساعة أحاول أن أهيئ عملاً في هذه الساعة، أحياناً تأتي من مدينة من أوربا إلى دمشق عن طريق حلب، في انتظار ساعة بمطار حلب، ساعة يمكن أن تقوم بعمل، بتأليف، بكتابة موضوع، بمطالعة موضوع.
المسارعة و المسابقة:
البطولة أن تستغل الوقت، لذلك في مفهومات حضارية لها أصول في الإسلام كبيرة جداً، مفهوم الوقت:
﴿ وَسَارِعُوا (133) ﴾
(سورة آل عمران)
المسارعة تعني أن الوقت يمضي: ﴿ سَابِقُوا (21) ﴾
(سورة الحديد)
المسابقة تعني أن الوقت يمضي. (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
فجأة الأسعار ارتفعت، النشاطات ضعفت، في زراعات استأصلت ثمن الوقود أعلى من أرباح المشروع كله صار، هذا فقر منسي فجأة، قلت منذ أيام إن ارتفاع الأسعار عشرة أضعاف، يوجد شيء مفتعل بالعالم غير طبيعي، بالمنطق السليم ترتفع الأسعار عشرة أضعاف بإحدى حالتين: أن يزداد المستهلكون عشرة أمثال أو أن تقل المواد إلى العشر، أما لا المواد قلت ولا البشر ازدادوا بهذه النسبة فلماذا كل شيء ارتفع إلى عشرة أضعاف ؟
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه:
لذلك أحد مقومات التكليف أنك أنت أعطاك الله الكون، كل شيء في الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، ثم أعطاك العقل كأداة لمعرفة الله عز وجل وفق مبادئه الثلاث مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض، ثم أعطاك الله الفطرة مقياساً نفسياً يكشف لك خطيئتك، ثم أعطاك الشهوة كقوة دافعة، ثم أعطاك الاختيار كقيمة مثمنة لعملك، ثم أعطاك الوقت، كغلاف لعملك، الوقت غلاف العمل، فيا أيها الأخوة الكرام، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
الآن كل ذكائك وكل توفيقك وكل بطولتك وكل فلاحك في إدارة الوقت، والسورة الأصل في هذا الموضوع هي سورة العصر هي سورة الوقت.
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ:
الله عز وجل أقسم، وإذا أقسم الله بشيء فهم بالنسبة إلينا شيء عظيم، الوقت هو كل شيء عندنا، بلا وقت لا يوجد شيء، قال تعالى:
﴿ والْعَصْرِ (1) ﴾
( سورة العصر ).
أقسم بمطلق الزمن، لمن أقسم ؟ لهذا الإنسان، من هو هذا الإنسان ؟ هو الزمن، أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن فقال له: ﴿ والْعَصْرِ (1) ﴾
( سورة العصر ).
جواب القسم: ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر ).
خاسر: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25﴾
( سورة الدخان).
الموت أكبر واعظ للإنسان:
تجد الإنسان يسعى، ويجتهد، ويسهر الليل، ويعمل في النهار، ويخاصم، ويتزلف، ويرجو، ويتضعضع، ويعترض أحياناً، ويتوسل إلى أن اشترى هذا البيت زينه، اشترى مركبة، ثم اشترى مزرعة، حينما يأتيه ملك الموت ينخلع قلبه من كل شيء إلى لا شيء، من أربعمئة متر مع إطلالة ومركبتين، عدة مراكب على الباب،ومكتب تجاري فخم، وطعام نفيس، ومكانة اجتماعية عالية، وسهرات، ونزهات، ولقاءات، وسفر سياحي، إلى قبر، بربكم والله أتكلم بالواقع أنا، في عندنا مقابر في الشام ادخل على أحد المقابر ظهراً وانظر كيف يأتي الميت في نعش هذا كان إنساناً، كان له غرفة نوم، يوجد حمام في البيت، يوجد زوجة، يوجد أولاد، يوجد بنات، يوجد أكلات يحبها كثيراً، له علاقات اجتماعية طيبة، له أذواق عالية، جمع خبرات متنامية، بكفن، انظر إلى القبر، إن في الموت موعظة، بل الموت أكبر موعظة.
التفكر بالموت يدفع الإنسان إلى الله بسرعة و يمنعه من المعاصي:
مرة شيّعت أحد الأخوة الكرام حينما وضع في القبر، والله يا أيها الأخوة ما وجدت على وجه الأرض أعقل ممن يعد إلى هذه الساعة التي لا بدّ منها، أحد علماء دمشق حدثني أحد إخوانه المقربين اشترى قبراً قبل خمس سنوات في الدحداح وكان يزور هذا القبر كل خميس، يزور قبره هذا ليس تشاؤماً، هذا منتهى العقل، حتى أحد الصالحين حفر في صحن داره قبراً، وصار يضطجع فيه كل يوم خميس، ويتلو قوله تعالى:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
(سورة المؤمنون)
فيخاطب نفسه ويقول: قومي لقد أرجعناك، أنا والله أتمنى أنت طالب مدرسة، طالب جامعة، وعندك عمل، وعندك أولاد، ما في مانع الموت لا يعيق عملك، أنا أذكر مرة في مطار في أمريكا وجدت شريطاً متحركاً على يمينه حاجز وعلى يساره حاجز، طبعاً الطريق طويل وهذا الشريط وضع كي يسهل على المسافرين الحركة في المطار، وقفت عليه مشى أعجبني، أنا واقف لكني ماشٍ، سرت عليه السرعة مضاعفة، أسير على شريط متحرك وعن يمين هذا الشريط حاجز وعن يساره حاجز، كيف لمع في ذهني أن هذا الشريط المتحرك مع الحاجزين يشبه التفكر بالموت، بمعنى أن التفكر بالموت يدفعك إلى الله بسرعة أسرع، ويمنعك أن تعصي الله في حاجزين، يسرع الخطا إلى طاعة الله، ويمنع من معصية الله، من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
[ رواه الديلمي عن أنس ].
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي، عن سهل بن سعد البيهقي عن جابر ].
الميت حينما يموت هكذا ورد في بعض الآثار: إن روح الميت ترفرف فوق النعش، تقول: يا أهلي، يا والدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي. التفكر بالموت يجعل أهداف الإنسان نبيلة:
والله أعرف مجموعة كبيرة جداً من القصص تعد مأساوية أطلعني أخ من أخواني الكرام على بيت بأشهر مصايف دمشق، قال تعال وانظر هذا البيت، بالتعبير الذي يستخدمه من يعمل في هذه الحرفة بر وبحر، صالونات، شرفات، إطلالات جميلة، غرف نوم متعددة، غرف استقبال، مطبخ كبير (المطبخ وحده يساوي بيت صغير)، قال لي صاحب هذا البيت يتمتع بأذواق عالية جداً جداً، وكل شيء أفضل شيء، كل مادة أحسنها، كل جهاز أفضله، قال له: أنا إن شاء الله سأنقل الأغراض إلى البيت يوم الخميس، لكن أحتاج إلى منظم كهربائي، أمن لي هذا المنظم، قال هيأت له هذا المنظم، الخميس ما جاء، الجمعة عطلة، اتصلت السبت سمعت في البيت ضجة غير طبيعية، ثم ردت على الهاتف امرأة، قال أختي ما الذي صار بالنقلة ؟ قالت له مات صاحب البيت.
يوم استلامه، من هذه القصة معي عشرات، أين تمشي ؟ ادرس خذ دكتوراه أسس معملاً، لكن لا تنسى في موت، لا تنسى في آخرة، لا تنسى في حساب، حساب عن هذا المال من أين اكتسبته ؟وفيمَ أنفقته ؟ عن عمرك ماذا فعلت به ؟ عن شبابك فيما أفنيته ؟ عن مالك كيف أنفقته ؟ اسأل، الموت لا يمنع العمل، إياكم أن تفهموا مني أني أدعوكم إلى القعود، الصحابة الكرام كانوا يقدمون أعمالاً مذهلة، لكن وفق الاستقامة، الموت يمنعك أن تعصي الله، الموت يجعل أهدافك نبيلة.
الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد و على عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الوقت رأسمال الإنسان لا يملك أثمن منه:
الآن هذا الوقت الذي هو أنت، هذا الوقت الذي هو رأسمالك، هذا الوقت الذي لا تملك أثمن منه، هذا الوقت الذي هو وعاء عملك كيف تنفقه ؟
أَمُر بقرية أهلها جالسون على أحجار أمام البيت، يمر شخص ينظرون إليه، يأتي الثاني ينظرون إليه، ساعتين ثلاثة، والله يا أيها الأخوة عندنا خطأ في استهلاك الوقت يفوق حد الخيال، كلام:
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))
[ مسلم عن الْمُغِيرَة]
جلسات مديدة: (( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))
[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
اسمع ماذا يقول هؤلاء ؟ كلام سخيف: (( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيها ))
[ الجامع الصغير عن سهل بن سعد ]
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 ).
(( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
العاقل من أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً لا إنفاقاً استهلاكياً:
الوقت هو أنت إياك أن تنفقه إنفاقاً استهلاكياً، معنى إنفاق استهلاكي جالسين أكلنا، شربنا، نمنا، سهرنا، سررنا، ضحكنا للساعة الثانية، نمنا استيقظنا ثاني يوم، ذهبنا إلى العمل وفي العمل ربحنا وأكلنا وشربنا ونمنا، تستطيع تستيقظ كل يوم كاليوم السابق دائماً ؟ مستحيل، مستحيل وألف ألف مستحيل، لذلك أيها الأخوة، مقوم الوقت أخطر مقوم هو أنت، هذا الوقت إما أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً كما يفعل معظم الناس اليوم، أو ينفق إنفاقاً استثمارياً، الاستثماري كقوله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
( سورة العصر ).
من تدبر آيات الله تعالى و فهم سنة نبيه ربح الدنيا و الآخرة:
عندك أربعة بنود إن فعلتها فلست بخاسر، ابحث عن الحقيقة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، ابحث عن سر وجودك، ابحث عن غاية وجودك، ابحث عن الحلال والحرام، افهم كلام الله، تدبر آيات الله، افهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، اقرأ سيرته، اقرأ عن الصحابة الكرام كيف وصلوا إلى مبتغاهم بسلام.
في جانب اليوم البحث عن الحقيقة، يعني حضور درس علم يغطي هذا الجانب، حضور خطبة الجمعة تغطي هذا الجانب، قراءة كتاب إسلامي جيد رصين تغطي هذا الجانب، طلب العلم توجيه سؤال لإنسان، اسأل، ابحث، لا تكن أقل من بني البشر، لمجرد أنك تلغي طلب العلم من حياتك هبطت عن مستوى إنسانيتك، عندك حاجات سفلى طعام، شراب، زواج، وعندك حاجات عليا طلب العلم، ما لم تطلب العلم فأنت لست بالمكان الذي ينبغي، أنت لست إنساناً يحقق الهدف الذي خلق من أجله.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
( سورة العصر ).
متى آمنت ؟ يقول لك: أنا مؤمن أحسن منك، متى آمنت ؟ إنسان غارق في النوم، ومن نزهة إلى نزهة، ومن وليمة إلى وليمة، ومن شيء مفرح إلى شيء مفرح، فجأة صار معه دكتوراه، شيء مضحك، الدكتوراه تحتاج إلى ابتدائي ست سنوات، إعدادي ثلاثة، وثانوي ثلاثة، وأربعة جامعي، وسنة دبلوم، ودبلوم ثانية، وثلاثة ماجستير، وأربعة دكتوراه، في دراسة ثلاثين سنة، حتى تضع دال أمام اسمك، دال فقط. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
( سورة العصر )
أحد أركان النجاة من عذاب الله عز وجل أن تعرف الحقيقة:
لا بد أن تبحث عن الحقيقة، لا بد أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ ماذا ينبغي أن تفعل ؟ لا بد من أن تعرف الحرام والحلال، والخير والشر، والجمال والقبح، لا بد من أن تعرف منهج الله، يعني ما لم يكن لك برنامج، بربكم هل يوجد بالأرض طبيب من الملاعب للملاهي، فتح عيادة ما دخل مدرسة أبداً يقول: أنا طبيب، هذا مجنون أين الدكتوراه ؟، أين الماجستير ؟ أين الليسانس ؟ أين الثانوية ؟ أين الإعدادية ؟
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
( سورة العصر ).
أحد أركان النجاة أن تعرف الحقيقة، أنت كائن عندك حاجة عليا، هي العقل فلابد من أن تلبى حاجة العقل العليا. حجمك عند الله بحجم عملك الصالح:
الآن: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (3) ﴾
( سورة العصر ).
في حركة، ماذا فعلت ؟ أكلت وشربت ونمت، ماذا قدمت لآخرتك ؟ أعنت إنساناً ؟ أطعمت جائعاً ؟ كسوت عارياً ؟ نصحت إنساناً ؟ خدمت إنساناً ؟ أطعمت فقيراً ؟ دخلت بمؤسسة خيرية ؟ ساهمت بشيء ؟ ماذا فعلت ؟
يتألم الإنسان يوجد ببلاد أخرى أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، يوجد أشخاص عجزة، هناك من يواسيهم يبتغي بهذا وجه الله، يوجد أيتام يحتاجون إلى رعاية، عندنا ميتم، بلغني بعض الشباب يزوروا بعض الأيتام يوجهوهم، يعطوهم شيئاً، شريط، كتاب، موضوع ديني، َقدم شيئاً، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، بصراحة يا أيها الأخوة الجلوس في الدرس شيء رائع لكن لا يكفي أبداً، يجب أن يكون لكل واحد منكم عمل كبير، عمل والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (3) ﴾
( سورة العصر ).
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم:
لا يكفي:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
( سورة العصر ).
هذه الدعوة التي هي فرض عين على كل مسلم، نصحت، سمعت خطبة نقلت مضمونها لزوجتك، لابنك، لأخيك، لجارك، لصديقك ؟
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ].
لا بد من أن تبحث عن الحقيقة، ولا بد من أن تعمل وفقها، ولا بد من أن تدعو إليها. ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
( سورة العصر ).
لا بد من أن تصبر على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها، الرابعة تغطي الثلاثة: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ (3) ﴾
( سورة العصر ).
الرابعة: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
( سورة العصر ).
يعني صبر على طلب الحقيقة، وعلى العمل بها، وعلى الدعوة إليها. من استثمر وقته بعمل صالح فهو إنسان عاقل و ناجح:
هذه السورة فيها أركان النجاة وإلا الإنسان خاسر، واضحة وضوح الشمس:
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) ﴾
( سورة العصر ).
إله يقول لك خاسر، في إنسان معه تسعين مليار دولار عمره أربعين سنة، بالآية خاسر: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
( سورة العصر ).
هذه استثمارات الوقت ما دام وقتك مبذول بعمل صالح ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام وقتك تنفقه في الدعوة إلى الله ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام وقتك تنفقه في طلب العلم، ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام تصبر على طلب العلم وعلى العمل به وعلى الدعوة إليه ناجح، فالح، عاقل، ذكي، أما إذا عاش كالناس تماماً أصبح إمعة قال أنا مع الناس هكذا الناس إن أحسنوا أحسنت وإذا أساؤوا أسأت، هذا الإنسان غبي غباء لا حدود له. العاقل من جعل الموت ماثلاً بين عينيه في كل لحظة:
أيها الأخوة، موضوع الوقت ثمين جداً، ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، الماضي مضى من الحمق البحث في الماضي بخيره وشره، والمستقبل لا تملكه، أنا قصة أرويها كثيراً لكن مناسبة الآن أرويها كنت مدرساً بمدرسة ثانوية، نشأ ساعة فراغ فجائية، وبيتي بعيد لا يحتمل أن أذهب إلى البيت لا بد من أن أمضي هذه الساعة في المدرسة، اخترت أن أمضيها عند مدير المدرسة، وهو صديقي، لما دخلت عليه شكا همومه، وأنه متضايق من هذا البلد، ويريد أن يسافر، وقد طلب إعارة للجزائر، ووافقوا له، قال لي: أذهب إلى هناك، وأرتاح قليلاً، قال لي: المعاش مضاعف، أريد أن أبقى خمس سنوات، لا أريد الرجوع في الصيف، أريد أن أمضي صيفاً في باريس، وصيفاً في إسبانية، وصيفاً في إيطالية، وصيفاً في بريطانية، قال لي: أريد أن أرى البلاد، وأرى متاحفها، وأرى ريفها، حضارتها، وبعد خمس سنوات أرجع فأقدم استقالتي وآخذ التقاعد، وعندما آتي يكون معي مبلغاً من هذا السفر، افتح محل تحف، قال لي: هذا لا علاقة له بالتموين، حديث طويل وأنا أستمع له وانتهى اللقاء وذهبت إلى عملي، انتهى اللقاء، وضيفني كأس شاي، وذهبت للبيت، والله الذي لا إله إلا هو قرأت نعيه في اليوم نفسه.
صلى الفجر بعد الظهر كان تحت التراب، صلى إماماً في الجامع ظهراً العصر كان تحت التراب، قصص لا تعد ولا تحصى، دخل إلى مكتبه يؤلف وجدوه ميتاً في الصباح.
عندنا لقاء مع أحد الأخوة الكرام هذا اللقاء كل أسبوعين، له مصيف في الزبداني وعنده ثاني يوم وليمة دعا أقرباءه كلهم، هو بصحة جيدة لا يشكو من شيء أوى إلى الفراش لم يستيقظ.
كل مخلوق يموت، و لا يبقى إلا ذو العزة و الجبروت:
و الليل مهما طال فلا بد من طلوع من الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبــر
***
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يومـاً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـور جنــازة فاعلم بأنك بعدهــا محمول
***
أثمن شيء تملكه هو الوقت فعليك أن تحسن إدارته:
هذا الموت ينبغي أن يكون ماثلاً بين عينيك، لا يعييك عملك بالعكس تزداد بالتفكر بالموت انضباطاً، وتزداد بالتفكر بالموت سرعة إلى الله عز وجل، مرة سألوا طالباً نال الدرجة الأولى على طلاب الثانوية في بلدنا سألوه في الصحيفة ما السر في هذا التفوق ؟ اسمعوا ماذا قال: لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام.
وأنا أقول لكم لحظة الموت، أين أموت في بيتي ؟ يجوز، بالطريق ؟ يجوز، مرة نازل على المكتب وجدت ميتاً أمام قصر العدل مغطى بقماش، ذهبت إلى مكتبي التجاري حتى الساعة الرابعة عدت مكانه، القاضي الشرعي لم يأت، يا ترى في الطريق ؟ في السفر ؟ ليلاً ؟ نهاراً ؟ حولي أولادي ؟ وحدي في البيت ؟ أين يغسلوني بأي غرفة ؟ أين أدفن ؟ ماذا يفعل أولادي من بعدي ؟ يختلفون ؟ يتعاونون ؟ يبيعون البيت ماذا يفعلون ؟ فكر بالمستقبل أنت ذكي لا تفكر بالماضي، لا تفكر بالحاضر فكر بالمستقبل.
أيها الأخوة، موضوع الوقت لا أعتقد أن هناك موضوعاً أخطر منه، أنت وقت، رأسمالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت وكل عقلك وذكائك وبطولتك أن تحسن إدارة الوقت.
الفقرة العلمية:
أيها الأخوة الكرام، الفقرة العلمية:
الغدة النخامية ملكة الجهاز الهرموني مسؤولة عن إفراز:

عندنا الدماغ الجهاز العصبي، هناك ملكة هي ملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية ملكة، يعني تأمر جميع الغدد الصماء، الكظر، الدرقية، البنكرياس ، كل أنواع الغدد في الجسم الملكة المتحكمة بهذه الغدد هي الغدة النخامية.
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/01.jpg صورة لمقظع ناصف في الرأس توضح الغدة النخامية و تحت المهاد (تحت السرير البصري)


http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/02.jpg صورة لمقطع ناصف في دماغ الإنسان توضح الغدة النخامية و تحت المهاد (تحت السرير البصري )


http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/03.jpg صورة توضح الغدة النخامية و تحت المهاد (تحت السرير البصري)


1 ـ هرمون النمو:
دققوا هذه الغدة مرتبطة بالجسم الذي يسمى الجسم البصري، هذا الجسم مرتبطة به بمئة وخمسين ألف عصب، الغدة النخامية وزنها نصف غرام، مرتبطة بتحت السرير البصري بمئة وخمسين ألف عصب، هذه الغدة تفرز هرمون النمو، هذا الهرمون مؤلف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً ويجب أن يكون في كل لتر عشر ميكروغرامات من هذا الهرمون، إن زادت هذه النسبة صار الإنسان عملاقاً، مرض خطير مرض العملقة، وإن قلت هذه النسبة صار في مرض التقزم، أنت باعتدال، بطول معتدل.
أي في الدم عشرة ميكروغرامات من هذا الهرمون المؤلف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً، ومربوطة بالجسم تحت السرير البصري بمئة وخمسين ألف عصب، وزنها نصف غرام.
2 ـ هرمون إفراز الحليب:
هذه الغدة أيضاً فيها هرمون إفراز الحليب قبل الولادة بساعات الهرمون يجول في الدم وعندئذ يفرز ثدي المرأة الحليب ويمتلئ بالحليب، هرمون النمو، هرمون إفراز الحليب، أيضاً هذه الغدة فيها هرمون مسيطر على الغدة الدرقية
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/04.jpg صورة توضح الغدة الدرقية في العنق


والدرقية تقوم بالاستقلاب، الاستقلاب ما هو ؟ تحول الغذاء إلى طاقة، فكل واحد نحيف جداً يكون استقلابه عالٍ، كل شيء يأكله يصبح طاقة، والذي عنده وزن زائد يوجد باستقلابه ضعف فمهما قلل من أكله يوجد جزء من الطعام يذهب إلى التخزين.
3 ـ هرمون الغدة الدرقية:
هرمون ثالث هرمون الغدة الدرقية
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/05.jpg صورة توضح الغدة الدرقية


4 ـ هرمون الكظر:
الرابع هرمون الكظر، واجه خطراً يذهب هرمون من النخامية إلى الكظر
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/06.jpg صورة توضح الغدة الكظرية في البطن


