المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبس نوراني هذا هو القرآن ... يتبع .


ناصح أمين
10-30-2019, 06:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم

المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين


===================================
======== 01 ========

القرآن كتاب دعوة .

و دستور نظام ، و منهج حياة ، لا كتاب رواية و لا تسلية و لا تاريخ .

و القرآن يصدق في عمومه ما سبقه من الكتب السماوية ، فأساس دين الله واحد في جميع الكتب السماوية و جميع الديانات الإلهية .

فهو هدى و بشرى للقلوب المؤمنة .

إن نصوص القرآن لتسكب في قلب المؤمن من الإيناس ، و تفتح له من أبواب المعرفة .

======== 02 ========

القرآن هو كتاب هذه الأمة الحي ، و رائدها الناصح ، و أنه هو مدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها ..

و أن الله – سبحانه – كان يربي به الجماعة المسلمة الأولى التي قسم لها إقامة منهجه الرباني في الأرض ..

و أنه – تعالى – أراد بهذا القرآن أن يكون هو الرائد الحي – الباقي بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه و سلم – لقيادة أجيال هذه الأمة و تربيتها و إعدادها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به .

======== 03 ========

إن هذا القرآن ليس مجرد كلام يتلى .. و لكنه دستور شامل .. دستور للتربية ، كما أنه دستور للحياة العملية ..

و من ثم فقد تضمن عرض تجارب البشرية بصورة موحية على الجماعة المسلمة التي جاء لينشئها و يربيها ..

و تضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم – عليه السلام – و قدمها زادا للأمة المسلمة في جميع أجيالها .

تجاربها في الأنفس ، وتجاربها في واقع الحياة . كي تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها و هي تتزود لها بذلك الزاد الضخم و ذلك الرصيد المتنوع .

عاشقة الأنس
10-30-2019, 09:15 AM
في ميزان حسناتك وبارك الله فيك استاذ ناصح آمين

ناصح أمين
10-31-2019, 07:00 AM
======== 04 ========

فهو كائن حي متحرك .

و نحن نراه في ظل الوقائع يتحرك و يعمل في وسط الجماعة المسلمة ، و يواجه حالات واقعة فيدفع هذه و يقر هذه ، ويدفع الجماعة المسلمة و يوجهها .

فهو في عمل دائب ، و في حركة دائبة ..

إنه في ميدان المعركة و في ميدان الحياة و هو العنصر المحرك الموجه في الميدان .

======== 05 ========

هو كتاب هذه الدعوة .

هو روحها و باعثها .

و هو قوامها و كيانها .

و هو حارسها و راعيها .

و هو بيانها و ترجمانها .

و هو دستورها و منهجها .

وهو حادي الطريق و هادي السبيل على توالي القرون .

ذلك أنه خطاب الله الأخير لهذا الإنسان في جميع العصور .

و هو في النهاية المرجع الذي تستمد منه الدعوة – كما يستمد منه الدعاة – وسائل العمل ، و مناهج الحركة ، و زاد الطريق .

ناصح أمين
11-04-2019, 07:14 AM
======== 06 ========

نزل هذا القرآن الكريم على قلب رسول الله- صلى الله عليه و سلم – لينشئ به أمة ، و ليقيم به دولة ، و لينظم به مجتمعاً ، و ليربي به ضمائر و أخلاقاً و عقولاً ..

و ليحدد به روابط ذلك المجتمع ، فيما بينه ، و روابط تلك الدولة مع سائر الدول ، و علاقات تلك الأمة بشتى الأمم ..

و ليربط ذلك كله برباط قوي واحد يجمع متفرقه ، و يؤلف أجزاءه ، و يشدها كلها إلى مصدر واحد و إلى سلطان واحد و إلى جهة واحدة ..

و ذلك هو الدين .

كما هو في حقيقة عند الله ، و كما عرفه المسلمون . أيام أن كانوا مسلمين .

======== 07 ========

إن هذا القرآن هو معلم هذه الأمة و مرشدها و رائدها و حادي طريقها على طول الطريق .

و هو يكشف لها عن حال أعدائها معها ، و عن جبلتهم و عن تاريخهم مع هدى الله كله .

و لو ظلت هذه الأمة تستشير قرآنها و تسمع توجيهاته ، و تقيم قواعده و تشريعاته في حياتها ما استطاع أعداؤها أن ينالوا منها في يوم من الأيام .

و لكنها حين نقضت ميثاقها مع ربها ، و حين اتخذت القرآن مهجورا – و إن كانت ما تزال تتخذ منه ترانيم مطربة و تعاويذ و رقي و أدعية – أصابها ما أصابها .

======== 08 ========

إن هذا القرآن لم يأت لمواجهة موقف تاريخي ، إنما جاء منهجا مطلقا خارجا عن قيود الزمان و المكان .

منهجا تتخذه الجماعة المسلمة حيثما كانت في مثل الموقف الذي تنزل فيه هذا القرآن .

و هي اليوم في مثل هذا الموقف تماما ، و قد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا القرآن لينشئ الإسلام في الأرض إنشاء .

فليكن اليقين الجازم بحقيقة هذا الدين .

و الشعور الواضح بحقيقة قدرة الله و قهره .

و المفاصلة الحاسمة مع الباطل و أهله ..

لتكن هذه عدة الجماعة المسلمة ..

و الله خير حافظا و هو أرحم الراحمين .

ناصح أمين
11-06-2019, 06:51 AM
======== 09 ========

و نزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته ، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة .

و لينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه و بين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة و لا يقف تحت رايتها الخاصة .

المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية .

فهذه صفة المسلم دائما .

و لكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله و رسوله – صلى الله عليه و سلم – و الذين آمنوا .

======== 10 ========

و القرآن يهدي إلى الرشد بما ينشئه في القلب من تفتح و حساسية ، و إدراك و معرفة ، و اتصال بمصدر النور و الهدى و اتساق مع النواميس الإلهية الكبرى .

كما يهدي إلى الرشد بمنهجه التنظيمي للحياة و تصريفها .

هذا المنهج الذي لم تبلغ البشرية في تاريخها كله ، في ظل حضارة من الحضارات ، أو نظام من الأنظمة ، ما بلغته في ظله أفرادا و جماعات ، أخلاقا فردية و معاملات اجتماعية .. على السواء .

ناصح أمين
11-07-2019, 07:01 AM
======== 11 ========

القرآن منهج حياة كامل .

منهج ملحوظ فيه نواميس الفطرة التي تصرف النفس البشرية في كل أطوارها و أحوالها ..

و التي تصرف الجماعات الإنسانية في كل ظروفها و أطوارها .

و من ثم فهو يعالج النفس المفردة ، و يعالج الجماعة المتشابكة بالقوانين الملائمة للفطرة المتغلغلة في وشائجها و دروبها و منحنياتها الكثيرة .

يعالجها علاجا متكاملا متناسق الخطوات في كل جانب ، في الوقت الواحد ، فلا يغيب عن حسابه احتمال من الاحتمالات الكثيرة ، و لا ملابسة من الملابسات المتعارضة في حياة الفرد و حياة الجماعة .

======== 12 ========

لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة ، و يقيم لها نظاما ..

فتحمله هذه الأمة إلى مشارق الأرض و مغاربها ..

و تعلم به البشرية هذا النظام وفق المنهج الكامل المتكامل .

و من ثم فقد جاء هذا القرآن مفرقا وفق الحاجات الواقعية لتلك الأمة ، و وفق الملابسات التي صاحبت فترة التربية الأولى .

و التربية الزمان الطويل ، و بالتجربة العملية في الزمن الطويل

جاء ليكون منهجا عمليا يتحقق جزءا جزءا في مرحلة الإعداد ، لا فقها نظريا و لا فكرة تجريدية تعرض للقراءة و الاستمتاع الذهني .

ناصح أمين
11-10-2019, 06:48 AM
======== 13 ========

إن القرآن ليس كتاب نظريات علمية ، و لم يجئ ليكون علما تجريبيا كذلك .

إنما هو منهج للحياة كلها .

منهج لتقويم العقل ليعمل و ينطلق في حدوده .

و لتقويم المجتمع ليسمح للعقل بالعمل و الانطلاق .

دون أن يدخل في جزئيات و تفصيليات علمية بحتة .

فهذا متروك للعقل بعد تقويمه و إطلاق سراحه .

======== 14 ========

لقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة .

و هذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة و القوة و التجرد بحيث لا تتطلع – و هي تبذل كل شيء و تحتمل كل شيء – إلى شيء في هذه الأرض .

و لا تنتظر إلا الآخرة .

و لا ترجو إلا رضوان الله .

قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب و شقاء و حرمان و عذاب و تضحية و احتمال ، بلا جزاء في هذه الأرض قريب .

و لو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة و غلبة الإسلام و ظهور المسلمين .

ناصح أمين
11-11-2019, 06:48 AM
======== 15 ========

إن هذا القرآن جميل . و موح .

و فيه من اللمسات و الموحيات ما يصل القلب البشري بالوجود الجميل ، و ببارئ الوجود الجميل .

و يسكب فيه حقيقة الكون الكبيرة الموحية بحقيقة خالقه العظيم

======== 16 ========

و لقد جاء القرآن بمنهاج كامل شامل للحياة كلها .

و جاء في الوقت ذاته بمنهاج للتربية يوافق الفطرة البشرية عن علم بها من خالقها .

فجاء لذلك منجما وفق الحاجات الحية للجماعة المسلمة ، و هي في طريق نشأتها و نموها ، و وفق استعدادها الذي ينمو يوما بعد يوم في ظل المنهج التربوي الإلهي الدقيق .

جاء ليكون منهج تربية و منهاج حياة لا ليكون كتاب ثقافة يقرأ لمجرد اللذة أو لمجرد المعرفة .

جاء لينفذ حرفا حرفا و كلمة كلمة ، و تكليفا تكليفا .

جاء لتكون آياته هي الأوامر اليومية التي يتلقاها المسلمون في حينها ليعملوا بها فور تلقيها كما يتلقى الجندي في ثكنته أو في الميدان الأمر اليومي مع التأثر و الفهم و الرغبة في التنفيذ و مع الانطباع و التكيف وفق ما يتلقاه .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153722) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153722)

ناصح أمين
11-12-2019, 06:46 AM
======== 17 ========

و القرآن يوجه القلوب و العقول دائما إلى مشاهد هذا الكون ، و يربط بينها و بين العقول و القلوب .

و يوقظ المشاعر لاستقبالها بحس جديد متفتح ، يتلقى الأصداء و الأضواء ، و ينفعل بها و يستجيب ، و يسير في هذا الكون ليلتقط الآيات المبثوثة في تضاعيفه ، المنثورة في أرجائه ، المعروضة في صفحاته ..

و يرى فيها يد الصانع المدبر ، ويستشعر آثار هذه اليد في كل ما تقع عليه عينه ، و كل ما يلمسه حسه ، و كل ما يلتقطه سمعه ..

و يتخذ من هذا كله مادة للتدبر و التفكر ، و الاتصال بالله عن طريق الاتصال بما صنعت يداه .

======== 18 ========

و هو طرف في استحياء الكون دائما في ضمائرنا ، و في إحياء شعورنا بالكون من حولنا ..

و في تحريك خوامد إحساسنا التي أفقدها طول الألفة إيقاع المشاهد الكونية العجيبة .

و طرف من ربط العقول و القلوب بهذا الكون الهائل العجيب .

ناصح أمين
11-14-2019, 06:33 AM
======== 19 ========

و إن في هذا القرآن من القوة و السلطان ، و التأثير العميق ، و الجاذبية التي لا تقاوم ..

ما كان يهز قلوب الكفار هزا ..

و يزلزل أرواحهم زلزالا شديدا ..

فياغلبون أثره بكل وسيلة فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلا .

و لقد كان كبراء قريش يقولون للجماهير :

{ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } .

======== 20 ========

لقد شاء الله أن يجعل هذا القرآن هو معجزة هذه الرسالة – و لم يشاء أن ينزل آية قاهرة مادية تلوي الأعناق و تخضعها و تضطرها إلى التسليم –

ذلك أن هذه الرسالة الأخيرة رسالة مفتوحة للأمم كلها ، و للأجيال كلها ..

و ليست رسالة مغلقة على أهل زمان أو على أهل مكان .

فناسب أن تكون معجزتها مفتوحة كذلك للبعيد و القريب لكل أمة و لكل جيل .

ناصح أمين
11-16-2019, 06:44 AM
======== 21 ========

جاء القرآن يبين أن منهج محمد – صلى الله عليه و سلم – و منهج القرآن غير منهج الشعراء و منهج الشعر أصلاً .

فإن هذا القرآن يستقيم على نهج واضح ، و يدعو إلى غاية محددة ، و يسير في طريق مستقيم إلى هذه الغاية .

و الرسول – صلى الله عليه و سلم – لا يقول اليوم قولا ينقضه غداً ، و لا يتبع أهواء و انفعالات متقلبة .

إنما يصر على دعوة ، و يثبت على عقيدة ، و يدأب على منهج لا عوج فيه .

و الشعراء ليسوا كذلك .

تتحكم فيهم مشاعرهم و تقودهم إلى التعبير عنها كيفما كانت .

و يرون الأمر الواحد في لحظة أسود و في لحظة أبيض .

يرضون فيقولون قولا ، و يسخطون فيقولون قولا آخر .

ثم هم أصحاب أمزجة لا تثبت على حال .

======== 22 ========

إن في القرآن كنوزا ضخمة من الهدى و المعرفة و الحركة و التوجيه .

و الإيمان هو مفتاح هذه الكنوز .

و لن تفتح كنوز القرآن إلا بمفتاح الإيمان .

و الذين آمنوا حق الإيمان حققوا الخوارق بهذا القرآن .

فاما حين أصبح القرآن كتابا يترنم به المترنمون بآياته ، فتصل إلى الآذان و لا تتعداها إلى القلوب .

فإنه لم يصنع شيئا .

و لم ينتفع به أحد .

لقد ظل كنزاً بلا مفتاح .

ناصح أمين
11-18-2019, 06:31 AM
======== 23 ========

و قد جاء القرآن فطهر صفحات الرسل الكرام مما لوثتهم به الأساطير الإسرائيلية التي أضافوها إلى الثورة المنزلة ..

كما صحح تلك الأساطير عن عيسى ابن مريم – عليه السلام .

و هذا القرآن هو المهيمن على الكتب قبله الذي يفصل في خلافات القوم فيها ، و يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه .

======== 24 ========

فالقرآن هو كتاب هذه الدعوة و دستورها و وسيلتها كذلك

و قد أمر أن يجاهد به الكفار .

و فيه وحده الغناء في جهاد الأرواح و العقول .

و فيه ما يأخذ على النفوس أقطرها ، و على المشاعر طرقها .

و فيه ما يزلزل القلوب الجاسية و يهزها هزا لا تبقى معه على قرار .

و ما شرع القتال بعد ذلك إلا لحمية المؤمنين من الفتنة و ضمان حرية الدعوة بهذا القرآن .

ناصح أمين
11-21-2019, 06:29 AM
======== 25 ========

و القرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور ..

فأنشأها هذه النشأة ، و بدلها من خوفها أمنا ، و مكن لها في الأرض ..

و وهبها مقوماتها التي صارت بها أمة ، و لم تكن من قبل شيئا .

و هي بدون هذه المقومات ليست أمة و ليس لها مكان في الأرض و لا ذكر في السماء .

فلا أقل من شكر الله على نعمت هذا القرآن بالاستجابة التامة .

======== 26 ========

و فيه من كل مثل ..

و فيه من كل نمط من أنماط الخطاب ..

و فيه من كل وسيلة لإيقاظ القلوب و العقول ..

و فيه من شتى اللمسات الموحية العميقة التأثير .

و هو يخاطب كل قلب و كل عقل و كل بيئة و كل محيط ..

