كَلِمةُ الإِدَارَة |
|
جديد المواضيع |
|
رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة) |
الإهداءات |
|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
08-05-2018, 07:29 AM | #21 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - المعطى - 1 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( الخامس العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( المُعطي ): أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم ( المعطي ). 1 – ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة: لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، بل ورد في السنة، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) [ متفق عليه ] 2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ: أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة، قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ ( سورة النساء ) لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يبحث عن الحقيقة، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به. لذلك: كرامة العلم أعظم كرامة عند الله، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم. ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ( سورة الزمر ) ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ ( سورة المجادلة ) فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن. الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله: وكما تعلمون هناك علم بخلقه، وعلم بأمره، وعلم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، إلى كتاب، وإلى معلّم، وإلى شهادة، وإلى امتحان، هذه مدارسة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) والبطولة لا أن يكون طلب العلم في أوقاتك الهامشية، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة، لأن هناك إنسانا بحسب فراغه يطلب العلم، لكنْ عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته، ولا يعلو عليه شيء، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: << يل بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>. إذاً: في الإنسان حاجات سفلى، وحاجات عليا، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه: ﴿ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ ( سورة الفرقان ) ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ ( سورة الجمعة الآية: 5 ) ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 176 ) بل أبلغ من ذلك: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ ( سورة المنافقون الآية: 4 ) لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم. 3 – الماء من عطاء الله: إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ، وهو موضوع درسنا: (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) الملمح الثاني: أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله، نحن وضعناه في خزانات، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب، ووزّعناه بقوارير، هذا عمل ثانوي، لا يعد من صلب الماء، الماء منحة من الله عز وجل، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله، نحن تفننا بعرضه، بتعليبه، بتغليفه، بوصوله، أما الأصل فإن الله هو المعطي. (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) 4 – المعطي المانع: دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً، كاسم " الضار "، الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع "، تقول: " الضار النافع "، " المعطي المانع "، " المعز المذل "، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي، ويأخذ ليعطي، ويخفض لرفع، ويذل ليعز، لأن الإنسان حمل الأمانة، لكنه قصر في حملها، فتأتي المعالجة. الفرق واضح جداً، بين من يعين موظفاً، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه، لكن بلا رحمة، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه، كل خطأ يوقفه عنده، ويعطيه التوجيه، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة. أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار، لكن هذا ربّاه بمرض، هذا بقلق، أو بشبح مصيبة، أو بضيق معين، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً، وهذا من نِعم الله عز وجل، فهو معطٍ ومانع، خافض ورافع، معز ومذل، وقد ورد في الأثر: (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء )) [ رواه الديلمي عن ابن عمر ] لا تستقيم الدنيا لأحَدٍ، وهذا لحكمة بالغةٍ أرادها الله. (( ودار تَرحٍ لا دار فرح )) فيها أحزان، فيها آلام، فيها فراق الأحبة، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً. (( ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها )) أي: مَن عرف حقيقة الدنيا. (( لم يفرح لرخاء )) لأنه مؤقّت. (( ولم يحزن لشدة )) لأنه مؤقّت، الموت ينهي كل شدة، الموت ينهي قوة القوي، وغنى الغني، وذكاء الذكي، وصحة الصحيح، لذلك: (( فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى )) ﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ ( سورة المؤمنون ) لذلك: ((ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي )) في بعض الأحاديث القدسية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: (( يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ )) [ أخرجه مسلم ] الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة. ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ )) فهذه فكرة دقيقة جداً، الله عز وجل يأخذ ليعطي، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع يضر لينفع، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى. 5 – من عطاء الله نعمة الإيجاد: شيء آخر، الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه ؟ النعم الكبرى الصارخة، أعطانا نعمة الإيجاد، فإنه أوجدنا. ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ ( سورة الإنسان ) أنت موجود، لك كيان، لك اسم، لك زوجة، لك أولاد، لك بيت، لك مكانة، عندك قناعات. لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى، وأنا أحياناً لما أتصفح كتابا، وأطلع على تاريخ تأليفه، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتخذ موعظة كبيرة، أنا في هذا التاريخ أين كنت؟ ما لي اسم في الأرض كلها. 6 – من عطاء الله نعمةُ الإمداد: منحك الله نعمة الإيجاد، لا يكفي الإيجاد، أعطاك جهاز تنفس الهواء، أعطاك جهاز هضم، هناك ماء، وطعام، ولحوم، وخضراوات، ومحاصيل، وأنت بحاجة إلى طرف آخر فخلق المرأة من أجلك، وخلقك من أجلها، أعطاك النصف الآخر، فأنجبت أولادا ملؤوا البيت فرحة، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد. 7 – من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد: أحيانا يشق الطريق، بعد حين توجد الشاخصات، هنا منحدر زلق، وهنا تقاطع خطر، وهنا الطريق ضيقة، هذه الشاخصات هداية للسائقين. فبعد أن منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، هذه نعم كبرى، فضلاً على أنها نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى. 8 – من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم: لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، الدليل: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ ( سورة الجاثية الآية: 13 ) بالمناسبة، المسخَّر له أكرم من المسخَّر، الإنسان سُخِّر له ما في الكون، فهو المسخَّر له، وهو أكرم عند الله من الشيء المسخَّر، وهذه حقيقة أولى، الإنسان هو المخلوق المكرَّم المكلَّف. ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ ( سورة الأحزاب الآية: 72 ) لأنه قَبِل حمل الأمانة، كان المخلوق الأول تكريما وتكليفا، لذلك قال سيدنا علي: << رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >>، هذا الكلام خطير جداً تؤكده الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ( سورة البينة ) على الإطلاق، لمجرد أنك إنسان في الأصل فأنت فوق المخلوقات جميعاً: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ( سورة البينة ) بالمقابل: << وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >>. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ ( سورة البينة ) بين أن تكون أرقى من الملائكة، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان فراق كبير جدا، فلذلك أعطانا هذا الكون، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم. موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم: لو أن إنسانا قدّم لك جهازا متطورا جداً، وفيه قفزة نوعية بخصائصه، وهو من اختراعه، فقدمه لك هدية، يجب أن ينتابك شعورٌ، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير، وشعور الامتنان، لأنه قدّمه لك مجاناً، ولأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان: ﴿ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ تسخير تعريف وتكريم، فردّ فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم، أن تشكر، لمجرد أنك آمنت، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة، الآية: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ ( سورة النساء الآية: 147 ) إذا آمنت بهذا الإله العظيم، والرب الكريم، والمسيّر الحكيم، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، إنك إن آمنت، ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد فقد حققت الهدف من وجودك، لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات، والآية دقيقة جداً: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ ( سورة النساء الآية: 147 ) (( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )) [ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ] لأن عطائي كلام، وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول. الآن الدقة البالغة في الحديث: (( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )) [ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ] لا تعتب على أحد. ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ ( سورة الشورى ) (( ما من عثرة، واختلاج عرق، وخدش عود، إلا بما كسبت أيديكم، وما يعفو الله أكبر )) [ ورد في الأثر ] رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى النقطة الدقيقة في هذا اللقاء: قال تعالى: ﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ ( سورة طه ) فرعون سأل سيدنا موسى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ ( سورة طه ) ما معنى قول النبي ؟ (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ )) [ ابن ماجه عن ابن عمر ] ما قال: أعطوه أجراً، أجره الذي يعادل جهده، أجره الذي يحقق له كرامته، بالمقابل: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ ( سورة طه ) أعطاه الخلق الكامل. الإنسان خَلَقه الله خَلْقًا كاملاً: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) 1 – العينان: أعطاه عينين، لماذا أعطاه عينين، ولم تكن عيناً واحدة ؟ بالعينين يدرك البُعد الثالث، بعين واحدة يدرك بُعدين، الطول والعرض، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث، أنت ترى الطول والعرض والعمق، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة، يأتي الخيط بعيدا عن الإبرة عشرة سنتيمترات، بالعينين معًا تعرف المسافة. ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ ( سورة البلد ) العين جعل مادة مضادة للتشنج، بالميل متر المربع في شبكية العين في مئة مليون مستقبل ضوئي، عصية ومخروط بالميل متر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً، من أجل أن تميز بين 8 ملايين لون، واللون الواحد لو دُرج 800 ألف درجة لفرقت العين البشرية بين لونين، لذلك: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) 2 – الشَّعرُ: أعطاك شَعرا، ففي الرأس تقريباً بالشكل المتوسط 300 ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغة، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ، لو فيه أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى، وإلى تخدير كامل، هذه من حكمة الله عز وجل. 3 – الأنف: الأنف فيه عشرون مليون عصب شمٍّ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة، تتشكل شكلا هندسيا، كرة، موشورا، هرما، هذا الشكل رمز الرائحة، يشحن إلى الدماغ للذاكرة الشمّية، وعندنا عشرة آلاف بند، هذا الشكل يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل تقول: هذه رائحة كمون في الأكل، مثلاً، فالشمّ آلية معقدة جداً. ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ ( سورة طه ) 4 – الأذنان: الأذنان: لمَ لمْ تكن أذنا واحدة ؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت، بالأذنين تعرف الجهات، هناك صوت بوق لمركبة من اليمين، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، والفرق الزمني واحد على 1620 جزءا من الثانية، فأدركت أن المركبة على اليمين، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار، وهذه آلية معقدة جداً. ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ ( سورة طه ) 5 – القدَمانِ وآلية التوازن: هدانا إليه، لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن لاحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سم حتى يقف، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً، أما لأن في الأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح التوازن، ولولا هذا الجهاز لم ركب إنسان دراجة إطلاقاً، ولا مشى إنسان على الأرض، فالقدمان لطيفتان بحجم معقول جداً، وأنت واقف. إذاً: التوازن من آيات الله الدالة على الله. 6 – أعصاب الحس في الأسنان: وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي، ليس له فائدة، إذا بدأ النخر، ووصل إليه لا تنام الليل، تسارع إلى الطبيب، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر. 7 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم: وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة إلى الدماغ، اللعاب زاد على حده، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم، يفتح البلعوم لسان المزمار، يغلق القصبة الهوائية، يفتح المريء فتبلع ريقك، وأنت نائم: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) 8 – البروستاتة: البروستاتة تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة، عند الالتقاء، هذه في اللقاء الزوجي تفرز مادة مطهرة، ومادة مغذية، ومادة معطرة، هذه البروستاتة موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان، ففي حال الحمل يجب أن يكون المجرى طاهراً، فتفرز مادة مطهرة، ومغذية، ومعطرة: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) الخاتمة: الموضوع طويل جداً، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ( سورة آل عمران ) إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، المعلومات موجودة، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية، ندرسها في كلية الطب، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية. لو فكر الإنسان في جسمه، فكر في حواسه الخمس، فكر في أجهزته، فكر في جهاز الدوران، في القلب، في جهاز الأعصاب، في جهاز الهضم، فهذه آيات دالة على عظمة الله عز وجل: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ ( سورة طه ) والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-05-2018, 07:31 AM | #22 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - المعطى - 2 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( الخامس العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( المعطي ): 1 – العطاء الدنيوي ينقضي بفناء الدنيا: أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم ( المعطي )، ولو تساءلنا: ماذا يعطينا الله عز وجل ؟ يعطينا نعماً دنيوية، يعطينا الصحة، يعطينا القوة، يعطينا المال، يعطينا الجمال، ويعطينا نعماً إيمانية، يعطينا السكينة، يعطينا الأمن، يعطينا الرضى، يعطينا السعادة، يعطينا نعماً لا تعد ولا تحصى، لكن نعم الله عز وجل ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا. فلذلك يقول الله عز وجل: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ ( سورة الفجر ) جاء الجواب مع الردع: ﴿ كَلَّا ﴾ ( سورة الفجر ) 2 – الرضى بالعطاء والمنع هو رضى بالقضاء والقدر: يعني: يا عبادي، ليس عطائي إكراماً في الدنيا، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء. فلذلك الله يعطي الصحة، والذكاء، والقوة، والجمال، والمال للكثيرين من خَلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، يعطيك نعماً إيمانية، يعطيك الرضى، فأنت راضٍ عن الله، راضٍ عن نفسك، بمعنى أنك قبلت قضاء الله وقدره، راضٍ عمّا نزل بك من مِحنٍ، ليقينك القطعي أنه هناك حكمة بالغة. فلذلك أيها الإخوة، حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله وقدر، وأن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد نكون قد عرفنا حقيقة العطاء، لكن ولكل شيء حقيقة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ )) [ أخرجه أحمد في مسنده] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) [ رواه مسلم ] ولا ينبغي للمؤمن أن يقول: لو، ليس في قاموس المؤمن كلمة ( لو )، لو لم أَسِرْ في هذا الطريق لم يقع الحادث، هذا طريق مسدود، لكن قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ )) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ الله عز وجل حينما يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾ ( سورة العنكبوت الآية: 45 ) مِن أدق معاني هذه الآية أن ذِكركَ لله عز وجل أكبر من كل شيء، وأن الله يذكرك، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، فإذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين. ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 151 ) أما المؤمنون: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ ( سورة آل عمران ) إذاً: ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إن ذكرك منحك الحكمة. ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾ ( سورة البقرة الآية: 269 ) ذكر الله لك يمنحك السكينة، سعادة ما بعدها سعادة، لا يعرفها إلا من ذاقها، إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك الرضى، لذلك يعطي الله نِعماً دنيوية، ويعطي نعما أخروية، أو يعطي نعمًا إيمانية، النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا. فلذلك ليس عطائي إكراماً، ومنعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء. مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ الآن: ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ ( سورة الإسراء ) قد يختار إنسان الغناء، ثم يموت، وتبقى أغانيه تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة، وقد يختار إنسان القرآن، ثم ويموت، وتبقى تلاوته تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة: ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ ﴾ ( سورة الإسراء ) هناك إنسان بنى مسجدا، وإنسان بنى ملهى، الإنسان مخير، فاختر ما شئت، وافعل ما شئت، لكن كل شيء له حسابه. ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ ( سورة الإسراء ) الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات. ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ ( سورة النساء الآية: 123 ) التمنيات بضائع الحمقى، الله عز وجل يتعامل مع الصدق. وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ ( سورة الإسراء الآية: 19 ) علامة إرادتها صادقاً: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ ( سورة الإسراء الآية: 19 ) فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة، الله عز وجل خلقك، منحك حرية الاختيار، وقال لك: عبدي اطلب تُعْطَ، إن أردت الدنيا أخذت الدنيا، لكن ما لك: ﴿ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ ( سورة البقرة الآية: 200 ) إن أردت الآخرة تأتك الدنيا وهي راغمة، لذلك أقول دائماً: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً. إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ الآية الكريمة: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ ( سورة الكوثر ) أيها الإخوة، أيّ عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء، لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر، فلذلك: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ ( سورة الكوثر ) قال علماء التفسير: كل مؤمن بقدر إيمانه، واستقامته وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب. ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ ( سورة الشرح ) كل مؤمن بحسب إيمانه، واستقامته، وإخلاصه له من هذه الآية نصيب، أما العطاء البدي السرمدي الذي خلقنا من أجله: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ ( سورة هود ) العاقل من يعيش المستقبل: كلنا ينتقل من بيت إلى قبر، والبيت معتنى فيه جداً، فيه زوجة وأولاد، وغرف ضيوف، وغرف جلوس، مطبخ، حمام، مركبة واقفة عند الباب، هناك نزهات، فإذا توقف القلب وُضع في القبر، ماذا في القبر ؟ الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل، لا أن تعيش الماضي، ولا أن تعيش الحاضر، الذي يعيش الماضي غبي، لأنه ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء، ماذا في المستقبل ؟ مغادرة الدنيا، ماذا أعددنا لهذه الساعة ؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود، لكن ما هي الخسارة ؟ ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ ( سورة الزمر الآية: 15 ) إنسان باع بيته، وباع معمله، وباع بيت المصيف، وباع بيتا على البحر، وباع كل أدواته ومركباته، وهذا المبلغ بطريقة أو بأخرى فَقَده، يشعر بخسارة لا تحتمل، الآخرة الخسارة فيها أشد، خُلقت للأبد فخسرت الأبد، من أجل سنوات معدودة أمضاها الإنسان في المعاصي والآثام. 3 – المعنى التوحيدي في العطاء والمنع: كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك هناك معنى توحيدي في العطاء. وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك يدخل التوحيد في معنى العطاء، لأنه لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، علاقتك مع الله، فهذا هو التوحيد الله وحده هو الرافع، والخافض، والمعز، والمذل والمانع، والمعطي، ولا إله إلا الله، وهذا الدين لا يقوم إلا على التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ونهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى. ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ ( سورة لقمان الآية: 20 ) المصائب والحرمان والمتاعب نِعَمٌ باطنة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ ( سورة النساء الآية: 147 ) حينما يؤمن الإنسان ويشكر تنتهي كل المعالجات، لأنه حقق الهدف من وجوده، إذاً: وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعك، علاقتك مع الله عز وجل. فلذلك سيدنا سعد ابن أبي وقاص إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعبه، لأنه يحبه حباً جما، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ )) [ الترمذي ] وفداه بأبيه وأمه. (( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي )) [ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ] وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر كلمة توحيد، قال له: << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعته >>. هذا المعنى يدفعنا إلى الله دفعاً، كلنا عباده، وتجري علينا مقاييس واحدة، ونقيّم بقيمٍ واحدة. ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ ( سورة الحجرات الآية: 13 ) أحياناً تأتي المصيبة فتكون سبب الهداية، حينما تكشف لك حكمتها تذوب كالشمعة محبة لله، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ ( سورة البقرة ) يجب أن تؤمن إيماناً قطعياً أن المصائب نِعَمٌ، وأن الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وأن المصائب تعني أنك ضمن عناية الله، وأن المصائب تعني أنك ضمن رحمة الله، لذلك: ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ ( سورة الأنعام الآية: 147 ) مما تقتضيه رحمة الله. ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ ( سورة الأنعام ) صدقوا أيها الإخوة، إذا دخلت إلى مسجد فقد تجد عددا كبيرا جداً من رواد المسجد اصطلحوا مع الله عقب تدبير حكيم، عقب شبح مصيبة، عقب تهديد، عقب خطورة على الرزق، خطورة على المنصب، فالإنسان ليس له إلا الله، وحينما قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ ( سورة المعارج ) 4 – العطاء من صفات الأنبياء والمؤمنين: فإنه يعني أن الإنسان شحيح، وحريص على ما في يديه، لكنه إذا اتصل بالله عز وجل أصبح سخياً، كما أنه يتلقى من الله عطاء، يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله فيعطي، فلذلك الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والمؤمن يبني حياته على العطاء، كيف ؟ ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ ( سورة الليل ) بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء، العطاء سمة عميقة من سماته، فيعطي من وقته، ويعطي من ماله، ويعطي من خبرته، ويعطي من عضلاته في سبيل مرضاة الله عز وجل، لذلك قال الله تعالى: ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ ( سورة البقرة الآية: 245 ) فأيّ عمل صالح فهو في حقيقته قرض لله عز وجل. 5 – المنع هو عطاء من الحكيم: الآن: إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، وأحياناً: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ ( سورة الشورى ) في آية ثانية: ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ ( سورة التغابن الآية: 11 ) إلى حكمتها، فإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك عاد المنع عين العطاء، ومن أدق الأحاديث الشريفة: (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام )) في رواية أخرى: (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة )) [ أخرجه البيهقي عن حذيفة بسند فيه ضعف ] حينما تؤمن أنك بعين الله، وبعنايته، وبرعايته، وبحكمته، وأن الذي ساقه إليك محض محبة، ومحض حكمة، ومحض خير ترضى عن الله. كان أحدهم يطوف حول الكعبة فقال: " يا رب، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! مَن أنت يرحمك الله ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عن الله، وأنا أتمنى رضاه ؟ هذا الكلام ما فهمه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله "، والدليل: ﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ ( سورة المائدة الآية: 119 ) يجب أن ترضى عن الله، يجب أن ترضى عن قضائه وعن قدره، وعن حكمته، حين جعل إنسانا ذا دخل محدود، يا رب، لك الحمد، وإذا جعل إنسانا آخر بدخل غير محدود، يا رب، لك الحمد، تتمتع بصحة جيدة، يا رب، لك الحمد، فيك بعض الأمراض، يا رب، لك الحمد، زوجة صالحة جداً، يا رب لك الحمد، زوجة متعبة، يا رب لك الحمد. عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) [ مسلم ] وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أحيانا يمضي الإنسانُ سنوات طويلةً في الدراسة في بلد أجنبي، ولا دخل له، ووالده فقير، فيشتغل هذا الطالب في مطعم، أو يشتغل حارسا، ويدرس في النهار، وضعه المنظور مؤلم جداً، لكن هذا مستقبله مشرق جداً، حينما ينال الشهادة، ويعود إلى بلده، ويعيّن بمنصب رفيع، وله دخل وفير، وله مكانة اجتماعية، ينسى كل التعب الذي أصابه، فلذلك: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ( سورة الضحى ) أحيانا يقول الطبيب للمريض: تحمّل الآلام، إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام. الإنسان بين يدي ربه مستسلم ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ( سورة الضحى ) هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنها تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ( سورة الضحى ) الآن: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: (( آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ )) 6– أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أنت تتلقى من الله العطاء، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي، أن تعطي، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، المؤمن كريم، والكرم أحد أساسيات إيمانه، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله. والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق، للدعوة، لنشر الحق، لإطعام الفقراء والمساكين، والله أقول له كلمة: أنت تعمل بذكاء وبعقل، لأنك آمنت بالآخرة، وتعمل الآن لها. ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) " إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل " الله عز وجل يحاسبك على زوجتك، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (( دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَتْ: فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ! قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ )) [ أحمد ] (( وجاءت في اليوم التالي عطرة نضرة، فسألتها السيدة عائشة، ما الذي حصل ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس )) [ الطبراني عن أبي موسى الأشعري ] حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، فالزوجة لها حق، والابن له حق، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك، يجب أن تنصحه، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك. ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) 7 – لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله: لكن في النهاية عندنا معنى دقيق جداً: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، المؤمن عطاءه وفق مبادئه، يعطي لله، ويمنع لله، يرضى بحسب مبادئه، يرضى ويغضب، يرضى لله، ويغضب لله، يصل لله، ويقطع لله، ليس عنده عمل عشوائي، وعادات وتقاليد مسيطرة عليه، يتحرك وفق مبادئ وقيم. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ )) [ أبو داود ] الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء، والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، ويعطي الحكمة بقدر، ويعطي الرضى بقدر، ويعطي الشعور بالفوز بقدر، الله عنده عطاءات دنيوية، وعطاءات أخروية، وعطاءه غير محدود. وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك الخلاصة الجامعة: والعطاء متعلق بالتوحيد، كل هذه المعاني الأولى متعقلة باسم الله ( المعطي )، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل: لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال له: هو لك، قال: أتهزأ بي ؟ قال له: لا والله، هو لك فقال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله. (( أنفق، أنفق عليك )) [ متفق عليه ] (( أنفق يا بلال، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا )) [ أخرجه السيوطي عن بلال] والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير. (( باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة )) [ أخرجه البيهقي عن أنس ] والله عز وجل يسترضى بالصدقة، هذه خبرة عند المؤمنين، والله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق، أو تحقيق ما تصبو إليه، فالله عز وجل يسترضى. إذاً: كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمى الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون على رجلين ؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، والآية: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ ( سورة الليل ) المكافأة الإلهية: ﴿ مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ ( سورة الليل ) ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ ( سورة الليل ) والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-05-2018, 08:29 AM | #23 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
شـكــرا و جزاك الله خيراً ...
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:29 AM | #24 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
تسلم اخى ناصح