يأمر الكظر بمواجهة الخطر، الكظر يرفع نبض القلب بهرمون، ويرفع وجيب الرئتين، ويرفع السكر حتى يواجه الطاقة، ويرفع هرمون التجلط، ويضيق لمعة الأوعية المحيطية وهي المسؤولة عن هرمون الجنس
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/07.jpg صورة توضح غدة الكظر و الكلية


5 ـ هرمون الجنس:
حدثني صديق ذهب إلى ألمانيا في مديرة مبيعات لما رآها صعق، نبت على وجهها الشعر، صوتها خشن، عضلاتها أصبحت مفتولة غير انسيابية، سألها، قالت يوجد نقص بالهرمون الجنسي في الغدة الدرقية، وأدفع نصف دخلي على أدوية كي أبقى هكذا، لأن الرجل صوته خشن، في شعر، علامات الرجولة معروفة عندكم، والأنثى لها ترتيبات ثانية، هذه الغدة مسؤولة عن هرمون الجنس، كم وزنها ؟ نصف غرام.
6 ـ هرمون اللون:
هذه الغدة مسؤولة عن إفراز هرمون يلون جلد الإنسان، إنسان أبيض فاتح، إنسان حنطي، إنسان حنطي على أغمق، إنسان أسمر غامق، الملون، هذه الغدة تفرز هرمون التلوين.
7ـ هرمون توازن السوائل:
يوجد هرمون يحقق توازن السوائل لو ضعف هذا الهرمون يصير عمل الإنسان فقط يجلس إلى جانب الصنبور ليشرب عشر تنكات ماء، وجنب الحمام ليفرغ هذا الماء، يشرب ويفرغ لو اضطرب هذا الهرمون، هرمون توازن السوائل.
8 ـ هرمون المخاض:
هرمون المخاض بوقت معين تفرز هرموناً يتوسع الحوض عمل ميكانيكي
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/08.jpg صورة توضح الحوض عند الأنثى


هرمون ثاني يعمل تقلص بالرحم
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1441/09.jpg صورة توضح الرحم


متزامن كل ساعة، كل خمسين دقيقة، كل أربعين، كل ثلاثين، بعد هذا الوليد يخرج.
9 ـ هرمون انقباض الأوعية و ترجيعها:
الآن انقباض الرحم انقباض صخري بهرمون الغدة النخامية.
عندنا تسعة هرمونات، النمو، الجنس، الحليب، الدرق، الكظر، توازن السوائل، المادة الملونة للإنسان، وقبض الأوعية وترجيعها. كل شيء في الكون له آية تدل على أنه واحد:
أيها الأخوة، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )
والله لو أحد الهرمونات ضعف إنتاجه من هذه الغدة الملكة التي هي وزنها نصف غرام لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 05:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثانى و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : الوقت -2- العمل الصالح






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. كل إنسان مكلف أن يعبد ربه عز وجل:
كنا في الدرس الماضي في موضوع الوقت كأحد مقومات التكليف، وقد كلف الإنسان أن يعبد ربه، و العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
وحينما كلف الله الإنسان أن يعبده أعطاه مقومات التكليف، أعطاه كوناً ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، أعطاه عقلاً يتعرف به إلى الله عز وجل، أعطاه فطرة يكشف خطأه، أعطاه شهوة تحركه، أعطاه اختياراً يقيّم عمله، ثم أعطاه وقتاً هو وعاء عمله.
العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/01.jpg
أيها الأخوة الكرام، الإيمان له ثمرة، آمنت بالله وبرسله وكتبه واليوم الآخر، آمنت بالله خالقاً ومربياً ومسيراً، آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، آمنت بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ماذا بعد الإيمان ؟ إذا اكتفيت بالإيمان هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرفعك عند الله درجة لأن إبليس اللعين آمن:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
( سورة ص الآية: 82 )
وقال: ﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
وقال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 12 )
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 12 )
الإيمان له ثمرة، إن لم تكن ليس هناك إيمان، الإيمان يترجم إلى عمل صالح، العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، أو ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة، المؤمن متحرك، يقف موقفاً، يعطي لله، يمنع لله، يصل لله، يقطع لله، يرضى لله، يغضب لله، يوجد حركة، إيمان سكوني سلبي إعجاب، تعظيم، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يتحرك، ولا ينصر، ولا يأخذ موقفاً، ولا يعارض، ولا يسالم، سلبي، وهذا شأن المسلمين موقف سلبي، إما أن ترى مؤمناً متقوقعاً لا يشارك بشيء، أو أن ترى مؤمناً سلبياً لا يفعل شيئاً.
من أراد لقاء الله عز وجل فليعمل عملاً صالحاً يُدخله الجنة:
لذلك ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة، يعني عاد مريضاً، نصح أخاً، أطعم جائعاً، حضر درس علم، نصح شارداً، وفق بين اثنين، رعى يتيماً في حركة، من دون حركة لا يوجد شيء، لو صحّ إيمانك.
لو أن إنساناً معه مرض جلدي، شفاؤه الوحيد التعرض لأشعة الشمس، قامع في غرفة قميئة ومظلمة ورطبة قوله: يا لها من شمع ساطعة، يا لها من شمس شافية، كل هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر، لو تحدثت عن الشمس إلى يوم القيامة لا يمكن أن تشفى إلا إذا تحركت، من هنا قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
( سورة فصلت)
الآن سيأتي تلخيص القرآن الكريم كله:
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾
( سورة الكهف)
تريد لقاء الله عز وجل اعمل عملاً صالحاً، والإنسان على شفير القبر على أي شيء يندم ؟
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 100 )
أنت كائن متحرك، والحركة يعني عمل صالح، والوقت غلاف هذه الحركة، وعاء عملك وقت. العمل الصالح ينبعث عن دوافع ويتجه إلى أهداف ويتعاون عليه المؤمنون:
أيها الأخوة الكرام، العمل الصالح ليس فلتة عارضة، ولا نزوة طارئة، ولا حادثة منقطعة، إنما ينبعث عن دوافع ويتجه إلى أهداف ويتعاون عليه المؤمنون، العمل الصالح أعظم ما في الحياة، أنت خلقت في الدنيا من أجل أن تعمل عملاً صالحاً يكون سبباً لدخول الجنة، بعد الإيمان بالله لا شيء يعلو على العمل الصالح، يعني الإيمان كما ترون أحياناً ليس انكماشاً ما له علاقة بشيء، لا يعمل شيئاً، لا يقدم شيئاً، لا يتدخل إطلاقاً، لك أخت على خلاف مع زوجها لا علاقة لي، لك مكانة عند زوجها ولك مكانة عندها، ادخل بينهما، وإن كان مثل بعيد عن موضوعنا التدخل من دولة خليجية لحلّ مشكلة لبنان أليس جميع الناس مرتاحون لهذا ؟ لو أننا اتفقنا من زمن طويل لكان موقف العالم منا موقفاً آخر.
العمل ليس انكماشاً، الإيمان ليس انكماشاً ولا سلبية ولا انزواءً ولا تقوقعاً، الإيمان حركة خيرة نظيفة، عمل إيجابي هادف، عمارة للأرض متوازنة، بناء شامخ كالجبال يتجه إلى الله ويليق بمنهج الله، ورحم الله سيدنا عمر بن عبد العزيز حينما قال: " الليل والنهار يعملان فيك ".
بصراحة مؤمن بلا عمل لا وزن له عند الله إطلاقاً، أكلنا وشربنا وسهرنا وتابعنا مسلسلات وضحكنا وصار في سرور بهذه الجلسة وعملنا سيران، إلى أن يشعر الإنسان بشيء في جسمه غير طبيعي يقول لك وغزة ألم في اليد اليسرى، إلى المستشفى عناية مشددة، الآن يقول:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 100 )
العمل الصالح يرقى بالإنسان يوم القيامة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/02.jpg
أيها الأخوة الكرام، إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما عملاً صالحاً، أريد أن أكون صريحاً مع نفسي ومعكم، آلاف الأعمال يفعلها معظم الناس تصب في النهاية في مصالحك، اشتريت ثياباً، اشتريت طعاماً، سكنت في بيت، رتبت البيت، تزوجت فرضاً، أنجبت أولاداً، هذه كلها أشياء مألوفة، أي عمل فعلته من أجل الله ؟ ابتغاء مرضاة الله، تبتغي به وجه الله، تدخره عند الله، هذا العمل الصالح هو الذي يرقى بك يوم القيامة، والوقت الذي نحن بصدده كإحدى مقومات التكليف هو وعاء عملك، اسأل نفسك أنا ماذا فعلت ؟ استطعت أن تأخذ بيد إنسان إلى الله ؟ لك صديقك هل اهتممت فيه ؟ زرته، أقنعته يحضر درس علم ؟ قدمت له شريطاً يسمعه ؟ حللت له مشكلة ؟ لك حركة بإقناع الناس بالتوبة ؟ لك أب وأم كنت باراً بهما ؟ لك أخوة أصغر منك رعيت هؤلاء الأخوة ؟ ما عملك ؟
والله أيها الأخوة الكرام، أحياناً الإنسان يبحث عن عمل صالح يجد نفسه فقيراً، كل حركته لمصلحته أما شيء لله لا يوجد.
من تقييمات العمل الصالح اتساع رقعته و امتداد أمده:
أيها الأخوة الكرام، الآن عملك يا ترى إطعام ؟ يا ترى دعوة ؟ يا ترى تأليف كتب ؟ يا ترى إصلاح بين الناس ؟ ما نوع عملك ؟ هذا العمل سنقيّمه، أول تقييم كلما اتسعت رقعة العمل، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إنسان واحد جاء إلى الدنيا وغادرها ومكث يدعو قومه سنوات معدودة وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تذهب للصين ترى خمسين مليون مسلم، تذهب إلى إفريقيا إلى أي دولة في إفريقيا في دول بالمئة تسعين، ثمانين، بجنوب إفريقيا، بأي مكان في العالم يوجد مسلمون والإسلام ينمو، فهذا العمل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم رقعته واسعة جداً تقريباً تغطي ربع مساحة الأرض، المسلمون يحتلون نسبة ربع سكان العالم في ستة آلاف مليون، المسلمون مليار وخمسمئة مليون، إنسان واحد جاء بهذا الدين فاتسعت رقعة هذا الدين من المغرب إلى الأطلسي إلى الصين، إذاً أحد تقييمات العمل الصالح اتساع رقعته، أحد تقييمات العمل الصالح امتداد أمده، في عمل ينتهي بعد ساعة أطعمت إنساناً وجبة طعام أكلها وشكرك وانتهى، العشاء جوعان انتهت وجبته، إنسان علّم إنساناً شيئاً كلما فعل شيئاً يدعو لك.
مرة أحد أخوانا الكرام توفي رحمه الله عنده معمل حلويات دخل إلى دكانه رجل من أقصى البلاد وغير مسلم، قال له تعلمني صناعة الكاتو ؟ قال له تكرم، أدخله ورحّب به وصنع أمامه طبخة كاملة، ما اكتفى، طبعاً كتب، قال له افعل طبخة ثانية أمامي، يقسم بالله لثلاثين عاماً يأتيه من طرف سوريا الشمالي الشرقي من الحسكة إلى الشام ليشكره، عمل عملاً دلّ شخص على حرفة عاش منها وما سأله أنت من أين، عبد لله عز وجل:
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾
( سورة المائدة )
حدثني طبيب أسنان جاءته مريضة تحتاج إلى تقويم لأسنانها، وهي معلمة، ودخْلها محدود جداً، كلما ابتسمت تبسم من أمامها، في تشوه، والمبلغ فوق طاقتها، فبعد أن اعتذرت عن متابعة المعالجة للرقم الكبير ناداها، قال: هل تقبلين هذا التقويم هدية مني ؟ قالت له الله يجزيك الخير، يقسم لي بالله العظيم أنه أمضى ستة أشهر وكأنه في الجنة لأني قدمت عملاً بلا أجر لوجه الله عز وجل. من خدم الآخرين ادخر هذا العمل عند الله ليوم القيامة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/03.jpg
لك عمل من دون مقابل لا شكر ولا حمد ولا أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أخضر لوجه الله، هل خدمت إنساناً لوجه الله ؟ هذا العمل تدخره عند الله.
أعظم عمل ما كان متسع الرقعة وما كان طويل الأمد، زارنا إنسان من الصين فالمرافق له كان أحد إخواني وجد الوضع غير طبيعي قال له، كأن في عطلة عندكم، قال نعم، قال ما المناسبة ؟ قال له في لنا نبي كريم هذا اليوم عيد مولده، قال له منذ كم سنة ؟ قال منذ ألف وخمسمئة سنة، صعق منذ ألف وخمسمئة سنة ومازلتم تذكرونه ؟ طبعاً، العمل الصالح امتداده مديد.
الآن اتساع الرقعة، الامتداد، التغلغل بأعماق النفس، تجد إنساناً يحضر درس علم لكن ليس ملتزماً، سمع مئة مرة أن لعب النرد حرام يقول لك: الآن ضاق خلقنا حتى الساعة الثانية ليلاً يلعب طاولة وهذه حرام ما سأل، الأثر ما كان عميقاً، أحياناً تنصح إنساناً يصل تأثيرك إلى أقصى أعماق نفسه، أبداً ورع، نريد عملاً صالحاً يمتد أمده، وتتسع رقعته، ويتعمق تأثيره، إذا عندك مثل هذا العمل هنيئاً لك، أمده طويل رقعته واسعة تأثيره عميق.
في آخر الزمان يزداد الأجر حينما تفسد المجتمعات:
الآن صفات العصر، ما علاقة هذا العصر بالأعمال الصالحة ؟ في صوارف وفي عقبات، نحن بالخمسينات لا يوجد شيء، لا يوجد إلا مدرسة وبيت، والطريق محشوم، الآن هناك مدرسة، و هناك بيت، و هناك طريق ممتلئ بالكاسيات العاريات، و هناك انترنت، و هناك مواقع إباحية، و هناك فضائيات، و هناك مجلات ساقطة، كل شيء يوجد، هذه كلها صوارف، ويوجد عقبات، أحياناً العقبة الأهل، أحياناً العقبة العمل، هناك عقبات تحول بينك وبين طاعة الله، وهناك صوارف تصرفك عن طاعة الله، لذلك الأجر الآن كبير جداً.
اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك ؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم ؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون.
العمل الصالح أعظم شيء بعد الإيمان بالله:
والآن بصراحة أيها الأخوة:
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ (16) ﴾
(سورة الكهف)
الكهف بيتك، والكهف جامعك، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، ادخل إلى بيتك، بيتك متحكم فيه، ليس فيه منظر قبيح، ليس فيه استثارة للشهوة، وادخل إلى جامعك.
أيها الأخوة، العوائق كثيرة والصوارف كثيرة، الأجر كبير جداً العوائق كثيرة والصوارف كثيرة، الآن يزداد الأجر حينما تفسد المجتمعات، وتضطرب الأحوال، ويجور الأمراء، ويتجبر الأقوياء، ويترف الأغنياء، ويداهن العلماء، وتشيع الفاحشة، ويظهر المنكر، ويختفي المعروف.
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي ))
[ مسلم عن معقل بن يسار ]
في زمن الفتنة، أيها الأخوة أنا أريد أن أبقي إن أمكنني الأمر أن أبقي أثراً كبيراً للعمل الصالح، أنت بعد أن آمنت بالله لا يوجد شيء أعظم في حياتك من عمل صالح تلقى الله به وعمل صالح أن يكون بعيداً عن مصالحك، قال تعالى: ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾
( سورة النمل الآية: 19 ).
ما العمل الصالح الذي يرضاه ؟ قال إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله وصواباً ما وافق السنة، دائماً اسأل نفسك مساء كل يوم ماذا فعلت اليوم ؟ هل أطعمت جائعاً ؟ هل كسوت عارياً ؟ هل عدت مريضاً ؟ هل زرت صديقاً لله ؟ هل أنفقت مالاً ؟ هل عملت عملاً صالحاً ؟ هل وصلت رحماً ؟ هل كتبت مقالة تنشرها تدعو إلى معرفة الله ؟ هذا عمل. بطولة الإنسان أن يكون له عمل صالح يستمر بعد موته:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/04.jpg
أيها الأخوة، يجب أن أنتقل إلى حقيقة خطيرة، أعظم الأعمال الصالحة هي التي تبقى بعد موتك، في علماء كثر توفاهم الله عز وجل محاضراتهم تذاع كل يوم وكأنهم أحياء، وأنا أعتقد أنهم قد فنيت أجسامهم ومحاضراتهم تبث كل يوم في معظم وسائل الإعلام، وبالمقابل هناك مغنون ماتوا وأصبحوا تحت أطباق الثرى وأغانيهم تذاع كل يوم، الأولون دروسهم التي تبث صدقة جارية والآخرون أغانيهم التي تبث معصية جارية مستمرة، فالبطولة أن يكون لك عمل صالح يستمر بعد موتك من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
معظم الناس ينجبون الأولاد، يا ترى خطر في بالك يا ترى هذا الطفل اجعله عالماً ؟ داعية ؟ تعتني به كثيراً ؟ تعتني بعقيدته ؟ بإيمانه ؟ بخلقه ؟ بدينه ؟ بدراسته ؟ هل تبذل جهداً كبيراً من أجله ؟ شعور الأب أن له ولد صالح يدعو الناس إلى الله من بعده هذا شعور لا يوازن.
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
أشقى الأشقياء من انقطع عمله بعد موته:
إذا إنسان له عمل العمل انقطع عند الموت، من هو أشقى الأشقياء ؟ الذي له عمل ينقطع عند الموت يتألم، والبطولة أن يكون لك عمل مستمر بعد الموت، مرة ألقيت خطبة كانت ناجحة جداً أخذتها من تفسير القرطبي، هذا التفسير مؤلف قبل ألف عام، بعد أن انتهت الخطبة أخوة أثنوا عليها ثناءً كبيراً وتأثروا بها، قلت سبحان الله في صحيفة القرطبي، الذي ألف تفسيراً وأنا اعتمدت على هذا التفسير في هذه الخطبة.
معنى تركت مؤلفاً، تركت دعوة، تركت مؤسسة، تركت معهد شرعي، تركت ميتماً، تركت مستوصفاً، تركت عملاً صالحاً ؟ أيها الأخوة العمل الصالح هو سر وجودك في الأرض، في حديث آخر يفصل:
(( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً كراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته.))
[صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة ]