و هو يخاطب النفس البشرية في كل حالة من حالاتها و في كل طور من أطوارها .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153742) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153742)

ناصح أمين
11-24-2019, 06:53 AM
======== 27 ========

القرآن كان دائماً في المعركة .

سواء تلك المعركة الناشئة في القلوب بين تصورات الجاهلية و تصورات الإسلام ، و المعركة الناشئة في الجو الخارجي بين الجماعة المسلمة و أعدائها الذين يتربصون بها من كل جانب .

لقد نزّل الله القرآن لينشئ حياة كاملة ، و يحركها ، و يقودها إلى شاطئ الأمان بين الأشواك و العثرات ، و مشقات الطريق ، التي تتناثر فيها الشهوات كما تتناثر فيها العقبات . و الله المستعان .

======== 28 ========

لقد كان القرآن بصدد إنشاء تصور خاص ، و نظام خاص ، و مجتمع خاص ..

كان بصدد إنشاء أمة جديدة في الأرض ، ذات دور خاص في قيادة البشرية ، لتنشئ نموذجاً معيناً من المجتمعات غير مسبوق ، و لتعيش حياة نموذجية خاصة غير مسبوقة و لتقر قواعد هذه الحياة في الأرض و تقود إليها الناس .

إن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته : تصوره و اعتقاده ، و مشاعره و مفهوماته ، و سلوكه و أعماله ، و روابطه و علاقاته ..

أما العلوم المادية و الإبداع في عالم المادة بشتى وسائله و صنوفه فهي موكولة إلى عقل الإنسان و تجاربه و كشوفه و فروضه و نظرياته .

بما أنها أساس خلافته في الأرض ، و بما أنه مهيأ لها بطبيعة تكوينه .

و القرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف و لا تفسد ..

و يصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقته الموهوبة له ..

و يزوده بالتصور العام لطبيعة الكون و ارتباطه بخالقه ، و تناسق تكوينه ن و طبيعة العلاقة بين أجزائه – و هو أي الإنسان أحد أجزائه - .

ثم يدع له أن يعمل في إدراك الجزئيات و الانتفاع بها في خلافته ..

و لا يعطيه تفصيلات لأن معرفة هذه التفصيلات جزء من عمله الذاتي .

ناصح أمين
11-25-2019, 06:51 AM
======== 29 ========

إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة .

أما ما يصل إليه البحث الإنساني – أيا كانت الأدوات المتاحة له – فهي حقائق غير نهائية و لا قاطعة ، وهي مقيدة بحدود تجاربه و ظروف هذه التجارب و أدواتها .

فمن الخطأ المنهجي – بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته – أن نعلق الحقائق النهاية القرآنية بحقائق غير نهاية و هي كل ما يصل إليه العلم البشري .

و الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن و القرآن تابع .

و من هنا يحاولون تثبيت القران بالعلم ، أو الاستدلال له من العلم .

على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ، و نهائي في حقائقه .

و العلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس و كل ما يصل إليه غير نهائي و لا مطلق ، لأنه مقيد بوسط الإنسان و عقله و أدواته .

======== 30 ========

إن هذا القرآن ليس مجرد كلام يتلى ..

و لكنه دستور شامل .. دستور للتربية ، كما أنه دستور للحياة العملية ..

و من ثم فقد تضن عرض تجارب البشرية بصورة موحية على الجماعة المسلمة التي جاء لينشئها و يربيها ..

و تضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم – عليه السلام – و قدمها زاداً للأمة المسلمة في جميع أجيالها .

تجاربها في الأنفس ، و تجاربها في واقع الحياة .

كي تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها ، وهي تتزود لها بذلك الزاد الضخم و ذلك الرصيد المتنوع .

ناصح أمين
11-27-2019, 07:02 AM
======== 31 ========

القرآن هو كتاب هذه الأمة الحي .

و رائدها الناصح .

و أنه هو مدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها .

و أن الله – سبحانه – كان يربي به الجماعة المسلمة الأولى التي قسم لها إقامة منهجه الرباني في الأٍرض ، و ناط بها هذا الدور العظيم بعد أن أعدها له بهذا القرآن الكريم ..

و أنه – تعالى – أراد بهذا القرآن أن يكون هو الرائد الحي الباقي بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه و سلم –

لقيادة أجيال هذه الأمة و تربيتها ..

وإعدادها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به ، كلما اهتدت بهديه ، و استمسكت بعهدها معه ، و استمدت منهج حياتها كله من هذا القرآن ، و استعزت به و استعلت على جميع المناهج الأرضية .

و هي بصفتها هذه مناهج الجاهلية .

======== 32 ========

إن القرآن ليس كتاباً للتلاوة و لا للثقافة .. و كفى ..

إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة ..

و إيحاء متجدد في المواقف و الحوادث ..

و نصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة متى وجد القلب الذي يتعاطف معه و يتجاوب ، و وجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السر العجيب .

و إن الإنسان ليقرأ النص القرآني مئات المرات ثم يقف الموقف أو يواجه الحادث فإذا النص القرآني جديد ، يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط ..

و يجيب على السؤال الحائر ، و يفتي في المشكلة المعقدة و يكشف الطريق الخافي ، و يرسم الاتجاه القاصد ..

و يفيء بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه ، و إلى الاطمئنان العميق .

و ليس ذلك لغير القرآن في قديم و لا حديث .

ناصح أمين
11-30-2019, 06:40 AM
======== 33 ========

إن القرآن حقيقة ذات كينونة مستمرة كهذا الكون ذاته .

الكون كتاب الله المنظور .

و القرآن كتاب الله المقروء .

و كلاهما شهادة و دليل على صاحبه المبدع ، كما أن كليهما كائن ليعمل ..

و الكون بنواميسه ما زال يتحرك و يؤدي دوره الذي قدره له بارئه .

و القرآن كذلك أدى دوره للبشرية ، وما يزال هو هو و الإنسان ما يزال هو هو كذلك .

و هذا القرآن هو خطاب الله لهذا الإنسان فيمن خاطبهم الله به .

خطاب لا يتغير لأن الإنسان ذاته لم يتبدل خلقاً آخر ..

و القرآن يخاطبه في أصل فطرته و في أصل حقيقته التي لا تبديل فيها و لا تغيير ..

و يملك أن يوجه حياته اليوم و غداً لأنه معد لهذا ، بما أنه خطاب الله الأخير ، وبما أن طبيعته كطبيعة هذا الكون ثابتة متحركة بدون تبديل .

فهو حادي الطريق و هادي السبيل على توالي القرون .

ناصح أمين
12-11-2019, 06:39 AM
======== 34 ========

هذا القرآن لا يعلم المسلمين العبادات و الشعائر فحسب ، و لا يعلمهم الآداب و الأخلاق فحسب كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين ..

إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة .

و يعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية ..

و من ثم يطلب – بحق – الوصاية التامة على الحياة البشرية ..

و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا القرآن و تحت تصرفه و توجيهه ..

أي على وجه التحديد لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أن يجعل لحياته مناهج متعددة المصادر .

و إلا فلا إيمان أصلا و لا إسلام .

ناصح أمين
12-14-2019, 06:45 AM
======== 35 ========

لقد كان هذا القرآن ينشئ أمة جديدة .

ينشئها من المجموعات المسلمة التي التقطها الإسلام من سفوح الجاهلية التي كانت تهيم فيها ، ليأخذ بيدها في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة ، و ليسلمها – بعد أن تكمل نشأتها – قيادة البشرية ، و يحدد لها دورها الضخم في هذه القيادة .

و حينما بلغت تلك الجماعة هذا المستوى تفوقت في أخلاقها الفردية و الاجتماعية بقدر تفوقها في تصورها الاعتقادي على سائر أهل الأرض ..

و عندئذ صنع الله بها في الأرض ما قدر أن يصنعه ، و أقامها حارسة لدينه و منهجه ، وقائدة للبشرية الضالة إلى النور و الهدى ، و أمينة على قيادة البشرية و إرشادها .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153787) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153787)

ناصح أمين
12-19-2019, 06:45 AM
======== 36 ========

فالقرآن هو كتاب هذه الأمة ما عاشت .

فإذا استفتته عن أعدائها أفتاها ، و إذا استنصحته في أمرهم نصح لها ، و إذا استرشدت به أرشدها .

و قد أفتاها و أرشدها و نصح لها في شأن يهود فدانت لها رقابهم ..

ثم لما اتخذته مهجورا دانت هي لليهود .

و هي غافلة عن كتابها .. القرآن .. شاردة عن هديه ، ملقية به وراءها ظهريا ، متبعة قول فلان و فلان ..

و ستبقى كذلك غارقة في كيد يهود و قهر يهود حتى تثوب إلى القرآن .

======== 37 ========

القرآن هو كتاب الله الأخير للبشر .

و هو يصدق ما بين يديه من الكتاب في أصل الاعتقاد و التصور..

و لكنه - بما أنه هو الكتاب الأخير – يهيمن على كل من سبقه و إليه تنتهي شريعة الله التي ارتضاها لعباده إلى يوم الدين .

فما أقره من شرائع أهل الكتاب قبله فهو من شرع الله ، و ما نسخه فقد فقد صفته هذه و إن كان واردا في كتاب من الكتب المنزلة .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153790) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153790)

ناصح أمين
12-23-2019, 06:44 AM
======== 38 ========

إن هذا القرآن يربي الفرد المسلم على أساس إخلاص ولائه لربه و رسوله – صلى الله عليه و سلم – و عقيدته و جماعته المسلمة ..

و على ضرورة المفاصلة الكاملة بين الصف الذي يقف فيه و كل صف آخر لا يرفع راية الله ..

و لا يتبع قيادة رسول الله – صلى الله عليه و سلم - ..

ولا ينضم إلى الجماعة التي تمثل حزب الله ..

و إشعاره أنه موضع اختيار الله ليكون ستارا لقدرته و أداة لتحقيق قدره في حياة البشر و في وقائع التاريخ .

و أن هذا الاختيار – بكل تكاليفه – فضل من الله يؤتيه من يشاء .

و أن موالاة غير الجماعة المسلمة معناه الارتداد عن دين الله ، و النكول عن هذا الاختيار العظيم ، و التخلي عن هذا التفضل الجميل .

======== 39 ========

يربي القرآن وعي المسلم بحقيقة أعدائه ، و حقيقة المعركة التي يخوضها معهم و يخوضونها معه .

إنها معركة العقيدة .

فالعقيدة هي القضية القائمة بين المسلم و كل أعدائه ..

و هم يعادونه لعقيدته و دينه قبل أي شيء آخر ..

و هم يعادونه هذا العداء الذي لا يهدأ لأنهم هم فاسقون عن دين الله ..

و من ثم يكرهون كل من يستقيم على دين الله .

{ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل و أن أكثركم فاسقون }

فهذه هي العقدة ، وهذه هي الدوافع الأصيلة .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153792) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153792)

ناصح أمين
12-28-2019, 06:55 AM
======== 40 ========

إن القرآن لا يقص قصة إلا ليواجه بها حالة .

و لا يقرر حقيقة إلا ليغير بها باطلاً ..

إنه يتحرك حركة واقعية حية في وسط واقعي حي .

إنه لا يقرر حقائقه للنظر المجرد ، و لا يقص قصصه لمجرد المتاع الفني .

======== 41 ========

الحروف المقطعة في بداية بعض السور تشير إلى أن هذا القرآن مؤلف من جنس هذه الأحرف العربية التي يستخدمها البشر ..

ثم يعجزهم أن يؤلفوا منها كلاما كهذا القرآن .

و أن هذا بذاته برهان أن هذا القرآن ليس من صنع البشر ، فقد كانت أمامهم الأحرف و الكلمات التي صيغ منها ، فلم يستطيعوا أن يصوغوا منها قرآنا مثله .

فلا بد من سر آخر وراء الأحرف و الكلمات .

ناصح أمين
01-01-2020, 06:57 AM
======== 42 ========

نزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة

و لينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه و بين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة و لا يقف تحت رايتها الخاصة .

المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية .

فهذه صفة المسلم دائما و لكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله و رسوله – صلى الله عليه و سلم – و الذين آمنوا ..

الوعي و المفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض و في كل جيل .

======== 43 ========

هذا القرآن جاء ليكون كتاب الأمة المسلمة في حياتها إلى يوم القيامة .

الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي ، كما يبني نظامها الاجتماعي ، كما يبني خطتها الحركية .. سواء .

و يعلمها ففيم يكون التناصر بين المسلم و غير المسلم ..

و كيف يكون .

إنها قضية جازمة حاسمة لا تقبل التميع ، و لا يقبل الله فيها إلا الجد الصارم ، الجد الذي يليق بالمسلم في شأن دينه .

ناصح أمين
01-05-2020, 06:46 AM
======== 44 ========

لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب ، و لا ليشرع شريعة فحسب .

و لكن كذلك ليربي أمة ، و ينشئ مجتمعا ، و ليكوّن الأفراد و ينشئهم على منهج عقلي و خلقي من صنعه ..

و هو يعلمهم أدب السؤال ، و حدود البحث ، و منهج المعرفة ..

و ما دام الله – سبحانه – هو الذي ينزل هذه الشريعة ، و يخبر بالغيب ، فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها ، وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره .

و أن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها الله العليم الخبير .

لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص و الجري وراء الاحتمالات و الفروض .

و الله أعلم بطاقة البشر و احتمالهم .

فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم .

======== 45 ========

لقد كان القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجوده و وجود هذا الكون ن حوله ..

كان يقول له :

من هو ؟ و من أين جاء ؟ و كيف جاء ؟ و لماذا جاء ؟ و إلى أين يذهب في نهاية المطاف ؟ ..

من ذا الذي جاء به من العدم و المجهول ..

و كان يقول له :

ما هذا الوجود الذي يحسه و يراه ، و الذي يحس أن وراءه غيبا يستشرفه و لا يراه ..

و كان يقول له أيضا :

كيف يتعامل مع خالق هذا الكون ، و مع الكون أيضا ، و كيف يتعامل العباد مع خالق العباد .

لقد كان يعالج القرآن القضية الأولى و القضية الكبرى و القضية الأساسية في هذا الدين الجديد " قضية العقيدة " ممثلة في قاعدتها الرئيسية : الألوهية و العبودية و ما بينهما من علاقة .

ناصح أمين
01-08-2020, 07:01 AM
======== 46 ========

لقد كان القرآن الكريم يخاطب فطرة الإنسان بما في وجوده هو و بما في الوجود من حوله من دلائل و إيحاءات ..

كان يستنقذ فطرته من الركام ، و يخلص أجهزة الاستقبال الفطرية مما ران عليها و عطل وظائفها ..

و يفتح منافذ الفطرة لتتلقى الموحيات المؤثرة و تستجيب لها .

كان القرآن و هو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة يخوض بها معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها ..

كما يخوض معركة ضخمة مع رواسب الجاهلية في ضميرها و أخلاقها و واقعها .

======== 47 ========

إن هذا القرآن لم يأت لمواجهة موقف تاريخي ، إنما جاء منهجا مطلقا خارجا عن قيود الزمان و المكان .

منهجا تتخذه الجماعة المسلمة حيثما كانت في مثل الموقف الذي تنزل فيه هذا القرآن .

وهي اليوم في مثل هذا الموقف تماما ، و قد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا القرآن لينشئ الإسلام في الأرض إنشاء .

فليكن اليقين الجازم بحقيقة هذا الدين .

و الشعور الواضح بحقيقة قدرة الله و قهره .

و المفاصلة الحاسمة مع الباطل و أهله .

لتكن هذه عدة الجماعة المسلمة ..

و الله خير حافظا و هو أرحم الراحمين .

ناصح أمين
01-12-2020, 06:47 AM
======== 48 ========

إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لأصحابه جديدة دائما كلما عاشوا في ظلاله ..

و هم يخوضون معركة العقيدة ..

و يتدبرون بوعي أحداث التاريخ ..

و يطالعون بوعي أحداث الحاضر ..

و يرون بنور الله الذي يكشف الحق و ينير الطريق .

======== 49 ========

لقد نزل هذا الكتاب ليحكم بالعدل بين الناس فيما اختلفوا فيه ، و لتتمثل فيه حاكمية الله و ألوهيته .

ثم لقد نزل هذا الكتاب مفصلا محتويا على المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحياة جملة .

كما أنه تضمن أحكاما تفصيلية في المسائل التي يريد الله أن يثبتها في المجتمع الإنساني مهما اختلفت مستوياته الاقتصادية و العلمية و الواقعية جملة ..

و بهذا و ذلك كان في هذا الكتاب غناء عن تحكيم غير الله في شأن من شؤون الحياة .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153840) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153840)

ناصح أمين
01-15-2020, 06:57 AM
======== 50 ========

إن هذا القرآن يتلى على الناس في هذه الدنيا الحاضرة ، و في هذه الأرض المعهودة ..

و لكنه يعرض مشهد الآخرة كأنه حاضر قريب ، و مشهد الدنيا كأنها ماض بعيد ..

فننسى أن ذلك مشهد سيكون يوم القيامة ، و نستشعر أنه أمامنا اللحظة ماثل ..

و أنه يتحدث عن الدنيا التي كانت كما يتحدث عن التاريخ البعيد .

و ذلك من عجائب التخييل .

======== 51 ========

و إن العكوف على هذا القرآن - في وعي و تدبر لا مجرد التلاوة و الترنم – لينشئ في القلب و العقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ..

ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة ..

و من الحرارة و الحيوية و الانطلاق ..

و من الإيجابية و العزم و التصميم ..

ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب .

و إن رؤية حقائق الوجود – من خلال التصور القرآني – و حقائق الحياة ، و رؤية الحياة البشرية و طبيعتها و حاجاتها من خلال التقريرات القرآنية ..

لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة .

تهدي إلى معالجتها و إلى مزاولتها بروح أخرى غير ما توجه إليه سائر التصويرات و التقريرات البشرية .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153841) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153841)

ناصح أمين
01-19-2020, 06:49 AM
======== 52 ========.

إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة ..

و لا يحول بينه و بينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب و يحجب القلب عنه ..

فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن و وجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان .

و القلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيمانا و ما ينتهي به إلى الاطمئنان .

======== 53 ========

إن هذا القرآن دستور حياة شامل ، منسق بحيث يفي بمطالب هذه البشرية في حياتها الفردية و الجماعية ..

و يهديها إلى طريق الكمال في حياة الأرض بقدر ما تطيق ثم إلى الحياة الأخرى في نهاية المطاف .

و من يدرك القرآن على حقيقته لا يخطر له أن يطلب سواه أو يطلب تبديل بعض أجزائه .

ناصح أمين
01-21-2020, 06:55 AM
======== 54 ========

و هذا القرآن يفصل كتاب الله و يبين وسائل الخير الذي جاء به ، و وسائل تحقيقه و صيانته .

فالعقيدة في الله واحدة ، و الدعوة إلى الخير واحدة .

و لكن صورة هذا الخير فيها تفصيل ، و التشريع الذي يحققه فيه تفصيل يناسب نمو البشرية وقتها و تطورات البشرية بعدها ، بعد أن بلغت سن الرشد فخوطبت بالقرآن خطاب الراشدين ، و لم تخاطب بالخوارق المادية التي لا سبيل فيها للعقل و التفكير .

======== 55 ========

إن هذا القرآن يخاطب الكينونة البشرية بجملتها ..

فلا يخاطب ذهنها المجرد مرة ..

و قلبها الشاعر مرة .. و حسها المتوفز مرة ..

و لكنه يخاطبها جملة ، و يخاطبها من أقصر طريق ، و يطرق كل أجهزة الاستقبال و التلقي فيها مرة واحدة كلما خاطبها .

و ينشئ فيها بهذا الخطاب تصورات و تأثرات و انطباعات لحقائق الوجود كلها .

لا تملك وسيلة أخرى من الوسائل التي زاولها البشر في تاريخهم كله أن تنشئها بهذا العمق ، و بهذا الشمول ، و بهذه الدقة و هذا الوضوح ، و بهذه الطريقة و هذا الأسلوب أيضا .

ناصح أمين
02-01-2020, 06:57 AM
======== 56 ========

.فقد جاء القرآن بالتوحيد ، و سلك إلى تقرير هذه العقيدة و إيضاحها طرقا شتى ، و أساليب متنوعة ، و وسائل متعددة " ليذكروا "

فالتوحيد لا يحتاج إلى أكثر من التذكر و الرجوع إلى الفطرة و منطقها ..

و إلى الآيات الكونية و دلالتها .

======== 57 ========

إن معجزة الإسلام هي القرآن .

و هو كتاب يرسم منهجا كاملا للحياة .

و يخاطب الفكر و القلب ، و يلبي الفطرة القويمة .

و يبقى مفتوحا للأجيال المتتابعة تقرؤه و تؤمن به إلى يوم القيامة .

كتابا مفتوحا لجيل محمد – صلى الله عليه و سلم – فآمن به من لم يشهد الرسول – صلى الله عليه و سلم – و عصره و صحابته .

إنما قرأ القرآن أو صاحب من قرأه .

و سيبقى مفتوحا يهتدي به من هم في ضمير الغيب .

و قد يكون من هو أشد إيمانا و أصلح عملا ، و أنفع للإسلام من كثير من سبقوه .

ناصح أمين
02-05-2020, 06:48 AM
======== 58 ========

و القرآن يوجه الإنسان إلى النظر فيما حوله من صنع الله ، و إلى ما حوله من خلق الله في السماوات و الأرض و هم يسبحون بحمده و تقواه ..

و يوجه بصره و قلبه خاصة إلى مشهد في كل يوم يراه ، فلا يثير انتباهه و لا يحرك قلبه لطول ما يراه .

======== 59 ========

و القرآن يجدد حسّنا الخامد ، و يوقظ حواسنا الملول .

و يلمس قلبنا البارد .

و يثير وجداننا الكليل .

لنرتاد هذا الكون دائما كما ارتدناه أول مرة .

نقف أمام كل ظاهرة نتأملها ، و نسألها عما وراءها من سر دفين و من سحر مكنون .

و نرقب يد الله تفعل فعلها في كل شيء من حولنا ، و نتدبر حكمته في صنعته ، و نعتبر بآياته المبثوثة في تضاعيف الوجود .

ناصح أمين
02-13-2020, 06:44 AM
======== 60 ========

و الروح الأمين جبريل – عليه السلام – نزل بهذا القرآن من عند الله على قلب رسول الله – صلى الله عليه و سلم –

و هو أمين على ما نزل به ، حفيظ عليه ، نزل به على قلبه فتلقاه تلقيا مباشرا ، و وعاه وعيا مباشرا .

نزل به على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين .

هو لسان قومه الذي يدعوهم به ، و يتلو عليهم القرآن .

و هم يعرفون مدى ما يملك البشر أن يقولوا ، و يدركون أن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر ، و إن كان بلغتهم ..

و أنه بنظمه ، و بمعانيه ، و بمنهجه ، و بتناسقه .

يشي بأنه آت من مصدر غير بشري بيقين .

======== 61 ========

و القرآن الكريم يتتبع مواضع شبهات المشركين حتى الساذج الطفولي منها .

فرسول الله – صلى الله عليه و سلم – عاش بينهم فترة طويلة من حياته لا يقرأ و لا يكتب ، ثم جاءهم بهذا الكتاب العجيب الذي يعجز القارئين الكاتبين .

و لربما كانت تكون لهم شبهة لو أنه كان من قبل قارئا كاتبا .

فما شبهتهم و هذا ماضيه بينهم ؟

فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر ..

فهو أكبر جدا من طاقة البشر و معرفة البشر و آفاق البشر .

و الحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون .

و كل وقفة أمام نصوصه توحي للقلب بأن وراءه قوة ، و بأن في عباراته سلطانا لا يصدران عن بشر .

ناصح أمين
02-24-2020, 06:18 AM
======== 62 ========

و كان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه يصور الأحداث ، و يلقي الأضواء على منحنياته و زواياه ، فتنكشف المواقف و المشاعر ، و النوايا و الضمائر .

ثم يخاطب القلوب و هي مكشوفة في النور ، عارية من كل رداء و ستار .

و يلمس فيها مواضع التأثر و الاستجابة ، و يربيها يوما بعد يوم ، و حادثا بعد حادث ، و يرتب تأثراتها و استجاباتها وفق منهجه الذي يريد .

من ذلك كله ندرك كيف كان الله يربي هذه الأمة بالأحداث و القرآن في آن .

======== 63 ========

إن طبيعة هذا القرآن لتحتوي على قوة خارقة نافذة ، يحسها كل من له ذوق و بصر و إدراك للكلام ، و استعداد لإدراك ما يوجه إليه و يوحى به .

و لقد صنع هذا القرآن في النفوس التي تلقته و تكيفت به أكثر يرمن تسيير الجبال و تقطيع الأرض و إحياء الموتى .

لقد صنع في هذه النفوس و بهذه النفوس خوارق أضخم و أبعد آثارا في أقدار الحياة ، بل أبعد أثرا في شكل الأرض ذاته

فكم غير الإسلام و المسلمون من وجه الأرض ، إلى جانب ما غيروا من وجه التاريخ .

ناصح أمين
02-24-2020, 06:20 AM
======== 64 ========

و هذا القرآن ينبغي أن يكون هو كتاب هذه الدعوة الذي يعتمد عليه الدعاة إلى الله قبل الاتجاه إلى أي مصدر سواه .

و الذي ينبغي لهم بعد ذلك أن يتعلموا منه كيف يدعون الناس ، و كيف يوقظون القلوب الغافية ، و كيف يحيون الأرواح الخامدة

إن الذي أوحى بهذا القرآن هو الله ، خالق هذا الإنسان ، العليم بطبيعة تكوينه ، الخبير بدروب نفسه و منحنياتها .

و على الدعاة أن يسلكوا إلى القلوب طريق القرآن في تعريف الناس بربهم الحق .

======== 65 =======

و لقد جاء هذا القرآن ليجلي الحقيقة كاملة عن طبيعة النبوة و طبيعة النبي ، و عن طبيعة الرسالة و طبيعة الرسول ..

و عن حقيقة الألوهية المتمثلة في الله وحده – سبحانه – و حقيقة العبودية التي تشمل كل ما خلق الله و كل من خلق و منهم أنبياء الله و رسله فهم عباد صالحون و ليسوا خلقا آخر غير البشر ، و ليس لهم من خصائص الألوهية شيء ..

و ليسوا على اتصال بعوالم الجن و الخفاء المسحور .

إنما هو الوحي من الله – سبحانه –

فهم بشر من البشر وقع عليهم الاختيار و بقيت لهم بشريتهم و عبوديتهم لله – سبحانه – كبقية خلق الله .

ناصح أمين
03-02-2020, 06:40 AM
======== 66 ========

أنزل الله القرآن في ليلة مباركة للإنذار و التحذير .

فالله يعلم غفلة هذا الإنسان و نسيانه و حاجته إلى الإنذار و التنبيه .

و مضى ذلك الجيل و بقي بعده القرآن كتابا مفتوحا موصولا بالقلب البشري ، يصنع به حين يتفتح له ما لا يصنعه السحر ، و يحول مشاعره بصورة تحسب أحيانا في الأساطير .

و بقي هذا القرآن منهجا واضحا كاملا صالحا لإنشاء حياة إنسانية نموذجية في كل بيئة و في كل زمان .

حياة إنسانية تعيش في بيئتها و زمانها في نطاق ذلك المنهج الإلهي المتميز الطابع بكل خصائصه دون تحريف .

و هذه سمة المنهج الإلهي وحده .

و هي سمة كل ما يخرج من يد القدرة الإلهية .

======== 67 ========

و القرآن وحي الله – سبحانه و تعالى – جعله في صورته هذه اللفظية عربيا ، حين اختار العرب لحمل هذه الرسالة لما يعلمه من صلاحية هذه الأمة و هذا اللسان لحمل هذه الرسالة و نقلها

و الله أعلم حيث يجعل رسالته .

و هذا القرآن " عليّ " .. " حكيم "

و هما صفتان تخلعان عليه ظل الحياة العاقلة . و إنه لكذلك .. و كأنما فيه روح . روح ذات سمات و خصائص تتجاوب مع الأرواح التي تلامسها .

و هو في علوه و في حكمته يشرف على البشرية و يهديها و يقودها وفق طبيعته و خصائصه .

و ينشئ في مداركها و في حياتها تلك القيم و التصورات و الحقائق التي تنطبق عليها هاتان الصفتان : عليّ . حكيم .

ناصح أمين
03-11-2020, 06:21 AM
======== 68 ========

و دلائل الحق واضحة في هذا القرآن . واضحة في صلبه .

فهو الترجمة الصحيحة لهذا الكون في حقيقته ..

أو هو الصفحة المقروءة و الكون هو الصفحة الصامتة .

و هو مصدق لما قبله من الكتب الصادرة من مصدره .

و الحق واحد لا يتعدد فيها و فيه .

ومنزله نزله للناس و هو على علم بهم ، و خبرة بما يصلح لهم و يصلحهم .

إن الله بعباده لخبير بصير .

هذا هو القرآن في ذاته . و قد أورته الله لهذه الأمة المسلمة ، اصطفاها لهذه الوراثة .

======== 69 ========

هذا القرآن المتناسق الذي لا اختلاف في طبيعته و لا في اتجاهاته ، و لا في روحه ، و لا في خصائصه .

فهو " متشابه " و " مثاني " تتكرر مقاطعه و قصصه و توجيهاته و مشاهده .

و لكنها لا تختلف و لا تتعارض ، إنما تعاد في مواضع متعددة وفق حكمة تتحقق في الإعادة و التكرار في تناسق و في استقرار على أصول ثابتة متشابهة .

لا تعارض فيها و لا اصطدام .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153950) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153950)

ناصح أمين
03-11-2020, 06:23 AM
======== 70 ========

إن في هذا القرآن سرا خاصا يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء ، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها .

إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن .

يشعر أن هناك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير .

و أن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن .

يدركه بعض الناس واضحا و يدركه بعض الناس غامضا و لكنه على كل حال موجود .

هذا العنصر يصعب تحديد مصدره :

أهو العبارة ذاتها ؟ أهو المعنى الكامن فيها ؟ أهو الصور و الظلال التي تشعها ؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة ؟

أهي هذه العناصر كلها مجتمعة ؟ أم إنها هي و شيء آخر وراءها غير محدود ؟ .

======== 71 ========

و هذا هو القرآن حاضرا ، سهل التناول ، ميسر الإدراك ، فيه جاذبية ليقرأ و يتدبر .

فيه جاذبية الصدق و البساطة ، و موافقة الفطرة ، و استجاشة الطبع ..

لا تنفد عجائبه ، و لا يخلق على كثرة الرد .

و كلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد .

و كلما صحبته النفس زادت له ألفة و به أنسا .

ناصح أمين
03-17-2020, 06:02 AM
======== 72 ========

و لقد سلك القرآن شتى السبل ، و اتبع شتى الأساليب ، ليواجه شكوك القلب البشري و انحرافاته و آفاته ..

و يأخذ عليها المسالك ، و يعالجها بكل أسلوب .

و في أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة و الدعاة إلى هذا الدين ..

و مع اليقين الجازم بأن هذا القرآن من عند الله فقد استخدم أسلوب التشكيك لا أسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا .

و هو واحد من أساليب الإقناع في بعض الأحوال .

======== 73 ========

إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر و حوادثهم المكرورة قضايا كونية كبرى ، يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود ..

و ينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة و تصورا كاملا لهذا الوجود .

كما يجعل منها منهجا للنظر و التفكير ، وحياة للأرواح و القلوب و يقظة في المشاعر و الحواس .

يقظة لظواهر هذا الوجود التي تطالع الناس صباح مساء و هم غافلون عنها ..

و يقظة لأنفسهم و ما يجري من العجائب و الخوارق فيها .

ناصح أمين
03-22-2020, 06:44 AM
======== 74 ========

و إنه لحق اليقين .. مع تكذيب المكذبين .

حق اليقين . فليس مجرد اليقين ، و لكنه الحق في هذا اليقين .

و هو تعبير خاص يضاعف المعنى و يضاعف التوكيد .

و إن هذا القرآن لعميق في الحق ، عميق في اليقين .

و إنه ليكشف عن الحق الخالص في كل آية ما يشي بأن مصدره هو الحق الأول الأصيل .

لا هو قول شاعر .. و لا هو قول كاهن .. و لا هو تقول على الله إنما هو التنزيل من رب العالمين .

و هو التذكرة للمتقين . و هو حق اليقين .

======== 75 ========

القرآن المكي يعالج – في الغالب – إنشاء العقيدة . في الله و في الوحي ، و في اليوم الآخر .

و إنشاء التصور المنيثق من هذه العقيدة لهذا الوجود و علاقته بخالقه .

و التعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب ، و بالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب ، و بالقيم و الموازين التي يزن بها المسلم الأشياء و الأحداث و الأشخاص .

و القرآن المدني يعالج – في الغالب – تطبيق تلك العقيدة و ذاك التصور و هذه الموازين في الحياة الواقعية ..

و حمل النفوس على الاضطلاع بأمانة العقيدة و الشريعة في معترك الحياة ، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير و عالم الظاهر سواء .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=153996) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=153996)

ناصح أمين
03-28-2020, 06:39 AM
======== 76 ========

يكل القرآن الناس إلى النظر في هذا الكون ، و إلى تملي مشاهده و عجائبه .

ذلك أن القرآن يخاطب الناس جميعا ، و في كل عصر .

يخاطب ساكن الغابة و ساكن الصحراء ، كما يخاطب ساكن المدينة و رائد البحار .

و هو يخاطب الأمي الذي لم يقرأ و لم يخط حرفا ، كما يخاطب العالم الفلكي و العالم الطبيعي و العالم النظري سواء .

و كل واحد ن هؤلاء يجد في القرآن ما يصله بهذا الكون ، و ما يثير في قلبه التأمل و الاستجابة و المتاع .

======== 77 ========

القرآن يوجه النفس إلى جمال السماء ، و إلى جمال الكون كله لأن إدراك جمال الوجود هو أقرب و أصدق وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود .

و هذا الإدراك هو الذي يرفع الإنسان إلى أعلى أفق يمكن أن يبلغه ، لأنه حينئذ يصل إلى النقطة التي يتهيأ فيها للحياة الخالدة في عالم طليق جميل ، بريء من شوائب العالم الأرضي و الحياة الأرضية .

و إن أسعد لحظات القلب البشري لهي اللحظات التي يتقبل فيها جمال الإبداع الإلهي في الكون .

ذلك أنها هي اللحظات التي تهيئه و تمهد له ليتصل بالجمال الإلهي ذاته و يتملاه .

ناصح أمين
04-05-2020, 05:44 AM
<======== 78 ========

و وصف القرآن بأنه بصائر للناس يعمق معنى الهداية فيه و الإنارة .

فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن الأمور .

و هو بذاته هدى .

و هو بذاته رحمة . .

و لكن هذا كله يتوقف على اليقين .

يتوقف على الثقة التي لا يخامرها شك ، و لا يخالطها قلق ، ولا تتسرب إليها ريبة .

و حين يستيقن القلب و يستوثق يعرف طريقه ، فلا يتلجلج و لا يتلعثم و لا يحيد .

و عندئذ يبدو له الطريق واضحا ، و الأفق منيرا ، و الغاية محددة ، و النهج مستقيما .

و عندئذ يصبح هذا القرآن له نورا و هدى و رحمة بهذا اليقين .

======== 79 ========

الأسس التي جاء بها القرآن لكي ينشئ الجماعة المسلمة الأولى ، هي هي ما تزال التوجيهات و الأسس الضرورية لقيام الجماعة المسلمة في كل زمان و في كل مكان ..

و أن المعركة التي خاضها القرآن ضد أعدائها هي ذاتها المعركة التي يمكن أن يخوضها في كل زمان و مكان

و تحتاج الأمة المسلمة في كفاحها و توقيها إلى توجيهات هذا القرآن حاجة الجماعة المسلمة الأولى

كما تحتاج في بناء تصورها الصحيح و إدراك موقفها و من الكون و الناس إلى ذات النصوص و ذات التوجيهات ، و تجد فيها معالم طريقها واضحة

و يظل القرآن كتاب هذه الأمة العامل في حياتها ، و قائدها الحقيقي في طريقها الواقعي ، و دستورها الشامل الكامل ، الذي تستمد منه منهج الحياة ، و نظام المجتمع ، و قواعد التعامل الدولي و السلوك الأخلاقي و العملي

ناصح أمين
04-11-2020, 05:48 AM
======== 80 ========

لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، و كثر فيه النزاع ، و طمت فيه الفتن ، و تماوجت فيه الأحداث .

و راحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن و في حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و دخل في هذه الفتن و ساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود – خاصة – ثم من " القوميين " دعاة القومية الذين تسموا بالشعوبيين .

كما استطعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، و أن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام و الاتجاهات .

و لكنها عجزت جميعا – و في أشد أوقات الفتن حلوكة و اضطربا – أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ ، و بقيت نصوصه كما أنزلها الله ، حجة باقية على كل محرف و كل مؤول ، و حجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .

======== 81 ========

لقد جاء القرآن الكريم يهدد المشركين المكذبين و يتوعدهم ، و يعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين و مصائرهم ..

و يكشف للرسول – صلى الله عليه و سلم – عن علة تكذيبهم و عنادهم ، و هي لا تتعلق به و لا بالحق الذي معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات .

و من ثم يسلي الرسول – صلى الله عليه و سلم – و يواسيه ، و يوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ، و الصدع به بقوة في مواجهة الشرك و أهله ..

و الصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة و وحشة العزلة ، و طول الطريق .

ناصح أمين
04-19-2020, 06:06 AM
======== 82 ========

إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر و حوادثهم المكرورة ، قضايا كونية كبرى يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود و ينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة و تصورا كاملا لهذا الوجود ..

كما يجعل منها منهجا للنظر و التفكير ، و حياة للأرواح و القلوب ، و يقظة في المشاعر و الحواس .

يقظة لظواهر هذا الوجود التي تطالع الناس صباح مساء و هم غافلون عنها ..

و يقظة لأنفسهم و ما يجري من العجائب و الخوارق فيها .

إن أنفسهم من صنع الله ، وظواهر الكون حولهم من إبداع قدرته

و المعجزة كامنة في كل ما تبدعه يده .

و هذا القرآن قرآنه .

و من ثم يأخذهم إلى هذه المعجزات الكامنة فيهم ، و المبثوثة في الكون حولهم ..

فهم يرونها و لا يحسون حقيقة الإعجاز فيها و هذا لطول ألفتهم بها

و على هذا المنهج يسير ، و هو يعرض عليهم آيات القدرة المبدعة في خلقهم هم أنفسهم .

======== 83 ========

إن هذا القرآن شفاء لما في الصدور بكل معنى من معاني الشفاء

إنه يدب في القلوب فعلا دبيب الشفاء في الجسم المعلول ..

يدب فيها بإيقاعه ذي السلطان الخفي العجيب ..

و يدب فيها بتوجيهاته التي توقظ أجهزة التلقي الفطرية ، فتهتز و تتفتح و تتلقى و تستجيب ..

و يدب فيها بتنظيماته و تشريعاته التي تضمن أقل احتكاك ممكن بين المجموعات البشرية في الحياة اليومية ..

و يدب فيها بإيحاءاته المطمئنة التي تسكب الطمأنينة في القلوب إلى الله ، و إلى العدل في الجزاء ، و إلى غلبة الخير ، و إلى حسن المصير .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=154089) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=154089)

ناصح أمين
04-22-2020, 04:42 AM
======== 84 ========

و القرآن يوجه القلوب و الأنظار توجيها مكررا مؤكدا إلى هذا الكتاب المفتوح ، الذي لا تفتأ صفحاته تقلب ، فتتبدى في كل صفحة آية موحية ..

تستجيش في الفطرة السليمة إحساسا بالحق المستقر في صفحات هذا الكتاب ، و في تصميم هذا البناء ، و رغبة في الاستجابة لخالق هذا الخلق ، و مودعه هذا الحق ، مع الحب له و الخشية منه في ذات الأوان .

و أولوا الألباب .. أولو الإدراك الصحيح .. يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية ، و لا يقيمون الحواجز ، و لا يغلقون المنافذ بينهم و بين هذه الآيات ..

و يتوجهون إلى الله بقلوبهم قياما و قعودا و على جنوبهم .

======== 85 ========

النصوص القرآنية جاءت لتعمل في كل جيل و في كل بيئة .

و في هذا تكمن المعجزة .

فهذه النصوص التي جاءت لتواجه أحوالا بعينها هي ذاتها التي تواجه الجماعة الإنسانية ، في أي طور من أطوارها .

و المنهج الذي التقط المجموعة المسلمة من سفح الجاهلية هو ذاته الذي يلتقط أية مجموعة – أيا كان موقفها على الدرج الصاعد – ثم يبلغ بها إلى القمة السامقة ، التي بلغ إليها بالمجموعة الأولى يوم التقطها من ذلك السفح السحيق .

و من ثم فنحن حين نقرأ القرآن نستطيع أن نتبين منه ملامح المجتمع الجاهلي من خلال أوامره و نواهيه و توجيهاته ..

كما نستطيع أن نتبين الملامح الجديدة التي يريد أن ينشئها ، و أن يثبتها في المجتمع الجديد .

ناصح أمين
04-27-2020, 07:11 AM
======== 86 ========

لقد كان القرآن يخوض المعركة بالجماعة المسلمة في ميادين كثيرة .

و كان أولها ميدان النفس ضد الهواجس و الوساوس و سوء التصور و رواسب الجاهلية ، و الضعف البشري – حتى و لو لم يكن صادرا عن نفاق أو انحراف – و كان يسوسها بمنهجه الرباني لتصل إلى مرتبة القوة ، ثم إلى مرتبة التناسق في الصف المسلم .

فكان يرسم للمسلمين – بصفة عامة – الخطة العامة للمعركة و هي ما يعرف باسم " إستراتيجية المعركة " ، و أيضا الخطة التنفيذية أو ما يسمى " التاكتيك " .

و هكذا نجد القرآن لا يعلم المسلمين العبادات و الشعائر فحسب و لا يعلمهم الآداب و الأخلاق فحسب – كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين – إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة ..

و يعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية .

و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا القرآن و تحت تصرفه و توجيهه .

لا يقبل منهم مناهج متعددة المصادر .

و إلا فلا إيمان أصلا و لا إسلام .

لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان ، و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام و في أولها " شهادة أن لا إله إلا الله " التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ، و أن لا مشرع إلا الله .

======== 87 ========

القرآن – كتاب الدعوة و دستور هذه الأمة – ينهض بكل الأمور المتعلقة بهذا الدين في صورة شاملة كاملة متوازنة دقيقة .

صورة تجعل من الحتم على كل من يريد إعادة بناء هذه الأمة وإحياءها و بعثها ، لتنهض من جديد بتبعاتها و دورها ، أن يتخذ من هذا القرآن منهجا لدعوته ، و منهجا لحركاته ..

و منهجا لكل خطوة في طريق الإحياء و البعث و إعادة البناء .

و القرآن حاضر لأداء دوره الذي أداه أول مرة .

و هو خطاب الله الباقي للنفس البشرية في كل أطوارها .

لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد .. كما يقول عنه أعرف الناس به – صلى الله عليه و سلم – الذي جاهد به الكفار و المنافقين و أهل الكتاب المنحرفين ..

و أقام به هذه الأمة المتفردة في تاريخ الناس أجمعين .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=154158) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=154158)

ناصح أمين
05-02-2020, 07:36 AM
======== 88 ========

إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا !

فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاماً أو أكثر أو أقل ، حتى يستوعبوا " النظرية الإسلامية ".

و لكن الله – سبحانه – كان يريد أمراً آخر .

كان يريد منهجاً معيناً متفرداً .

كان يريد بناء الجماعة و بناء الحركة و بناء العقيدة في وقت واحد .

كان يريد أن يبني الجماعة و الحركة بالعقيدة ، و أن يبني العقيدة بالجماعة و الحركة ..

كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الفعلي ، و أن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو صورة العقيدة .

و كان الله - سبحانه – يعلم أن بناء النفوس و الجماعات لا يتم بين يوم و ليلة ..

فلم يكن بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس و الجماعة حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج .

======== 89 ========

الحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن ، و قراءته و الاطلاع على علومه ..

إن هذا ليس " جو القرآن " .

الحياة في جو القرآن :

هو أن يعيش الإنسان في جو ، و في ظروف ، و في حركة ، وفي معاناة ، و في صراع ، و في اهتمامات .. كالتي كان يتنزل فيها هذا القرآن ..

أن يعيش الإنسان في مواجهة هذه الجاهلية التي تعم وجه الأرض اليوم ..

و في قلبه ، و في همه ، و في حركته ، أن " ينشئ " الإسلام في نفسه و في نفوس الناس ، و في حياته و في حياة الناس ، مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية .

بكل تصوراتها ، و كل اهتماماتها و كل تقاليدها ، و كل واقعها العملي ، و كل ضغطها كذلك عليه ، و حربها له ، و مناهضتها لعقيدته الربانية ، و منهجه الرباني ..

هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان ..

فيتذوق هذا القرآن .

فهو في مثل هذا الجو نزل ، و في مثل هذا الخضم عمل ..

و الذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن هذا القرآن مهما استغرقوا في مدارسته و قراءته و الاطلاع على علومه .

و على الجميع أن يحاولوا أن يعيشوا في " جو القرآن " حقاً بالعمل و الحركة .

و عندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن ، و يتمتعون بهذه النعمة التي ينعم الله بها على من يشاء .

ناصح أمين
05-06-2020, 06:52 AM
======== 90 ========

لقد كان في القرآن ذاته برهان أصدق من البراهين المادية التي كانوا يطلبونها من الرسول – صلى الله عليه و سلم - .

فإن هذا القرآن شاهد بذاته ، بتعبيره ثم بمحتوى هذا التعبير ، على أنه من عند الله ..

و هم لم يكونوا يجحدون الله .. و هم – على وجه التأكيد – كانوا يحسون ذلك و يعرفونه ..

كانوا يعرفون بحسهم اللغوي الأدبي الفني مدى الطاقة البشرية و يعرفون أن هذا القرآن فوق هذا المدى .

و كل من مارس فن القول يدرك إدراكاً واضحاً أن هذا القرآن فوق ما يملك البشر أن يبلغوا .

لا ينكر هذا إلا معاند يجد الحق في نفسه ثم يخفيه .

و العرب لم يكن يخفى عليهم الشعور بهذا في قرارة نفوسهم .

و أقوالهم ذاتها و أحوالهم تقرر أنهم ما كانوا شكون في أن هذا القرآن من عند الله .

======== 91 ========

فكل من بلغه هذا القرآن من الناس ، بلغة يفهمها ، و يحصل منها محتواه ، فقد قامت عليه الحجة به ، و بلغه الإنذار ، و حق عليه العذاب إن كذب بعد البلاغ ..

فأما من يحول عدم فهمه للغة القرآن دون فهمه لفحواه ، فلا تقوم عليه الحجة به ..

و يبقى إثمه على أهل هذا الدين الذين لم يبلغوه بلغته التي يفهم بها مضمون هذه الشهادة .. هذا إذا كان مضمون القرآن لم يترجم إلى لغته .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=154212) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=154212)

ناصح أمين
05-09-2020, 06:31 AM
======== 92 ========

القرآن ..

و الله إن لقوله لحلاوة ..

و إن أصله لعذق ..

و إن فرعه لجناة ..

و إن عليه لطلاوة ..

و إنه ليحطم ما تحته ..

و إنه ليعلو و ما يعلى .

======== 93 ========

لقد كانوا يطلبون آية خارقة كالخوارق المادية التي صاحبت الرسالات السابقة ..

و لا يقنعون بآية القرآن الباقية ، التي تخاطب الإدراك البشري الراشد ، و تعلن عهد الرشد الإنساني ..

و تحترم هذا الرشد فتخاطبه هذا الخطاب الراقي ، و التي لا تنتهي بانتهاء الجيل الذي يرى الخارقة المادية ، بل تظل باقية تواجه الإدراك البشري بإعجازها إلى يوم القيامة .

ناصح أمين
05-13-2020, 06:34 AM
======== 94 ========

و ها هو ذا القرآن الكريم يكشف للناس عن السنة و يحذرهم الفتنة ..

فتنة الاختبار و الابتلاء بالضراء و السراء ..

و ينبه فيهم دواعي الحرص و اليقظة ، و اتقاء العاقبة التي لا تتخلف ، جزاء وفاقاً على اتجاههم و كسبهم .

فمن لم يتيقظ ، و من لم يتحرج ، و من لم يتق ، فهو الذي يظلم نفسه ، و يعرضها لبأس الله الذي لا يرد .

و لن تظلم نفساً شيئاً .

======== 95 ========

و القرآن الكريم لا يدع مجالاً للشك في أن الناموس الذي يحكم هذا الكون هو ناموس الوحدة ، الذي أنشأته المشيئة الواحدة للخالق الواحد سبحانه .

كما أنه لا يدع مجالاً للشك في عبودية هذا الكون لربه ، و اعترافه بوحدانيته ، و عبادته له بالكيفية التي يعلمها الله و لا نعرف عنها إلا ما يخبرنا به ، و ما نراه من آثارها في انتظامه و دأبه و اطراده .


http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/reputation.gif (http://www.a3zz.net/reputation.php?p=154248) http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/report.gif (http://www.a3zz.net/report.php?p=154248)
http://www.a3zz.net/srab-a3z-alnass/img/quote.gif (http://www.a3zz.net/newreply.php?do=newreply&p=154248)

ناصح أمين
05-14-2020, 06:45 AM
======== 96 ========

كان القرآن يدعوهم إلى استخدام قلوبهم و عيونهم و آذانهم .

فلا يكونوا من ذرء جهنم و لا يكونوا من الغافلين ..

كان يدعوهم إلى التدبر في أمر رسولهم – صلى الله عليه و سلم - الذي يدعوهم إلى الحق و يهديهم به ..

و إلى النظر في ملكوت السماوات و الأرض و آيات الله المبثوثة في هذا الملكوت ..

و كان يوقظهم إلى مرور الوقت و ما يؤذن به من اقتراب الأجل المجهول ، و هم غافلون .

إن القرآن يهزهم من غفوتهم ، ويوقظهم من غفلتهم ، و يستنقذ - من تحت الركام – فطرتهم و عقولهم و مشاعرهم ..

إنه يخاطب كينونتهم البشرية كلها ، بكل ما فيها من أجهزة الاستقبال و الاستجابة ..

إنه لا يوجه إليهم جدلاً ذهنياً بارداً ، إنما هو يستنقذ كينونتهم كلها و ينفضها من أعماقها .

======== 97 ========

إن اللمسات التي تتعدد في الآية الواحدة ، لتكشف لنا عن منهج هذا القرآن في خطاب الكينونة البشرية ..

إنه لا يدع جانباً واحداً منها لا يخاطبه ، ولا يدع وتراً منها واحداً لا يوقع عليه ..

إنه لا يخاطب الذهن و لكن لا يهمله ، ففي الطريق – و هو يهز الكيان البشري كله – يلمسه و يوقظه .

إنه لا يسلك إليه طريق الجدل البارد ، و لكنه يستحييه لينظر و يتفكر و حرارة الحياة تسري فيه و تيارها الدافق ..

فالإنسان هو الإنسان لم يتبدل خلقاً آخر .

و القرآن هو القرآن كلام الله الباقي ، و خطاب الله لهذا الإنسان الذي لا يتغير .. مهما تعلم و تطور .

ناصح أمين
05-19-2020, 07:01 AM
======== 98 ========

و إن هذا القرآن لا يفتح كنوزه ، و لا يكشف أسراره ، و لا يعطي ثماره ، إلا لقوم يؤمنون .

و لقد ورد عن بعض صحابة رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن " ..

و هذا الإيمان هو الذي كان يجعلهم يتذوقون القرآن ذلك التذوق و يدركون معانيه و أهدافه ذلك الإدراك ، و يصنعون به تلك الخوارق التي صنعوها في أقصر وقت من الزمان .

لقد كان ذلك الجيل المتفرد يجد من حلاوة القرآن ، و من نوره ، و من فرقانه ، ما لا يجده إلا الذين يؤمنون إيمان ذلك الجيل .

و لئن كان القرآن هو الذي أخذ بأرواحهم إلى الإيمان ، لقد كان الإيمان هو الذي فتح لهم في القرآن ما لا يفتحه إلا الإيمان

لقد عاشوا بهذا القرآن ، و عاشوا له كذلك ومن ثم كانوا ذلك الجيل المتفرد الذي لم يتكرر في التاريخ كله .. اللهم إلا في صورة أفراد على مدار التاريخ يسيرون على أقدام ذلك الجيل السامق العجيب .

لقد خلصوا لهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، فلم تشب نبعه الرائق شائبة من قول البشر ، اللهم إلا قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و هديه .. و قد كان من نبع القرآن ذاته كذلك

و ما أجدر الذين يحاولون أداء ما أداه ذلك الجيل أن ينهجوا نهجه ، فيعيشوا بهذا القرآن و لهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، لا يخالط عقولهم و قلوبهم غيره من كلام البشر ليكونوا كما كان .

======== 99 ========

إن هذه البشرية لفي حاجة اليوم – كما كانت في حاجة بالأمس – إلى أن تخاطب بهذا القرآن مرة أخرى .

في حاجة إلى من يقودها من الجاهلية إلى الإسلام ، و من يخرجها من الظلمات إلى النور ، و من ينقذ عقولها و قلوبها من هذه الوثنية الجديدة ، بل من هذا السخف الجديد الذي تلج فيه .

إن هذا القرآن يعطيك بمقدار ما تعطيه ، و يتفتح عليك في كل مرة بإشعاعات و إشراقات وإيحاءات و إيقاعات بقدر ما تفتح له نفسك ، و يبدو لك في كل مرة جديداً كأنك تتلقاه اللحظة .

ناصح أمين
05-21-2020, 08:45 AM
======== 100 ========

فهذا القرآن هو من عناصر الحق .. الحق الأصيل .

و هو يكشف سنن الخالق و يوجه القلوب إليها ، و يكشف آياته في الأنفس و الآفاق و يستجيش القلوب لإدراكها ، و يكشف أسباب الهدى و الضلال ، و مصير الحق و الباطل ، و الخير و الشر و الصلاح و الطلاح .

فهو من مادة ذلك الحق و من وسائل كشفه و تبيانه .

و هو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات و الأرض

ثابت ثبوت نواميس الوجود ، مرتبط بتلك النواميس .

و ليس أمراً عارضاً و لا ذاهباً .

إنما يبقى مؤثراً في توجيه الحياة و تصريفها و تحويلها ، مهما يكذب المكذبون ، و يستهزئ المستهزئون ، و يحاول المبطلون الذين يعتمدون على الباطل ، و هو عنصر طارئ زائل في هذا الوجود .

و من ثم فإن من أوتي هذه المثاني و هذا القرآن العظيم ، المستمد من الحق الأكبر ، المتصل بالحق الأكبر ، لا يمتد بصره و لا تتحرك نفسه لشيء زائل في هذه الأرض من أعراضها الزوائل .

و لا يحفل مصير أهل الضلال ، و لا يهمه شأنهم في كثير و لا قليل .

إنما يمضي في طريقه مع الحق الأصيل .

======== 101 ========

إن من معجزات هذا القرآن إنه يربط كل مشاهد الكون و كل خلجات النفس إلى عقيدة التوحيد .

و يحول كل ومضة في صفحة الكون أو في ضمير الإنسان إلى دليل أو إيحاء ..

و هكذا يستحيل الكون بكل ما فيه وبكل من فيه معرضاً لآيات الله تبدع فيه يد القدرة ، و تتجلى آثارها في كل مشهد فيه و منظر ، و في كل صورة فيه و ظل ..

إنه لا يعرض قضية الألوهية و العبودية في جدل ذهني و لا في لاهوت تجريدي و لا في فلسفة " ميتافيزيقية " ذلك العرض الميت الجاف الذي لا يمس القلب البشري ولا يؤثر فيه و لا يوحي إليه ..

إنما هو يعرض هذه القضية في مجال المؤثرات و الموحيات و الواقعية من مشاهد الكون ، و مجالي الخلق ، و لمسات الفطرة و بديهيات الإدراك .

في جمال و روعة و تناسق .

ناصح أمين
05-26-2020, 07:23 AM
======== 102 ========

إن هذا القرآن .. بصائر تهدي ، و رحمة تفيض .. لمن يؤمن به و يغتنم هذا الخير العميم .

إنه هذا القرآن الذي لا تبلغ خارقة مادية من الإعجاز ما يبلغه .. من أي جانب من الجوانب شاء الناس المعجزة في أي زمان و في أي مكان ..

لا يستثني من ذلك من كان من الناس و من يكون إلى آخر الزمان ..

ها هو ذا كان و ما يزال إلى اليوم معجزاً لا يتطاول إليه أحد من البشر .

تحداهم الله به و ما يزال هذا التحدي قائماً .

و الذين يزاولون فن التعبير من البشر ، ويدركون مدى الطاقة البشرية فيه ، هم أعرف الناس بأن هذا الأداء القرآني معجز معجز .

و يبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد .. يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة – متى خلي بينها و بينه لحظة – و حتى الذين رانت على قلوبهم الحجب ، و ثقل فوقها الركام ، تنتفض قلوبهم أحياناً ، و تتململ قلوبهم أحياناً تحت وطأة هذا السلطان ، و هم يستمعون إلى هذا القرآن .

======== 103 ========

لقد كان هذا القرآن هو مصدر المعرفة و التربية و التوجيه و التكوين الوحيد لجيل من البشر فريد ..

جيل لم يتكرر بعد في تاريخ البشرية – لا من قبل و لا من بعد – جيل الصحابة الكرام الذين أحدثوا في تاريخ البشرية ذلك الحدث الهائل العميق الممتد ، الذي لم يدرس حق دراسته إلى الآن .

لقد كان هذا المصدر هو الذي أنشأ – بمشيئة الله وقدره – هذه المعجزة المجسمة في عالم البشر .

و هي المعجزة التي لا تطاولها جميع المعجزات و الخوارق التي صحبت الرسالات جميعاً ..

و هي معجزة واقعة مشهودة ..

أن كان ذلك الجيل الفريد ظاهرة تاريخية فريدة .

إن الناس اليوم – في الجاهلية الحديثة – يطلبون حاجات نفوسهم و مجتمعاتهم و حياتهم خارج هذا القرآن ..

لأنه يحول بينهم و بين هذا القرآن غرور " العلم " البشري الذي فتحه الله عليهم في عالم المادة ..

كما يحول بينهم و بين هذا القرآن كيد أربعة عشر قرناً من الحقد اليهودي و الصليبي .

هو كيد مطرد مصرّ لئيم خبيث .

أن لا طاقة لهم بأهل هذا القرآن ما ضلوا عاكفين على هذا الكتاب ، عكوف الجيل الأول ، لا عكوف التغني بآياته و حياتهم كلها بعيدة عن توجيهاته .

ناصح أمين
05-31-2020, 05:53 AM
======== 104 ========

و إن العكوف على هذا القرآن – في وعي و تدبر لا مجرد التلاوة و الترنم – لينشئ في القلب و العقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ..

و من المعرفة المطمئنة المستيقنة ..

و من الحرارة و الحيوية و الانطلاق ..

و من الإيجابية و العزم و التصميم ، ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب .

و إن رؤية حقائق الوجود – من خلال التصوير القرآني – و حقائق الحياة ، ورؤية الحياة البشرية و طبيعتها و حاجاتها من خلال التقريرات القرآنية ، لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة .

======== 105 ========

و القلب المؤمن يجد في آيات القرآن ما يزيده إيماناً ، و ما ينتهي به إلى الاطمئنان .

إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة ، و لا يحول بينه و بينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب و يحجب القلب عنه ..

فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن ..

و وجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان .

و بهذا الإيمان كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الخاص ، يساعدهم عليه ذلك الجو الذي كانوا يتنسمونه ، و هم يعيشون القرآن فعلاً و واقعاً ..

و لا يزاولونه مجرد تذوق و إدراك .

ناصح أمين
06-04-2020, 06:19 AM
======== 106 ======

قرآن أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير .

أحكمت آياته ، فجاءت قوية البناء ، دقيقة الدلالة ، كل كلمة فيها و كل عبارة مقصودة ..

و كل معنى فيها و كل توجيه مطلوب ..

و كل إيماءة و كل إشارة ذات هدف معلوم .

متناسقة لا اختلاف بينها و لا تضارب ، و منسقة ذات نظام واحد

ثم فصلت .

فهي مقسمة وفق أغراضها ، مبوبة وفق موضوعاتها ، و كل منها له حيز بمقدار ما يقتضيه .

======== 107 ========

إن القلة المؤمنة كانت تواجه فترة حرجة من تاريخ الدعوة .

و هذا يصور لنا حاجة الموقف إلى هذه المعركة التقريرية الإيحائية ، كما يصور طبيعة هذا القرآن الحركية ، وهو يواجه ذلك الواقع و يجاهده جهاداً كبيراً .

إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ..

و يواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها القرآن ليواجهها و يوجهها .

و الذين يتلمسون معاني القرآن و دلالاته وهم قاعدون .

يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئاً في هذه القعدة الباردة الساكنة ، بعيداً عن المعركة و بعيداً عن الحركة ..

إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبداً ..

و إن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة و الراحة مع العبودية لغير الله ، و الدينونة للطاغوت من دون الله .

ناصح أمين
06-09-2020, 06:45 AM
======== 108 ========

جاء هذا القرآن الكريم ليخاطب الفطرة البشرية بمنطقها .

نزله الذي خلق هذه الفطرة ، و الذي يعلم ما يصلح لها و ما يصلحها ، و يعلم كيف يخاطبها ، و يعرف مداخلها و مساربها

جاء يعرض على هذه الفطرة الحقيقة المكنونة فيها من قبل ، و التي تعرفها قبل أن تخاطب بهذا القرآن ، لأنها قائمة عليها أصلاً في تكوينها الأول ..

تلك هي حقيقة الاعتراف بوجود الخالق و توحيده ، و التوجه إليه وحده بالإنابة و العبادة مع موكب الوجود كله المتجه إلى خالقه بالحمد و التسبيح ..

إنما تغشى على الفطرة غواش من دخان هذه الأرض ، و تغمرها غمرات من فورة اللحم و الدم .

هنا يجيء هذا القرآن ليخاطب الفطرة بمنطقها التي تعرفه ، و يعرض عليها الحقيقة التي غفلت عنها بالأسلوب الذي تألفه ، و يقيم على أساس هذه الحقيقة منهاج الحياة كله ، مستقيماً مع العقيدة ، مستقيماً مع الفطرة ، مستقيماً على الطريق إلى الخالق الواحد المدبر الخبير .

======== 109 ========

هذا القرآن الحكيم . أو آياته ، هدى و رحمة للمحسنين .

فهذه حاله الأصيلة الدائمة ..

أن يكون هدى و رحمة للمحسنين .

هدى يهديهم إلى الطريق الواصل الذي لا يضل سالكوه .

و رحمة بما يسكبه الهدى في القلب من راحة و طمأنينة و قرار و ما يقود إليه من كسب و خير و فلاح ، و ما يعقده من الصلات والروابط بين قلوب المهتدين به ..

ثم بين هذه القلوب و نواميس الكون الذي تعيش فيه ، و القيم و الأحوال والأحداث التي تتعارف عليها القلوب المهتدية ، و تتعارف الفطر التي لا تزيغ .

ناصح أمين
06-16-2020, 06:57 AM
======== 110 ========

و ما من شك أن هذا القرآن جاء رحمة للعالمين .

رحمة لمن آمنوا به و اتبعوه ورحمة كذلك لغيرهم .

لا من الناس وحدهم ، و لكن للأحياء جميعاً .

فقد سن منهجاً و رسم خطة تقوم على الخير للجميع .

و أثر في حياة البشرية ، و تصوراتها ، و مدركاتها ، و خط سيرها ، و لم يقتصر في هذا على المؤمنين به إنما كان ُتأثيره عالمياً و مطرداً مند أن جاء للعالمين .

و الذين يتتبعون التاريخ البشري بإنصاف و دقة ، و يتتبعونه في معناه الإنساني العام ، الشامل لجميع أوجه النشاط الإنساني يدركون هذه الحقيقة ، و يطمئنون إليها .

و كثيرون منهم قد سجلوا هذا و اعترفوا به في وضوح .

و قام هذا القرآن يؤدي وظيفته .

" بشيراً و نذيراً "

يبشر المؤمنين العاملين ، و ينذر المكذبين المسيئين ..

و يبين أسباب البشرى و أسباب الإنذار بأسلوبه العربي المبين لقوم لغتهم العربية .

و لكن أكثرهم مع هذا لم يقبل و يستجيب .

======== 111 ========

و المتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل به ، و الذي نزل ليقره .

يجده في روحه ، ويجده في نصه ، و يجده في بساطة و يسر .

حقاً مطمئناً فطرياً ، يخاطب أعماق الفطرة ، و يطبعها و يؤثر فيها التأثير العجيب .

و هو " تنزيل من حكيم حميد " ..

و الحكمة ظاهرة في بنائه ، و في توجيهه ، و في طريقة نزوله و في علاجه للقلب البشري من أقصر طريق .

و الله الذي نزله خليق بالحمد .

و في القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير .

هذا القرآن هدى للمؤمنين و شفاء ، فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته و حقيقته ، فتهتدي به و تشتفي .

فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة لا تخالطها بشاشة هذا القرآن ، فهو وقر في آذانهم و عمىً قي قلوبهم .

و هم لا يتبينون شيئاً لأنهم بعيدون جداً عن طبيعة هذا القرآن و هواتفه .

فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاء ، و يحييها إحياء ، و يصنع بها و منها العظائم في ذاتها و فيما حولها .

و ناس يثقل هذا القرآن على آذانهم و على قلوبهم ، ولا يزيدهم إلا صماً و عمى .

و ما تغير القرآن .

و لكن تغيرت القلوب .

و صدق الله العظيم .

ناصح أمين
06-25-2020, 06:49 AM
======== 112 ========

" القرآن الحكيم "

و الحكمة صفة العاقل .

و التعبير على هذا النحو يخلع على القرآن صفة الحياة و القصد و الإرادة .

و هي من مقتضيات أن يكون حكيما .

و مع أن هذا مجاز إلا أنه يصور حقيقة و يقربها .

فإن لهذا القرآن لروحاً ، و إن له لصفات الحي الذي يعاطفك و تعاطفه حين تصفي له قلبك و تصغي له روحك ..

و إنك لتطلع منه على دخائل و أسرار كلما فتحت له قلبك و خلصت له بروحك ..

و إنك لتشتاق منه إلى ملامح و سمات كما تشتاق إلى ملامح الصديق و سماته حين تصاحبه فترة و تأنس به و تستروح ظلاله ..

و لقد كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يحب أن يسمع تلاوة القرآن من غيره كما يقف الحبيب و ينصت لسيرة الحبيب

و القرآن حكيم .

يخاطب كل أحد بما يدخل في طوقه ، و يضرب على الوتر الحساس في قلبه ، و يخاطبه بقدر ، و يخاطبه بالحكمة التي تصلحه و توجهه .

و القرآن حكيم .

يربي بحكمة ، وفق منهج عقلي و نفسي مستقيم .

منهج يطلق طاقات البشر كلها مع توجيهها الوجه الصالح القويم

و يقرر للحياة نظاماً كذلك يسمح بكل نشاط بشري في حدود ذلك المنهج الحكيم .

======== 113 ========

المحسنون هم الذين يكون القرآن لهم هدى و رحمة لأنهم بما في قلوبهم من تفتح و شفافية يجدون في صحبة هذا القرآن راحة و طمأنينة ..

و يتصلون بما في طبيعته من هدى و نور ، و يدركون مراميه و أهدافه الحكيمة ..

و تصطلح نفوسهم عليه ، و تحس بالتوافق و التناسق و وحدة الاتجاه ، و وضوح الطريق .

و إن هذا القرآن ليعطي كل قلب بمقدار ما في هذا القلب من حساسية و تفتح و إشراق ، و بقدر ما يقبل عليه في حب و تطلع و إعزاز .

إنه كائن حي يعاطف القلوب الصديقة ، و يجاوب المشاعر المتوجهة إليه بالرفرفة و الحنين .

ناصح أمين
07-01-2020, 07:03 AM
======== 114 ========

و تدبر القرآن يزيل الغشاوة ، و يفتح النوافذ ، و يسكب النور ، و يحرك المشاعر ، و يستجيش القلوب ، و يخلص الضمير .

و ينشئ حياة للروح تنبض بها و تشرق و تستنير .

" أم على قلوب أقفالها ؟ "

فهي تحول بينها و بين القرآن و بينها و بين النور .

فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء و النور

و من النصوص و التوجيهات القرآنية يتجلى كيف كانت نفوس المسلمين الصادقين تتلقى آيات هذا القرآن ؟

كيف تهتز لها و تضطرب ، و كيف ترتجف منها و تخاف ، و أن كيف تحذر أن تقع تحت طائلتها ، و كيف تتحرى أن تكون وفقها و أن تطابق أنفسها عليها ..

و بهذه الحساسية في تلقي كلمات الله كان المسلمون مسلمين من ذلك الطراز .

======== 115 ========

و الذي يقرأ هذا القرآن – و هو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة – يشعر بالقوة الغالبة و السلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة و يروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة .

و يرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعاً عجيباً ..

__ تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية و المؤثرات الجارفة .

__ و تارة بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات و الرواسب .

__ و تارة بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها و لا يصبر على لذعها .

__ و تارة بما يشبه المناجاة الحبيبة ، و المسارة الودود ، التي تهفو لها المشاعر و تأنس لها القلوب .

__ و تارة بالهول المرعب ، و الصرخة المفزعة التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب .

__ و تارة بالحقيقة في بساطة و نصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها و لا الجدال فيها .

__ و تارة الرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها و يناجيها .

__ و تارة يتخلل مساربها و دروبها و منحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين ، و تخجل من بعضه ، وتكره بعضه ، و تتيقظ لحركاتها و انفعالاتها التي كانت غافلة عنها ..

و مئات من اللمسات ، و مئات من الهتافات ، و مئات من المؤثرات .. يطلع عليها قارئ القرآن وهو يتبع تلك المعركة الطويلة ، وذلك العلاج البطيء .

و يرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة .

ناصح أمين
07-07-2020, 07:06 AM
======== 116 ========

و لقد وضع هذا القرآن أصول المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة .

و ترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة ، و استنباط وسائل تنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة و ملابساتها ، دون اصطدام بأصول المنهج الدائم .

و كفل للعقل البشري حرية العمل ، بكفالة حقه في التفكير ، و بكفالة مجتمع يسمح لهذا العقل بالتفكير .

ثم ترك له الحرية في دائرة الأصول المنهجية التي وضعها لحياة البشر ، كما تنمو و ترقى و تصل إلى الكمال المقدر لحياة الناس في هذه الأرض .

======== 117 ========

يهدي إلى صراط العزيز الحميد :

__ بما فيه من نظم و تشريعات مستقيمة مع فطرة الإنسان و ظروف حياته و معاشه الأصيلة متناسقة مع القوانين الكلية التي تحكم بقية الأحياء و سائر الخلائق ، فلا يشذ عنها الإنسان بنظمه و تشريعاته .

و هو أمة من هذه الأمم في نطاق هذا الكون الكبير .

__ بما ينشئه في إدراك المؤمن من تصور للوجود و روابطه و علاقاته و قيمه ، و مكان هذا الإنسان منه ، و دوره فيه ، و تعاون أجزاء هذا الكون من حوله – و هو معها – قي تحقيق مشيئة الله و حكمته في خلقه ، و تناسق حركات الجميع و توافقها في الاتجاه إلى بارئ الوجود .

__ بتصحيح منهج التفكير ، و إقامته على أسس سليمة متفقة مع الإيقاعات الكونية على الفطرة البشرية ، بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري إلى إدراك طبيعة هذا الكون و خواصه وقوانينه ، و الاستعانة بها ، و التجاوب معها بلا عداء و لا اصطدام و لا تعويق .

__ بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب و التناسق مع الجماعة البشرية .

و يعد الجماعة البشرية للتجاوب و التناسق – أفرادا و جماعات – مع مجموعة الخلائق التي تعمر هذا الكون .

و يعد هذه الخلائق كلها للتجاوب و التناسق مع طبيعة الكون الذي تعيش فيه .

كل ذلك في بساطة و يسر و لين .

إن هذا القرآن هو الدليل إلى هذا الصراط .

الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط ، العارف بطبيعة هذا و ذاك .

ناصح أمين
08-19-2020, 07:15 AM
======== 118 ========

إن القرآن - و هو ينشيء هذه الأمة و ينشئها – و هو يخرجها إلى الوجود إخراجاً .

كما قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس }

إن القرآن وهو ينشيء هذه الأمة من حيث لم تكن ، و ينشئها لتصبح أمة فريدة في تاريخ البشر ..

فقد كانت - على التحقيق – إنشاء وتنشئة ، كانت ميلاداً جديداً للأمة ، بل ميلاداً جديداً " للإنسان " في صورة جديدة ..

و لم تكن مرحلة في طريق النشأة ، و لا خطوة في سبيل التطور و لا حتى وثبة من وثبات النهضة ..

إنما كانت – على وجه التحديد – " نشأة " و " ميلاداً " للأمة العربية و للإنسان كله .

فبسبب من هذا القرآن ذكرت هذه الأمة في الأرض ، و كان لها دورها في التاريخ ، و كان لها " وجود إنساني " ابتداء ، و حضارة عالمية ثانياً.

إن القرآن حين كان ينشئ هذه الأمة و ينشئها .. و يخطط و يثبت ملامح الإسلام الجديدة في الجماعة المسلمة – التي التقطها من سفح الجاهلية – و يطمس و يمحو ملامح الجاهلية في حياتها و نفوسها و رواسبها ، و ينظم مجتمعها ..

حين كان القرآن يصنع ذلك كله ..

كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح ببيان شرط الإيمان و حدّ الإسلام ..

و يربط بهذا التصور – قي هذه النقطة بذات – نظامها الأساسي الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها ، و يفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس ، لتبين للناس ، و تقودهم إلى الله .. نظامها الرباني .

ناصح أمين
09-15-2020, 07:14 AM
======== 119 ========

على أن محاولة النضر بن الحارث أن يلهي الناس عن هذا القرآن بشيء آخر يخدعهم به عنه لم تكن هي المحاولة الأخيرة و لن تكون ..

لقد تكررت في صور شتى و سوف تتكرر ..

لقد حاول أعداء هذا الدين دائما أن يصرفوا الناس نهائيا عن هذا القرآن .

فلما عجزوا حولوه إلى تراتيل يترنم بها القراء و يطرب لها المستمعون ، و حولوه إلى تمائم و تعاويذ يضعها الناس في جيوبهم و في صدورهم و تحت وسائدهم ..

و يفهمون أنهم مسلمون ، ويظنون أنهم أدوا حق هذا القرآن .

و لكن العجيب في شأن هذا القرآن أنه – على طول الكيد و تعقده و تطوره و ترقيه – ما يزال يغلب .

إن لهذا القرآن من الخصائص العجيبة ، و السلطان القاهر على الفطرة ، ما يغلب به كيد الجاهلية في الأرض كلها و كيد الشياطين من اليهود و الصليبيين ، وكيد الأجهزة العالمية التي يقيمها اليهود و الصليبيون في كل أرض و في كل حين .

إن هذا القرآن ما يزال يلوي أعناق أعدائه في الأرض كلها ليجعلوه مادة إذاعية في جميع محطات العالم الإذاعية ، بحيث يذيعه – على السواء – اليهود و يذيعه الصليبيون ، و يذيعه عملاؤهم المتسترون تحت أسماء المسلمين .

و حقيقة إنهم يذيعونه بعد أن نجحوا في تحويله في نفوس الناس " المسلمين " إلى مجرد أنغام و تراتيل ، و بعد أن أبعدوه حتى في خاطر الناس .. المسلمين ، من أن يكون مصدر التوجيه للحياة ، و أقاموا مصادر غيره للتوجيه في جميع الشؤون .

و لكن هذا القرآن ما يزال يعمل من وراء هذا الكيد ، و سيظل يعمل ..

و ما تزال في أنحاء الأرض عصبة مسلمة تتجمع على جدية هذا القرآن و تتخذه وحده مصدر التوجيه ، و هي ترتقب وعد الله لها بالنصر و التمكين ..

من وراء الكيد و السحق و القتل و التشريد .

و ما كان مرة لا بد أن سيكون .

ناصح أمين
09-22-2020, 07:17 AM
======== 120 ========

القرآن لا يعود مجرد كلام يتلى للبركة .

و لكنه ينتفض حيا يتنزل على الجماعة المسلمة المتحركة لتتحرك به ، و تتابع توجيهاته ، و تتوقع موعود الله فيه .

هذا القرآن لا يتفتح عن أسراره إلا للعصبة المسلمة التي تتحرك به ، لتحقيق مدلوله في عالم الواقع .

لا لمن يقرأونه لمجرد التبرك ، و لا لمن يقرأونه لمجرد الدراسة الفنية أو العلمية ، و لا لمن يدرسونه لمجرد تتبع الأداء البياني فيه .

إن هؤلاء جميعا لن يدركوا من هذا القرآن شيئا يذكر .

فإن هذا القرآن لم يتنزل ليكون مادة دراسة على هذا النحو ، إنما تنزل ليكون مادة حركة و توجيه .

إن الذين يواجهون الجاهلية الطاغية بالإسلام الحنيف و الذين يجاهدون البشرية الضالة لردها إلى الإسلام من جديد ، و الذين يكافحون الطاغوت في الأرض ليخرجوا الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده ..

إن هؤلاء وحدهم هم الذين يفقهون هذا القرآن ، لأنهم يعيشون في نفس مثل الجو الذي نزل فيه ..

و يحاولون المحاولة التي كان يحاولها من تنزل عليهم أول مرة ، و يتذوقون في أثناء الحركة و الجهاد ما تعنيه نصوصه لأنهم يجدون هذه المعاني ممثلة في أحداث و وقائع .

ناصح أمين
09-28-2020, 07:10 AM
======== 121 ========

و الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تمهيد للجو الذي يتلى فيه القرآن ، و تطهير له من الوسوسة و اتجاه بالمشاعر إلى الله خالصة لا يشغلها شاغل من عالم الرجس و الشر الذي يمثله الشيطان .

فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون ، لا يملك الشيطان أن يسيطر عليهم مهما وسوس لهم فإن صلتهم بالله تعصمهم أن ينساقوا معه ..

إنما سلطانه على الذين يتولونه أولئك الذين يجعلونه وليهم و يستسلمون له بشهواتهم و نزاوتهم .

======== 122 ========

إن الناس لا يدركون وظيفة هذا القرآن .

لا يدركون أنه جاء لإنشاء مجتمع عالمي إنساني ، و بناء أمة تقود هذا المجتمع العالمي .

و أنه الرسالة الأخيرة التي ليست بعدها من السماء رسالة ، و أن الله الذي خلق البشر عليم بما يصلح لهم من المبادئ و الشرائع .

و من ثم لا يدركون حكمة تبديل آية مكان آية في حياة الرسول – صلى الله عليه و سلم – فحسبوها افتراء منه و هو الصادق الأمين الذي لم يعهدوا عليه كذبا قط .

نزله روح القدس من ربك بالحق ..

لا يلتبس به الباطل ..

ليثبت الذين آمنوا ، الموصولة قلوبهم بالله ، فهي تدرك أنه من عند الله .

ناصح أمين
10-14-2020, 07:16 AM
======== 123 ========

" ألف .. لام .. ميم .. " .. الخ ..

هذه الأحرف التي يعرفها العرب المخاطبون بهذا القرآن ، و يعرفون ما يملكون أن يصوغوا منها و من نظائرها من كلام ، و يدركون الفارق الهائل بين ما يملكون أن يصوغوه منها و بين هذا القرآن ..

و هو فارق يدركه كل خبير بالقول ، و كل من يمارس التعبير باللفظ عن المعاني و الأفكار .

كما يدرك أن في النصوص القرآنية قوة خفية ، و عنصرا مستكنا ، يجعل لها سلطانا و إيقاعا في القلب و الحس ليسا لسائر القول المؤلف من أحرف اللغة ، مما يقوله البشر في جميع الأعصار .

و هي ظاهرة ملحوظة لا سبيل إلى الجدال فيها ، لأن السامع يدركها ، و يميزها ، و يهتز لها ، من بين سائر القول ، و لو لم يعلم سلفا أن هذا قرآن ..

و التجارب الكثيرة تؤكد هذه الظاهرة في شتى أوساط الناس .

و الفارق بين القرآن و ما يصوغوه البشر من هذه الحروف ن كلام ، هو كالفارق بين صنعة الله و صنعة البشر في سائر الأشياء .

صنعة الله واضحة مميزة لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء ..

و كذلك صنع الله في القرآن و صنع البشر فيما يصوغون من هذه الحروف من كلام .

و إن الكيان الإنساني ليهتز و يرتجف و لا يتماسك أمام هذا القرآن ، كلما تفتح القلب ، و صفا الحس ، و ارتفع الإدراك ، و ارتفعت حساسية التلقي و الاستجابة .

و إن هذه الظاهرة لتزداد وضوحا كلما اتسعت ثقافة الإنسان ، و معرفته بهذا الكون و ما فيه و من فيه .

ناصح أمين
10-25-2020, 07:01 AM
======== 124 ========

ذكر و قرآن ..

و هما صفتان لشيء واحد .

ذكر يحسب وظيفته ، و قرآن يحسب تلاوته .

فهو ذكر لله يشتغل به القلب ، و هو قرآن يتلى و يشتغل به اللسان ، و هو منزل ليؤدي وظيفة محددة .

وظيفة القرآن بالقياس بالنسبة للكافرين هي تسجيل الاستحقاق للعذاب ..

فإن الله لا يعذب أحدا حتى تبلغه الرسالة ثم يكفر عن بينة و يهلك بلا حجة و لا معذرة .

و هكذا يعلم الناس أنهم إزاء هذا القرآن فريقان : فريق يستجيب فهو حي ، و فريق لا يستجيب فهو ميت .

و هو قرآن عربي ، مستقيم ، واضح ، لا لبس فيه و لا عوج و لا انحراف .

يخاطب الفطرة بمنطقها القريب المفهوم .

======== 125 ========

و القرآن يشتمل الذكر كما يشتمل غيره من التشريع و القصص و التهذيب ..

و لكن الذكر و الاتجاه إلى الله هو الأول .

و هو الحقيقة الأولى في هذا القرآن .

بل إن التشريع و القصص و غيرهما إن هي إلا بعض هذا الذكر فكلها تذكر بالله و توجه القلب إليه في هذا القرآن .

و قد يكون و القرآن " ذي الذكر " أي المذكور المشهور وهو وصف أصيل للقرآن .

نزل هذا القرآن للناس بالحق ..

الحق في طبيعته ، و الحق في منهجه ، و الحق في شريعته ..

الحق الذي تقوم عليه السماوات و الأرض .

و يلتقي عليه نظام البشرية في هذا القرآن و نظام الكون كله في تناسق .

هذا الحق نزل للناس ليهتدوا به و يعيشوا معه و يقوموا عليه .

ناصح أمين
11-08-2020, 08:39 AM
======== 126 ========

إنه لقرآن كريم .

و ليس قول كاهن ، و لا قول مجنون ، و لا مفترى على الله . من أساطير الأولين . و لا تنزلت به الشياطين .

إنما هو قرآن كريم بمصدره ، و كريم بذاته ، و كريم باتجاهاته .

و مخاطبة القلب البشري بالقرآن و حده كان هو اتجاه الرسالة الأخيرة ، و ما فيه من إعجاز ظاهر .

و قد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ، و ما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ، و يصله بهذا الكون و آيات الله فيه في كل لحظة ، لا مرة عارضة في زمان محدود يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .

فإن لهذا القرآن لثقلا و سلطانا و أثرا مزلزلا لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته .

منال نور الهدى
11-23-2020, 05:48 PM
في إنتظار هذه النفحات القرآنية الإيمانية أخي ناصح آمين ..
لعلّ الغيَاب خَير ..؟

ناصح أمين
11-25-2020, 07:33 AM
======== 127 ========

إن هذا القرآن يقرر منهجا متكاملا للحياة يقوم على حق ثابت و نظرة موحدة ..

و يصدر عن تصور للوجود الإلهي ثابت ، و للكون و الحياة كذلك .

فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر .

إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها ، فهو يثيرها فيها و يذكرها بها فتتذكرها..

و القرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر .

و لكن ثقيل في ميزان الحق ، ثقيل في أثره في القلب .

و الذي يريد القرآن أن يطبعه في حس المسلم هو طلاقة المشيئة و إحاطتها بكل مشيئة ، حتى يكون التوجه إليها من العبد خالصا و الاستسلام لها ممحضا .

ناصح أمين
12-30-2020, 08:46 AM
======== 128 ========

فهو قرآن مجيد في لوح محفوظ ..

و المجيد الرفيع الكريم العريق ..

و هل أمجد و أرفع و أعرق من قول الله العظيم ؟

فهذا القرآن مصون ثابت .

فهو القول الفصل الذي لا يلتبس به الهزل ..

القول الفصل الذي ينهي كل قول و كل جدل و كل شك و كل ريب

القول الذي ليس بعده قول ، بشهد بهذا السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع .

ناصح أمين
01-13-2021, 09:17 AM
======== 129 ========

إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة ، و ذات ملامح متميزة ، و ذات منهج خاص ، و ذات أسلوب معين ، و ذات مجال متخصص في علاج الموضوع الواحد : العقيدة .

و نجد في سور القرآن وفرة بسبب تنوع النماذج ..

و أنسا بسبب التعامل الشخصي الوثيق ..

و متاعا بسبب اختلاف الملامح و الطباع و الاتجاهات و المطالع.

إنها أصدقاء .. كلها صديق .. و كلها أليف .. و كلها حبيب ..

و كلها يجد القلب عنده ألوانا من الاهتمامات طريفة ، و ألوانا من المتاع جديدة ، و ألوانا من الإيقاعات ، و ألوانا من المؤثرات تجعل لها مذاقا خاصا و جوا متفردا .

و مصاحبة السورة من أولها إلى آخرها رحلة ..

رحلة في عوالم و مشاهد ، و رؤى و حقائق ، و غوص في أعماق النفس ، واستجلاء لمشاهد الوجود ..

و لكنها كذلك رحلة متميزة المعالم في كل سورة و مع كل سورة .

ناصح أمين
01-20-2021, 09:46 AM
======== 130 ========

و لقد وجه القرآن القلوب و إلى بدائع هذا الكون ، و إلى خفايا النفس البشرية .

و هذه و تلك من مادة الشعر و الفن .

و في القرآن وقفات أمام بدائع الخلق و النفس لم يبلغ إليها شعر قط في الشفافية و النفاذ و الاحتفال بتلك البدائع و ذلك الجمال .

و إننا لنبخس القرآن قدره إذا نحن قرأناه و فهمناه على أنه حديث عن جاهليات كانت ..

إنما هو حديث عن شتى الجاهليات في كل أعصار الحياة .

و مواجهة للواقع المنحرف دائما و رده إلى صراط الله المستقيم .

ناصح أمين
01-28-2021, 09:18 AM
======== 131 ========

لقد كان القرآن يفرق بفرقان الله بين الإيمان و الكفر ، و الهوى و الضلال ..

كان يستخلص القلوب له ، فلا تحفل بوشيجة غير وشيجته .

فكان هو الفرقان .

و نزل الله هذا القرآن على عبده محمد - صلى الله عليه و سلم – قرآنا عربيا ، ليندر أم القرى و من حولها ، و شرع فيه ما وصى به نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى ..

ليصل بين حلقات الدعوة منذ فجر التاريخ ..

و يوحد نهجها و طريقها و غايتها ..

و يقيم بها الجماعة المسلمة التي تهيمن و تقود ..

و تحقق في الأرض وجود هذه الدعوة كما أرادها الله ، و في الصورة التي يرتضيها .

ناصح أمين
02-14-2021, 10:17 AM
======== 132 ========

القرآن نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة

و يبدو مفرق الطريق بين الحق و الباطل محددا مرسوما في داخل النفس و في واقع الحياة سواء حيث تجد النفس من هذا

النور ما ينير جوانبها أولا ،

فترى كل شيء فيها و من حولها واضحا ،

حيث يتلاشى الغبش و ينكشف ،

و حيث تبدو الحقيقة بسيطة كالبديهية ،

و حيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق و هو بهذا الو ضوح و بهذه البساطة

ناصح أمين
03-07-2021, 08:27 AM
======== 133 ========

القرآن يجعل الكون الكبير و مشاهده العظيمة هي برهانه و حجته

و هي مجال النظر و التدبر للحق الذي جاء به

و يقف القلب أمام هذا الكون وقفة المتفكر المتدبر ، اليقظ لعجائبه ، الشاعر بيد الصانع و قدرته ، المدرك لنواميسه الهائلة ، بلفتة هادئة يسيرة لا تحتاج إلى علم شاق عسير

إنما تحتاج إلى حس يقظ و قلب بصير

ناصح أمين
04-11-2021, 08:57 AM
======== 134 ========

القرآن :

النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان .

الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود .

و منهج السماء للأرض الذي يصل أهلها بناموس الوجود ، و يقيم عقيدتهم و تصوراتهم و موازينهم و قيمهم و نظمهم و أحوالهم على الأساس الثابت الذي يقوم عليه الوجود .

فيمنحهم اليسر و الطمأنينة و التفاهم و التجاوب مع الناموس .

القرآن الذي يفتح حواسهم و مشاعرهم على هذا الكون الجميل ، كأنما يطالعهم أول مرة ، فيجدد إحساسهم بوجودهم الذاتي ، كما يجدد إحساسهم باكون من حولهم .

القرآن الذي يقر في أخلادهم أنهم خلفاء في الأرض ، أنهم كرام على الله ، و أنهم حملة الأمانة التي أشفقت منها السماوات و الأرض و الجبال .

ناصح أمين
05-02-2021, 07:22 AM
======== 135 ========

القرآن لا يفتأ يذكر البشر بالمعركة الخالدة بينهم و بين الشيطان منذ أبيهم آدم ..

و منذ المعركة الأولى في الجنة .

و أغفل الغافلين من يعلم أن له عدوا يقف له بالمرصاد ، عن عمد و قصد ، و سابق إنذار و إصرار ثم لا يأخذ حذره ..

ثم يزيد فيصبح تابعا لهذا العدو الصريح .

و أكبر هدف للإنسان على الأرض أن ينتصر على عدوه الشيطان ، فينتصر على الشر و الخبث و الرجس ..

و يثبت في الأرض قوائم الخير و النصح و الطهر .

ناصح أمين
05-16-2021, 07:45 AM
======== 136 ========

القرآن .

ذلك الكتاب لا ريب فيه .. هدى للمتقين .

الهدى حقيقته ، و الهدى طبيعته ، و الهدى كيانه ، و الهدى ماهيته ..

و لكن لمن ؟ لمن يكون ذلك القرآن هدى و نورا و دليلا ناصحا ؟

للمتقين .

فالتقوى في القلب هي التي تأهله للانتفاع بهذا القرآن ..

هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل و يؤدي دوره هناك ..

هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط و أن يتلقى و أن يستجيب .

لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم ، بقلب خالص .

ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى و يتوقى ، و يحذر أن يكون على ضلالة أو أن تستهويه ضلالة ..

و عندئذ يتفتح القرآن عن أسراره و أنواره ، و يسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا ، خائفا ، حساسا ، مهيأ للتلقي .

ناصح أمين
06-19-2021, 07:57 AM
======== 137 ========

و لقد تولى القرآن الكريم تصحيح عقائد أهل الكتاب التي جاء فوجدها مليئة بالتحريفات مشحونة بالأساطير ..

كما تولى تصحيح عقائد المشركين ، المتخلفة عن بقايا الحنيفية دين إبراهيم – عليه السلام – في الجزيرة العربية و من ركام فوقها من أساطير البشر و ترهات الجاهلية .

لا بل جاء القرآن ليتولى تصحيح العقيدة في الله للبشر أجمعين .. و ينقذها من كل انحراف و كل اختلال ، و كل غلو ، و كل تفريط

فصحح – فيما صحح – اختلالات تصور التوحيد في آراء أرسطو في أثينا قبل الميلاد ، و أفلوطين في الإسكندرية بعد الميلاد ، و ما بينهما و ما تلاهما من شتى التصورات في شتى الفلسفات التي كانت تخبط في التيه ، معتمدة على ذبالة العقل البشري الذي لا بد أن تعينه الرسالة ليهتدي في هذا التيه .

ناصح أمين
07-19-2021, 06:52 AM
======== 138 ========

لقد كان القرآن الكريم يعمل في قيادة المجتمع المسلم ..

و في توجيهه ..

و في توعيته ..

و في إعداده لمهمته الضخمة ..

و لن يفهم هذا القرآن إلا و هو يدرس في مجاله الحركي الهائل

و لن يفهمه إلا أناس يتحركون به .

لقد جاء هذا القرآن بالموعظة " من ربكم " فليس هو كتاب مفترى ، و ليس ما فيه من عند بشر .

جاءتكم الموعظة لتحيي قلوبكم ، و تشفي فصدوركم ، من الخرافة التي تملؤها ، و الشك الذي يسيطر عليها ، و الزيغ الذي يمرضها ، و القلق الذي يحيرها .

جاءت لتفيض عليها البرء و العافية و اليقين و الاطمئنان و السلام مع الإيمان .

وهي لمن يرزق الإيمان هدى إلى الطريق الواصل ، و رحمة من الضلال و العذاب .

ناصح أمين
08-02-2021, 06:12 AM
======== 139 ========

فالقرآن ميسر للذكر ، لا تتجاوز تكاليفه طاقة البشر ، و لا يكلف الإنسان إلا ما في وسعه ، و لا يفرض عليه إلا ما في طوقه ..

و التعبد به في حدود الطاقة نعمة لا شقوة ، و فرصة للاتصال بالملأ الأعلى ، و استعداد القوة و الطمأنينة ، و الشعور بالرضى و الأنس و الوصول .

و الذي نزل القرآن من الملأ الأعلى ، و خلق الأرض و السماوات العلى هو الرحمن .

فالقرآن ظاهرة كونية كالأرض و السماوات . تنزلت من الملأ الأعلى .

فما نزله على عبده ليشقى .

ناصح أمين
09-04-2021, 06:28 AM
======== 140 ========

هذا القرآن هدى للمؤمنين و شفاء .

فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته و حقيقته ، فتهتدي به و تشتفي .

فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة لا تخالطها بشاشة هذا القرآن ، فهو وقر في آذانهم و عمى في قلوبهم .

و هم لا يتبينون شيئا لأنهم بعيدون جدا عن طبيعة هذا القرآن .

فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاء ، و يحييها إحياء ، و يصنع بها و منها العظائم في ذاتها و فيما حولها ..

و ناس يثقل القرآن على آذانهم و على قلوبهم و لا يزيدهم إلا صمما و عمى .

و ما تغير القرآن .

و لكن تغيرت القلوب .

و صدق الله العظيم .

ناصح أمين
10-03-2021, 07:18 AM
======== 141 ========

إن الطريق الأمثل في فهم القرآن و تفسيره ، و في التصور الإسلامي و تكوينه ..

أن ينفض الإنسان من ذهنه كل تصور سابق ، و أن يواجه القرآن بغير مقررات تصورية أو عقلية أو شعورية سابقة ، و أن يبني مقرراته كلها حسبما يصور القرآن و الحديث حقائق هذا الوجود .

و من ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن .

و لا ينفي شيئا يثبته القرآن و لا يؤوله ،

و لا يثبت شيئا ينفيه القرآن أو يبطله .

ناصح أمين
10-14-2021, 06:38 AM
======== 142 ========

لقد أنشأ هذا القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود و الحياة و القيم و النظم ..

كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا ، كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور ، قبل أن ينشئه لها القرآن إنشاء ..

نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة و الجمال ، و العظمة و الارتفاع ، و البساطة و اليسر ، و الواقعية و الايجابية ، و التوازن و التناسق ..

بحيث لا يخطر للبشرية على بال ، لولا أن الله أراده لها ، و حققه في حياتها في .. ظلال القرآن .. و منهج القرآن .. و شريعة القرآن .

ناصح أمين
11-24-2021, 06:42 AM
========143========

الثبات و التناسق ، هو الظاهرة الملحوظة في القرآن ..

و هذا فقط في التعبير اللفظي و الأداء الأسلوبي .

فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز ، تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها و لكن يتحد مستواه و أفقه و الكمال في الأداء بلا تغير و لا اختلاف من مستوى إلى مستوى ..

إنه يحمل طابع الصنعة الإلهية و يدل على الصانع .

يدل على الموجود الذي لا يتغير من حال إلى حال و لا تتوالى عليه الأحوال .

ناصح أمين
12-13-2021, 07:32 AM
======== 144========

لقد كانت هذه الأمة تتلقى هذا القرآن لتقرر – وفق توجيهاته و تقريراته – خطتها و حركاتها ، و لتتخذ أيضا مواقفها من الناس جميعا .

فهذا الكتاب كان هو موجهها و محركها و رائدها و مرشدها ..

و من ثم كانت تغلب و لا تغلب ، لأنها تخوض معركتها مع أعدائها تحت القيادة الربانية المباشرة مذ كان نبيها – صلى الله عليه و سلم – يقودها وفق الإرشادات الربانية العلوية .

فهذا القرآن من عند الله باهر ، معجز في تعبيره ، و معجز في منهجه ، و معجز في الكيان الاجتماعي العضوي الحركي الذي يرمي إلى إنشائه على غير مثال .

و الذي لم يلحق به من بعده أي مثال .

ناصح أمين
03-02-2022, 07:17 AM
======== 145 ========

القرآن يدعو إلى اليقين .

و القرآن يدعو على لسان الرسول – صلى الله عليه و سلم – إلى إتباعه فإنه يسير بنا في الطريق المستقيم ، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه .

و يبين لنا أن انحرافنا و شرودنا أثر من إتباع الشيطان .

و الرسول أولى أن نتبعوه .

و القرآن لا يفتأ يذكرنا بالمعركة الخالدة بيننا و بين الشيطان منذ أبينا آدم ، و منذ المعركة الأولى في الجنة .

و أغفل الغافلين من يعلم أن له عدوا يقف له بالمرصاد ، و عن عمد و قصد ، ثم لا يأخذ حذره ، ثم يزيد فيصبح تابعا لهذا العدو الصريح .

ناصح أمين
03-22-2022, 06:45 AM
========146 ========

هذه النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان .. القرآن .

الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود ، و منهج السماء للأرض الذي يصل أهلها بناموس الوجود ، و يقيم عقيدتهم و تصوراتهم و موازينهم و قيمهم و نظمهم وأحوالهم على الأساس الثابت الذي يقوم عليه الوجود .

فيمنحهم اليسر و الطمأنينة و التفاهم و التجاوب مع الناموس .

ناصح أمين
04-18-2022, 08:49 AM
========147========

لقد كان القرآن يدفع السلاح المسموم لأهل الكتاب ، و هو حقدهم على الإسلام و المسلمين .

كان يأخذ الجماعة المسلمة بتثبيت على الحق الذي هي عليه ، و ينفي الشبهات و الشكوك التي يلقيها أهل الكتاب ، و يجلو الحقيقة الكبيرة التي يتضمنها هذا الدين ، و يقنع الجماعة المسلمة بحقيقتها و قيمتها في هذه الأرض ، و دورها و دور العقيدة التي تحملها في تاريخ البشرية .

و كان يأخذها بالتحذير من كيد الكائدين ، و يكشف لهم نواياهم المستترة و وسائلهم القذرة ، و أهدافهم الخطرة .

و كان يأخذها بتقرير حقيقة القوى و موازينها في هذا الوجود فيبين لها هزال أعدائها ، و هوانهم على الله ، كما يبين لها أن الله معها و هو مالك الملك المعز المذل وحده بلا شريك .

ناصح أمين
04-20-2022, 08:28 AM
======== 148 ========

و القرآن نزل بالحق كالكتب المنزلة ، و نزل على رسول من البشر كما نزلت الكتب على رسل من البشر .

و هو مصدق لما بين يديه من كتب الله ، يضم جناحيه على الحق التي تضم جوانحها عليه .

و قد نزله من يملك تنزيل الكتب .

فهو منزل من الجهة التي لها الحق في وضع منهاج الحياة للبشر ، و بناء تصوراتهم الاعتقادية و شرائعهم و أخلاقهم و آدابهم في الكتاب الذي ينزله على رسوله – صلى الله عليه و سلم –

و أنه نزل بالحق لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه

ناصح أمين
05-11-2022, 06:02 AM
======== 149 ========

القرآن :

يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية ، و هي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع ، و فرض القوانين .

و يتمثل الحق في محتوياته ، و في كل ما يعرض له من شئون العقيدة و الشريعة ، و في كل ما يقصه من خبر ، و ما يحمله من توجيه .

فهو الصورة الأخيرة لدين الله ، و هو المرجع الأخير في هذا الشأن ، و المرجع الأخير في منهج الحياة و شرائع الناس ، و نظام حياتهم ، بلا تعديل بعد ذلك و لا تبديل .

و من ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه .

فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا القرآن .

و لا قيمة لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير .

ناصح أمين
07-04-2022, 06:05 AM
======== 150 ========

هذا القرآن المعجز الذي لا يستطيع الإنسان و الجن أن يأتوا بمثله و لو اجتمعوا و تظاهروا .

و الذي صرف الله فيه دلائل الهدى و نوعها لتخاطب كل عقل و كل قلب .

هذا القرآن فهو المعجزة الباقية الحقة .

و قد جاء متفرقا حسب حاجة الأمة التي جاء لتربيتها و إعدادها و الذين أوتوا العلم من قبله من مؤمني الأمم السابقة يدركون ما فيه من حق و يذعنون له و يخشعون ، و يؤمنون به و يسلمون

و للقرآن – كما للصلاة – إيقاعه في الحس في مطلع الفجر و نداوته ، و نسماته الرخية ، و هدوئه السارب ، و تفتحه بالنور و نبضه بالحركة ، و تنفسه بالحياة .

ناصح أمين
08-27-2022, 06:47 AM
======== 151 ========

هذا القرآن الذي لا تنفذ عجائبه ، و لا يخلق على كثرة الرد كما يقول عنه النبي – صلى الله عليه و سلم – الذي تلقاه و استوعب أسراره و عاش بها .

و لقد وجد الذين سمعوا هذا القرآن أول مرة من آيات الله في الأٍرض و آياته في النفس ، نصيبهم ، و تسلموا رصيدهم وفق معارفهم و تجاربهم و إشراقات نفوسهم .

و وجد كذلك كل جيل أتى بعدهم نصيبا يناسب ما تفتح له من أنواع العلوم و المعارف و التجارب .

و نجد نحن نصيبنا وفق ما اتساع لنا من رقعة العلم و المعرفة و التجريب .

و ستجد الأجيال بعدنا نصيبها مدخرا لها من الآيات التي لم تكشف لنا بعد في الأرض و النفس .

ناصح أمين
09-19-2022, 06:38 AM
======== 152 ========

القرآن .

فهو المنهج الثابت الواضح المستقر لإنشاء الجماعة المسلمة ، و لقيادة الحركة الإسلامية في كل جيل .

و القرآن من ثم أداة حية متحركة فاعلة ، و دستور شامل عامل في كل وقت ..

بل هو قيادة راشدة لمن يطلب عندها الرشد و الهدى و النصيحة في كل موقف و في كل خطوة و في كل جيل .

ناصح أمين
12-10-2022, 06:20 AM
======== 153 ========

القرآن .

لم ينشئه الرسول – صلى الله عليه و سلم – أنزله الله إليه .

ليخرج البشرية من الظلمات .

ظلمات الوهم و الخرافة ، و ظلمات الأوضاع و التقاليد ، و ظلمات الحيرة في تيه الأرباب المتفرقة ، و في اضطراب التصورات و القيم و الموازين ..

ليخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور .

النور الذي يكشف هذه الظلمات .

يكشفها في عالم الضمير و في دنيا التفكير .

ثم يكشفها في واقع الحياة و القيم و لأوضاع و التقاليد .

ناصح أمين
12-21-2022, 07:28 AM
======== 154 ========

القرآن .

لا يملك من يتدبره أن يظل معرضا عنه .

ففيه من الجمال ، و فيه من الكمال ، و فيه من التناسق ، وفيه من الجاذبية ، و فيه من موافقة الفطرة ، و فيه من الإيحاءات الوجدانية ، و فيه من غداء القلب ، و فيه من زاد الفكر ، و فيه من عظمة الاتجاهات، و فيه من قويم المناهج ، و فيه من محكم التشريع ..

و فيه من كل شيء ما يستجيش كل عناصر الفطرة و يغذيها و يلبيها .

ناصح أمين
04-03-2023, 06:28 AM
======== 155 ========

فبسبب من هذا القرآن ذكرت هذه الأمة في الأرض ، و كان لها دورها في التاريخ ، و كان لها وجود إنساني ابتداء ، و حضارة عالمية ثانيا ..

إن القرآن حين كان ينشئ هذه الأمة و ينشئها ، و يخطط و يثبت ملامح الإسلام الجديدة في الجماعة المسلمة – التي التقطها من سفح الجاهلية – و يطمس و يمحو ملامح الجاهلية في حياتها و نفوسها و رواسبها ..

و ينظم مجتمعها – أو يقيمه ابتداء – على أساس الميلاد الجديد

حين كان القرآن يصنع ذلك كله ، كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح ، ببيان شرط الإيمان و حدّ الإسلام ، و يربط بهذا التصور – في هذه النقطة بذات – نظامها الأساسي الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها ، و يفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس ، لتبين للناس ، و تقودهم إلى الله ..

نظامها الرباني .

ناصح أمين
04-22-2023, 06:21 AM
======== 156 ========

و هذا القرآن هو كتاب مبارك .. و صدق الله .. فإنه و الله لمبارك

مبارك بكل معاني البركة ..

إنه مبارك في أصله ، باركه الله و هو ينزله من عنده .

و مبارك في محله الذي علم الله أنه له أهل .. قلب محمد – صلى الله عليه و سلم – الطاهر الكريم الكبير ..

مبارك في حجمه و محتواه .

فإن هو إلا صفحات قلائل بالنسبة لضخام الكتب التي يكتبها البشر ، و لكنه يحوي من المدلولات و الإيحاءات و المؤثرات و التوجيهات في كل فقرة منه ما لا تحتويه عشرات من هذه الكتب الضخام ، في أضعاف أضعاف حيزه و حجمه .

و إنه لمبارك في أثره .

و هو يخاطب الفطرة و الكينونة البشرية بجملتها خطابا مباشرا عجيبا لطيف المدخل ، و يواجهها من كل منفذ و كل درب و كل ركن ..

فيفعل فيها ما لا يفعله قول قائل .

ذلك أن به من الله سلطانا ..

و ليس في قول القائلين من سلطان ..

ناصح أمين
06-05-2023, 06:00 AM
======== 157 ========

فهذا القرآن ليس من عمل البشر ، و هم لا يستطيعونه .

إنما هو الوحي الذي يتلوه الله على عبده – صلى الله عليه وسلم – و يبدو فيه إعجاز صنعته ، كما يبدو فيه طابع الحق المميز لهذه الصنعة في الكبير و الصغير .

فإلى القوم المؤمنين يوجه هذا القرآن ، يربيهم به و ينشئهم و يرسم لهم المنهاج ، و يشق لهم الطريق

و هذه التلاوة المباشرة من الله تلقي ظلال العناية و الاهتمام بالمؤمنين ، و تشعرهم بقيمتهم العظيمة و منزلتهم العالية الرفيعة .

ناصح أمين
06-25-2023, 06:04 AM
======== 158 ========



كتاب الله أحيانا ... و بالتوحيد أوصانا
ففي قرآننا نور... يضيء ظلام دنيانا

سوى القرآن لا نرجو ...شريعته لنا نهج
وفي آياته عبر ... وأحكام بها ننجو

يحذرنا من الشر … ويدعونا إلى الخير
وبالطاعات يأمرنا ... وبالإحسان والبر

إلى القرآن نحتكم… وبالإسلام نعتصم
كتاب الله وحدنا … فلا عرب وعجم

ناصح أمين
08-30-2023, 06:09 AM
======== 159 ========

القرآن :

هذا الكتاب الجديد المبارك ، الملتحم بالكتاب الذي أنزل على موسى – عليه السلم – المتضمن للعقيدة و للشريعة المطلوب اتباعها و التقوى فيها ..

رجاء أن ينال الناس - حين يتبعونها – رحمة الله في الدنيا و الآخرة .

و لقد نزل هذا الكتاب قطعا لحجة العرب ، كي لا يقولوا : إنه لم يتنزل علينا كتاب كالذي تنزل على اليهود و النصارى ، و لو قد أوتينا الكتاب مثلما أوتوا لكنا أهدى منهم .

فها هو ذا كتاب يتنزل عليهم .، و يقطع هذه الحجة عليهم ، فيستحق الذين يكذبون العذب الأليم .

إنه حقا كتاب مبارك .

و الحمد لله رب العالمين .