حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة > رياض الأنبياء والرسل

رياض الأنبياء والرسل (يختص بسيرة وقصص الأنبياء والرسل عليهم السلام

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-07-2018, 02:39 PM   #51


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية






بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الواحد و الخمسون )

الموضوع : العمران النبوى فى المدينة المنورة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. ذكير:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد وصلنا في الدرس الذي قبل الماضي إلى التنظيمات الإدارية، والصحية، والتعليمية، والسياسية التي نظمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أبرزها أنه أنشأ ميثاقاً طبقه على كل شرائح أهل المدينة، وجاء في مقدمته أن سكان المدينة أمة، وسِلْمُ المؤمنين واحدة، وحربهم واحدة، وهذه هي المواطنة ؛ التعايش، الذين فهموا الدين فهماً آخر سببوا متاعب لا تنتهي للمسلمين.
العمران النبوي في المدينة المنورة:
على كلٍ ننتقل اليوم إلى العمران النبوي في المدينة المنورة:
1 – التجمعات العشائرية ( القبائلية ) في الحصون:

قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وسكانها موزعون عشائرياً في قرى صغيرة، وأكمل تجمع للسكان تجمع القرى.
هناك دراسات حديثة أن الإنسان إذا عاش في مجتمع محدود يرتفع مستوى الانضباط السلوكي، وأشد الأمكنة وحشة هي المدن الكبرى، لذلك حينما درس نخبة من كبار علماء الغرب أسباب العنف في العالم قالوا: المجتمعات الكبيرة، وسكان القرية أشد انضباطاً من سكان المدينة، بسبب أن الشخص الواحد معروف هناك.
فلذلك حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان سكانها موزعين عشائرياً في قرى صغيرة، أو في حصون، أو أطام، والأطام هي الحصون، فكل حصن فيه عشيرة تحيطه حيطانها، ويعمل أصحاب هذا الحصن في الزراعة، والصناعة، وإذا جاء المساء دخلوا حصنهم، وأقفلوا أبوابهم ليأمن كل منهم جيرانه، وما تحمله ظلمة الليل من طوارق السوء.
أنا فيما أعلم دمشق كان فيها أبواب، باب توما، باب شرقي، هذه الأبواب مساء تُغلق، المجتمع يعرف بعضه بعضا، فيه انضباط، فيه أمن، هذا كان مطبقاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بلغ عدد حصونهم 59 حصناً موزعة على قبائلهم وعشائرهم، وفيما بلغني أن أكبر مدينة في العالم ( نيويورك ) معلومات قديمة، بعض أحيائها التي يسكنها المسلمون أحياء مغلقة تقفل أبوابها مساء، ما فيها مخدرات، ولا فيها ملاهٍ، ولا فيها شيء من هذا القبيل، كبار الشركات تتنافس على فتح محلات في هذا الحي الإسلامي، فيه انضباط، فيه أمن.
2 – مهمة النبي توفير السكن والعمل للمهاجرين:
أيها الإخوة، وقدم المهاجرون إلى المدينة، وكان أمام النبي عليه الصلاة والسلام مهمة كبيرة، وهي توفير السكن والمعاش لهم.
مبدأ المؤاخاة ومساهمة الأنصار في المجال الاقتصادي والاجتماعي:
وكان للأنصار مساهمات عظيمة تعرفونها جميعاً، كان كل أنصاري بعد أن آخى النبي بينه وبين مهاجر.
النبي عليه الصلاة والسلام آخى بين الأنصار والمهاجرين، فكان الأنصاري يقول للمهاجر: عندي بستانان، خذ أحدهما، عندي بيتان، خذ أحدهما، عندي دكانان، خذ أحدهما، أما الشيء الذي يغيب عن أذهانِ بعضِ المسلمين أنه لم يسجل التاريخ أن مهاجراً واحداً أخذ من أنصاري شيئاً، الأول بذل، والثاني تعفف.

فلما عرض سعد بن الربيع رضي الله عنه على سيدنا عبد الرحمن بن عوف بستاناً، وبيتاً، ودكاناً، قال قولته الشهيرة: << بارك الله لك في مالك، لكن دُلّني على السوق >>، ودخل إلى السوق، وتاجر، واغتنى، وكان هذا الصحابي الجليل من كبار تجار الصحابة، وله بعض التوجيهات، قال: < والله ما استقللتُ ربحاً، ولا بعت ديناً >>، يعني أن أقلّ هامش ربح كان يقبل به، لذلك بالتعريف الاقتصادي الآن: رأس المال يُقلب في العام مرتين أو ثلاثا، لأنه ما استقل ربحاً، باع بسرعة، باع، واسترد رأس ماله، واشترى بضاعة ثانية، وباعها واسترد رأس ماله.
لذلك التجارة حينما يدور رأس المال في العام الواحد مرتين يكون التاجر من كبار التجار، إذا دار ثلاث مرات يكون من نوادر التجار، أما بعض التجار فيدور المال دورة واحدة كل عامين أو ثلاثة.
قال: << والله ما استقللت ربحاً، ولا بعت ديناً >>.
وهذا الصحابي الجليل سمع أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: << يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبواً، فقال: لا، والله لأدخلنها خبباً، وما عليّ إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء >>.
المال قوة:

أيها الإخوة، المال قوة، الذي يغتني، ويبتغي بماله خدمة المسلمين، توفير فرص عمل، معالجة المرضى، تزويج الشباب، فيرقى بماله إلى أعلى عليين، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
( متفق عليه )
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع مرتبة الغني المحسن إلى مرتبة العالم ، فالعلم قوة، والمال قوة، وهما يتكاملان.
ماذا فعل النبي حتى هيأ للمهاجرين مساكن وعملاً ؟
لذلك ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام حتى هيأ لهؤلاء المهاجرين مساكن ؟
1 – منحُ الأراضي يغير الصالحة للزراعة لبناء المساكن:
منح الأنصار الأراضي، فقد ورد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جعل كل أرض لا يبلغها الماء يعطيها لبعض المهاجرين، ماذا نفهم من هذا الملمح ؟
المنظور النبوي للأرض الزراعية:
حرام وألف ألف حرام أن نقطع الغابات ليحل محلها صحراء من الإسمنت، إذا كان عندنا منطقة مشجرة، عندنا الغوطة لا ينبغي أن نبني في الغوطة، بل في مكان صحراوي، هذه إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام، منح الأرض ليبنى عليها إن لم يكن فيها ماء، الماء للزراعة، فهذا من أول إشارات النبي عليه الصلاة والسلام.
2 – قانون: تمليك الأرض لمن يزرعها:

بعد هذا قانون تمليك الأرض لمن يزرعها، تحويل الأرض الجرداء إلى أرض خضراء، هذا سلوك حضاري.
بعض البلاد فيما بلغني أنّ أيّ إنسان يأخذ خمس دنمات يأخذها هبة من الدولة، بشرط أن يقلبها إلى جنة خضراء، ويعطى مبالغ كبيرة جداً لحفر بئر، وبناء منزل ، واستصلاح هذه الأرض، لأن في النهاية الإنسان كائن له فم يحتاج إلى طعام، والمستقبل للزراعة الإنسان، وقد يستغني الإنسان عن آلاف الأشياء، لكن لا يستغني عن الطعام، والآن حينما يكون التضخم النقدي يصبح الراتب فقط للطعام والشراب، ولن يستطيع الإنسان ترك الطعام والشراب.
فلذلك ما سمح النبي ببناء بيت في أرض فيها نبع ماء، أما أرض فيها مياه جارية فهذه الأرض للزراعة فقط.
أنا سمعت في بعض البلاد أن غرامة قلع شجرة تصل إلى المليون ليرة، الشجرة فيها حياة، فيها تعديل جو، فيها استجلاب أمطار، فيها منظر جميل.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: " فلما قدم النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مهاجراً أقطع الناس الدور والرباع، فخط لبني زهرة في ناحية من مؤخرة المسجد، فكان لعبد الرحمن بن عوف الحصن المعروف به، ووزع هذه الأراضي التي ليس فيها ماء وزعها على أصحابه لينشئوا عليها مساكن لهم ".
هذا من حضارة الإسلام:
أيها الإخوة، ومن يتأمل فيما فعله النبي عليه الصلاة والسلام يرى أمراً عظيماً فيما كان من عمارة المدينة وسعتها، واتصالها بعضها ببعض، وآثار من العمارة شاهد من ذلك.
إذاً حل مشكلة الناس، إنشاء منازل، تنظيم هذه المنازل، تأمين الماء والخدمات لهذه المنازل، هذا سلوك حضاري فعله النبي عليه الصلاة والسلام.

مَرة سأل عمر بن الخطاب والياً له فقال: "ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟" قال: أقطع يده قال: إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التسمت في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
أيها الإخوة الكرام، وقد ورد في المغازي للواقدي في مشورة غزوة أحد أن أصحاب رأي القتال في المدينة اعتمدوا على اكتمال البنيان، وتراص المنازل مما يساعد على مشاركة النساء والأولاد في الدفاع عن المدينة، وقتال المشركين، وتستمر المدينة في عمرانها واتساعها مع الهجرة إليها حتى فتح مكة حتى تصبح المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى، وقد أسس فيها النبي عليه الصلاة والسلام كياناً سياسياً.
ولا تنسوا أن النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء الهجرة تبعه سراقة ليقتله وليأخذ 200 ناقة جائزة لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً، قال له النبي الكريم: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ كلام كالخيال ! إنسان مطارد، ملاحق، 200 ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ مضمون هذا الكلام أنني سأصل سالماً، وأنني سأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين وقتها، أحارب الفرس والروم، وسوف تأتيني غنائم كسرى، ويا سراقة لك سوار كسرى، هذا هو المؤمن، المؤمن لا يضعف. ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
( سورة آل عمران ).
التربية الفردية والاجتماعية لمجتمع المدينة:
الآن أيها الإخوة، منذ اللحظة الأولى للهجرة النبوية بدأت مهمة التربية الفردية والاجتماعية لمجتمع جديد:
1 – نشر الأخلاق الحسنة ونفيُ الأخلاق السيئة::
فكان عليه الصلاة والسلام يعزز مكارم الأخلاق، وينفي خبائثها بل ويتمم مكارمها، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( إنما بعثت معلما ))
( أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو )
(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
( أخرجه ابن سعد البخاري والحاكم والبيهقي، عن أبي هريرة )

في المجتمع المكي كان في البيت الواحد شاب مسلم، وشاب مشرك، فكان له ظرف خاص، وخصوصية خاصة، أما في المدينة فالمؤمنون مجتمعون في مكان واحد، وتحت لواء واحد، مع نبي واحد، وقرآن واحد، لذلك أول سورة نزلت في المدينة:
﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
( سورة المطففين ).
دخلنا في التشريع، الآيات المكية فيها إشارات إلى الكون. ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا
( سورة الشمس ).
﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ
( سورة الفجر ).
﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى
( سورة الضحى ).
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ
( سورة النبأ ).
السور المكية تتحدث عن الإيمان باليوم الآخر، وعن الكون كأكبر دليل على عظمة الله، ولكن السّور المَدنيّة جاءت للتشريع.
صور من تربية النبي لأصحابه في المدينة:
الحديث الأول:
لذلك أيها الإخوة، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))
( متفق عليه )
الحديث الثاني:
عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ ))
(متفق عليه )

كان الولاء أُسريا وقَبليا، الولاء للأسرة، والولاء للقبيلة، فالنبي عليه الصلاة والسلام صَعّد هذا الولاء فجعله لله، وجعله لدين الله، ولرسول الله.
(( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))
وسيدنا عمر صارحه، فَعَن عَبْد اللَّهِ بْن هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ يَا عُمَرُ ))
(البخاري)
شيء آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِه ))
وفي بعض الزيادات: ولا يؤمن أحدكم حتى يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه .
والأخوّة في هذا الحديث ما دامت غير مقيدة تعني الأخوة الإنسانية، تقول هذا أخي في الإيمان، قيدته، أخي في النسب، أخي في الجوار، أخوة مقيدة، إن جاءت مطلقة فتعني الأخوة في الإنسانية، لذلك:
(( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ ))

خطط النبي عليه الصلاة والسلام تعتمد على توثيق الأخوّة والجوار، حتى تصل إلى أعمق الجذور التي تتغلب معها على حب الله ورسوله والمؤمنين، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء يهودي اقترب من المئة اسمه شاس ، ودفع غلاماً يهودياً، وأنشد قصيدة، كان الأوس ينشدونها في حربهم مع الخزرج، في يوم بُعاث، أنشد لهم القصيدة فتأثروا، واضطربوا، وهاجوا، وتكلموا، وتلاسنوا، فتماسكوا، وسحبوا السيوف، بلغ ذلك النبي فخرج عليهم وقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟! لذلك نزلت آية كريمة يقول الله فيها: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
( سورة آل عمران الآية: 101 ).
فالله عز وجل عد الاختلاف بين المؤمنين كفراً.
الحديث الثالث:
لذلك قال:
(( لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْض ))
( رواه البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد اللّه رضي اللّه عنه )
كما تسمعون كل يوم في فلسطين، وفي العراق، وفي معظم بلاد المسلمين ، يخطط أعداءنا إثارة الفتن الطائفية.
الحديث الرابع:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ))
( متفق علي)
الحديث الخامس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ))
(متفق عليه).
الحديث السادس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ))
(رواه مسلم )
الحديث السابع:
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتعاون بين الجيران، ونظم بينهم حقوق الارتفاق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ))
قَالَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ:
(( مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ؟ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ ))
( متفق علي)
الحديث الثامن:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ))
الحديث التاسع:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَمَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ أَنْ يَدْعَمَ عَلَى حَائِطِهِ فَلْيَفْعَلْ ))
( أحمد )
الحديث العاشر:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(( خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ ))
( أحمد )
خاتمة:
لقد أقطع النبي عليه الصلاة والسلام الأراضي، وابتعد عن الأراضي المروية، أقطع الأراضي الجافة لبناء المساكن، ونسق بين أصحابه، وأعطى هذه التوجيهات ليكون الإعمار إعمارين، إعمار البناء، وإعمار القلوب، وليكون الولاء لا إلى الأسرة، ولا إلى القبيلة بل إلى الله ورسوله والمؤمنين، وليكون هذا المجتمع مجتمعاً نموذجياً.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:43 PM   #52


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية






بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثانى و الخمسون )

الموضوع : القاعدة الاقتصادية فى عهد النبى




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تذكير بما سبقا ربطا باللاحق:
رتبة العلم أعلى الرتب:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا زلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهو يؤسس القاعدة الاقتصادية، وقبلها التعليمية وقبلها الإدارية، وقبلها الدينية.
على كلٍ، في اللقاء السابق تحدثنا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم رسخ مفهومات التعلم، مفهومات العلم، قيمة العلم في حياة الإنسان، وهو الذي يقول دائماً:

(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))
( أخرجه الترمذي عن أبي هريرة )
(( إذا كان يوم القيامة يوزن دم الشهداء بمداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء ))
( رواه ابن النجار عن ابن عباس)
أثمن شيء يملكه الإنسان حياته، فهذا الدم الذي يرهق في سبيل الله لا يقل عنه المداد الذي يستخدمه العلماء لنشر العلم، وقال عليه الصلاة والسلام:
((... وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْحِيَتَانِ في جَوفِ الْمَاءِ ))
(رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ عن أبي الدرداء )
لذلك رتبة العلم أعلى الرتب، وقيمة العلم أعلى القيم. ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء ).
وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل.
وبينت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع من مكانة العلماء فقال:
(( العلماء أمناء الله على خلقه ))
(أخرجه القضاعي وابن عساكر عن أنس )
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ ))
(أخرجه ابن ماجة عن أبي أمامة )
والناس ثلاثة: عالم ومتعلم، ولا خير فيمن سواهما، << يا بني، الناس ثلاثة ، عالم رباني، هذا كلام سيدنا علي: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا بني أن تكون منهم >>، والله عز وجل يقول: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾
( سورة آل عمران ).
تأسيس النبي للقاعدة الاقتصادية في المدينة:
أيها الإخوة، ننتقل الآن إلى تأسيس القاعدة الاقتصادية.
1 – الإسلام مجتمعُ الحياة:
بالمناسبة، الإسلام هو الحياة، وأي مجتمع إسلامي لا يهتم بالعلم، ولا يهتم بالاقتصاد مجتمع ضعيف مغلوب على أمره، وما تفوق النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته إلا لأنه رأى الإنسان كائناً فيه عقل يدرك، جعل العلم غذاء للعقل، وفيه قلب يحب، جعل محبة الله والعمل للجنة غذاء للقلب، ثم رأى في الإنسان جسماً يحتاج إلى طعام وشراب، فأرسى مبادئ الاقتصاد، فالإسلام هو الحياة.
وكما أن الأمة تبجل وتعظم، من يلوذ في سبيل الله، لكنها في أمسّ الحاجة إلى إنسان يعيش في سبيل الله.
2 – المشكلة الاقتصادية في توزيع الثروات:
لذلك المشكلة أن الاقتصاد لم يكن نتاجاً ناقصاً ضعيفاً، بقدر ما كان علاقات سيئة، هذا كلام دقيق، المشكلة الاقتصادية ليست بحجم الموالي، ليست في حجم الثروات، المشكلة في طريقة توزيع هذه الثروات، الآن الأرض 10% من سكان الأرض يملكون 90% من ثرواتها، والـ90% لا يملكون 10%، فالمشكلة هنا في المواد ؟ أم في طريقة التوزيع ؟ ماذا أراد الله من هذا المال أن يكون ؟ أراده متداولاً بين كل الناس، قال تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً ﴾
أي متداولاً: ﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾
( سورة الحشر الآية: 7 ).
إذا تداول الأغنياءُ المالَ فهناك مشكلة كبيرة، وفي المجتمعات المتخلفة الأغنياء يقدرون على كل شيء، ولا شيء يهزهم، بينما الخط العريض في المجتمع يتأثر بارتفاع الأسعار تأثراً كبيراً، لأن ارتفاع الأسعار يضعف قوة دخله الشرائية.
3 – مقياسُ نجاح المجتمع اقتصاديا عدمُ اتِّساع الهوة بين الفقراء والأغنياء:
فلذلك البطولة لا أن يتبادل الأغنياء فيما بينهم السلع، هذه حالة مرَضية، البطولة أن يوزَّع هذا المال، وأن توزَّع هذه المنافع والثروات بين أكبر شريحة في المجتمع، ومقياس تقدم المجتمع أن الهوة ليست واسعة بين الأغنياء والفقراء، ولا بين الأقوياء والضعفاء، وكلما اتسعت هذه الهوة كان التخلف أشد، وكلما ضاقت هذه الهوة كانت التحضر أشد.
لذلك القرآن أثبت هذه القاعدة فقال: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ ﴾، أي المال، ﴿ دُولَةً ﴾، أي متداولاً، ﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾.
إذاً: هناك مشكلة يعاني منها المجتمع الجاهلي، ألا وهي: أن المواد الاقتصادية الثروات، السلع، المواد الغذائية، بصرف النظر عن كميتها، وعن حجمها، المشكلة فيها أن تداولها ليس صحيحاً بل مرضياً.
لذلك اهتم النبي عليه الصلاة والسلام اهتماماً لا حدود له بتشكيل قاعدة اقتصادية، وتنظيم نظام اقتصادي متوازن سوي.
لمحة عن حال أهل المدينة الاقتصادي:
لماحات عن حالة أهل المدينة قبل مجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام:
1 – حال الناس من حيث النشاط الاقتصادي:
كان اليهود يسطرون على موارد التجارة، ويتعاملون بالربا، ويتحكمون بالأسعار، وكان عامة الناس ما بين مزارع، وراعٍ للشياه والإبل، وصيّاد، وصانع ، وجامع للحطب، هكذا كان وضع الاقتصاد قبل مجيء رسول الله.
2 – اليهود كانوا يتحكّمون في الاقتصاد:
هؤلاء الذين يتعاملون في الاقتصاد لا تحكمهم قيم أخلاقية، ولا شريعة دينية، إنما يسود بينهم الاستغلال، والسيطرة، والغش، والفساد، والظلم، ومع توارث الأساليب القديمة التي وجودوها في مجتمعهم.
3– حاجةُ المدينة إلى الموارد الاقتصادية المادية والبشرية:
وكانت المهمة النبوية شاقة جداً لأن اقتصاد المدينة بحاجة إلى أمرين معاً، الأول النهوض بالموارد، معنى موارد ؛ البترول مورد، الضرائب مورد، رسوم العبور مورد أرباح الصناعة مورد، أرباح التجارة مورد، أرباح الخدمات مورد، وعندنا شيء اسمه الموارد الاقتصادية، ويقع على رأس هذا المورد الإنسان، الإنسان أكبر مورد اقتصادي.
عندك محل، ورأس مال، وملايين مملينة، لكن ليس هناك خبير، المال تخسره، أما الخبير فيشتري البضائع، ويبيعها، ويربح.
إذاً: في عالم الاقتصاد يعدُّ الإنسان أكبر مورد بشري، لذلك الكثافة السكانية ليست ورقةً خاسرة في الاقتصاد، بل هي ورقة رابحة، والآن أشد البلاد غنىً أكثرها كثافة، اليابان مثلاً مورد من ثروات الأرض، لا بترول، ولا معادن، وفيها أكبر كثافة سكانية، وهي الآن من أغنى دول العالم، والدخل للمواطن فلكي، الصين مليار ونصف، تكاد الآن تلتهم اقتصاد العالم، وفيها كثافة سكانية عالية جداً، تايوان، الهند، لذلك أكبر مورد اقتصادي هو الإنسان.
بالمناسبة، الهند حققت أرباحًا قبل عامين بـ 83 مليار دولار من البرمجيات، كمبيوتر، تصميم برامج، وبيعها للعالم الغربي.
تحذيرٌ من فقر الكسل:
لذلك أقول لكم بدقة بالغة: هناك فقر الكسل، وهذه الطامة الكبرى، فقر كسل عدم إتقان للعمل، عدم المثابرة على العمل، عدم تطوير العمل، عدم إنجاز العمل، تسويف إرجاء، تأخير، عدم إتقان، هذا فقر الكسل، وفي الاقتصاد معايير دولية، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان، على أيام السنة، الناتج كم يعمل الإنسان في هذا البلد، في بلاد متقدمة الإنسان يعمل في اليوم 8 ساعات، في بلاد أخرى 6 ساعات، وفي البلاد المتخلفة الإنسان يعمل 27 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 17 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 29 ثانية.
اسمعوا هذا الكلام الدقيق: أمة يعمل أفرادها 17 دقيقة في اليوم لا يمكن أن تنتصر على أمة يعمل أفرادها 8 ساعات.
لذلك الإنسان أكبر مورد اقتصادي، النبي الكريم أمام مشكلتين، البطولة في حل المشكلات، أمام مشروع تنمية الموارد الاقتصادية، وأمام مشروع آخر حسن توزيع الناتج على الإنسان، حسن توزيع ورفع الناتج.
شيء مألوف جداً أن الاقتصاد وقتها كان يشمل الزراعة، والصناعة، والتجارة والصيد، والثروة الحيوانية، والنباتية، والماء، والري، والثروات الباطنية، وطرق النقل ، ووسائل النقل، والرسوم الجمركية، والنقد، وضوابط هذا كله، وعائدات العاملين فيه ، ونصيب الإدارة والدولة، هذا الوضع في المدينة قبل أن يأتي النبي، موارد ضعيفة، سوء توزيع للدولة.
هناك طرفة: كان بعض الفلاسفة البريطانيين صاحب دعابة، فكان له لحية كثيفة جداً، أما رأسه ما فلا شعرة فيه، فلما سئل قال: وفرة في الإنتاج، وسوء في التوزيع.
أحياناً يكون النقص في الإنتاج، وفوق هذا النقص سوء في التوزيع، لذلك واجه النبي هذه المشكلة، نقص في الإنتاج، وسوء في التوزيع، اليهود مسيطرون، الأسعار بيدهم، الربا بيدهم، الموارد بيديهم.

الضوابط التي أقرها النبي لمعالجة الاقتصاد:
الآن ما هي الضوابط التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام معالجة الاقتصاد ؟ وأقول لكم هذه الكلمة: أية أمة ما لم تعالج مشكلاتها الاقتصادية هي أمة سوف تدمر، لأن الإمام علياً كرم الله وجهه أدرك قبل 1400 عام أن الفقر علة العلل، فقال: << كاد الفقر أن يكون كفراً >>.
في خطبة العيد اقتبست من هذه الكلمة كلمات، فقلت: وكاد الفقر أن يكون إرهاباً، وكاد الفقر أن يكون اختلاساً، وكاد الفقر أن يكون تخريباً، تجد أي حركة من الجياع ينهبون، ويحرقون، ويدمرون، لأنه ليس عندهم شيء يخسرونه، وهم ناقمون.
لذلك البطولة في تنمية الموارد، وحسن توزيعها وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.

1 – الاقتصاد عبادةٌ تعاملية:
أولاً: من القواعد الاقتصادية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام أن الاقتصاد دين، وألصق شيء بك العبادة التعاملية، ألا تكذب، ألا تغش، ألا تدلس، ألا ترفع السعر، ألا تستغل، ألا ترابي، ألا تحتكر، ألا تزين السلعة بما ليس فيها، أكثر من مئة معصية بالبيع والشراء.
فالبطولة أن النبي عليه الصلاة والسلام قرر أن الاقتصاد دين، أي أن العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
أنت تبيع الزيت، فتحت المحل صباحاً، فإذا في علبة الزيت فأرة، ولا أحد يستطيع أن يكشف الغلطة، ماذا يعني أن الاقتصاد دين ؟ أن هذه العلبة ينبغي أن تبيعها لمعمل الصابون، وألا تبيعها للمسلمين، فإذا بعتها للمسلمين خنت الأمانة، وألغيت عباداتك، إن هذا العلم دين، وإن الاقتصاد دين.
أنواع الغش لا تعد ولا تحصى، قد تشتري بضاعة من بلد متخلف صناعياً، تضع عليها إشارة إلى أنها مصنعة في أرقى بلد صناعي، تأخذ السعر مضاعفًا، وأنت بهذا كاذب.
(( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب ))
( رواه البخاري، وأبو داود عن سفيان بن أسيد )
إذاً: العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
(( من غش فليس منا ))
( أخرجه الترمذي عن أبي هريرة)
والأمثلة لا تعد وتحصى.
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
(رواه الطبراني عن ابن عباس)
أن يكون طعاماً طيباً ؟ لا، كل طعاماً اشتريته بمال حلال، أي كسبته بتجارة ليس فيها غش، ولا كذب، ولا احتيال، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا إيهام، إذاً: العمل المشروع دخله مشروع، إن اشتريت به طعاماً فالطعام طيب.
(( إنّ الله طَيّبٌ، ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً ))
( رواه فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ)
وهذا الحديث بالاقتصاد يعد من جوامع الأحاديث:
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
أنت موظف، والمواطنون في أشد الحاجة إليك، وعلى الكوة مئات المواطنين، فتجلس، وتدير حديث مع صديقك، والناس فوق بعضهم بعضاً، ولا يعنيك من أمرهم شيئاً، أنت بهذا خنت الأمانة.
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
لأن هذا الراتب الذي تأخذه على هذا الدوام المتقطع جزء منه حرام، فإذا اشتريت منه طعاماً فالطعام غير طيب، لأن فيه جزاءاً حراماً، لو عرف الناس هذا الحديث لكنا في حال غير هذا الحال.
الاقتصاد دين، وأي عمل اقتصادي يعد جزاءاً من الدين.
مثلاً: عندك مدجنة، وجدت عشر فراخ ميتة، أنت تسلم مذبوحًا، تقدر بكل بساطة، تذبح الميت، وتضعه مع المجموع يمرق، يأتي فروج مشوي، يأكل المسلم لحمًا ميتًا، أنت خرجت من دينك، أنت خنت الأمانة، أصبح ربحك حراماً، وطعامك خبيثاً، ودعاءك غير مستجاب.
طلبُ الفقه واجبٌ:
الآن الضوابط الحلال والحرام وفق التشريع الإلهي يحدد ذلك، لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، أن تعرف الحلال والحرام جزء لا يتجزأ من دينك.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، طلب الفقه فريضة بعد الفريضة، لا بد من أن تسأل ما حكم هذا البيع.
ببساطة يقول لك أخ: أنا مضطر لشراء بيت، معي نصف ثمنه، فهل تساعدي بالنصف الآخر على أن أجعل البيت ذا أجرة لك ؟
بيت مثلاً أجرته عشرة آلاف بالشهر، نصفه لك، أنا أعطيك خمسة آلاف، لكن صاحب هذا المبلغ لما أراد أن يسترد مبلغه يأخذه بالتمام والكمال، مادام لم يقيّم البيت تقييمًا جديدًا، وأخذ الذي دفع المبلغ بالتمام والكمال، فهذه الأجرة ليست أجرة، ولكنها فائدة.
من دخل السوق من دون فقه أكل الحرام شاء أم أبى، أما إذا قيم البيت تقييمًا جديدًا، وسعره ارتفع أو انخفض، ونال نصف ثمنه على التقييم بالأجرة فهذا حلال.

2 ـ المساواة بين أفراد المجتمع:
المساواة بين أفراد المجتمع هذه قاعدة اقتصادية، المساواة بين أفراد المجتمع.
والاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده، لماذا فرض الله الزكاة على المسلم ؟ قد تجيبني بألف جواب، لكن هناك جواب قد لا يخطر في بالك، هو أرقى جواب، أن هذا المال إن لم تستثمره تأكله الزكاة، فإن الشرع أراد أن تستثمره لئلا تأكله الزكاة.
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ))
(أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس )
3 ـ المنافع متبادلة:
إذاً، معك مبلغ من المال، اعمل مشروعًا، ائتِ بإنسان معه خبرة بلا مال، أنت معك مال بلا خبرة، وتعاونا على المشروع، والربح بينكما، هذه المضاربة، وكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، أخذ مال خديجة، واتجر به، وكان الربح بينهما.
تحقيق العدالة في التجارة ينطلق من مبدأ، أن تكون المنافع متبادلة، أنت عندك دكان بأحد أحياء دمشق، نزلت فجراً إلى سوق الخضار، جئت بخضار وفواكه وحاجات، جارك استيقظ السابعة والنصف، جاء إليك، وأخذ حاجاته، بسعر أعلى من ثمن شرائك، نظير ذهابه باكراً، ودفع المال، وحمل البضاعة، وأتى بها، أنت وجدتها إلى جانب بيتك، هو انتفع ربح، وأنت انتفعت، ووفرت وقتك وجهدك، هذه منفعة متبادلة.
لذلك الذي يضبط الحلال أن المنافع فيه متبادلة، والذي يضبط الحرام أن منتفعة بنيت على مضرة، أوضح شيء السرقة، السارق انتفع بالمال، أما الذي أُخذ المال منه أصابه ضرر كبير، انتفع واحد، وتضرر الثاني، إذاً: الدخل حرام.

من ملامح الاقتصاد تحقيق العدالة، وتوزيع الثروة، وتحقيق التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
4 ـ حقُّ المنافسة:
شيء آخر يتصل بالاقتصاد الحر: حق المنافسة بين الناس في الكسب، وفي الملكية، أنا أقد سلعة مستواها عالٍ جداً أرفع سعرها، والإنسان مخير في سلع رخيصة وسلع غالية، الرخيصة غير متقنة، والغالية متقنة، أنا أنوع بالأساليب، البضاعة تصل إلى البيت، خدمات في الليل، عبر الهاتف، في خدمات أؤديها، أتنافس، والتنافس مشروع ، ومن حق المستهلكين التنافس.
إذاً: من مبادئ الاقتصاد التي أرساها النبي عليه الصلاة والسلام حق المنافسة بين الناس في الكسب والملكية، ولكن ضمن شروط الحلال والحرام، وضمن قواعد الأهداف العامة للمجتمع.
أيها الإخوة، وأقول لكم هذه الكلمة: ما لم تكن متفوقاً في دنياك لا يحترم دينك، وأعوذ بالله من فقر الكسل، هناك فقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه مشكور، سيدنا الصديق افتقر فقر إنفاق، قال له: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله ، هذا فقر إنفاق، هناك فقر قدر، لعاهة تمنعه أن يكسب المال، لكن وصمة العار هي فقر الكسل، وعدم الإتقان، وعدم الدوام، والإرجاء، والتأجيل، وعدم الاهتمام، كل هذا يؤدي إلى انصراف الناس عن هذا المحل.
أحيانا ترى محلا في طريق السفر، الغلة اليومية خمسة ملايين، وإلى جانبه مطعم لا ولا زبون فيه، هنا إتقان.
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
( سورة المطففين ).
إن شاء الله في درس قادم نتابع هذه الموضوعات المهمة، وأن ألقي القواعد الاقتصادية من خلال هذا الدرس تحقيقاً لمنفعة العامة.
أنت حر بقدر ما أنت قوي، وأنت قوي إذاً أنت حر، فهناك علاقة بين الحرية، وبين القوة المالية.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:46 PM   #53


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثالث و الخمسون )

الموضوع : الاسس التى رسخها النبى فى الاقتصاد الاسلامى





أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا زلنا في المدينة المنورة، ولا يزال النبي عليه الصلاة والسلام يرسخ الأسس، أسس العلاقات الاجتماعية، أسس التعليم.
وقد بدأنا في اللقاء السابق بالأساس الاقتصادي، وكان الشرح حول تنمية الموارد ووضع العلاقات.
الأسس التي بنى عليها النبي عليه الصلاة والسلام الاقتصاد الإسلامي:

أما إذا أردنا أن نقف وقفة متأنية عند الأسس التي رسخها النبي عليه الصلاة والسلام للاقتصاد الإسلامي فهناك نقاط لا بد من الحديث عنها.
الأساس الأول: الاقتصاد من الدين:
أول نقطة: الاقتصاد من الدين، وتنظيم العلاقة بين المسلمين الاقتصادية من الدين، والتعليم من الدين، وإصلاح الشؤون الحياتية من الدين، وتأمين حاجات الإنسان من الدين.
أنا لا أصدق أن الدين فُهم فهماً كهنوتياً، ولم يفهم فهماً حياتياً، هذا سيد الخلق وحبيب الحق، هذا الإنسان الأول فهم الدين عملاً وتعاوناً، أن يرى شاباً يتعبد ربه وقت العمل، فيسأله النبي عليه الصلاة والسلام: من يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، أمسك بيد أحد أصحابه، وكانت خشنة من العمل، رفعها وقال لأصحابه: هذه اليد يحبها الله ورسوله.
رأى النبي وكان مع أصحابه شاباً ينطلق من بيته إلى عمله فقال بعض أصحابه: لو كان هذا في سبيل الله، فقال:
(( من سعى على أهله فهو في سبيل الله، من سعى على أولاده فهو في سبيل الله ))
( ورد في الأثر )
النبي الكريم أعطى الدين مفهوما واسعا جداً، وأنت في دكانك تبيع المسلمين بالصدق والأمانة، تعطيهم سلعة جيدة، بسعر معتدل، أنت في عبادة.
وأنت في عيادتك تعالج المرضى بإخلاص وإتقان، واعتدال في الأجر، فأنت في عبادة.

وأنت في حقلك تسهم في تخفيف المتاعب عن الأمة، تقدم لهم الإنتاج الزراعي بشكل جيد، دون أن يؤذيهم بمواد ممنوع استيرادها، فأنت في عبادة.
حينما تفهم الإسلام هو الحياة ترى أن الاقتصاد جزء من الدين، وحينما انفصلت الحياة عند المسلمين عن الدين فصار الدين عبادات فقط، والحياة لها مجال آخر، والمسلمون ابتعدوا عن هذا الفهم الصحيح فضعفوا، ولما ضعفوا تسلط عليهم الأعداء.
وكنت أقول دائماً: لا يمكن أن يحترم دينك إلا إذا تفوقت في دنياك، مسلم لا عمل له، متواكل، يمد يده، يتضعضع أمام غني، أهذا هو المسلم ؟! النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ))
( البخاري عن حكيم بن حزام )
يجب أن أؤكد لكم الحقيقة: الاقتصاد من الدين، أن تفتح محلاً تجارياً، تكسب المال الحلال، تدفع زكاة مالك، تعين الفقراء والمساكين، تربي أولادك، تقدم لهم حاجتهم ، لأنه كما قال بعض أصحاب رسول الله: << حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي >>.
فالعمل جزء من الدين، ويمكن أن يكون عملك كذلك فقط إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وخدمت المسلمين، ولم تكذب عليهم، ولم تغشهم، ولم تسوف، ولم تماطل، وأتقنت عملك، يمكن أن يكون عملك سبباً كافياً لدخول الجنة.
وكلما تقدم المسلمون، وقوي المسلمون، واكتفى المسلمون قوي الإسلام، أما كان المسلمون ضعفاء، يستوردون كل شيء، ولا يصنعون شيئاً، ولا يصدرون شيئاً، وهم تحت رحمة الدول القوية والغنية، أكلهم يستورد، وثيابهم تستورد، وأدواتهم تستورد، ولا يبيعونهم السلاح، هم إذاً تحت حكم أعداءهم، أليس كذلك ؟.
لذلك سيدنا عمر مر ببلدة فوجئ معظم الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين، عنفهم، بل وبّخهم، فقالوا كما يقول الأغنياء الكسالى: إن الله سخرهم لنا، والله قال قولة لا أرتوي من تكرارها، قال لهم: << كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ >>، لأن القوي هو المنتج، والمستهلك ضعيف.
أنت تشتري سيارة، يتعطل فيها شيء، يقول لك: ثمنه ألف ليرة، حاضر ، خمسة آلاف، حاضر، عشرة آلاف، حاضر، أربعون ألفا، حاضر، 150 ألف، حاضر، هذا اسمه عقد إذعان، باعوا لنا طائرة تعمير المحرك خمسة ملايين دولار، أربع محركات بعشرين مليونا، مليار ليرة، كم طنا من القمح هذه ؟ أو من القطن، كم إرسالية ملابس تصدير، لما ملكوا العلم ملكونا، لا تستطيع، أنا أتكلم من واقع، المسلم يعيش سبهللا، كله شغل سيدك، ماذا نريد، هذه هي الدنيا كلها ؟ نحن أملنا بالآخرة، لا الدنيا ولا الآخرة لك، يجب أن تعمل، أن تكون قويا، أول طبيب، أول مدرس، أول محام، أو مهندس، أول تاجر، أول صانع، تجد إخواننا صناعيين، عنده ألف عامل، فتح ألف بيت، لا تكن خمولا، ما هذا الموقف الانهزامي ؟! اعمل، خذ شهادة عليا، خذ الدكتوراه، افتح محلا، أتقن عملك، طور صناعتك، إن لم نفعل هذا فمصيرنا ليس بأيدينا، هذه كلمة دقيقة جداً، يجب أن تكون من النخبة، طالب ؟ الأول، طبيب ؟ الأول، ولا أكتمكم مهما ضاقت الأمور، مهما كسدت الأسواق، مهما انتشت البطالة، المتقن دخله كبير بأي وقت، وبأي مكان، وبأي زمان، المتقن، المتقن لا يتوقف عن العمل، يكون مئة إنسان يحترف حرفة، أحيانا يحدث كساد، تسعون بالمئة لا عمل لهم، أما العشرة المتقنون فمحجوزون لستة أشهر قادمة.

(( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))
( رواه البيهقي عن عائشة )
أنا والله أحترم جميع المسلمين، وأكبرهم والله، أما حينما أرى إنسانا متفوقا يقدم لمن حوله الخيرات فهو ناجح بعمله.
حدثني أخ عامل بشركة برمجية، قال رقما أنا صعب أصدقه من أرباحه بالسنة، ويعيّن مئة عامل تقريباً، كل واحد دخله كبير، يحل مشاكل مئة إنسان، مئة شاب مؤمن، هذا المسلم.
الغرب ملكوا الدنيا وملكونا معهم ، ملكوا الدنيا، وتحكموا برقابنا، ملكوا الدنيا، وفرضوا علينا ثقافتهم، ملكوا الدنيا، وفرضوا علينا صحونهم، ملكوا الدنيا، وأفسدوا أخلاق أهلنا وأولادنا، ملكوا الدنيا، وسخرونا لمصالحهم من التقصير، أنا تأثرت لهذه الكلمة، الاقتصاد من الدين.
أيها الإخوة، مرة ثانية: لن يحترم دينك إن لم تتفوق في دنياك، في بلد إسلامي الاتجاه المناقض للإسلام قوي، فلما أراد أن يقمع الاتجاه الإسلامي فوجئ أن 60 % من الاقتصاد بأيدي المسلمين، فتهيبوا، وقفوا، لا تكن ضعيفاً، كن قوياً، ضمن القوانين والأنظمة، أما إهمال، عدم تطوير عمل، إرجاء، تسويف، عدم إتقان، عدم إحكام الخطة فلا، لأن العمل جزء لا يتجزأ من الدين.
الأساس الثاني: الحلال والحرام وفق التشريع الإسلامي:

اعمل بالحلال، الحرام اركله بقدمك، الحرام قل له: الله الغني، الحرام لو كان بالملايين، اركله بقدمك، وخمسة آلاف ليرة بالشهر من حلال يبارك الله لك بها.
(( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ))
( رواه الطبراني عن ابن مسعود )
بالدراسة الأول، محلك التجاري نظيف مرتب، المواد درجة أولى، سعر معتدل واصل للبيت، دوام محدد، تجد تألقت.
صدقوا أيها الإخوة بعضكم شباب، بأي وضع، بأي ظرف، إن أتقنت العمل تفوقت، وربحت.
أحياناً نجد شركة أتقنت جداً أول فرع، ثاني فرع، ثالث فرع، رابع فرع خامس فرع، بالشام، لماذا ؟ فيها إتقان، دائماً وأبداً المتقن دخله كبير جداً.
اجعلْ همَّك خدمةَ المسلمين:
لي طلاب أطباء، قلت لهم مرة، طبعاً الطبيب وغير الطبيب، لكن الطبيب بالذات: ضع المال تحت قدمك تربحه، اجعله هدفك تخسره، همتك أن تشفي هذا الإنسان، ولا تعبأ بالمال، يتألق نجمك، ويتهافت الناس عليك، فتغدو غنياً، أما إذا ابتززت أموالهم، ولم تنصحهم في معالجتهم، واكتشفوا كذلك انصرفوا عنك.
في شيء دقيق: اجعل همك خدمة المسلمين، اجعل همك أن تقدم شيئاً ثميناً اجعل همك أن تكون قوياً.
دققوا في كلام النبي، نحن أحياناً ننسى أن هذا الكلام كلام مقدس لكن لا نطبقه لمَ يقول عليه الصلاة والسلام:

(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
(رواه مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه )
قوي بالمال، قوي بالعلم، متفوق، قوي احتل مركز قوي، بتوقيع يحل مشكلة.
فلذلك الانسحاب من الحياة، والتقوقع، وقولك: الشهادة لا يخرج منها شيء، وهي يخرج منها كل شيء، فلان دكتور، فلان متخصص، أما لا شهادة، ولا علم، ولا عمل حر، عالة على الناس، ومن محل لمحل، وقلبه من الله، ويحب الله كثير، وبالذكر يذوب، ويبكي، وجوعان، لا، اعمل، ادرس، خذ شهادة، أتقن عملا، اكسب مالا، تزوج، أنجب أولادا، احضر مجلس علم، طبق، إن نجحت في حياتك يُنتظر أن تنجح في دينك أيضاً.
لذلك الحلال والحرام من شأن الله وحده، لذلك الحرام مهما يكن بحجم كبير فاركله بقدمك، والحلال تشبث به.
سيدنا الصديق يوم تولى الخلافة، حمل القماش على كتفه ليكسب رزق يومه من البيع والشراء، حتى منعه الصحابة الكرام من ذلك، وأعطوه حاجته.
والله مرة أحد إخواننا طالب طب في الصف الثالث، يقول: لي إن أخاه ينفق عليه، أخوه يعمل في صنع الثريات، يعمل، وينفق على أمه وأخيه الصغير، وعلى أخيه الطبيب في الجامعة، أقسم لكم بالله شعرت أن هذا الذي يعمل في الثريات، ولا يضع جانب اسمه د. دكتور، عامل ثريات، لكنه ينفق على أمه وأخيه الصغير، ويغطي نفقات أخيه الطبيب بالجامعة، قلت له: أخوك قلامة ظفره تساوي مئة واحد.
قال له: من يطعمك ؟ قال له: أخي، قال له: أخوك اعبد منك.
من ألمي أن أري المسلمين فقراء جداً، وبعيدين عن مراكز القوة، ويُخطط لهم، ويُستغلون، ووضعهم بائس.
لذلك:
((من جلس إلى غني وتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
(ورد بالأثر )
يعني تمسكن،
(( ذهب ثلثا دينه ))
(( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ؛ فإن الأمور تجري بالمقادير ))
( أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن بسر )
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، المؤمن عزيز، والعمل شرف للإنسان.
أحياناً أرى أخا يعمل في السيارات، تزوره في أثناء العمل تجده لابسًا ثيابًا متبذلة، لا تعرف لونها، كانت زرقاء بزمانها، من الشحم والزيت والوحل ما لها لون أساساً، وعمله بالميكانيك والزيت، يأتي إلى بيته مساء فيغتسل، ويلبس ثيابا أخرى، انتهى، العمل وسام شرف.
هذه كلمة دقيقة: لا تفهم الدين فهما كهنوتيا، افهمه فهما واقعيا، فهما حياتيا، الدين هو الحياة، لذلك أنا أتمنى يكون المهندس داعية، والطبيب داعية، والمعلوماتي داعية، أتمنى يكون لك حرفة متقنة تتفوق بها، وتكون داعية، أما أن تتفرغ للدعوة، ولا معك قرش، لا تتقن صنعة، ولا عملا، ولا أحد يعطيك، تريد أن تحترم الغني زيادة، فتبذل ماء وجهك أمامه، كلما رأيت قويا تنبطح أمامه، لا، اعمل، ارفع رأسك، متى هونت علينا ديننا ؟.
الأساس الثالث: الاستثمار:
الاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده لتحقيق حاجاتهم، وهو الذي سخر لعباده ما في البر والبحر، ما الحكمة أنه إذا معك مليون ليرة وزكاتها 25 ألفا ؟ أربع سنوات مئة ألف، عشرة أضعاف، في أربعين سنة انتهى، إذا كنزت مليون ليرة تنتهي في أربعين سنة تأكلها الزكاة، الحكمة من فريضة الزكاة على المال المخزن أنك إذا خزنته فقدته، يجب أن تستثمره.

مثلاً: سكن رجل في بيت، بيت والده، والده اشترى بيتا من قديم الزمان بمبلغ صغير، بأحياء دمشق الراقية، الآن ثمنه 30 مليونا، يبقى فيه، 30 مليون تحل مئة مشكلة، خذ بيتا بخمسة ملايين، واعمل شركة، ووظف ناسا، واربح، واشترِ بيت ثانيا، تجد التصرف عجيبا، سكونيا، على القديم، غيّر، طوّر، إلى أن تشعر أنك قدمت شيئًا.
أريد منكم هذا السؤال، من حين لآخر اسأل نفسك هذا السؤال، ماذا قدمت لهذه الأمة ؟ هل حملت همّ هذه الأمة ؟ هل أسهمت في تخفيف آلام هذه الأمة ؟ أحياناً تنشئ مزرعة تفاح، ينزل التفاح إلى السوق بسعر مقبول، أمّنت فاكهة جيدة، بسعر أقل، نوعية جيدة، ما مِن إنسان يعمل إلا ويقدم للمجتمع خير، أما الذي لا يعمل فهو عبئ على الآخرين.
أنا كنت أقول دائما: حولي أناس، إما أنني أحملهم، أو هم يحملون الدعوة، والفرق كبير جداً بين من يحمل معك، وبين من ينبغي أن تحمله، فكن عبد الله المعطي، ولا تكن عبد الله الآخذ.
الأساس الرابع: الصدق وعدم الغشِّ والاحتيالِ والابتزازِ:
ليس في النظام الاقتصادي الإسلامي كذب وغش واحتيال.
(( إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا ))
( ورد في الأثر )

لما تكسب مالك الحلال من طريق مشروع يمكن أن يكون النفع لكل الناس، لا احتكار، ولا غش، ولا تدلس، ولا إيهام، ولا غبن، إذا ألغيت معاصي البيع والشراء تهبط الأسعار، الأسعار يحددها قانون العرض والطلب، لمجرد أن تلغى المعاصي يكون السعر الطبيعي المقبول، وهذا شأن اقتصاد السوق أحياناً، البضاعة موجودة بحسب الطلب عليها، ما دامت موجودة فسعرها معتدل، أما حينما تُحتكر تُسحب من الأسواق يشتد الطلب عليها فيتضاعف السعر، هذا مال حرام، واحتكار، والمحتكر خاطئ.
فنحن اقتصادنا فيه ممنوعات، لو ابتعدنا عن هذه الممنوعات يكون العرض والطلب وحده كافياً لاستقرار الأسعار ولاعتدالها، ولهبوطها.
المكاسب المحرمة أساسها منفعة بنيت على مضرة:
وأتمنى أن أوضح لكم: أن المكاسب المحرمة أساسها منفعة بنيت على مضرة وأن المكاسب المحللة الأصل فيها منفعة متبادلة، إنسان في معه مال، لكن لا يحسن استثماره، موظف، أو متقاعد، أو شاب ناشئ ورث عن أهله مالاً، وهناك إنسان معه خبرة ولا مال معه، عنده خبرة عالية جداً، لكن بغير مال، لو تعاون صاحب المال مع صاحب الخبرة على ربح بينهما، واحد قدم لك خمسة ملايين، وأنت أسّستَ محلا تجاريا، أنت مهندس زراعي، بعت مواد زراعية، أنت خبير، معك شهادة، لذلك المضاربة، والمتاجرة، والاستثمار من أحلّ الدخول، لأنه في الأصل منفعة متبادلة، أما الكسب الحرام فمنفعة بنيت على مضرة، أنت احتكرت مادة ضاعفت سعرها أربعة أضعاف، ولا إنسان يحاسبك، الآن في بعض الأدوية الزراعية دواء منتشر بالبلد، وكيله واحد، لا يمكن أن يعطي الوكالة لأحد، يتفق مع الشركة، يقول لك اللتر بـ500 ليرة، 700 ـ 700، 1000 ـ 1000، نقدي محتكر.
لذلك العالم الغربي لا يسمح لاختراع أن يُحتكر من جهة واحدة، الاختراع يجب أن يُباع إلى شركتين، حتى يتنافسوا، والتنافس لصالح من ؟ لصالح المستهلك.
لذلك مجتمع التنافس رائع جداً، مجتمع الاحتكار قاسٍ جداً، نحن بعقلية مهترئة سقيمة نحب اقتصاد الاحتكار، يقول لك: هذه محصورة فيّ، هذه الشركة لي، لا، الاحتكار قد يسبب أرباح فلكية لفئة قليلة على حساب الكثرة الكثيرة.
لذلك الإسلام حقق العدالة في توزيع الثروة، وتحقيق التعامل والتكافل بين أفراد المتجمع الواحد، ومع المنافسة لصالح من ؟ المستهلك، هذا علبة الصابون معها عرض، معها علبة صغيرة، هذه البضاعة معها عرض ثان، لما يكون التنافس من يقطف ثمار هذا التنافس ؟ المستهلك، إذا كان الاحتكار يصبح المستهلك مستهلكاً، يستهلك المستهلك فالمحتكر ملعون، والمحتكر خاطئ.
الاقتصاد عصب الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت.

يجب أن تنجح في جميع مجالات الحياة الشخصية والاجتماعية:
أقول لكم هذه الكلمة الأخيرة: ما من نجاح جزئي، تنجح بعملك، ولا تنجح في بيتك، ليس هذا نجاحاً، تنجح بعملك وبيتك، وما تنجح مع ربك، ليس هذا بنجاح، تنجح مع ربك، صائم، مصل، عابد، مستقيم، لكن ما في يدك لا مصلحة، ولا عمل، ولا وظيفة، ولا شهادة، بل أنت عالة على الآخرين، ليس هذا نجاحاً، لا بد من أن تنجح في كل شؤون حياتك، أبرز هذه الشؤون علاقتك بربك، تعرفه، تطبق منهجه، تقيم أوامره، يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، وأن تنجح مع أهلك.
هناك أشخاص ناجحون جداً، لكنهم مخفقون جداً مع زوجاتهم وأولادهم، يجب أن تنجح مع زوجتك وأولادك، يجب أن تنجح مع صحتك، طبق تعليمات.
صدقوا أيها الإخوة، الدول النامية نفقات المعالجة مئة ضعف، من ضعف الوعي، يحب الملح، ويكثر منه، فيرتفع ضغطه، الضغط ما له أعراض، فجأة خثره بالدماغ فشُل، ليس هناك جهاز ضغط في البيت أساساً، والقاتل الصامت هو الضغط.
الحياة تحتاج إلى وعي، إلى إدراك،

(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
يجب أن تنجح مع ربك، ويجب أن تنجح مع أهلك، ويجب أن تنجح مع جسمك ويجب أن تنجح في عملك، وما لم تحقق النجاح في العمل وفي الصحة، ومع الأهل، ومع الله لا يعد نجاحاً.
يسافر الرجل إلى بلد نفطي، فيأتي معه بثمن بيتين، لكن تفلت أولاده، عاشوا في الطرقات مع رفقاء السوء، الأم عند الجيران، والأولاد مع رفقائهم، لا صلاة، ولا صوم، وانحراف، والزوجة تغلط، هذا نجاح رافقه انهيار أسرة.
أؤكد لكم هذا المعنى: النجاح الحقيقي نجاح شمولي، مع الله، ومع أهلك وأولادك، ومع عملك، ومع جسمك، لا تقطف ثمار النجاح إلا إذا كان شمولياً، لا تعد ناجحاً إلا إذا كان نجاحك شمولياً، هذا ما أؤمن به.
الصحابة تفوقوا، كانوا رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، تفوقوا، كان عليه الصلاة والسلام قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى نظر إليهم فابتسم، حتى رئيت نواجذه قال:
(( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ))
( ورد في الأثر )

المؤمن شخصية فذة، يحيرك بعلمه، بأخلاقه، بجمالياته، أنيق، بيته مرتب، فقير لكن أنيق، ثيابه مرتبة، مواعيده دقيقة، حساباته منتظمة، ثقافته واسعة، بيته منتظم، ناجح مع زوجته، مع أولاده، هذا المؤمن. ليس هناك مؤمن يعيش سهللا:
﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
( سورة الكهف ).
الإيمان مرتبة علمية وجمالية وذوقية:
لا حسابات مضبوطة، ولا مواعيد مضبوطة، ولا بيت منضبط، ولا عمل متقن، وهو يحب الله ! هذا النموذج مرفوض، يجب أن تكون شخصية فذة، الإيمان مرتبة علمية.
" ما اتخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه ".
الإيمان مرتبة أخلاقية، إذا حدثك فهو صادق، عاملك فهو أمين، استثيرت شهوته فهو عفيف، الإيمان مرتبة جمالية، عنده مسحة جمالية في حياته، أذواقه عالية جداً، حتى يكون جذابا من أجل أن تحب الإيمان، تجد شخصا لئيما، خبيثا، منحرفا، لكنه أنيق، بذلته رائعة جداً، معطر، شعره منتظم، أو تجد رجلا طيب الخُلق، ولكن لا يعجبك، يعجبك الجل بقدر ما تحترمه، بقدر ما تحبه، تحبه لكماله، وتحترمه لتفوقه.
إخواننا الكرام، الآن نحن أمام مشكلة كبيرة، ما لم نتفوق فلا يحترم ديننا، والشيء بأيدينا، والحياة واحدة تفوق بها، واكسب دنياك وأخراك.







والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:49 PM   #54


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الرابع و الخمسون )

الموضوع : بعض التفاصيل حول الاسس التى رسخها النبى فى المدينة





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
توطئة:
أيها الإخوة الأكارم، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا زلنا في المدينة المنورة، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أسس فيها قاعدة تعليمية، وقاعدة اجتماعية، وقاعدة اقتصادية، وبدأنا في الدرس السابق بالحديث عن المبادئ الكلية الاقتصادية التي اعتمدها النبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الدرس ندخل في بعض التفاصيل.

تفصيلات القواعد الاقتصادية التي اعتمدها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة:

يجب أن نعلم علم اليقين أن الإسلام هو الحياة، بمعنى أنه لا بد أن نعمل لآخرتنا، وأن نصلح دنيانا.
إنّ الأمة الإسلامية إن لم تكن قوية بمواردها، قوية بخططها، قوية بمشاريعها، قوية بزراعتها، قوية بصناعتها، قوية بتجارتها فلن تستطيع أن تقنع الناس بمنهج ربها.

1- الزراعة:
1 – الحضُّ وتشجيع الزراعة:

فلذلك في شأن الزراعة يقول عليه الصلاة والسلام ـ دققوا ـ يوم القيامة، حيث انتهى كل شيء، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
(رواه أحمد في المسند).
ينبغي أن تعمل إلى آخر وقت في حياتك.
قد يبدو هذا المثل غريباً:
إن الإنسان أحياناً يعمل عملا يقطف ثماره بعد ساعة، أما أن يغرس فسيلة فإنها تحتاج إلى أن تثمر عشر سنوات، والساعة قامت، هذا منتهى التوجيه الحكيم، كيف أن هذه الفسيلة لن تقطف ثمارها قبل عشر سنوات، أو قبل خمس سنوات، أو قبل عشرين سنة أحياناً، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
القول الشهير: ويل لأمة تأكل مالا تزرع، إن أكلت ما لا تزرع فهي تحت رحمة أعدائها، في أية لحظة ينهون حياتها، لذلك لا يكون المسلم مسلماً إلا إذا كان قوياً.
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
[ رواه مسلم عن أبي هريرة ].
ومن القوة تحسينُ الإنتاج.
مرة سألت إنسانا يزرع الخضار في ارضٍ محمية، فهذا البيت البلاستيكي مساحته نصف دنم، سألته: لو زرعت البيت بالطماطم كم ينتج ؟ قال لي: عشرة أطنان، في بلاد الغرب الإنتاج 25 طنا، المساحة نفسها، لوجود وسائل علمية، وتسميد، وبذور مطورة .
في أزمة الدانمارك ظهرت بعض الحقائق، الشعب الدانماركي عدد سكانه خمسة ملايين، يُطعم من المواد الغذائية خمسين مليونا في العالم، وأحياناً يكون سكان بلد خمسين مليونا يستوردون القمح، وخمسة ملايين يطعمون خمسين مليونا !!! وأحياناً بلد فيه سبعون مليونا يستورد مواد أساسية !!!
لذلك الآن بعض الدول في العالم الغربي والشرقي رأت أنه في النهاية المعركة معركة طعام وشراب، كنا في معركة بترول، ثم معركة قمح، ثم معركة ماء، المرجح في المستقبل أن تكون المعركةُ معركةَ مواد غذائية، لأن الإنسان في النهاية كائن له فم يجب أن يمتلئ بالطعام ، مؤمنا كان أو غير مؤمن، مثقفا أو غير مثقف، متعلما أو غير متعلم، عربيا أو غير عربي، لا بد من أن يأكل، فلذلك: ويل لأمة تأكل مالا تزرع.
بعض البلاد المتقدمة جداً الآن تشتري الأراضي في إفريقية كي تزرعها، وكي تنال حاجتها من الغذاء، وأكبر بلد عربي مساحة فيه مليونان ونصف مليون كيلومتر مربع صالحة للزراعة، وفيه نهر أربعة أخماسه يصب في البحر، والأرض معطلة عن الزراعة، والماء يذهب في البحر هدراً، والشعب فقير جداً أيعقل هذا ؟!.
أيها الإخوة، هذا درس بليغ لنا:
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
في بعض المحافظات الجنوبية في سورية نشأت مشاريع زراعة تفاح في أعلى درجة، هذا الإنتاج الغزير خفض السعر، فإذا استصلحنا أراضينا، وبنينا السدود، وحفرنا الآبار، واكتفينا عن أن نستورد الغذاء أصبحنا أقوياء، أما كلُّ شيء نستهلكه مستورد فهذه مشكلة كبيرة.
2 – تشجيع إحياء الأرض الميتة:
لقد سعى النبي عليه الصلاة والسلام لتحسين الإنتاج، وزيادته، وتوسيع الأراضي المزروعة، وإصلاح الري، وتوفير الماء اللازم للزراعة، وتشريع العلاقات الزراعية، وهناك تشريعات كثيرة في هذا، وأهم شيء أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ ))
(أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن سعيد بن زيد)
أيْ: حفر بئرا، وزرع أشجارا، قلبها من منطقة صفراء إلى منطقة خضراء، إذاً: هي له، والآن في بعض البلاد عندهم مشروع، اسمه المشروع الأخضر، أيّ إنسان يحق له أن يأخذ قطعة من الجبل، فإذا قلب هذه الأرض الصفراء إلى أرض خضراء فهي ملكه، لا يوجد نظام يشجع على الزراعة مثل هذا النظام، وتحويل الأراضي القاحلة إلى أراضٍ خضراء، وتكثير الإنتاج، وتخفيض الأسعار، وإشاعة الرخاء كهذا المشروع.
(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها ))
( الجامع الصغير بلفظ: " مَن أعمر أرضا... " عن عائشة بسند صحيح )
الإحياء هو الغرس، والزرع، وحفر البئر، وموطن رعي الدواب زراعة النخيل.
النخيل الذي أكل منه النبي عليه الصلاة والسلام لا زلنا حتى الآن تقطف ثماره وتسوّق، لأن عمر النخلة ستة آلاف عام.
لذلك أنا أشكر الحكومة عندنا على هذا، ففي قطع الشجرة غرامة تصل إلى خمسين ألف ليرة، وفي الخليج قطع الشجرة غرامتها مليون ليرة، لأنها تجلب الأمطار، وتلطف الجو، وتحسن المنظر.
(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ ))
(( من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها ))
والإحياء هو الغرس، والزرع، وحفر البئر، وإيجاد موطن رعي الدواب، وزراعة النخيل، وأصل الإحياء إنما هو بالماء، وذلك كاشتقاق نهر، واستخراج عين، أو حفر بئر، أو بناء غرفة، أو غرس شجرة، وما إلى ذلك.
اليوم الناس كلهم نزحوا إلى المدينة، فترى بسبب هذا أحياء مكتظة، وتلوثا عاليا، وأزمة سكن، وأزمة مواصلات، وهذا شيءٌ لا يحتمل، والريف فارغ، الآن الدول المتقدمة الريف فيه خدمات إلى درجة لا تصدق، فهناك النزوح عندهم من المدينة إلى الريف، وعندنا بالعكس، من الريف إلى المدينة، كلما حسنت خدمات الريف اتجه الناس نحو الريف، لأن الجو هادئ، والهواء نقي، والماء عذب، والهواء منعش، والمناظر خلابة، لكن الآن ما عندنا مناظر خلابة، الناس يميلون إلى المدينة، وأعلى نسب تلوث في العالم في المدن.
من ألهم النبي الكريم هذه الإجراءات ؟ هذه إجراءات حضارية، قال في التجارة: تلك الزراعة.
2- التجارة:

1 – إقامة سوق للمسلمين:
وأما في التجارة فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة سوقاً واحدة أراد أن يتخذها أولاً في موضع في بقيع الزبير، واعترض كعب بن الأشرف أحد زعماء اليهود المناوئين للإسلام، وقطع حبال الخيام التي وضعها النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الموضع، فنقلها النبي إلى موضع سوق المدينة، وقال:
(( هذه سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج ))
( ورد في الأثر )
هناك بلد إسلامي أنشأ بناء ضخما جداً في العاصمة من سبعة طوابق، وكل طابق فيه تقريباً ألف مكتب تجاري، والمكتب محل تجاري، ومكتب استيراد، ومستودع، وموقف لسيارتين، هذا البناء فيه كل ما يحتاجه التاجر، من معاملات، ومن وزارات، ومن مؤسسات، لا يخرج من هذا المكان إطلاقاً توفيراً للوقت والجهد، فصارت التجارة سهلة.
أحياناً عندنا تصديقُ الوثيقة من المكان الفلاني، وفحص البذور في مدينة في الشمال، والنبات استنباته في محافظة في الجنوب، فتجد أربعة أخماس وقت الإنسان من مكان إلى مكان، هذا البلد الإسلامي جمع المصالح كلها في مكان واحد، الآن هناك اتجاه أن يجعلوا كل الوزارات في مكان واحد، لتوفير الوقت والجهد.
لذلك خطط النبي الكريم للسوق التجاري، فلا يضيق، لأن المكان واسع، ولا تحتاج إلى موقف سيارة، أو مكان إناخة الجمل، الحياة هي الحياة، السوق التجاري يحتاج إلى موقف، وبعض الأسواق في أسترالية أربعة أخماسها مواقف سيارات.
فكان النبي يقول: هذا السوق لكم أيها المسلمون، فيها مكان لإناخة جمالكم، يتجول المسلم ويشتري، يركب جمله ويمشي، يركب مركبته ويمشي، نقلها النبي عليه الصلاة والسلام إلى موضع إلى سوق المدينة، وقال:
(( هذه سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج ))
ليس عليها ضرائب، وكانت سوق المدينة فضاءً واسعاً لا بناء فيه، يضع التجار فيه سلعهم، والمكان لمن سبق، يبيع فيها أصحابها ما يعرضون من حاجاتهم المختلفة، وكان الراكب ينزل بسوق المدينة، فيضع رحله، ثم يطوف بالسوق، ورحله أمام عينيه لا يحجبه عنه شيء.
إذاً: تيسير مكان للباعة من تخطيط النبي، وإقامة أسواق من تخطيط النبي.
كنت مرة في أمريكا، وجدنا سوقا هي أرخص سوق في الولاية، الأرض ليست مبلطة، بل هي من الإسمنت، والرفوف من أرخص أنواع الرفوف، ما فيها موظف، بل هناك خدمة ذاتية، وكل المواد عبوات مفتوحة، الكمية حرة، أريد ثلاثين حبة من هذا الدواء، يعد ثلاثين ويضعها في ظرف، ويعطيكها، الأسعار رخيصة جداً، فكل الطبقة المتوسطة تتهافت على هذا السوق.
إحداث سوق مع توفير خدمات هذا من الدين، هؤلاء الباعة يجب أن يكون لهم مكان، وليس كلما جاء شرطي يهربون، ويحملون حاجاتهم، ويولون مدبرين، فتوفير الأسواق، وتوفير الحاجات، والخدمات أمرٌ ضروري.
والله هناك أماكن للنزهات، حمامات بمياه ساخنة، مكان لشيّ اللحم، ألعاب للأولاد، مساحات خضراء، هذه مهمة من يقوم على إدارة شؤون الأمة.

2 – تشجيع الحِرَف:
الآن مع الحرف الصناعية: كانت الحياة المهنية والصناعية في المدينة تتوافق مع الظروف العامة في بلاد العرب، تبدو فيها البساطة بشكل عام، فاللباس وما يتعلق بصناعة الملبوسات كان غاية في البساطة والقلة، الآن في هذه البلاد الإسلامية يكفي الرجلَ قطعةُ قماش فقط يُلفّ على جسمه، والعمامة قماش تلف على رأس صاحبها.
كانت هناك حِرف كثيرة قائمة في المدينة لأداء الحاجات اليومية للناس، وهي محدودة، كالدباغة، ونسج الصوف، وحوائج الركوب، وأدوات المنزل، وحرف البناء، والخيام، والسلاح.
هناك دراسة عن الدول النامية الفقيرة التي تبيع الصوف لبلاد الصناعية، فيرجع القماش مصنعا من الصوف، بكم ضعف عن ثمن البيع ؟ 3700 ضعف عن ثمن الشراء، يرجع قماشا مصنعا غاليا جداً، فهؤلاء يغتنون على حساب الشعوب النامية، وضعف نسيجها.
3 – الصناعة:
قال الله عز وجل في الحرف والصناعة: ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾
( سورة هود الآية: 37 ).
أساساً قوم عاد كانت متفوقة جداً في ذلك، قال تعالى: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
( سورة الشعراء ).
كانوا متفوقين في البنيان، وفي الصناعة، وفي النواحي العسكرية، وفي النواحي العلمية: ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾

( سورة العنكبوت ).
﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾
هذه صناعة النجارة والنجارة.
آية أخرى:
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
صناعة الحديد الدروع.
إذاً: عندنا نجار، وعندنا حداد.
والآية الأخرى:
﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ﴾
( سورة سبأ الآية: 11 ).
درع سابغة، أو أوان للطعام.
وهناك صناعات حربية ومدنية.
﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾
( سورة النمل الآية: 44 ).
الحقيقة أن هناك شيئًا مدهشا، أن الملكة بلقيس جاءت إلى قصر سليمان، فلما دُعيت إلى دخول قصره وبهوه رأت ماء يجري، فرفعت ثوبها قليلاً، لأنهل تصورت أن هذا المكان فيه ماء، صحيح أن فيه ماء، ولكن فوقه بلور صافٍ، 100 %، هذه صناعة متفوقة جداً.
﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ﴾
فتقدمي ولا تخشي الماء، فصغرت.
لقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أهمية السلاح والأدوات البحرية كالمنجنيق، والسيوف، والأقواس والسهام، وغيرها، وكان أعظم توجيه صناعي قدمه النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))
( أخرجه البيهقي عن عائشة ).
تجد الصناعة غالية جداً، أحيانا الفرق بأربعة أضعاف للإتقان فقط، لذلك:
(( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))
والآن أيّ إنسان إذا كان عمله متقنا تكون أرباحه عالية، لأن عليه إقبالا شديدا، في أي مجال صناعي، أو تجاري، أو زراعي، وقد تجد مطعما في اليوم غلته مليون ليرة، ومطعم إلى جانبه غلته عشرة آلاف، الفرق في الإتقان، لذلك هذا حديث أصل في الصناعة:
(( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))
اشترى أحدهم غرفة ضيوف، جلبها إلى البيت، وجاءه ضيوف في اليوم الأول، جلسوا على أريكة فانكسرت بعض القطع منها، فذهب إلى النجار غاضباً مزمجراً يغلي، فقال له: لعلكم جلستم على هذا الطقم !؟ طبعاً هناك أعمال سيئة جداً.
لذلك الدول النامية فوق أنها نامية بضاعتها غير مقبولة عند التصدير، فيها غش وفيها تقصير.

أنواع الصناعات في المدينة النبوية:
وكان من صناعات الإتقان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الصناعات التي تقدمت في المدينة الصباغة، والدباغة، وقد شاركت فيها النساء أمثال زينب بنت جحش، وأسماء بنت عميس، وكان أهل المدينة يصنعون الخوصة فتعلم منهم سلمان الفارسي، وقد صنع منبرا من الخشب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش إلى سنة 654 هجري.
ماذا فعل النبي ؟ فقط دعا إلى الله ؟ أسس قاعدة اقتصادية، هيأ سوقا، أعطى توجيهات معينة.
(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ ))
( أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن سعيد بن زيد )
طبعاً الحياة بسيطة جداً، ولكن فيها الأمور الأساسية لنمو الاقتصاد.
4 – الثروة الحيوانية:
هناك ثروة حيوانية في المدينة بعد الهجرة، وكان أهم شيء فيها العناية بالخيول والإبل، والحيوانات المستخدمة في الجري والركوب، لذلك أعطي الحصان أو الفرس من أسهم الغنائم ما يعدل ضعف نصيب صاحبه، لأهميته في ميدان القتال، فصار هناك تنشيط لتربية الخيول، الآن فقط للسباق.
أما قديماً فقد كانت للحرب، هناك ملكيات عامة، هي مواد أساسية ممنوع أن يتملكها إنسان.
مثلاً: يقول عليه الصلاة والسلام:
(( الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ ))
(ابن ماجه عن ابن عباس)
هذا الماء تدفع أنت أجرة خدمات المؤسسة لا ثمن الماء، فالثمن أجور خدمات.
والله هناك قرية في الغرب السوري فيها تقريباً ثلاثون مزرعة، وأصابتها سنوات جفاف متتابعة، كان رعاة الغنم كلما دخلوا إلى مزرعة لإسقاء الغنم طردوا وعنّفوا، إلا مزرعة واحدة استقبلتهم على الرحب والسعة، بل إن صاحب المزرعة بنى للغنم خندقاً يملأ بالماء كي يسهل الشرب لأعداد كبيرة الغنم، يقسم لي إنسان في هذه المنطقة إنه بعد عامين جفّت آبار الثلاثين مزرعة، إلا هذا الذي استقبل هذه الكائنات، وأشربها ماء فراتاً.
5 – نظام الزكاة:
أما التعاون فكان أساسه نظام الزكاة، فإذا كانت أرض الإنسان المزروعة قد سقاها بماء البئر فإن زكاة أرضه العشر، وإذا كان سقيها بماء السماء فزكاة إنتاجه الزراعي نصف العشر، لذلك صار توزيع الخيرات على الفقراء بشكل كبير.

خاتمة:
الحقيقة أيها الإخوة، قضية الاقتصاد الآن ترتقي إلى المرتبة الأولى، مع أن هذا الذي ذكرته يعني قضايا بسيطة ومتواضعة، لكن لها دلالات كبيرة، النبي عليه الصلاة والسلام أرسى نظاماً اقتصادياً عني بالزراعة، والصناعة، والتجارة، والحرف، ونظم العلاقات التشريعية بين كل هؤلاء.
على كلٍ أيها الإخوة، في لقاء آخر إن شاء الله ننتقل إلى موضوع القاعدة الإدارية، والأمنية، والدعوية في المدينة المنورة.








والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:52 PM   #55


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الخامس و الخمسون )

الموضوع : تاسيس القاعدة الادارية و الامنية و الدعوية





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مقدمة وتذكير:

أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في بناء الدولية الإسلامية في المدينة، والحديث اليوم عن تأسيس القاعدة الإدارية والأمنية والدعوية، وهو آخر موضوع في مثل هذه الموضوعات.
مر معنا أيها الإخوة كيف كانت بداية بناء المجتمع المدني بإقامة عهد المدينة، والذي نص على أن أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، وهذا مِن فِعل النبي عليه الصلاة والسلام، فكأنه أول من رسخ مفهوم المواطنة أو التعايش، والعالَم اليوم في أمسّ الحاجة لمفهوم المواطنة والتعايش حقناًَ للدماء.

أسس القاعدة الإدارية في الإسلام:
1 – التشريع من عند الله وحده، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
حينما يشرّع الإنسان فإنّه يشرّع بنظر قاصر، يشرّع من زاوية واحدة، ولمصلحته، فيأتي تشريعه ناقصاً، فإذا حابى نفسه في التشريع، وحرم غيره نشأت الفتن، ولكن من أولى الخصائص المنهج الإلهي أن المشرّع ليس بشراً، هو خالق البشر، هو خالق الجميع، لا يحابي أحداً، ولا يحرم أحداً، ولا يعطي أحداً ما ليس له.
لذلك النفوس جميعاً تخضع لتشريع سماوي، ولا تخضع لتشريع من بشر عنده قصر نظر، أو عنده رؤية محددة، أو عنده أهواء ومصالح يريد أن يحققها على حساب المجموع العام.
هذا مبدأ من مبادئ الإدارة:

(( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
سيدنا الصديق رضي الله عنه في أول خطاب خطبه قال فيه: << أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم >>.
في مجتمع المسلمين أمر الله هو النافذ، تشريع الله هو المعتمد، الأمة الإسلامية تشريعها القرآن، وتفاصيل تشريعها سنة النبي العدنان، هذا الذي قامت عليه القاعدة الإدارية.
مثلاً: غير مسموح لبلاد المسلمين أن يُنشَأ فندق من خمس نجوم ما فيه خمر، هذه القاعدة لمن ؟ مَن قالها ؟ ما دام الفندق من خمس نحوم فلا بد له من مسبح مختلط، ومن بيع خمر، وفي نظام الإدارة الإسلامية الخمر محرمة، فيكون الفندق خمس نجوم، وسبع نجوم، وعشر نجوم، وما فيه خمر، وأحيانا يتهمون المسلمين أنهم متمسكون بتعاليم دينهم تعصبا أو تمسكا ضيقا، والحقيقة أن عند الطرف الآخر قواعد تافهة، ولا معنى لها، والجميع متمسكون بها تمسكا مذهلاً.
لذلك الآن في العالم الإسلامي لا تعطى فرصة لفندق خمس نجوم إلا إذا وزع فيه الخمر، ولحم الخنزير، هذا تشريع مَن ؟ من قال ذلك ؟ هذا القاعدة من قعدها ؟ من شرعها ؟ أما في مجتمع المسلمين الحقيقي فأمر الله هو المعتمد،

(( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
الآن من لوازم العرس عند المسلمين أن يجلس العروس على منصة وأمامه المدعوات في ثياب فاضحة مبتذلة.
(( كاسيات عاريات، مائلات مميلات ))
(رواه مسلم عن أبي هريرة)
من قال ذلك ؟ فإذا اعتذر أن يجلس أمام المدعوات يظن أن به عيباً خطيراً، مَن قال ذلك ؟ إنها تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان.
أبلغ من ذلك: هناك مصمم أزياء يهودي في فرنسا، تصميم ثياب المسلمات بيده، يقصر منها، ويطيل، يضيق، يحدِث شقا، فأعراض الجهلة بيده، وهو مصمم أزياء يهودي، وكأن صرعات الأزياء منهج يعبد من دون الله، يقول أحدهم: لا أقدر، إنها ( موضة )، من قال ذلك ؟
القاعدة المعتمدة في النظام الإداري الإسلامي:
(( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
(أحمد عن علي)
طاعة الله ورسوله، والالتزام بكتاب الله، وسنة رسوله، هذه قاعدة أولى.
نحن أمة معنا وحي السماء، نحن أمة أكرمنا الله بخاتم الأنبياء، نحن أمة معنا دستور من عند خالق الأكوان، فلا معنى لوجودنا، ولا لتقدمنا، ولا لتألقنا إلا بطاعة ربنا.
2 – الشورى بين المسلمين:
القاعدة الثانية في النواحي الإدارية التي أرسى دعائمها النبي عليه الصلاة والسلام هي الشورى فيما بين المسلمين. ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾
( سورة الشورى الآية: 38 ).
أبلغ من ذلك: أن هذا النبي الكريم، وهو الإنسان الأول سيد الأنبياء، وسيد الرسل، وسيد ولد آدم، أمره الله أن يشاور أصحابه، قال: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 ).
فالمشاورة منهج إسلامي تقوم عليه الدولة الإسلامية.
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام شاور زوجته أم سلمة في صلح الحديبية، وأخذ بمشورتها، ونجحت مشورتها، الشورى مبدأ.
أنا أقول لمن تولى أمر مؤسسة أو مستشفى، أو جامعة: اسأل مَن حولك، خذ برأيهم، من أنت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله أن يشاور أصحابه ؟.

ومضات مشرفة من مشورة النبي لأصحابه:
الآن ومضة تؤكد هذه الحقيقة:
موقع الجيش الإسلامي في غزوة بدرٍ:
لحكمة بالغةٍ أرادها الله عز وجل حجب الله عن نبيه الكريم الموقع المناسب يوم بدر وحياً وإلهاماً واجتهاداً، فلم يأته الوحي بالموقع، ولم يحسن اجتهاد الموقع، ولم يلهم صواب الموقع، لحكمة بالغة، فجاء صحابي جليل قمة في الأدب، فسأل النبي على استحياء، قال: يا رسول الله، هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك، فإذا كان وحيا فلا نتكلم كلمة ولا حرفا، أم هو الرأي أم المشورة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والمشورة، أي اجتهاد، فقال هذا الصحابي الجليل: والله يا رسول الله ليس هذا بموقع، بكل تواضع، وبكل رحابة صدر، وبكل نفس رضية، وبكل تقدير، فقال له: جزاك الله خيراً، أين الموقع المناسب ؟ فدله عليه، أمر أصحابه أن يتحولوا إليه، هذه هي الشورى.
لأن فضيلة الرجوع إلى الحق لا يمكن أن تظهر من النبي، لماذا ؟ لأنه معصوم لا يخطئ، فالله عز وجل حجب عنه الموقع المناسب، حجبه وحياً، وحجبه إلهاماً، وحجبه اجتهاداً، كي يشرع لنا فضيلة الرجوع إلى الحق.
نسيان النبي ركعتين مِن صلاة الظهر:
النبي لا ينسى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾
( سورة الأعلى ).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ))
(متفق علي)
سأل أصحابه عن حقيقة الأمر، وهذا اسمه تقصي الحقائق، فإذا بهم يؤكدون أنه صلى ركعتين، وقد ورد في بعض الكتب أنه قال: إنما نُسيت كي أسن، النبي لا ينسى، إذاً: كيف يشرع لنا سجود السهو، مستحيل، إلا أن ينسيه الله عز وجل، لذلك قال تعالى:

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
( سورة الأعلى ).
لحكمة بالغة.
من خصائص مجتمع المسلمين:
إذاً: مجتمع المؤمنين أمرهم شورى بينهم، مجتمع المؤمنين يتشاورون، يتناصحون، يتبادلون الخبرات، يؤثر بعضهم بعضاً، يتطاوعون، ولا يتنافسون، هذه من خصائص مجتمع المؤمنين.
من خصائص مجتمع المسلم: أن المؤمنين يبذلون كل ما يملكون من نفس ومال ومتاع في سبيل دين الله، والدفاع عن مقدساته، وحرماته.
إخواننا الكرام، المشكلة أن انتماء الناس لا إلى مجموعهم، ولا إلى دينهم، ولكن انتماء الناس انتماء شخصي، فالبيت الذي دخل صاحبُه السجن في عهد عمر هو شعار كل إنسان، ألاَ و هو:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِهــا وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
الآن هو شعار أيّ إنسان، أهم شيء دخلٌ وفير، بيت، زوجة، نزهات، وعلى الدنيا السلام، تجد البلد مسلما، وتقام فيه الحفلات في والمطاعم، والرقص، والفجور، وحول البلد قتل وإزهاق أرواح، واغتصاب، وكأن المسلمين لا ينتمون إلى مجموع المؤمنين، بل ينتمون إلى ذواتهم، وإلى حظوظهم، وهذا وصمة عار في حق الأمة الإسلامية، بينما الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ ))
(متفق عليه)
وللحديث زيادة:
(( ويكره له ما يكره لنفسه ))
( رواه سَعِيدِ بنِ أَبي سَعِيدٍ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ )
حينما تحمل همّ المسلمين تكون مسلماً، وحينما تحمل همّ المؤمنين تكون مؤمناً، وحينما تبذل كلما تملك من أجل تخفيف الأذى عنهم، أو نصرتهم فهذه علامة الإيمان.
هناك كلمات عند العامة قذرة، لا دخل لنا، فخار يكسر بعضه، سلامتك يا راسي، كل من أخذ أمي فهو عمي، هذه كلمات الكفر والبعد عن الله عز وجل.
3 – المشاركة الجادة والمستمرة في بناء الحياة الإسلامية في كل المجالات:
ومن قواعد القاعدة الإدارية المشاركة الجادة والمستمرة في بناء الحياة الإسلامية الجديدة بكل المجالات، وعلامة الإيمان أنك تشارك غيرَك، والمسلمون في أول عهدهم كانوا كتلة واحدة، وقلباً واحداً.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))
( أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير، واللفظ لمسلم )
4 – مشاركة المرأة في بناء المدينة الإسلامية:
بقي شيء مهم في الحياة الإدارية نحن مقصرون فيه، وهو: مشاركة المرأة في بناء هذه المدينة الإسلامية.
إنّ المرأة لها دور كبير، وفي عصور الانحطاط هُمِّش دورها، والمرأة لا تقلّ أهميةً عن الرجل، بل هي مساوية له في التكييف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، ومكلفة بأركان الإسلام، كما هو مكلف بأركان الإسلام، ومكلفة بأركان الإيمان، كما هو مكلف بأركان الإيمان، ومشرفة بطاعة الله، كما هو مشرف بطاعة الله، ومسؤولة عما استرعها الله، كما هو مسؤول عما استرعاه الله، المرأة مساوية مساواة تامة في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية.
لذلك حينما يعلِّم الإنسان بناته يرتقي بالفتيات إلى مستوى هموم المسلمين، أما إذا تركت الفتاة من دون تعليم انشغلت باهتمامات نسائية تبعدها عن قضايا أمتها الكبرى.
فلذلك مشاركة المرأة في بناء هذه الأمة الإسلامية مشاركة حتمية تؤكد أن المرأة نصف المجتمع، وأن المجتمع يقوم على شقين النساء والرجال.
5 – احترام حقوق الإنسان والحرص على سلامته:
شيء آخر يقوم على إدارة المجتمع كقاعدة: إنه احترام الإنسان، والحرص على سلامته، والتمتع بكل حقوقه التي منحها الله له غير منقوصة، وبالتالي بذل كل الجهود لخدمة وإيصال كلمة الحق إليه، وله حرية الاعتقاد لقوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 256 ).
إنّ الإنسان مكرم، وسيدنا عمر أوّل أكدّ هذا الحق، قال: << متى استعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً >>، فالإنسان كل شيء من أجله، النظم من أجله، حتى الثورات في تاريخ البشرية من أجله، حتى العلم من أجله، والطب من أجله.
لذلك حينما يكون الإنسان ضحية في مجتمع ما فهذه هي الطامة الكبرى، لأن الإنسان هو الضحية.
مثلاً: في بعض البلاد سباقات الجمال، يأتون بطفل صغير، لأن وزنه خفيف، يركب هذا الجمل، وتخريب عموده الفقري حتمي، لأن عظمه رقيق وطري، يركب هذا الطفل، وفي الأعم الأغلب يسقط فيموت، أو يصاب بأمراض مزمنة في عموده الفقري، مَن هو مسخر للآخر ؟ الجمل للإنسان ؟ أم الإنسان للجمل ؟ هذا السباق خلاف منهج الله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان كل شيء:
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 13 ).
الآن الحمد لله السباقات من دون راكب، سباق يتم من دون أطفال يركبون على ظهر الجمل، هذا تطور إيجابي.
فلذلك احترام الإنسان واجب، الإنسان من حقه أن يحيى، من حقه أن يعتقد ما يشاء، من حقه أن يكون حراً، وهذه هي حقوق الإنسان، والإسلام أولُ مَن نادى بها.
حينما جاء رجل قبطيٌّ إلى سيدنا عمر يشكو له ظلم ابن أمير مصر، فاقتص منه، وقال له سيدنا عمر: << اضرب ابن الأكرمين >>، وقال بعدها قولته الشهيرة: << متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ >>.
الإسلام يحترم الإنسان.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
( أبو داود )
النبي عليه الصلاة والسلام وقف لجنازة، فقيل: هذه جنازة يهودي، فقال: أليس إنساناً ؟ كان يحترم الإنسان، كائناً من كان، وأية حضارة لا تقوم على احترام الإنسان فليست حضارة.
لذلك أنا أقول بملء فمي: هناك بلاد يظنها الناس متحضرة، وهي متوحشة، لأنها تقيم فروقاً عرقية بين شعب أبيض وشعب آخر أسود .
مرة قال بعض أصحاب النبي كلمة سيئة مخاطبا بها رجلا آخر، فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ … ))
( متفق عليه )
فأصرّ قائل هذه الكلمة أن يضع رأسه على الأرض ليدوس ذلك الرجل على رأسه، تكفيراً لذنبه الذي ارتكبه.
لذلك الإنسان محترم في الإسلام، والمرأة محترمة في الإسلام، واحترام الإنسان والحرص على سلامته، والتمتع بكل حقوقه التي منحها الله له غير منقوصة، وبالتالي بذل كل الجهود لخدمته، وإيصال كلمة الحق إليه، يؤكد هذا قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾
( سورة التوبة الآية: 6 ).
وله حرية الاعتقاد، لقوله تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
وجوب احترام الإنسان من كل جوانبه الدنيوية والدينية:
أيها الإخوة الكرام، هذه مبادئ الإدارة في مجتمع المسلمين، وينبغي أن نأخذ بها جميعاً على مستوى البيت، على مستوى المدرسة، على مستوى المؤسسة، على مستوى المعمل، على مستوى الجامعة، يجب أن يكون الناس سواسية كأسنان المشط، والإنسان يجب أن يكون محترماً، لأنه هو المعني بكل ثورة في الأرض، وبكل منهج إلهي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
( سورة البقرة الآية: 30 ).
ويقول أيضاً: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات ).
ويقول أيضاً: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية: 13 ).
ويقول أيضاً: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ).

مثل عجيب من التاريخ الإسلامي في احترام حقوق الإنسان:
أضرب لكم مثلاً: سيدنا عمر في عهده جاءه ملَك الغساسنة مسلماً، إنه جبلة بن الأيهم، أعلن إسلامه، ورحب به عمر أشد الترحيب، ثم توجه إلى الكعبة ليطوف حولها بعد أن أسلم، في أثناء الطواف داس بدوي من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداءه عن كتفه، فالتفت جبلة إلى هذا البدوي من فزارة ضربه ضربة هشمت أنفه، فما كان من هذا البدوي إلى أن توجه إلى عمر ليشتكي إليه، سيدنا عمر استدعى جبلة، وقف جبلة أمام عمر، وإلى جانبه هذا البدوي من فزارة، وجرى حوار، بعض الشعراء المعاصرين صاغه شعراً.
قال سيدنا عمر:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة:
لست ممن ينكر شيا، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا.
فقال عمر:
أرضِ الفتى لا بد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه.
أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك.
قال جبلة:
كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة.
أي من دهماء الناس ومن عامتهم.
هو سوقة وأنا عرش وتاج.
كيف ترضى أن يخر النجم أرضا.
فقال عمر:
نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها.
أقمنا فوقها صرحاً جديدا، وتساوى الناس أحراراًَ لدينا وعبيدا.
فقال جبلة:
كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز.
أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر:
عالَم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
ثلاث مراحل للمجتمع البشري:
هذا هو الإسلام، لذلك مرت المجتمعات البشرية بمراحل بثلاث، بعصر المبادئ، وهذا أرقى عصر، وهذه القصة تشف عن عصر المبادئ، ومر المجتمع البشري بعصور متلاحقة تسمى عصور الأشخاص، الشخص هو الأول، كل الناس له، يعيشون له، يمجدونه، هذا العصر أقلّ رتبة من عصر المبادئ، ولكن الطامة الكبرى أن نصل إلى عصر الأشياء:
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 43 ).
أسوأ عصر يعيشه البشر هو عصر الأشياء، والدليل الآية الكريمة:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾
هذه الأشخاص. ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾
هذه الأشياء. ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
( سورة التوبة ).
فالبطولة أن نعيش عصر المبادئ، فإذا زلّت القدم انتقلنا إلى عصر الأشخاص ، فإذا انهارت القيم انتقلنا إلى عصر الأشياء، وفي عصر الأشياء قيمة المرء متاعُه فقط، قد يكون تاجر مخدرات، لكن بيته فخم جداً، مركبته غالية جداً، يعظمه الناس، قد يبني ثروته على سحق البشر، لكن لأن بيته فخم، مركبته من نوع غالٍ جداً يعظمه الناس، نحن في عصر الأشياء، أما عصر المبادئ فقيمة المرء ما يحسنه، إنسان له دعوة، له مبدأ، له عمل صالح، هذا عصر اسمه عصر المبادئ.
أقم الإسلام في بيتك وعملك:
أيها الإخوة، عظمة هذا الدين أنه قابل للتطوير على مستوى جماعي كبير، على مستوى أمة، وقابل للتطبيق على مستوى أسرة، فإن إن لم يتح لك أن تطبق على مستوى أمة فلا أقلَّ مِن أن تطبقه على مستوى أسرة، فكل إنسان يحيى حياة نابعة من منهج الله وسنة رسوله.
فلذلك أنت مسؤول عن بيتك الذي هو مملكتك، وعن عملك الذي أيضاً مملكتك.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة الرعد الآية: 11 ).
أقم الإسلام في نفسك، وفي بيتك، وفي عملك، وتكون قد أديت الذي عليك، عندئذٍ اسأل الله الذي هو لك .

خاتمة:
أيها الإخوة الكرام، الإنسان في هذه الحياة الدنيا له رسالة، العبادة سر وجودنا ، لذلك قال تعالى:
والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
نحن في هذا الدرس أنهينا القواعد المتعددة التي جعلها النبي عليه الصلاة والسلام أركان مجتمعه ودولته، فمن البناء الفردي إلى المساواة بين الناس وعدم التفريق، والتمييز بينهم أفراداً وجماعات، إلى إصلاح العلاقات بين الأفراد، وإزالة آثار ما سلف، إلى أخلاق الحياة اليومية والصحبة، إلى جمع الشمل، إلى البناء الاجتماعي المؤاخاة، والمؤاخاة في العهد المكي، والمؤاخاة في المدينة، إلى أهداف المؤاخاة، إلى صور المؤاخاة، إلى نص عهد المدينة الرائع، إلى تأسيس القاعدة الصحية والعمرانية، إلى البيئة الطبيعية في المدينة، إلى العمران النبوي في المدينة، إلى خطط المدينة، إلى تأسيس القاعدة التعليمية والتربوية على المستوى الفردي والجماعي، إلى التدوين والكتابة، وهي بداية الطريق إلى تأسيس القاعدة الاقتصادية.
وننتقل بعدها في درس آخر إن شاء الله إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:55 PM   #56


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( السادس و الخمسون )

الموضوع : اسلوب الدعوة فى مكة و المدينة و الفرق بينهما







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الفرق بين السور المكية والسور المدنية:
أيها الإخوة الكرام، انطلاق النبي في الدعوة إلى الله في مدينة أخرى غير مكة في المدينة المنورة، والحقيقة أن علماء السيرة يميزون بين العهد المكي، وبين العهد المدني.
1 – السور المكية مضمونها الإيمان بالله واليوم الآخر:
ولو تألمنا أسلوب السور التي نزلت في مكة المكرمة، ومضامين السور التي نزلت في مكة المكرمة لوجدناها تذكر خلق السماوات والأرض، وتلح على الإيمان باليوم الآخر، أي أن أركان الإيمان كانت محور السور المكية:
﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾
( سورة الفجر ).
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾
( سورة الشمس ).
﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾
( سورة النبأ ).
أكثر السور المكية كانت تشير إلى عظمة الله عز وجل من خلال خلق السماوات والأرض، وكانت تلح على الإيمان باليوم الآخر، وكأن أركان الإيمان كانت محور السور المكية.
2 – السور المدنية مضمونها التشريعات والأحكام:
بينما في المدينة أول سورة نزلت سورة المطففين. ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة المطففين ).
مضامين الآيات المدنية مضامين تشريعية، ومضامين الآيات المكية مضامين إيمانية.
إذاً: الإسلام عقيدة وعبادة، المرحلة المكية اعتنت بالعقيدة، بالإيمان، والمرحلة المدينة اعتنت بالتشريع، إذاً: أيّ دعوة بالله لا تحفل بالعقيدة، وبالتشريع، أو لا تحفل بكليهما معاً فهي دعوة عرجاء، لذلك قالوا: إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر.
3 – السور المكية تعريف بالآمر والسور المدنية تعريف بالأمر:
المرحلة المكية كانت مرحلة التعريف بالآمر، بينما المرحلة المدنية كانت مرحلة التعريف بالأمر، وشتان بين المرحلتين.
في المرحلة المكية:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ﴾
( سورة عبس ).
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾
( سورةالطارق).
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية: 101 ).

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
( سورة يوسف ).
في المرحلة المكية إشارات إلى السماوات والأرض، وإلى خلق الإنسان، وإلى اليوم الآخر.
فلذلك الدعوة إلى الله إن لم تتضمن مضموناً إيمانياً من أجل أن تعرف هذا الذي تصلي له من هو، خالق السماوات والأرض، فإن هذه الدعوة فاشلة.
لذلك أصل الدين معرفة الله عز وجل.

نظرة سريعة في سورة المطففين، وهي أول ما نزل في المدينة:
1 – خطورة التطفيف في المكيال والميزان:
أيها الإخوة، هذه السورة سورة المطففين، جاء في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وفي سياق كوني، وهي بحسب الظاهر مقحمة عليه إقحاماً، قال علماء التفسير: " إذا كان التطفيف بحق إنسان يستوجب الويل، فكيف التطفيف بحق خالق الإنسان "، إذا أغفلت حق إنسان، فكيف إذا أغفلت حق الخالق.
إذا طففت فلم تحسن القياس، لأن الإنسان في شرائه يكون خط القماش تحت المتر منحنياً، فإذا باع القماش يكون القماش مشدوداً يقرب من التمزق، فإذا اشترى فله ميزان، وإذا باع شيئاً فله ميزان آخر، وهذه الأمور تقع الآن في حياتنا.
قد يطّلع إنسان على غرفة نوم، يريدها بسرير واحد، وهي بسريرين، يقول له البائع: يمكن أن نغير فيها، كم تحسم لي ؟ فقال له: 500 ليرة، لو فرضنا رأى غرفة النوم بسرير واحد قال له: هل يمكن أن نعيدها بسريرين ؟ قال له: ممكن، قدم ثلاث آلاف ليرة، لما كان فيها حسم كان الحسم 500 ، وتلك 3000 َ! لقد كال بمكيالين، فإذا أردت أن تحسم قيمة سرير 500، وإن أردت أن تضيف قيمة سرير فبـ 3000، هذا تطفيف.
فأنا أقول لكم كلمة أيها الإخوة: دينك ليس في المسجد، في المسجد تتلقى التعليمات فقط من الله، ودرس علم، وتتلقى المكافأة في الصلاة، أما دينك ففي عملك، وما لم يستقم الإنسان في عمله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، دينك في دكانك، في حقلك، في معملك، وأنواع الغش، أنواع التطفيف لا تعد ولا تحصى، ويكاد المسلمون مع أنهم يقرؤون هذه السورة يقعون في معظم أنواع التطفيف.
لذلك الله توعد هؤلاء بالويل فقال:

﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾
حقهم كاملاً، في أي مكان تقريباً حينما تأخذ حقك تأخذه منقوصاً، أما حينما يأخذ الآخر منك حقه يأخذه تاماً وكاملاً، هذا تطفيف، لكن
﴿ وَيْلٌ ﴾
الويل هو الهلاك
﴿ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾
2 – لابد من معرفة الآمر والأمر:
إذاً: الدين دين مكي، ودين مدني، تشريع مكي، أو آيات مكية، وآيات مدنية الآيات المكية آيات اعتقادية، والآيات المدنية آيات تشريعية، والمكية تعريف بالخالق، والمدنية تعريف بشرعه، لذلك أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده.
أيها الإخوة، هذا درس بليغ لنا، نحن نقرأ السيرة من أجل أن نأخذ إسقاطاتها على حياتنا، وما لم تتسلح بعقيدة يقينية متينة، متماسكة، منسجمة، عن الكون والحياة والإنسان، وعن الخير والشر، وعن الحق والباطل، وعن الجمال من منظور إسلامي والقبح من منظور إسلامي، ما لم تتسلح بعقيدة أساسها التفكر في خلق السماوات والأرض، وما لم تعرف الحلال والحرام فلن تنجو يوم القيامة.
إذاً: لا يكفي أن تعرف الله، كما أنه لا يكفي أن تعرف أمره، عند بعض العلماء مصطلح يعجبني: معرفة الله ومعرفة أمره شرطان للتدين الصحيح، كل منهما شرط لازم غير كافٍ، ما معنى شرط لازم غير كافٍ ؟
من أجل أن تطبخ تحتاج إلى رأس غاز، وإلى أسطوانة غاز، نقول لك: الأسطوانة والرأس، كل منهما شرط لازم غير كاف، الذي عنده اسطوانة غاز فقط لا يستطيع أن يطبخ، والذي عنده رأس غاز فقط لا يستطيع أن يطبخ، لا بد من أن تعمل الأسطوانة، وأن تصلها بالرأس حتى يجتمعا فيتكاملا.
فلذلك معرفة الله شرط لازم غير كافٍ، ومعرفة منهجه شرط لازم غير كافٍ.
3 – لابد من العلم والفقه بعد التوبة إلى الله:

إن الإنسان قد يحب الله عز وجل فيتوب، لكن لا يعرف من أمر المنهج شيئاً، فقد يقترف الحرام دون أن يشعر.
مثلاٍ: إنسان يقول لك: هل يمكن أن تقرضني مبلغا من المال أدفعه نصف ثمن بيت، أنا معي نصفه، أعطيك أجرة، مثلاً: بيت ثمنه مليون، معه 500 ألف ليرة قال لك: أريد 500، فدفعتها، وتقاضيت أجرة شهرية فرضاً مبلغا ضعيفا، فإذا تاب الرجل إلى الله، واصطلح معه، لكن ما درس الفقه، يفرح بهذه الأجرة المحرمة، ولما يريد أن يسترد المبلغ استرده بالتمام والكمال، أنا أعطيه 500 ألف، وأريد 500 ألف بالتمام والكمال، هذا ربا، ما دام ضمن رأس ماله، وهو غير خاضع للتغير فكل شيء تقاضاه كأجر يعد ربا، لأنه قرض جر نفعاً، أما إذا أراد أن يسترد نصف ثمن البيت، أو أراد أن يسترد مبلغه، هو توهمه قرضا له بـ 500 ألف، وحتى يكون الإيجار صحيحا وحلالا، الآن يسترد نصف ثمن البيت، قد يكون 450 ألف، قد يكون 700 ألف، فإذا استرد نصف ثمن البيت فالإيجار صحيح.
قد يتوب الإنسان إلى الله، لكن ما عنده دقة بالغة في فهم أحكام التعامل، قد يأكل الربا شاء أم أبا، قد يتورط في أكل المال الحرام دون أن يشعر.
فلذلك أيها الإخوة، كما أنت بحاجة ماسة إلى المرحلة المكية، مرحلة التعريف بالله، خالق السماوات والأرض، أنت في أمسّ الحاجة إلى المرحلة المدنية مرحلة معرفة الحلال والحرام، فهما نشاطان يجب أن يكونا متوازيين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾
( سورة البقرة الآية: 282 ).
أحكام الدين. ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾
( سورة الحجرات الآية: 12 ).
أحكام الغيبة. ﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾
( سورة الحجرات الآية: 11 ).
أحكام العلاقات الاجتماعية.
إذاً: أول سورة نزلت في المدينة كانت سورة المطففين، وهي تتضمن نهياً ووعيداً لهؤلاء الذين يكيلون بمكيالين، إذا اشتروا كالوا بمكيال، وإذا باعوا كالوا بمكيال.
4 – الكيل بمكيالين سمة منتشرة اليوم:
مرة حدثني أخ أراد أن يبيع سيارة، الحقيقة أنه أراد أن يقيمها فقط، فذهب إلى السوق، القصة قديمة، دُفع له فيها ثلاثون ألفا، فلما أراد أن يشتري مثلها طُلب منه سبعون ألفا، فلما جاء بإنسان ليقيمها له تقييما دون أن يقول له سأبيعها، أو سأشتريها أعطاه 45 ألفا، وهذه قيمتها، معناها معظم الناس يكيلون بمكيالين، وهذه السورة تشير إلى هذين المكيالين.
الآن العالم كله مطفف، قوى الأرض كلها مطففة، يحجز عشرين ألف أسير، والعالم كله ساكت، يقع أسير واحد له تقوم الدنيا ولا تقعد.
لذلك ما مِن عمل أحقر في ميزان الأخلاق أن تكيل بمكيالين، بيت فيه بنت ، وفيه زوجة ابن، العطف على البنت، والتبرير للبنت، والشفقة على البنت، والمحاسبة الشديدة على زوجة الابن، والتعنيف الشديد على زوجة الابن، فهذه المرأة في البيت تكيل بمكيالين، لذلك نلغي هذين المكيالين بما أُثر من قول النبي الكريم:
(( عامل الناس كما تحب أن يعاملوك ))
(ورد في الأثر)
الموظف يجب أن يعامَل هذا المواطن كما لو أن الموظف مكانه، يجب أن تعامل زوجة ابنك كما تتمنى أن تعامل ابنتك في بيت زوجها من أهله.
السورة دقيقة جداً، وأوضح ما في هذه السورة أنها تشير إلى الكيل بمكيالين، وأعتقد الآن أنه ما من وصمة عار تلحق العالم الغربي كوصمة الكيل بمكيالين، المسلم له مكيال، وغير المسلم له مكيال.
إن 400 طفل حقنوا بالإيدز وضع العالمُ كله كل وزنه من أجل عدم معاقبة الممرضات، ولما اتهم إنسان بإسقاط طائرة ألزموا تلك الدولة عن كل راكب 500 مليون دولار دية، هذا كيل بميالين، يُقتل إنسان فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويُقتل مليون ولا أحد يتكلم.
فهذه أول سورة نزلت في المرحلة المدنية، سورة المطففين، هذه السورة تشير بوضوح ما بعده وضوح إلى أن الكيل بمكيالين من السيئات الكبيرة في حياة الإنسان، والدليل أنها كبيرة أن الله توعد من يكيل بمكيالين بالويل، والويل هو الهلاك،

﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
عن عَائِشَة قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
(أحمد)
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الحجر ).
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
( سورة إبراهيم ).
لذلك وطنوا أنفسكم أنكم إذا فتحتم القرآن، ورأيتم تحت اسم السورة سورة مدنية ففي الأعم الأغلب هي سورة تشريعية تتحدث عن أمر الله عز وجل، عن أمره ونهيه، افعل ولا تفعل، وأنكم إذا فتحتم سورة كتب تحت اسمها سورة مكية وطنوا أنفسكم أنكم مع سور تتحدث عن خلق السماوات والأرض، وعن اليوم الآخر، وعن العذاب، وعن النعيم. ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾
( سورة الحاقة ).
لذلك قالوا: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد سأل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فقال:
(( أتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟ قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
(البخاري عن أبي هريرة)
إذاً: أول سورة نزلت في المدينة سورة المطففين، وهي سورة تتحدث عن العلاقات بين الناس.

حديث عظيم ينظم العلاقات الاجتماعية:
عن عبد الله بن سلام، هذا رجل من اليهود هداه الله إلى الإسلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، أي ذهبوا نحوه مسرعين، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أنظر، فلما تبينت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعت يتكلم قال:
(( أيها الناس أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ ))
(رواه الترمذي عن عبد الله بن سلام)
(( أفْشُوا السَّلامَ ))
قل: السلام عليكم، ولا تقل مرحباً، ( باي )، ما هذا ؟! أنت مسلم، قل: السلام عليكم، الله هو السلام، من أسمائه السلام، قل: السلام عليكم
(( أفْشُوا السَّلامَ ))
نحن من أخطائنا الفادحة أننا نسلم على من نعرف فقط، أما أنت كمسلم فمهمتك أن تسلم على من تعرف، وعلى لم تعرف، الآن جار يسكن فوق جاره لا يتزاورون، ولا سلام بينهما، جارك قل له: السلام عليكم.
(( أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ ))
هناك أشخاص يزورن الكبراء، والوجهاء، والأغنياء، وزيارة هؤلاء ليس عملاً صالحاً، هو من الدنيا، لكن بطولة المؤمن أنه يزور الضعفاء، الفقراء.
له أخت زوجها فقير جداً، ساكنة خارج المدينة، يقول لها: يا أختي ما عندي وقت لأزوركِ، سامحيني، وله أخت ثانية ساكنة بحي راقٍ جداً كل يومين عندها، زيارة الثانية من الدنيا، أما إهمال الأولى فمن المعصية، بطولتك أن تذهب للأخت الفقيرة، التي تسكن في أطراف المدينة، فتؤنس وحشتها ، وتجبر كسرها، وتطيب قلبها.
لذلك:

(( أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ ))
أنا أقول دائماً: تلبية دعوة الكبراء من الدنيا، وتلبية دعوة الفقراء من الآخرة، وقد ورد في بعض الأحاديث:
(( لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ))
(رواه الترمذي عن أنس رضي الله عن)
كراع يعني قدم خروف، كراع واحد بالغميم خارج المدينة، الآن يقول لك: يجب أن تكون اللقمات على عدد الخطوات، طعام نفيس جداً والمكان بعيدا، أما المؤمن فيقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
(( لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ))
(( من دعي فلم يلبِّ فقد عصى الله ورسوله ))
(الجامع الصغير عن ابن عمر بسند فيه ضعف)
صور من تواضع النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه:
ـ هناك صحابي جليل فقير جداً قدم للنبي خلاً، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( نِعْمَ الأدْمُ الخَلُّ ))
(رواه مسلم عن جابر رضي الله عن)
ـ نذكر ما الذي حصل أول شيء في المدينة، أول شيء حصل أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة على الغائب البراء بن معرور، فقد مات البراء بن معرور قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى أن يوجه إلى الكعبة، وصلى النبي عليه الصلاة والسلام على قبره بعد قدومه إلى المدينة، والبراء من معرور كان تواقاً للكعبة من قبل، فهو الذي صلى باتجاه الكعبة عند قيام الأنصار بالتوجه إلى مكة لبيعة العقبة الثانية، ولم يوافقه بقية الأنصار، وقدم إلى النبي عليه الصلاة والسلام يذكر له ما فعل في سفره، وصلاته صوب الكعبة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: كنت على قبلة لو صبرت عليها، كانت هي القبلة.
ـ وكما تعلمون كانت امرأة فقيرة تقمّ المسجد، أي تنظفه، فماتت، الصحابة اجتهدوا أنها من ضعف الشأن بحيث لا تستحق أن يبلغ النبي عن موتها، بعد أيام تفقدها فقالوا: ماتت، فغضب، قال: هلا أعلمتموني ؟ فإذا به عليه الصلاة والسلام ينتقل إلى قبرها ليصلي عليها.
بالتعبير المعاصر مجتمع المؤمنين طبقة واحدة.
(( المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ ))
(رواه مسلم عن أبي هريرة)

الأعمال التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم المدينة:
بناء المسجد:
أول عمل قام به عليه الصلاة والسلام بعد استقراره في المدينة أنه بدأ ببناء المسجد النبوي الشريف.
1 – المسجد النبوي بين القديم والحديث:
للتعريف: الحرم النبوي الآن الذي أكرمه بعمرة، الحرم النبوي الآن مساحته هي مساحة المدينة على عهد رسول الله، المدينة كلها هي بمساحة الحرم المدني، والروضة الشريفة فقط ما بين قبره ومنبره، هو المسجد النبوي في عهده، وكان من سعف النخيل ، والمسلمون وصولوا إلى أطراف الدنيا، إلى الصين شرقاً، وإلى إسبانيا غرباً، أما المسلمون اليوم مع أنهم يعدون مليارا وخمسمئة مليون يغزون في عقر دارهم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( نصرت بالرعب مسيرة شهر ))
(متفق عليه)
فلما تركت أمته منهجه من بعده هزموا من بعده مسيرة عام.
2 – مكوث النبي عليه النبي الصلاة والسلام في بيت أبي أيوب الأنصاري:
مكث النبي عليه الصلاة والسلام في دار أبي أيوب منذ اليوم الأول لوصوله إلى المدينة، وكان مبرك ناقته عند المربد، إلى أن تم بناء المسجد والحجرات، قال الزهري:
3 – مكان بناء المسجد النبوي:

بركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في موضع المسجد، وهو يومئذٍ يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربداً لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار، كانت أرض المسجد لغلامين يتيمين، اسم الأول سهل، والثاني سهيل، كانا في حجر ابن زرارة، فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى النبي عليه الصلاة والسلام لأنهما يتيمان، فابتاعه منهما بعشرة دنانير، وكان جداراً ليس له سقف، وقبلته إلى بيت المقدس، وكان يصلي فيه، وكان أسعد بن زرارة يجمع أصحابه فيه قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيه شجرة غرقد، وخرب، ونخل وقبور للمشركين، فأمر بالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل والشجر فقطعت، فصفت في قبلة المسجد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مئة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وجعل أساسه ثلاث أذرع، ثم بنوه باللبن.
النبي عليه الصلاة والسلام يساعد أصحابه في بناء المسجد:
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم، وينقل اللبن والحجارة بنفسه.
أحد علماء مصر كان في الحجاز، فلما وسّع الحرم المكي ساهم بنفسه في حمل التراب، لأن المساهمة ببناء البيت الحرام شرف عظيم، فالنبي عليه الصلاة والسلام يبني معهم، وينقل اللبن والحجارة بنفسه، ويقول:
(( اللّهُمّ لاَ عَيْشَ إِلاّ عَيْشَ الآخرة، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَةِ ))
(متفق عليه عن سهل بن سعد)
وجعل الصحابة يرتجزون وهم ينقلون اللبن، ويقول بعضهم في رجزه:
لئن قعدنا والرسول يعمل إذ ذاك منا العمل المضلل
وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب، وجعل عموده الجذوع، الآن هو من رخام، وسقفه الجريد، سعف النخل، وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن، وسقفها بالجريد، والجذوع، حياة متواضعة جداً، الآن قصور، بيوت، مركبات، اختار الله سبحانه وتعالى لرسالة نبيه زمناً بسيطاً لا تعقيد فيه، فيه تقشف، وكانت أرض المسجد تراباً وسقفه من جريد النخل، وارتفاعه كعريش موسى، يمكن للمصلي أن يلمسه إذا مد يده، الآن أين يمكن أن تمد يدك ؟.
ثم تطورت أحوال المسجد حيث بني فيه المنبر، كان يصلي على جذع نخلة، ثم صنع له المنبر، فحن الجذع إليه، فكان يقف على المنبر، ويضع يده على الجذع إكراماً له، لأن النبي بالتعبير المعاصر جداً شفاف.
دخل إلى بستان أحد الأنصار، رأى جملاً يبكي فتقدم منه، ومسح ذفريه، وقال: مَن صاحب هذا الجمل ؟ قال فتىً من الأنصار: أنا يا رسول الله، واستدعاه وقال: ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتذؤبه.
وفرشت أرضه بالحصى، الأرض حصى، والأعمدة جذوع الأشجار، والسقف سعف النخيل، والإنسان إذا مد يده تصل إلى السقف، وكان في صدره مكان له مظلة يسكن فيه أصحاب الصفة، وهم من فقراء المسلمين، ومن لا مأوى لهم، ثم تعرض المسجد لتحويل القبلة، وتوسيع المساحة، وغير ذلك من التبديلات.
أيها الإخوة، نتابع هذا في درس قادم إن شاء الله.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-07-2018, 02:57 PM   #57


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : (السابع و الخمسون )

الموضوع : دور المسجد فى الاسلام







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
بناء المسجد النبوي الخطوة الأولى في مجتمع المدينة النبوية:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ما إن وطئت قدماه أرض المدينة حتى سارع إلى بناء المسجد، وهناك ثقافات أخرى تُسارع إلى بناء المسرح، وكل ثقافة أرضية هناك شيء كبير عندها، أما المسلم فروحه في المسجد.
لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحد السَبْعَةِ الذين يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:
(( وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ))
( متفق عليه عن أبي هريرة)
ماذا يعني بناء المسجد النبوي ؟
لذلك في هذا اللقاء الطيب حديث عن دور المسجد في الإسلام.
أولاً: لأن النبي معصوم، ولأن سنته أقواله، وأفعاله، وإقراره، فماذا يعني بناء المسجد، وماذا كانت صفات مسجد رسول الله ؟
1 – المسجد هو الهيئة العليا في الإسلام:
أولاً: بناء مسجد المدينة كان أول عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، لأن المسجد يحتل أعلى مكانة في المجتمع الإسلامي، فهو مكان العبادة، ومكان طلب العلم، ومكان لقاء المسلمين، الآن موقع هذا المسجد كان في مركز المدينة، كان يتوسط المدينة المنورة.
2 – المسجد النبوي كان في الوسط الهندسي للمدينة النبوية:
أحياناً يكون المسجد الأول في طرف القرية، وهذا خطأ كبير، المسجد يجب أن يكون في الوسط الهندسي، وهل تصدقون أن بيت الله الحرام يقع في الوسط الهندسي للأرض في الوسط الهندسي للعالَمين القديم والجديد، فلو أخذنا العالم القديم، وأخذنا أطراف العالم القديم ووصلنا بين الأطراف بأقطار، يكون مكان تقاطع الأقطار هو بيت الله الحرام، ولو أخذنا العالم الجديد، وأخذنا أطراف العالم الجديد، ووصلنا بينها بالأقطار يكون مكان تقاطع الأقطار هو بيت الله الحرام، ولا يقابل بيتَ الله الحرام موقعٌ بري في طرف الأرض الآخر، طبعاً في هذه المسألة بحث مطول، وأراه أنا من الإعجاز العلمي ؛ أن موقع مكة المكرمة هو الوسط الهندسي للعالَمين القديم والجديد، فإن مكة تبعد عن أي نقطة في أطراف العالم القديم 8500 كم، وتبعد مكة المكرمة عن أي نقطة متطرفة في العالم الحديث 13 ألف كيلومتر، فمكة المكرمة بهذا الاعتبار وسط هندسي للعالَمين القديم والجديد.
3 – المسجد له رسالة شاملة:
كان هذا المسجد على تواضعه مركز النشاط العام العمراني، والاقتصادي والاجتماعي، والتربوي، والسياسي، والعسكري.
مع الأسف الشديد جداً فإن بعض المساجد للصلاة فقط، المسجد له ـ ولا أبالغ ـ مئات الوظائف، للصلاة، ولإلقاء الدروس، وللمشاورة، المسجد له رسالة، وما لم يستعد المسجد رسالته فلن ينهض المجتمع الإسلامي، رسالته مكان يجمع المؤمنين، يجمعهم للعبادة، ولطلب العلم، وللتشاور، وللتعاون، من أجل أن يؤدي المسجد رسالته.
المسجد النبوي كان بسيطاً، أنا أتمنى أن يكون مسجدنا بسيطاً.
أعرف مسجدا كنت أدرس فيه في دمشق، واسع جداً، جدرانه مطلية بطلاء جيد ، فيه إضاءة جيدة، وتدفئة جيدة، وتكييف جيد، و مكبِّر صوت جيد، لكن ما فيه زخرفة، لذلك هناك محسنون لا يدفعون في بناء المساجد إلا على الهيكل فقط، لئلا يتورط من يشرفون على بناء المسجد بزخرفة غالية جداً.
أنا أذكر مسجدا من أجل آيات تزين جدرانه دفعِت ملايين الليرات، ومكن بثمن هذه الزخرفة لجدرانه أن ننشئ مسجدين بالمبلغ نفسه.
أول صفة: ينبغي أن يكون المسجد مريحاً، فيه تدفئة شتاء، وتبريد صيفاً، وفيه ماء بارد، وماء ساخن للوضوء في الشتاء، وفيه نقل صوت جيد، وفيه إضاءة جيدة فقط، هذا المطلوب، فما فوق ذلك يمكن أن ينفق في بناء مسجد آخر، فصفة هذا المسجد أنه كان بسيطاً، من حيث مواده الأولية، وفي الوقت نفسه كان هذا المسجد معهد إعداد رجال، فقد ترك النبي عليه الصلاة والسلام أبطالا، أين تربوا ؟ في المسجد، المسجد يبني نفوس المؤمنين.
لذلك المؤمنون في مساجدهم كالسمك في الماء، والمؤمن يحب الله، ومن فروع محبة الله محبة المساجد، فهو يرتاح في المسجد، ولما يصلي.
إذا سافرت إلى بلد، ودخلت إلى مسجد تقضي حاجة، ثم تتوضأ، وتصلي فإنك تستريح راحة كبيرة جداً.
كتعريف دقيق: كان المسجد معهداً لإعداد الرجال، وبناء المجتمع، فكيف تبني بناء من أساس، الطابق الأول، الثاني، لبنة، لبنة، دعامة، دعامة، المسجد يبني المؤمنين، يبني عقيدتهم، يبني منهجهم، يبني نفوسهم، يبني تصوراتهم، يبني آمالهم.
كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم دار عبادة، ومجلس شورى، ومعهد علم، وتعليم، وتربية، ومجلس ضيافة، يأتي ضيف إلى المسجد، ومكان حوار بين الأطراف مع الوفود القادمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومأوى للمهاجرين، ومصنعاً للأبطال، وحبساً للأسرى، ومجلس دعوة إلى الله، إلى غير ذلك من المهمات الجليلة.
هذه المهمات الجليلة في آخر الزمان مُسخت إلى أداء الصلوات فقط، وهو في الحقيقة مجلس شورى، مدرسة تعليم، بناء أمة، تدريب، حوار، استقبال ضيوف، مأوى للفقراء، في أجنحة تابعة للمسجد.
وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوة ومثلاً أعلى في بنائه، ووضع أساسه وتحديد قبلته، فهو في الوقت نفسه القدوة والمثل الأعلى للمسلمين في القول، والعمل والسلوك، كان بنفسه يبني المسجد.
بالمناسبة: بناء المسجد وسام شرف، وأذكر عالما كبيرا من علماء مصر كان مقيما في مكة المكرمة وقت توسعة الحرم، حدث عن نفسه فقال: عمل أياماً طويلة وشهوراً في نقل التراب من مكان إلى مكان، على علو قدره، لأن بناء المسجد وسام شرف للمؤمن.
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
( سورة البقرة الآية: 127 ).
مرة زرت إنسانا يعمل في خدمة المسجد، لكن لفت نظري أن المسجد نظيف نظافة تفوق حد الخيال، وكأنه بيت لامرأة أصيبت بوسوسة النظافة، فمن مستحيل أن تصلي ببذلة ذات لون داكن، وأنت ترى شيئاً أبيض عند ركبتيك، لتنظيف السجاد اليومي بالآلات حديثة مع الماء والغسيل، فكان هذا الأخ يتفانى في خدمة المسجد، إن تدخلت إلى مرافقه العامة فكأنها في بيت، صاحبته مصابة بوسوسة النظافة، سألته، قال لي: هذه صنعة الأنبياء. ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
( سورة البقرة الآية: 125 ).
خدّام المساجد تحفِّزهم هذه الآية حفزاً لا يعقل. ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
( سورة البقرة ).
إذاً: خدمة المسجد وسام شرف، وأنا أقول دائماً: لو أن إنسانا أخذ قشة من المسجد، ووضعها في جيبه كان له أجر، وجد قشة يجب ألا تكون، حملها، ووضعها في جيبه، هذا من تعظيم الله عز وجل، لقول تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
( سورة الحج ).
بيت النبي وحجرات أزواجه كانت بجوار المسجد:
وكان بناء حجراته وسكناه بجوار المسجد، أنا أرى البيت المجاور للمسجد له ميزة كبيرة جداً، تستمع إلى الأذان، وللصلوات الخمس، فتبادر إلى الصلاة في المسجد، وأنت جار المسجد، وصلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بـ 27 ضعفا، وأنا أتمنى إذا اشترى إنسان بيتا أن يلحظ أن يكون قريباً من المسجد.
لذلك كان عليه الصلاة والسلام حجراته وسكانه بجوار المسجد، وبابه مشرّع إليه، ويعجبني كثيراً أن يبنى المسجد ومعه بيت للإمام، وللخادم، ولما تؤمِّن للإنسان بيتا فإنه يستقر، والآن مساجد عديدة فيها بيت للخادم والإمام، وما دام المسجد في مركز المدينة فالنبي عليه الصلاة والسلام كانت بيوته حول المسجد، وهي في وسط المدينة.
بعض العلماء يحرصون على أن تكون بيوتهم في مركز معقول، أحيانا يختار مكانا بعيدا جداً مريحا، لكنه بعيد عن حاجات الناس.
فحجرات النبي عليه الصلاة والسلام تسهل لقاء الناس معه، وسؤالهم إياه وتعاونهم، وتظافرهم حوله، ومعه، وبه، فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، لكن حدث تطور جديد:
لما توسعت المدينة وامتدت، والأطفال يصعب عليهم أن يأتوا إلى المسجد أمر النبي بإنشاء مساجد في أطراف المدينة، هذه حاجة، فهناك مسجد مركزي، ومساجد للأطفال وللضعفاء، وللمتقدمين في السن، هذه المساجد قريبة من بيوتهم.
لابد من توسيع رسالة المسجد:
أنا أفرح أشد الفرح حينما أرى في معظم المساجد معاهد تحفيظ قرآن للأطفال في الصيف يتعلمون القرآن، ويكون مأوى لهم، والعطلة الصيفية مشكلة كبيرة لأسرة لا ينضبط أبناؤها.
والله مرة سافرت إلى بلدة في الشرق، دخلت إلى المسجد فلم أجد مكانا، كل الحاضرين صغار يتعلمون القرآن الكريم، الآن بعض المعاهد تستغل الوقت فتقيم معهدا صباحيا ثانويا، ومعه توقيت مسائي للجامعيين، ففي النهار هذه القاعة للصف السادس الشرعي، ومساء هذه القاعة لاختصاص الشريعة والقانون، فلما نستخدم البناء مرتين فهذا نوع من الاستغلال للبناء، أنا أتمنى أن يوظف المسجد في وظائف لا تعد ولا تحصى.
الآن مكتبة مثلاً، الكتب غالية، فإذا وُحِدت مكتبة في المسجد فهذا شيء جميل، أحياناً مستوصف، الآن بعض المساجد معها مستوصف، المحسنون يؤسسون هذا المستوصف فيه أطباء للمعالجة العامة، ومعالجة داخلية، وقلبية، وجلدية، فيه أجهزة، فيه أدوات، فيه موظفون، فصار المسجد فيه مكتبة، ومستوصف، و مدرسة، وملحق معه معهد، وجمعية خيرية، ومكان للدعوة، ومكان للقاءات، ومكان للحوار، ومكان للضيوف، هذا الذي أتمناه أن يستعيد المسجد دوره القديم، لأن وظائف المسجد لا تعد ولا تحصى، وهي كثيرة جداً.
لكن بالمناسبة، لو أن قرية فيها ثلاثة مساجد، أحد المساجد يتسع لكل أبناء القرية من أجل وحدة الشمل، لا يجوز أن تكون صلاة الجمعة إلا في مسجد واحد، إذا كان أحد المساجد يستوعب أهل القرية كلهم، إذاً: الصلاة صحيحة في واحد، وغير هذا الواحد الصلاة غير صحيحة.
لذلك قالوا كقاعدة: الجمعة لمن سبق، يعني أول مسجد تقام فيه الجمعة فيه الصلاة صحيحة، أما الآن دمشق فيها خمسة ملايين ونصف مليون، ولا يوجد جامع يمكن أن يستوعبهم، إذاً: جميع المساجد صلاة الجمعة فيها صحيحة، فلا حاجة أن نصلي الظهر، والسادة الشافعية يصلون الظهر احتياطاً.
الجانب الشكلي في المسجد النبوي:
وكان المسلمون يستنيرون ليلاً بإشعال سعف النخل في مؤخرة المساجد، سبحان الله مفارقة حادة، المساجد كبيرة، مزدانة، مزخرفة، مدفأة شتاء، مكيفة صيفاً، فيها إنارة ، فيها ثريات، فيها منابر، فيها أماكن تدريس، فيها أبهاء، فيها صحن كبير، والمسلمون يغزون في عقر دارهم.
قديماً كان المسجد أرضه من البحص، وسقفه من سعف النخيل، وقد حدثني أحد الإخوة الكرام أن المسجد النبوي الروضة فيه خضراء، والمسجد الحالي يغطي مساحة المدينة المنورة كلها، أي إن حدود المسجد الحالي حدود المدينة في عهد رسول الله كلها، والروضة الشريفة مع المحراب، مع السواري، هذه مساحة المسجد في عهد رسول الله، فالعبرة بالقلوب المؤمنة، لا بالثريات المتألقة.
تميم الداري كان في الشام فاشترى قناديل وحبالا، وجاء إلى المسجد النبوي، وعلق القناديل بالحبال، وأشعل القناديل، ثم دخل النبي عليه الصلاة والسلام فسرَّ بهذه القناديل سروراً عظيماً، وسأل: من فعل هذا ؟ قالوا: تميم الداري، فأثنى عليه ثناء كبيراً.
لذلك خدمة المسجد شرف كبير، تروي روايات أن المسجد النبوي الشريف استغرق بناءه سبعة أشهر، والنبي عليه الصلاة والسلام يسكن في دار أبي أبوب الأنصاري، ثم نقل سكنه إلى حجرتي سوده بنت زمعة وعائشة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثمّ بنيت باقي الحجرات تباعاً.
أنا أتمنى أن يكون المسجد مكان عبادة أولاً، ومكان تدريس ثانياً، ومكان لقاء ثالثاً، ومكان حوار رابعاً، وفيه مكتبة، وفيه مستوصف، وفيه مدرسة، وفيه مرافق كثيرة، فلعل الله سبحانه وتعالى يعيد لنا مجد المساجد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق ))
( الجامع الصغير عن ابن عمر بسند حسن )
أضرب مثلا:
قد يأتي الإنسان مع زوجته إلى المسجد، هي في قسم النساء، وهو في قسم الرجال، يستمعون إلى موضوع في العلاقات الزوجية، فتزداد معرفة بقدر زوجها، ويزداد اتباعاً لوصية النبي في النساء، يذهبان إلى البيت، كل طرف يبالغ في خدمة الطرف الآخر، فتنشأ المودة بينهما، ولو أن الزوج وزوجته ذهبا إلى السوق، وأعجبتها قطعة ثياب، وثمنها باهظ ، فرفض الزوج لنشب خلاف بينهما، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
(( خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق ))
نصحت أخا ذهب إلى بريطانية، قال لي: ماذا أفعل ؟ نصحته أن يستأجر بيتاً إلى جانب مركز إسلاميي، قال: لمَ ؟ قلت له: أولاً الإنسان قوي بأخيه، وفي المركز تتعرف إلى إخوة مؤمنين، والرفيق المؤمن في السفر مهم جداً.
مرة التقيت بأب أرسل ابنه إلى بلد غربي للدراسة، وأصر الأب على تزويج ابنه قبل أن يذهب، فقال لي: هذا الشاب الطبيب الآن قال لي: أمضيت سنوات سبعا في هذا البلد، وإلى جانبي زوجتي، وكأنني في حصن حصين.
التأريخ الإسلامي بدأ بالهجرة النبوية:
أيها الإخوة، الآن ابتداء التأريخ الإسلامي من الهجرة النبوية، أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالتأريخ، فكتب من حين الهجرة في ربيع الأول، قال أبو جعفر: " فذكرى أنهم كانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمت السنة ".
وعن سهل بن سعد قال: << وما أصاب الناس العدد ما عدوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ولا عدوا من مقدمه إلى المدينة >>.
الإسلام حركة:
لكن لماذا لا يبدأ التأريخ من بعثة النبي، أو من ولادة النبي، أو من موت النبي عليه الصلاة والسلام، الهجرة حركة، والمؤمن متحرك، وقيمة المؤمن بحركته وبعمله، فميلادك لا يعني شيئاً، والوفاة لا تعني شيئاً، أما الهجرة فتعني كل شيء، تعني إنسانا تحول من بلد يعصى الله فيه إلى بلد يعبد الله فيه، والله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً
( سورة النساء ).
أيها الإخوة الكرام، حكمة بالغةٌ تؤكد أن الإسلام حركة، أن الإسلام التزام، أن الإسلام عطاء وأخذ، صلة وقطيعة، رضى وغضب، لأن الإسلام حركة، أمر النبي أن تتخذ الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي.
وفي التأريخ الإسلامي عدّ شهر المحرم رأس السنة، فعن عبيد بن عمر قال: " إن المحرم شهر الله عز وجل وهو رأس السنة فيه يكسى البيت، ويؤرخ التاريخ، ويضرب فيه الورق، أي النقد، وفيه تاب قوم فتاب الله عز وجل عليهم ".
إذاً: أيها الإخوة، لأن الإسلام حركة، ولأنه عمل، ولأن الله عز وجل:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
( سورة النحل الآية: 32 ).
لذلك بدأ التأريخ الإسلامي من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام.
الدعوة الإسلامية بعد الهجرة:
الآن مع الدعوة الإسلامية بعد الهجرة:
لم يمضِ على عودة أصحاب البيعة الثانية وقت طويل حتى انتشر الإسلام في دُورِ الأنصار، فلم يخلُ بيت من بيوتهم من مسلم، أو من يتحدث بحديث الإسلام، والأنصار يتوالون في الانضمام إلى الركب الإسلامي تباعاً، ولم يبقَ منهم أحد خارج دائرة الإسلام بعد هزيمة الأحزاب، أي أن أقلّ من خمس سنوات كان الزمن الذي عاشته الدعوة الإسلامية ما بين الهجرة وشمول الإسلام كل الأنصار.
1 – من إسقاطات المرحلة المدنية على واقعنا اليومي:
مثلاً: يأتي شاب إلى المسجد فيطرب أشد الطرب، يفرح، ينتشي، يتوب إلى الله، يقبل عليه، يشتهي ملاقاة أخيه، ويدعوه إلى بيته، يشتهي ملاقاة ابن عمه، وملاقاة ابن خاله، كان شاباً واحداً فأصبح بعد حين جمعاً غفيراً.
أعرف أخا من إخواننا أمّن مئة شريط للدروس، بدأ يوزعها على أقربائه، لكنه توزيع دقيق يسجل، يعطي الشريط ويقول لصاحبه: اسمعه، وبعد يومين سآتي لآخذه، هذه المئة شريط خلال ستة أشهر جعل عددا كبيرا من أقربائه من رواد المسجد، ومن طلاب العلم، وقد أكرمهم الله بالهداية، فالإسلام حركة أيها الإخوة.
وكان من المظاهرة المثيرة للانتباه هذا الانتشار السريع، بل والذي حمل معه ألوان الأخوّة والتضحية الشيء الذي لا يكاد يصدق، الأنصار عرضوا على المهاجرين نصف ممتلكاتهم، نصف بساتينهم، عنده دكانان يقول له: خذ واحدا، عنده بيتان، خذ واحداً، ولم يسجل التاريخ أن مهاجراً أخذ من أنصاري شيئاً، الأوائل كرماء، والمهاجرون أعفة.
الصحابي الجليل الغني عبد الرحمن بن عوف آخاه النبي مع سعد بن الربيع أعطاه دكاناً، أعطاه مالاً، قال له: بارك الله بمالك، ولكن دلني على السوق.
الآن ماذا يحصل ؟ يكون المستشفى الحكومية أسعاره رمزية لفقراء المسلمين، فيأتيها الأغنياء ليجروا عمليات بأسعار مخفضة، أنا أتألم، هذه ليست لكم، أنتم أغنياء، دعوها للفقراء.
كان قديماً الأنصاري يعرض على المهاجر بيتاً، أو مالاً، يقول له: << بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق >>، بقدر سخاء الأنصار عفة المهاجرين.
أيها الإخوة الكرام، ما لم نتأسَ بهذه السيرة، وما لم تكن هذه السيرة منهجاً، لأن النبي كما تعلمون أقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وإقراره تشريع، بل إن أفعاله يعدها بعض العلماء أصدق في التعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله، لأن أقواله تخضع للتأويل أحياناً، بينما أفعاله حدية ما لم تكن هذه السيرة منهجاً فلن نفلح أبدا.
2 – المسجد موضع الإكرام:
أيها الإخوة، أريد أن أبلغكم أن المسجد قوام حياة المسلمين، وأن رواد المساجد هم عمّارها.
(( إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره ))
( رواه الطبراني عن ابن مسعود ).
سؤال محرج أين الإكرام ؟
نحن جالسون على الأرض، ليس هناك مقاعد وثيرة ولا ضيافة، ولا كأس عصير، ولا قطعة حلوى، أين الإكرام ؟
الإكرام أنك حينما أتيت بيت الله حُق على الله أن يكرمك، يكرمك بالتوفيق، يكرمك بالحفظ، يكرمك بالتأييد، يكرمك بالنصر، يؤتيك الحكمة.
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
( سورة البقرة الآية: 269 ).
يمنحك نعمة الأمن. ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
( سورة الأنعام ).
يمنحك نعمة الرضا، ترضى عن الله، يمنحك زواجاً موفقاً، يمنحك رزقاً حلالاً يمنحك صحة عالية، هذا إكرام الله عز وجل.
(( إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره ))
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ))
( مسلم)
يعني يا رب تجلَّ على قلبي، سأصلي فتجلَّ على قلبي بالسكينة، ألقِ في قلبي نوراً أرى به الحق حقاً والباطل باطلاً، أما إذا خرج من المسجد له دعاء آخر:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ))
( مسلم عن أبي أسيد )
يا رب ارزقني عملاً صالحاً في بيتي، وفي الطريق، وفي عملي، يكون تجسيداً لفهم دينك، ففي الدخول:
((اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ))
وفي الخروج:
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ... وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ))
( متفق عليه )






والحمد لله رب العالمين





الختام


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-10-2018, 01:36 PM   #58



الصورة الرمزية آفراح
آفراح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 20
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : اليوم (05:47 AM)
 المشاركات : 15,156 [ + ]
 التقييم :  1818
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



جوزيت كل خير وبورك فيك
تحية


 
 توقيع : آفراح


كلمة شكر لا تفي حقك على الاهداء مصممتنا المبدعة سوالف احساس على الرمزية والتوقيع


رد مع اقتباس
قديم 09-12-2018, 08:59 PM   #59



الصورة الرمزية منال نور الهدى
منال نور الهدى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  Sep 2012
 أخر زيارة : 03-27-2024 (09:41 PM)
 المشاركات : 22,812 [ + ]
 التقييم :  6713
 الدولهـ
algeria
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen


افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



جزاك الله خير جزاء واسعدك الله على المجهود والطرح القيم أخي السعيد

في أمان الله وحفظه


 
 توقيع : منال نور الهدى





أطروحاتكم وردودكم الراقية تعكس ما مدى توازن فكركم و ثقافتكم.
جملوا حضوركم بتفاعلكم الذي يترك أثار طيبة وينثر روائح زكية.


رد مع اقتباس
قديم 11-17-2018, 10:38 AM   #60
سليلة الأبجدية



الصورة الرمزية عاشقة الأنس
عاشقة الأنس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 390
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 07-22-2023 (09:39 AM)
 المشاركات : 4,471 [ + ]
 التقييم :  2789
 الدولهـ
Algeria
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



في ميزان حسناتك وبارك الله فيك


 
 توقيع : عاشقة الأنس


كل الشكر للأستاذة المصممة البارعة سوالف احساس على التوقيع


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الشجرة, النبوية, فقه


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيرة الذاتية لعلماء الاسلام السعيد ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية 63 11-05-2018 02:41 PM
المسجد الأقصى في السيرة النبوية قتيبه العاشق رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 7 06-09-2016 08:12 AM
في ظلال السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 3 05-09-2016 10:10 PM
من خصائص السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 5 07-14-2014 05:10 AM
السيرة النبوية ربانية ووسطية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 4 02-07-2014 10:34 PM


الساعة الآن 06:05 AM