على كل إنسان أن يفكر بعمل صالح يستمر بعد موته:
أي عمل صالح يستمر بعد موتك هذا من أعظم الأعمال الصالحة، وأنا أتمنى بشكل جاد كل أخ كريم يفكر بعمل صالح يستمر، يستمر من بعد الموت، طبعاً هذه الأعمال المستمرة في الأعمّ الأغلب أعمالاً دعوية، يعني ساهمت بهداية أشخاص أعمالهم الصالحة في صحيفتك، وأعمال ذريتك في صحيفتك، وأعمال من تبعهم في صحيفتك، لذلك أيها الأخوة:
(( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء ))
[أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي]
فكر إذا استيقظت:
(( مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له ))
( أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ].
حينما تستيقظ أول خاطر ماذا سنأكل صباحاً ؟ مثلاً، يا ترى أذن الفجر عندك هاجس، سيدنا عمر حينما طعن وكان على وشك الموت سأل سؤالاً هل صلى المسلمون الفجر وهو في الأفق الأعلى، في إنسان أفقه عالي، همه طاعة الله عز وجل، همه نشر الحق، همه تأكيد القيم الإسلامية. العبرة ليست بالوقت العبرة بالعمل الصالح:
أيها الأخوة، ويـلٌ ثُمَّ ويـلٌ ثُـمَّ ويـلٌ لمن انقضت آجالهم وضلالاتهم وآثامهم باقية من بعدهم، أنت تؤلف كتاباً كله ضلالات ويموت الإنسان كل واحد قرأه وتأثر بأفكاره الضالة وانحرف في صحيفة المؤلف، لذلك أن تكون أو أن تملك دار نشر وأن تنشر أي كتاب لو ارتكبت الكبائر بإمكانك أن تتوب منها، لكن إذا نشرت كتباً ضالة مضلة هذه الكتب توزعت ما في حل.
قال هنيئاً لمن كان تحت الثرى والناس مهتدون بهديه، سعداء بأعماله، ابن عطاء الله السكندري له قول رائع قال: رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده، ورب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة ولا تلحقه ومضة الإشارة.
بصراحة سنعد العمر الزمني فقط ستين سنة، سبعين، ثمانين، أربعين، سنشبه العمر الزمني بفتح محل تجاري يوم بكامله، إذا شخص فتح اثني عشر ساعة والغلة خمسمئة ليرة، وشخص فتح ساعة الغلة خمسة آلاف، أيهما أربح ؟ الوقت ماله قيمة، العبرة الغلة كم بعت ؟ أحياناً صفقة تتم بربع ساعة ربحها ثمان ملايين، وأحياناً دوام كامل عشر ساعات صياح ما في خمسمئة ليرة في اليوم، عشر ساعات صياح، العبرة ليس بالوقت العبرة بالعمل، لذلك كل الكلمات أمدّ الله بعمرك، العمر لا يزيد لكن قد يمتلئ بالعمل الصالح وقد لا يمتلئ، يعني أحد علماء الجزائر ابن باديس عاش أقل من خمسين سنة، والشافعي عاش أقل من خمسين سنة، وكان معتدلاً في الطعام إلى درجة غير معقولة، ينام ساعتين كل يوم استطاع أن يوقظ الجزائر كلها، وأن تقاوم الاستعمار بمنطوق ديني، بقيم دينية وأن تنتصر، أينما ذهبت في الجزائر كلمة ابن باديس على كل لسان، بثّ فيها الإيمان، كان قدوة واجه أوربا، عالم، فالإنسان أحياناً له بداية لكن ليس له نهاية.
رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده.
يقول لك عاش ثمانية وتسعين سنة ما فعل شيئاً، النووي عاش أقل من خمسين سنة ترك كتباً لا يعلمها إلا الله، رياض الصالحين، شرح صحيح مسلم، كتاب فقه كبير جداً بغية المحتاج.
أعلى الأعمال الصالحة أن يهدي الله على يديك إنساناً:
أيها الأخوة، العمل الصالح هو سر وجودنا وغاية وجودنا، أعلى الأعمال الصالحة أن يهدي الله على يديك إنساناً.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: يا علي:
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))
[ متفق عليه عن سهل بن سعد].
(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))
[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ].
(( خير لك من الدنيا وما فيها ))
[ تخريج أحاديث الإحياء للعراقي ].
لكن الهداية تحتاج إلى جهد، إلى إحسان، ينبغي أن تفتح قلب من تدعوه إلى الله بإحسانك حتى يفتح لك عقله لبيانك، افتح قلبه بإحسانك يفتح عقله لبيانك، الإحسان قبل البيان، القدوة قبل الدعوة، أكبر قوة تأثير تملكها أن تكون أنت قدوة، القدوة قبل الدعوة، اسلك السلوك الكامل ترى أن الناس يتأثرون بك ولو لم تنطق بكلمة، أبداً عندي شواهد كثيرة لو لم تنطق بكلمة أمانتك قدوة، صدقك قدوة، إتقان عملك قدوة، عفتك قدوة، ورعك قدوة، إذاً القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول قبل الفروع، والمبادئ لا الأشخاص والمضامين لا العناوين، والتربية لا التعرية، هذه كلها قواعد، أنت حينما ترى إنساناً مشى في الحق بسببك، تحس بسعادة لا توصف، وهذه الأعمال الصالحة الدعوية هي التي تبقى بعد الموت، طبعاً ما معنى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً (120) ﴾
( سورة النحل )
كان أمة بأعماله الصالحة، يعني ينبغي أن يكون لك أثر في كل النفوس. الدنيا دار تكليف و الآخرة دار تشريف:
أيها الأخوة، الحياة دار عمل وليست دار أمل، الحياة دار تكليف، الحياة دار تكليف وليست دار تشريف، الحياة دار بذل جهد:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾
( سورة الانشقاق )
الحياة بذل جهد، فلذلك يجب أن نستنتج من هذا اللقاء أن لا شيء يعلو بعد الإيمان بالله على عمل صالح يمتد أمده وتتسع رقعته ويتعمق أثره، وأن هذا العمل الصالح كلما كان أقرب إلى الدعوة إلى الله كان أقرب إلى أن يستمر بعد الموت، وأنه هنيئاً لمن كانوا تحت أطباق الثرى والناس يهتدون بدعوتهم، ويتأثرون بأعمالهم السابقة، وهذا من نعمة الله الكبرى.
أيها الأخوة، في درس قادم إن شاء الله نتابع موضوع العمل الصالح ونتصل بموضوعات تزيده وضوحاً وترسيخاً إن شاء الله. الموضوع العلمي:
جسم الإنسان من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل:
ننتقل إلى الموضوع العلمي أيها الأخوة أقرب شيء لنا الجسم الدليل:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
( سورة العلق )
يعني كل واحد يعلم علم اليقين أنه كان بويضة في مبيض أمه وحوين من أبيه، لقح الحوين البويضة ثم انقسمت وبعد تسعة أشهر صار طفلاً جنيناً له رأس، دماغ، شعر، عينان، أذنان، أنف، فم، لسان، مري، قصبة هوائية، معدة، أمعاء، رئتان، بنكرياس، كبد، صفراء، عضلات، عظام، جلد، متى صنع هذا ؟ في آية أبلغ من أن البويضة بحجم ذرة الملح التي قد لا ترى بالعين وبعد تسعة أشهر إذا هي طفل كامل يبكي، ويضحك، ويرى، ويسمع، ويأكل، ويجوع.
1 ـ الشحوم التي أودعها الله في جهاز الجنين الهضمي من الآيات الدالة على عظمته:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/05.jpg
مثلاً جهاز الهضم عبارة عن أنبوب، المري أنبوب، ثم المعدة، ثم الأمعاء الدقيقة، فالأمعاء الغليظة كلها أنابيب، لو أن هذه الأنابيب التصقت فأصبحت شريطاً الطفل لا يعيش إطلاقاً، ما الذي يضمن أن تكون أنبوباً وليست شريطاً ؟ الله عز وجل أودع فيها مادة شحمية سوداء اللون لئلا تلتصق الأنابيب ببعضها، في مادة شحمية، الآن الطفل ولد يلتقم ثدي أمه، ماذا يعطيه ثدي أمه في الثمانية والأربعين ساعة الأولى ؟ مادة لا علاقة لها بالحليب إطلاقاً، هذه المادة تذيب الشحم الذي في جهازه الهضمي لذلك الطفل الصغير بدءاً من ولادته إلى عدة أيام يخرج منه مادة سوداء هي الشحوم التي أودعها الله في جهازه الهضمي، ما هذه الحكمة ؟ لئلا تلتصق هذه الأنابيب ينبغي أن تمتلئ بالشحم ثم بعد الولادة لابد من أن يذوب الشحم ثم ثدي الأم يفرز مادة مذيبة لهذه الشحوم حتى يصبح الطريق سالكاً بين الفم وبين الخروج عندئذ يلتقم ثدي أمه.
2 ـ قدرة الله عز وجل على تزويد الطفل بمنعكس المص:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/06.jpg
آية ثانية التقام ثدي الأم عملية بالغة التعقيد ولا يمكن أن تعلم، وحينما يبين ربنا جلّ جلاله في بعض الحالات أن هذا الطفل لا يحسن المص لا بد من أن يموت، كل واحد منا الله زوده عند الولادة بما يسميه العلماء منعكس المص، طفل الآن خرج من بطن أمه أثناء تنظيفه قد تمر أصبع الممرضة أمام شفتيه يمصها رأساً، معنى يمصها يعني يحكم إغلاق شفتيه ويسحب الهواء، ما في قوة في الأرض تُعلّم هذا الطفل الذي ولد لتوه مص ثدي أمه، يا بابا الله يرضى عليك من أجل أن تأكل من أجل أن لا تموت، يفهم عليك ؟ في قوة تعلمه في الأرض من أودع في الإنسان هذه القدرة المعقدة الآلية على مص ثدي أمه، لا بد من إحكام الشفتين حول حلمة الثدي ثم لا بد من سحب الهواء ليأتي مع الهواء الحليب، سماه العلماء منعكس المص.
أول شيء ثدي الأم يفرز مادة ليس لها علاقة بالحليب إطلاقاً، مادة مذيبة للشحم، حتى يكون جهاز الهضم أنبوباً مفتوحاً وسالكاً، ثم زود الله هذا الطفل بمنعكس المص لمجرد أن يلتقم ثدي أمه يحكم شفتيه على حلمة الثدي ويسحب الهواء ليأتيه الحليب.
3 ـ إغلاق ثقب بوتال بين الأذنين بعد ولادة الإنسان بقدرة الله عز وجل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1442/07.jpg
في رحم الأم ما في هواء والرئتان معطلتان من أجل الدورة الدموية الله فتح بين الأذينين ثقباً ينتقل الدم من أذين إلى أذين عند الولادة تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، يد من ؟ يد الله عز وجل، لو هذا الثقب ما أغلق ما كان في هذا الدرس أي إنسان، وكل إنسان ثقب بوتال لم يغلق عنده يعيش عدة سنوات ويموت بداء الزرق، لأن الدم لا ينتقل عندئذ للرئتين، الطريق أسهل هنا، ينتقل من مكان إلى مكان أما يد من تغلق هذا الثقب ؟ في آيات دالة على عظمة الله عز وجل.
4 ـ تقلص الرحم أثناء الولادة تقلصاً لطيفاً ومتزامناً:
لذلك أيها الأخوة، أقرب شيء إليك جسمك الذي بين يديك، ثقب بوتال، منعكس المص، المادة التي تذيب الشحوم في الجهاز الهضمي، الله عز وجل زود الإنسان بهذه الحقائق، في أشياء كثيرة لولاها لما عاش الإنسان.
أثناء الولادة الرحم يتقلص لكن تقلصاً لطيفاً وتقلصاً متزامناً، يعني أول الأمر كل ساعة في طلقة، بعد ذلك كل خمسين دقيقة، كل أربعين، كل عشر دقائق، كل خمس دقائق، كل دقيقة، حتى الطفل يخرج، بعدئذ ينقبض الرحم انقباضاً وكأنه الصخر لأنها تقطعت عشرات الألوف من الأوعية بهذا الانقباض الشديد تغلق كل هذه الأوعية، قال لو عكست تقلصات الرحم قبل الولادة وبعدها لمات الجنين اختناقاً ولماتت الأم نزيفاً: ﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ﴾
( سورة عبس )
الرحم تقلص متزامن متسارع لطيف، تقلص دفع فقط، لكن بعد الولادة تقلص سدّ آلاف الأوعية المتمزقة فالطبيب أو الطبيبة أو المولدة حينما ترى أن الرحم كأنه كتلة صخرية تقول الولادة سليمة، إذا في رخاوة هناك خطر موت الأم بالنزيف، يد من ؟ ﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) ﴾
( سورة عبس )


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 05:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الثالث و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : الوقت -3- ادارة الوقت مظهر حضارى








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. كل إنسان خاسر إلا إذا أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً:
لازلنا في موضوع الوقتhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/01.jpg
وفي درس سابق بينت لكم أن الوقت إما أن ينفق استهلاكاً وإما أن ينفق استثماراً، ينفق استهلاكاً كما يفعل معظم الناس اليوم، يأكلون ويشربون ويتمتعون ثم يداهمهم الموت ولم يعدوا لهذه الساعة عدتها مثل هؤلاء الناس ينفقون وقتهم إنفاقاً استهلاكياً، لكن المؤمنين ينفقون وقتهم إنفاقاً استثمارياً بمعنى أنهم يفعلون في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعهم بعد انقضاء الوقت، والأصل في هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) ﴾
( سورة العصر )
يقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول رتبة الذي هو في الحقيقة زمن، بأنه خاسر، لأن مضي الزمن يستهلكه، إلا إذا أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً بمعنى آمن وعمل صالحاً ودعا إلى الله وصبر على البحث عن الحقيقة والعمل بها والدعوة إليها. أعظم عمل على الإطلاق العمل الصالح:
الآن ننتقل إلى معنى قوله تعالى:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/02.jpg
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
( سورة العصر ).
لا يغيب عن أذهانكم أيها الأخوة أن التواصي بالحق ربع النجاة، أو أحد أركان النجاة، لا تنجو إلا إذا بحثت عن الحقيقة، وعملت بها، ودعوت إليها، وصبرت على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها، وهذه السورة أيها الأخوة على قصرها تكفي الإنسان، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتفرقون إلا على هذه السورة، اليوم وتواصوا بالحق، الدرس الماضي كان الحديث عن العمل الصالح، تعريف العمل الصالح، اتساع رقعته، امتداد أثره، عمق تأثيره، نوعيته، وكيف أن هناك عمل يستمر بعد الموت، وهذا أعظم عمل على الإطلاق. التواصي بالحق أحد أركان النجاة وفرض عين على كل مسلم:
الآن ننتقل إلى التواصي بالحق، أولاً من المسلمات أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، ومن لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/03.jpg
إذا شخص من الأخوة الكرام وأنا واحد منهم، ما فكر أبداً أن يدعو إلى الله فهذا نوع من النفاق، من لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق .
فالتواصي بالحق أحد أركان النجاة وفرض عين على كل مسلم، لكن الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية، فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، لا بد من عالم متفرغ، متبحر، متعمق، قادر على ردِّ كل الشبهات والإجابة عن كل الأسئلة، هذا فرض كفاية، لكن كل مسلم على الإطلاق الدعوة إلى الله بالنسبة إليه فرض عين لكن حتى نرحم لكن في حدود ما نعلم ومع من نعرف، في حدود ما نعلم، سمعت درساً، سمعت شريطاً، أنصت إلى خطبة، تأثرت تأثراً بالغاً انقل ما سمعته إلى من حولك.
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ].
أي إنسان لا يدعو إلى الله فهو لا يحب الله و رسوله:
سورة العصر دليل كبير على أن الدعوة إلى الله فرض عين، وهناك آية ثانية:
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
( سورة يوسف الآية: 108 ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/04.jpg
يعني بالدليل والتعليم، فأي إنسان لا يدعو إلى الله قطعاً بنص هذه الآية لا يتبع رسول الله، وبالتالي لا يحب الله، والدليل: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
( سورة آل عمران الآية: 31 ).
أحد الأخوة الحاضرين لا يفكر أبداً أن ينقل درساً، يعطي شريطاً، ينقل تفسير آية، تفسير حديث، يأمر بالمعروف ينهى عن المنكر، يحاول هداية إنسان ما يفكر أبداً يموت على ثلمة من النفاق والدليل هذه الآية: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
( سورة العصر ).
النهوض بالحق يحتاج إلى جهد لأن العوائق كثيرة:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/05.jpg
أيها الأخوة الكرام، النهوض بالحق عسير يحتاج إلى جهد، والعوائق كثيرة جداً والصوارف عديدة، هناك عوائق أي عقبات، وهناك أشياء مغرية تصرفك عن طلب الحق، هناك هوى النفوس، هناك المصالح، هناك ظروف البيئة، هناك ضغوط العمل، التقاليد، العادات، الحرص، الطمع، يأتي التواصي بالحق ليكون مذكراً، مشجعاً، محصناً للمؤمن، يوصيه، يشجعه، يقف معه، يحرص على سلامته، وسعادته.