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:32 AM | #25 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - الديان - 1 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( السادس العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( الديَّان ): 1 – ورودُ اسم ( الديَّان ) في السنة النبوية: أيها الإخوة الكرام، مع اسم من أسماء الله الحسنى، و الاسم اليوم ( الديان )، ولم يَرِد هذا الاسم في القرآن، ولكنه ورد في حديث النبي العدنان، ورد دالاً على العلمية وعلى كمال الوصف. عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ )) [ أحمد في المسند بسند حسن ] 2 – معنى: الديَّان: و ( الديان ) مِن دانَ يدين، أي جاز يجازي، ويوم الدين هو يوم الجزاء. طريقة الإيمان باليوم الآخر: دائرة المحسوسات ودائرة المعقولات ودائرة الإخباريات: ولا بد من وقفة متأنية حول طريقة الإيمان بيوم الجزاء، بيوم الدين، ونحن في سورة الفاتحة نقرؤها كل يوم عشرات المرات: ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ( سورة الفاتحة ) الحقيقة أن هناك دوائر ثلاث، دائرة المحسوسات، وأداة اليقين بها الحواس الخمس، ودائرة المعقولات، وأداة اليقين بها العقل، ودائرة الإخباريات، وأداة اليقين بها الخبر الصادق. في الدين حينما نضع كل قضية، أو كل مقولة في مكانها الصحيح يسهل البحث فيها. 1 – دائرة المحسوسات: فالمحسوسات شيء ظهرت عينه وظهرت آثاره، ظهرت عينه أو ذاته، وظهرت آثاره، فأداة اليقين بها الحواس الخمس. هناك ضوء متألق تراه بعينك، صوت مسموع تسمعه بأذنك، لون أبيض تدركه بالعين، شيء خشن تحسه باللمس، طعم مر تكتشفه بالذوق. الله عز وجل أودع فينا الحواس الخمس، والعلوم حينما تطورت صنعت استطالات للحواس الخمس، فالمجهر استطالة للعين، والتلسكوب استطالة للعين، وتكبير الصوت استطالة للأذن. إذاً: الدائرة الأولى دائرة المحسوسات، أداة اليقين بها الحواس الخمس، فأية قضية تعني شيئاً ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين بها الحواس الخمس، هذه قضية لا خلاف فيها، ونحن نشترك فيها مع بقية المخلوقات. إن الدابة حينما ترى حفرة تقف، الحواس الخمس أداة اليقين بها، الحواس الخمس نشترك فيها مع بعض المخلوقات. 2 – دائرة المعقولات: ولكن الدائرة التي يتميز بها الإنسان هي دائرة المعقولات، وتعني شيئاً غابت عينه، وبقيت آثاره. أنت ترى من التنظيم المنظِّمَ بعقلك، وترى من التسيير المسيِّر، وترى من الحكمة الحكيم، وترى من الخلق الخالق. الدائرة الثانية دائرة المعقولات، وهي جهة غابت عينها وبقيت آثارها، وهذا مجال العقل. إن هذا الكون أثر من آثار الله، بل هو الثابت الأول في العقيدة، كون ينطق بوجود الله، وأعيننا لا ترى الله. ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾ ( سورة الأنعام الآية: 103 ) ولكن العقول تصل إليه، فالذات الإلهية غابت عن حواسنا، ولكن الله سبحانه وتعالى أودع فينا عقولاً نستطيع من خلال هذه العقول لا أن نحيط، بل أن نصل، وفرق كبير بين الإحاطة والوصول، أنت بمركبتك تصل إلى البحر، لكن بهذه المركبة لا تستطيع أن تخوض بها البحر، فعقولنا تصل إلى الله. وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد *** إذاً: الدائرة الثانية دائرة المعقولات، يمكن أن تؤمن الإيمان الصحيح من خلال العقل، فالكون يدل على الله، يدل على الله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، وأسماء الله الحسنى ظاهرة في الكون، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، بل إن الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى، فبإمكانك أن تصل إلى الله من خلال الكون، أن تصل إليه مؤمناً بوجوده، ووحدانيته، وكماله. ويمكن أن تصل من خلال العقل إلى أن هذا القرآن كلامه، ولاسيما من خلال وقوع الوعد والوعيد، ومن خلال إعجازه، فوقوع الوعد والوعيد دليل قطعي على أن هذا الكلام كلام الله، وإعجاز القرآن الكريم دليل أيضاً على أن هذا الكلام كلام الله. ويمكن أن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال العقل، لأن الذي جاء بهذا الكتاب المعجز لا بد من أن يكون رسول الله، القضية واضحة جداً، أنت بعقلك تؤمن بوجود الله ووحدانيته، وكماله من خلال الكون. وبعقلك تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله من خلال الإعجاز، ومن خلال وقوع الوعد والوعيد، وأنت بعقلك تؤمن أن هذا الإنسان الذي اسمه محمد بن عبد الله هو رسول الله من خلال القرآن، وهنا ينتهي دور العقل، وأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به. مثلاً: هناك ميزان في أعلى مستوى، وفي أعلى أداء، إلا أنه مصمم لمكان أو لدكان، أو لبقالية تستخدمه ما بين خمسة غرامات، إلى خمسة كيلوات، فيه ذواكر كثيرة و تعقيدات مذهلة، ودقة بالغة، إلا أن هذا الميزان مهمته محدودة، بين خمسة غرامات وخمسة كيلوات، مادام استخدامه ضمن هذين الحدين فهو يؤدي نتائج رائعة. ويجب أن تؤمن أن العقل محدود بمهمة محدودة، ما دام استخدامه في هذا المجال فالعقل يؤدي نتائج رائعة. 3 – دائرة الإخباريات: إلا أنك إذا استخدمت العقل في شأن غيبي، في شأن غابت عينه وآثاره فالعقل لا يفلح. إذاً: أيّ شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، أخبرك الله بالقرآن الكريم عن الماضي السحيق، عن بدء الخليقة، أخبرك القرآن الكريم ماذا بعد الموت، عن اليوم الآخر، عن الحساب، عن الجزاء، عن الجنة، عن النار، عن الصراط، أخبرك الله عن أسمائه الحسنى. إذاً: ما دام البحث وفق هذا النظام ففي القضية الحسية أداة اليقين بها الحواس الخمس، وفي القضية العقلية أداة اليقين بها العقل، وفي القضية الإخبارية أداة اليقين بها الخبر الصادق. القضية الأولى: ظهرت عين الشيء وآثاره. القضية الثانية: غابت عين الشيء وظهرت آثاره. القضية الثالثة: غابت عين الشيء وآثاره. حينما تضع كل قضية في الدين في مكانها الصحيح تجد يسراً في الفهم، ويسراً في اليقين، ويسراً في التعامل معها، فالقضايا التي غابت عينها وآثارها أداة اليقين بها الخبر الصادق. يوم الدين من الدائرة الثالثة. أنا أنصح كل الإخوة المؤمنين إذا تحاوروا مع إنسان اهتزت عنده بديهيات الإيمان ألا يطرحوا معه قضايا من النوع الثالث ليس لها دليل عقلي، وليس لها دليل حسي، دليلها الوحيد الإخباري، وهو لا يصدِّق هذا الخبر الذي جاء به القرآن الكريم. إذاً: يوم الدين من الدائرة الثالثة، من دائرة موضوعاتها غابت عينها وآثارها، وسبيل اليقين بها الخبر الصادق، فنحن آمنا بالله من خلال الكون، وآمنا بالقرآن من خلال الإعجاز، وآمنا بالنبي الكريم من خلال القرآن، وانتهى دور العقل، وجاء دور النقل. النقل أخبرنا أن هناك يومًا آخر، يوما تسوى فيه الحسابات، يوما تؤخذ من القوي إلى الضعيف من الظالم للمظلوم، يوما يعطى لكل ذي حق حقه، يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين، يأتي الناس ربهم فرادى، هذا اليوم أساسي جداً في الإيمان. الإيمان بالله واليوم الآخر ركنان متلازمان: لذلك: ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر. إن الإيمان بالله ينبغي أن يحملك على طاعته، والإيمان باليوم الآخر ينبغي أن يمنعك من أن تؤذي مخلوقاً، وما لم يحملك إيمانك بالله على طاعته، وما لم يحملك إيمانك باليوم الآخر على البعد عن إيذاء خلقه فالإيمان لا قيمة له إطلاقاً. بل قد أقول لكم إبليس حينما قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ ( سورة ص الآية: 82 ) آمن بالله رباً وعزيزاً، ولكن لأنه استكبر وعصى فهذا الإيمان لا قيمة له. إذاً: لا قيمة للإيمان الذي لا يحملنا على طاعته، ولا قيمة للإيمان باليوم الآخر الذي لا يحملنا على اتقاء أن نؤذي مخلوقاً. قد يكون الإيمان باليوم الآخر من دائرة المعقولات: أيها الإخوة، إلا أن عالماً كبيراً من علماء المسلمين وهو ابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الإيمان باليوم الآخر من الدائرة الثانية، دليله عقلي، لأن العقل لا يقبل أن كوناً عظيماً يشفُّ عن خالق عظيم، عن خالق قوي، عن خالق كامل، عادل، رحيم أن يخلق إنسان قوياً وضعيفاً، والقوي يأكل الضعيف، وينتهي الأمر. إنسان غني يستغل الفقير، ويأتي يوم الدين، وينتهي الأمر، لا يعقل، ولا يقبل ألاّ تسوى الحسابات، لا يعقل ولا يقبل ألا يكون هناك يوم تسوى فيه الحسابات، يؤخذ للضعيف من القوي، للمظلوم من الظالم. لذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ ( سورة مريم الآية: 71 ) أي النار، وقد قال العلماء: ورد النار غير دخولها، دخول النار دخول جزاء، أما ورود النار فورود إطلاع، فمِن أجل أن تتحقق من عدل الله الإنسان يرد النار يوم القيامة، ولا يتأثر بوهجها، ليرى تحقيق اسم الله العدل. تحقيق اسم العدل كاملا يوم القيامة: بالمناسبة، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا أن اسم العدل محقق جزئياً، فالله سبحانه وتعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ولكن تسوية الحسابات، وختام الحسابات: ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 185 ) إذاً: يمكن أن يكون الإيمان باليوم الآخر عن طريق العقل، لأن كمال الخلق يدل على كما التصرف، لا يعقل لإله عظيم، قوي كريم، رحمن رحيم أن يدع عباده من دون حساب، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ( سورة المؤمنون الآية: 115 ) مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُخلق الإنسان عبثا، العبثية تتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود إله كامل وعادل، أو أن تؤمن بالعبثية، لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، هناك شر نسبي، موظف للخير المطلق، أما الشر مطلق فلا يوجد، لذلك: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 26 ) لم يقل: والشر. ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ لأن إيتاء الملك خير، وأحياناً يعد نزع الملك خيرا، خيراً للأمة، وخيرا لمن أدبه الله بهذا، والإعزاز خير، والإذلال خير. لذلك: يرى علماء التوحيد أنه لا يجوز أن تقول: الله ضار، والضار من أسمائه، بل ينبغي أن تقول: الله ضار نافع، خافض رافع، مذل معز، أي هو يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ )) [ رواه البخاري ] حينما تؤمن بكمال الله، ووحدانيته ترى أن الشر النسبي موظف للخير المطلق. معنى صيغ المبالغة الواردة في صفات الله تعالى: لذلك: ( الديان ) صيغة مبالغة، وماذا تعني المبالغة إذا ارتبطت بأسماء الله الحسنى تقول: غفور، وزن فعول من صيغ المبالغة، يعني يغفر أكبر ذنب، ويغفر مليون ذنب، يغفر كماً ونوعاً. إنّ صيغ المبالغة إذا تعلقت بأسماء الله الحسنى فتعني شيئين، تعني المبالغة في الكمّ، والمبالغة في النوع، فالله عز وجل ( ديان ) ، بمعنى أنه سيحاسب عن كل الذنوب مهما كثرت، و ( الديان ) سيحاسب عن أكبر الذنوب مهما كبرت، لذلك: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ( سورة الحجر ) النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من أحاديثه ورد في نصوصه اسم ( الديان ): (( أنا الملك، أنا الديَّان )) [ رواه أحمد عن أنيس رضي الله عنه ] (( والبر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل كما شئت، كما تدين تدان )) [ أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن أبى قلابة، وفي سنده ضعف ] العاقل مَن يعيش مستقبله: البطولة ألاّ تعيش الحاضر كشأن معظم الناس الغافلين، البطولة أن تعيش المستقبل، وفي المستقبل حساب دقيق: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ )) [ رواه أحمد في مسنده عن عائشة ] وسيدنا عمر يقول: << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟ >>. أرجح الناس عقلاً من خاف من الواحد الديان، أرجح الناس عقلاً من هيأ جواباً للملك العادل رب العالمين، أعقل الناس من عاش المستقبل، من عاش يوم الحساب. لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان: " لمَ نلت هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام ". والمؤمن الصادق قبل أن يعطي، قبل أن يمنع، قبل أن يغضب، قبل أن يرضى، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، قبل أن يطلّق، قبل أن يتّهم، قبل أن يفتري، قبل أن يضرب، قبل أن يفعل أيّ شيء نقول له: أعندك جواب لله عز وجل ؟ لو أن الله أوقفك يوم القيامة بين يده وقال لك: لمَ فعلت كذا ؟ منحتك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، لمَ فعلت كذا ؟ لمَ طلقت زوجتك ؟ لمَ أخرجت شريكك من الشركة ؟ لمَ ؟ لمَ لم تعتنِ بابنك ؟ كل شيء سوف نُسأل عنه، والبطولة لا أن تعيش الحاضر كما يعيشه معظم الناس، البطولة أن تعيش المستقبل. فلذلك أيها الإخوة، ما من إنسان أعقل ممن عاش اليوم الآخر، لذلك يجب أن ننقل اهتماماتنا نقلاً حقيقياً من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، يجب أن نُهيئ لكل سلوك جواباً له يوم القيامة. يقول لي أحدهم: أنا أعطيت ابني هذا البيت، أقول له: إذا كان معك جواب يوم القيامة فلا مشكلة أبداً، أنت مالِك، والمالك يهب، والهبة جائزة في الشرع، أما أحياناً تعطي عطاءً فيه محاباة، وفيه ظلم. فالبطولة قبل أن تفعل، قبل أن تتحرك، قبل أن تعطي، قبل أن تمنع، قبل أن تغضب، قبل أن ترضى، قبل أن تصل، قبل أن تقطع، هيئ لربك جواباً، هيئ جواباً ليوم الدين، وتقرأ في الفاتحة كل يوم: ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ والعقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه، ومِن نعم الله العظمى هذا الخيال، فالخيال يتيح لك أن تعيش المستقبل، الخيال يتيح لك أن تصل إلى المستقبل قبل أن تصل إليه بل إن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بيّن لك مشاهد من يوم القيامة. ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾ ( سورة الحاقة ) الخاتمة: إخوتنا الكرام، أزمة أهل النار في النار أزمة علم، والدليل: ﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ ( سورة الملك ) فإذا أردنا الدنيا فعلينا بالعلم، وإذا أردنا الآخرة فعلينا بالعلم، وإذا أردناهما معاً فعلينا بالعلم، والعلم لا يعطينا بعضه إلا إذا أعطيناه كلنا، فإذا أعطيناه بعضنا لم يعطِنا شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل، وطالبُ العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً. والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:37 AM | #26 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - الديان - 2 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( السابع العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( الديَّان ): أيها الإخوة الكرام، من أسماء الله الحسنى اسم ( الديان )، والديّان هو المُجازي، ويوم الدين يوم الجزاء. 1 – معرفةُ كونِ اللهِ ديَّانًا مُجازيًا تحمل العبد على الاستقامة: الله سبحانه وتعالى يعلم ويحاسب ويعاقب، ففي اللحظة التي يوقن فيها الإنسان أن أعماله كلها مسجلة عند الله عز وجل، وأن الله سيحاسبه وَفق موازين دقيقة جدا، وسوف يعاقبه، لابد من أن يستقيم الإنسان على أمره. 2 – الكون مَظهرٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى: الله عز وجل يقول: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ( سورة الطلاق ) هذه آية ذات أبعاد دقيقة جداً، علة خلق السموات والأرض أن نعرفه: ﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾ ( سورة الطلاق ) لذلك: التفكر في خلق السموات والأرض طريق لمعرفة الله، بل إن التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾ ( سورة الطلاق ) هذه اللام لام التعليل، هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى وعن صفاته: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ( سورة الطلاق ) الحقيقة أن أسماء الله الحسنى كثيرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ً، إِلاَّ وَاحِداً، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ )) [ متفق عليه ] وإحصاء الأسماء شيء، وعدُّها شيء آخر. ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ ( سورة مريم ) لذلك: اختار الله من بين أسماءه الحسنى اسمين فقط: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ( سورة الطلاق ) هذان الاسمان وحدهما يكفيان كي تستقيم على أمر الله، أي أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك. نوضِّح هذه الحقيقة بمثل: إنسان في المجتمع المدني يركب مركبة، وقد وقف على إشارة المرور الحمراء، وأمام هذه الإشارة شرطي يراقب، وشرطي على دراجة نارية يلاحق، وضابط المرور في مركبة أيضاً يشرف، وأنت مواطن من المواطنين، لا تمتاز عن غيرهم بأية ميزة، لا يعقل أن تتجاوز الإشارة، بل مستحيل أن تتجاوزها، لأنك موقن أن واضع قانون السير علمُه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة، وسحب الإجازة، ما دمت موقنا أن واضع قوانين السير علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يكمن أن تعصيه. وصدقوا أيها الإخوة، في اللحظة التي توقن بها أن علم الله يطولك، وأن قدرتك تطولك لا يمكن أن تعصيه، وحينما تعلم أن الله يعلم لن تعصِ أمره، لا يعصي أمره إلا من فقد عقله. بين العاقل والذكي: النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه في طرقات المدينة، فإذا بمجنون، فسأل سؤال العرف: (( من هذا ؟ قالوا: هذا مجنون قال: لا، هذا مبتلى، المجنون من عصى الله )) [ ورد في الأثر ] لذلك: ما كل ذكي بعاقل، ينبغي أن نفرق بين الذكي والعاقل، قد تملك أعلى اختصاصًا في العالم، وقد تكون متبحراً في هذا الاختصاص، بل قد تكون متفوقاً فيه، ومع ذلك ربما لا يكون صاحب هذا الاختصاص عاقلاً، قد يكون ذكياً، وليس عاقلاً، لأن الذكاء متعلق بالجزئيات، هناك اختصاصات نادرة، فيزياء نووية، فيزياء حركية، علم الحركة، كيمياء عضوية، هناك اختصاصات نادرة، في علم الفلك اختصاصات نادرة، فمن تبحر بهذه العلوم، وتفوق بها فهو ذكي جداً، أما إن كان لا يعرف ربه، إن لم يعرف سبب وجوده، إن لم يعرف غاية وجوده، إن لم يجب عن هذه الأسئلة: من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فلا يعد عاقلاً. فلذلك: هناك أمية عند العلماء، كيف ؟ قد يكون العالم متفوقاً في اختصاصه، لكن لأنه غفل عن الحقائق الكبرى التي ينبغي أن يعرفها فهو ليس بعاقل، إذاً نقول: ما كل ذكي بعاقل. وكما أن الطبيب قد يكون أمياً في شؤون الدين، قد يكون عالمُ الدين أمّيًّا في شؤون الطب. لابد من العلم بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى: إذاً: لا بد من علم يعد فرضاً عينياً على كل مسلم، لا بد من علم يجب أن يعلم بالضرورة. هذا المظلي قد يجهل شكل المظلة، ولا شيء عليه، يا ترى بيضوي ؟ مربع، مستطيل ؟ على شكل شريط ؟ وقد يجهل نوع قماشها، وقد يجهل عدد الحبال، وقد يجهل نوع الخيوط، قد يجهل معلومات كثيرة جداً، ولا تثريب عليه، أما إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً، فهذا المظلي له أن يجهل، لكن ليس له أن يجهل طريقة فتح المظلة. يجب أن نعلم أيها الإخوة، أن هناك علماً يجب أن يعلم بالضرورة، أحياناً يركب الإنسان مركبته، فيتألق على لوحة البيانات ضوء أحمر، إذا فهم هذا التألق تزينياً احترق المحرك، وتعطلت الرحلة، وكلفه إصلاح مركبته مبلغاً فلكياً، أما إذا فهم هذا التألق تألقاً تحذيرياً، فأوقف المركبة، وأضاف الزيت سلم المحرك، وتابع الرحلة. إذاً: الجهل قاتل، ومن الجهل ما قتل، هناك معلومات يمكن أن تستغني عنها، يحتاجها أولو الاختصاص، كيف أن في الدين دعوة إلى الله تعد فرضاً عينياً، وهناك دعوة تعد فرضاً كفائياً، والتبحر والتعمق والتفرغ فرض كفاية. ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 104 ) أما أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فهذا فرض عيني، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ ( سورة يوسف الآية: 108 ) إذاً: علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أن الله يعلم، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه، لذلك أعلى درجات الإيمان أن تعبده كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. لاحظوا أيها الإخوة، إذا كنت في حضرة إنسان محترم من أقاربك، له مكانة، فإنك تنضبط في حركاتك، وسكناتك، وفي ارتداء ثيابك، وفي نطقك، وفي اختيار كلماتك، وحينما تعلم أن الله يعلم فقد قطعت مرحلة واسعة جداً في معرفة الله. لابد من الإيمان الحقيقي بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى: لا شك أيها الإخوة أن معرفة الله من الأسماء الحسنى هي جزء من العقيدة، بل هي صلب العقيدة، ذلك لأن الشيطان في ظاهر الآيات قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ ( سورة ص الآية: 82 ) وقال: ﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ ( سورة الأعراف ) وقال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 12 ) كأن الشيطان في هذه الآيات آمن بالله خالقاً، وآمن به رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن باليوم الآخر، ولكن لأنه ما عرف أسماءه الحسنى، ولا صفاته الفضلى، ما عرفه، إذاً: ما عبده. لذلك يوم القيامة الآية الكريمة: ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ ( سورة الحاقة ) العظيم مركز الثقل في الآية، لأن أي إنسان يؤمن بالله، وقلّما يكفر أحد بالله، حتى الذين يعبدون الأصنام يقولون: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ ( سورة الزمر الآية: 3 ) فالإيمان بالله إيمانا بدائياً فطرياً عند كل الناس، لكنك إن لم تؤمن بالله العظيم لم تؤمن الإيمان الحقيقي. كيف أن الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾ ( سورة الأحزاب ) التركيز على كلمة ( كثيرًا )، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، المنافق يذكر الله، لكنه يذكره قليلا. إذاً: حينما يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾ ( سورة الأحزاب ) المطلوب الذكر الكثير، والإيمان بالله المطلوب منه أن تؤمن بالله العظيم. بالمناسبة أيها الإخوة، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا ينجي صاحبه، والإيمان باليوم الآخر الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً لا قيمة له إطلاقاً. كأن ثمة دائرة كبيرة جداً كل، من آمن بوجود الله ضمن الدائرة، حتى الإنسان المتفلت يخفف من تفلته في رمضان، معنى ذلك هو على شيء من الإيمان، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن بهذا المعنى الواسع، لكن الذي حمله إيمانه على طاعة الله دخل في دائرة ضمن دائرة. الدائرة الأولى: كل من أقر بوجود الله مؤمن. الدائرة الثانية: كل من حمله إيمانه على طاعته فهو مؤمن ناجٍ، لكن هذه الدائرة في مركزها الأنبياء والمرسلون المعصومون، والذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً خارج هذه الدائرة، وكل من أقر بوجوده هو داخل هذه الدائرة، وفي وسط هذه الدائرة كل من حمله إيمانه على طاعة الله دخل في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة الأنبياء والمرسلون. فلذلك: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾ ( سورة الطلاق ) عدم تلبية حاجات الروح نزولٌ إلى مرتبة الحيوان: لذلك أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يلبِّ هذه الحاجة العلية سقط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، قال تعالى: ﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾ ( سورة النحل الآية: 21 ) قال تعالى: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ ( سورة الفرقان ) قال تعالى: ﴿ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ ( سورة المنافقون الآية: 4 ) فالإنسان حينما يتخلى عن طلب العلم، حينما لا يعرف سر وجوده وغاية وجوده هبط عن مستوى إنسانيته، وفي الإنسان كما تعلمون حاجات عليا، وحاجات دنيا، نحن وبقية المخلوقات في الحاجات الدنيا سواء، لكن الإنسان ميزه الله بهذه الحاجة العليا، لذلك قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ ( سورة الرحمن ) أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ لا، الترتيب بالآية ترتيب رتبي، فلا جدوى، ولا معنى من وجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، لا جدوى لحياته. 3 – الديَّان يقيم الحُجّة على عقاب المذنب: إذاً: لتعلموا أن الله يعلم، وحينما تعلم أن علم الله يطولك، هو ( ديّان )، يقيم عليك الحجة والبرهان. الحاكم العادل يحاكم المذنب محاكمة أصولية، ويدينه بأخطاء ثابتة، فحينما يحكم عليه بعقاب أليم هذا العقاب مبرَّر، بطولة الحاكم أن يقدم له الدليل على أنه مذنب، هذا شيء، والقمع شيء آخر. لذلك الله عز وجل ( ديّان )، يعني يقيم على العبد المذنب الحجة. ﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ ( سورة الإسراء ) لذلك أيها الإخوة، حينما توقن أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه، إذا عرفت اسم ( الديان ). ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ( سورة النساء ) والله لو أُبلِغ إنسان أن خطه الهاتفي مراقب لحاسب نفسه حساباً غير معقول في أثناء حديثه بالهاتف، لو أُبلغ الإنسان أن حركته مراقبة لتحاشى أن يسير على رصيف فيه سفارة، على الرصيف الثاني فيه الاحتياط، فحينما يراقبك إنسان تنضبط أشد الانضباط، فكيف إذا كان الواحد الديان يراقبك ؟ ما من معصية يقترفها الإنسان إلا بسبب ضعف مراقبته لله، الله مع الإنسان، لذلك قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ ( سورة الحديد الآية: 4 ) قال علماء التفسير: ﴿ هُوَ مَعَكُمْ ﴾، لكن معية لطيفة، فلو رافقك رجلٌ مدّةً طويلة تخرج من جلدك، تقول له: دعني وشأني، لكن الله سبحانه وتعالى معنا، معك في بيتك. ﴿ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ ( سورة الإسراء ) ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ ( سورة الشعراء ) والله أيها الإخوة، ما من حال يسمو بالمؤمن كحال المراقبة . 4 – من لوازم الديَّان العلم وإقامة الحُجّة والحساب: الله ( ديّان )، أي يعلم، و( ديان ) يقيم عليك الحجة، و( ديان ) سيحاسب، لمَ فعلت كذا ؟ و( ديان ) سيعاقب، ثلاث كلمات لو تحققنا منها لما خرج أحد منا عن منهج الله، الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب. ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾ ( سورة الطلاق ) ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ( سورة الطلاق ) اختار من أسمائه اسم العليم والقدير، فعلمه يطولك، وقدرته تطولك. أنت مواطن عاديّ، والشرطي واقف، الإشارة حمراء، شرطي على دراجة نارية، ضابط في سيارة، مستحيل أن تخالف، لكن متى تخالف ؟ تخالف إذا سرت الساعة الثالثة ليلاً، ليس هناك شرطي، إذاً: علم واضع القانون لا يطولك، أو تخالف إذا كنت أقوى من واضع القانون، قدرته لا تطولك، هذا كلام دقيق، إذا أيقنت أن علم واضع القانون يطولك، وأن قدرته تطولك لم تعصِه. ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ( سورة الطلاق ) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ( سورة المؤمنون الآية: 115 ) لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع توهم العبثية. ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ( سورة المؤمنون الآية: 115 ) إنّ جامعة كلفت مبالغ طائلة، وما فيها امتحان ؟! هذا مستحيل ! كل هذه النفقات، وهذه العناية، والتدريس، والمخابر، والمحاضرات، والنفقات الباهظة، بلا حساب ؟ بلا امتحان ؟ ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ( سورة المؤمنون الآية: 115 ) لا يمكن أن يرتاح الإنسان لفكرة العبثية ولا للحظة. وقد بينت لكم من قبلُ أن أحد العلماء يرى أن الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي، لأنه لا يعقل، ولا يقبل أن يُخلق هذا الكون بهذه الدقة، وهذه العظمة، من دون يوم تسوى فيه الحسابات: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ( سورة المؤمنون الآية: 115 ) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى شيء آخر. ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ ( سورة القيامة ) هل من المعقول من وجودِ قوي وضعيف وتنتهي الحياة ؟ ولا شيء بعد الحياة ؟ غني وفقير ؟ ظالم ومظلوم ؟ مُستَغِل ومُستَغَل، قاهر ومقهور، هذا الذي يُرى في الأرض، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا )) [ أحمد ] لذلك أعظم شيء يعزي المؤمن أن الله سيحاسب الخلائق يوم الدين. أنت في سورة الفاتحة تقرأ: ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ( سورة الفاتحة ) يحاسب ويعاقب. 5 – من لوازم الديَّان خضوعُ الخلائق له: ( الديان ) هو الذي خضعت له الخلائق خضوع إقرار، وخضوع قوة. أحيانا يكون الإنسان قويا، لكن ليس معه حجة، هذا قمعي، و أحيانا معه حجة، ولكنه ضعيف، لا يستطيع أن يأخذ الحق من القوي إلى الضعيف. لذلك ربنا عز وجل قوي، والحجة قائمة منه على عباده. ﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾ ( سورة الأنعام الآية: 149 ) الله عز وجل ( ديان )، أخْضَع الخلائق لحسابه الدقيق، وخضعوا لقدرته، لذلك جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل، بهذه البساطة، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ ( سورة الزلزلة ) قال: كُفيت، آية واحدة اكتفى بها، فالنبي تأثر، قال: فقُه الرجل، وفقُه في اللغة لا تعني أنه عرف الحكم، تلك فقِه، أما فقُه أصبح فقيهاً، آية واحدة: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ ( سورة الزلزلة ) فقال: فقُه الرجل. وفي رواية ثانية أن أعرابياً آخر قال: يا رسول الله عظني وأوجز، فتلا عليه هذه المقولة: (( قلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ )) [ رواه مسلم عن سفيانَ بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ] لما قال: ثم استقم، قال: أريد أخف من ذلك، قال: إذاً فاستعد للبلاء، إن أردت أخف من ذلك فاستعد للبلاء، لأن الله سبحانه وتعالى عدل، ورحيم في آنٍ واحد. 6 – من لوازم الديَّان أنْ لا أحدَ يفلت من العقاب: شيء آخر: ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ ( سورة الأعراف ) المتانة صفة توصف بها الأشياء التي تقاوم قوى الشد، كقولك: حبل متين، وأمتن شيء في حياتنا الفولاذ المضفور، فالمصاعد والتليفريك والجسور كلها مربوطة بحبال من فولاذ مضفور، لأنه أمتن شيء، قال تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ ( سورة الأعراف ) هذا العاصي المتفلت مربوط بطريقة لا يمكن أن يتفلت من عقاب الله، والآية الكريمة: ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾ ( سورة الأنفال الآية: 59 ) معنى سبقوا ؛ أي لا يحسبن الذين كفروا أنهم يمكن أن يتفلتوا من عقاب الله، فالخلق كلهم في قبضة الله عز وجل، لكن الحبل مرخى، في أية لحظة يشد الله الحبل، والذي هدم سبعين ألف بيت في غزة في ثانية فقدَ الوعي والحركة، ولا يزال كما هو من سنتين، الإنسان في قبضة الله، في ثانية ينتهي كل شيء. لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته كما في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ )) [ مسلم ] إذًا: ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾ ( سورة الأنفال الآية: 59 ) أي أنهم تفلتوا من عقاب الله، أو أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله. خاتمة: إن والإنسان يخضع كما تعلمون، ويحب الكمال والجمال والنوال، يحب الكمال المطلق، ويحب الجمال، ويحب العطاء، وهي مجتمعة في ذات الله عز وجل، فهو كامل، ذاته كاملة، وهو محسن. ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ ( سورة الرحمن ) بقدر ما هو عظيم تجله، بقدر ما هو كريم تحبه. والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:40 AM | #27 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - المحسن - 1 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( الثامن العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( المحسن ): أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو اسم: ( المحسن ). 1 – ورودُ اسم ( المحسن ) في السنة النبوية: قد ورد هذا الاسم في السنة النبوية دالاً على كمال الوصفية مرادا به العلمية، فقد ورد عند الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله على وسلم قال: (( إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )) [ الجامع الصغير بسند حسن ] 2 – الإسلام أمَرَ بالإحسان مطلقًا: التعذيب ممنوع، لو رأيت عقربا يجب أن تقتله بضربة واحدة، أما أن تفنن في تعذيبه فهذا مناقض لمنهج الله عز وجل. وقد ورد من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ِ)) [ مسلم في صحيحه ] صورة نبوية لسيدنا إبراهيم في الإحسان إلى الضيف: أيها الإخوة، قضية الإحسان أن يأتي فعلك كاملاً، لو أنك دعوت إنسان إلى طعام فقد علّمنا القرآن آداب الدعوة، فقال عز وجل: ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾ ( سورة الذاريات الآية: 26 ) سيدنا إبراهيم راغ، أي انسلّ خفية، لم يستأذن الضيف في إحضار الطعام، لأن الضيف يستحي، لو عرضت على أن تأتيه بالطعام لتعفف، يقول لك: لست جائعا. لذلك من كمال أدب الضيافة ألاّ تستأذن الضيف في إحضار الطعام: ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾ ( سورة الذاريات الآية: 26 ) أي انسل خفية. ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ ( سورة هود) لم يكن إحضار الطعام متأخراً، جاء الطعام سريعاً، وهذا من كمال الدعوة، وجاء بطعام نفيس: ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ ( سورة هود) أي طيب. الآن: ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ ( سورة الذاريات الآية: 27 ) أحياناً يكون طبق الطعام بعيدا عن الضيف، يستحي أن يتمطى ليصل إليه، يجب أن تقرب له الطعام، وهناك إنسان أحياناً يضع الطعام أمام الضيف، أو يضع الفاكهة أمام الضيف، ولا يدعوه إلى تناول الطعام، حديث ممتع، أو حديث خطير، فالطعام أمامه، أو الفاكهة أمامه، ولا يقول له: تفضل، والضيف يستحي أن يمد يده قبل أن يدعى. ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾ ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ ﴿ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ ( سورة الذاريات ) كمال الإحسان في الدعوة ألا تستأذن الضيف، وأن يأتي الطعام سريعاً، وأن يكون الطعام طيباً، وأن يقرب الطعام إلى الضيف، وأن يدعى إلى تناول الطعام. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ كلمة إحسان واسعة جداً، الله عز وجل قال: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) الإحسان في خَلق الإنسان: جعل لك عينين، ولولا العينان لما أدركت البعد الثالث، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين، لكنك في العين الثانية ترى البعد الثالث، ترى العمق. وجعل لك أذنين، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت. وجعل العين في محجر لتكون في حرز حريز، وجعل الدماغ في صندوق عظمي بالجمجمة، وجعل النخاع الشوكي في العمود الفقري، وجعل أخطر معمل معامل الكريات الحمراء في نقيِ العظام. جعل الرحم في عظم الحوض. ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) وفي الشَّعر، جعل لكل شعرة وريدا، وشريانا، وعصبا، وعضلة، وغدة صبغية وغدة دهنية، وليس في الشعر أعصاب حس، من أجل أن تهذب شعرك من دون مستشفى، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يهذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى. ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) قرنية العين جعلها شفافة، إذاً: لابد من أن تغذى قرنية العين بطريقة فريدة، لا عن طريق الأوعية، بل عن طريق الحلول، من أجل أن تكون الرؤية شفافة شفافية مطلقة أودعت العين مادة مضادة للتجمد، لو أن ماء العين كان صاحبه في مكان الحرارة دون الصفر لفقد بصره، لكن أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد. أعظم هذا التصريف احترافية رقمية في ـ المليمتر ـ عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما في شبكية العين في المليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) الله ( محسن )، من أجل أن تفرق بين 8 ملايين لون، ولو درجت اللون الواحد إلى 800 ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين الدرجتين: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم، قد يحتاج الإنسان إلى متر مكعب من الوقود السائل طوال الشتاء، أما القلب فيضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم بلا كلل وبلا ملل. الحديث عن الجسم لا ينتهي، المعدة، الأمعاء الدقيقة، الكليتان، جهاز التصفية، العضلات الملساء والمخططة، الإرادية واللاإرادية، والأوعية، الشرايين عميقة، والأوردة سطحية، لو عكست الآية، وجُرح الإنسان لخرج دمه كله. حدثني طبيب جراح قطع معه في أثناء عمل جراحي شريان، أقسم لي أن الدم وصل إلى سقف الغرفة من الضغط، فالأوعية خارجية، أما الشرايين فعميقة. لو دققت في خلق الإنسان لوجدت العجب العجاب، حتى في الحواس الخمس. ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ ( سورة القمر ) كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته، جعل للبشر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه. ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ ( سورة القمر ) لذلك كلمة محسن تعني أنه محسن في خَلقه، محسن في التصميم، محسن في الأجهزة، محسن في الحواس، محسن في قوام الإنسان. هذا المفصل داخلي، أما الركبة فخارجة، تصور العكس، تصور لو لم يكن هذا المفصل كيف يأكل الإنسان ؟ يجب أن يأكل كالهرة تماماً، ينبطح ويتناول الطعام بلسانه من الطبق مباشرة. ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) الإحسان في خلق الفواكه: انظر إلى التفاحة بحجم مناسب، وبقوام مناسب، وبرائحة مناسبة، وبشكل مناسب، وبمحتويات مناسبة، فيها حديد، فيها سكر، فيها معادن، فيها كالسيوم، فيها مغنزيوم: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) 3 – معنى ( المحسن ): لذلك: ( المحسن ) شيء دقيق جداً، ( المحسن ) اسم فاعل من أحسن يحسن إحساناً، فهو محسن، والحسن ضد القبح، وحسن الشيء زينه، يعني تصور إنسان بلا جلد منظره لا يحتمل. تماماً كبيت على الهيكل، أما كسوة البيت، والطلاء، والنوافذ، والأرض، والأثاث: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) صوَرٌ من إحسان الله في مخلوقاته: تصور الإنسان بلا شعر، لكنه بشعر وجلد، والجلد متماسك، والأعضاء متناسقة، تصور الإنسان بلا جهاز توازن، يحتاج الإنسان إلى قاعدة استناد تزيد على سبعين سنتيمترًا حتى يبقى واقفا، أما بقدم صغيرة لطيفة تبقى متوازنا، فالتوازن سره في أجهزة التوازن، ففي الأذن ثلاث قنوات، فيها سائل، فيها أهداب، وأي ميل يبقى السائل مستوى يمس أهداب من جهة معينة، فتدرك أنت أن هناك خللا في التوازن، فتصحح الوضع، ولولا جهاز التوازن في الأذن لما استطاع الإنسان أن يقف إطلاقاً. ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) انظر إلى طعامك، لو أن المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص تنضج تباعاً كالفواكه، شيء لا يحتمل، تمسك سنبلة فتقول: يا ترى نضجت كي أقطعها ؟ المحاصيل تنضج في وقت واحد. لو أن الفواكه تنضج في وقت واحد لكان شيئا غير محتَمل ! حقل البطيخ يعطيك لتسعين يوما على مدى أشهر الصيف، كل الفواكه والخضروات تنضج تباعاً، ولو أن كل الفواكه يبدأ نضجها في وقت معين لكان الأمرُ صعبًا، لكن تبدأ بفاكهة، بعد شهر فاكهة ثانية، آخر شيء العنب في الخريف، قبله التين، قبله الإجاص، قبله الدراق، قبله الكرز، أيضاً الفواكه موزعة في الصيف توزيعا مريحا، على مدى الصيف، كل أسبوعين أو ثلاثة أو شهر ينضج نوع من الفاكهة، هذا من الإحسان. البقرة تعطيك من الحليب ما يفوق ثمن الطعام، لو أنها تعطيك من الحليب أقلّ من ثمن الطعام فلا أحد يقتني بقرة، لو أن الدجاجة تعطي في الشهر بيضة واحدة لكانت مكلفة، وأصبحت غير اقتصادية، كل يوم لها بيضة، وطعام الدجاج لا يساوي الإنتاج الذي ينتجه من البيض، وهذا من الإحسان. لو أن هذا الفكر بدأ يجول في خلق الله عز وجل لتعرف على الله، لذلك أرقى عبادة هي التفكر: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ( سورة آل عمران ) صفة الإحسان تتجلّى في جهاز المناعة المكتسب: أنت معك جهاز مناعة عبارة عن جيش بكل معاني الكلمة، فيه خمس فرق: فرقة الاستطلاع، فرقة مهمتها استخبارية فقط، يدخل الجرثوم إلى الجسم فتتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات، وتأخذ شفرة الجرثوم ولا تقاتله، تأخذ هذه الشفرة إلى مركز صنع المصول، إلى مركز معامل الدفاع في العقد الليمفاوية، وتعطي العقد تركيب الجرثوم، وصفاته الكيماوية، هذه المراكز معامل أسلحة تصنع المصل المضاد لهذا الجرثوم، المعامل أو العقد الليمفاوية تشكل معامل للسلاح، والفرقة الاستطلاعية تشكل جهاز المخابرات في الجسم، وهناك فرقة المقاتلين، وهي الفرقة الثالثة، هذه الفرقة تحمل المصل المضاد، وتتجه إلى الجرثوم فتقاتله، وينشب بينهما قتال، وقد ينتصر الجرثوم، وربما لا ينتصر. عندنا فرقة رابعة، وهي فرقة الخدمات، هذه الفرقة تنظف أرض المعركة، وتدفن الجثث، وأحياناً يرى الإنسان كتلة بيضاء في جلده، هذه أثر معركة بين الجراثيم وكريات الدم الحمراء، هذا تصميم من ؟ هناك فرقة أخرى خامسة، وهي فرقة تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها، وفي الإنسان ملايين الخلايا السرطانية، لكن لكل خلية سرطانية قامع يمنعها أن تكون فعالة، وهناك أشياء تفك هذا القامع، الشدة النفسية، والمواد البترولية، والمواد البلاستيكية، والإشعاع النووي هذه أسباب السرطان، فجهاز مناعة مكتسب جهاز مذهل. الدماغ موضوع في صندوق عظمي، بين الدماغ والصندوق سائل، هذا السائل من أجل امتصاص الصدمات، لو أن طفلا وقع على رأسه هذا الاهتزاز الشديد السائل يوزعه على كامل مساحة الدماغ، يبقى الطفل سليماً. التفكر في خلق السموات والأرض يجعلك تقف أمام عظمة الله عز وجل، وأمام الإحسان. لذلك الله عز وجل يصف نفسه عن طريق نبيه بأنه محسن كاسم، أما كفعل: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) كمعنى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) في أكمل حالة. إحسان الله يتجلى في عظام الإنسان: في خلق الإنسان شيء عجيب، مثلاً: الخلية العظمية هذه تنمو، فإذا وصل الإنسان إلى المستوى الكامل يقف النمو. من أسماء الله عز وجل ( القابض ) و (الباسط )، يقف النمو، وتنام الخلية العصبية، وبعد سبعين سنة من نومها إذا حصل كسر تستيقظ كي يلتئم العظم، هذا صنع مَن ؟ قدرة مَن ؟ العظام متينة جداً، أنت ماذا تأكل ؟ تأكل الحديد، فإذا به عظم، عنق الفخذ يتحمل قوة ضغط تساوي تقريباً 250 كغ، كل عنق فخذ يتحمل ربع طن، العنقين نصف طن، هذا العظم المتين من أين جاءته المتانة ؟!. ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الكون، الأول الماس، بعده ميناء الأسنان، من أين جاءت هذه ؟. أيها الإخوة، هذا من كمال خلق الله: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) 4 – ينبغي لك أن تكون محسنًا: الآن أنت أيها الإنسان، من أجل أن تتخلق بكمال مشتق من كمال الله ينبغي أن تكون محسنا، لذلك قال الله عز وجل: ﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ( سورة لقمان الآية: 22 ) كما أن الله محسن إليك، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، ينبغي أن تكون محسناً، وكلمة محسن هي ألصق صفة بالإنسان المؤمن، محسن في كلامه، فلا بذاءة، ولا تهجم، ولا سخرية، ولا فحش، ولا طرف قبيحة محرجة تُحمّر الوجه، بل الكلام منضبط، محسن في تصرفاتك، محسن في زيارتك، محسن في قيادة مركبتك، محسن في تنظيم عملك. 5 – الإحسان صفة جامعة شاملة: الإحسان صفة الواحد الديان، وكل إنسان مؤمن ينبغي أن يشتق هذه الصفة من الله عز وجل، محسن في تربية أولاده، محسن في علاقاته، محسن في مواعيده، محسن في دعواته، محسن في أفراحه، محسن في أحزانه، الإحسان صفة جامعة مانعة، فكما أنك تكتشف إحسان الله من خلال خلقه، يجب أن تكون أنت محسناً تجاه الخلق. الزوج يجب أن يكون محسناً لزوجته: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ( سورة النساء الآية: 19 ) محسن في تربية أولاده: (( علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف )) [ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أبي هريرة ] محسن في عمله، عمله متقن. (( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه )) [ الجامع الصغير بسند حسن عن عائشة ] أنا لا أصدق أن هناك صفة شاملة إلى درجة لا تصدق، هناك إحسان في الكلام، إحسان في المعاقبة، اتق الوجه، أردت أن تؤدب ابنك فاتقِ الوجه، لأنه كرامة الإنسان، فالنبي نهي عن ضرب الوجه، هناك ضرب معتدل، ليس القصد إيقاع الألم الشديد، القصد لفت نظره. مرة النبي الكريم أرسل غلاما في حاجة، وتأخر كثيراً، فغضب، النبي بشر، معه سواك، قال له: (( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك )) [ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أم سلمة ] محسن في تربية أولاده، إذا كنت مدير مؤسسة فكن محسنًا في معاملة الموظفين. كلمة ( محسن ) واسعة اتساعا يفوق حد الخيال، الاحتفال فيه إحسان، وأحيانا يكون الاحتفال في أربع ساعات، والله فيه إساءة، والوقت ثمين جداً، أما احتفال منظم في ساعة ونصف فيه إحسان خيرٌ، وهناك تعزية ما فيها إحسان، في بعض البلاد التعزية تقريباً عشرين ساعة بغير كلام، ولا قرآن، كلام فقط، حديث عادي. قضية الإحسان تشمل الأفراح والأتراح، وتربية الأولاد، حتى في الثياب إحسان، ثياب نظيفة، ألوانها متناسقة، بسيطة، ما فيها تعقيدات، حتى في مكان عملك فيه نظام، ونظافة، وترتيب بالدكان، هذا أيضاً إحسان. في علم النفس تعلّمنا أن هناك صفات وسمات، السمات عميقة جداً، مثلاً: سما، والضبط يظهر في مواعيد مضبوطة، والضبط يظهر في هندام منضبط، والضبط يظهر في مشروع منضبط. الآن هناك برامج كمبيوترية، يمكن أن تبدأ بالبناء فما تضيع ثانية، الموضوع مدروس دراسة دقيقة جداً، كل شيء يحتاج إلى جفاف، وإلى استواء، يعطيك ماذا تفعل من أجل أن لا تضيع ثانية واحدة، والإنسان كلما تقدم صان وقته، وأدار وقته. هناك إحسان يكون في إدارة في الوقت، أحياناً إلغاء الروتين إحسان، تخفيف الأعباء على مواطن إحسان، هذا يشمل الأنظمة التي تنظمها الدولة، أحيانا تجمع حاجات المواطنين في بناء واحد، هذا إحسان. كلمة إحسان واسعة بشكل غير معقول، يمكن أن تكون محسناً في كلامك، وفي تصرفك، وفي تربية أولادك، وفي معاملتك لزوجتك، وفي عملك، وفي أفراحك، وفي أتراحك، في كل شيء. إن الله كتب الإحسان على كل شيء، والمؤمن محسن، والمؤمن يشتق هذه الصفة العالية من الله عز وجل: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 180 ) أي تقربوا من الله بكمال مشتق من كمالات الله. والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:42 AM | #28 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - المحسن - 2 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( الثامن العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علنا، وارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين. من أسماء الله الحسنى: ( المحسِن ): 1 – إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ: أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع اسم الله ( المحسن )، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) حتى لو قتلت حية، أو قتلت عقرباً. (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) 2 – الحسنى هي الجَنة، لأن فيها كمال مطلقٌ: أيها الإخوة، الإنسان خُلق للجنة. ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ ( سورة الليل ) صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه الدنيا دار أعداد، دار تكليف، سمّى الله الجنة ﴿ ِالْحُسْنَى ﴾، لأن فيها الكمال المطلق. ﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾ ( سورة ق الآية: 35 ) أما الدنيا فطبيعتها الكدح. ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ ( سورة الانشقاق ) نظام الدنيا شيء، ونظام الآخرة شيء آخر، نظام الدنيا هي دار تكليف، نظام الآخرة دار تشريف، نظام الدنيا دار عمل، نظام الآخرة دار جزاء، الحسنى مبنية على قوله تعالى: ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ ( سورة ق الآية: 35 ) أي شيء تطلبه وأنت في الجنة هو بين يديك: ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ ( سورة ق الآية: 35 ) لأن الإنسان دفع ثمن الجنة في الدنيا، في الدنيا أودع الله فيه الشهوات، أعطاه الاختيار، سخره له ما في السموات وما في الأرض، فيه قبضة من قبضات الأرض، وفيه نفخه من نفخات الله، فلذلك عندما تنجح في الدنيا تستحق الجنة. ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ ( سورة يونس الآية: 26 ) فالذي صدق أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله، ويبني حياته على العطاء. المكذِّب بالحسنى مؤمن بالدنيا فقط: لو سألتني عن فرق صارخ بين المؤمن وغير المؤمن فإن المؤمن حياته مبنية على العطاء، قمة سعادته في أن يعطي، لا أن يأخذ، وغير المؤمن قمة سعادته في أن يأخذ. لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ ( سورة يونس الآية: 26 ) ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ ( سورة الليل ) الذي كذب أنه مخلوق للجنة، واعتقد أنه مخلوق للدنيا استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، وأنت ببساطة يمكن أن تكتشف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، فإذا أسعدك أن تأخذ، وتتوهم أنك ذكي جداً حينما تأخذ ما ليس لك فأنت من أهل الدنيا، وتسمى عند الناس ذكيًّا، أما إذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة. إذاً: الحسنى هي الجنة، ثمن الجنة: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ ( سورة يونس الآية: 26 ) 3 – ينبغي للمؤمن أن يتحلى بصفة الإحسان: كما أن الله محسن ينبغي أنت أيها المؤمن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال، أي يكون عملك مشمولاً بالإحسان، فإن أعطيت فأعطِ دون أن تمن، وإنْ عاقبت فعاقب دون أن تحقد، وإنْ عملت فاعمل عملاً متقناً، وإن زرت فكن متواضعاً، لا تصغر دنيا هذا الإنسان في نظره، انقله إلى الآخرة. 