التواصي بالحق أحد أركان النجاة:
التواصي بالحق أحد أركان النجاة، لذلك:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) ﴾
( سورة آل عمران )
ما علة خيريتها ؟ ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ﴾
[ سورة آل عمران: 110]
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/06.jpg
ومتى تهلك أمة رسول الله ؟
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟))
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ (79) ﴾
( سورة المائدة )
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون ))
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]
قال: (( كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))
الإنسان بالإيمان والعمل الصلح يكمل نفسه وبالتواصي بالحق يكمل غيره:
أيها الأخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً التواصي بالحق ينقي ويصفي الاتجاهات الفردية، الإنسان يتخيل شيئاً وحده، يتوهم شيئاً، يتعلق بشيء، يأتي التواصي بالحق ينقي الاتجاه الفردي من الشوائب، فالحق لا يستقر ولا يستمر إلا في مجتمع مؤمن متواص بالحق متعاون متكافل متضامن، نقطة دقيقة جداً أنت بالإيمان والعمل الصالح تكمل نفسك، بارك الله بك، وأنت بالتواصي بالحق تكمل غيرك http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/07.jpg
المؤمن غيري، المؤمن ينتمي للمجموع أنت بالإيمان والعمل الصلح تكمل نفسك، وبالتواصي بالحق تكمل غيرك:
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ].
التواصي بالحق قضية مصيرية كيف ؟ الحق له دوائر هذا الجامع دائرة، هذه الدائرة إن لم تتنامَ، أنت أخ كريم لك أخان في البيت اقنع واحداً يأتي معك إلى الدرس، هذه الدوائر إن لم تتنامَ دوائر الباطل تتنامى ثم تضيق على هذه الدوائر، التواصي بالحق بادئ ذي بدء من أجل بقاء الحق، الحق لا يبقى إلا بالتواصي، اقنع أخوك، أيها الأب أقنع ابنك، أيها الابن أقنع والدك، أيتها المرأة أقنعي زوجك:
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ].
التواصي بالحق ضروري من أجل أن نغلب عناد الباطل:
دوائر الحق إن لم تتنامَ ما الذي يحدث ؟ تتنامى دوائر الباطل، الباطل يتنامى بسرعة السبب ؟ متعلق بالشهوات، والشهوات محببة، أما الحق يتنامى بجهد كبير، الحق لا يوجد شيء جاهز كل وعود الله بعد الموت، في الدنيا ممكن أن يعطيك الله لكن الجزاء في الآخرة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/08.jpg
فأنت تحتاج إلى جهد كبير لتقنع الناس بغض البصر، بضبط اللسان، بتحرير الدخل، لكن العطاء بالآخرة كبير جداً، هناك شهوة أمامك محسوسة، مركبة فارهة، امرأة جميلة، قصر منيف، دخل كبير، تجارة رابحة، مركز كبير إداري، سلطة، هذه أشياء محسوسة، تراها على شبكية العين أما بالآخرة مكتوب بالقرآن:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) ﴾
( سورة الضحى )
تفتح القرآن تجد خمس كلمات الآخرة إيمان بالغيب أما الدنيا محسوسة، لذلك التواصي بالحق ضروري جداً حتى يبقى الحق، الله عز وجل شاءت حكمته أن تكون الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، ومنزل عمل لا منزل أمل، ودار تكليف لا دار تشريف، أما الآخرة دار تشريف، لا بد من التواصي بالحق من أجل أن نغلب الهوى، من أجل أن نغلب عناد الباطل، أن نتحمل الأذى، أن نتكبد المشقة.
الوقت في عالم المسلمين وعاء العبادة و في الثقافة الغربية المال و الفائدة:
أيها الأخوة الكرام:
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ (104) ﴾
( سورة النساء )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/09.jpg
ألا نستحي من الله ؟ يألمون أكثر مما نألم على باطلهم، ونحن نضن أن نحمل هم الأمة ونحن على حق:
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(104) ﴾
( سورة النساء )
أيها الأخوة، الثقافة الغربية الوقت يعني المال، كان في بائع عصير قريب من الجامع الأموي عليه إقبال عجيب، يقدم عصيراً بأعلى مستوى ويسعر معتدل جداً، بأيام الصيف، سوق الحميدية مزدحم بالناس أمامه أربعين خمسين شخصاً ينتظرون، يؤذن الظهر يغلق المحل ويذهب إلى الجامع، خلال نصف ساعة ممكن يبيع خمسمئة زبون، معنى هذا أن الوقت يقابله المال أليس كذلك ؟ أحياناً يكون في مواسم كبيرة جداً وفي صلاة جمعة إغلاق المحل من أجل صلاة الجمعة يعني خسارة مبالغ طائلة، الثقافة الغربية الوقت يعني المال، أما في الثقافة الإسلامية الوقت يعني العبادة، الوقت وعاء عبادتك، وعاء عملك، وعاء عقلك، العلم يطلب بغلاف من الوقت، تاركين بيوتكم جميعاً، كل واحد له بيت، المتزوج له زوجة، عنده أولاد، في البيت في مقعد مريح، في ضيافة، تطلب قهوة، شاي، تحدث ابنك، تستمتع، البيت مريح أكثر من الجامع، تارك البيت وجئت إلى الجامع، هذا جهد، الوقت في الثقافة الغربية يعني المال، لذلك أي تأخير دفع يقابله فائدة، أما الوقت في عالم المسلمين يعني العبادة، الوقت وعاء عبادتك، بل وعاء عملك الصالح. العاقل من أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً وليس استهلاكياً لأن الوقت يحدد مصير الإنسان:
لذلك الشيء الدقيق الدقيق في هذا اللقاء الطيب كيف تنفق وقتك ؟ كيف يكون إنفاق وقتك إنفاقاً استثمارياً وليس إنفاقاً استهلاكياً ؟ تصور طالباً بالشهادة الثانوية وعلاماته في هذه الشهادة تحدد مصيره في الحياة، والده فقير، لا يوجد أمامه إلا أن يدخل الجامعة بمجموع معين كلية الطب في دمشق، في بيته مع أهله مع أقاربه، ليس هناك أجرة بيت ولا نفقات سفر، لو أخذ أقل بعلامة صار كلية الطب في حلب مضطر إلى سفر، إلى أجرة بيت http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/10.jpg
فالشهادة الثانوية بأنظمة بعض البلاد ونحن منهم علاماتك بالشهادة الثانوية تحدد مصيرك، طبيب، طبيب أسنان، صيدلي، كلية علوم، وهكذا كلية معلوماتية، اقتصاد، آخر شيء حقوق، علاماتك تحدد مصيرك، فأنت في العام الدراسي الذي يسبق الامتحان (امتحان الشهادة الثانوية) هذا الوقت طريقة استهلاكك للوقت يحدد مصيرك، طريقة استهلاك الوقت لطالب بالشهادة الثانوية يحدد مصيره، هناك طالب ينال الدرجة الأولى على كل أبناء البلد الطيب، لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان: " لمَ نلت هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام ".
الوقت وعاء عملك، المثل كبره، بعد الموت إحدى حالتين، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
يحدد مصيرك بعد الموت بالجنة أو النار طريقة استهلاك وقتك، طلبت العلم ؟ عرفت الحق والباطل ؟ عرفت الخير والشر ؟ عرفت الحلال والحرام ؟ عرفت ما ينبغي وما لا ينبغي ؟ ما يجوز وما لا يجوز ؟ ما يحبه الله وما يبغضه ؟ الوقت يعني مصيرك، هذا الوقت كيف تنفقه ؟
قيمة الإنسان بطريقة استهلاك الوقت:
أيها الأخوة، يقول بعض العلماء وهو الحسن البصري الذي عرّف الإنسان تعريفاً رائعاً قال: هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، قال أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره .
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/11.jpg
أقول لكم بصدق قيمتك بطريقة إدارة الوقت، قيمتك بطريقة استهلاك الوقت، ادرس، تعلم، تفوق، تبحر، اقرأ القرآن الكريم، افهم السنة النبوية، تكلم، ادعُ إلى الله، زاحم بركبتيك مجالس العلم، ماذا تفعل ؟ بصراحة لكن أتمنى أن تكونوا معي بدقة بالغة لا سمح الله ولا قدر ولا قدر ولا قدر إنسان أصيب بمرض عضال، أحياناً تشمع كبد، العملية الآن تكلف عشر ملايين، وعنده بيت ثمنه عشر ملايين، اشتراه بعد جهد جهيد بعد خمس وخمسين سنة من العمل الدؤوب اشترى هذا البيت، ورتبه، وكساه، وجهزه وإذا يفاجأ بتشمع كبد هذا مرض مميت، بلغه أن في عملية في فرنسا لزرع الكبد وناجحة كلفتها عشر ملايين ماذا يعمل ؟ والله لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته وإجراء العملية، لماذا فعل هذا ؟ سؤال لأنه مودع بأعماق أعماقه بأن الوقت أثمن من المال، أي إذا أجرى عملية كلفتها ثمن بيته وعاش بضع سنوات أخرى يرى نفسه ناجحاً.
الوقت أثمن من المال و من أتلف وقته خسر كل شيء:
أنت مركب في أعماقك أن الوقت أثمن من المال، تمام، هيئ نفسك بهذه المفارقة، إنسانًا أمسك بخمسمئة ألف أمامكم، وأشعلها، وأحرقها حتى أصبحت رماداً، أحرق نصف مليون ليرة وأنت لا تستطيع أن تكلمه ولا كلمة معه مسدس مثلاً، بما تحكم عليه ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/12.jpg
لو رأى هذا المنظر مليون إنسان بما يحكم على هذا الإنسان الذي أحرق نصف مليون ليرة ؟ بالسفه والجنون إذا كان إتلاف المال يعد سفهاً، ولأن الوقت أثمن من المال فالذي يضيع وقته يعد أشد سفهاً، سهرة ما فيها شيء كلام فارغ، غيبة، ونميمة، وحديث عن الطعام، والشراب، والنساء، ولاعبي الكرة، والممثلين والممثلات الأحياء منهم والأموات، وآخرها، لا يوجد شيء، إضاعة الوقت أخطر شيء يفعله الإنسان، كلام فارغ، حديث بلا طائل، مزاح رخيص، غيبة، نميمة، حديث عن حطام الدنيا، أنواع السيارات، الشباب والله لو أتقن دروسه كما يتقن أنواع السيارات وميزة كل سيارة وخصائصها وهذه توربو، وهذه فول أبشن، وهذه دفع رباعي، ترى الشباب عندهم إدراك لمزايا السيارات شيء مذهل، حديث عن السيارات، وإذا حديث مستوى أدنى عن النساء وعن الأفلام وغيبة ونميمة، وقيل وقال وإضاعة المال، هذا الذي يتلف وقته أشد سفهاً من الذي يحرق أموالاً، أنت الوقت، الوقت أنت، أنت بضعة أيام، الوقت من ذهب بل هو أغلى من الذهب.
إدارة الوقت مظهر حضاري فعلى كل إنسان أن ينظم وقته:
أيها الأخوة الكرام، أذكر الأخوة الكرام الذين درسوا اقتصاداً ما هي الموارد الاقتصادية الأولى في العالم ؟ أربع موارد، عندنا بترول، عندنا خامات الفوسفات، عندنا خامات اليورانيوم، عندنا ذهب، ألماس، الاقتصاد أساسه مواد في ثروات طبيعية، في فحم، والمعلومات، فلان معه دكتوراه بإدارة الأعمال، فلان يحمل اختصاص بالنبات، فلان اختصاص بالتكييف، اختصاص بإدارة الأعمال، المواد والمعلومات والأفراد، هل تستطيع أن تؤسس شركة وأرباحها طائلة بلا أشخاص ؟ لا تقدر، تحتاج موظفين، مدير تنفيذي، معاون مدير، مدير محاسبة، مدير مبيعات، مدير استيراد، مدير دعاية، تحتاج إلى أشخاص، تحتاج إلى مواد، تحتاج إلى مكان، بناء، بضاعة، مواد، تحتاج إلى معلومات شخص معه اختصاص محاسبة، شخص معه اختصاص إعلام، شخص معه اختصاص بيئة مثلاً، وتحتاج إلى أفراد أشخاص، وتحتاج إلى وقت.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/13.jpg
أهم هذه العناصر الوقت وأهون عنصر بحياة الأمم النامية هو الوقت، الوقت ليس له قيمة أبداً، مثلاً في بعض البلاد بناء فيه مكاتب تجارية كل ما يحتاجه التاجر في هذا البناء، يحتاج إلى دفع ضريبة مالية، تخليص بضاعة من الجمارك، كل الدوائر التي يحتاجها التاجر في بناء واحد، هناك بنوك، و هناك اتصالات، وهناك مطاعم، وهناك مسجد في بلد إسلامي، أحياناً بلد آخر التحليل في حلب وتصديق الشهادة بمكان آخر، وامتحان البذور بدوما، تجد الإنسان ضائع وقته، أهون شيء على البلاد النامية الوقت، في اتجاه جديد رائع جداً النافذة الواحدة، جمع المصالح كلها في مكان واحد، كيف الإنسان يدخل إلى سوق حديث كل شيء في هذا السوق، أما بالنظام القديم البضاعة الأولى من حي وهذه من حي، الوقت مهم جداً، أي إدارة الوقت الآن مظهر حضاري، نظم وقتك، نظم نومك، نظم علاقتك بأهلك، نظم وقت مطالعتك، نظم وقتاً تجلس مع أهلك، اكتب برامج، اعمل مذكرة، اعمل أجندة الآن، اعمل برنامج عمل، لا بد من إدارة الوقت إذا كنت مؤمناً، أنت وقت، أنت بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
تعريفات إدارة الوقت:
أيها الأخوة، من تعريفات إدارة الوقت، قال: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/14.jpg
هناك شيء آخر قال بعضهم الذي يحسن إدارة وقته هو في الحقيقة يحسن إدارة نفسه، وإن لم يكن بالإمكان استثمار كل الوقت فلعل الأقل أن نستثمر أكبر قدر من الوقت، أنا معك مستحيل أن تستثمر كل دقيقة في حياتك، هناك هدر لكن استثمر معظم الوقت، اقرأ كتاباً، ذاهب إلى حلب بمركبة عامة خذ معك كتاباً صغيراً، تصفحه، حاول أن تملأ وقتك بأي عمل، والله كنت بفرنسا ركبت قطاراً قطع من شمال فرنسا إلى جنوبها بسرعة ثلاثمئة وخمسين كيلو متراً بالساعة، قريب من طائرة من دون صوت على الكهرباء، لفت نظري لا يوجد راكب إلا معه كتاب أو كومبيوتر وعملوا مأخذ كهربائياً لكومبيوتر، معك كومبيوتر صغير تضعه على المأخذ الكهربائي وتعمل، طبعاً القطار مستقر استقراراً تاماً وصوت لا يوجد ومكيف وفيه مطعم، أنا تأثرت هؤلاء الدول ولا راكب ينظر من النافذة، اصعد إلى مركبة عامة جالس ينظر، خمس ساعات لحلب ينظر، الوقت ثمين جداً، صدقوني لا أبالغ اشتهيت أن أرى راكباً واحداً ما معه كتب، إما كتاب، أو كومبيوتر، ساعتان.
إدارة الوقت حضارة و إيمان:
أيها الأخوة، إدارة الوقت حضارة، إدارة الوقت إيمان، إدارة الوقت فلاح، إدارة الوقت نجاح، اقرأ كل يوم، اجلس مع أهلك لوقت، قَسّم وقتك، نظم وقتك، اعمل برامج، عدلها، طورها باستمرار.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/15.jpg
قال أكثر العناصر هدراً في الدول النامية الوقت، مثلاً بالقطار ينطلق القطار ثمانية وأربع وعشرين دقيقة، يصل الثانية عشرة وتسع وخمسين، والله شيء لا يصدق، الحساب بالدقيقة، أحياناً في بلد آخر ثلاث ساعات تأخير الطائرة، عادي، أحياناً ست ساعات عادي، بالدقيقة الوقت أنت، أنت وقت، قال أكثر العناصر هدراً وأقلها استثماراً هو الوقت، لأنه لا يوجد إدراك كافٍ للخسارة الكبيرة التي تكون من هدر الوقت.
بالريف أحياناً جالس أمام البيت، يمر شخص ينظر به هكذا، يأتي الثاني ينظر، ماذا تعمل ؟ والله مرّ احد العلماء بمقهى (عالم كبير الشيخ بدر الدين الحسني) وجد أناساً يلعبون النرد قال: يا سبحان الله لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم.
الوقت أكبر مورد اقتصادي و رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً:
أيها الأخوة، الوقت أكبر مورد اقتصادي لكن في خصائص دقيقة لا يمكن تجميعه، نحن نجمع مياه الأمطار بسد، الوقت لا يجمع وهو سريع الانقضاء، ما مضى منه لا يرجع ولا يعوض، والوقت أثمن وأنفس ما يملكه الإنسان، وعاء لكل علم، ولكل عمل، ولكل عبادة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/16.jpg
هو رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً، كلام دقيق بدراسات دقيقة جداً، بعض البلاد النامية يعمل الفرد في اليوم سبع وعشرين دقيقة، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان على ساعات العمل، وفي بلد آخر يعمل الفرد فيه سبع عشرة دقيقة، والبلاد القوية يعمل فيها الفرد ثمان ساعات بالتمام والكمال، لا تتصور أمة يعمل أفرادها سبع عشرة دقيقة ينتصرون على أمة يعمل أفرادها ثمان ساعات.
والله في معلومات يتقطع لها القلب ؛ شركة واحدة فيها أربعون ألف عامل أرباحها السنوية تعادل الدخل القومي لدولة عربية كبيرة جداً أفرادها سبعون مليون، أمة سبعون مليون كل دخلها القومي أقل من شركة فيها أربعين ألف عامل، الوقت ثمين جداً، الوقت أيها الأخوة، لا يمكن شراؤه هو أساس الحياة وعليه تقوم الحضارة، لا يمكن شراؤه ولا بيعه ولا تأجيره ولا استعارته ولا مضاعفته ولا توفيره ولا تصنيعه، لكن يمكن استثماره وتوظيفه، أولئك الذين لديهم وقت لإنجاز أعمالهم لديهم أيضاً وقت لمعرفة ربهم وعبادته والتقرب إليه، عرفوا قيمته وهم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم.
إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره أو تعديله بل تنطلق إلى استثماره بشكل فعّال:
إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره ولا إلى تعديله ولا إلى تطويره بل تنطلق إلى طريقة استثماره بشكل فعّال، محاولة التقليل من الوقت الضائع هدراً من دون فائدة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/17.jpg
الوقت يمر دققوا مع أنه عند الأدباء دقيقة الألم ساعة وساعة اللذة دقيقة.
إن يطل ليلك بعدي فكم بت أشكو قصر الليل معك
***
هذا الإنسان إذا كان بألم شديد الوقت يطول عليه، إذا كان بفرح الوقت يمر سريعاً، أما الساعات هي هي، ساعات الألم تساوي ساعات الفرح تماماً، لذلك دقق في هذه العبارات، الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة فكل دقيقة أو ثانية وكل ساعة تشبه الأخرى، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع، يتحرك وفق نظام معين محكم، لا يمكن إيقافه أو تغييره أو زيادته أو إعادة تنظيمه، وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام من دون تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله لأنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي. مشكلة الإنسان ليست في مقدار الوقت بل في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه:
على الرغم من أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية فإنهم جميعاً يملكون الأربع والعشرين نفسها كل يوم، الأذكياء والأغبياء، المتألقون والخاملون، يملكون معاً كل يوم أربع وعشرين ساعة والاثنين والخمسين أسبوعاً كل عام، الذي أخذ الأولى على القطر عنده كان مئتي أسبوع والذي ما نجح عنده عشرة أسابيع ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/18.jpg
الطالب الناجح والراسب عنده اثنين وخمسين أسبوعاً كل عام، فإن جميع الناس متساوون بالمدة الزمنية، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم من أغنياء القوم أو من فقرائهم، فالمشكلة ليست في مقدار الوقت المتوفر لكل من هؤلاء ولكن المشكلة في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه.
لعلي بهذا الدرس أقنعت بعضكم أو جلكم أن يخطط، أن يدير وقته، أن يبرمج أعماله، أن يوزع ساعات عمله، أن يتحرك وفق خطة.
لذلك إدارة الوقت تعني قوله تعالى:
﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة الملك )
لهذا البحث تتمة إن شاء الله في لقاء آخر.
والحمد لله رب العالمين موضوع الإعجاز العلمي:
النحل:
أيها الأخوة، ننتقل إلى موضوع الإعجاز، الحقيقة أن الله عز وجل خلق مخلوقات فيها من عجائب صنعته الشيء الكثير، النحل مثلاً.
النحل حشرة اجتماعية تخضع لنظام مذهل:
هذا النحل حشرة اجتماعية تخضع لنظام مذهل، هناك ملكة، وهناك عاملات، و هناك ذكور، و عاملات لتنظيف الخلية، و عاملات لتلميع الجدران، و عاملات لصقل الجدران، في تنظيف، ثم صقل، ثم تلميع، هناك عاملات حارسات يقفن على مدخل الخلية وأية نحلة لا تنطق بكلمة السر تقتل، لو رأيت مليون مليون نحلة في النهار كل نحلة لا بد أن تأوي إلى خليتها وإلا تقتل.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/19.jpg
هناك كلمة سر وهذه الكلمة تبدل من حين لآخر، شيء لا يصدق في عاملة مهمتها تهوية الخلية تقف على مداخل الخلية وتحرك أجنحتها، في الشتاء تغلق العاملات أبواب الخلية من أجل الدفء، في الصيف تحرك الهواء بأجنحتها من أجل ترطيب الجو، في عاملات وصيفات متعلقات بالملكة، لذلك فالغذاء الملكي تصنعه العاملات الوصيفات، الملكة لها غذاء خاص، وأخوتنا الكرام في عاملات مستطلعات يبحثن عن المراعي ويعدن إلى أخواتهن ويرقصن برقصة تبين بعد المرعى عن الخلية، وقد يكون عشرة كيلو متر، وفي رقصة تبين غزارة الأزهار من تواتر الحركات،، في اتجاه، ومسافة، وغزارة، عن طريق رقص النحل، النحلة في طريق الذهاب سرعتها ستين كيلو متراً في الساعة، طريق الإياب محملة ثلاثين كيلو متراً.
العسل شفاء للناس و تكليف النحل من قبل الخالق سبحانه بصنعه:
الآن أحدث الناقلات تصنع فيها المواد في أثناء السير http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/20.jpg
في شركات عملاقة تأخذ المواد الأولية من أستراليا تصنع هذه المواد الخام في الطريق ألمنيوم يباع في قبرص المعمل في الباخرة، يوجد بعالم النحل شيء لا يصدق، النحلة حينما تمص الرحيق من الزهرة تدع أثراً يبين أن هذه الزهرة مصّ رحيقها يا أختي لا تتعبي نفسك هذه منتهية، في طريق العودة النحلة تصنع هذا الرحيق وتكثفه كمرحلة أولى من تصنيع العسل، الحديث عن النحل حديث طويل، يعني مثلاً لو كلفنا نحلة واحدة أن تصنع كيلو عسل تحتاج هذه النحلة إلى أربعمئة ألف كيلو متر طيران يعني عشر دورات حول الأرض من أجل صنع كيلو عسل واحد، والعسل كما تعلمون صيدلية والله عز وجل ذكره في القرآن الكريم فقال:
﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (69) ﴾
( سورة النحل )
الوظيفة النفعية و الإرشادية للعسل:
والله أيها الأخوة، كل شيء الله خلقه له وظيفتان وظيفة نفعية تفوق بها الغرب، وظيفة إرشادية تفوق بها المسلمون http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/21.jpg
والأولى أن تجمع بينهما، الوظيفة النفعية للعسل أنه شفاء للناس أما الوظيفة الإرشادية للعسل أنك تعرف الله من خلاله، ما هذا النظام الدقيق ؟ العاملات المنظفات لو دخلت فأرة إلى الخلية حجم الفأرة ووزنها لا يسمح للنحلة المنظفة أن تخرجها تغطيها بطبقة شمع كاملة وكأنها غلفتها، الآن هذا المسجد لو أتينا بعامل بلاط ابدأ من هنا، وعامل بلاط ابدأ من هنا، وعامل من هنا، وعامل من هنا، ابدؤوا كل واحد تحرك باتجاه المركز هل يمكن أن يجتمع هذا مع هذا وهذا مع هذا على بلاطة نظامية ؟ مستحيل يسمونها البلاطون غلاقة أما النحلات اللواتي يصنعن خلايا الشمع، الخلايا شكل مسدس هذا الشكل المسدس أنسب شكل لأنه لا يبقي فراغات بينية إطلاقاً وزواياه منفرجة لسهولة أخذ العسل منه، وتبدأ النحلات بصنعه من أطراف الخلية وتلتقي على مسدس نظامي بالميكرون وهذا فوق طاقة البشر، الله عز وجل قال:
﴿ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (38) ﴾
(سورة الأنعام)
من إعجاز القرآن الكريم وصف النحلة العاملة بأنها أنثى:
طيران النحل والنحل المستكشف، والنحل الذي يرقص، والملكة، وصيفات الملكة، والغذاء الملكي، الذكور، الآن الملكة تلد إناثاً وذكوراً وملكات، تعلم أن هذا الذي يخرج الآن ملكة تضعها في حقل الملكات، وهذا الثاني ذكر مع الذكور، كيف تعلم ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/22.jpg
تقوم الملكة التي تلد عن طريق الذكر من النحل بشيء عجيب جداً، قال تعالى:
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي (68) ﴾
(سورة النحل)
اتخذي إعراب الياء ياء مؤنثة مخاطبة، هل كان يعرف من في عهد رسول الله أن النحلة التي تصنع العسل هي الأنثى ؟ الذكر لا يصنع العسل، الأنثى فقط: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا(68) ﴾
(سورة النحل)
فالله عز وجل وصف النحلة العاملة بأنها أنثى هذا من إعجاز القرآن الكريم. التفكر في خلق الله عز وجل يرشد الإنسان إلى الحق:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1443/23.jpg
و الله أيها الأخوة لو شخص قرأ كتاباً عن النحل لغشيت قلبه خشية لله عز وجل، و لعله بكى، و الله الذي لا إله إلا هو يكون هذا الإنسان قد حقق الهدف الأكبر من خلق العسل و النحل.
و الذي أكل عسل نحل حتى شبع و لم يفكر في الجانب الإرشادي عطل الهدف الأكبر من خلق العسل و النحل، الدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى هلالاً فقال:
((هلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ))
[سنن أبي داود عن قتادة]
أي خير أنتفع به و رشد يرشدني إلى الله عز وجل.

والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 05:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الرابع و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : قضايا الايمان - 1 - مظاهر الوصول الى الله







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الأعمال التي لا ترضي الله عز وجل تحول بين المؤمن و ربه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/04.jpg
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. الموضوع اليوم متصل بمشكلة يعاني منها معظم المسلمين، يسألك سائل أصلي فلا أشعر بشيء، أقرأ القرآن فلا أشعر بشيء، أذكر الله فلا أشعر بشيء، أين المشكلة و ما السبب ؟ وأين الخلل ؟ الحقيقة الله عز وجل يقول:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
( سورة البقرة الآية: 186 ).
الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه، أقرب إلينا من حبل الوريد، معنا أينما كنا، بل إن قيامنا به، هو قريب ولكن كيف نحن نقترب منه ؟ الحقيقة المرة أن الذي يحول بيننا وبين الله أعمال لا ترضي الله والدليل: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) ﴾
( سورة المطففين).
سلامة الإنسان و سعادته في الدنيا أن يصل إلى الله تعالى:
الله عز وجل عزيز لا يتجلى على المؤمن إلا إذا كان طاهراً، إلا إذا كان مستقيماً، إلا إذا كان ورعاً، إلا إذا كان مخلصاً، يجب أن تتهم نفسك دائماً إنك إن لم تستطع أن تتصل بالله، أنك إن لم تجد حلاوة الإيمان، إنك إن لم تجد حلاوة الذكر، إنك إن لم تجد حلاوة القرآن فاتهم نفسك، هناك شبهة حالت بينك وبين ثمار الإيمان، أو هناك شهوة آثرتها على طاعة الله عز وجل، هذه الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس ؛ إما شبهة أو شهوة، الشبهة تحجبك عن الله عز وجل، والشهوة أيضاً تحجبك عن الله عز وجل، لكن الإنسان إذا شعر بالغفلة هناك إنسان بسرعة وبجهد يسير يتصل بالله، يكون الحجاب رقيق، صغير، تقصير، وأحياناً يكون الاتصال بالله صعباً جداً، الحجاب كثيف، يجب أن تعلم علم اليقين أن كل سعادتك وسلامتك أن تصل إلى الله في الدنيا، أن تصل إليه من خلال الصلاة، أو من خلال الذكر، أو من خلال تلاوة القرآن، أو من خلال المناجاة، أو من خلال الدعاء، أو من خلال التسبيح، أو التكبير، والحمد، وما إلى ذلك.
حينما ترى حجاباً بينك وبين الله اتهم نفسك، الله عز وجل أقرب إلينا من حبل الوريد، يحول بيننا وبين قلوبنا، الله عز وجل ينتظرنا:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
( سورة البقرة الآية: 186 ).
من رأى أن الله عز وجل لا يتجلى على قلبه عليه أن يتهم نفسه بالدرجة الأولى:
يمكن أن تتصل بالله وشفتاك مطبقتان، لكن حينما ترى الأمر غير ميسور في حجب، النقطة الدقيقة الأولى، اعلم علم اليقين أن التقصير والمخالفات والشهوات والشبهات حجاب بينك وبين الله، الكافر محجوب عن الله لكن محجوب بسبب كبير جداً أنه أنكر وجوده، أو أنه أنكر أسماءه الحسنى، أو أنه أنكر عدله، أو أنه أنكر رحمته، لكن معقول مسلم لسبب صغير يحجب عن الله ؟ لسبب قليل ؟ المشكلة راجع حساباتك، راجع نفسك.
من ثمرات الاتصال بالله عز وجل:
1 ـ نور يقذفه الله في قلب الإنسان يرى به الخير خيراً والشر شراً:
لعل من المناسب أن نشرح في هذا اللقاء الطيب ثمار أن تصل إلى الله أو مظاهر الوصول إلى الله، مظاهر الإقبال على الله عز وجل، أولاً الله عز وجل يقول:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾
( سورة الأنعام)
حياة القلوب و اطمئنانها بذكر الله تعالى:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/05.jpg
الإنسان بالبعد عن الله ميت، إذا اتصل به شعر بالحياة، الحياة الحقيقية حياة القلب، الحياة الحقيقية حياة الاتصال بالله، الحياة الحقيقية حياة أن يقذف في قلبك نور إلهي ترى به الخير خيراً والشر شراً، فالآية واضحة جداً:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾
( سورة الأنعام)
قد يموت القلب والقلب يحيا بذكر الله: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 ).
القلوب تحيا بذكر الله وتطمئن بذكر الله: ﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (122) ﴾
( سورة الأنعام)
من وصل إلى الله و اصطلح معه قذف الله في قلبه نوراً يهديه إلى أفضل الأمور:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/06.jpg
أول نقطة في الدرس علامة اتصالك بالله، علامة إقبالك عليه، علامة إخلاصك له، علامة استقامتك، أن الله عز وجل يكافئك بنور يقذفه في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، هذه ميزة أيها الأخوة، يصعب تصورها، لا تقع في ورطة، لا تقع في خطأ كبير يدمرك، أنت مستنير بنور الله، ترى بنور الله، وتنطق بتوفيق الله، وتتحرك وفق منهج الله، أول ثمرة من ثمار اتصالك بالله أنك تشعر برؤية صحيحة، المؤمن يملك رؤية صحيحة، المؤمن يملك رؤية صحيحة يرى الخير خيراً والشر شراً، يعني لا أقول معصوم لا ليس معصوماً، لكن إن أخطأ ففي أشياء صغيرة جداً أما أن يقع في كبيرة، أن يقع في ورطة، تودي به إلى الدمار مستحيل، لأنه يرى بنور الله، لأنه ينطق بتوفيق الله له مرجع.
أيها الأخوة، مثل بسيط أضعه بين أيديكم، مثل افتراضي، أب كبير، كبير بعلمه، باختصاصه، وبرحمته، وغني، ويحرص على تربية ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له أفضل مدرسة، أفضل مكتبة، أفضل أصدقاء، له غرفة خاصة يتابعه في أدق التفاصيل، ترى الطفل مهذب، الأول في مدرسته، أنيق في لباسه، انظر إلى طفل آخر لا ولي له، من مكان إلى مكان، من بناء إلى بناء، من مخفر إلى مخفر، منحرف، رث الثياب، يسرق، يرتكب الفواحش، يساق إلى السجن أحياناً، هذا لا ولي له، اسمع الآية الآن:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
لك مرجع، مرجعك الله، لك كتاب مرجعك الكتاب، لك نبي عظيم مرجعك سنته الشريفة، أنت لك مرجع: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
أول حقيقة أن المؤمن إذا وصل إلى الله، واصطلح معه، وأقبل عليه، واستقام على أمره، وأخلص له، يقذف الله في قلبه نوراً يريه الحق حقاً والباطل باطلاً. من أقبل على الله قلّما يقع بأخطاء تحجبه عن المولى سبحانه:
قلما يقع المؤمن في ورطة كبيرة، هذه الحقيقة الأولى، قد يقول أحدكم ما الدليل ؟ الدليل هذه الآية:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (122)﴾
( سورة الأنعام)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28) ﴾
(سورة الحديد)
هذه أول ثمرة من ثمار الاتصال بالله، الوصول إلى الله، الإقبال على الله.
2 – انتقال اهتمامات الإنسان إلى الدار الآخرة:
أيضاً العلامة الثانية فضلاً عن الرؤية الصحيحة، العلامة الثانية تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة.
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ))
( أخرجه ابن ماجة عن الترمذي ].
أول ثمرة من ثمار الوصول إلى الله: نور يقذفه الله في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، والثمرة الثانية أنه تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة، لذلك الإنابة إلى دار الخلود والتأهب ليوم النشور.
3 ـ وجل القلب عند ذكر الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/07.jpg
هناك علامة ثالثة، أنا أضعكم أمام علامات دقيقة حتى الواحد يراقب نفسه، يحاسب نفسه، يفحص نفسه، العلامة الثالثة وجل القلب عند ذكر الله، الدليل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2) ﴾
( سورة الأنفال)
يبكي المؤمن، يضطرب قلبه، يخفق قلبه، إذا ذكر الله وجل قلبه يعني اضطرب، شعر برعشة، رعشة إيمانية نقلته إلى الله عز وجل، الآن من علامات الوصول إلى الله أيضاً خشوع القلب عند ذكر الله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
( سورة المؤمنون ).
الخشوع السكون، يعني إنسان يصلي بحركات زائدة إذا صلى خشع قلبه وخشعت جوارحه، إذا استمع إلى القرآن يخشع ويبكي، الخشوع السكون، والركون، والانبساط، الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) ﴾
( سورة الحديد ).
بنور يقذفه في قلبك تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة قلبك يضطرب إذا ذكرت الله، جسمك وقلبك يخشع عند ذكر الله.
4 ـ حضور القلب في الذكر والصلاة:
هناك علامة أخرى هذه العلامة حضور القلب في الذكر والصلاة، أنا لا أقول لك إنك إن صليت لن تشرد إطلاقاً لكن المؤمن في معظم صلاته مع الله، واقف بين يدي الله، يناجي ربه، يقول في صلاته سمع الله لمن حمده، يا رب لك الحمد خلقتني، هديتني، أكرمتني، سترتني، غفرت لي، في مناجاة، إن أردت أن تحدث الله فادعه، وإن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) ﴾
( سورة الإسراء)
إن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، وإن أردت أن تحدث ربك فادعه:
يا موسى أتحب أن تكون جليسي ؟ قال: كيف أكون يا رب جليسك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أنني جليس من ذكرني وحيث ما التمسني عبدي وجدني. الراحة التي تأتي عقب العبادات دليل أن الإنسان موصول بالله عز وجل:
كان بعض العلماء يصفون المؤمن القريب من الله كمصباح، البلورة صافية، مستودع الوقود ممتلئ، الفتيلة جاهزة، يحتاج إلى عود ثقاب، أما الإنسان البعيد البلورة مسودة، والمستودع فارغ، والفتيل محروق، فهناك جهود كبيرة جداً حتى يصل إلى الله عز وجل، يعني البطولة ألا يكون هناك حجاب بينك وبين الله، لذلك عقب العبادات تشعر أنك في حال غير الحال الآخر، عقب الصلاة في راحة، عقب الصيام في راحة، عقب الأذكار في راحة، هذه الراحة التي تأتي عقب العبادات، دليل أنك موصول بالله عز وجل.
5 ـ من وصل إلى الله و أقبل عليه ذاق حلاوة الإيمان:
أيها الأخوة الكرام، عندنا علامة أخرى من أروع العلامات أنك إذا وصلت إلى الله، وأقبلت عليه، واستقمت على أمره، وتقربت إليه، أذاقك الله حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان شيء يصعب وصفه، يعني بالضبط بين أن تفهم بعض حقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان مسافة كبيرة جداً، كالفرق بين أن تقول ألف مليون و بين أن تنطق بها وبين أن تملكها، كم هي المسافة بين أن تقول ألف مليون بين أن تمتلكها أو أن تنطق بها ؟ لا يذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بشروط منها:
1 ـ أن يكون الله ورسوله أحب إلى الإنسان مما سواهما:
لذلك:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، تعني شيئاً دقيقاً جداً عند التعارض، حينما تتعارض مصالحك مع أمر الله في قرآنه، ومع أمر النبي في سنته، وتؤثر طاعة الله وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك عندئذ تذوق حلاوة الإيمان، الحقيقة في نتائج باهرة لكن الثمن باهظ.
أحياناً تتعارض مصلحتك مع النص الشرعي، يعني شركة لك منها أرباح طائلة فرضت عليك شراء بضاعة لا ترضي الله، إن لم تشترِ هذه البضاعة تسحب منك الوكالة، والبضاعة محرمة، ولك منها أرباح طائلة، امتحان صعب جداً، فأنت حينما تضع تحت قدمك مصالحك المتوهمة، وتنحاز إلى طاعة الله ولا تعبأ بدنياك الآن تذوق حلاوة الإيمان، ثمن الحلاوة كبيرة، وعندئذ يجعل هذه الشركة ترضى أن تستورد منها كل شيء عدا هذه البضاعة ترضى بعد جهود كبيرة، هذه نقطة مهمة جداً. من آثر طاعة الله على مصالحه ذاق حلاوة الإيمان:
حلاوة الإيمان تأتي حينما تؤثر طاعة الله على مصالحك، أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما من الدنيا وما فيها، إن آثرت ذلك أذاقك الله حلاوة الإيمان، هذه واحدة.
2 ـ الولاء و البراء:
الشيء الثاني:
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))
الانتماء للمؤمنين، الولاء للمؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء، والتبرؤ من أعداء الدين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، أحياناً الإنسان ينتمي إلى مصالحه، ينتمي إلى الأقوياء، ينتمي إلى الأغنياء، ويسكت عن كل أخطائهم ولا يدقق في كل تصرفاتهم، يطمع بمالهم أو بعطاء منهم، فالولاء والبراء أحد أركان الإيمان، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء وأن تتبرأ من أعداء الدين ولو كانوا أغنياء وأقوياء.
3 ـ أن يكره الإنسان أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار:
البند الثالث:
(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
هذه علامات الوصول إلى الله، أيها الأخوة، يقول الإمام الحسن البصري: تفقدوا حلاوة الإيمان في ثلاثة أشياء: في الصلاة و في الذكر وفي تلاوة القرآن، فإن وجدتم وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
في حجاب هناك عمل لا يرضي الله، نوايا لا ترضي الله، شبهات تحجبك عن الله، شهوات تحجب بها عن الله عز وجل ، هذه حقيقة مرة. ثمار الإخلاص هي:
1 ـ أن يكون باطن الإنسان كظاهره:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/08.jpg
علامة الوصول إلى الله لا تستأنس بالناس، وقد قيل الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، يعني يحلو لك أن تكون وحدك في البيت، أن تقرأ القرآن وحدك، أن تناجي ربك وحدك، أن تمشي في الخلوات، أن تبادر إلى الصلوات، لا تستأنس بالناس، ويستوي عندك مديحهم أو ذمهم، يعني من حلاوة الإيمان أن تقطف ثمار الإخلاص، ما ثمار الإخلاص ؟ أولاً العمل لا يختلف أنت بين الناس أو وحدك في البيت لا يزيد ولا ينقص، سريرتك كعلانيتك، باطنك كظاهرك، خلوتك كجلوتك، هذه أول مؤشر.


2 ـ عمل الإنسان لا يتأثر ولا يزيد ولا ينقص في المدح أو الذم:
المؤشر الثاني العمل لا يتأثر ولا يزيد ولا ينقص في المدح أو الذم: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هذه علامة ثانية.
6 ـ من ثمار الوصول إلى الله السكينة التي يمنحها الله للمؤمن:
من علامات حلاوة الإيمان وعلامات الإخلاص أنك عقب العمل الصالح يعود لك من الله سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذه السكينة. الصلاة الوسيلة الأولى للاتصال بالله لأنها تنهى الإنسان عن الفحشاء و المنكر:
أيها الأخوة الكرام، هذه من ثمار الوصول إلى الله، الحقيقة أن الله عز وجل حينما جعل الصلاة الوسيلة الأولى للاتصال به، جاء النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بأنها نور:
(( الصلاة نور ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ].
بالصلاة يشتق النور من الله، وفي الصلاة يشتق الطهور، المؤمن طاهر لا في حقد ولا في احتيال ولا في كبر ولا في قسوة ولا في ظلم، كل الصفات المذمومة المؤمن بريء منها لأن الله عز وجل قال: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 ).
نهياً ذاتياً، فالذي لا ينتهي من خلال صلاته عن الفحشاء والمنكر، صلاته لا يقطف ثمارها إطلاقاً:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 ).
ما معنى أكبر ؟ قال العلماء ذكر الله أكبر ما فيها، وقال بعضهم: ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، كيف ؟ إنك إن صليت ذكرته، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إن ذكرك ألقى في قلبك النور ترى به الخير خيراً والشر شراً، لكنه إن ذكرك منحك الحكمة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، لكنه إن ذكرك منحك الأمن قال تعالى: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
إنه إن ذكرك منحك الرضى، إنه إن ذكرك منحك الثقة بالنفس. من ثمار الصلاة الصحيحة:
1 ـ الاتصال بالله العظيم:
أيها الأخوة، ثمار الصلاة الصحيحة تفوق حدّ الخيال، هل تدري ماذا تفعل ؟ تتصل بالمطلق، تتصل بالعليم، تتصل بالحكيم، بالرحيم، بالقوي. ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
( سورة طه ).
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ من ثمار الوصول إلى الله أن الصلاة لها ثمار يانعة جداً تقطفها، أول ثمرة أن المصلي في طهارة، صدره سليم، لا يحقد، لا يتكبر، لا يؤذي، لا يستعلي، لا يتآمر، سليم الصدر: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
قال بعض العلماء: القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم القلب الذي لا يحكم شرع غير الله، والقلب السليم القلب الذي لا يعبد إلا الله: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
2 ـ القلب السليم:
من ثمار الصلاة القلب السليم.
7 ـ من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها:
من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها، طهارة ونور وحبور:
(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ].
الصلاة مناجاة " لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل "، الصلاة عروج، والصلاة معراج المؤمن الصلاة عقل.
(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))
[ ورد في الأثر ]
لذلك ورد في الأثر القدسي:
(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))
[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ].
8 ـ الاستمتاع بالعبادات:
أيها الأخوة، من علامات الوصول إلى الله أنك تستمتع بالعبادات، ما الفرق بين العبادات والطقوس ؟ الأديان الأرضية الوضعية، فيها طقوس، فيها حركات وسكنات وتمتمات وإيماءات لا معنى لها، أما العبادات كما يقول الإمام الشافعي معللة بمصالح الخلق. العبادات معللة بمصالح الخلق، مثلاً الصلاة: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 ).
يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن يرتكب المصلي فاحشة أو منكراً أو أن يؤذي أو أن يستعلي أو أن يتآمر أو أن يخدع، إن الصلاة تنهى، هذه ثمار الصلاة.
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
أكبر ما فيها أو إن ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، منحك الأمن، الحرية، الإرادة القوية، الرؤية الصحيحة، الحكمة، الغنى، القوة، العزة، سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.
شعور المؤمن المتصل بالله عز وجل بسعادة لا توصف أثناء تأدية العبادات:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/09.jpg
لذلك أيها الأخوة، من ثمار الوصول إلى الله أن العبادة تستمتع بها، تستمتع بشهر رمضان، رمضان شهر عبادة، أما عند معظم الناس شهر فلكلور، شهر ولائم، شهر سهر على المسلسلات، أما رمضان لك من أجمل أشهر السنة، رمضان اتصال بالله، رمضان عبادة، رمضان طاعة، من علامات وصولك إلى الله أنك تستمتع بالعبادات، أحياناً إنسان يحج يعود من الحج ويحدثك عن كل شيء إلا الحج، أين سافر، أين نزل، ركوب الطائرة، الوصول على المطار، من استقبله، الماء البارد، الطعام الطيب، الازدحام الحر، وبالحج بماذا شعرت ؟ وأنت في الطواف، بماذا شعرت وأنت أمام الحجر الأسود ؟ بماذا شعرت وأنت في السعي ؟ بماذا شعرت وأنت في عرفات ؟ هذه المشكلة، أن علامة الوصول إلى الله تغدو العبادات مسعدةً، والحقيقة كما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
وحي السماء أو نداء الغريزة طريقان لا ثالث لهما أمام الإنسان:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/10.jpg
الإنسان حينما يتصل بالله يصبح حياً:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾
( سورة الأنعام)
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) ﴾
(سورة فاطر)
الإنسان من دون اتصال بالله ميت، أو كالبيت الخرب، لذلك الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) ﴾
( سورة الأنفال)
دقق: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لك فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50) ﴾
(سورة القصص)
أنت على أحد طريقين لا ثالث لهما إما أن تستجيب لله أو أن تستجيب للهوى، إما أن تكون مع الله أو مع الهوى، مع الله والدار الآخرة، مع الهوى والدنيا، إما أن تستجيب لوحي السماء وإما أن تستجيب لنداء الغريزة فذلك: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (24) ﴾
( سورة الأنفال).
العاقل من راجع حساباته من حين لآخر:
أيها الأخوة الكرام، أتمنى على نفسي وأنا معكم وأتمنى عليكم أن نراجع حساباتنا من حين لآخر، أن نتأمل في صلاتنا، هل هذه الصلاة التي أرادها الله ؟
أحياناً يحدثني أخ كان بالعمرة وصلى بالحرم المكي وبكى بكاء شديداً يقول لي: هذه هي الصلاة التي أرادها الله، هذه الصلاة تشعر بها كأنك ملكت كل شيء، يعني إله عظيم يدعوك إلى الصلاة خمس مرات في اليوم من أجل أن تكون واقفاً بلا معنى حركات وسكنات تبدأ بالتكبير، تنتهي بالتسليم، وأنت غارق في خواطر وفي حسابات ؟ قال شخص صليت المغرب ركعتين، قال ثلاثة أكيد، قال ما الدليل ؟ قال لأنه أنا عندي ثلاثة صناديق بعملي وكل صندوق فيه مشكلة، حليت بأول ركعة أول صندوق، وثاني ركعة ثاني صندوق، وبثالث ركعة ثالث صندوق، ثلاثة أكيد صلى هو، خواطر لا علاقة لها بالصلاة تأتيك وأنت في الصلاة هذه صلاة أرادها الله عز وجل ؟ إذا شخص الله عز وجل أكرمه بالعمرة أو بالحج وصلى في بيت الله الحرام يشعر أن هذه الصلاة مع القرب، هذه الصلاة مع البكاء، هذه الصلاة مع الوصول إلى الله، هي الصلاة التي أرادها الله عز وجل .
صلاة الإنسان لا تقبل إلا ممن تواضع لعظمة الخالق و كفّ شهواته عن محارمه:
لذلك دائماً أنا أستخدم هذا المثل حينما أقول إنسان هذه كلمة تغطي ستة آلاف مليون، يكفي أن أضيف صفة للإنسان أقول إنسان مسلم، من ستة آلاف مليون إلى ألف ونصف مليون ضاقت الدائرة، قلت إنسان مسلم عربي خمسمئة مليون، إنسان مسلم عربي مثقف ضاقت أكثر، قل طبيب، قل طبيب قلب، كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة، قيسوا على هذه المثل هذه الآية:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
مليار وخمسمئة مليون مسلم في الأعمّ الأغلب مليار منهم يصلون:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾
( سورة المعارج ).
كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة لذلك الأثر القدسي الذي يحل هذه المشكلة:
(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))
[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ].
أيها الأخوة، هذا اللقاء الطيب أنت إذا وصلت إلى الله ما هي ثمار الوصول ؟ الحديث كان عن ثمار الوصول إلى الله. موضوع الإعجاز العلمي:
ننتقل إلى الموضوع العلمي.
التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله:
أيها الأخوة، نحن ألفنا أنك إذا أردت أن تطلب العلم الشرعي لك أن تدرس الفقه والتفسير والحديث والسيرة وفي موضوعات كثيرة، كالفقه المقارن، أو تاريخ التشريع الإسلامي، أو أصول الفقه إلى آخره، لكن يغيب عن المسلمين أن أصل الدين أن تعرف الله، أصل الدين معرفته والذي أقوله دائماً، إن عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
لذلك بحسب ما في القرآن الكريم من آيات تقترب من ألف آية تتحدث عن التفكر، وعن الآيات الكونية في السماوات والأرض، وعن الآيات في خلق الإنسان، بحسب هذه الآيات الكونية يتضح أنه ينبغي أن نتفكر في خلق السماوات والأرض، وأقول لكم دائماً إن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله، بل إن التفكر في خلق السماوات والأرض يعدّ أقصر طريق إلى الله، ويعدّ أوسع باب ندخل منه على الله، لأن هناك علماً به وأن هناك علماً بأمره وأن هناك علماً بخلقه، العلم به أصل الدين، والعلم بأمره أصل علم الشريعة، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، المسلم بحاجة ماسة إلى أن يعرفه كي يستقيم على أمره، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر.
الأنف من آيات الله الدالة على عظمته:
مثل بسيط هذا الأنف جهاز بالغ الدقة، بداخل الأنف سطوح متداخلة، يعني الهواء يمشي بالأنف مسافة طويلة لماذا ؟ قال لأن الإنسان حرارته سبعة وثلاثون وفي أيام الشتاء قد يستنشق هواء حرارته صفر، فبهذه المسافة الطويلة بهذا السير بين السطوح المتداخلة يسخن يصل إلى الرئة بدرجة مناسبة جداً

http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/01.jpg الجدار الوحشي لجوف الأنف (مقطع ناصف } سهمي{ )


هذه السطوح المتداخلة لها ميزة، فيها أوعية دموية تختص بعضلات، هذه العضلات إذا اتسعت زادت كمية الدم فالإنسان لو نظر على أنفه بالمرآة في أيام البرد الشديد يرى أنفه أحمر اللون، من أين جاء هذا اللون ؟ جاء من توسع الأوعية الدموية في الأنف، تتوسع تأتي كمية دم ساخنة تسخن هذه السطوح، فالهواء الذي يمشي بينها يسخن، لذلك كل إنسان يتنفس من فمه يصاب بأمراض كثيرة أما إذا تنفس من أنفه استخدم هذه الميزات الهائلة، سطوح متداخلة مزودة بأوعية دموية ذات عضلات إذا اتسعت زادت كمية الدم وسخن الهواء الذي نستنشقه عن طريق الأنف.
http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/02.jpg شرايين جوف الأنف


الآن هذه السطوح مغطاة بمادة مخاطية، مادة لزجة، من شأن هذه المادة أن تستقطب الغبار والمواد العالقة في الغبار، أحياناً إنسان يمشي في طريق فيه غبار يستنشق الهواء، ذرات الغبار تعلق على سطوح المادة المخاطية، فحينما ينظف أنفه يرى سواداً أحياناً، الحكمة البالغة، لو فرضنا أن هذا الهواء يمر بالأنف، وبعض ذرات الغبار نجت من أن تعلق بالمادة المخاطية، ما الذي يصطادها ؟ أشعار بالأنف، في سطوح عليها مادة مخاطية لزجة، وهناك أشعار، و أوعية مع عضلات، وهناك مسافة طويلة فكل هذه الخصائص من أجل أن تستنشق هواءً نقياً ساخناً يتناسب مع حرارة الجسم.
هذا الأنف قضية سهلة ؟ أليس وراءه تخطيط عقل أول ؟ حكمة بالغة ؟ رحمة بالغة ؟ علم بالغ ؟ وظيفة الأعصاب الشمية:
الآن الإنسان بهذا الأنف يشم، كم عصب شمي ؟ عشرون مليون عصب للشمٍّ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغمس بمادة أيضاً مخاطية، هذه المادة تتفاعل مع الرائحة، تشكل شكلاً هندسياً، هذا الشكل الهندسي رمز هذه الرائحة، هذا الشكل يشحن إلى الدماغ ويستقر في الذاكرة الشمية، كيف تعرف أن في هذا الطعام نعنع مثلاً، أو هناك مادة معينة ، هذا الشكل يعرض على الذاكرة الأنفية، قال بعض العلماء هناك عشرة آلاف بند شمي، فهذا الرمز يعرض على عشرة آلاف بند، عند التطابق تقول أنا أشعر أن في الطعام المادة الفلانية:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

http://nabulsi.com/images/inside-arts/ar/1444/03.jpg صورة توضح الخلايا الشمية في الأنف و البصلة الشمية و المسلك الشمي ( العصبونات الشمية تتلقى حس الشم بأهدابها الموجودة في المنطقة الشمية بالغشاء المخاطي في سقف الحفرة الأنفية ثم ينتقل التنبيه إلى البصلة الشمية ثم إلى المسلك الشمي ثم إلى مراكز الشم في الدماغ )


( سورة التين ).
تذكر أن هذا الأنف فيه سطوح متداخلة، فيه أوعية ذات عضلات تتسع عند البرد، تذكر فيه مادة مخاطية لاصطياد ذرات الغبار، تذكر فيه أشعار، ثم تذكر أن العصب الشمي مؤلف من عشرين مليون عصب، كل عصب ينتهي بسبعة أهداب، كل هدب مغمس بمادة مخاطية، تتفاعل هذه الأهداب مع الرائحة، ينتج من هذا التفاعل شكل هندسي هو رمز هذه الرائحة، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ إلى مركز الشم وهناك الذاكرة الشمية، يعرض هذا الرمز على بنود الذاكرة الشمية تكتشف أن في بالطعام المادة الفلانية: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين ).
فإن لم يعرف ربه: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) ﴾
( سورة التين ).
تفكر الإنسان في جسمه يوصله إلى الخالق سبحانه:
أيها الأخوة الكرام، هناك شيء أقرب لك من جسمك ؟ هذا الشعر، العين، الأنف، الشفتان، اللسان، الحنجرة، القصبة الهوائية، المري، المعدة، الأمعاء، البنكرياس، الكبد، القلب، الرئتين، العضلات، الدماغ، الأعصاب، النخاع الشوكي، أنت أمام جسم معجز.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذرايات )
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران ).


والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 05:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( الخامس و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : قضايا الايمان - 2 - حقائق الايمان - عبادة التفكر







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. الأعمال الإرادية و اللإرادية في حياة الإنسان:
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الخامس والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز، ونحن في موضوعات نشرح قضايا الإيمان http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/01.jpg
أول حقيقة الإنسان يقوم بأعمال إرادية بإرادته، باختياره، وهناك أعمال تجري في جسمه لاإرادية، ضربات قلبه لاإرادية، تنفسه في الليل لاإرادي، عمل الأجهزة لاإرادي، الله عز وجل لكرمه وحكمته أعفانا من آلاف الأعمال ضمن الجسم، الهضم، والتمثل، ووظائف هضمية وتنفسية وكيماوية لا تعد ولا تحصى كلها أعمال لاإرادية، أنت تأكل وانتهى الأمر، أما الطعام انتقل من مكان لمكان بعد المعدة انتقل إلى الاثني عشر، الصفراء صبت بعض مفرزاتها، البنكرياس صب، الكبد عمل، هذا شيء أعفاك الله منه، لو كلفك أن تقوم به تحتاج أربع خمس ساعات بعد الطعام للهضم، لو كلفك تقوم بضربات القلب يجب ألا تنام، تنام تموت، لو كلفك بالتنفس شيء لا يحتمل، التنفس، ضربات القلب، الهضم، أعمال لا تعد ولا تحصى لاإرادية أعفاك الله منها، لكن لك أعمال إرادية تختارها أنت.
ما من حركة يتحركها الإنسان إلا وراءها رؤيا والرؤيا يرافقها الميل والحب:
السؤال الآن كيف تختار العمل ؟ لماذا ذهبت إلى فلان، لماذا لبيت هذه الدعوة، لماذا أقمت دعوى على فلان ؟ لماذا سافرت إلى هذا المكان ؟ لماذا تزوجت هذه المرأة ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/02.jpg
لماذا تكلمت كلاماً بخلاف الواقع ؟ هناك أعمال إرادية هذه الأعمال الإرادية ما الباعث لها ؟ الباعث لها رؤيا، يعني السارق ماذا رأى ؟ رأى أنه إذا سرق سيأخذ مالاً وفيراً بلا جهد، ويظن أنه أذكى من كل من حوله وغاب عنه أنه بعد حين يصبح في قبضة العدالة ويحاسب حساباً عسيراً.
العمل قبله في رؤيا والعمل يرافقه ميل، رؤيا وميل، والميل متعلق بالرؤيا، البطولة أن تكون الرؤيا صحيحة، فكل إنسان يغش المسلمين ماذا رأى ؟ عندما يبيع بضاعة بلصاقة من دولة كبيرة جداً ومتفوقة جداً يأخذ ضعف ثمنها استطاع أن يقنع الناس أن هذه البضاعة صنع الدولة الفلانية بلصاقة وضعها على هذا القماش، طبعاً هناك لصاقات عن طريق المكواة تصبح صنع فرنسا (( Made in France، والقماش من أسوأ أنواع الأقمشة، هذا الذي غش ما الذي رأى ؟ رأى أن الغش عمل ذكي وفيه دخل كبير.
صدقوا أيها الأخوة، ما من حركة تتحركها، ما من موقف تقفه، ما من كلام تقوله، ما من ابتسامة تبتسمها، ما من تجهم تتجهمه، ما من صوت ترفعه، ما من مودة تظهرها إلا وراءها في رؤيا والرؤيا يرافقها الميل والحب، هذه الحقيقة الأولى.
أعظم عطاء إلهي للإنسان أن يملك رؤيا صحيحة:
الآن من هو المؤمن ؟ الذي صحت رؤيته، أعظم عطاء إلهي أن تملك رؤيا صحيحة، المرابي، على الآلة الحاسبة أقرض هذا المليون سيأتيه مليون و مئتي ألف أما بالقرآن:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾
(سورة البقرة:276)
الله عز وجل إن صحّ التعبير خياراته في معاملات خلقه لا تعد ولا تحصى، ينتظرك لتجمع أموالاً طائلة ثم يتلفها في حريق، ينتظرك لتجمع أموالاً طائلة فتؤخذ منك مصادرة لخطأ ترتكبه دون أن تنتبه، أنت في قبضة الله، أنا الذي أراه بطولة المؤمن، عظمة المؤمن إن صحّ التعبير أنه يملك رؤيا صحيحة، لا يوجد بحياته مفاجآت، لا يوجد دمار، لا يوجد عمل ينهيه لأنه يرى أن طاعة الله خير كلها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/03.jpg
(( استقيموا ولن تحصوا ))
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
يرى أنه إذا وقف عند حدود الله ضمن السلامة، وأنه إذا فعل الخير ضمن السعادة، وانه إذا ربى أولاده ضمن المستقبل، رؤيته صحيحة، لذلك أيها الأخ الكريم أنت حينما تأتي إلى بيت من بيوت الله كي تتعلم، أنت تقوم بأعظم عمل تقوم بعمل، اسمه في عالم الاقتصاد استثماري تستثمر هذه الساعة كي تعرف الحقيقة، كي تتحرك في اليوم التالي وفق ما سمعت، يعني معظم الناس يُدمرون بفعل وراءه رؤيا خاطئة، أحياناً الإنسان يفكر بعيداً عن منهج الله بل إني أقول إن كل إنسان لا يدخل الله في حساباته هو من أغبى الأغبياء، ومن أحمق الحمقى، لأن القوى المطلقة في الكون التي بيدها كل شيء تجاهلها وتوهم نفسه قوياً وأخذ ما ليس له، فجاء العقاب الأليم لذلك أنت حينما تحضر درس علم تتعلم فيه أحكام هذا الدين العظيم، أنت تضمن سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة. ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل لأن الجهل أعدى أعداء الإنسان:
أنا يمكن أن أطرح عليكم آلاف المشكلات المهلكة سببها جهل، أنا أذكر أن أول خطبة ألقيتها في هذا المسجد عام أربع وسبعين، انتهيت من الخطبة التقى بي إنسان في صحن المسجد وصار يبكي بالخامسة والخمسين، سألته عن السبب، قال زوجتي تخونني، قلت له: مع من ؟ قال: مع جاري، كيف عرفها جارك ؟ قال: مرة زارني الجار، وأنا أشفقت عليها أن تبقى وحدها في غرفتها، فدعوتها إلى أن تسهر معنا، يبدو لفتت نظره كان ودوداً في غياب زوجها، طرق الباب فتحت له، بدأت المشكلة، لو حضر درس علم واحد ويعلم أحكام الشريعة ما فعل هذا، قصص كثيرة جداً، بل إنيhttp://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/04.jpg
أرى أنه ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، وأزمة أهل النار في النار هي الجهل:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾
( سورة الملك ).
في رؤيا، تحضر إلى هنا من أجل أن تصح رؤيتك، تحضر إلى هنا من أجل أن ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، تحضر درس العلم من أجل أن ترى منهج الله هو الطريق الأمثل والموصل إلى السلامة والسعادة، لكن الله عز بكرمه وفضله أعاننا، كيف أعاننا ؟ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً يشعر براحة نفسية، يشعر بتألق، بسعادة، فإذا عمل عملاً سيئاً يشعر بقلق، من أين جاء القلب ؟ هو أن فطرة الإنسان متوافقة توافقاً تاماً مع منهج الله، فأي شيء أمرك الله أن تفعله برمجك على محبته، وأي شيء نهاك الله أن تفعله برمجك على بغضه، لذلك في فندق بألمانيا كتب على السرير إذا لم تنم هذه الليلة فالعلة ليست في فراشنا إنها وثيرة ولكن العلة في ذنوبك إنها كثيرة. أشقى الناس من بنى عمله على إيذاء غيره:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/05.jpg
الإنسان مهما كان منحرفاً حينما يعصي الله يشعر بضيق بقلق، لذلك الذين يبنون عملهم على إيذاء الناس، وعلى نهب أموالهم، وعلى إلقاء الرعب في قلوبهم، هؤلاء أشقى الناس في بيوتهم، اختل توازنه بفطرته يدرك أنه يبني عمله على إيذاء الناس، أو على إلقاء الرعب في قلوبهم، أو على ابتزاز أموالهم، في حساب دقيق حساب الفطرة، أخ روى لي قصة: في لبنان إنسان يقود مركبة بعد الساعة الثانية ليلاً يبدو آب في الصيف أرسل رجل ابنه ليشتري له حاجة من السوق فدهس هذا الطفل، ومات فوراً والساعة الثانية ليلاً وما من أحد، سُجل هذا الضبط ضد مجهول، والذي دهس هذا الطفل نجا من أي عقاب من قبل الدولة، أكثر من أربعين يوماً ما استطاع أن ينام الليل، ثم ذهب إلى طبيب نفسي وحدثه عما جرى فقال له لابدّ من دفع الدية لأهله من أجل أن تنام، في حساب دقيق لأن الله:
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7)﴾
(سورة الحجرات)
من صحت رؤيته صحت عقيدته و من فسدت رؤيته فسد عمله:

أيها الأخوة، نحن في أمس الحاجة إلى أن تصح رؤيتنا، إن صحت رؤيتنا صح عملنا، وإن فسدت رؤيتنا فسد عملنا، وينبغي أن تصحح رؤيتنا من خلال الكتاب والسنة، مثلاً قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
( سورة الأحزاب)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/06.jpg
هل ترى أنت أن طاعة الله وطاعة رسوله هو الفوز العظيم ؟ قد تعرض عليك صفقة أرباحها فلكية، لكن البضاعة محرمة أو مفسدة أو تسهم في إفساد المجتمع أحياناً، أنت حينما تركلها بقدمك وتستغني عن كل هذا الربح معنى ذلك أن رؤيتك صحيحة وأن رؤيتك متطابقة مع منهج الله، وحينما ترى أن هذا المال الوفير لن تستطيع أن تفوته وأن الله غفور رحيم، هذه بلوى عامة، الإنسان لما يرتكب معصية يفلسفها، يعطيك فلسفة لا تقبل عند الله إطلاقاً، فحينما يأتي العقاب الإلهي تأتي المعالجة الإلهية يندم أشد الندم، لذلك الحديث الشريف:
(( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ )) [ أبو داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]
تحب وفق منهج الله. الحب في الله عين التوحيد والحب مع الله عين الشرك:
هناك حب مع الله، و حب في الله، الحب في الله عين التوحيد والحب مع الله عين الشرك http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/07.jpg
الحب في الله أن تحب رسول الله فرع من محبة الله، أن تحب أصحابه جميعاً فرع آخر من محبة الله، أن تحب التابعين وتابعي التابعين والعلماء العاملين والفقهاء والعلماء الربانيين، أن تحبهم جميعاً أن تحب أهلك:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ].
أن تحب زوجتك هذا فرع من محبة الله وفق منهج الله، هذه التي أكرمك الله بها، هذه التي أمرك الله أن تكرمها.
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
[ ورد في الأثر ].
من أحبّ لله جاءت رؤيته متوافقة مع مقاييس القرآن الكريم:
أيها الأخوة، من أحب لله، من أبغض لله، من أعطى لله، من منع لله، من وصل لله، من قطع لله، يعني جاءت مقاييسه، جاءت رؤيته متوافقة مع مقاييس القرآن الكريم، يا أخي عندنا قضية إذا تعارض حُبان ماذا نفعل ؟ الإنسان دائماً يتبع الحب الأقوى، يعني شاب عصامي، والده فقير، دخل إلى المدارس، دخل جامعة، كل طموحه ومستقبله أن ينال شهادة عليا يتعين بها بمنصب رفيع، له دخل وفير يحقق له زواجه وشراء بيت ومكانة اجتماعية مرموقة، هذا الشيء يحبه كثيرة، يكون له مستقبل، يكون شيئاً مذكوراً، يكون له مكانة، دخله معقول، حاجاته مؤمنة، هذا شيء أحبه هذا الشاب كثيراً، تصور مستقبلاً يحمل دكتوراه، له بيت فخم، سيارته على الباب، زوجته كما يتمنى، مثقف ثقافة عالية، مكانته الاجتماعية عالية، هناك أشياء أخرى يحبها أن يسهر مع أصدقائه، أن يذهب إلى النزهات، أن يأكل أطيب الطعام، حبه لمستقبله يغلب عليه يعتذر عن آلاف الدعوات وعن آلاف السهرات وعن آلاف الأشياء الممتعة، حبه لمستقبله المتألق أكبر من حبه لهذه اللذائذ الطارئة والتي تزول بعد انتهائها.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/08.jpg
الآن النوم محبب لكن حبّ الله أكبر، فيستيقظ المؤمن أحياناً في الصيف الثالثة والنصف (الفجر)، نائم الساعة الواحدة، ساعة ونصف يستيقظ يغلب عليه حب الله، أحياناً دخله محدود يحب الله كثيراً فيدفع جزءاً منه صدقة، هذا المال الذي دفعه هو بحاجة إليه ويحب المال، المؤمن وأي إنسان يحب المال لكن حبه لله غلب عليه فأنفق هذا المال، لذلك إذا تعارض حُبان المؤمن في الأعم الأغلب يتبع الحب الأقوى، الأقوى أن يحب الله وهذا معنى الآية الكريمة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) ﴾
( سورة النازعات)
هناك هوى وهناك طاعة لله، والآية الكريمة: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 ).
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية: 50 )
ضرورة الإيمان في حياة كل إنسان:
أيها الأخوة، لماذا الإيمان ضروري جداً ؟ عامة الناس تكون صحته جيدة في مقتبل حياته، له عمل تجاري كبير، دخله كبير، ما عنده مشكلة أبداً، لا يشعر بحاجة إلى التدين، يشعر بحاجة إلى السرور، إلى الراحة يسهر، يسافر، صلواته ضعيفة، أذكاره قليلة، لكن يستمتع بالحياة كما يتمنى، مكان عام فيه طاولات عليها خمر لا يوجد مشكلة، هناك نساء كاسيات عاريات لا يوجد مشكلة، يحب الاستمتاع في الحياة، هذا عنده نقص معلومات كبير لا يشعر بحاجة إلى الدين، ما عنده مشكلة فمثل هذا الوهم سببه الجهل، بأي لحظة الله عز وجل يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، بأي لحظة، خثرة دم لا تزيد عن رأس دبوس تتجمد في أدق الأوعية في الدماغ الإنسان يصاب بالشلل، أو يصاب بالعمى، أو يصاب بفقد الذاكرة، فالإنسان تحت ألطاف الله ، قطر شريانه التاجي سبب نشاطه إذا ضاق قليلاً عملية قلب مفتوح، زرع شرياناً، دخل في متاهة كبيرة، إذا شعر بمكان في جسمه متورم لا ينام الليل لعله ورم خبيث هو الذي يقضي على حياته، الإنسان عنده وهم أحياناً حينما لا يشعر بحاجة إلى الله في أي لحظة أنت في قبضته http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/09.jpg
ولله على الإنسان ألف سبيل وسبيل، من صحته ممكن، من عمله، من بيته، من زوجته، من أولاده، من الطريق، من حادث سير، حادث سير واحد يجعل حياة الإنسان جحيماً، شاب في مقتبل حياته عمل حادثاً شلّ نصفه السفلي، عمره ست وعشرون سنة، الحياة كلها أخطار من جميع الجهات فالذي يشعر أنه لا يحتاج إلى الدين، أنا أقول لكم هذا شعور معظم الناس، الدليل لا يستقيم، لا يوجد عنده شيء حرام كله مقبول، كله يقول لك عادي، كنا بسهرة عادي، فيها معصية كبيرة، كنا في مكان في معصية أكبر، عادي، ما معنى عادي ؟ شرعي ؟ الآن كلمة مستحدثة يقول لك عادي، تمشي بكل مفاتنها ظاهرة عادي، ما معنى عادي ؟ أنا هذه الكلمة أعجب منها أشد العجب، هذه زوجتك كل مفاتنها ظاهرة في الطريق، عادي، يعني عادي أنت معفى من تطبيق الشرع، ما معنى عادي ؟ هكذا يقول الناس، سآتي بمثل، الآية الكريمة:
﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ(22) ﴾
( سورة يونس )
من عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة:
مرة روى لي أحد الأخوة الكرام كان مضيف في طائرة والطائرة دخلت في سحابة مكهربة، وتحطمت مقدمتها، واختل توازنها، وكان احتمال سقوطها بالمئة تسعة وتسعين، يصف لي الركاب، يضربون وجوههم، يمزقون ثيابهم، يصرخون بويلهم، خرجوا من مقاعدهم، أربكوا الطيار، الطيار غضب غضباً شديداً هو يحتاج إلى هدوء كي يتصرف http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/10.jpg
فأمر كبار المضيفين أن يهدئهم قال ما قبلوا، لا أستطيع، قال ابحث عن راكب محترم لينب مكانك، قال رأيت إنساناً قاعداً، هادئاً، هذا أفضل شخص، اقترب منه مغمى عليه، هذا الوحيد، الإنسان أحياناً يكون بظرف صعب كثير أنت في قبضة الله، لاحظ ولا أبالغ إنسان لا يصلي، تركيا أصيبت بزلزال يقسم ليس أحد الأخوة الكرام الظهر يوجد في الجامع سبعة أو ثمانية، صف أو صفان، بصلاة الظهر في المساجد الحرم ممتلئ والصحن ممتلئ والصلاة على الرصيف بعد الزلزال، شيء مخيف، أبداً أي إنسان حينما يشعر بالخطر يصلي الآن عرف الله، لكن البطولة أن تعرفه وأنت صحيح معافى، البطولة أن تعرفه وأنت شاب، أن تعرفه وأنت قوي، أن تعرفه وأنت غني، أن تعرفه وليس عندك مشكلة لكن أي إنسان.
حدثني أخ طائرة ذاهبة إلى موسكو عليها خمسة خبراء روس هؤلاء ملحدون جميعاً، أيضاً كانت على وشك السقوط، هؤلاء الخبراء الملحدون توجهوا إلى الله عند الشدة، الإنسان بالشدة يعرف الله عز وجل، لذلك إن عرفت الله في الرخاء عرفك في الشدة، اعرفه في الرخاء، أنا بصراحة أحياناً آتي لهذا الدرس أرى أمامي شباباً والله أُكبرهم وأُقدرهم وأُحبهم، شاب لا يشكو من شيء لكن يريد أن يعرف الله، يريد أن يستقيم على أمره، يريد أن يعرف منهجه، هذه بطولة، أنت صحيح معافى أما أي إنسان أصابه مرض عضال سيتوب وسيصلي وسيقرأ القرآن بشكل عجيب.
من شعر أنه لا يحتاج إلى الله تعالى ابتعد عنه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/11.jpg
أيها الأخوة، الفكرة الثانية إياك أن تتوهم أنك لست بحاجة إلى الله، لكن مع الأسف الشديد البلاد التي فيها شدة شديدة، وضغوط كثيرة، ومصاعب، ومشكلات، وعقبات، وفرص عمل قليلة، أسعار البيوت غالية جداً، والزواج شبه مجمد، هذه البلاد ترى إقبال الناس على المساجد عجيب، هذه الشدة دفعتهم إلى باب الله، تذهب إلى بلاد غنية جداً، دخول فلكية، كل شيء ميسر، برمضان يلتقي في الجامع سبعة أشخاص، يحس معظم الناس أن الدين ليسوا بحاجة له، دخل وسيارة، في بلاد البنزين بمئة ليرة، بنزين رخيص، الطعام رخيص، الأمور ميسرة، كل شيء مؤمن، هناك متع لا تعد ولا تحصى من كل النواحي فكلما شعرت أنك لا تحتاج إلى ربك تبتعد عنه، الدليل:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾
( سورة العلق )
من شأن الإنسان الغافل أنه يطغى إذا رأى نفسه مستغنياً عن الله عز وجل. حاجة الإنسان إلى الأمن و الرضا تدفعه إلى الإيمان:
شيء آخر الإنسان لماذا يقبل على الدين ؟ هناك نقطة دقيقة جداً، الحقيقة أن الدين يحقق حاجاتك الأساسية، ما هي أكبر حاجة لك ؟ الحاجة إلى الأمن، الآن العالم في قلق من ارتفاع الأسعار، قلق من كساد التجارة، قلق من الفقر، قلق من حصار اقتصادي، قلق من حرب عالمية ثالثة، قلق من قصف جوي، قلق من ارتفاع ثمن البترول، المقلقات لا تعد ولا تحصى، الإنسان حينما يؤمن بالله، الله وعده بالأمن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/12.jpg
أنت بأمس الحاجة إلى أمن قال تعالى: ﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش )
وأكبر عقاب يعاقب به مجتمع: ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل )
أكبر عطاء في الدنيا الشبع: ﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش ).
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل ).
لذلك حاجاتك الأساسية، الحاجة إلى الأمن، الحاجة إلى الرضا، الحاجة إلى الحكمة، الحاجة إلى السعادة، حاجات لا تعد ولا تحصى كلها تحقق لك بالإيمان. الإيمان مرتبة علمية وأخلاقية و جمالية في الوقت نفسه:
أنت بالإيمان الرابح الأكبر، لكن بشكل أو بآخر، الإيمان مرتبة، مثلاً ممكن تقول فلان دكتور بالرياضيات ولا يعرف جواب ستة في سبعة ممكن ؟ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/13.jpg
كلمة دكتور في الرياضيات يعني دارس هندسة وجبر ورياضيات حديثة وتقليدية ومعادلات وفلك، دارس أقول مئات الكتب وثلاث وثلاثين سنة مجموع دراسته حتى نال هذه الشهادة، كلمة دكتور مرتبة علمية حتماً، المؤمن مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه، الإيمان مرتبة علمية والإيمان مرتبة أخلاقية، مستحيل مؤمن يكذب، أو يخون، أو يغش، أو يحتال، أو يمكر، أو يعمل عملاً سيئاً، مستحيل المؤمن مستقيم، فالإيمان مرتبة علمية ومرتبة أخلاقية ومرتبة جمالية، المؤمن يستمتع استمتاعاً خاصاً، أذواقه مقدسة، أذواقه إيمانية، أذواقه فيها طهارة، أذواقه فيها جمال، أحياناً إنسان يجلس بمقهى، لعب الطاولة على أشده، والأغاني تصدح، والنساء الكاسيات العاريات يخطر أمامه، والطاولات في عليها خمر، هذه نزهة ؟ هذه عقاب، النزهة مكان جميل بعيد عن صخب الناس، مناظر جميلة، أمامك أهلك وأولادك، الحركة نظيفة لا في معصية، لا في إثم، فالمؤمن جمالياته راقية جداً، حتى احتفالاته راقية، حتى أفراحه راقية، حتى أحزانه راقية، حتى نشاطه راقية، حتى علاقاته راقية، ما في سقوط هو بالأفق الأعلى، فإذا قلت مؤمن يعني الإيمان مرتبة أخلاقية ومرتبة علمية ومرتبة جمالية.
الإيمان هو الانضباط وفق منهج الله عز وجل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/14.jpg
أيها الأخوة، نحن أمام حقائق، حقيقة الإيمان أنك عرفت الله لا يكفي، وأقبلت عليه، عرفته و أقبلت عليه لأن الكفر تكذيب وإعراض، أحياناً أستاذ يقف أمام الطلاب، ضخم الجثة، صوته جهوري، يملأ الصف صوتاً عالياً، وأمام الطلاب يتحرك يكتب على السبورة يشرح، يسأل يجيب، وهناك طالب لا يعبأ بالعلم إطلاقاً يذهب إلى المدرسة خوفاً من والده، يتلهى برسم أشياء لا معنى لها أثناء الدرس، هذا الطالب أليس مؤمناً بوجود المدرس ؟ مؤمن، يملأ الصف صوتاً و صياحاً وضجيجاً وحركة وكتابة لكن إعراضه عن هذا المدرس نوع من الكفر، ليس معنى الكفر أن تنكر وجود الله، لا، ألا تعبأ بمنهجه، ألا تعبأ بأمره ونهيه، ألا تعبأ بالعبادات التي أمرك بها، ألا تعبأ بالحلال والحرام، تجد المقصر في الدين يأكل ما يشتهي، يلتقي مع من يشتهي، يأخذ ما يشتهي، ما في عنده قيود، غير منضبط، متفلت، فلذلك حقيقة الإيمان هي الانضباط حقيقة، الإيمان الانضباط وفق منهج الله عز وجل.
الله عز وجل أعطى كل إنسان عقلاً لمعرفته و قلباً لمعرفة الخطأ:
أيها الأخوة، هناك شيء آخر: الله عز وجل جعل هذا القلب قلب النفس قال تعالى:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
( سورة الحج الآية: 179 ).
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/15.jpg
وجعل الفكر كآلة حاسبة جهاز في خدمتك فالقلب يتصل بالله، القلب يسمو، القلب يطهر، القلب يرقى، القلب يتفوق، ومعه جهاز يستعين به، يتفكر بشيء، الله عز وجل أعطانا عقلاً، وأعطانا قلباً، وجعل العقل لمعرفة الله، وجعل القلب لمعرفة الخطأ، فأنت تعرف الله عز وجل بعقلك من خلال الكون، وتعرف خطأك بفطرتك من خلال القلب، هذا العمل أزعجني، هذا العمل جعلني في انقباض، ما كنت مرتاحاً له، إذاً الأمور في قلبك وعقلك وتصوراتك وإقبالك وإدبارك واضحة جداً، الإيمان أكبر ثروة تملكها أيها الإنسان أنك مؤمن، والإيمان مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية.
أيها الأخوة، الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
الإيمان لجام، الإيمان مكبح، الإيمان حاجز يحجزك من أن تقع في ورطة كبيرة الإيمان حارس.
يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
أيها الأخوة الكرام، الإيمان الإيمان، الإيمان يحتاج إلى حضور دروس علم، يحتاج إلى أداء عبادات، يحتاج إلى قراءة قرآن، يحتاج إلى ذكر حتى ينمو هذا الإيمان في القلب فإذا نما في القلب صار حارساً لك، صار دافعاً لك للأعمال الصالحة، الحقيقة ثمار الإيمان لا تعد ولا تحصى، يكفي أن تقول فلان مؤمن. التفوق و التطرف:
أيها الأخوة الكرام، دائماً وأبداً أقول الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، التفوق هو أن تلبي حاجات العقل والقلب والجسم معاً، و التطرف أن تلبي واحدة وأن تهمل ما تبقى، وفرق كبير بين التفوق وبين التطرف، لكن هذا الدين من عند الله، من عند خالق السماوات والأرض. عبادة التفكر:
هذا الكون المترامي الأطراف حتى الآن لا أحد يعلم نهايته، أنت بعينيك ترى عشرة آلاف نجم تقريباً، أما عدد المجرات ثلاثة آلاف مليون مليون، في أرقام عديدة ومنوعة لكن شيء لا يصدق وكل مجرة فيها مليون مليون نجم، وكل هذه الكواكب والنجوم تتحرك بنظام دقيق.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/16.jpg
أيها الأخوة، في هذه الدقائق المتبقية أريد أن أضع يدي على عبادة غفل عنها الناس كثيراً، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة ؟ ماذا فعل، اقرؤوا السور المكية:
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ﴾
( سورة الشمس )
﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) ﴾
( سورة الفجر )
اقرؤوا السور المكية ترونها طافحة بالآيات الكونية لماذا الآيات ؟ للتفكر، أنا أشعر أن هذه العبادة التي تسمى عبادة التفكر كأنها معتم عليها، مع أن في القرآن الكريم ما يقترب من ألف آية تتحدث عن الكون، الإنسان يأكل ويشرب ويؤدي العبادات ولا ينتبه إلى هذا الكون العظيم.
معرفة الله تكون من خلال هذا الكون العظيم الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله:
كيف تعرف الله ؟ الله عز وجل قال:
﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾
( سورة الأنعام الآية: 103 ).
شيء جميل، كيف نعرفه ؟ جعل لك هذا الكون العظيم الذي ينطق بوجود الله ووحدانية الله وكماله، كل شيء في الكون يدلك على الله لكن بشرط ما لم تتخذ قراراً بالإيمان لن تنتفع بشيء في الكون، أحياناً هناك محطات فضائية، وكالات فضاء كبيرة جداً يرى الموظفون فيها المجرات كل يوم، مجرات بألوان رائعة، يرون خلق الله المعجز، يرونه كل يوم، و هناك مجاهر إلكترونية ترى الخلية، الخلايا، أشياء يصعب أن تتصورها تراها بعينك، فمن كان في هذه المراصد العملاقة أو في تلك المجاهر الإلكترونية وما اتخذ قراراً بالإيمان لا ينتفع بها، ويأتي إنسان ينتفع من جدول مياه يقول الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟ هذا الموضوع أنا أعالجه كثيراً لكن أتمنى في هذا اللقاء أن تعود نفسك أن تفكر، أنت على الطعام في كأس حليب، هل فكرت فيه ؟ بقرة تأكل الحشيش ليس لها صوت، ما في دخان، صامتة تعطيك أربعين خمسين كيلو يومياً، حليب ولبن وسمنة وجبنة، مشتقات الحليب وحدها شيء لا يصدق، وكان عليه الصلاة والسلام إذا شرب الحليب قال: اللهم زدنا منه.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/17.jpg
أنت على الطعام كأس الحليب من بقرة تعمل بصمت معمل، قال الخلية الثديية في البقرة على شكل قبة، هذه القبة محاطة بشبكة أوعية دموية كثيفة جداً، الخلية الثديية كأنها عاقل تأخذ من شبكة الأوعية الدموية من الدم الذي يجري فوقها تأخذ حاجتها تأخذ السكر البروتين المعادن أشباه المعادن تأخذ مكونات الحليب:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
( سور النحل )
في فرث سائل حمض البول هذا الفرث، في الدم حمض بول، مواد سامة، مواد سيئة، هذه الخلية الثديية هي عاقلة ينتقي من الدم وفيه حمض البول:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
( سور النحل )
الأنعام من آيات الله الدالة على عظمته:
الآن اقرأ قوله تعالى: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (5) ﴾
( سور النحل )
يعني خلقت خصيصاً لكم، أحد العلماء الألمان سبب إيمانه البقرة، يحتاج وليدها إلى كيليين حليب تنتج أحياناً ستين كيلو حليب، معنى هذا الحليب للإنسان، والغذاء الكامل، مشتقات الألبان غذاء يومي، لا يوجد بيت ما فيه قطعة جبن، فيه لبن، فيه لبن مصفى، فيه سمن، هذا كله من مشتقات الألبان: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (5) ﴾
( سور النحل )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/18.jpg
هذا الموضوع موضوع الأنعام، موضوع الألبان، موضوع مشتقات الحليب، موضوع الخلية الثديية على شكل قبة يجري فوقها شبكة أوعية دموية كثيفة جداً، والخلية الثديية متصلة بالأعلى بهذه الأوعية ويرشح من أسفلها قطرة حليب، تأخذ من الأوعية الدموية حاجتها وتترجم هذه الحاجة إلى قطرة حليب ترشح من جزئها الأسفل هذه القطرة تصب في ثدي البقرة، حتى الآن لا أحد يعلم شيئاً عن آلية هذه الخلايا الثديية، في عقل ؟ كيف تختار هذه الخلية الثديية المواد الأساسية للحليب ؟ مواد كثيرة جداً هناك بروتينات، دسم، سكريات، شحوم، معادن، أشباه معادن، فيتامينات تأخذها وتختارها من بين فرث ودم لتجعلها لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، الآن هذا الثدي الكبير له غلاف يحمل أربعين كيلو المفروض أن يتمزق، له جداران متعامدان في الداخل، هذا الثدي الكبير مقسم إلى أربعة أقسام بالتساوي وكل قسم ينتهي بحلمة واحدة، لو أن أربعة أخوة اشتركوا في بقرة إذا حلب كل واحد من حلمة واحدة يأخذ ربع الحليب بالضبط، ثدي كبير في جدارين متعامدين حتى يتماسك الثدي لا يتمزق، وهذه الخلايا الثديية تصب الحليب في هذا الثدي الكبير. التفكر في خلق السماوات والأرض يضع الإنسان وجهاً لوجه أمام عظمة الله:
أيها الأخوة، الحليب آية، أمامك حليب، جبنة، لبن مصفى، لبن طبيعي، هذه المشتقات فكرت فيها، من خلقها ؟ دقق:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/19.jpg
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (5) ﴾
( سور النحل )
يعني خلقت خصيصاً لكم من أجلكم، فإذا أكلت وشربت وقلت الحمد لله بعد التفكر، الحمد لله لها معنى عميق تصبح، أنا أرى أنت على الطعام عود نفسك تفكر، هذا الطعام، هذا الخبز، هذا الماء العذب الزلال، هذا الحليب، هذا اللبن الذي أمامك، التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، في دليل قرآني في هذا الكلام ؟ الآية: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) ﴾
( سور عبس )
التفكر في مخلوقات الله عز وجل توصل الإنسان إلى الخالق سبحانه:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1445/ar-1445/20.jpg
يا أيها الأخوة، وأنت تأكل، وأنت تركب، مركبتك ثلاثة طن والصعود للأعلى وكلها ركاب مع بضائعهم، ما هذا السائل الذي ينفجر فيحرك هذه الكتلة الكبيرة ؟ أنت لاحظ لو أن مركبة في طريق صاعد خمس رجال أشداء لا يستطيعون تحريكها متر، هذا البنزين أودعه الله في الأرض سائل منفجر ما هذه الطاقة فيه ؟ أنت أمام موضوعات لا تعد ولا تحصى، عود نفسك أثناء الطعام، أثناء السفر، أثناء التأمل في مخلوقات الله عز وجل أن تفكر من أجل أن تصل إلى الله:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران ).





والحمد لله رب العالمين

السعيد
07-22-2018, 05:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

العقيدة والاعجاز

الدرس : ( السادس و الثلاثون )


الموضوع : مقومات التكليف : قضايا الايمان - 3 - مظاهر ضعف الايمان






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. تخلف المسلمين يعود إلى ضعف إيمانهم:
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس السادس والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/01.jpg
أحياناً أيها الأخوة يسأل الإنسان عن السلبيات لئلا يقع فيها، سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال:
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
[ متفق عليه ]
هذا الدرس أيها الأخوة فرع من فروع الإيمان، والعقيدة والإيمان يلتقيان، هناك سؤال كبير لماذا المسلمون في حال لا ترضي ؟ بعضهم يرى أن سبب هذا التخلف هو ضعف إيمانهم، لو كان إيمانهم قوياً لكانوا أقوياء، ولكانوا متماسكين، ولكانوا متعاونين، ولكانوا متفوقين، أرى أنا هناك أعراض كثيرة لمرض واحد هو ضعف الإيمان، أكثر ما تشتكي من المسلمين يعود إلى ضعف الإيمان، كل فضائل الصحابة تعود إلى قوة الإيمان، الشجاعة تعود إلى قوة الإيمان، التهيب والجهد يعود إلى ضعف الإيمان. مظاهر ضعف الإيمان عند المسلمين :
على كل أريد في هذا الدرس أن أوضح لكم، والحقيقة المرة دائماً أفضل ألف مرة من الوهم المريح، مظاهر ضعف الإيمان.
1 ـ التكاسل عن أداء الطاعات بالكيفية المطلوبة:
لو بدأنا بالعبادات قال هناك تكاسل عن أداء الطاعات بالكيفية المطلوبة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/02.jpg
هناك تأخر عن صلاة الجمعة، هناك خواطر بعيدة عن حقيقة الصلاة تأتي المصلي، يعني يقف ويقرأ ويركع ويسجد ويقعد ويسلم لكن هو في اعتقاده أن هذه الصلاة ليست الصلاة التي أرادها الله عز وجل ، أحياناً لا يستيقظ على صلاة الفجر والأمر طبيعي، علامة الإيمان، علامة قوة الإيمان أن الذنب كبير، وعلامة ضعف الإيمان الذنب يسير، يقول لك ما صار شيء.
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
[ أحمد]
أنا أضع يدي على مظاهر ضعف الإيمان كما قال سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال:
(( َكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
[ متفق عليه عن حذيفة]
العاقل من فرّغ نفسه من مشاغل الدنيا في أثناء الصلاة:
أي الصلاة صلة، اجهد أن تفرغ نفسك من مشاغل تشغلك في أثناء الصلاة، صلاة الجمعة http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/03.jpg
حينما يصعد الخطيب المنبر تجلس الملائكة لتستمع إلى الخطبة وقد أغلقت دفاتر المتفوقين، قبل ساعة كأنما قَرَبَ بدنة، بعد هذه الساعة كأنما قرب بقرة، بعد هذه الساعة كأنما قرب شاة، بعد هذه الساعة كأنما قرب دجاجة، بعد هذه الساعة كأنما قرب بيضة، فإذا صعد الخطيب المنبر أغلقت الصحف والملائكة جلست تستمع الخطبة.
الذي يأتي بالركعة الثانية من صلاة الجمعة، الخطبة كلها ما أدركها، أدرك ركعة ثانية من صلاة الجمعة فيظن أنه أدى الصلاة، هذه من مظاهر ضعف الإيمان، بالمناسبة أجمع العلماء على أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الُجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ ﴾
(سورة الجمعة: 9)
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/04.jpg
ذكر الله الخطبة، هي عبادة تعليمية عظيمة جداً، ذكر الله هو الخطبة، أحياناً يترك ضعيف الإيمان السنن الراتبة، يقول لك فرائض، وأحياناً القرآن الكريم يهجر لا يقرأه كل يوم، وقراءة القرآن عبادة ولو خمس صفحات ولو ربع جزء، ولو سورة واحدة، أحياناً يترك الأذكار والأدعية.
أيها الأخوة، يصقل اللسان بذكر الله، هناك إنسان لسانه رطب بذكر الله، يصقل لسانه بذكر الله، يقرأ القرآن لا يشعر بشيء، يقرأ نصف صفحة ثم يغلق المصحف، في حجاب، في ضعف إيمان، في ظاهرة خطيرة أنه ينظر إلى كل أمر بمدى الثواب والعقاب إذا ما في عقاب ما في مشكل، يريد الحد الأدنى، أدنى حد، وإذا وقع في الشبهات وقع في الحرام، هذا في العبادات، أذكار ما في، استغفار ما في، دعاء ما في، تلاوة قرآن ما في، سنن ما في، فرائض فيها وساوس الجمعة نأتي بعد انتهاء الخطبة، الفجر نصليه في وقته أو لا نصليه، حينما تؤدى العبادات أداءً على خلاف ما أداها النبي عليه الصلاة والسلام فهذا مظهر من مظاهر ضعف الإيمان.
2 ـ قلة الورع:
الآن هذا في العبادات، في السلوك قلة الورع، لا تدقق:
(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))
[ الجامع الصغير عن أنس ]
قلة الورع.
3 ـ عدم تحري الحلال والحرام في الأقوال والمعاملات:
عدم تحري الحلال والحرام في الأقوال والمعاملات، هناك غيبة، نميمة، بهتان، استهزاء أحياناً.
4 ـ عدم إتقان العمل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/05.jpg
من لوازم ضعف الإيمان عدم إتقان العمل، عدم الوفاء بالوعود، يعد، إنما أهلك الصنعة قول غد وبعد غد.
يضعف أثر الدين في القلب، يبدأ بالتنازل شيئاً فشيئاً عن الثوابت، كان في ثوابت عنده مقدسة الآن تساهل بها، لا يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، لا يأمر بالمعروف يؤثر السلامة، كل من على دينه الله يعينه، ما تجشم الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. ﴾
(سورة آل عمران: 110)
5 ـ عدم شعور الإنسان بأي مسؤولية تجاه هذا الدين:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/06.jpg
لا يشعر بمسؤولية تجاه هذا الدين، أحياناً رسوم تشوه صورة النبي عليه الصلاة والسلام ماله علاقة، أحياناً المصحف يدنس في بلد، ما له علاقة، الناس ما فيهم خير، يقول لك هناك هجمة شرسة، أي لا يتحرك، لا يتكلم كلمة، لا يدافع، لا يتألم، لا يدعو، هناك ظاهرة الآن بلاد الناس يموتون من الجوع فقط جوع، حصار، لا دواء، لا ماء، لا كهرباء، لا بترول، هو مرتاح حفلات، سهرات، ومحسوب على المسلمين، لا يخطر في باله أن يقنع إنساناً بهذا الدين، أو أن يأتي به إلى المسجد، أو أن يقدم له شريطاً، الناس ما فيها خير، منسحب من العمل الصالح، أمام الشاشة تضعف مقاومته يسمح لنفسه أن يرى أشياء لا ترضي الله، هذا كله من مظاهر ضعف الإيمان، ضعف الإيمان خطير. مظاهر التخلف والتردي والسقوط في آخر الزمان مظاهر لضعف الإيمان:
كل التفوق السابق والتألق للعهود الثلاثة الأولى أسبابها قوة الإيمان:
﴿ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ (12) ﴾
(سورة مريم)
وكل مظاهر التخلف والتردي والسقوط في آخر الزمان مظاهر لضعف الإيمان، أي يضعف غض بصره، ما عملنا شيئاً، أين أذهب بعيوني ؟ يضعف غض بصره مع أن الله عز وجل:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) ﴾
( سورة البقرة )
حديثه مع النساء لطيف زيادة، يطرح طرفة من أجل أن يضحكها، ناعم جداً، لطيف جداً، وفي بيته لا يوجد أقسى منه، صفات المؤمن لطيف جداً مع زوجته ومع الأجنبيات ولا كلمة غلط ولا كلمة لطيفة، لا يقول كلمة لطيفة لكن لا يوجد كلمة فيها تودد هذا امرأة لا تحل لك:
﴿ مَا خَطْبُكُمَا (23) ﴾

( سورة القصص )
سيدنا موسى، الآنسات خير إن شاء الله لماذا واقفون هنا ؟ البديل: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا (23) ﴾
( سورة القصص )
كلمة واحدة قالت له: ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
( سورة القصص )
لو قالت له إن أبي يدعوك اليوم، خير إن شاء الله ما المناسبة ؟ صار في حوار كلمة كاملة:
﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
( سورة القصص )
﴿ مَا خَطْبُكُمَا (23) ﴾
( سورة القصص )
6 ـ اللغو في اللقاءات و السهرات:
هذه امرأة لا تحل لك، مسموح لك أن تكلمها لكن وفق أعلى درجة من الضوابط، من ضعف الإيمان الجلسات، اللقاءات، السهرات، فيها لغو: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/07.jpg
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) ﴾
( سورة المؤمنون)
كلام فارغ موضوعات لا تنتهي، الموضوعات لا تسمو بالنفس، وسهر، وسمر، ولهو، وأحياناً شيء من الغيبة، من النميمة، من المحاكاة، من التقريب، يصبح الموضوع مادياً ما في صفة روحانية إطلاقاً، أسعار البيوت، أسعار المنتوجات، ما ينتظر المسلمون من غلاء الأسعار، موضوعات والله أحياناً يا أخوان بجلسة من جلسات الناس بقدر ما يتكلمون عن المستقبل المظلم لا تستطيع أن، الله موجود، كل شيء بيده، ولو الناس جميعاً ما أقبلوا عليه لو أقبلت عليه وحدك لك معاملة خاصة، الله موجود: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
الإسلام دين فردي و جماعي من طبقه قطف ثماره اليانعة:

أيها الأخوة الكرام ، أعظم شيء بديننا أنه دين جماعي ودين فردي، إذا الأمة طبقته ثمار يانعة، ما طبقته طبقه وحدك، هناك آية فيها هذا الملمح:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
( سورة المائدة: 105 )
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/08.jpg
إذا الناس شردوا وانغمسوا ولم ينصاعوا وصار في منع تجول مع مسلسل مثلاً، هذا دينهم صار، عليكم أنفسكم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
( سورة المائدة: 105 )
الطابع عقلي مادي مصلحي تنافسي، في هذه المجالس هل هناك بيت لا يوجد فيه سهرة بالأسبوع ؟ لقاء ؟ جلسة ؟ نزهة ؟ اسأل نفسك هذا السؤال الصعب ما الموضوع الذي يطرح ؟ موضوعات دنيوية فقط، موضوعات مؤلمة، موضوعات ما فيها أمل، تجد:
(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))
[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] من آثر نفسه على غيره فسيرته تعكر المجلس:
المواقف اللئيمة تعكر المجلس، الإنسان اللئيم قصته تعكر المجلس، الإنسان الظالم سيرته تعكر المجلس، الإنسان الذي يؤثر نفسه على غيره سيرته تعكر المجلس، أما بذكر الصالحين تتعطر المجالس http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/09.jpg
أنا أنصحكم لا تترك الجلسة كلها نبش بالنقائص، إنسان وقف أمام حاوية ماذا سيجد فيها ؟ الطعام الفاسد، بقايا الطعام، وقمامة البيت، لو حاول إنسان أن ينقب لا يوجد شيء كل شيء أسوأ من الثاني، ترى الحديث كله على واقع المسلمين واقع مؤلم، في تخلف، الغني غني والفقير فقير، الغني يتفنن في إنفاق الأموال والفقير محروم من كل شيء، و لا يوجد رحمة.
(( إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ))
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
في آخر الزمان تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، وترفع النخوة من رؤوس الرجال، ما في نخوة زوجته بأبهى زينة تمشي معه في الطريق يفتخر بها ثياب فاضحة، على الشرفة بثياب شفافة مرتاح كأن معه مركبة يزهو بها. حرص المسلمين الشديد على التمتع بمباهج الحياة و نسيان أن الموت نهاية كل حي:
أيها الأخوة، لا تعتبوا على الله واقع المسلمين سيئ جداً، يعني الله عز وجل أول كلمة بأول آية بأول سورة اقرأ http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/10.jpg
الآن ارقص، ستة وثمانون مليون اتصال بسوبر ستار من أجل اختيار إحدى مغنيتين، هذه أمة ؟ أراضيها محتلة، عدو غاصب، خمس دول إسلامية محتلة، الناس يتنافسون على جمع المال:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32)﴾
( سورة الزخرف).
موضوع جمع، حرص شديد على التمتع بمباهج الحياة، في المأكل، في الملبس، في المشرب، في المسكن، في الأثاث.
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ))
[ أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ]
بكل دولة في ثلاثين حليفاً، ثلاثين في العراق، ثلاثين في أفغانستان، وثلاثين في لبنان، حلفاء:
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، قش على صفحة السيل، هذا القش لا يقدم ولا يؤخر ولا يغير مجرى السيل، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ]
الفقير يحلم بالثراء، الغني ينظر إلى من هو أغنى منه، الموظف ينظر إلى الموظف القوي متى أَحْتَل منصبه ؟ هناك مزيد من الدنيا والموت نهاية كل حي.
7 ـ عدم الاهتمام بدين الأولاد:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/11.jpg
مع ضعف الإيمان هَم الأب ليس دين أولاده، ولا إيمان أولاده، ولا عبادات أولاده، يتعلمون لغة إنكليزية، هذا ليس خطأ طبعاً، يمكن صار الهم الوحيد، دينه دين كرة، أحياناً تنشب خلافات بين الزوجين يكون الزوج أهلاوي والزوجة زملكاوية، يتقاتلون، الرياضة الآن دين، مرة كنت في العمرة فركبت مع سائق من مكة إلى جدة والله هو أصله بدوي ينفعل انفعالات من أجل هدف أدخله الفريق الذي لا يحبه، سيخرج من جلده سيعمل حادثاً أدخلوا هدفاً، دين ثاني، الرياضة دين، الرياضة مفيدة جداً لكنها أصبحت الآن دين، يعني مرة ببلد إسلامي اجتمع مجلس الشعب حتى يطلب من وزير الإعلام يؤخر المسلسل إلى ما بعد التراويح، تركوا الناس التراويح من أجل المسلسل، عقدت جلسة من أجل طلب من وزير الإعلام أن يؤخر عرض هذا المسلسل حتى يتاح للمسلمين في رمضان أن يصلوا التراويح، هذا من ضعف الإيمان.
8 ـ تضخم الذات:
يأتي الأب مساءً الأولاد أكلوا ؟ أكلوا، كتبوا الوظائف ؟ كتبوا، صحتهم ؟ جيدة، الحمد لله، ما يخطر في بال الأب أن صلوا العشاء ؟ صلى، قرأ قرآن، صحته، دراسته، علامته، تفوقه فقط، يضعف تعظيم شعائر الله، يقل العفو والتسامح بين الناس، تتوتر العلاقات بين الأصدقاء، يكثر الخصام، الأخطاء تصعد http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/12.jpg
كل شخص يتهم الآخر بالكفر أحياناً، بالشرك، بالخروج من الدين، الذات تتضخم، تضخم الذات.
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا (المادية المقيتة)، وَهَوًى مُتَّبَعًا (الجنس)، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
[ أبو داود عن أبي أمية الشعباني]
كل شخص يقول: محور العالم عندي ليس مقبولاً، من أنت ؟ أنت من ؟ عندي ما فيها شيء، أنت مشرع ؟ يحرم ويحلل برأيه، هذا من علامات ضعف الإيمان.
حب الظهور، التصدي للآخر، السعي للإمارة، يقل البذل والعطاء، والإنفاق في سبيل الله، يزداد الحرص والشح، يقل حبّ الجهاد، يزداد الخوف من الأمراض والمحن التي تصيب المسلمين. أول خطوة لحل مشكلة ضعف الإيمان أن نحيط بها علماً:
أيها الأخوة، والله شيء مؤلم، لكن هذا واقع أول خطوة لحل المشكلة أن تحاط علماً بها، أول خطوة لحل أية مشكلة أن تحاط علماً بها http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/13.jpg
أول خطوة لحل المشكلة أن تعلم أن هناك مشكلة، أول خطوة لمعالجة ضغط الدم المرتفع أن تقيس ضغطك وتكتشف أنه مرتفع، هذا الطريق الصحيح، الآن لا تفرحوا بالمديح، المديح سهل نحن أمة الإسلام ما شاء الله، نحن أمة آخر الأنبياء، نحن أمة الوحيين، نحن أمة الكتاب والسنة، نحن أمة سيد الأنبياء خير إن شاء الله:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة: 18 )
حينما لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر نحن أمة كأية أمة خلقها الله لا نملك ولا ميزة إطلاقاً.
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون ))
[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]
كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ والله أيها الأخوة، أحياناً المؤمن المستقيم غريب.
(( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ))
[ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
أناس صالحون في قوم سوء كثير.
9 ـ قلة الصفح بين الناس:
من علائم ضعف الإيمان يقل الحلم والعفو، يقل الصفح بين الناس، تكثر الفظاظة والغلظة، يقل التراحم، يزداد التقصير في القيام بالحقوق كبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار، تقول الأخت أخي منذ سنتين ما دخل بيتي، تكون أخته زوجها فقير ساكنة بطرف المدينة يلبي دعوة الأغنياء، تلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من الدنيا وتلبية دعوة الفقراء من عمل الآخرة.
10 ـ قلة الثقة بما عند الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/14.jpg
قلة الثقة بما عند الله، إذا أخذ دعماً من جهة قوية يرتاح، لا يرتاح لأنه يمشي صح مع الله، يرتاح إذا جهة قوية دعمته، لأنه يعيش الشرك، لا يرى أن الله عز وجل هو الغني، هو القوي، هو المعطي، هو المانع، هو المعز، هو المذل، تعلق بأشخاص، تعلق بأقوياء، وانبطح أمامهم وتضعضع أمامهم، لكن يأبى أن يتذلل أمام ربه في سجوده، يزداد الطمع بما في أيدي الناس،
قالوا للحسن البصري: يا إمام بمَ نلت هذا المقام ؟ قال: " باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي ".
العفة و العزة من صفات المؤمن:
العفة شيء من صفات المؤمن، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير، ما كان للمؤمن أن يذل نفسه، المؤمن عزيز دققوا في هذا الكلام:
احتج إليه تكن أسيره، استغني عنه تكن نظيره، أحسن إليه تكن أميره، إن أحسنت إليه فأنت أميره، إن استغنيت عنه فأنت نظيره، إن احتجت إليه فأنت أسيره، خليفة المسلمين في بيت الله الحرام، خليفة، الدنيا كلها بيده قال له: والله أستحي أن أسأل في بيت الله غير الله، التقاه خارج البيت قال سلني حاجتك ؟ قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها ؟ ألح عليه قال له: نجني من النار وأدخلني الجنة، قال هذه ليست لي، قال إذاً ليست لي عندك حاجة، هذه العزة، يقولون: ما أعظم إحسان الأغنياء للفقراء، وما أروع عفة الفقراء، ترى كل فقير والله عنده عزة نفس وعفة، وعنده كبرياء، إيمانية تفوق الأغنياء والله، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر.
من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، من جلس إلى قوي فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، شيء مخيف، سيدنا عمر يمشي في الطريق هناك أطفال رأوه فتفرقوا من هيبته، بقي طفل صغير واقفاً بكبرياء، كبرياء الإيمان ليس التكبر، لفت نظره قال يا غلام لمَ لم تذهب مع من ذهب ؟ قال أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك.
قال أبو جعفر المنصور: يا أبا حنيفة، لو تغشيتنا، قال: ولمَ أتغشاكم، وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل تغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ إنك إن أكرمتني فتنتني، وإنك إن أبعدتني أزريتني.
11 ـ ازدياد التسخط و التشكي:
يزداد التسخط والتشكي، الله قال: http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/15.jpg
﴿ ولا تجد أكثرهم شاكرين(17) ﴾
(سورة الأعراف)
يقول لك بلد مسموم، لا بيع ولا شراء، يكون رابح اثني عشر مليوناً، كانوا خمسة عشر، خسرنا مليونين السنة، حاسب الخسارة أنه ربح العام الماضي خمسة عشر ربح السنة فقط اثني عشر، خسر ثلاثة، يتشكى يتشكى، والله حدثني أحد الأخوة له صديق بيته متواضع يتشكى دائماً أقسم بالله مرتين ثلاثة هَمّ أن يقدم له مساعدة لما توفي ترك مئة مليون، أقسم بالله عدة مرات هَمّ أن يقدم له المساعدة تشكي، تشكي، الله قال: ﴿ ولا تجد أكثرهم شاكرين(17) ﴾
(سورة الأعراف)
بطولات المؤمن في الحياة:
يأتي المؤمن صحته طيبة ساكن في بيت أجرة ستين متراً، وله زوجة يحبها وتحبه ومرتاح نفسياً، يقول الله فضل عليّ، والله يا أيها الأخوة، سمعت قصة من أحد الأخوة الكرام قال لي: دخلت على تاجر يعرفه تماماً حجمه المالي من أربعة لخمسة مليار، قال لي و الله من كثرة ما شكا لي هذا التاجر لم أعد أستطع أن أقف، ما أعجبه البلد، ولا البيع، ولا التجارة، ولا أولاده، ولا زوجته، ما هذه الحياة ؟ حجمه المالي من أربعة لخمسة مليار، ذهب إلى محله التجاري في الحريقة جاءت امرأة محجبة دلوها عليه، هو رئيس جمعية خيرية، قالت له أريد مساعدة بالشهر ألف ليرة أجرة بيت، أين تسكن ؟ في داريا هو عنده اجتماع في داريا بجمعية خيرية، قال لها مساءً سننظر، انتهى الاجتماع قال هذه الإنسانة عنوانها، ابحثوا عنها، فقالوا امشي الآن، قال دخلت إلى بيت تحت درج مع فسحة صغيرة، تحت الدرج القسم العالي غرفة والأقل علواً مطبخ والأقل حمام، أربعة أولاد يلبسون ثياباً نظيفة جداً، والزوج مريض على السرير، قال لي البيت مستحيل يسكن، لكن كأنه جنة أقسم بالله شعر في روحانية في البيت قال ألفين في الشهر، قالت لا ألف، نحن معاشنا يكفي أكل وشرب ينقصنا ألف أجرة البيت ما قبلت تأخذ ألف ثانية.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/16.jpg
والله مرة طبيب حدثني قال بحياتي ما صغرت أمام إنسان (هو طبيب قلب جراح) عنده مريض ابنه بحاجة إلى عمل جراحي، العمل يكلف ثلاثمئة وخمسين ألفاً و لا يملكها، هذا الطبيب رقّ له ذكر ذلك لمحسن قال له علي العملية ما في مشكلة، اتصل به قال أعتذر قال لماذا ؟ قال أنا عندي ورشة خياطة، ثمنها ثلاثمئة وخمسين ألفاً قال أنا عندي شيء أبيعه، هذا المبلغ اجعله لإنسان ما عنده شيء يبيعه، قال بحياتي ما صغرت أمام إنسان.
محسن كبير من حي الميدان أحب أن يعمر جامع في منطقة المخالفات، كلف أحد أخواننا مهندس وجد أرضاً مناسبة جداً مربعة باتجاه القبلة، فاوضه على أربعة قَبِل بثلاثة ونصف مليون، صاحب الأرض مستخدم في مدرسة تَمَلكها إرثاً معاشه أربعة آلاف، ووقع سنداً بنصف المبلغ، قال: أين بقية المبلغ ؟ قال له: عند التنازل، قال: ما التنازل ؟ قال: تذهب إلى مديرية الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، قال: مسجد ! مزق السند ! وقال: والله إني أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتغدو مسجداً، أنا أولى منك أن أهبها إلى الله، يقول هذا المحسن الذي يملك مئات الملايين: والله ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا المستخدم، هناك بطولات في الحياة.
مظاهر ضعف الإيمان هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/17.jpg
أيها الأخوة، هذه بعض مظاهر ضعف الإيمان، احفظوا هذه الحقيقة كل ما تشتكي منه من المسلمين، أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله، كل ما تشتكي منه من المسلمين خصومات، خلافات، قسوة، فظاظة، أثرة، أنانية، كل ما تشتكي منه أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله أو أعراض لضعف الإيمان.
الخيل:
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/18.jpgأيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام:

(( الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
[متفق عليه عن عروة بن الجعد]
هذا الحيوان المذلل المؤنس، هذا الحيوان قال يسمع وقع الخطا قبل أن ترى الخيل الذي يمشي، أحياناً الإنسان بأرض ممتدة يرى الماشي قبل أربعة كيلو متر قبل خمسة كيلو متر، الخيل تسمع خطا الذي يمشي قبل أن ترى هذا الماشي يعني سبعة كيلو متر.
(( الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
[متفق عليه عن عروة بن الجعد]
صفات الخيول:
الخيل تتوالد ولا تفقد قدرتها على التناسل مهما بلغت من العمر، تصور إنسانة عمرها ثمانون حاملة، بالأربعين خلاص سن اليأس، مهما تقدمت بها السن الخيل تملك القدرة على الإنجاب، هل يوجد شخص منكم اشترى سيارة بعد سنة وجد أمامها سيارة صغيرة ؟ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/19.jpg
أسرع الحيوان في سرعة الشفاء من جروحها، أسرع بكثير من الإنسان، شفاؤها من الجروح سريع جداً، وتأكل علفاً قليلاً وتعمل عملاً كثيراً، الخيل يستطيع أن يحمل ربع وزنه ويعدو به إلى مسافات طويلة، يعدو ليس يمشي، وزن الخيل أربعمئة كيلو يحمل مئة كيلو ويعدو به إلى مسافات طويلة من دون طعام ولا شراب، يتمتع الخيل بذاكرة حادة جداً هذه الذاكرة تنصب على الأماكن، يعني لو أن صاحبه أغمي عليه ولو كان بعيداً عن البيت يستطيع أن يصل إلى البيت، من دون توجيه صاحبه http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/20.jpg
أساساً بعض المهربين يستخدموا البغال للتهريب لا يوجد معه أحد وحده عليه غسالة، فمرة الجمارك وجدوا بغلاً عليه غسالة لحقوه إلى البيت أخذوا رقم البيت أقروا دعوى، فالمحامي يوجه الكلام للقاضي قال أنا يؤسفني أشد الأسف أن يكون معكم شهادة وحيدة فقط من بغل.
فهذا الخيل يصل إلى البيت وحده، يعرف صوت صاحبه ولو لم يره، يعرف صاحبه من ركوب الخيل فقط، طريقة ركوب الخيل يعرفها، يعرف صاحبه إما من صوته وإما من طريقة ركوب الخيل أو من رائحته، عنده ردود فعل عالية جداً لأوامر صاحبه، أنا ما كنت أظن ذلك، مرة كنا في مكان فيه خيل أخوانا ركبوا إذا سحب المقود يرجع إلى الوراء، لا ينتبه الذي يركبه، شادد يمشي إلى الوراء كأنك وضعت للخلف في السيارة، مادام ساحب للوراء، أقل غمزة برجله على البطن اليمين على اليمين، على اليسار، كأنك راكب سيارة حديثة، لي قريب توفي عنده خيل أصيل عليها ابنته وكان بيته على الطريق العام وكان في ترام في الشام، يبدو أن صوت الترام أجفل الخيل فخافت وهي تعلم أن ابنة صاحبها على ظهرها فانحنت حتى أصبحت قريبة من الأرض ودفعت البنت وولت هاربة، أدركت أن ابنة صاحبها على ظهرها.
الخيل من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله:
حدثني أخ آخر قال أنا عندي خيل أحبها كثيراً، قال لي بعتها، التقيت بها فجأة فبكت، من أشد الحيوانات وفاء لصاحبها http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/inside-arts-1/1446/ar-1446/21.jpg
أحد أخوانا كان في أمريكا شاهد ندوة تلفزيونية عن ركوب الخيل فأكدت هذه الندوة أن ركوب الخيل يقي الإنسان من أمراض القلب، والكبد والكليتين، وأن الإدمان على ركوب السيارة يجلب للإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين، الاهتزاز تصميم إله، عنترة العبسي عنده خيل من أشعاره قال هو في الحرب تأتي السهام:
فازور من وقع القنا بلبانــــه وشكا اليّ بعبرة وتحمحم
***
بلبانه: صدره. لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلم
***
ينشأ بين الفارس والفرس مشاركة وجدانية، أنت مستحيل تنشأ علاقة طيبة جداً مع سيارتك، لأنها صنعت من الحديد، أما الخيل كائن، أحياناً يدرك الخيل أن هذا القوس قد يصدم به صاحبه، ينخفض، يدرك أن صاحبه راكب والمكان منخفض، أحياناً يرى شخصاً بعيداً ينبه صاحبه لعله عدو، هناك علاقة عاطفية بين الراكب والخيل عجيبة جداً، من أذكى الحيوانات ومن أكثرها وفاءً وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
والآن هناك خيل ثمنها بالملايين، سمعت بالخليج بسباق الهجن، مئة وخمسين مليون ثمن الناقة، ناقة السباق، يطعمونها فستق وكاجو وعسل كل يوم، هم في خدمتها، على كل من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله هذا الخيل. الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

والحمد لله رب العالمين







الختام

آفراح
08-04-2018, 12:20 PM
جوزيت كل خير وبورك فيك لطرح القيم
تحية

السعيد
08-04-2018, 03:35 PM
تسلمين اختى افراح على تواجدك الدائم

منال نور الهدى
08-07-2018, 06:39 PM
بارك الله بك وجزاك الله خير جزاء وأسعدك الله في الدارين
في أمان الله وحفظه