4 – الإحسان شامل لكل شيء: قضية الإحسان لا أعتقد أن شيء أوسع منها، يمكن أن تحسن وأنت، تعاقب أن تحسن وأنت تمنع، أن تحسن وأنت تعطي، أن تحسن وأنت تقاتل: (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) حتى ولو قتلت حيواناً مؤذياً أمرك الله بقتله فينبغي ألاّ تعذبه، هذا شأن المؤمن. إن المؤمن يحترم أن تكون السمكة في أعلى درجة الحركة، ثم يأخذ أحشاءها وينظفها، قبل أن تثبت وتموت، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ ( سورة الحج الآية: 36 ) بعد أن تخرج روحها تماماً، وتستقر، وتثبت الآن نظفها: (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) 5 – وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ أيها الإخوة، الآن الآية الكريمة: ﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ ( سورة النساء الآية: 125 ) المعنى دقيق جداً، لن تستطيع أن تقبل على الله إلا إذا كنت محسناً، يقول لك أحدهم: لا أخشع في الصلاة، إن كنت محسناً تخشع في الصلاة. ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ ( سورة البقرة ) الذي استقام على أمر الله، وخضع له في الصلاة يشعر بهذه الصلة، الصلة لها ثمن: ﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ ( سورة النساء الآية: 125 ) المؤمن الخشوع سهل عليه، والركوع سهل عليه، لأنه أحسن في كل أعماله. 6 – الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (( الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ )) [ مسلم عن أبي هريرة ] لاحظ نفسك إن جاءك ضيف مِن علية القوم، ضيف محترم جداً، فهو على فهم، وعلى علم، وعلى قوة، وعلى تفوق، وعلى أخلاق، جاءك زائراً هل يعقل أن تجلس أمامه بثياب غير متبذله ؟ هل يعقل أن تجلس أمامه، وتضع رجلاً على رجل ؟ لا تستطيع، هل يعقل أن تجلس أمامه وتعبث بالسبحة، لا تستطيع، هل يعقل أن تقول كلاما لا يليق ؟ لا تستطيع. أنت أمام إنسان من علية القوم تضبط كلامك، تضبط جلوسك، تضبط ثيابك، تضبط حركتك، وهو إنسان دخل إلى بيتك فتلاقيه بالنظر إلى جهة واحدة، لأنه ليس من أدب الضيف أن يزيغ البصر عنه. ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ ( سورة النجم ) لذلك الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. وأنا أقول لكم أيها الإخوة: أفضل حالة من حالات المؤمن أن تشعر أن الله معك لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) [ الترمذي] الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا حال المراقبة. والله أيها الإخوة، هناك آيات في كتاب الله تكفي: ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ( سورة النساء الآية: 1 ) تفعل هذا مع إنسانْ مثلِك فكيف برب العالمين ؟!! أنت مع إنسان، لو وصل إلى سمعك أنك مراقب مِن قِبَل إنسان فإنك تضبط حركتك، إذا مشيت على رصيف وإلى جانب هذا الرصيف سفارة تنتقل إلى الرصيف الآخر، لأنك مراقب، هذا شأن المراقب. حينما تشعر أن الله معك، وأن الله يراقبك، هذه درجة من الإيمان عالية جدا، هذه الدرجة تقتضي الانضباط، وحينما تشعر أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، ولا يمكن أن تعصيه، بل تكون عندئذٍ محسناً. وقد ضربت لكم من قبل هذا المثل: إنسان مواطن من الدرجة العادية أو الدرجة الثانية، وقف عند الإشارة الحمراء، والشرطي واقف، والضابط واقف، وشرطي آخر على دراجة واقف، فالأول يضبطه، فإذا خالف يلحقه الثاني، والثالث لئلا يتواطأ هذا الشرطي مع هذا المواطن، وهو من الدرجة الثانية هل يعقل أن يخالف ؟ مستحيل، مع إنسان وضع قانون السير لا يمكن أن تخالفه، لأنك موقن أن علمه يطولك، عن طريق هذا الشرطي، وعن طريق الشرطي الثاني، وعن طريق الضابط في السيارة، وأن قدرته تطولك، تسحب منك الإجازة، وتصادر السيارة، مثلاً، أنت مع إنسان من بني جلدتك، لكن علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، لكن بحسب الواقع في إنسان يخالف الإشارة في الساعة الثالثة ليلاً، لأنه علم واضع القانون لا يطوله، وقد يخالفها في رابعة النهار، إذا كانت قدرة واضع النظام لا تطوله، إن طالك علمك أو طالتك قدرتك فلا يمكن أن تعصيه، أما إن توهمت أن علمه لا يطولك، وأن قدرته لا تطولك فإنه يمكن أن تعصيه، فكيف مع خالق السموات والأرض ؟ لا تخفى عليه خافية. ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾ ( سورة غافر الآية: 19 ) كتوضيح لهذه الآية: طبيب أمامه مريضة، وقد سمح له الشرع أن ينظر إلى مكان المرض، لو اختلس نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه، ليس في الأرض كلها جهة يمكن أن تضبط هذه الخيانة، إلا الله، فإنه: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾ ( سورة غافر الآية: 19 ) فهو مطّلع عليك، تتكلم يسمعك، تتحرك يراك، تضمر شيئاً يعلمه، لا تخفى عليه خافية، هذا مقام الإحسان، حينما تشعر أن الله معك، لكن معك بلطف، سميع بصير عليم، سميع إذا تكلمت، بصير إذا تحركت، عليم إذا أضمرت، مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هو محسن في كل شيء، الدليل: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) صورٌ من إحسان الله في مخلوقاته: هذا الفرخ الذي في البيضة، ينشأ في منقاره نتوء مؤنف حاد يكسر بهذا النتوء البيضة، فإذا خرج منها ضمر هذا النتوء، هل هناك من إحسان أدق من ذلك ؟ في منقار الصوص، وهو في البيضة، كيف يخرج منها، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة تماماً من أجل أن يكسرها، يكسر القشرة بهذا النتوء، فإذا خرج من البيضة ضمر هذا النتوء، وتلاشى. في طحال الرضيع كمية حديد تكفيه عامين، الحليب ليس فيه حديد: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) قرنية العين شفافة، تنفرد بنظام تغذية خاص، تتغذى لا عن طريق الشعريات، بل عن طريق الحلول: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) الماء بدرجة زائد أربع يتمدد، ولولا تمدده لما كان هذا الدرس، ولما كانت هذه البلدة، ولما كان إنسان على وجه الأرض: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) الصقر يرى ثمانية أمثال رؤية الإنسان، يرى طعامه في الماء وهو في أعالي الجو، الإنسان يرى، أما الصقر فسوف يغامر، ويسقط من أعالي السماء ليأكل، فإذا لم يكن بصره حادًّا يرى طعامه على سطح الأرض وهو في أعالي السماء لا يكون خلقه حسنًا. الحديث عن الآيات التي تؤكد أن الله ( محسن ) لا تنتهي: هذا الصوان، هذه السطوح، والتجاويف لتغطي كل الاتجاهات، أي صوت يتعامد مع سطح من سطوح الصوان بالأذن، لو أن ثقب الأذن كان أوسع بقليل فإن الطفل دون أن يشعر يخرق غشاء طبله، لكن ثقب الأذن أضيق من أي إصبع، بل من أصغر إصبع. أحيانا يحمل إنسان ابنه، الأربطة هنا مدروسة بشكل أنها تحمل جسم الطفل، وقد يكون الأب غضبان فيحمله بعنف، الوزن تضاعف، وأحيانا تقتني محفظة تملأها بالأغراض، وتحملها فتنخلع يدها، يقول لك: صناعة غير متقنة، كيف أن الإنسان مدروس، وأن وزنه متناسب مع متانة الأربطة التي في ذراعه: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) 7 – إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ لذلك أيها الإخوة، الآن عندنا أمر: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ ( سورة النحل الآية: 90 ) أنت مأمور بالعدل، ومأمور مع العدل بالإحسان، فأحياناً المشكلة تحل بالإحسان لا بالعدل، فلان ليس له عندك شيء، هذا صحيح، لكنه بحاجة إلى مساعدتك، فأنت حينما تفهم هذه الآية يمكن أن تحل بهذه الآية آلاف المشكلات، القضية التي لا تحل بالعدل يجب أن تصرفه، يجب أن تدمره، يجب أن تفضحه، أما بالإحسان فيجب أن تعينه على الشيطان. لذلك التوجيه الدقيق أن تعين أخاك على الشيطان، لا أن تعين الشيطان على أخيك، بالإحسان طبعاً. أحيانا يكون للإنسان جار سيئ جداً، يستطيع أن يقطع لسانه، لا بالمقص، بل بالإحسان، الإحسان يسكت، وأنا أنصح إنسانا عنده جار سيئ أن يقدم له هدية، تجد الأمور كلها انضبطت، من يقطع لسانه ؟ مَن يحسن إليه حتى يسكت ؟ بالبر يستعبد الحر. والله أيها الإخوة، موضوع الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته. سمعت عن قاضٍ أمر يحجز حرية إنسان، والمحامي طلب إطلاق سراحه، ما استجاب القاضي ولم يقتنع، قدم طلبا ثانيا، وطلبا ثالثا، وطلبا رابعا، وطلبا خامسًا، القاضي ما استجاب، فموكِّلو المحامي عزلوه، وعينوا محامياً جديداً، القاضي بعد أن عُين محامي جديد بدا له أن يطلق سراحه، فإن أطلق سراحه يسقط الأول ويتألق الثاني، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلب إخلاء سبيل حتى أخلي سبيله، ما قَبِل أن يخلي سبيله إلا بطلب من المحامي السابق، هذا منتهى الإحسان، وقد كان غير قانع بإطلاق سراحه، ما استجاب لخمس طلبات، أما لما بدا له وهو يطلق سراحه عيِّن محامٍ جديدٌ، سوف يصول ويجول، ومن أول طلب أطلق سراحه، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلبا لإطلاق سراحه حتى أطلق سراحه. الإحسان أن تفكر، وقد تكون ابتسامة في غير مكانها فيها إساءة، أو جلسة فيها كِبر، أو سؤال، ماذا قدم لك زوجك في العيد ؟ هو يحبها وهي تحبه، وزوجها فقير، ضعضعها وحجّمها بسؤاله، وأربكها، ثم هي تألمت لأنه ما قدم لها شيئًا فعلاً، هذا سؤال محرج. أينما دخلت يجب أن تحبّب الناس بالله عز وجل، لا أن تكرههم بحياتهم. والله مرة أذكر أني دخلت بيتا بحجم غرفة الضيوف، غير معقول إطلاقاً، لا مكان للجلوس، فخجل صاحب البيت، قلت له: بالعكس، سيد الخلق وحبيب الخلق غرفته لا تكفي لصلاته و نوم زوجته، وهو قمة البشر، فاستبشر. إذا زرت أختك يجب أن تمتّن علاقتها بزوجها، عن طريق الثناء على زوجها، على أخلاقه، لا على دخله، لا تقل: كم دخله ؟ ما يكفيكم هذا المبلغ، هذا عدم إحسان، الإحسان أن تلاحظ نفسك على الخطرة، على النظرة، على الكلمة، على الابتسامة، أحياناً ابتسامتك تكون إساءة. (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ ( سورة يونس الآية: 26 ) ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ ( سورة التغابن ) النبي علّمنا أنك إذا وقفت أمام المرآة، ورأيت خَلقك سليماً فقل: (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) [ أحمد عن ابن مسعود ] هناك عاهات، ودمامة أحياناً، ومشكلة، وعضو مبتور، (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) 8 – فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ قال تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ( سورة المؤمنون ) غسيل الدم بالأجهزة الصناعية يحتاج إلى ساعات، أعتقد 6 ساعات، كل الأسبوع ثلاث مرات، وفي كل مرة تغرز إبرةٌ في مكان معيَّن، لكن الله هيأ لك كُلية حجمها كالبيضة تعمل بلا صوت، وبلا تعب، وبلا مشقة، وبلا أجر، وتصفي تصفية تامة. سمعت من أحد الأطباء أن الكلية الواحدة فيها عشرة أضعاف حاجتك، والكليتان عشرون ضعفا، هذا احتياط، لذلك يمكن أن يستغني الإنسان عن إحدى كليتيه: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) هذه الآية تدور مع الإنسان، مع خلق الإنسان، مع حاجاته، مع طعامه، مع شرابه. ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾ ( سورة الطارق ) اللقاء الزوجي بحاجة إلى حوين واحد، وأحيانا الزوج يفرز من 300 مليون إلى500 مليون حوين: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ( سورة المؤمنون ) كم مِن خالق ؟ خالقٌ واحدٌ، لكن سمّى الصانع خالقا مَجازاً. وزانْ بين غسيل الكلية الصناعية والكلية الطبيعية، وازن بين آلة التصوير التي فيها في الميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، وبين عينك التي في الميليمتر في الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، في الشبكية في كل مليمتر مربع فيها 130 مليون عصية ومخروط، عصيات ومخاريط، للون الأبيض والأسود، والألوان، لذلك أنت تفرق بين 8 ملايين لون. ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ ( سورة السجدة الآية: 7 ) ﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ ( سورة يوسف الآية: 23 ) جعلك من أبٍ، هذه نعمة كبيرة، لك أبٌ معروف، لك أم طاهرة شريفة، عندها أولاد، بيتك مستقر، هذه من نعم الله الكبرى. 9 – وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ لذلك الآية الكريمة: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) أي شيء آتاك الله إياه ينبغي أن يوظف للآخرة كيف ؟ قال: ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) لا تنس المهمة التي آتيت من أجلها. ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) هذا أمر آخر: ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) الله عز وجل صبر عليك حتى اهتديت، فإذا كان عندك زوجة لم تستقم على أمر الله فاصبر عليها، لا تأخذها بالعنف، الله كان حليما عليك، كيف أن الله صبر عليك، فاصبر عليها، كيف أن الله ذكرك فذكّر الآخرين. ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ ( سورة القصص الآية: 77 ) والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:44 AM | #29 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - الشافى - 1 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( التاسع العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( الشافي): أيها الأخوة الأكارم، الاسم اليوم " الشافي " ورد هذا الاسم في الحديث الشريف الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا عاد مريضاً يدعو له ويقول: ((اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً )) هذا الاسم أريد به العلانية، ودلّ على كمال الوصفية، وجاء معرف بأل. ولكن لا بد من مقدمة كي تتضح ماذا تعني كلمة الشافي ؟. حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ولكن لحكمة بالغة حرك الله شيئين الصحة والرزق: أيها الأخوة، بادئ ذي بدء: الله سبحانه وتعالى قنن القوانين في الكون، ثبت القوانين، وكأن القانون علاقة ثابتة بين متغيرين، ولولا القوانين ما استقرت الحياة، ولا انتظمت الدنيا، فخصائص المعادن ثابتة، خصائص البذور، دورة الأفلاك ثابتة، أقول ولا أبالغ: مليارات القوانين ثابتة، لمئات ملايين السنين، يمكن أن يقال لك بحساب فلكي دقيق أن الشمس تشرق في عام ألفين و ثمانين في السادس عشر من شباط الساعة الخامسة وأربع دقائق مثلاً. إذاً الله عز وجل ترسيخاً للنظم، وإراحة للناس، وتطميناً لهم ثبت القوانين، تنشئ بناء ضخماً من الاسمنت المسلح، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء، تشتري سبيكة ذهبية، لو أن الذهب غيّر خصائصه، لخسرت ثمنها، تزرع بذرة معينة تنتج كما زرعت، حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة، وهذه من رحمة الله بنا، ولكن لحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله حرك شيئين، حرك الصحة، وحرك الرزق، قد تأتي الأمطار كثيرة وقد تشح السماء، قد ينعم الإنسان بصحة، وقد يفقد صحته. تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز: السؤال الآن: أنه كان من الممكن أن لا يمرض الإنسان إطلاقاً، أوضح مثل: قد تقتني طاولة في بيتك في غرفة الضيوف، مهمتها أن يضع الضيف عليها كأسا من الماء، وقد يقف عليها الإنسان فتحمله، ما معنى ذلك ؟ كأس الماء لا يزيد وزنه عن مئتي غرام، وقد يقف عليها إنسان، وإنسانان، وثلاثة، وتحملهم، معنى ذلك أن الاحتياط فيها مئات الأضعاف، لو كان في الإنسان لكل جهاز ألف ضعف احتياط ألغي المرض كلياً. والدليل: أن تفجيراً نووياً كان في الصحراء في أفريقيا، التفجير لصالح فرنسا بعد التفجير (والتفجير كما تعلمون ماحق من الضغط، ومحرق من الحرارة)، رؤوا عقرباً يمشي في أرض التفجير، أجريت عليه بحوث لعشرات السنين، تبين أن العقرب يستطيع أن يعيش من دون طعام وشراب ثلاث سنوات، ويستطيع إذا غمسته في الماء أن يبقى حياً ثلاثة أيام، من دون هواء، ويتحمل من الإشعاع النووي ما يزيد ثلاثمئة ضعف ما يتحمله الإنسان ولو نقلته من حرارة الصحراء 60 فوق الصفر، إلى 10 تحت الصفر لم يتأثر، كان من الممكن ألا يكون مرضاً على الإطلاق، وكان من الممكن ألا يكون شح السماء على الإطلاق لأن بعض العلماء كشفوا في الفضاء الخارجي البعيد سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة كل يوم بالمياه العذبة، فإذا قنن الله الأمطار فالتقنين تقنين تأديب لا تقنين عجز. ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ ( سورة الحجر ) الإنسان حينما يغفل عن الله يدفع ثمن أخطائه باهظة و يؤدبه الله في الدنيا قبل الآخرة: إذاً كان من الممكن أن لا يكون هناك مرض إطلاقاً، وكان من الممكن ألا يكون نقص في الرزق إطلاقاً، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون هناك تقنين رزق، وأن يكون هناك تأخر صحة، ولعل الصحة والرزق، والإنسان حريص على صحته، وعلى رزقه حرصاً لا حدود له، لعل في هذا تأديباً لنا، لماذا ؟ لأن الإنسان خُلق لجنة عرضها السموات والأرض وجيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة، جيء به إلى الدنيا ليعبد الله، جيء به إلى الدنيا ليتحرك لمنهج الله، ما أودع الله فيه شهوة إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، ليس في الإسلام حرمان، ولكن في الإسلام تنظيم. الإنسان حينما يغفل عن الله، ويتحرك بدوافع شهواته، بعيداً عن منهج الله، يقع في شر عمله، يدفع ثمن أخطائه باهظة، ولأن الله رب العالمين، ولأنه خلقه لجنة عرضها السموات والأرض، يؤدبه في الدنيا، هو رب. سأوضح معنى كلمة رب: قد تكون مدير لمؤسسة، وتعين موظفاً، وتشترط عليه التجريب لستة أشهر، أنت كمدير مؤسسة، وعندك موظف مهمتك في هذا الوقت أن تحصي عليه أخطاءه، فإذا تفاقمت اعتذرت عن تعيينه في المؤسسة، لو أن ابنك في المؤسسة كلما أخطأ نبهته، كان موقفك إحصاء أخطاء صار الموقف مع ابنك تقويم أخطاء. الله عز وجل رحيم بعباده فإذا أخطؤوا يؤدبهم إما برزقهم أو بصحتهم: لأن الله رحمن رحيم، ولأن الله رب العالمين، فإذا أخطأ العبد أدبه، أدبه إما بصحته، أو أدبه برزقه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 96 ) ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ ( سورة الجن ) الآيات واضحة جداً. ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ ( سورة المائدة الآية: 66 ) إذاً الله عز وجل يؤدب عباده بتقنين الرزق، قد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية. وفي موضوع يعالج في وقت آخر إن شاء الله كيف يزداد الرزق ؟ يزداد بالاستغفار، بإقامة الصلوات، بصلة الرحم، بالتصدق، بالأمانة... إلخ. المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان: أيها الأخوة، إذاً كان من الممكن أن نمرض، لو أن الله سبحانه وتعالى جعل في كل جهاز من أجهزتنا، وفي كل عضو من أعضائنا احتياطات كبيرة جداً، الطاولة في البيت تُستخدم لوضع كأس ماء، وقد يقف عليها إنسان وزنه ثمانين كيلو، وتحمله، إذاً كأس الماء مئتي غرام وزن الإنسان 80 كغ، كم احتياط يوجد ؟ ثلاثمئة احتياط، لو أن كل عضو في جسم الإنسان أخذ هذا الاحتياط الكبير ألغي المرض إطلاقاً، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء لنا أن نمرض ليكون المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان، لأن الإنسان بحسب فطرته حريص على وجوده وعلى رزقه. خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ولكن أخطاء الإنسان تؤدي به إلى المرض: أيها الأخوة، الآن يوجد إشارة ثانية في القرآن دقيقة جداً، متعلقة باسم " الشافي" قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ ( سورة الشعراء ) دقق في السياق: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الآية الثالثة بحسب السياق وإذا أمرضني فهو يشفيني، لا، قال: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾ ( سورة الشعراء الآية: 80 ) عُزي المرض إلى الإنسان، بمعنى أن خلق الله كامل كمالاً مطلقاً، ولكن أخطاء الإنسان قد تكون أخطاء فردية، وقد تكون أخطاء في العصر، في عصر الضجيج، في عصر التلوث، في عصر تغيير خلق الله، معظم حياتنا فيها تغيير لخلق الله, نريد أن ينمو هذا الفروج إلى كغ بأربعين يوماً، يجب ألا ينام، هذا وضع غير طبيعي. نريد أن نطعم البقر طحين الجيف، فجن البقر واضطر الإنسان أن يحرق ثلاثين مليون بقرة، ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني، وما جنون البقر إلا من جنون البشر لما نغير خلق الله عز وجل. لما ننام في النهار ونسهر في الليل، هذا بخلاف منهج الله عز وجل، لما نحاول أن نأكل كل شيء بكل الأوقات عن طريق زراعة محمية هذه لها أخطار، طبيعة حياتنا فيها أخطار كبيرة جداً، عندما نحاول أن نحفظ الطعام بمعلبات نضع مادة مضادة للفساد بنزوات الصوديوم، والمادة مسرطنة. عندما استخدمنا المبيدات الكيماوية رفعت ملوحة التربة، لما استخدمنا الأدوية الكيماوية أيضاً، الدواء الكيماوي يحل مشكلة من جهة ويخلق مشكلة من جهة ثانية، هناك تغيير بخلق الله، أكثر ما يعانيه الناس من الأمراض من التلوث، من استخدام المبيدات، من استخدام الأسمدة الكيماوية، من استخدام مشتقات البترولية، والآن الخبر الأول في العالم ارتفاع الحرارة، الاحتباس الحراري بسبب ثاني أوكسيد الكربون. من طبق القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء تمتع بصحة جيدة طوال حياته: إذاً المرض يعزى إلى الإنسان، الخطأ من الإنسان، لو تصورنا أن الإنسان اتبع القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء، لقلّ المرض إلا أن يكون قضاءً وقدراً أقول كلاماً دقيقاً، أحياناً يأتي المرض قضاء وقدر، لكن في الأعم الأغلب يكون المرض عقب تقصير في تطبيق التعليمات التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام. هناك مستشفى بألمانيا كتب عليها: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع عن محمد بن عبد الله، هذا الكلام يعد كلاماً أساسياً في الطب الوقائي، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع. إذاً لو أن الإنسان طبق التعليمات لتمتع بصحة جيدة طوال حياته، وقد تلاحظ أحياناً إنسان يحرص على تطبيق التعليمات الصحية حرصاً بالغاً في الأعم الأغلب يتمتع بصحة عالية جداً. وكان هذا العالم الجليل الذي رؤي في الثالثة والتسعين، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، إذا سُئل يل سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول: يا بني حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً. الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام وحرك شيئين تأديباً لنا: إذاً الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام، وحرك شيئين، حرك الرزق وحرك الصحة، ليكون هذا التحريك أداة تأديب لنا. ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ ( سورة البقرة ) ها هو التأديب، وهذه هي التربية. فلذلك: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ ( سورة الشورى ) (( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر )) [ أخرجه ابن عساكر عن البراء ] الله عز وجل خلق لكل إنسان جهاز مناعة قوامه الكريات البيضاء و فِرقه هي: 1 ـ فرقة الاستطلاع: لكن لو دخلنا في تفاصيل اسم "الشافي" من الزاوية العلمية، الله عز وجل وضع فينا جهاز المناعة، وجهاز المناعة يكاد يكون جيشاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى، قوام هذا الجيش الكريات البيضاء، هذه الكريات مجموعة فرق، هناك فرقة الاستطلاع، فرقة معلومات استخبارات، أو اسمها في بعض الجيوش الاستطلاع، مهمتها معلوماتية فقط فإذا دخل إلى الجسم جرثوم تتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات، تقترب من هذا الجرثوم تأخذ شفرته الكيماوية وتعود لا تقاتله، إلا أنها تستكشف خصائصه (شفرته الكيماوية) وتذهب إلى مؤسسة معامل الدفاع. 2 ـ فرقة تصنيع السلاح: فرقة ثانية مهمتها تصنيع السلاح، متواجدة في العقد اللمفاوية، فالكريات البيضاء من فرقة الاستطلاع، تأخذ شفرة الجرثوم الكيماوية وتتجه إلى العقد اللمفاوية، في العقد يصنع المصل المضاد للجرثوم، لكن أعظم ما في الفرقة الثانية تصنيع المصول. قد نعطي الطفل مثلا لقاح الكوليرا، يعني جرثوم مضعف، فكما هي العادة الكرات البيضاء الاستطلاعية تأخذ شفرته الكيماوية وتذهب إلى العقد اللمفاوية في فرقة تصنيع المصل، وتعطى الشفرة، وتصنع المصول المضادة لهذا الجرثوم، وتحفظ في ذاكرة هذه الفرقة، فإذا عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً الملف جاهز. لذلك لولا ذاكرة فرقة تصنيع المصول لما كان من معنى إطلاقاً للقاحات في الأرض، لا قيمة للقاحات أساساً من دون ذاكرة مودعة في فرقة تصنيع المصول. 3 ـ فرقة المقاتلين: الفرقة الثالثة فرقة المقاتلين، هذه الفرقة مهمتها أن تأخذ المصل المضاد وتتجه إلى الجرثوم، وتجري معركة بين الكريات البيضاء المقاتلة (هذه الفرقة الثالثة)، وبين الجرثوم. 4 ـ فرقة التنظيف: أحياناً الإنسان يرى ورما خفيفاً، ثم بقعة بيضاء من القيح، هذه نتائج المعركة معركة تجري في الجسم بين الكريات البيضاء المقاتلة وبين الجراثيم، فإذا حُسمت المعركة لصالح الكريات البيضاء، في فرقة الخدمات، تنظف أرض المعركة، وتزيل آثار العدوان. 5 ـ فرقة المغاوير: اكتشف بعض العلماء فرقة خامسة اكتشفها في عام 1967م " اسمها فرقة المغاوير " بالتعبير الأجنبي كومندوس، هذه الفرقة تستطيع أن تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهما. الشدة النفسية سببها ضعف التوحيد: ثبت أن كل إنسان في دمه ملايين الخلايا السرطانية، لكنها غير مفعلة عليها قامع يقمعها، يمنع تفعيلها، فإذا ذهب القامع عن بعضها الفرقة الخامسة المغاوير تكتشف هذه الخلية السرطانية فتلتهما، وينجو الإنسان من الورم الخبيث. قال: هذا القامع ما الذي يفكه ؟ الشدة النفسية، الخوف، القلق، الحقد، لذلك قال تعالى: ﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 119 ) الغيظ مميت، الآن المرض الأول في العالم الشدة النفسية، خوف، تهديد قد يكون سلامة لكن ما في أمن. لذلك قالوا: أنت من خوف المرض في مرض، يعني أحياناً تأتي أمراض القلب من خوف مرض قلب، أنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الفقر في فقر وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أنت من خوف التهديد في مرض، من خوف شبح الحصار الاقتصادي في مرض، من خوف شبح الاجتياح في مرض، هذه كلها أمراض الإنسان الآن يتحمل من الضغوط ما لا يحتمله إنسان في عصور سابقة. لذلك: ما في حل إلا التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ما في حل إلا أن ترى أمرك بيد الله، وأن الذي خلقك لن يسلمك إلى أحد غيره. ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾ ( سورة هود الآية: 123 ) ارتفاع نسبة السرطانفي عصرنا إما لضعف في نفوسنا أو ضعف في إيماننا: ما لم توقن أن أمرك وسلامتك وأهلك وأولادك ورزقك وصحتك بيد الله، وأنك إذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا عبدت الله أنشأ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك، هذه المعاني الناس في أمس الحاجة إليها، قال تعالى: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ ( سورة الأنعام ) الفرقة الخامسة إذاً فرقة مغاوير، ما الذي يفك القامع ؟ الشدة النفسية، والإشعاع النووي، وصول مشتقات البترول إلى جوف الإنسان، هذا الذي يغسل المحركات بالبنزين إذا أكل بيديه قل أن يغسلهما جيداً عنده احتمال وصول المشتقات إلى جوفه، وهذه تسبب الأورام. وشيء آخر كما قال العلماء: التوسع في استخدام البلاستيك، البلاستيك يجب أن نبتعد عن استعماله مع الحرارة الشديدة، أو مع المواد الحامضة، أو أن يدخل إلى جوفنا بعض منه عن طريق التيفال، وعاء تيفال بعد سنتين يصبح حديداً، المادة أين ذهبت ؟ أكلناها، فمشتقات البترول، والتوسع في استخدام البلاستيك، والإشعاع النووي والشدة النفسية، تفك القامع. لذلك ارتفاع نسبة السرطان أصبحت إلى عشرة أمثال، لخطأ في عصرنا، أو ضعف في نفوسنا، أو ضعف في إيماننا، هذه حقيقة أيها الأخوة. جهاز المناعة جيش يقويه الأمن والحب والود و يضعفه الخوف والقلق والحقد: الآن في غدة اسمها " التايموس " اكتشفت أخيراً أنها غدة لا وظيفة لها هكذا قال الأطباء، ثم اكتشف أنها أخطر غدة في جسم الإنسان، قال هذه مدرسة حربية، تدخلها الكريات البيضاء وتبقى فيها سنتين، تتعلم من هو الصديق، ومن هو العدو، كريه بيضاء معها سلاح خطير، الكريه المحاربة الفرقة الثالثة، هذه سموها الخلية التائية الهمجية جاهلة تدخل في هذه الغدة وتبقى سنتين، لما كُبّرت مئات المرات بدت وكأنها مدرج روماني، وهذه الخلايا التائية الهمجية كأنهم طلاب علم، تبقى الخلية التائية الهمجية سنتين وبعدها تمتحن هناك مخرجان امتحانيان، الأول تعطى هذه الكريه الممتحنة عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج، ثم تمتحن امتحاناً آخر تعطى عنصراً عدواً فإذا لم تقتله ترسب وتقتل، وإذا قتلته تنجح وتتخرج. قال بعد سنتين تضمر هذه الغدة ضموراً كلياً، الأمر الذي جعل بعض الأطباء أن يقولوا لا وظيفة لها، تبين أن الجيل المتخرج يتولى إلى نهاية الحياة تعليم الأجيال الصاعدة فصار أول جيل تخرج من هذه الكلية الحربية، يتولى تعليم الأجيال الصاعدة، لكن بعد الستين أو السبعين يضعف التعليم، مع ضعف التعليم ينشأ شيء اسمه " الخرف المناعي" منها التهاب المفاصل الرثوي، منها سبعة أمراض تقريباً، يعني ما معنى التهاب مفاصل ؟ يعني ضعف التعليم، صار العنصر القوي الكرية البيضاء تقتل الصديق، أي أصبح حرباً أهلية، فالتهاب المفاصل الرثوي نتيجة حرب أهلية داخل الجسم. أيها الأخوة، جهاز المناعة هذا الجهاز يؤكد اسم " الشافي " جيش بكل معاني هذه الكلمة، هذا الجيش يقويه الأمن والحب والود، يضعفه الخوف والقلق والحقد. والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-06-2018, 07:46 AM | #30 |
|
رد: اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : اسم الله - الشافى -2 -اسماء الله الحسنى الدرس : ( التاسع العاشر ) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( الشافي): أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم " الشافي "، فالنبي عليه الصلاة و السلام كان إذا عاد مريضاً يقول له: (( اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً )) العلامات من تمام رحمة الله بنا: الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى جلّت حكمته لولا أن جعل للأمراض أعراضاً لما أمكن الشفاء منها، و قال تعالى: ﴿ وَعَلامَاتٍ ﴾ ( سورة النجم الآية: 16 ) هذه آية واسعة جداً، لولا الأعراض لما اهتدى الإنسان إلى مرضه. لذلك تعد أخطر الأمراض الآن الأمراض التي لا أعراض لها، كالأورام أحياناً فلذلك رحمنا الله عز وجل أن للأمراض أعراضاً، و هذا طريق إلى الشفاء منها، و هذه واحدة. لو توسعنا قليلاً في فهم العلامات، نضج الفواكه لها علامات، وأي شيء في الأرض له علامات، وأي حدث في الأرض له علامات، فالعلامات من تمام رحمة الله بنا. التوحد في بنية الإنسان التشريحية: شيء آخر: الإنسان له بنية موحدة، أي إنسان في أي زمان و مكان بنيته التشريحية واحدة، فقد يدرس الطبيب الطب في أمريكا، و يعالج المرضي في الصين، مكان الشريان، مكان العصب، بنية الأجهزة، البنية التشريحية للإنسان في أدق أدق التفاصيل واحدة، أماكن الأوعية، أماكن الأعصاب، أماكن الأجهزة، النسج كلها موحدة و لولا هذا التوحد في بنية الإنسان التشريحية لما أمكن أن نتابع الطب في بلد، وأن نعالج المرضى في بلد، وأن نصنع الدواء في بلد، وأن نستخدمه في بلد، هذا كله ينضوي تحت اسم "الشافي ". التئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته: شيء آخر: ثبات قوانين الجسم، الجسم له قوانين دقيقة جداً، فلولا هذا التوحد في الخلق لما أمكن أن يكون الشفاء للإنسان. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كما بينت في لقاء سابق أن هذا المرض أحد الوسائل التي تكون ناجعة في تأديب الإنسان، وفي تربيته، وفي تقريبه من الله عز وجل. شيء آخر: هناك قوانين دقيقة في الجسم، هذه القوانين أساسها أن النسج تلتئم إذا تمزقت، من قنن هذا القانون أن النسيج يلتئم إذا تمزق أحياناً ؟ ذلك أن بعض النسج في جسم الإنسان التي تؤكد عفة الفتاة لا تلتئم أبداً، فالتئام النسج من رحمة الله بنا، يكون الجرح يأتي الطبيب ويخيط هذا الجرح بعد حين يلتئم الجرح، جميع النسج تلتئم بسبب أن الله قنن هذا القانون فهو " الشافي ". العظم يلتئم، الخلية العظمية قد تنام ستين عاماً، فإذا صار كسر تستيقظ هذه الخلايا وتلتئم، ما دور الطبيب العظمي ؟ يضع العظمة على العظمة فقط، وانتهى دوره، و تأتي هذه الخلايا ويستيقظ و تسهم في التئام الجروح و الكسور. قضايا دقيقة جداً، ولقطات مؤثرة جداً نكتشفها حينما نقول أن الله سبحانه وتعالى هو " الشافي " فالتئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته، ألا يوجد إنسان عنده مركبة وتصاب بكسر في بعض أجزائها، يقول لك الخبير في إصلاحها: دعها تلتئم وحدها، هذا لا يكون في عالم المعادن إطلاقاً، أما في عالم خلق الإنسان، ولأن الله هو " الشافي " النسج تلتئم. القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم الشافي: الذي يلفت النظر كما قلت قبل قليل: أن بعض النسج لا يلتئم أبداً، لأن تمزقها دليل، ولا يمكن أن يلغى هذا التمزق. هناك أشياء كثيرة نستفيدها من اسم " الشافي " مثلاً: الاحتياط الذي جعله الله في بعض الأجهزة، الكلية مثلاً فيها احتياط كبير، يستطيع الإنسان أن يعيش بكلية واحدة والثانية احتياط كبير، أنا أتمنى الإنسان حينما يدرس الطب يدرسه في ضوء الإيمان، يجد أن هذه القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم " الشافي ". من قال إن القلب إذا أردنا إصلاحه بعلمية جراحة و أوقفناه عن طريق التبريد و بعد انتهاء العملية يعطى القلب صعقة فيعود و يعمل، لو أن القلب إذا توقف لا يعمل انتهى العمل الجراحي كله، انتهي كل شيء اسمه عمليات القلب المفتوح، عمليات القلب المفتوح لولا أن الله أعطى القلب هذا القانون أنه إذا توقف أو إذا أوقف بفعل التبريد فالله سبحانه و تعالى سمح له أن يعمل بعد أن تأتيه صعقة كهربائية، لولا هذه القاعدة لألغي الطب في شأن جراحة القلب. من تفكر في خلق السماوات و الأرض وصل إلى الله سبحانه و تعالى: إذاً لو أردت أن تتفكر في خلق السماوات و الأرض لرأيت اسم " الشافي " واضحاً جداً في كل قانون قننه الله عز وجل، و في كل نسيج صممه الله عز وجل، و في كل خصيصة لأي عضو من أعضاء الجسم أودع الله فيه هذه الخاصة. يعني أحياناً يقول طبيب قلب جراح: إن في القلب شرياناً يبدو أنه لا فائدة منه لكن حينما تسد بعض الشرايين يؤخذ هذا الشريان وهو من أمتن الأوعية، ويوضع مكان الشريان التالف، وكأن الله سبحانه و تعالى و ضع في جسم الإنسان بعض قطع الغيار، و هذا من تمام خلق الله عز وجل، تؤخذ بعض الشرايين من مكان وتوضع في مكان، و حتى في الهيكل العظمي هناك أجزاء يمكن أن تستخدم كقطع غيار، هذا الخلق الدقيق العظيم. ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين ) قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ ( سورة الذاريات ) الإنسان لو تفكر في خلق السماوات و الأرض و صل إلى الله، وصل إلى الله معظماً، مكبراً، خاشعاً، فإذا تفكر في جسمه فهو أقرب شيء إليه. من رحمة الله بالإنسان أنه جعل لكل داء دواء: والله يا أيها الأخوة، لو أمضينا العمر كله في التدقيق في عجائب خلق الله في الإنسان لما اكتفى العمر للتفكر في خلق الإنسان، والآية واضحة: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ أحياناً من الذي جعل هذا الدواء يفعل فعله ؟ يعني الدواء من رحمة الله بنا أنه جعل لكل داء دواء، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: (( لكل داء دواء )) [حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر] هذا الحديث إذا قرأه إنسان مريض بماذا يشعر ؟ يمتلئ قلبه أملاً بالشفاء و إلهنا وربنا من خلال نبيه ورسوله يقول: (( لكل داء دواء ))، ولو سمع هذا الحديث طبيب ماذا يفعل ؟ يجب أن يجتهد و يبحث عن الدواء، فإذا سمع هذا الحديث المريض امتلأ قلبه أملاً بالشفاء، وإذا سمع الطبيب هذا الحديث شعر بتقصيره حينما لا يجد لهذا الداء دواء، وقد خلق الله لكل داء دواء. حرص الإنسان على سلامة وجوده تقتضي أن يطبق تعليمات الصانع: كما ذكرت من قبل الله عزّ وجل من خلال صحتنا يربينا، يقربنا إليه، الإنسان كما تعلمون حريصاً على وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى استمرار وجوده، وعلى كمال وجوده، و قد بينت من قبل أن حرص الإنسان على وجوده يقتضي أن يحمي نفسه من الأخطار، وأن حرصه على سلامة وجوده يقتضي أن يطبق تعليمات الصانع، و أن حرص الإنسان على كمال وجوده يقتضي أن يقترب من الله عز وجل حتى يسعد بقربه، وأن حرص الإنسان على استمرار وجوده يعني أن يربي أولاده ليكونوا استمراراً له بعد موته، و الله عز وجل حينما برمج الإنسان وفطره على حبّ وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، من أجل أن يكون الإنسان في أعلى درجة من السلامة والسعادة. الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله: أيها الأخوة حدثني بعض الأخوة الأطباء: أنه أحياناً إذا سدّ شريان في القلب تنمو مجموعة شُريانات في مجموع أقطارها تساوي الشريان المسدود، و أنت لا تشعر، يوجد بالجسم آلية الشفاء الذاتي، فحينما يضعف عضو ينمو عضو آخر، حينما يضيق شريان ينمو شريان آخر، و هذا من آيات الله الدالة على عظمته، و الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله عز وجل. شيء آخر: الكبد مثلاً، الكبد يقوم بمئات الوظائف، كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل وظائفه، فلو تشمع الكبد وصل إلى ثلثي الكبد، بل إلى أربعة أخماس الكبد وجاء الطبيب الجراح واستأصل أربعة أخماس الكبد، الكبد يعيد بناء ذاته في ستة عشر أسبوعاً، ذلك لأن كل خلية في الكبد تقوم بكل وظائف الكبد، ولو تعطل كبد الإنسان لكان الموت محققاً لأنه المخبر، والمعمل الكيماوي في الجسم. إخوتنا الكرام، التفكر في خلق السماوات و الأرض أقصر طريق إلى الله و أوسع باب ندخل منه على الله، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى، تقول " الشافي " الشافي جسمك مصمم للشفاء، الأمراض لها أعراض، البنية التشريحية للإنسان واحدة بشكل عجيب، الإنسان له شكل. الله عز وجل منح الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لكرامته عند الله: يقول بعض العارفين بالله: والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع، يوجد بالأرض ستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان يشبه الآخر، الإنسان فرد، وقد منح الله جلّ جلاله الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لأن الإنسان كريم عليه، لكرامة الإنسان عند الله، فالإنسان فرد في شكل وجهه، وفي قوامه، و في نمط حركته، فرد في قزحية عينه، لا يوجد قزحية عين في الأرض تشبه قزحية عين الآخر، حتى إن بعض البلدان الآن تأخذ صورة قزحية العين وتضعها على الجواز، ولا يمكن لهذا الجواز أن يزور، بل إن بعض الأقفال التي صنعت لا تفتح إلا على قزحية العين، ومعنى ذلك أن هذا القفل لا يفتح إلا من خلال صاحبه، فقزحية العين هوية للإنسان. رائحة جلده هوية له، لا يوجد إنسان له رائحة جلد تشبه رائحة جلد إنسان آخر و على هذا الأساس يبنى عمل الكلاب البوليسية، ولولا أن الإنسان يتميز برائحة خاصة لما استطعنا أن نستخدم الكلاب البوليسية التي تملك من حاسة الشم مليون ضعف عن حاسة شم الإنسان. ونبرة الصوت هوية لك، لا يوجد إنسان في الأرض تشبه نبرة صوته نبرة صوتك وهذا نستخدمه في الهاتف، فلان تعرفه من نبرة صوته. الآن بلازما الدم، الزمرة النسيجية غير الزمرة الدموية، لكل إنسان زمرته النسيجية، هذا من تكريم الله للإنسان جعله فرداً، فرد في قزحية عينه، وفرد في شكل وجه، وفرد في قوامه، وفرد في رائحة جلده، وفرد في نبرة صوته، وفرد في زمرته النسيجية وفرد في بلازما الدم، وفرد في بصمته، واكتشف أخيراً أنه فرد بالنطفة التي يملكها، لكل نطفة علامة يتميز بها، عند الزوجة جهاز لاستقبال هذه العلامة، فما دامت هذه العلامة تأتيها تباعاً فهذا زوجها، فإذا جاءت علامة أخرى فهذا مؤشر لوجود مرض في الرحم إلا أن المرأة قادرة على أن تستقبل علامة أخرى بعد أربعة أشهر أي العدة. الإنسان فرد متميز لا أحد يشبهه فالله عز وجل واحد و واسع: إذاً أيها الأخوة الإنسان فرد، أما من أجل أن نفهم اسم " الشافي " الآن هناك مفارقة، هو فرد متميز لا أحد يشبهه، وفي الوقت نفسه ستة آلاف مليون البنية التشريحية واحدة، مكان الشريان، مكان العصب، لولا أن الأعصاب لها أماكن محددة جداًً أي عملية جراحية في الوجه تعني الشلل أحياناً، لكن معروف العصب هنا مكانه، الطبيب الجراح عنده مهارة فائقة في معرفة أماكن الأعصاب، وأماكن الأوعية والشرايين. إذاً البنية التشريحية الواحدة تؤكد اسم " الشافي ". الآن الوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد اسم " الشافي "، الآن استجابة الجسم للدواء، الجسم عضو نبيل يستجيب للدواء إذاً الله شافٍ، ما أوقع المرض فينا إلا أن يكون المرض أداة قرب من الله عز وجل و يأتي بعده الشفاء، فالله عز وجل شافٍ، أي هذه الأدوية من صمم هذه العشبة لتهدئة القلب، هناك أدوية مبطئة للنظم، هناك أدوية موسعة للشرايين، هناك أدوية مقوية لعضلة القلب، هناك أدوية تعطي الإنسان راحة نفسية، هناك أدوية مهدئة، هناك أدوية مسكنة، أي علم الأدوية علم قائم بذاته. إذاً اسم " الشافي " تراه من وحدة الإنسان في بنيته التشريحية، ومن وحدة الإنسان في وظائفه الفيزيولوجية، بينما لكل إنسان هوية، هذا شيء دقيق جداً، أي وحدة تشابه البنية التشريحية، والوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد أن الله واحد، أن الخالق واحد، وأما التفاوت في شكل الإنسان، وفي خصائصه، وفي هوياته، تؤكد اسم " الواسع " فالله واحد و واسع. الله عز وجل قنن القوانين ليكون هناك أمل في شفاء الأمراض: أيها الأخوة الكرام، الدم له خصائص مذهلة، يوضع هذا الدم في بنك باسم صاحبه، بعد سنوات، بعد عشر سنوات إذا تورمت بعض الخلايا أو تعطلت بعض الخلايا في مكان، يوضع هذا الدم في المكان نفسه، فإذا به يتشكل من الخلايا التالفة، يعني إذا تعطلت خلايا نقي العظام المصنعة لكريات الدم الحمراء، يوضع هذا الدم في نقي العظام، وهذا الموضوع يمثل الخلايا الجذعية، من أحدث الموضوعات، أي مكان عندما استأصلنا بعض النسج وضعنا الدم مع الاستئصال تنمو خلايا من جنس الخلايا المحيطة بهذا الدم، وهذا الدم له ثمن باهظ جداً، والآن هناك بنوك للخلايا الجذعية. إذاً الله عز وجل هو " الشافي " أي كل جهود الأطباء لولا أن الله قنن هذه القوانين، أعطى هذه الخصائص لما كان من أمل في شفاء الأمراض. إذاً الله عز وجل هو " الشافي ". تقدم علم الطب نتيجة كرامة الإنسان عند الله: لذلك الحديث: (( إن لكل داء دواء )) [حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر] يقرأ هذا الحديث المريض فيمتلئ ثقة بالشفاء، يقرأ هذا الحديث الطبيب فيشعر بالتقصير تجاه البشر، ينبغي أن نبحث عن شفاء لهذا المرض، الآن فإذا أصيب دواء الداء معنى الطبيب حينما يصيب في تشخيص الداء قطع نصف المرحلة، فإذا أصيب دواء الداء قال برئ بإذن الله. الطبيب له مهمتان، المهمة الأولى: أن يصيب في تشخيص الداء، وأن يصيب في وصف الدواء، فإذا جاء التشخيص صحيحاً، وجاء الدواء مناسباً برئ، ولكن بإذن الله. لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( داووا مرضاكم بالصدقة )) [ رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود] أولاً أعطاك ثوابت، أعطاك بنى تشريحية واحدة، أعطاك وظائف فزيولوجية، أعطاك أدوية لها فعل في الأمراض، وهيأ أطباء، والأطباء من رحمة الله بالإنسان، و أنا أقول دائما أيها الأخوة إن تقدم علم الطب لكرامة الإنسان عند الله، لأن الله هو الشافي إلا أن مرض الموت لا شفاء له، هذا المرض لأنه بوابة الخروج، الإنسان كيف يخرج ؟ يخرج بمرض الموت، قد يكون في الكبد، وقد يكون في الكلية، وقد يكون في القلب، وقد يكون في الدماغ، وقد يكون بحادث، تارة سكتة دماغية، ومرة سكتة قلبية، ومرة احتشاء، هذه الأمراض التي هي أمراض الموت هي بوابة الخروج، والإنسان حينما يرى أنه لابد من أن يخرج من الدنيا هذا من أعظم المواعظ و العبر. على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء: الآن (( إن لكل داء دواء )) فإذا أصيب دواء الداء برئ المريض بإذن الله، إذاً ما الموقف الكامل حينما يصيب الإنسان المرض ؟ الموقف الكامل أن أبحث عن طبيب متفوق، ولي مصطلح لطيف: ابحث عن طبيب مسلم حاذق ورع، لأنه ينصح، والدين النصيحة. الآن هذا الطبيب يصيب في وصف تشخيص الداء، ويصيب إن شاء الله في وصف الدواء، ثم توجه إلى الله أن يسمح لهذا الدواء أن يفعل فعله في الداء، هذا الموقف الكامل. لذلك هذا ينقلنا إلى شيء مهم جداً في الإيمان، أنت يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، هذه بطولة، أن تذهب إلى أفضل طبيب، أن تستخدم بدقة بالغة تعليمات الطبيب، ثم تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله، يا رب اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء من السهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها وتنسى الله، وهذا واضح جداً في العالم الغربي، ألهوا الأسباب، يأخذون بالأسباب ويعتمدون عليها، وينسون الواحد القهار، لكن الله يقهرهم أحياناً، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. الأخذ بالأسباب من الدين: الإنسان من ضعفه إذا أخذ بالأسباب يعتمد عليها وينسى الله، و يوجد مسلمون مقصرون لا يأخذون بالأسباب، وهم عصاة، لذلك الطريق الأمثل هو طريق وادٍ سحيق و عن يساره وادٍ سحيق، فالإنسان إذا أخذ بالأسباب و اعتمد عليها وقع في وادي الشرك، و إن لم يأخذ بالأسباب و قع في وادي المعصية ففي حنين قال الصحابة: (( لن نغلب من قلة )) [ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ] معهم بسبب الكثرة فقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ ( سورة التوبة ) فالأخذ بالأسباب من الدين: (( إن الله يلوم على العجز، ولكن عليكم بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل )) [ أبو داود وأحمد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ] يجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، يجب أن تعالج عند الطبيب، يجب أن تذهب إلى طبيب متفوق، أن تستخدم الدواء بعناية بالغة، وفي الوقت نفسه يجب أن يمتلئ القلب رجاء من الله عز وجل أن يسمح للدواء أن يفعل فعله. الله تعالى إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافا ًمن القرب منه: فلذلك: (( لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله)) [حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر] هذا الذي يقتضي الدعاء، والتوسل إلى الله عز وجل، ودفع الصدقات، مع الأخذ بالأسباب هذا الموقف الكامل هناك مثل يقرب الحقيقة: عندك سفر، راجعت المركبة مراجعة تامة، راجعت كل شيء فيها، وكلها جاهزة، الآن أخذت بالأسباب، الآن تتوجه بكل أعماقك إلى الله، يا رب، أنت الحافظ، أنت الموفق، أنت المسلم في هذا السفر، أنت الرفيق في السفر، هذا شأن المؤمن في كل شيء يأخذ بالأسباب و كأنها كل شيء، و يتوكل على الله و كأنها ليست بشيء. شيء آخر الحديث القدسي الصحيح: (( يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده )) [ أخرجه مسلم عن أبي هريرة] و الله أيها الأخوة، بالحديث ملمح يذيب محبة لله، الله عز وجل إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافاً مضاعفة من القرب من الله. (( أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده )) كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم الشافي: الحقيقة ماذا نستطيع أن نقول في اسم " الشافي " ؟ كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء حول الإنسان يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء في بنية الإنسان التشريحية يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء في وظائف الجسم يؤكد، الفيزيولوجية تؤكد اسم " الشافي "، كل دواء خلقه الله لهذا الإنسان يؤكد اسم " الشافي ". والآن الأبحاث الطبية تؤكد هذه الحقيقة، بعد حين يظهر دواء ناجح لبعض الأمراض المستعصية، إذاً الله عز وجل شافٍ. ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ ( سورة الشعراء ) والحمد لله رب العالمين |
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدليلية (Tags) |
الله, الحسنى, اسماء |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 ) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
متجدد ..أسماء الله الحسنى ومعانيها..~ | منال نور الهدى | رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة | 45 | 06-29-2022 09:36 AM |
أسماء الله الحسنى | السعيد | رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة | 105 | 02-25-2018 02:13 PM |
معرض أسماء الله الحسنى | منال نور الهدى | رِيَاضُ الصُوَر المَنْقُولَة | 3 | 11-05-2014 11:25 PM |
أسماء الله الحسنى: "الجبار" | منال نور الهدى | رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية | 3 | 02-27-2013 03:13 AM |
من أسماء الله الحسنى :"المبين .".الشيخ محمد راتب النابلسي | منال نور الهدى | رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية | 5 | 02-27-2013 03:03 AM |
HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags