حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة > رياض الأنبياء والرسل

رياض الأنبياء والرسل (يختص بسيرة وقصص الأنبياء والرسل عليهم السلام

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-03-2018, 08:23 AM   #11


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الحادى العاشر )

الموضوع :إلقاء الضوء على مضامين هذه الدعوة الإسلامية




الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. إليكم هذه المقدمة التي تتحدث عن فلسفة الأشياء:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية
درجت كتب السيرة أنها تتحدث بعد الوحي الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم عن فحوى الدعوة الإسلامية، لذلك هذا الدرس مخصص لإلقاء الضوء على مضامين هذه الدعوة الإسلامية.
كمقدمة فلسفية: الجماد شيء يشغل حيزاً له أبعاد ثلاثة، له طول وعرض وارتفاع، وله وزن، أليس كذلك؟ أما النبات فشيء يشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، لكنه ينمو, أما الحيوان فشيء يشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، ينمو ويتحرك, أما الإنسان فشيء يشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، ينمو، ويتحرك، ويفكر.
لذلك ميز الله الإنسان بالقوة الإدراكية، وما لم يلبِ الإنسان حاجة عقله إلى العلم هبط من مستوى إنسانيته إلى المستوى الذي لا يليق به.

ماذا تعني كلمة اقرأ ؟
أيها الأخوة, أول كلمة نزلت من القرآن الكريم، وأول كلمة جاء بها الوحي, هي قوله تعالى:
﴿اقْرَأْ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

أي تعلم، لأن الإنسان خُلق ليعرف الله، الدليل:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
( سورة الطلاق الآية: 12)
علة وجودك في الأرض أن تعرف ربك من خلال خلقه، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
( سورة الطلاق الآية: 12)
لذلك أول كلمة نزلت بالوحي، هي قوله تعالى:
﴿اقْرَأْ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )
إن أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.

أيها الأخوة، أزمة أهل النار وهم في النار, هي الجهل, قال تعالى:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
( سورة الملك الآية: 10 )
لأن كل إنسان مجبول على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، ولا يتحقق هذا إلا إذا طبق تعليمات الصانع, الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة، قال تعالى:
﴿اقْرَأْ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )
ينبغي على المسلم أن يتجه نحو العلم الذي يفضي به إلى معرفة ربه وخدمة دينه:
أيها الأخوة, الآن بالعالم يطبع في اليوم الواحد من الكتب بلغة واحدة لا نستطيع أن نقرأها في 200 عام، ماذا نقرأ؟ قال تعالى:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

يجب أن يكون الهدف أن تؤمن بالله، ليس هناك علم من أجل العلم فقط، العلم من أجل أن تعرف الله، وأن تعبده، وأن تسلم، وتسعد في الدنيا والآخرة, قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات الآية: 56)
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

هذه القراءة الأولى، ما لم تكن القراءة تتجه نحو الإيمان بالله فلا قيمة لهذه القراءة، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع, ومن أذن لا تسمع، وأعوذ بك من هؤلاء الأربع ))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
(( دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده، فإذا رجل تحلق الناس حوله، سأل سؤال العارف, من هذا؟ قالوا: هذا نسابة، فقال: وما نسابة؟ قالوا: يعرف أنساب العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به))
[ ورد في الأثر]
إذاً: ما لم يكن الهدف من طلب العلم الإيمان بالله، الإيمان بالله خالقاً، ومربياً، ومسيراً، الإيمان بالله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، الإيمان بأن أسماء الله تعالى حسنى، وأن صفاته فضلى، فهذا العلم لا يُعتد به، بل هو حرفة من الحرف، أبداً.
عندنا حِرف يدوية، وعندنا حِرف فكرية، آلاف الحِرف تعتمد على الفكر، لكن العلم الذي أراده الله عز وجل هو العلم به، العلم الذي يسمو بالإنسان.

أقسام العلوم التي تتعلق بالذات الإلهية وبيان أشرفها:
أيها الأخوة، هناك علم بخلقه، وهناك علم بأمره، وهناك علم به، فالعلم بخلقه اختصاص جامعات العالم، الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والمنطق، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم التربية، والطب، والهندسة، والفلك، والجغرافيا، والتاريخ, واللغة، واللغات الأجنبية، وجامعات العالم متخصصة في هذه العلوم
أما العلم بأمره هو معرفة الحلال والحرام، وأحكام الفقه، والأحوال الشخصية، وفقه البيوع، وفقه المواريث، هذا العلم بأمره من اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي، أما العلم به فهو شيء آخر، العلم به يقتضي المجاهدة، ولا يقتضي المدارسة، العلم بخلقه، والعلم بأمره, يقتضيا المدارسة، وقد قال بعض العلماء الكبار: " جاهد تُشاهد ".
أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل، وحينما تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وحينما تضبط إنفاقك وإيرادك، وحينما تضبط جوارحك، وحينما تضبط بيتك، وحينما تضبط عملك، عندئذٍ يسمح الله لك أن تعرفه معرفة تسعد بها في الدنيا والآخرة.
مضامين الدعوة الإسلامية هي:

1- قراءة بحث الإيمان:
أيها الأخوة, قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

العلم لا مبرر له إلا أن يكون وسيلة لمعرفة الله، ثم لطاعته، ثم للسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة، هذه القراءة الأولى القراءة الإيمانية, قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )
الغرب كله مع النعمة، لكن المؤمن مع المنعم، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

من خلق الإنسان؟ من خلق الحيوان؟ من خلق النبات؟ الشجرة تعمل بصمت، بلا صوت، وبلا دخان، وبلا ضجيج، تعطيك ثمار شهية بألوانها، وروائحها, وحجمها، وقوامها، وفائدتها، من خلق البقر؟ تعطيك الحليب ومشتقاته, من خلق الفواكه والثمار؟ من خلق السموات والأرض؟ من خلق النجوم؟ من خلق الأطيار؟ من خلق الأسماك؟ من خلق أنواع النباتات؟ من خلق هذا الطفل الذي يملأ بيتك فرحة؟ من خلق هذا؟ قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )
هذا الخلق يدل على علم، وعلى حكمة، وعلى رحمة، وعلى قدرة، وعلى جمال، إذاً: ينبغي أن تتفكر في خلق السموات والأرض، ينبغي أن تقف عند هذه الآيات.
أخواننا الكرام، مثل واضح جداً أن الإنسان إذا كان فقيراً، ولم يتح له في كل حياته أن يلعق لعقة عسل واحدة، لكنه قرأ كتباً عن النحل ففاضت عيناه بالدموع من عظمة الله عز وجل في خلق النحل والعسل، هذا الإنسان الفقير الذي لم يذق طعم العسل حقق الهدف الأول من خلق النحل والعسل، لأنه تعرف من خلالهما إلى الله، والذي كان غنياً مترفاً، وأكل من العسل كميات كبيرة، ولم يعرف ربه من خلال خلقه فهذا عطل الهدف الأكبر من خلق النحل والعسل، فلذلك لما النبي عليه الصلاة والسلام رأى هلالاً, قال:
(( هلال خير ورشد))
[ أخرجه أبو داود عن قتادة في سننه]
انظر إلى آيات الله في جسمك أيها الإنسان:
1- في موضوع أصل التكوين:
قد تقول: أنا كيف أعرف المجرات؟ هناك 230 ألف مليار مجرة، أرقام يصعب تصديقها، وكل مجرة فيها ملايين الملايين، والكون لا نهاية له، وبعض المجرات تبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
( سورة العلق الآية: 1 )

نقول لك: أنت ينبغي أن تتعرف إلى الله من خلال خلقه، ولكن عندك آية بين جنبيك, هي قوله تعالى:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾
( سورة العلق الآية: 1-2)
ألست متزوجاً؟ تقول: نعم، عندك أولاد؟ تقول: نعم، هذا الابن, كيف أصبح طفلاً سوياً؟ في اللقاء الزوجي, الإنسان يفرز أكثر من 300 مليون نطفة إلى 500 مليون، والنطفة الواحدة لا ترى بالعين، تحتاج إلى مجهر، نطفة واحدة تدخل إلى بويضة، والبويضة حجمها كحجم حبة الملح، ضع لعابك على طرف إصبعك، وضعه على ملح بأقل ضغط، ترى حبات صغيرة لا ترى بالعين المجردة، البويضة حجمها كحجم حبة الملح، والنطفة أصغر بكثير، فهذا المخلوق آية من آيات الله التي تدلك على معرفته.
2- في الدماغ:

دماغ 140 مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، على 14 مليار خلية قشرية، على 300 ألف شعرة، على 130 مليون عصية ومخروط بشبكية العين، على 800 ألف عصب بالعصب البصري، على 35 مليون عصارة هاضمة بالمعدة على طريق في الكليتين طوله 100 كيلومتر، مليون نترون، على أوعية دموية طولها 150 ألف كيلومتر، على أسناخ رئوية مساحتها 200 متر مربع, قال تعالى:

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين الآية: 4)
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾
( سورة البلد الآية: 8-11 )
- في الشعر:

يا أيها الأخوة الكرام، ما هذه الحكمة الرائعة أن الإنسان ليس له أعصاب حسية في شعره؟ لو فيه أعصاب حسية بشعره, أين يذهب؟ إلى المستشفى، اعمل عملية حلاقة، لأنه تحتاج إلى تخدير كامل، ألا تنظر إلى حكمة أن الشعر ليس به أعصاب حس، توزع الأعصاب، شيء لا يحتمل، هناك شعر في الأنف، لكن ليس بالفم شَعر، فكرت في هذا, لو في الفم شعر شيء لا يحتمل، وحلاقته صعبة، يمكن أن يقص لسانه الحلاق في أثناء الحلاقة، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
( سورة البلد الآية: 8-10 )
4- في بقية أعضاء الجسد:
أيها الأخوة, هذه المثانة، لو ما فيها عضلات لاحتاج الإنسان إلى إفراغها إلى ربع ساعة، وقد لا يستطيع
أما بالعضلات ففي دقائق، حكمة بالغة، لو أمضينا سنوات في الحديث عن حكمة خلق الإنسان لا ننتهي, قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
( سورة البلد الآية: 8 )
بالميليمتر مربع في العين مئة مليون مستقبل ضوئي، بينما أعلى آلة تصوير رقمية احترافية في الميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، فالله عز وجل قال:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
( سورة العلق الآية: 1-2)
علقة، طفل، دماغ، عينان، أذنان، أنف، فم، لسان, مريء، لو علقت إنسانًا من رجليه، ثم سقيته الماء، الماء ينتقل إلى المعدة، عن طريق العضلات بالمريء، تتقلص بشكل متزامن، فتنقل الماء إلى المعدة، وأنت نائم نوم عميق تأتي إشارة من الفم أن اللعاب كثر، إشارة إلى الدماغ، الدماغ مستيقظ، يتخذ قرار إغلاق القصبة الهوائية، وفتح المريء، يبلع ريقه، وهو نائم, كم مرة؟ مئات المرات، أما عند طبيب الأسنان, فيقول لك: افتح فمك، الريق ينزل، يضع لك شراقة
وأنت نائم تأتي إشارة من العضلات التي تحت الجهاز العظمي أنه انضغطنا، الأوعية ضاقت، ضعفت التغذية، يأتي أمر للعضلات الإنسان يتقلب على جهة ثانية، الله قال:

﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾
( سورة الكهف الآية: 18 )
لولا التقلب لنسلخ لحم الإنسان، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
( سورة العلق الآية: 1-2)
هذه القراءة قراءة الإيمان، إذاً: العلم في خدمة الإيمان، قال تعالى:
﴿اقْرَأْ﴾
( سورة العلق الآية: 1)
2- قراءة شكر وعرفان:
القراءة الثانية: قراءة شكر وعرفان, قال تعالى:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
( سورة العلق الآية: 3)
لا شك أن أحد أخواننا الكرام فتح كتابًا، وقرأ أنه تم طبعه في عام 1932، هو ولد 1938، في أثناء طبع هذا الكتاب كان شيء في الأرض اسمه سعيد نورسي؟ لا, قال تعالى:
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
( سورة الإنسان الآية: 1 )

كلنا جميعاً لنا وجود, لنا قيد نفوس بالنفوس؟ معنا هويات، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد، ثم منحك نعمة الإمداد، أمداك بالطعام والشراب والدفء، وما شاكل ذلك، فهناك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
( سورة العلق الآية: 3)
القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان، إذاً: من أجل أن تتعلم من أجل أن تؤمن، وأن تتعلم من أجل أن تشكر.
أنت حينما تؤمن، وحينما تشكر, حققت الهدف من وجودك، لذلك قال تعالى:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
( سورة النساء الآية: 147 )
إذا آمنتم، وشكرتم, يتوقف العلاج الإلهي، تتوقف المصائب، يتوقف كل شيء، لأنك إن حققت الهدف من وجودك فلا داعي لكل المصائب.
ما المقصود بكلمة البيان في الآية , ومن أجل ماذا ؟
أيها الأخوة, لكن الله من أجل أن تعرفه منّ عليك بنعمة البيان, قال تعالى:
﴿الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
( سورة الرحمن الآية: 1-4 )
البيان أن تُعبر عن حاجاتك، وعن أفكارك، وعن مشاعرك شفهياً، هذا البيان الشفهي، والبيان أن تتلقى أفكار الآخرين ومشاعرهم، وحاجاتهم شفهياً، هذا الاستماع، لكن الإلقاء والاستماع يحتاج إلى لقاء، لكن أنت حين تكتب مقالاً، أو تؤلف كتاباً، يأتي إنسان لم يلتقي بك، لكنه قرأ كتابك فانتفع به، قال تعالى:
﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
( سورة العلق الآية: 4)

بالقلم تتنقل المعارف من مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر، ومن مصر إلى مصر، وبالترجمة تنتقل المعارف من أمة إلى أمة، كلمة بليغة جداً, قال تعالى:

﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
( سورة العلق الآية: 3-4)
أعطاك البيان، كم لغة في الأرض؟ ثلاثة آلاف لغة، الإنجيل إلى كم لغة مترجم؟ إلى 1300 لغة، القرآن الكريم إلى كم لغة مترجم؟ إلى 30 لغة فقط، وحي السماء، أرأيت إلى عنايتهم بكتابهم، وإلى تقصيرنا بكتابنا، قال تعالى:
﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
( سورة العلق الآية:4)
هذه قراءة شكر وعرفان.
3- قراءة وحي وإذعان:
القراءة الثالثة: قراءة وحي وإذعان، من أين نأتي بها؟ قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
( سورة العلق الآية:3-4)
﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق الآية: 5 )

أنت إذا نظرت إلى الشمس تعلم أن لها خالقاً، لكن أحكام الزكاة, من أين أتتنا؟ من الوحي، أحكام الزواج, من أين أتتنا؟ من الوحي، المحرمات من النساء, من أين أتانا ذلك؟ من الوحي، المحرمات من الطعام؟ من الوحي، العبادات، أداء الصلوات، أحكام الحج, أحكام العمرة، المعاملات، القرض، الحوالة، الكفالة، من الوحي، فأنت ينبغي أن تقرأ قراءة بحث وإيمان، ثم ينبغي أن تقرأ قراءة شكر وعرفان، ثم ينبغي أن تقرأ قراءة وحي وإذعان, فمضمون الدعوة, هي قوله تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق الآية:1-5)
أهمية الوحي في حياة الإنسان:

أخواننا الكرام، أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به بالوحي، أنت عندك محل تجاري، وبحاجة إلى ميزان، فاشتريت ميزانا من أرقى الأنواع، لكن هذا الميزان مصمم لمحل تجاري من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو، خطر في بالك أن تزن به سيارتك، وضعته بالأرض، ومشيت فوقه، كسرته، أخي لم يشتغل هذا الميزان؟ أنت استخدمته بخلاف تعليمات الصانع، هذا الميزان محدود من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو، سيارتك وزنها طن وربع، الشركة الصانعة محترمة جداً، كتبت لها وزنها على مكان بالسيارة، قالت لك: 1392 كيلو وزنها, فأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به, قال تعالى:

﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق الآية: 3 - 5)
4- قراءة عدوان وطغيان:

القراءة الرابعة: قراءة عدوان وطغيان، قنبلة خارقة حارقة، لو ألقيناها على ملجأ سماكته متر اسمنت مسلح، تخرق هذه المسافة، وتحترق في داخل الملجأ، تقتل ألف واحد، خارقة حارقة، هناك قنبلة انشطارية، هناك قنبلة ذكية هناك سلاح جرثومي، هناك سلاح كيميائي، هناك صواريخ مدمرة، هذا العلم علم إفناء البشرية، علم السيطرة على الكون، علم نهب الثروات، هذا علم أيضاً، لكن وراءه شياطين، وراءه وحيد القرن، قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق الآية: 3 - 5)
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾
( سورة العلق الآية: 6 )


نموذج طرحه القرآن من الأقوام الطاغية الذين أفسدوا الأرض وأهلها:
الله عز وجل أعطانا أنموذجاً لقوم طغاة، نموذج متكرر، إنهم قوم عاد, قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر الآية: 6-8)

تفوقوا في شتى المجالات، جيش قوي، فن واسع جداً لإفساد أهل الأرض، على المطارات، على الطرقات، على المعامل، على الاقتصاد، على عملة غالية جداً، قال تعالى:

﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر الآية: 8)
مع التفوق في شتى المجالات غطرسة, قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
الله عز وجل ما أهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
( سورة فصلت الآية: 15 )
يعني ما كان فوق عاد إلا الله، أعطانا الله مثلا، ماذا فعلت عاد؟ قال:
﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
( سورة الفجر الآية: 11-12 )

عندهم أداتان فعالتان، عندهم قصف، وعندهم إفساد بالأفلام، جهة شكلها خماسي تقصف، وجهة نساء كاسيات عاريات لإفساد البشر، هل أفسدوا بلادهم؟ لا، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر الآية: 11)
كلها، ليس في بلادهم، دقق في كلام الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
( سورة الفجر الآية: 11-12 )
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
( سورة الفجر الآية: 13-14 )

سرعة الريح الآن كم؟ 160، لا تبقي ولا تذر, قال تعالى:

﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
( سورة الحاقة الآية: 6-7 )
طيب، ماذا فعلوا؟ قال: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
سورة الشعراء الآية: 128-129)

تفوق عمراني يفوق حد الخيال، وتفوق صناعي يفوق حد الخيال، قال:

﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
( سورة الشعراء الآية: 130 )
تفوق عسكري يفوق حد الخيال، تفوق علمي يفوق الخيال, قال تعالى:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 38 )
من تفوق عمراني، إلى تفوق صناعي، إلى تفوق عسكري، إلى تفوق علمي، إلى غطرسة، إلى إفساد وطغيان، إلى تفوق في شتى الميادين.
هناك إشارة دقيقة جداً، قال تعالى:

﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
( سورة النجم الآية: 50 )
معنى ذلك هناك عاد ثانية، ترونها وتسمعون أخبارها كل يوم، وهي أتت من أجل الحرية والديمقراطية طبعاً، فلذلك قوم عاد في القرآن يمثلون الأمم الطاغية متفوقون في العلم كثيراً، ما نوع علمهم هذا؟ من النوع الرابع، هذا العلم الذي يعد جريمة في حق الإنسان.

احذر يا عبد الله من الغفلة عن صراط ربك:
أيها الأخوة الكرام، هذا مضمون سورة اقرأ التي نزلت أول ما نزلت من وحي السماء, قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
( سورة العلق الآية: 1-5)
لكن الإنسان حينما يغفل عن الله عز وجل, يقول الله عز وجل:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾
( سورة العلق الآية: 6)
﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق الآية: 7)

الإنسان في قبضة الله، في أية لحظة هو في قبضة الله، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق الآية: 6 - 7)
إذا استغنى عن طاعة الله يطغى، فلذلك قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل الآية: 1-12)
أصناف البشر:
1- صنف صدق بالحسنى وعمل لها:
أخواننا الكرام، صدقوا أن البشر الآن على اختلاف مللهم، ونحلهم، وألوانهم، وأعراقهم, وأجناسهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، ودياناتهم، لا يزيدون عن نموذجين، أول نموذج, هو قوله تعالى:

﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل الآية: 5-6)
يصدق أنه مخلوق للجنة، فبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبناء على هذا التصديق بنى حياته على العطاء، يعطي كل شيء، يعطي وقته، وماله، وجهده، وخبرته، ووقته من أجل الله، وبناء على هذا التصديق بنى حياته على العطاء الرد الإلهي, قال تعالى:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
( سورة الليل الآية:7)
الله يختار له شكل معين, قدرات معينة، جنس معين، أب معين، أم معينة، حرفة معينة، دخل معين، إمكانات معينة، كي تكون له عون على بلوغ الجنة.
2- صنف كذب بالحسنى ولم يعمل لها:
النموذج الثاني, هو قوله تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل الآية: 8-9)
هذا النموذج الثاني كذب بالحسنى، وصدق الدنيا، الدنيا هي كل شيء عندهم، هي محط رحالهم، ونهاية آمالهم، بناء على هذا التكذيب بالآخرة والتصديق بالدنيا استغنى عن طاعة الله، وبناء على هذا التكذيب بالآخرة والتصديق بالدنيا بنى حياته على الأخذ.
إذاً: يبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني قوته على ضعفهم، ويبني أمنه على خوفهم، ويبني غناه على فقرهم، ثم يبني حياته على موتهم، هذا الإنسان يسير لخلاف ما خلق له، يسير إلى الشقاء في الدنيا, والهلاك في الآخرة.
خاتمة الدرس:


أيها الأخوة, قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
سورة العلق الآية: 1-7)
هذه السورة أول سورة نزلت من وحي السماء، وفيها إشارات إلى مضامين الدعوة الإسلامية.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتقل في درس قادم إلى الدعوة السرية، أول ما بدأت سرية إلى أن مكن الله المؤمنين، وأصبحت دعوة جهرية.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-03-2018, 08:26 AM   #12


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية





بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثانى العاشر )

الموضوع : سرية الدعوة




الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
غربة المسلم المنضبط بمنهج الإسلام في عصر التفلت:
أيها الأخوة, مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وصلنا إلى موضوع الدعوة السرية, فالدعوة الإسلامية بدأت سرية لأربع سنوات بدءاً من نزول الوحي، وقد ورد: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء "
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]
الحديث عن الغربة موضوع دقيق في هذا الدين، حينما تشعر أن الناس أخذتهم الدنيا، وأنهم لم يعبؤوا بمنهج الله عز وجل لا بد من أن تشعر بغربة، فالمسلم غريب في الناس، لأن قيمه تتناقض مع قيم الناس، عرف أنه خُلق للجنة، وعرف أن الجنة هي عطاء لا نهائي، وعرف أن هذه الجنة لها ثمن، وأن ثمنها معرفة الله وطاعته في الدنيا، فلذلك حينما آمن باليوم الآخر لا بد من أن تنعكس كل مقاييسه، فمقياس المؤمن يُحس أنه ناجح وفالح لا فيما يأخذ بل فيما يعطي، همه الأول العطاء، بينما الغافل عن الآخرة همه الأول الأخذ، فلا بد من تناقض واضح بين مبادئ المؤمن ومبادئ غير المؤمن، ما الذي يسعدك أن تأخذ أم أن تعطي؟ ما الذي يسعدك أن تستهلك جهد الآخرين أم أن تقدم جهدك لهم؟ ما الذي يسعدك أن يعيش الناس لك أم أن تعيش للناس؟ ما الذي يسعدك أن تقتنص لذة عابرة أم أن تنال سعادة أبدية؟.
لذلك القضية مصيرية، الإنسان في عصر التفلت، في عصر الانحراف يشعر بالغربة، لذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام: " كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ "

[ ورد في الأثر]
بيان النبي لأمته محدودية الدعوة إذا كان الإسلام في زمن غربة:
أيها الأخوة, لا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام وضح أشراط الساعة، لكن أنت حينما ترى شحاً مطاعاً، مادية مقيتة، يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، حينما يعبد الدرهم والدينار، حينما يعبد شهوته، حينما يعبد بطنه، حينما يعبد فرجه، حينما بعبد خميصته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد البطن، تعس عبد الفرج، تعس عبد الخميصة "
[ ورد في الأثر]
المال يُعبد من دون الله, قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾
( سورة الفرقان الآية: 43 )
اللذائذ الحسية هي شغل الناس الشاغل، ولا بد من وقفة متأنية عند اللذة وعند السعادة،اللذة الحسية طابعها مادي، اللذة تأتيك من الخارج، تحتاج إلى وقت, إلى صحة، إلى مال، تأتي اللذة من الطعام، من الشراب، من البيت، من البستان، من المرأة, أما السعادة تنبع من الداخل، اللذة متناقصة وتنتهي بالكآبة، أما السعادة متنامية وتنتهي بالجنة.
الآن في كبر وإعجاب، كل إنسان بجهله الفاضح يرى نفسه محور العالم، تعرض عليه قضية، نص حديث، حكم فقهي، يفكر، ما أعجبني هذا! هو المرجع، هو المقياس، هو الفيصل، هو الحكم, صدق القائل:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((" إذا رأيت شحاً مطاعاً وَهَوًى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))
[ ورد في الأثر]
الحديث له عدة روايات,
(( فلزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة، وعليك بخاصة نفسك ))
[ ورد في الأثر]
يعني أقرباءك، أخوانك، أصدقاءك، زملاءك، جيرانك، الذين تعرفهم معرفة يقينية، والذين تطمئن لهم، في هذه الظروف الصعبة، حينما يشرد الناس عن منهج الله, وحينما يبتعدون عن أوامر الشرع، وحينما تحل الشهوة محل القيم، وحينما تحل القوة محل الرحمة، وحينما يعد العقل المغلق البعيد عن الوحي مرجعاً لكل شيء عندئذٍ نكون في زمن الغربة، لذلك: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء "
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]
يبدو أن حينما تكون الغربة مستحكمة ينبغي أن نقلد النبي صلى الله عليه وسلم في أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل دعوة محدودة وليست دعوة عامة.
الحكمة الربانية في انتشار الدعوة الإسلامية في جميع العشائر التي تضمها قريش:
أيها الأخوة, بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة بشكل سري، وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات، وكانت مكة تخضع لقريش بعشائرها الأربعة عشر، لكل منها كيانها الخاص، مع تحالفها ضمن إطارها العام، وكان من المتوقع أن ينتشر الإسلام في عشرية النبي صلى الله عليه وسلم ثم في قريش التي ينتمي إليها أخيراً, ولكن الذي حصل على خلاف ذلك، حصل أن الإسلام انتشر في كل العشائر من دون استثناء، وهذه من حكمة الله عز وجل.
أيها الأخوة, هذه الميزة أن الإسلام انتشر في كل العشائر كانت ميزة إيجابية يمكن أن تعود بالخير العميم على الدعوة الإسلامية في مراحل قادمة، لنأت بالأمثلة:
أبو بكر الصديق من عشيرة تميم التيمي، عثمان بن عفان أموي، الزبير ابن العوام أسبي، علي بن أبي طالب هاشمي، مصعب بن عمير داري، عمر ابن الخطاب عدوي، عبد الرحمن ابن عوف زهري، عثمان بن مظعون جمحي.
إذاً: العشائر كلها انتشر فيها الإسلام على قدر المساواة، إذاً: الإسلام لا يفرق بين عشيرة وعشيرة، ولا بين قبيلة وقبيلة، ولا بين أبيض ولا أسود، ولا بين قريب وبعيد, الإسلام بالتعبير المعاصر أممي، كل من دخل في الإسلام فهو منا ونحن منه، كل ما دخل في الإسلام له ما لنا، وعليه ما علينا.

تقسيم القرآن للبشر:
أيها الأخوة, لا يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، كل التقسيمات التي تواضع الناس عليها تقسيمات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان, تقسيمات من صنع البشر، تقسيمات نحن اخترعناها، أما في الحقيقة الناس صنفان، الناس رجلان، الناس نموذجان، واحد عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسعد في الدنيا والآخرة، وواحد غفل عن الله, وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه, فشقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذجاً ثالثاً.
هذا تقسيم القرآن، هذا تقسيم الواحد الديان، هذا تقسيم السماء، تقسيم الأرض مئة ملة وملة، ملل، ونحل، وطوائف، ومذاهب، وأديان, وأعراق، وأنساب، وغني وفقير، وأبيض وأسود، ودول الشمال ودول الجنوب، والعرق الأصفر، والعرق الآري، والعرق السكسوني، هذه تقسيمات الأرض ما أنزل الله بها من سلطان، وما لم تعتمد تقسيم السماء، وما لم تعتمد القيم التي رجحها القرآن للتمييز بين البشر فأنت بعيد عن الإيمان, قال عليه الصلاة والسلام:

(("سلمان منا أهل البيت ))
[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]
فارسي, كذلك قال النبي: (( نعم العبد صهيب ))
[ورد في الأثر]
رومي, قال تعالى:
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
( سورة المسد الآية: 1)
من قريش، هذا الإسلام, قال تعالى:
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾
( سورة المسد الآية: 2 )
ما لم نعتمد قيم السماء لن نقف على أقدامنا.
هذه نماذج من الرعيل الأول الذين تشرب الإسلام أفئدتهم فحكموه بينهم:
أيها الأخوة, لا أريد أن تبقى هذه الأفكار نظرية يجب أن تكون عملية، يجب أن تحب المؤمن كائناً من كان، يعني سليمان بن عبد الملك خليفة أموي كبير، حج بيت الله الحرام، وصل إلى مكة المكرمة، ومعه الوزراء والأمراء، وأمراء الجيش، والخواص، والحاشية، ومعه أولاده، سأل أحد خواصه, من عالم مكة؟ فأشير إلى إنسان ابن رباح أسود اللون، مشلول القدمين، رأسه كالزبيبة، أنفه أفطس، هذا عالم مكة، اقترب منه وسأله وأثنى عليه، وقال: أنت الذي تفتي في الحرم، اختلف مع أولاده في قضية, فتوجها إليه وكان حوله جمع غفير, فقال له: مكانك أمير المؤمنين، هؤلاء جاؤوا قبلك، فانتظر حتى وصل إليه، فسأله: فأجاب، قال لأحد أولاده: يا بني, أرأيت إلى ذلي أمامه؟ عبد أسود، حبشي، أفطس الأنف، مشلول القدمين، هو سيد علماء مكة، يقف خليفة المسلمين أمامه ذليلاً, وينتظر دوره، هذا هو الإسلام.
أيعقل أن يكون سيدنا بلال العبد الحبشي، يأتي أبو بكر الصديق ليشتريه من أمية بن خلف، وأمية بن خلف, يقول: والله لو دفعت لي درهماً لبعته لك، فيقول الصديق: والله لو طلبت مئة ألف لدفعتها لك، ويضع يده تحت إبطه, ويقول: هذا أخي حقاً، هذا هو الإسلام، هذا أخي حقاً.
أما سيدنا عمر خرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم إذا ذكروا الصديق, قالوا: هو سيدنا وأعتق سيدنا.
ما لم تكن هذه القيم محكمة في حياتنا فالطريق إلى الله ليست سالكة.

نموذج آخر من نساء الصحابة حطم الإسلام قيم الجاهلية فيها:
أيها الأخوة, صحابي جليل عنده فتاة بارعة الجمال، توفي زوجها، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أصحاب النبي رجل فقير لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، اسمه جليبيب أعور، دميم الخلقة، قصير القامة، أسمر اللون، كل عيوب الجسد مجتمعة فيه، إضافة إلى فقره الشديد، فقال له النبي الكريم: يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يا رسول الله, من يزوجني؟ يعني على ماذا أتزوج؟ ليس معي شيء, وأنا بهذا الشكل، النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة من الفهم، قال: اذهب إلى بيت فلان, وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني ابنتكم، ما في تناسب أبداً، فتاة بارعة، والنبي علم أنها بارعة الجمال، وهذا الذي أرسله ليتزوجها أمامه، فطرق بابه، وقال: إن رسول الله يخطب ابنتكم، فتوهموا أنه يخطبها له، فهشوا وبشوا وطاروا من الفرح، قال: ليخطبها لي، صعق الأب، قال له: أريد أن أستأمر أمها, فذهب إلى أمها, وبدأ الحديث كما بدأ جليبيب توهمت أن هذه البنت لرسول الله، فلما قال هي لجليبيب, قالت: معاذ الله، مستحيل، سمعت البنت حوار الأب والأم، فقالت: أنا موافقة, ورسول الله لن يضيعني. هذا الإسلام يا أخوان، شيء لا يحتمل، ما في أي تناسب بينه وبينها, لكن أراد النبي أن يحطم قيم الجاهلية، هذا مؤمن، جمع له بعض المال ليشتري به حاجاته الأساسية, ويوم عرسه نودي بالجهاد، فذهب إلى معركة أحد، وكان استشهاده في هذا اليوم, كأن الصحابة الكرام أناس غير هؤلاء البشر، كأن هؤلاء الصحابة الكرام اصطلحوا مع الله فوضعوا تحت أقدامهم كل قيم البشر المادية.
لو عدنا إلى قيمهم، وإلى مبادئهم لتحقق وعد الله فينا بالنصر، نحن إسلامنا إطار خارجي، المضمون غير إسلامي، وحينما نعود إلى الله يتم النصر الذي وعدنا به ربنا، ذكرت هذه القصص الصارخة ليحطم الإسلام قيم الجاهلية، قيم القوة، قيم الوجاهة، لذلك هذه الجاهلية عادت على شكل أوسع وأشد.

ما الحكمة الربانية بأن جعل طريق النصر غير معبد ؟
أيها الأخوة, من هم السابقون إلى الإسلام؟ لا تنسوا أن الله عز وجل حينما قال:
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
( سورة الواقعة الآية: 10- 11)
يعني أحياناً تكون القوة بيد المسلمين، فالذي ينخرط في الإسلام له ميزات كثيرة, لكن هل تعلم ما البطولة؟ أن يكون الإسلام ضعيفاً، وأن يكون متهماً بالإرهاب، وأن يكون الإسلام ملاحقاً، وأن يكون المسلم في الدرجة الدنيا في المجتمع في نظر الأقوياء والأغنياء ومع ذلك يسلم.
بربكم سؤال دقيق, أريد أن تتأملوا فيه، لماذا كان النبي ضعيفاً؟ حينما مر على عمار بن ياسر وهو يُعذب، هل استطاع النبي أن يخلصه؟ قال:

(( اصبروا يا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة ))
[أخرجه الطبراني عن عثمان بن عفان في المعجم الكبير]
النبي يرى أصحابه يعذبون ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، لماذا لم يكن النبي قوياً كأقوياء الأرض؟ لعل أحدهم يتوهم أن الدعوة عندئذٍ تكون سهلة، لا، الأقوياء إذا دعوا إلى شيء أقبل الناس بمئات الملايين، لا قناعة، ولا رغبة، ولا إيماناً، ولا حباً، ولكن خوفاً فقط، الله عز وجل جعل هذا الدين أساسه الحب، أساسه أن تأتي طائعاً، أساسه أن تأتي مختاراً، أساسه أن تأتي محباً، الحب أساس العلاقة بين العبد وربه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يهدي الناس جميعاً قسراً, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
( سورة هود الآية: 118 )
فالله عز وجل أردنا أن نأتيه مختارين، أن نأتيه محبين، أن نأتيه بمبادرة منا, لماذا كان النبي ضعيفاً في بدء الدعوة؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك شيئاً يغري الناس، ولا شيئاً يخيف الناس، فالذي يؤمن به يؤمن به إيماناً حقيقياً عن قناعة، وهذا الذي أراده الله عز وجل، بعد حين أصبح النبي قوياً، لكن في بداية الدعوة الإسلام ضعيف، والمسلم يعاني من متاعب كبيرة جداً.
ما هي الحكمة الإلهية في تداول الأيام بين الناس ؟
أيها الأخوة في ظرف قوي فيه الكفر، وفي ظرف اشتدت شوكة أهل الضلال, وفي ظرف أصبح المؤمن متابعاً، وكل حركة وسكنة يحاسب عليها، في ظرف صعب يأتي شاب يلتزم طريق الحق، وينتعش قلبه بهذا الدين العظيم، ولا يخشى في الله لومة لائم هذا هو الأجر،هذا هو السبق, أما إذا قوي الدين، والذي يدخل عندئذٍ في الدين, ليس له أجر من سبق, فلذلك قال تعالى:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ،أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
( سورة الواقعة الآية: 10- 11)
بالمناسبة شاءت حكمة الله أن تكون القوة متداولة بين بني البشر, قال تعالى:
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
( سورة آل عمران الآية: 140 )
فقد يأتي وقت أهل الكفر أقوياء جداً، يملكون ناصية الدنيا، معهم أسلحة فتاكة, وقد يأتي وقت يكون أهل الإيمان أقوياء جداً، لكن جئنا في زمن ضعف المؤمنين، فلو أن الله جعل القوة بيد المؤمنين إلى أبد الآبدين, لأصبح معظم أهل الأرض منافقين، تحقيقاً لمصالحهم، وضماناً لسلامتهم، ولو أن الله جعل القوة مع أهل الكفر والعناد لخرج الناس من دين الناس أفواجاً، فالحكمة تقتضي أن تكون الأيام متداولة بين بني البشر, قال تعالى:
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 140 )
إليكم أوائل ممن دخلوا في الإسلام:

1- من النساء خديجة زوجة الرسول:
أيها الأخوة, أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من البشر كما هو واضح من حديث بدء الوحي عندما بشرته وصدقته فيما أخبرها به خديجة، لذلك قال:
(( مرة كذبني الناس وصدقتني "))
[ ورد في الأثر]
والنبي عليه الصلاة والسلام كان في أشد الوفاء لها في حياتها وبعد وفاتها، أحياناً قيسوا على ذلك، إنسان يتزوج وهو فقير, يتزوج امرأة ترضى به وتعتني به وتخلص له، بعد حين يغتني, هذا الإنسان بعد أن اغتنى يريد امرأة أخرى، ينسى وفاءها, وينسى إخلاصها، وينسى أنها رضيت به، وينسى أنها وقفت معه في أيامه العصيبة، يتمنى امرأة أخرى، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح خديجة طوال عمره، حتى مرة ضجرت عائشة, وقالت: ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ قال: لا والله لا والله لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها, هذا هو الوفاء، وكما تعلمون لما فتح مكة المكرمة، ودعي إلى أي بيت في بيوتات مكة, قال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر،وهذا أعلى درجة من الوفاء.
بالمناسبة الدعاة الكبار إلى الله عز وجل الذين أرادوا تغيير جذري في المجتمع يلقون معارضة كبيرة، من حكمة الله لهم أن الله يخصهم بامرأة صالحة تخفف من أعبائهم، ومن تكذيب الناس لهم، ومن المؤامرات التي تحاك ضدهم.

الحديث الشريف الذي ورد بحق أم المؤمنين خديجة بنت خويلد:
لذلك السيدة خديجة كانت سند النبي من الداخل، ويجب أن تعلموا أيها الأخوة علم اليقين, أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، وربما أقول: إن قلامة ظفر امرأة مؤمنة صالحة تائبة عابدة منيبة تعدل مئة ألف رجل شرد عن الله عز وجل، هذا هو الدين، أما الجاهلية لها مقاييس أخرى، حتى إنه قد ورد في الأحاديث الشريفة هذا النص ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: (
( يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح ]
رب العزة يسلم عليها، وجبريل يسلم عليها, قال: (( فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح ]
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة وزجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
[ ورد في الأثر]
(( ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله))
[أخرجه الطبراني عن أبي أمامة في المعجم الكبير]
2- من الصبيان علي بن أبي طالب:
أما من الصغار, فسيدنا علي بن أبي طالب كان يعيش في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تأثر بالنبي فكان أول من أسلم من الصغار، أو من الشباب، وكان في العاشرة من عمره.
أيها الأخوة, لا أغبط إلا شاباً في مقتبل حياته أقبل على الدين, ومن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة.

3- من الموالي زيد بن حارثة:
من أوائل من أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله، مرةً خطر في بالي خاطر أن هذا زيد بن حارثة مولى لرسول الله، أهدته له خديجة، لماذا لم يعتقه النبي؟ جاءت في السيرة لما جاء أبو زيد وعمه ليفتديانه من رسول الله, قال: لا، لا أريد شيئاً دونكم زيد، فلما عرضوا عليه, قال: لا والله لا أترك محمد، ماذا رأى منه؟ رأى منه كمالاً أنساه أباه وأمه، هذا المؤمن، المؤمن محسن، فزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي.
4- من الرجال أبو بكر الصديق:
أما من اسلم من الرجال، من خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الجمهور هو أبو بكر الصديق، جاء في بعض الروايات
(( ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر))
[ ورد في الأثر]
كان أبو بكر رجلاً مؤلفاً لقومه، محبباً لهم، سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش, وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله, وإلى الإسلام من وثق به من قومه.
ممن أسلم على يدي أبو بكر:
أسلم على يديه، عثمان بن عفان، كل أعمال عثمان بن عفان بصحيفة سيدنا الصديق،والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص, وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك هذا الصديق في أعلى مرتبة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويذكر أن عبد الله بن مسعود أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وأنه أسلم وهو غلام.

لكل مقام مقال:
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))
[أخرجه الطبراني عن عويمر بن ساعدة في المعجم الكبير ]
من أعظم إكرام الله لرسوله أنه أحاطه بأصحاب في أعلى مستوى، وكلما علا شأنك عند الله يجمعك الله بأناس يعرفون قيمتك.






والحمد لله رب العالمين





 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 06:58 AM   #13


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثالث العاشر )

الموضوع :كتاب الوحي : أهمية اللغة العربية





الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ما الحكمة من أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً ؟
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وننتقل اَليوم إلى كتاب الوحي، ولا بد من موضوعين:
الأول: أمية النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، موضوعان تمهيديان لموضع كتابة الوحي.
الموضوع الأول: ما الحكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً؟ وقد يتبادر إلى الذهن أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، فلو أن النبي كان يقرأ ويكتب، وهو معلم البشرية فكيف نجمع بين أن الأمية نقص في شخصية الإنسان، وبين أن الأمية من صفة النبي عليه الصلاة والسلام؟
الكلام الجامع المانع المختصر المفيد أن أمية النبي وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا، لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبقى وعاء النبي طاهراً من كل ثقافة أرضية، لأن الله تولى بذاته العلية تعليمه, قال تعالى:

﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾
( سورة النجم الآية: 5-6 )
فلأن الله تولى تعليمه، ولأن هذا النبي مشرع، وقد أُمر الناس باتباعه، إذاً: هو معصوم، لذلك أميته أن وعاءه ليس فيه إلا وحي السماء، قال الله عز وجل:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية: 3-4)
لو أنه على ثقافة أرضية، وبدأ يدعو إلى الله, لكان السؤال المتكرر كل يوم: يا رسول الله! هذا الذي تقوله من وحي السماء أم من ثقافتك؟ قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية: 3-4)
وما لم نعتقد اعتقاداً جازماً بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره لا نكون على عقيدة سليمة، ولأن الله عصمه أمرنا أن نأخذ عنه، قال تعالى:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية: 7)
كيف عصمه؟ جعل كل وعائه المعرفي ممتلئاً من وحي السماء، هذه حقيقة أولى، أما نحن فقال عنا النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم ))
[ورد في الأثر]
لا أسمح أن يقول إنسان: أنا أتعلم من الله مباشرة، أما الآية التي يذكرها كل من يدعي هذه الدعوة فهي:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
ليس هذا هو معناها، لو أن المعنى كما يتوهم القائل لكانت الصيغة على الشكل التالي: واتقوا الله يعلمكم الله، جواب الطلب، واتقوا الله يعلمكم الله، لكن الآية لها معنى آخر:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
لمَ لا تتقونه؟ لأنه يعلمكم دائماً، علمكم بالكون، وعلمكم بالوحي, وعلمكم بالأنبياء، وعلمكم بالرسل، وعلمكم بالدعاة، وعلمكم بأفعاله، وعلمكم بالتربية النفسية، هو يعلمكم دائماً لماذا لا تتقون الله؟
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
لأن الله يعلمكم، أما أن تفهم أنه يكتفي أن تتقي الله فيأتيك العلم اللدوني، هذا مجال كبير للشطط والشطح هو أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم.
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام, قال: (( إنما ))، النبي أفصح العرب، فإذا قال: (( إنما ))، إنما أداة قصر، يعني ليس هناك من سبيل إلى العلم إلا بالتعلم بالنسبة لنا، أما النبي كان أمياًَ وأميته وسام شرف، تولى الله تعليمه, قال تعالى:

﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 48 )
لكن ما دام الموضوع قد تشعب، في الدين أصول وفروع، الأصول أن تعرف الله, والفروع أن تعرف منهجه، فأنت بآياته التكوينية والكونية والقرآنية تعرفه، وأنت في الأحكام الفقهية تعبده، بالكون تعرفه وبالشرع تعبده.
اللغة التي أنزل بها القرآن:
أيها الأخوة، ننتقل إلى موضوع آخر، وهو أن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، قال تعالى:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة يوسف الآية: 2)
﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً ﴾
( سورة طه الآية: 113 )
﴿قُرْآَناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾
( سورة الزمر الآية: 28 )
﴿فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً﴾
( سورة فصلت الآية: 3 )
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة الزخرف الآية: 3)
وآخر آية, قوله تعالى:
﴿حُكْماً عَرَبِيّاً﴾
( سورة الرعد الآية: 37 )
فالله سبحانه تعالى شرف هذه الأمة بأن جعل وحيه يتنزل باللغة العربية، وقد يسأل سائل: لماذا كانت العربية مشرفة بوحي السماء؟ الحقيقة أن الذي يدرس فقه اللغة يعلم علم اليقين أن الطرف الآخر الذي لا يحابي هذه الأمة إطلاقاً يعترف أن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية، لكنها تضعف بضعف قومها، وتقوى بقوة قومها.
من خصائص اللغة العربية:
1- اﻹعراب:
أيها الأخوة, ما معنى اللغة العربية من أقوى اللغات الإنسانية؟ لها خصائص، من هذه الخصائص الإعراب.
إن الذي قتل زيداً هو عمرٌ، إذا قلت: قتل عمرٌ زيداً، ما دام رفعت عمر, إذاً: هو الفاعل، تتميز اللغة العربية بالإعراب، والإعراب في اختزال للمعاني، الضمة تعني أن هذا هو الفاعل، والفتحة تعني أن هذا المفعول به، فمن أولى خصائص العربية الإعراب، فلذلك الذي يقرأ العربية يفهم فيقرأ، في بعض اللغات الأخرى يقرأ فيفهم، أما نحن فينبغي أن تفهم حتى تستطيع أن تقرأ صحيحاً، هذا يحتاج إلى بديهة، وإلى أن تلقي نظرة إلى كلمة أو كلمتين قادمتين، كي تعرف أن هذا الفعل مبني للمجهول أو للمعلوم، وأن هذا هو الفاعل، لذلك تعد هذه اللغة من أرقى اللغات الإنسانية لأن فيها الإعراب.

2- الاشتقاق:
أخواننا الكرام، هناك ظاهرة الاشتقاق، اللغة العربية كلماتها كالأسرة، الجد هو المصدر، والأولاد الفعل الماضي والمضارع والأمر، والمجرد والمزيد، والزيادات لها معاني دقيقة، وزن فاعل غير فعل، وزن تفاعل غير فعل، وزن استفعل غير فعل، فصيغة استفعل لها معنى، على وزن استغفر، استرحم، استرشد، وفاعل فيها المشاركة قاوم، وناضل، وشارك واستكتب طلب الكتابة، فالأفعال لها أوزان، وأوزانها مجردة ومزيدة، وعندنا أحد أبناء الفعل الماضي، والفعل المضارع، والفعل الأمر، واسم المكان، واسم الزمان، واسم الآلة، والصفة المشبهة باسم الفاعل، واسم التفضيل، وعندنا صيغ كثيرة جداً، ثم صيغ مبالغة اسم الفاعل، فعول، فعيل، مفعال، عندنا اسم فاعل واسم مفعول، واسم آلة، واسم زمان، واسم مكان، وصيغة مشابهة اسم الفاعل، هذه كلها صيغ، فعندنا اللغة أسرة.
3- اتساعها في التعبير:
من خصائص العربية التي جعلها الله لغة لقرآنه اتساعها في التعبير, ضربت مثلاً مرة: هناك نظر, واستشف، يعني نظر مع التمطي، واستشف، نظر مع اللمس، و حدج، نظر مع المحبة، وفي الحديث الشريف:
(( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم ))
[ورد في الأثر]
هناك نظر مع الاستمتاع، نظرت إلى منظر جميل، تقول: رأى، رأى بقلبه، رأيت العلم نافعاً، رأيت الأمانة غنى.
هناك لاح، السماء ملبدة بالغيوم، وفيها فجوات، فلاحت طائرة، يعني ظهرت، ثم اختفت، وأنت تمشي في الطريق رأيت باباً مفتوحاً، التفت إليه، فإذا امرأة فغضضت البصر، أي لمح، لاح شيء، ولمح شيء.
الآن حدق؛ اتسعت حدقت العين، حملق؛ ظهر حملاق العين، باطن الجفن أحمر، شخص نظر مع الخوف، سمع انفجارًا، فخاف، نقول: شخص، نظر إنسان على تاجر المخدرات بازدراء، نظر شزراً، شخص، ولاح، ولمح، وحدق، وحملق، واستشف، ورأى، العربية واسعة جداً في التعبير، وكلما اتسعت اللغة في التعبير جاءت العبارة لطيفة، قال الله:

﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾
( سورة طه الآية: 18 )
ما معنى أهش؟ أضرب, لا، أشير, لا، هناك لمس، لكن ما فيها ضرب، معنى دقيق جداً، قال تعالى:
﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
( سورة طه الآية: 18 )
إذاً: اللغة العربية متسعة بالتعبير.
4- الحروف تناسب بعض المعاني:
شيء آخر، الحروف فيها تناسب بعض المعاني، الحرف وحده فيه معنى، فكل كلمة فيها غين فيها اختفاء، غيبة، غاب، غريب، غيبوبة، وكل شيء فيه تكرار في راء، مر، جر، كر، خر، وكل كلمة فيها سين فيها شيء نفسي، حس، أنس، سر، سؤال، سرور، وكل كلمة فيها قاف فيه اصطدام طرق، لصق، سيدنا عمر, يقول: " تعلموا العربية فإنها من الدين ".
5- قابلة للاختزال أو الاختصار:
من هذه اللغة خصيصة أخرى، أنها قابلة للاختزال، لو وقف أربعة صحفيين ليأخذوا حديث مسؤول كبير باللغة العربية وحدها فقط يمكن أن تكتب كلامه، أما بأي لغة أخرى تحتاج إلى لغة أخرى اسمها لغة الاختزال، لن تستطيع بلغة أخرى أن تكتب ما يقال، إلا العربية بإمكانك أن تكتب ما يقال، عدد الحروف قليل، والمعاني كثيرة، والدليل اكتب باللغة الإنكليزية، محمد عشرة حروف، عدهم بالعربي أربعة حروف محمد( م ح م د )، لذلك هذه اللغة فيها اختزال.
المرأة لها جمال، أما الرجل فجماله فصاحته، فلا تعجب أن يدخل وفد على خليفة كبير كسيدنا عمر بن عبد العزيز يتقدمهم غلام، يغضب الخليفة، فيقول: أيها الغلام، اجلس وليقم من هو أكبر منك سناً، فيقول هذا الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكانت في الأمة أحق منك بهذا المجلس.
غلام آخر دخل على عبد الملك بن مروان، وكان من كبار خلفاء بني أمية، فوبخ حاجبه، وقال له: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل, حتى الصبية, فابتسم هذا الغلام الصغير، وقال: أصلح الله الأمير، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، ومعكم فضول أموال، فإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فنحن عباده، فقال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً.
سيدنا عمر يمشي في طُرق المدينة، أطفال عدة يلعبون، فلما رأوه هابوا وفروا، واحد منهم بقي واقفاً، لفت نظره، قال: يا غلام، لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير، لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
يعني ما الذي يمنع أن نعلم أبناءنا اللغة الفصحى؟ أن نعلمهم المطالعة، أن نعلمهم الكتابة، أن نعلمهم إلقاء الكلمات، لأن جمال الرجل فصاحته.

عدد اللهجات التي تكلم بها القرآن:
فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، لكن ورد أن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، يعني على سبع لهجات، ولكل قبيلة لهجة، وكان عليه الصلاة والسلام يخاطب الرجال بلهجاتهم، سأله مرة واحد: هل من أمبر أمصيام من أمسفر؟ يعني هل من البر الصيام في السفر؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام ليس من أمبرٍ أمصيامٌ في أمسفر، أجابه بلهجته، فتيسير على العرب الذين استقبلوا هذا الدين العظيم نزل هذا القرآن على سبعة أحرف، أي على سبعة لهجات.
لذلك قريش تسهل، وتميم تحقق, ما معنى ذلك؟ الهمزة إما أن تحقق، وإما أن تسهل، إذا قلت: ملايكة لهجة قريش، أما إذا قلت: ملائكة لهجة تميم، فتميم تحقق، وقريش تسهل، إذا قلت: تأريخ لهجة تميم، إذا قلت: تاريخ لهجة قريش، فكل همزة إما أن تحقق، وإما أن تسهل، بل إن كتابة الهمزة لها قاعدة تنتظمها، الهمزة تكتب على الحرف لو سهلت قرأ ذلك الحرف، تكتب الهمزة في بئر على نبرة، لو سهلتها تقول: بير، تكتب مؤمن على واو لو سهلتها تقول: مومن، تكتب تأريخ على ألف لو سهلتها تقول تاريخ.
إذاً: القرآن الكريم فضلاً عن أنه نزل عربياً نزل بلهجات العرب، وهذا تسهيلاً للذين أمروا أن يتلقوه بالإيمان والتعظيم، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( أقرأني جبريل القرآن على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]
لكن هناك تعليق، الآن اللغة موحدة، أنا لا أرى حاجة كبيرة جداً إلى أن تقرأ كل القراءات، لأنه الآن نحن جميعاً, نقول: إبراهيم، لا داعي لأن تقول: إبراهام، هي قراءة، فالآن بعد ما توحدت اللغة فليس هناك من ضرورة أن تتحف الآخرين بكلمات غير مألوفة، مع أنها قراءات.
الحكمة الإلهية في اختيار الجزيرة العربية مكاناً لبعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام:
الحقيقة أن الذين يحسنون الكتابة كانوا قلة في مكة، وقلة في المدينة، والحقيقة أن الأمة التي اختارها الله لهذه الرسالة العظيمة أمة عاشت في الصحراء، وثقافتها محدودة جداً، وهناك حِكم قد لا نكشفها الآن، في هذه الأماكن الممتدة، وفي هذه الحياة البسيطة، ليس هناك نفاق، وليس هناك تعقيد، وليس هناك كذب، في بالصحراء حياة رائعة جداً، النبي أقرها، فيها المروءة، والشهامة، والشجاعة، والفصاحة، صفاء الذهن، وهناك حكم كثيرة أن الحياة ليست معقدة، تصور لو في هذا العصر جاء نبي، ماذا تقرأ في الأخبار؟ تصور الأخبار التي سوف تغطي ظهور نبي في هذا العصر، يتصلوا بعالم نفس, فيقول: هذا معه عقدة نفسية، يتصلون بعالم اجتماع، فيقول: هذا يحب أن يسيطر على مجموعة كبيرة، عنده شذوذ في علاقاته الاجتماعية.
أيها الأخوة، أحد كبار علماء النفس يتهم الأنبياء بالشذوذ، قال: لأنهم يحبون أن يجلسوا مع الرجال، لحكمة بالغة أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء في مكان، وفي زمان بسيط، لو أنه جاء في هذا الزمان لرأيت العجب العجاب من التكذيب والسخرية والاستهزاء، فلذلك لحكمة بالغةٍ بالغة كانت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام في بلاد بسيطة، وفي علاقات اجتماعية بسيطة.

كاتبو الوحي:
اشتهر أيها الأخوة من كتاب الوحي زيد بن ثابت، مع أنه أسلم بعد الهجرة، واقتصرت الكتابة بذلك على ما نزل في المدينة من كتاب الوحي زيد بن ثابت، ولم يكتب من السور المكية شيئاً، وأول من كتب آيات التنزيه من مكة المكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش رجل اسمه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ممن كتب في الجملة الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد، وأبان ابنا سعيد بن العاص ابن أمية، وحنظلة ابن الربيع الأسدي، ومعيقل ابن أبي فاطمة، وعبد الله ابن الأرقم الزهري، وشرحبيل ابن حسنة, وعبد الله ابن رواحة، وغيرهم، وكان أُبي ابن كعب هو أول من كتب له بالمدينة، هؤلاء كتاب الوحي، كتاب قليلون لكن هذا الكتاب كُتب.
الفرق بين معجزة النبي وبين المعجزات السابقة:
هناك موضوع ثالث لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الكتب السماوية السابقة الله عز وجل أمر بحفظها بأمر تكليفي، ولا بد من التفريق بين الأمر التكليفي، والأمر التكويني, الأمر التكليفي لك أن تأتمر، أو ألا تأتمر، كما تقرأ لوحة: ممنوع المرور، والطريق سالك لك أن تسلك هذا الطريق مع أنه ممنوع، لكن إذا خالفت تدفع الثمن، ولك أن تأتمر، لكن الأمر التكويني فعل الله، والأمر التكليفي أمره، فالكتب السماوية السابقة أُمر الأنبياء بحفظها تكليفاً، والأنبياء حفظوها، والدليل:
﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾
( سورة المائدة الآية: 44 )
حفظوها تكليفاً، لكن أتباعهم ما حفظوها، لذلك أضيف على الكتب السماوية السابقة ما ليس منها، فيها إضافة، وتبديل، وتحوير، وتزوير، ذلك لأن المعجزة منفكة عن الكتاب، لا يوجد علاقة بين الكتاب والمعجزة، سيدنا عيسى أحيا الميت، والإنجيل كتاب الله، سيدنا موسى جعل البحر طريقاً يبساً، وكتابه التوراة، لكن القرآن الكريم له استثناء خاص، ذلك أنه كتاب لكل البشر, قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 107)
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾
( سورة البقرة الآية: 119 )
وهو آخر الكتب، وسيبقى إلى يوم القيامة، حتى إن السيد المسيح يتلو القرآن الكريم حينما يعود إلى الحياة, قال تعالى:
﴿يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾
( سورة البينة الآية: 2-3)
فالقرآن الكريم لأنه كتاب لكل البشر، ولأنه كتاب ينبغي أن تكون معجزته فيه، معجزة النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن، فإذا فقد الكتاب معجزته فقد قيمته، لذلك تولى الله بذاته حفظ كتابه، فقال:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( سورة الحجر الآية: 9 )
أنت حينما آمنت بهذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وحينما آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه، وحينما آمنت بأن هذا الذي جاء به نبيه من خلال كتابه أخبرك القرآن أن الله تولى حفظه، وأنا لا أريد أن أدخل في متاهة الأدلة التفصيلة على أن هذا الكتاب حُفظ، أن تعتقد أنه محفوظ، وأن الذي تقرأه الآن هو الكتاب نفسه الذي جاء نبينا عليه الصلاة والسلام، هذه قضية إيمانية تؤكدها الآيات القرآنية، لذلك قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( سورة الحجر الآية: 9)
المواضيع التي يضمها القرآن:
أيها الأخوة، هذا القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، والذي نزل على قلب سيد المرسلين، وهو آخر الكتب، نزل على آخر الأنبياء والمرسلين، هذا القرآن الموضوع الأول الذي عالجه هو التوحيد، لذلك يمكن أن تقول: إن كل الكتب السماوية جاءت بالتوحيد، والدليل:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 25)
والتوحيد ألا ترى مع الله أحدا، التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع إلا الله، ولا خافض ولا رافع إلا الله، ولا معز ولا مذل إلا الله، والتوحيد أن تعتقد أن الله لم ولن يسلمك إلى غيره, قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
وبعد التوحيد جاء التشريع، ومعظم القرآن المكي يؤكد معنى التوحيد، ومعنى الربوبية، ويؤكد اليوم الآخر، ثم جاءت آيات التشريع في المدينة المنورة تتحدث عن المعاملات التي إن صحت صحت العبادات.
وإن شاء الله نتابع هذا الموضوع في درس قادم.









والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:04 AM   #14


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الرابع العاشر )

الموضوع :فحوى الدعوة فى مكة





الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
بيان الحقيقة الكبرى التي جاء بها الأنبياء:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ننتقل اليوم إلى فحوى الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة، وردود الفعل التي نتجت عن هؤلاء الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.
أيها الأخوة، هذا الدين الإسلامي الذي من وحي السماء، لو أردنا أن نلخصه بكلمة واحدة, نقول: توحيد، إله واحد، هو الذي خلق الكون، هو المسير، هو الفعال، هو الرزاق، هو المحيي المميت، هو الباسط القابض، هو المعز المذل، هو المعطي المانع، هو المغني المفقر، هو الذي يمنح الصحة، هو الممرض، حينما تؤمن أن كل شيء بيد الله تكون قد عرفت حقيقة هذا الدين، هذا الدين دين التوحيد، نزل في بيئة تعبد أصناماً متعددة، أصناماً من صنع البشر, قال تعالى:

﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾
( سورة الصافات الآية: 95- 96 )
مرةً عبدوا صنماً من تمر، فلما جاعوا أكلوه، في هذه البيئة التي تقوم على عبادة الأصنام، وهي أحجار لا تنفع ولا تضر، ولا تميت ولا تحيي، نزلت آيات القرآن الكريم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله عز وجل ينبغي أن يعبد وحده، وينبغي ألا يعبد معه إله آخر، إن كان ظاهراً، وإن كان باطناً، الوحدانية المطلقة هي القضية الأساسية التي قامت عليها دعوة الأنبياء، هذا الدين دين التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, بل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو التوحيد, قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 25)
ما هو سبب مشكلات العالم الإسلامي ؟
أيها الأخوة، الخوف من ضعف التوحيد، القلق من ضعف التوحيد، النفاق من ضعف التوحيد, المعصية من أجل الرزق من ضعف التوحيد، الأمراض النفسية على كثرتها من ضعف التوحيد.
أيها الأخوة، لو أن طفلاً ارتفعت حرارته، وأخذناه إلى طبيب أعطاه خافضا للحرارة، نقول: ليس هذا بالطبيب، لأن ارتفاع الحرارة عرض من أعراض مرض التهابي إنتاني، فإذا لم يعالج أصل المرض فلا يعد هذا الطبيب طبيباً.
مشكلات العالم الإسلامي اليوم لا تعد ولا تحصى، يتوهمها بعضهم أمراضًا اجتماعية، والحقيقة هي ليست أمراضًا اجتماعية، هي في مجموعها أعراض لمرض واحد، إنه البعد عن الله، وضعف التوحيد، لماذا يعصي الإنسان الله من أجل الرزق؟ لأن توحيده ضعيف، لأنه رأى أن الرزق بيد فلان، لماذا يزل الإنسان؟ من ضعف التوحيد، لماذا ينافق؟ من ضعف التوحيد، لماذا ينخلع قلبه خوفاً؟ من ضعف التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, لذلك لو تتبعتم آيات القرآن الكريم، تجد دعوة كل نبي هي:

﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 32 )
الإنسان خلق عبداً لله لا لغيره:
أيها الأخوة، قريش تعبد اللات والعزى، تعبد آلهة منتصبة في الحرم المكي، والكعبة من آثار سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فقوم يعبدون آلهة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تنفعهم ولا تضرهم، ولا ترزقهم، ولا تحييهم ولا تميتهم.
الإنسان أيها الأخوة لا يليق به أن يكون لغير الله، الجماد للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، لكن الإنسان لله وحده،

(( عبدي خلقت لك ما في السموات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن، أفيعيني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلمي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
[ورد في الأثر]
إليكم هذه القصة نستنبط منها معاني التوحيد:
أيها الأخوة, كإسقاط على حياتنا اليومية، لا يمكن أن تسعد إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تكون جريئاً إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تشعر بقيمتك الإنسانية إلا إذا كنت موحداً.
لما الحسن البصري قام بمهمة العلماء التي أوكلت إليهم، وهي التبيين، والذي قاله في الحجاج وصل إليه، فقال لجلسائه: يا جبناء، والله لأروينكم من دم، وأمر أن يؤتى به ليقطع رأسه، وجيء بالسياف، ومد النطع، وأرسل الجنود ليأتوا بالحسن البصري، وهو جالس يتميز غضباً، دخل الحسن البصري، فرأى السياف والنطع، وعرف القصة كلها، جاء ليقطع رأسه، وتوجه إلى الله الذي بيده كل شيء, قائلاً: يا مؤنسي في وحشتي، يا ملاذي عند كربتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، ودخل فإذا بالحجاج يقول له: يا أبا سعيد، تعال إلى هنا، وما زال يقربه حتى أجلسه إلى جانبه على السرير، وسأله بعض الأسئلة، وودعه إلى باب القصر، وقال: يا أبا سعيد، أنت سيد العلماء، ما الذي حصل؟

ماذا نفهم من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟
أيها الأخوة، أضع بين أيديكم حقيقة خطيرة، ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن ))
[أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح ]
لماذا يصف النبي أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن؟ من أجل أن تطمئن، هذا الذي تخافه قلبه بيد الله، هذا الذي تخشى أن يبطش بك قلبه بيد الله، لذلك أن تكون قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن من أجل أن تكون في اطمئنان, قال تعالى:
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
( سورة طه الآية: 45- 46 )
فرعون قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات الآية: 24)
فرعون قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 )
بكل جبروته وقوته، وبكل وزنه، وبكل ظلمه ما استطاع أن يقنع امرأته أن تعبده من دون الله، لمَ لم يقتلها؟ ما الذي منعه؟ مع أن قتل الإنسان سهل عليه، الأمور بيد الله, كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً.
ما هو مفهوم التوحيد الصحيح ؟
أيها الأخوة، أنا مضطر أن أقول هذه الحقيقة: التوحيد كفكرة واضح، التوحيد كفكرة من السهل أن تستوعبها، لكن أن تعيش التوحيد هذا شيء كبير، من معايشة التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في كل شيء، أن ترى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
( سورة الفتح الآية: 10 )
أن ترى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾
( سورة آل عمران الآية: 128 )
أن ترى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
( سورة الكهف الآية: 26 )
أن ترى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
أن ترى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
( سورة فاطر الآية: 2 )
أن ترى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
( سورة محمد الآية: 19 )
أن ترى: ﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
( سورة الزخرف الآية: 84 )
ما هو الشرك الخفي ؟
أيها الأخوة، 95 % من المسلمين لا يرون أن الأمر بيد الله، يرون بيد زيد أو عبيد، وفلان بإمكانه أن يعطي أو أن يمنع، أن يقرب أو أن يبعد، أن يرفع أو أن يخفض، لذلك الناس على أنهم مسلمون يعبدون آلهة من دون الله بشكل غير مباشر، وهذا معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم, يقول:
(( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، أما إني لست أقول: إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
[ورد في الأثر]
يقول الإمام علي رضي الله عنه: " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء ".
نملة سمراء تمشي على صخرة صماء، في ليلة ظلماء، هل لها صوت؟ الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، أدناه أن تحب على جور، لك قريب غني, وهو ظالم لكنك تحبه، لأنك إذا زرته قدم لك الهدايا الثمينة، وإن دعاك إلى بيته أطعمك أطيب الطعام، وإن رافقته في نزهة أنفق عليك المال الكثير، تحبه مع أنه ظالم، هذا شرك، وأدناه أيضاً أن تبغض على عدل، إنسان نصحك بكل أدب فتبغضه، كيف تجرأ عليك؟ هذا من الشرك.

ملخص التوحيد:
أيها الأخوة؟ ليس إلا الله، مهما تعمق الإنسان فيها لا ينتهي، هناك أشخاص مخيفون في الحياة، هناك أسلحة فتاكة، وأمراض عضالة، وفيروسات قاتلة, قال تعالى:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾
( سورة الفلق الآية: 1-2 )
لكن كل هذه التي خلقها الله ـ دقق: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
( سورة الزمر الآية: 62)
بيده إن أراد وصلت إليك، وإن أراد أبعدها عنك، علاقتك معه، وليست مع الأشياء المخيفة.
أيها الأخوة، كلما تعمقت في التوحيد امتلأ قلبك أمناً, قال تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة الأنعام الآية: 81-82)
كلما تعمقت في التوحيد توكلت على الله، كلما تعمقت في التوحيد رضيت نفسك، كلما تعمقت بالتوحيد ازدادت عزتك،
(( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس, فإن الأمور تجري بالمقادير ))
[ورد في الأثر
الصدمة التي فوجئت بها قريش:
أيها الأخوة, بلد يعبدون الأصنام، وآلهة عديدون، فيأتي نبي كريم, ويقول: إن هم إلا أوهام في أوهام، وليس إلا الله الواحد الديان، لا إله إلا الله، هؤلاء القوم دهشوا، وصعقوا لهذه الدعوة التوحيدية، عندهم آلهة كثيرون، فإذا فحوى دعوة النبي أن الإله واحد، هم يعتقدون أن هذه الحياة:
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 )
ليس ثمة غيرها, قال تعالى: ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 )
موقف النبي من ردة فعل قريش:
فإذا بهذا النبي الكريم يقول: لا، الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية، الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية، الحياة الآخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الحياة الآخرة أساسها التكريم, قال تعالى:
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾
( سورة ق الآية: 35 )
الحياة الآخرة ليس فيها تعب ولا نصب، ولا فقر ولا مرض، ولا زوجة سيئة ولا ولد عاق، ولا جار مزعج، ولا إنسان ظالم، الحياة الآخرة نعيم مقيم,
(( أعددت لعبادي الصالحين ـ دققوا ـ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ))
[ أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة في الصحيح ]
لذلك لم يصدقوا، قالوا: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 )
الأسئلة التي تتفجر على ألسنة الشاردين عن اليوم الآخر:
أيها الأخوة، لو أغفلنا الدار الآخرة لتفجر مليون سؤال، لماذا فلان غني وفلان فقير؟ لماذا فلان بيته أربعمئة متر، وفلان لا يجد غرفة في رأس الجبل يتزوج فيها؟ لماذا إنسان يأمر بقتل شعوب بأكملها، ويتصدر في المجالس، ويتبجح ويتغطرس، وأناس يموتون قهراً؟ إذا لم يوجد آخرة، يتفجر مليون سؤال.
فلذلك، ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن الكريم كركني التوحيد واليوم الآخر، في اليوم الآخر تسوى الحسابات، في اليوم الآخر يؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمغتصب ماله من المغتصب، في اليوم الآخر يؤخذ كل ذي حق حقه.

الأسلوب الذي كان يستخدمه رسول الله في بيان دعوته:
أيها الأخوة, دائرة المرئيات محدودة، لعلك زرت بضع مدن في العالم، لكن دائرة المسموعات, تستمع في الأخبار إلى مئتي مدينة، أما دائرة الخواطر فلا تنتهي، أي شيء واقع أو غير واقع خاطر.
النبي عليه الصلاة والسلام كان يستخدم أسلوب التصوير، كيف بين الفرق بين الدنيا والآخرة؟ اذهب إلى مدينة الساحل، ولتكن اللاذقية، واركب قارباً، وأمسك بإبرة، واغمسها في الماء، واسحبها بما رجعت بماء البحر, قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه ))
[ورد في الأثر]
يقول الله لنا, وهو خالق الأكوان:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
( سورة النساء الآية: 77 )
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
( سورة الإنسان الآية: 27)
﴿وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾
( سورة الضحى الآية: 4-5)
لمن أعطى الدنيا, وماذا أعطى من أحبه ؟
أحد الأشخاص كان صالحاً، قال له أحدهم: لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي، لأنهما أولى بحسناتي منك.
أنت حينما تعلم أن هذا الذي تغتابه سيأخذ حسناتك يوم القيامة، فضلاً عن وحدانية الإله والإيمان باليوم الآخر، تقذفه ضربتين, هذه الحياة الدنيا لا قيمة لها، كما قال سيدنا علي: " فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا " سيدنا محمد ما رأى أوربة، ما رأى أمريكا، ما رأى هذه المدن الجميلة، ما رأى هذه الحضارة المادية الرائعة، حياته خشنة جداً، غرفته لا تتسع لنوم زوجته وصلاته، فكان إذا أراد أن يصلي يجب أن تزيح زوجته جسمها عن مصلاه، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، " فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا " الله أعطى الدنيا لمن لا يحب، أعطاها لقارون، أعطاها لفرعون، أما الذي يحبهم ماذا أعطاهم؟ قال:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
( سورة القصص الآية: 14 )
هل نستطيع أن نقدر كلمة عظيم التي وردت في القرآن الكريم ؟
أخوانا الكرام، هناك آية لا أعرف مدى تأثركم بها، كنت أمهد لها بتمهيد بسيط، أن طفلا قال لك: معي مبلغ عظيم، يعني 200 ليرة، موظف بالبنتاغون, قال: نحن أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً 200 مليار دولار، كلمة عظيم نفسها قالها طفل، فقدرتها بـ 200 ليرة، وقالها مسؤول كبير بالبنتاغون فقدرتها بـ 200 مليار دولار، كم تقدر كلمة عظيم من خالق السموات والأرض؟ قال تعالى:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء الآية: 113)
الكسب الحقيقي أن تعرف الله،
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ورد في الأثر]
مجتمع قريش التي كانت تعيشه قبل البعثة , وبيان ردة فعلها من دعوة النبي:
أيها الأخوة, أعيد للمرة الثالثة, الإله واحد، وهناك يوم آخر، حياة أهل قريش ما فيها قيد أو شرط، شرب الخمر، زنا، أنواع الزنا لا تعد ولا تحصى، الزوج يقول لزوجته: اذهبِي إلى فلان، واستبضعي منه، فلان قد يكون ذكيًّا، لعله يأتينا غلام منه، المرأة لها عشرة أزواج، حينما تنجب ولداً, تقول: هذا ابن فلان، أنواع الإباحية في الجاهلية لا توصف، ربا مخيف، فإذا بهذا الدين الجديد يحرم عليهم الخمر، والزنا، والميسر، والربا.
لذلك طار صوابهم، واختل توازنهم، كيف أن هذا النبي العظيم تحمل هذه الدعوة؟ إله واحد، وهناك آخرة، وهناك محرمات، لكن طبقية مجتمع مكة لا تحتمل، هناك سادة وعبيد، العبد ليس له أي شيء إلا القهر والقتل، والعمل بلا مقابل، فإذا بهذا الدين يساوي السادة مع العبيد، كلكم من آدم وآدم من تراب، الناس سواء كأسنان المشط .
غير معقول، إله واحد، وهناك آخرة، ومحرمات، وما لنا ميزة على هؤلاء، كانت قريش تمنع العرب أن يطوفوا حول البيت بثيابهم، تأمرهم أن يطوفوا عراة، هكذا مزاجها، قريش تشبه الآن القطب الواحد، يجب أن يأتمر كل العرب بأمره، إله واحد، يوم آخر، محرمات، ومساواة، لا، هؤلاء الضعفاء لهم حق في أموالكم, قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
( سورة المعارج الآية: 24-25 )
انظر إلى الفرق بين دعوة النبي وبين منطق الكبار:
أيها الأخوة, عندئذ طار صواب قريش، ما تحملوا ذلك، راودتهم فكرة أن يأتوا مجلس النبي، ولكن هناك سوقة عنده، وضعفاء، وعبيد، وفقراء، هم علية القوم، هم الأغنياء، هم الأقوياء، هم الآمرون، هم الناهون، فقالوا: إن لم يكن من بقائهم بد فليكونوا في مؤخرة الصفوف، لنا يوم ولهم يوم.
الآن بالمفهوم المعاصر، إنسان من الطبقة المخملية، لا يجلس مع إنسان ينظف الطرقات، مستحيل، في كبر، في المرحلة الأولى رفضوا أن يأتوا النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم قالوا:

﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾
( سورة هود الآية: 27 )
ما هو رد القرآن على التفاوض الذي اقترحته قريش مع النبي بشأن المستضعفين ؟
أيها الأخوة, بعد هذا قبلوا يومًا لهم، ويومًا لهؤلاء، ثم قبلوا أن يجلس هؤلاء وراء الصفوف، فإذا بالوحي العظيم, يقول:
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 52 )
ديننا دين المساواة، دين الفطرة، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.
موقف للنبي أراد أن يرسخ في أمته هذا المبدأ:
مرة أحد أصحاب النبي في ساعة غفلة, قال لعبد أسود: يا ابن السوداء، فغضب النبي، فحتى يسترضي النبي، أبى إلا أن يضع رأسه على الأرض ليدوس على رأسه هذا العبد الأسود، هذا الإسلام، هذا الدين، ليس فيه طبقية، ما من إنسان أحسن من إنسان إلا بالتقوى, قال تعالى:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
( سورة الحجرات الآية: 13 )
ورد في بعض السير أن أبا سفيان وقف في باب عمر، فلم يؤذن له، أما صهيب وبلال فيدخلان ويخرجان بلا استئذان، وهو سيد قريش وشريف مكة، فلما دخل عليه عاتبه يقول له: أبو سفيان يقف في بابك وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان, قال له: يا أبا سفيان أنت مثلهما؟ هذا مجتمع آخر.
والله الذي لا إله إلا هو ما لم نحكم هذه القيم لن نستحق نصر الله عز وجل، الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
فحوى الدعوة الإسلامية:
أيها الأخوة، الذي ينبغي أن نعلمه جميعاً أن هذه الدعوة التي أساسها التوحيد، وأساسها الإيمان باليوم الآخر، وأساسها افعل ولا تفعل، عندنا أمر، عندنا فرض، واجب، سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مستحب، مباح، شيء مكروه تنزيهاً، شيء مكروه تحريماً، حرام، هناك منهج، إله واحد، ويوم آخر، افعل ولا تفعل، والناس سواسية كأسنان المشط، وهناك أموال الأغنياء حق للفقراء، هذه الخطوط الكبيرة للدعوة الإسلامية، وكلها تتناقض مع طبيعة من نزل عليهم الوحي، وكلها تتناقض مع من توجه الوحي إليهم ليهديهم سواء السبيل.
هل هناك فرق بين الجاهلية الأولى وبين جاهلية هذا العصر ؟
أيها الأخوة الكرام، أخطر شيء في حياة المسلمين الشرك الخفي، صدقوا أيها الأخوة ليس هناك 5 % من المسلمين يدخلون اليوم الآخر في حساباتهم، يقول لك بلسانه: أنا مؤمن باليوم الآخر، أما سلوكه فلا يتضح هذا الإيمان، يأكل مالاً حرام، يعتدي على أعراض الناس، ولو بالنظر والكلام، يأخذ ما ليس له، يغتاب، فإذا آمنا بالله الإيمان الحقيقي فينبغي أن نستقيم على أمره.
فالجاهلية التي رافقت ظهور الإسلام سماها الله الجاهلية الأولى، ما معنى أن يسميها الجاهلية الأولى؟ المعنى أن هناك جاهلية ثانية نعيشها الآن، لذلك:

(( بدء الدين غريباً ويعود كما بدء، فطوبى للغرباء، أناس صالحون في قوم سوء كثير ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
إلى غد إن شاء الله:
أيها الأخوة، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الموضوعات، ونتابع الاستنباطات، ونلقي الضوء على حياتنا التي نحن في أمس الحاجة فيها إلى هدي محمد صلى الله عليه وسلم.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:08 AM   #15


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الخامس العاشر )

الموضوع :السيرة النبوية تعد من السنة





الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ما هي الحكمة من الصراع بين الحق والباطل ؟
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا بد من كلمة بين يدي الموضوع السيرة النبوية تعد من السنة، لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وإقراره، وأفعاله هي تشريع، ونحن حينما نقف وقفة متأنية عند سيرته نكتشف من سيرته قواعد ينبغي أن نتبعها كي نسلم في الدنيا ونسعد، فلذلك المقصود من فقه السيرة أن نستنبط منها القواعد حتى تكون منهجاً لنا في حركتنا في هذه الحياة.
في الدرس الماضي بينت كيف أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قامت على التوحيد، وقامت على المساواة بين البشر، وقامت على بعض التكاليف؟ وهو الأمر الذي أثار قريش لذلك تحركت، ماذا فعلت؟ جاء أشراك إلى أبي طالب, فقال: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل أبناءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخل بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه.
إذاً: أي إنسان دعا إلى الله بإخلاص وصدق وشفافية كما يقولون يجب أن يوطن نفسه على أن يلقى معارضة، وهذه المعارضة ثمن الجنة، لولا الصراع بين الحق والباطل لما كانت جنة، ثمن الجنة أن تقبل التحدي، وأن تستعين بالله عز وجل، فقالوا: إما أن تخلي بيننا وبينه، وإما أن نكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً، وكان حكيماً، وردهم رداً جميلاً، فانصرفوا عنه، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله.

الخطط الكيدية التي رسمتها قريش لمنع دعوة الرسول من الانتشار بين أفرادها:
الخطط الكيدية التي رسمتها قريش لمنع دعوة الرسول من الانتشار بين أفرادها:
1- استعانة قريش بأبي طالب للضغط على ابن أخيه لوقف الدعوة:
أيها الأخوة, فذهب الوفد لما تابع النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، وأبو طالب ردهم رداً جميلاً، ولم يحرك ساكناً، عاد الوفد إلى أبي طالب، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك عن ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا، وسفه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا عنه.
الآن أبو طالب تأثر، هذا اسمه تصعيد، صعدوا الخصومة، أدخلوا أبا طالب كطرف في النزاع، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفساً لتسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه، فدعا أبو طالب ابن أخيه محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني، وقالوا لي كذا وكذا، فأبقي علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ))
, ثم بكى النبي عليه الصلاة والسلام.
[ورد في الأثر]
بالتعبير المعاصر النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا كيف نكون رجال مبادئ؟ الرجال نوعان؛ رجال مصالح، ورجال مبادئ، وما أكثر رجال المصالح، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، أما رجل المبدأ لا يستجيب لا للضغوط ولا للمغريات، ولا يستجيب لسياط الجلادين اللاذعة، ولا لسبائك الذهب اللامعة، رجل مبدأ.
ما هو المطلوب من المسلم في هذا العصر ؟
أخواننا الكرام، أتمنى على كل مسلم في هذه الأيام في مجموعة نقاط في حياته اسمها الثوابت، هذه لا تخضع لا للحوار ولا للمساومة، ولا لأنصاف الحلول، المؤمن يقول كلمة لا بملء فمه، هذا المؤمن، وكذلك المؤمنة، امرأة فرعون، فرعون بطغيانه، وجبروته، وادعائه الألوهية لم يستطع أن يقنع زوجته أن تعبده من دون الله، قالت:
﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
( سورة التحريم الآية: 11 )
هذا الإنسان الإمعة سريعاً ما ينهار، سريعاً ما يبدل، سريعاً ما يغير، يقبل المساومة، يقبل أنصاف الحلول، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، هذا الإنسان لو هناك مئة مليون منه كأف، والواحد من أصحاب رسول الله كألف.
سيدنا خالد معه ثلاثون ألف مقاتل، واجه ثلاثة مئة ألف، فطلب النجدة من أبي بكر، وهو يعتقد أن يرسل له خمسين ألفًا، فجاء المدد واحد، اسمه القعقاع بن عمر، قال له: يا قعقاع، أين المدد؟ قال: أنا المدد، قال له: أنت ؟! قال له: أنا، وهذا الكتاب من أبي بكر، قرأ الكتاب، قال: والله يا خالد، والذي نفس محمد بيده، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم.
واحد كألف، والألف كأف، حال واحد في ألف أقوى من قول ألف في واحد، ألف إنسان متكلم لا يستطيعون أن يؤثروا بواحد، وواحد موصول بالله عز وجل يؤثر بألف.

يا ترى إذا ترك الإنسان المسلم شيئاً لله هل يمكن أن يضيعه ؟
أيها الأخوة, في حياتنا المعاصرة عُرض عليك صفقة أرباحها فلكية، لكن المادة محرمة، أو الطريقة محرمة، أو الأسلوب محرم، هل تقول: معاذ الله؟ وتضع هذا الربح الكبير تحت قدمك، عندئذٍ تنال الدنيا والآخرة، من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له ومالنا,
(( ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه ))
[ورد في السيرة]
والله هناك قصص لا تعد ولا تحصى في تاريخ الدعوة، مؤمن صادق أمامه إغراء كبير، تحل بهذا المبلغ كل مشكلاته، لكن فيه شبهة، يضع هذا الثمن تحت قدمه، ويقول: معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، والله تأتيه الدنيا وهي راغمة، والله زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق هذه المقولة لرسوله، (( ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه ))
فتاة يأتيها خاطب لا يصلي، ولا يلتزم بأوامر الدين، لكنه غني، وتقول: معاذ الله، أريد رجلاً مؤمناً يحفظ إيماني، ويعينني على أمر ديني، هذه الفتاه بهذا الموقف الصلب لا تستحق من الله أن يأتيها رجل من أعلى مستوى.
موقف أبو طالب من فعل النبي بعد عرض عليه رأي قريش بهذا الأمر:
أيها الأخوة, فلما ولى النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن بكى ناداه أبو طالب، أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبداً ـ أخذ قرارًا ـ.
هذه القصة تبين قيمة المواقف المبدئية، أنت إنسان، وأنت لله، وكل شيء بيد الله، حياتك بيده، رزقك بيده، من هم فوقك بيده، من هم دونك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، صحتك بيده، الشرايين التاجية في قلبك بيده، أجهزتك بيده, كل شيء بيده، فلذلك المؤمن يرضي جهة واحدة ولا يعبأ بالباقين, قال تعالى:

﴿ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾
( سورة يوسف الآية: 39 )
إذاً: أول حركة من حركات قريش أنها أتت أبا طالب كي يضغط على ابن أخيه ليكف عن دعوته، هذه المحاولة أخفقت.
2- عمدت قريش إلى إنزال الأذى والتعذيب بالمستضعفين:
الآن طبقوا خطة ثانية، عمدوا إلى المستضعفين في الأرض من المسلمين، أنزلوا بهم من الأذى والاضطهاد والتعذيب الشيء الكثير، أمر عليه الصلاة والسلام هؤلاء المستضعفين الفقراء الذين نكلت بهم قريش، بالهجرة إلى الحبشة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: لأنها أرض صدق بها ملك لا يظلم أحداً، فهاجر عدد من الرجال والنساء في السنة الخامسة، ثم لحق بهم مهاجرون آخرون بعد بضعة شهور، حتى وصلوا إلى 83 رجلاً مع بعض النساء، أن تنعم بالإسلام في هذه البلدة، وأن تنشأ هذه المساجد، وأن تقام هذه الدروس، بفضل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين تركوا مكة، وهاجروا إلى أرض الحبشة خائفين.
وصف النبي لزماننا كما ورد في الحديث دليل صدقه:
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:
(( اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))
[ورد في الأثر]
أخوانا الكرام، نحن في هذا الزمان وصفه النبي وصفاً رائعاً, قال:
(( كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف، ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ))
[ورد في الدنيا]
شاعر في عهد سيدنا عمر دخل السجن, لأنه قال في واحد:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنت الطاعم الكاسي
هذا البيت الذي دخل من نظمه السجن شعار كل إنسان الآن:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنت الطاعم الكاسي
قال له: أتزوجني ابنتك، قال له: أعندك بيت؟ قال: عندي بيت، قال: ائتني بالسندات الرسمية لملكية البيت، جاءه بالسند، قال له: عندك عمل؟ قال: عندي معمل، قال: ائتني برخصة المعمل، وعليها اسمك، فجاءه بالترخيص الصناعي، وعليها اسم الخاطب، قال له: عندك مركبة؟ قال له: عندي، قال: ائتني برخصة المركبة، أب من أعلى درجة بالوعي، شاب وسيم، بيت بملكه، مركبة بملكه، معمل باسمه، وافق، الآن في مرحلة الخطوبة، كان عند عمه في محله التجاري، ودخل بعض التجار، وقال: هذا صهري, خاطب ابنتي، فتغير لون أحدهم، فانزوى به جانباً، وقال: كيف هذا صهرك؟ قال له: صهري، قال له: هذا ليس مسلماً، تعال إلى هنا، قال له: أنت ما سألت عن ديني أبداً، سألتني عن البيت والمعمل والمركبة، ولم تسألنِي عن ديني.
أيها الأخوة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:
(( العبادة في الهرج ـ في زمن الفتن ـ كهجرة إلي ))
[ أخرجه أحمد في مسنده]
الشاب التائب والشابة التائبة التي تركل بقدمها كل مغريات الأزياء، وتحتشم، وتتحجب، والله هي مهاجرة في سبيل الله, (( إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]
3- إرسال وفد إلى النجاشي لطرد هؤلاء من الحبشة وتسليمهم لقريش:
التاريخ يعيد نفسه، قريش خافت من أن ينتشر الإسلام خارج مكة، فأرسلت رجلين إلى النجاشي ملك الحبشة محملين بالهدايا القيمة بغية استعادة المهاجرين إلى مكة، فلما طلبا من النجاشي تسليمهم، استدعاهم النجاشي وسألهم عن أمرهم، فتحدث نيابة عنهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وعرض بإيجاز جوهر دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بياناً لسيدنا جعفر في تعريفه للإسلام للنجاشي:
أيها الأخوة، كلمات سيدنا جعفر تكتب بماء الذهب، قال:

(( أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته, وعفافه ))
[أخرجه أحمد عن أم سلمة في مسنده]
أيها الأخوة، الصدق والأمانة والعفاف أركان الأخلاق، إن تكلم فهو صادق، إن عاملته فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده، ونخلع ما كان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان، هذا تعريف الإسلام من صحابي جليل، أمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، هذا الإسلام، الإسلام مكارم أخلاق بعد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر وخيره وشره، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك في الإيمان,
(( وإنما بعثت معلم ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر في سننه ]
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده ]
العبادات الشعائرية إن لم تسبقها عبادات تعاملية لا قيمة لها:
أخواننا الكرام، الصلاة التي هي عماد الدين، تسقط حينما لا تكون أخلاقياً، كيف؟ سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه:
(( أتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله! من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّار ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح ]
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا, قيل: يا رسول الله! جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
[ورد في الأثر]
الصلاة طارت.
الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
[ورد في الأثر]
الحج طار.
الصيام:
(( من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
[أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة ]
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[ أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة في سننه]
طار الصيام.
بقيت الزكاة:
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
( سورة التوبة الآية: 53 )
بقيت الشهادة: (( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))
[ورد في الأثر]
ألا تكفي هذه الأدلة حتى تتيقن أن العبادة الشعائرية إن لم تسبقها عبادة تعاملية لا قيمة لها، ولا يقبلها الله عز وجل وقد تسقط, لذلك الدين مجموعة قيم أخلاقية.
إليكم توضيح هذه الحقيقة:
لأوضح لكم الحقيقة, حينما قال عليه الصلاة والسلام:

(( بني الإسلام على خمس ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]
أركان الإسلام هي الأعمدة، وليس الإسلام، الإسلام هو البناء الأخلاقي، هذا كلام سيد الفصحاء، كلام مبعوث العناية الإلهية, كلام سيد الخلق، وحبيب الحق،
(( يا رسول الله! إن فلانة ـ دققوا ـ تكثر من صلاتها ـ الفرائض والضحى والأوابين وقيام الليل ـ وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))
[أخرجه الترمذي في سننهئ
(( دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
النمام لا يدخل الجنة، العبادات الشعائرية لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، هذا كلام سيدنا جعفر،
(( أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، ونسبه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
[أخرجه أحمد عن أم سلمة في مسنده]
4- عمدت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة بحق النبي ودعوته:
الآن لجأت قريش إلى أسلوب آخر، أولاً لجؤوا إلى أبي طالب فلم ينجحوا، ولجؤوا إلى تعذيب الضعفاء من قريش فهاجروا، أرسلوا وفداً لاسترجاعهم فلم يفلحوا، الآن لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة، لصد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الحملة الإعلامية، التاريخ يعيد نفسه, من هذه الاتهامات:
1- أنهم اتهموه بالجنون، وفي ذلك قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 6 )
يستطيع مواطن بأي دولة بالعالم الثالث, يقول لمن يقف على رأس هذه الدولة: مجنون، وينام في بيته, ماذا نستنبط؟ أن يقول هؤلاء لسيد الخلق وحبيب الحق: إنك لمجنون معنى ذلك أنه ضعيف، أليس كذلك؟ قال تعالى:﴿ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 6 )
ما الحكمة من كون النبي ضعيفاً ؟
فما الحكمة من كون النبي ضعيفاً؟ لأن القوي لو جاء بهذه الرسالة لدخل الملايين المملينة بيوم واحد فيها، لا إيماناً، ولا حباً بالله، ولا طاعةً له، ولا عبادة له, وإنما خوفاً وطمعاً فقط، لو أن الأنبياء أقوياء لسقطت دعوتهم، الأنبياء ضعاف، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، بل:

﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
( سورة الأعراف الآية: 188 )
قل:
﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾
( سورة هود الآية: 31 )
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾

( سورة الأنعام الآية: 15 )
لا يعلم الغيب، ولا يملك لهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ويخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم، حكمة أن يكون النبي ضعيفاً، ليكون الإيمان به حقيقياً، ما عنده شيء يعطيه لمن يؤمن به، الناس لا يخافونه ولا يرجونه، لذلك الذي يؤمن برسول الله، وهو ضعيف، هذا أعلى درجة من الإيمان، لا يبتغي نفعاً، ولا يخاف ضيماً، إنما آمن بالله، وآمن برسوله، لأنه فعلاً رسوله، قال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 6 )
رد القرآن على هؤلاء المتغطرسين المستكبرين:
الله عز وجل رد عليهم، فقال:
﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
( سورة القلم الآية: 3 )
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾
( سورة هود الآية: 28 )
وفي آية ثانية:
﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾
( سورة القلم الآية: 51)
من هو المجنون ؟
النبي الكريم رأى في الطريق مجنون, فسأل سؤال العارف, فقال: من هذا؟ قالوا: هذا مجنون، قال: لا‍‍‍‍، هذا مبتلى، المجنون من عصى الله، هذا هو المجنون، وقد يسأل سائل: فلان معه دكتوراه، هذا ذكي وليس عاقلاً، أما إدراك شمولي بسر وجودك، وغاية وجودك، وطريق سلامتك، وسعادتك هذا العاقل، لذلك ما كل ذكي بعاقل، قال تعالى:

﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾
( سورة القلم الآية: 3 )
2- اتهموه بالسحر، وفي ذلك قوله تعالى:
﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾
( سورة ص الآية: 4 )
﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً﴾
( سورة الفرقان الآية: 8 )
سؤال دقيق، قالوا: ساحر، وقالوا: كذاب، وقالوا: مجنون. ما الحكمة من هذه الإشاعات التي كانت تهدف بالنبي ؟
لماذا أثبت الله اتهام كفار قريش لرسول الله بأنه مجنون، وبأنه ساحر، وبأنه كذاب، ما الحكمة؟ لو ما جاءت في القرآن, القضية انطوت, لكن هذا أعلى إنسان بالأمة، أعلى إنسان بين بني البشر، سيد ولد آدم، سيد الخلق وحبيب الحق، فلماذا أثبت يا رب أنه مجنون في كتابك؟ هذا مواساة للدعاة إلى يوم القيامة، إذا اتهمت بأنك لست حضارياً, إذا اتهمت بأنك متزمت، إذا اتهمت بأنك غيبي، تبحث فيما وراء الطبيعة، إذا اتهمت بأنك محدود، سيد الخلق وحبيب الحق اتهم بأنه مجنون، وأثبتها الله في القرآن الكريم, فهو قدوة لك.
لماذا تتهم السيدة عائشة، وهي زوجة سيد الخلق، وهي الطاهرة العفيفة بأنها زانية في حديث الإفك، لماذا؟ من أجل أية مؤمنة إلى يوم القيامة اتهمت وهي بريئة، لها بالسيدة عائشة أسوة حسنة، لماذا دخل نبي كريم السجن؟ سيدنا يوسف، من أجل كل سجين بريء، اتهم ظلماً، مواساة له، لماذا كان ابن سيدنا نوح عاق؟ إكراماً لكل أب قدر الله له ابن سيئاً، لماذا كان والد سيدنا إبراهيم سيء مشرك، قد يواجه شاب أن أبوه سيء لا يصلي، يحارب الدين, يحارب الابن الذي يصلي، مواساة لهذا الشاب، هناك نبي زوجته سيئة جداً، امرأة لوط, قال تعالى:

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾
( سورة التحريم الآية: 10 )
الذي عنده زوجة سيئة يمكن أن يكون هذان النبيان أسوة له، الذي عنده عقم، سيدنا زكريا كان عقيما، سيدنا أيوب كان مريضا، الله عز وجل جعل الأنبياء نماذج إنسانية.
الحيرة التي انتابت الوليد بن المغيرة بشأن النبي عند مساءلة وفود العرب عنه:
الآن قد اقترب موسم الحج، فالوليد بن المغيرة خاف أن ينتشر خبر هذه البعثة، وهذا القرآن بين القبائل التي تأتي للحج، فتضعف مكانة قريش، أخذهم الهم، ماذا نفعل؟ ماذا نقول؟ لذلك قال لهم الوليد: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وأن وفود العرب ستقدم عليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، أرادوا أن يتفقوا على رواية إذا جاءهم الوفد يعطونه إياها، طبعاً استبعدوا أنه كاهن، واستبعدوا أنه شاعر، إلا أنهم اتفقوا على أن يقولوا: إنه ساحر، لأنه يفرق بين الأقارب، فأنزل الله في الوليد, قال تعالى:

﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ﴾
( سورة المدثر الآية: 11- 23)
استكبر عن الإيمان، فَقَالَ بالنهاية:
﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾
( سورة المدثر الآية: 24 )
هذا النبي ساحر, قال تعالى:
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾
( سورة المدثر الآية: 25- 30)
أيها الأخوة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ ﴾
( سورة الفرقان الآية: 4 )
3- اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالأساطير، ولا زلنا في الحملة الإعلامية التي أرادتها قريش كي يشوه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:
﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾
( سورة الفرقان الآية: 5)
واتهموا المؤمنين بالضلالة, قال تعالى:
﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴾
( سورة المطففين الآية: 32 )
هذه التهم التي وجهت قريش لرسول الله، (( لذلك ورد في بعض الآثار أن سيدنا موسى كليم الله أثناء المناجاة, قال: يا رب، لا تبقِ لي عدواً، قال: يا موسى، هذه ليست لي))
يعني لا بد من عدو للمؤمن، بل بعضهم, قال: المؤمن لا بد له من كافر يقاتله، ومن منافق يبغضه، ومن مؤمن يحسده، ومن شيطان يغويه، ومن نفس ترديه، العدو الثالث مؤمن، لكنه ضيق الأفق، يحسدك، بدل أن يسأل الله من فضله.
5- الأساليب التي اتخذتها قريش عند فشلها بإخفاق دعوة النبي لتنال الغيظ منه:
5- الأساليب التي اتخذتها قريش عند فشلها بإخفاق دعوة النبي لتنال الغيظ منه:
الآن لجأت قريش إلى حملة السخرية والاستهزاء، والضحك، والغمز واللمز والتعالي على رسول الله صلى الله وسلم وعلى المؤمنين، قال الله عز وجل:
﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 53 )
هؤلاء ينظرون إلى المؤمنين ازدراء واحتقاراً.
روى البخاري أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساخرة مستهزئة: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله تعالى:
﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾
( سورة الضحى الآية: 1-3)
إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.
وروى البخاري أيضاً أن أبو جهل قال مستهزئا: اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم, فنزل قوله تعالى:
﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾
(سورة الأنفال الآية: 32- 34 )
وقال الله عن ضحكهم وغمزهم:
﴿ إِنَّ الّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهَينَ ﴾
( سورة المطففين: 29 ـ 31 )
أخواننا الكرام، هل تحبون أن أقول لكم من هو البطل؟ هو الذي يضحك أخيراً, قال تعالى:
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾
( سورة المطففين الآية: 34 )
لا تكن من الذين يضحكون أولاً، فالذي يضحك أولاً يبكي آخراً، قال تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾
( سورة المطففين الآية: 34 )
ومن منطلق الاستعلاء والسخرية, قال المشركون: لا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء، من هم؟ يعنون صهيباً وبلالاً وخباباً, لا يجلسون مع هؤلاء استكباراً وعلواً في الأرض، فقال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
( سورة الأنعام الآية: 52)
ومر النبي صلى الله عليه وسلم بجماعة من قريش فهمزوه، واستهزؤوا به، فغاضه ذلك، فأنزل الله عز وجل:
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يستهزءُون﴾
( سورة الأنعام الآية: 10 )
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾
( سورة فصلت الآية: 26 )
إليكم هذه المواقف باختصار والحكمة من ذلك:
أيها الأخوة، هذه مواقف قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدؤوا بأبي طالب على أن يتخلى عن ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتجهوا إلى تعذيب المستضعفين، ثم اتجهوا إلى ترويج حملة إعلامية ظالمة، اتهموه بالشرك وبالسحر وبالكذب وبالأساطير، ثم اتجهوا بالاستهزاء به والسخرية منه، والغمز واللمز، وهذا كله يبين لنا أن حمل الرسالة عبء كبير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهلاً لها، ولقد أقسم الله بعمره الثمين, فقال:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
( سورة الحجر الآية: 72 )






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:12 AM   #16


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( السادس العاشر )

الموضوع : ما لاقى سيدنا محمد من الاذى






الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. ما هي الحكمة الربانية في خضوع الأنبياء لامتحانات صعبة في ظروف معينة في الحياة ؟
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقبل أن أبدأ الحديث عن فقرات هذا الدرس لا بد من مقدمة:
لماذا أدخل الله جل جلاله نبياً كريماً السجن؟ ـ سيدنا يوسف ـ لعل واحداً من المؤمنين الصادقين لسبب أو لآخر دخل السجن، فله في هذا النبي الكريم أسوة حسنة.
لماذا اتهمت السيدة عائشة بأعظم ما تعتز به المرأة بعفتها؟ إن أية امرأة إلى يوم القيامة اتهمت، وهي بريئة فلها في هذه السيدة أسوة حسنة.
لماذا كان ابن سيدنا نوح شقياً؟ لعل أباً بذل قصار جهده في تربية ابنه، لكن الابن مخير، واختار طريقاً آخر، هذا الأب المتألم أشد الألم، لعل له في هذا النبي الكريم نوح عليه السلام أسوة حسنة.
لماذا كانت زوجة لوط امرأة كافرة؟ لعل أي إنسان ابتلي بزوجة سيئة، فله في هذا النبي الكريم أسوة حسنة.
لماذا ابتلي سيدنا أيوب بالمرض؟ لعل أي مؤمن اختار له ربه مرضاً لحكمة بالغة, له في هذا النبي أسوة حسنة.
لماذا كان سيدنا سليمان ملكاً؟ أي إنسان ولاه الله أمر المسلمين قدوته هذا النبي الكريم، بالعدل، بالرحمة، بإحقاق الحق، بإبطال الباطل.
لماذا كان أحد أنبياء الله عقيماً ـ سيدنا زكريا ـ؟ لعل الله اختار لإنسان أن يكون عقيماً لحكمة بالغة, له في هذا النبي أسوة حسنة.
هؤلاء قمم البشر، هؤلاء نخبة البشر، ومع ذلك آتى الله بعضهم الملك، وجعل بعضهم ضعافاً، وجعل من بعضهم ذرية، ولم يجعل لبعضهم ذرية، إذاً: هؤلاء الذين اختارهم الله عز وجل ليكونوا قمم البشر كانوا قدوة للبشر.

انظر إلى التشابه بين اضطهاد المسلمين الآن وبين اضطهادهم في زمن البعثة , ماذا نستنتج ؟
أيها الأخوة، حينما نأخذ فقرات هذا الدرس، كيف نكلت قريش بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف تفننت في تعذيبهم، وفي إذلالهم، وفي إفقارهم، عندئذٍ يهون علينا ما يعانيه المسلمون اليوم في شتى بقاع الأرض من اضطهاد وحرب همجية قاسية لا هوادة فيها.
لذلك يجب أن نعلم أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، وأن من حِكم الله عز وجل أي يكون البشر فريقين، فريق على حق، وفريق على باطل، فريق يعيش للناس، وفريق آخر يعيش الناس لهم، فريق يملك قلوب الناس، وفريق يملكون رقاب الناس.

ماذا نستنبط من هذه المواقف ؟
أيها الأخوة، روى البخاري ومسلم في قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
عن ابن عباس, يقول: (( نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون قراءته سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, قال تعالى:
﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
أي بقراءتك فيسمع المشركون، فيسبوا القرآن، قال تعالى:
﴿ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
عن أصحابك، فلا تسمعهم: ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
الآن هناك من يسب هذا الدين، ومن يتهم هذا القرآن الكريم بأنه كتاب قتال، كتاب قتل، كتاب إرهاب، التاريخ يعيد نفسه، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
( سورة الأحزاب الآية: 33 )
ماذا يستنبط؟ أن هناك جاهلية ثانية، هي أدهى وأمر,
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله, قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله, قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟))
[ورد في الأثر]
وروى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه، وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلي، يسترق السمع فرقاً منهم؛ أي خوفاً منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم، ولم يستمع، وإن خفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته لم يسمعوا شيئاً من قراءته، فأنزل الله قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
أي فيتفرقوا عنك، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
فلا يسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك دون علمهم، قال تعالى:
﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110 )
وعندما كان المسلمون يسبون أصنام الكفار أخذ المشركون يسبون الله تعالى عَدْواً بغير علم، فأنزل الله تعالى:
﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
( سورة الأنعام الآية: 108 )
فقرات ثلاث, ماذا نستنبط منها؟ أن سيد الخلق، وحبيب الحق كان ضعيفاً، وقد تفنن المشركون في التنكيل بأصحابه، وفي إيذائهم، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فإذا كنت ضعيفاً في وقت ما، وفي حقبة ما، وفي ظرف ما، لا تتألم كثيراً، سيد الخلق، وحبيب الحق كان ضعيفاً، ولم يستطع أن يدافع عن أصحابه، ولا أن يعطيهم شيئاً، وكان يقول لهم دائماً:
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾
( سورة الجن الآية: 21)
بل أبلغ من ذلك: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
( سورة الأعراف الآية: 188 )
﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
( سورة هود الآية: 31 )
﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾
( سورة الأعراف 188 )
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 15 )
أربع آيات، لا يعلم الغيب، لا يملك لكم نفعاً ولا ضراً، لا يملك لنفسه نفعاَ ولا ضراً، يخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم، هل يجرؤ الآن إنسان يعمل في حقل الدعوة أن يدعي أنه يعلم الغيب؟ هو كاذب إذاً، أن يدعي أنه بإمكانه أن ينفع أو أن يضر، كاذب، لا يجرؤ إنسان كائناً من كان مهما علا نجمه، ومهما سطع اسمه أن يعلم الغيب.
من هو المسؤول ؟
أيها الأخوة، هناك ملامح دقيقة جداً، لو أنك استفتيت إنسان ما، وأفتى لك بشيء، وأنت في غاية السرور، لأنك انتزعت من فمه فتوة لصالحك، هو المسؤول، أنا لست مسؤولاً، من قال لك ذلك؟ إذا استطعت أن تنتزع فتوة من فم سيد الحق, وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله، الدليل:
(( وَلَعَلّ بَعْضَكُم أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمّا أسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقّ أَخِيهِ شَيْئاً فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً، فَإنّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النّارِ ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]
أيها الأخوة، هذه من بديهيات الدين، أما هذا الجاهل الذي يستنطق من إنسان يعمل في الحقل الديني فتوى في شأن إيداع المال في البنك، أو فتوى بالاختلاط، أو فتوى بالغناء، أو فتوى بسفر المرأة دون محرم، هذا الذي يأخذ من أفواه من يعملون في الحقل الديني فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وينام ناعم البال، قرير العين، على توهم أن هذا الذي أفتى، هو المسؤول، من قال لك ذلك؟
(( وَلَعَلّ بَعْضَكُم أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمّا أسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقّ أَخِيهِ شَيْئاً فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً، فَإنّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النّارِ ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]
هل يملك النبي النفع أو الضرر لنفسه ؟
أخوانا الكرام، الأمر واضح وضوح الشمس، مرةً ثانية:
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾
( سورة هود الآية: 31 )
من؟ سيد الخلق، وحبيب الحق: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 15 )
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
( سورة الجن الآية: 21)
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾
( سورة الأعراف الآية: 188 )
هذه خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، وأي إنسان يدعي ما ليس للنبي فهو في باطل، وفي ضلال، وفي دجل، وفي إيهام، بل هو في غباء.
الأسئلة التي اقترحتها اليهود على قريش لتنال من جانب النبي:
أخوانا الكرام، أوفدت قريش نفراً منهم إلى المدينة، على رأسهم النضر بن الحارث، ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحونها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت لهم اليهود: سلوه عن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح, قال تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾
( سورة الكهف الآية: 83 )
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 85 )
لكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل الله قرآناً في شأن الإجابة عن هذه الأسئلة، هذا يؤكد أن السماء توحي إليه بالحق, قال تعالى:
﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 44 )
لمن يكون الولاء والبراء في الدين:
أيها الأخوة، هذا الموضوع ينقلنا إلى موضوع كبير اسمه الولاء والبراء، الولاء أن توالي المؤمنين، أي أن تحبهم، وأن تنصرهم، وأن تنصحهم، وألا تسلمهم لأعدائهم، وألا تتعاون مع أعدائهم عليهم، ومن لم يكن موالياً للمؤمنين فليس مؤمناً، هذا الذي يتعاون مع الطرف الآخر ليقهر المؤمنين، الله ورسوله بريء منه، فاليهود تعاونوا مع قريش كي يحرجوا النبي صلى الله عليه وسلم، كي يسألوه أسئلة لا يعلمها، ولكن الوحي أجاب عن كل هذه الأسئلة وقهرهم، وهذا شيء واقع:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾
( سورة الإسراء الآية: 73 )
الأسلوب الجديد الذي استخدمته قريش مع النبي لينصرف عن دعوت
أيها الأخوة, الطرف الآخر يستخدم أسلوب الترغيب، لذلك قريش أرادت أن تجرب أسلوب الترغيب، فأرسلت عتبة بن ربيعة الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم.. فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها، إن قلت: إنما تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً, (هم لا يفهمون الأشياء إلا بقيمهم، لا يفهمون دعوة لله خالصة، يفهمون دعوة من أجل المال، يفهمون دعوة من أجل المتع، يفهمون دعوة من أجل السلطان، وكأن هذا الإنسان عبر عن مكنون نفسه، ونفس قومه) إن كنت إنما تريد من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً, وإن كنت تريد شرفاً, (سيطرة، مكانة، هيمنة، سلطة) سودانك علينا، جعلناك سيدنا، فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطبيب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ منه.
فلما فرغ من قوله تلا النبي صلى الله عليه وسلم عليه صدر سورة فصلت إلى أن وصل إلى قوله تعالى:

﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾
( سورة فصلت الآية: 13 )
أيها الأخوة، سمع هذه الآيات، وكأن صاعقة نزلت عليه، فعاد إلى قومه، وأخبرهم بما سمع، وقال: هذا الذي يقوله محمد ليس شعراً، ولا سحراً، ولا كهانة، وأقترح عليكم أن تدعو محمداً وشأنه.
وفي روايات أخرى من هذه الروايات: وإن كان بك الباءة؛ أي تشتهي النساء، زوجناك عشرة نسوة تختار من أي بيوتات قريش شئت.
أما الوليد بن المغيرة الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأن رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لمَ؟ قال: ليعطونك، فإنك أتيت محمداً لتعرض عنه، يعني إن أتيت محمداً أعرض عنه، وخذ من المال ما شئت، ثم قال الوليد عن القرآن: " والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة, مثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه يعلو، وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته ".
هناك من ادعى النبوة جاء بكلام ادعى أنه من عند الله، قال: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً.
سبحانك يا رب! المؤمن يشعر بكل خلية في جسمه أن هذا كلام الله، وأن هذا كذب وهراء، أليس كذلك؟ وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه يعلو، وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، يئست قريش من أسلوب الترغيب، لذلك المؤمن لا يلين لا لسبائك الذهب اللامعة، ولا يلين لسياط الجلادين اللاذعة، المؤمن رجل مبدأ,

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
[ورد في الأثر]
أسلوب الترهيب التي قامت به قريش لتخويف من يتبع هذا الدين:
الآن لونت قريش في أسلوبها، واتبعت أسلوب الترهيب، كان أبو جهل إذا سمع عن الرجل أنه أسلم، وله شرف ومنعة، وبخه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك، وهو خير منك، والله لنسفهن حلمك، ولنضعفن رأيك، وإن كان تاجراً, قال له: والله لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك، وإن كان ضعيفاً ضربوه، وأغروا به، وحينما لم تثمر كل هذه الأساليب السابقة في صد النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية, قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
( سورة الأنفال الآية: 36 )
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة يوسف الآية: 21 )
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
( سور غافر الآية: 51 )
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الروم الآية: 47)
هؤلاء الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين، وهؤلاء الذين حاربوه في مزابل التاريخ، في أسفل السافلين.
الغبي من يجهز حرباً ضد خصمه وهو لا يعرفه:
أيها الأخوة، ما من إنسان أشقى ولا أغبى ممن يقف في خندق مضاد للحق، هل تعلم من هو الطرف الآخر؟
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾
( سورة التحريم الآية: 4 )
امرأتان، حفصة وعائشة, قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾
( سورة التحريم الآية: 4 )
خالق الكون, يقول: ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
( سورة التحريم الآية: 4)
ما معنى هذه الآية؟ معنى هذه الآية: أنك إذا فكرت أن تكون عدواً للحق، إذا فكرت أن تكون عدواً لله، إذا فكرت أن تكون عدواً لأنبيائه، إذا فكرت أن تكون عدواً لصالح المؤمنين، أنك إذا أردت أن تكون عدواً لعالم مخلص، يجب أن تعلم من هو الطرف الآخر، من هو خصمك، إنه الله الذي بيده كل شيء، لذلك أشقى إنسان على وجه الأرض الذي يحارب الله ورسوله، نهايته في مزبلة التاريخ، نهايته مع فرعون وقارون، ومع كل الظالمين الذين أذلهم الله عز وجل.
لم لم يستطع فرعون هذه الأمة بزعمه أن يطأ رقبة النبي عليه الصلاة والسلام ؟
أيها الأخوة، لقد استفحل إيذاء قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الدعوة السرية، بل في الدعوة العلنية، بعد أن أمر الله جل جلاله نبيه أن يظهر شعائر دينه، كالصلاة عند الكعبة، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا جهل, قال:
(( هَلْ يُعَفّرُ مُحَمّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُم ـ يعني إذا سجد ـ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللاّتِ وَالْعُزّىَ لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأن عَلَىَ رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعفّرَنّ وَجْهَهُ فِي التّرَابِ, فَأَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَىَ رَقَبَتِهِ ـ كما حلف ـ فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقاً مِنْ نَارٍ، وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ دَنَا لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْواً عُضْواً ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
( سورة المائدة الآية: 67 )
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
( سورة الطور الآية: 48 )
يجب أن تثق أن الله يحفظك، وأن الله لا يسلمك، وأن الله يدافع عنك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لذلك نزل القرآن الكريم:
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
( سورة العلق الآية: 6-19 )
ماذا قدم النبي وصحبه حتى وصل الإسلام إلينا ؟
أيها الأخوة,
(( روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله ابن عمر عن أشد ما صنع المشركون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه صلى الله عليه وسلم، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ ))
[أخرجه البخاري عن عروة بن الزبير في الصحيح]
هذه الدعوة التي وصلت إلينا بذل من أجلها الغالي والرخيص، بذل من أجلها النفس والنفيس، ينبغي ألا نضيعها، الإسلام وصل إلى هذه البلاد بفضل هؤلاء الصحابة الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما جاءه جبريل، وقال: يا محمد، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي.
ما تخلى عن قومه، ودعا لهم بالهداية، واعتذر لهم فإنهم لا يعلمون، ودعا لهم هذا الإنسان الذي أقسم الله بعمره الثمين، قال له:

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
( سورة الحجر الآية: 72 )
ألا ينبغي أن نقتدي بهذا النبي الكريم, ألا ينبغي أن يكون الوقت عندنا ثميناً أن نفعل فيه شيئاً لصالح المسلمين, أن نخفف من متاعبهم، أن نعزز مكانتهم، أن نحل مشكلاتهم، أن نأخذ بيد ضعيفهم، أن نطعم جائعهم، أن نكسو عاريهم.
إليكم هذا الإيذاء الذي توصل إلى النبي من أبناء جلدته:
روى بخاري ومسلم من حديث ابن مسعود, قال:
(( بَيْنَمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيّكُمْ يَقُومُ إلَىَ سَلاَ جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ ـ يعني أحشائها ـ فَيَأْخُذُهُ، فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمّدٍ إذَا سَجَدَ, - نحن الآن بحبوحة، والحمد لله، معززون، مكرمون، نأتي إلى المساجد، نستمع إلى الدروس، نستمع إلى الخطب، ندخل إلى بيوتنا نصلي، نساؤنا محجبات، لا أحد يعترضنا، هذه نعمة كبيرة جداً، أما هؤلاء الأصحاب الكرام الذين دفعوا من أجل هذا الإسلام حياتهم، ودفعوا كل ما يملكون, نحن لا نعرف قيمة هذا الإسلام - فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمّا سَجَدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَىَ بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتّى انْطَلَقَ إنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ. فَجَاءَتْ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ، تَشْتِمُهُمْ، فَلَمّا قَضَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إذَا دَعَا، فَوَ الّذِي بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم بِالْحَقّ لَقَدْ رَأَيْتُ الّذِينَ سَمّىَ ـ أي ذكر أسماءهم بالدعاء عليهم ـ صَرْعَىَ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ سُحِبُوا إلَىَ الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح من حديث ابن مسعود]
ومرةً ضربوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أغشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: " ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟ فتركوه، وأقبلوا على أبي بكر، وحاولت أم جميل زوجة أبي لهب أن تعتدي عليه بحجر فحماه الله منها، فلم تره، فكانت تحمل الحطب كي تضعه في طريقه صلى الله عليه وسلم كما حكى القرآن ذلك:
﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾
( سورة المسد الآية: 4-5)
إليكم رحمة الباري جل جلاله:
إنسان يقرأ القرآن, فقرأ قوله تعالى:
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾
( سورة طه الآية: 43-44 )
قال: يا رب، إذا كانت رحمتك بمن قال: أنا ربكم الأعلى, فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى؟ وإذا كانت رحمتك بمن قال:
﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 )
فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله؟ ورد في بعض الآثار القدسية: " أن يا داود، لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، يا داود هذه إرادتي في المعرضين فكيف في المقبلين؟ ".
إذا كنت مطيعاً لرب العالمين، محباً له، محباً لأنبيائه، محباً لكتابه، محباً للمؤمنين، محباً للمساجد، محباً لعمل الخير فأبشر.

إليكم إسلام عمير بن وهب:
مرة أيها الأخوة، صفوان ابن أمية التقى بعمير بن وهب، فقال له عمير: يا صفوان، والله لولا صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، ولولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها لذهبت، وقتلت محمداً، وأرحتكم منه، صفوان عدو لدود، قال: يا عمير، أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، وأما ديونك فهي علي بلغت علي ما بلغت، فامضِ بما أردت، يعني اذهب، واقتل محمداً، وأرجنا منه، فسقى سيفه سماً، ووضعه على عاتقه، وركب ناقته، وتوجه إلى المدينة بحجة أنه أتى المدينة ليفك أسر ابنه، فلما وصل المدينة رآه عمر رضي الله عنه، فقال: هذا عدو الله جاء يريد شراً، وقيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سيدنا النبي لطيف، قال: يا عمر، أطلق سراحه، فأطلق سراحه، قال: يا عمير، ادنُ مني، فدنا منه، قال: يا عمير، سلم علينا، قال له: عِمت صباحاً يا محمد، قال له, قل: السلام عليكم، قال له: لست بعيد عهد بسلامنا، هذا سلامنا، كتلة غلظة، قال: يا عمير، ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أفك ابني من الأسر، قال: يا عمير، وهذه السيف التي على عاتقك؟ قال: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال: يا عمير، ألم تقل لصفوان: لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت، وقتلت محمداً، وأرحتكم منه؟ وقف وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله, وأنت رسوله, وأسلم، أما صفوان فكان يخرج كل يوم إلى ظاهر مكة ليستقبل الركبان، فلعل الخبر السار بقتل محمد يصل إليه، ثم فوجئ أن عمير أسلم, قال تعالى:
﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾
( سورة آل عمران الآية: 119 )
﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية: 72)
المواساة التي قدمها جبريل عليه السلام للنبي:
أيها الأخوة,
(( روى الإمام أحمد من حديث أنس أن جبريل عليه السلام جاء ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وهو جالس حزيناً، قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، قال, فقال له: ما لك؟ قال: فقال له: فعل بي هؤلاء، وفعلوا، قال: فقال له جبريل عليه السلام: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: فانظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة، فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع، فأمرها، فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي))
[أخرجه أحمد من حديث أنس في مسنده]
ويقول ابن كثير: إن غالب ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من أذى كان بعد وفاة عمه أبي طالب.
ما هي الحكمة الربانية في إصابة النبي وصحبه بهذا الأذى والتعذيب ؟
أيها الأخوة، إن شاء الله نتابع هذا في درس قادم، ولكن هذه الوقائع، وهذا الأذى، وهذا الاضطهاد، وهذا التنكيل، وهذا التعذيب، وهذا التكذيب، وهذا الازدراء، وهذه السخرية، وهذه الإهانة كلها صبت على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليبين الله لنا أن هؤلاء كانوا أهلاً للدعوة إلى الله, قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾
( سورة الأحقاف الآية: 35 )
أيها الأخوة، ونحن فلنصبر، وإن الله وعدنا وعوداً كثيرة، قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾
( سورة النور الآية: 55 )








والحمد لله رب العالمين







 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:15 AM   #17


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( السابع العاشر )

الموضوع :الهجرة الى الحبشة




الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. ما معنى المستضعف في هذه الآية ؟
أيها الأخوة، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد وصلنا إلى درس الهجرة إلى الحبشة، وقبل الحديث عن الهجرة لا بد من توضيح، دققوا في هذه الآيات، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
( سورة النساء الآية: 97 )
هل تصدقون أن المستضعف في الأرض إذا لم يهاجر وقع في وعيد رب العالمين، كيف؟ أنت ذهبت إلى بلد من أجل هدف واحد، أن تنال دكتوراه، فإذا منعتك الجامعة من أن تنتسب إليها، هل يمكن أن تبقى في هذا البلد؟ أنت جئتها من أجل هدف واحد، هو أن تنال شهادة عليا، فإذا منعت من أن تنتسب إلى الجامعة لا معنى لبقائك في البلد، لا بد من أن تتحول إلى بلد آخر، هذا مثل.
لو كبرنا المثل, أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله، الدليل:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات الآية: 56)
فإذا حيل بينك وبين أن تعبد الله في أي بلد، لا بد من أن تغادر هذا البلد، قبل أن تغادر إن حاولت أن تصلح وأفلحت لا تغادر، إن استطعت أن تهيئ جواً تعبد الله فيه فلا تغادر، إن أقنعت الناس أن يغيروا فلا تغادر، أما إذا استحال عليك أن تعبد الله، وعلة وجودك في الدنيا أن تعبد الله فلا بد من أن تغادر، الآن نفهم الآية الكريمة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة النساء الآية: 97 )
ما معنى مستضعفين؟ إما أنك ضعيف من حيث القدرة، فمنعت أن تعبد الله، منعت من أن تحجب نساءك، منعت من أن تحجب بناتك، منعت أن تؤدي شعائر دينك، منعت أن تقيم فرائض الله عز وجل، أنت هنا ضعيف، ولم تستطع أن تصلح، ولا أن تغير، إذاً: ينبغي تغادر
المعنى الثاني: بلد فيه حرية، لكن نفسك ضعفت أمام مغريات الحياة، ضعفت أمام الشهوات، لم تستطع أن تقيم أمر الله لا قمعاً بل ضعفاً، هذا ضعف من نوع آخر.
فلذلك حينما تكون في بلد ويحال بينك وبين عبادة الله يجب أن تبحث عن بلد تستطيع أن تعبد الله فيه، وأن تحقق سر وجودك وغاية وجودك، والعلة التي جيء بك إلى الدنيا من أجلها، وهي العبادة.

لماذا أرسل النبي أصحابه إلى الحبشة ؟
أيها الأخوة، كان عليه الصلاة والسلام ضعيفاً، ويعاني ما يعاني، ولكن عمه كان يحميه، بينما آحاد المسلمين كانوا معرضين للأذى والتنكيل، والتضييق، والضرب، والإيلام، والنبي عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 21 )
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
( سورة التوبة الآية: 128 )
فرحمة النبي صلى الله عليه وسلم دعت أصحابه المضطهدين الذين ينكل بهم، الذين يُضربون، الذين تصادر أموالهم، إلى الهجرة إلى الحبشة، ظناً أن فيها ملكاً عادلاً.
أنواع السفر في الإسلام:
بالمناسبة، ما حكم السفر في الإسلام؟ أعلى أنواع السفر من دون استثناء:
السفر الأول: لنشر الــــدعوة.
السفر الثاني: أن تسافر فراراً بدينك.
السفر الثالث: أن تسافر طلباً للـعلم.
السفر الرابع: أن تسافر طلباً للرزق.
والآن هناك سفر اسمه السفر السياحي، هذا حكمه حكم المسافر، فإذا أقام الصلوات الخمس، وغض بصره، ولم يرتكب معصية في هذا السفر فهو مباح ليس غير، أما إذا كان السفر مطية إلى ارتكاب المعاصي والآثام فهذا لا يجوز.
إليكم هجرة المسلمين إلى الحبشة:

كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والذين هاجروا هم أحد عشر رجلاً، وأربع نسوة، خرجوا متسللين سراً حتى انتهوا إلى الشعيبية، منهم الراكب، ومنهم الماشي، وهذا الإسلام الذي تنعمون به اليوم، هذه المساجد، هذه الخطب، هذه الدروس، هذا الأمن الذي يشعر به المسلمون, من دفع ثمنه؟ أصحاب النبي عليهم رضوان الله، دفعوا ثمنه باهظاً، إنسان يسافر من مكة إلى الحبشة مشياً، الحياة شاقة جداً، والحر لا يحتمل، ووفق الله تعالى حينما وصلوا إلى الساحل سفينتين للتجار حملوا هؤلاء الصحابة إلى أرض الحبشة جميعاً بنصف دينار،

(( وقد ثبت من طرق صحيحة ما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وكانت ضمن من هاجر إلى الحبشة، في الهجرة الأولى، حيث قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يدفع عنهم هذا الأذى,- وحكمة أنه ضعيف ذكرتها مرتين من أجل تثمين من يؤمن به، ليس عنده شيء يعطيه، ولا قوة تحمي أتباعه، ولا يملك لهم نفعاً ولا ضراً، فالإيمان به إيمان خالص، لكن لو أن قوياً من أقوياء الأرض ادعى أنه جاءته النبوة، ودعا الناس إلى الإيمان به، والله لتجدن الملايين المملينة تؤمن به خوفاً منه، لا قيمة لهذا الإيمان، أراد الله عز وجل أن يكون إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً حقيقياً لا رغبة ولا رهبة، لا طمعاً ولا خوفاً, كان عليه الصلاة والسلام في منعة من قومه بني هاشم، ومن عمه أبي طالب، - فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا ـ كما تقول أم سلمة ـ فخرجنا إليها إرسالاً حتى اجتمعنا فيها فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا، ولم نخشَ من هذا الملك ظلماً))
[ورد في الأثر]
وتروي الروايات أن سيدنا عثمان بن عفان كان أول من خرج مهاجراً، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد الإمام البخاري حديثاً بسند موصول عن أنس، قال: أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما، يعني خبر وصولهما سالمين إلى الحبشة، فقدمت امرأة، فقالت له: لقد رأيتهما، وقد حمل عثمان امرأته على دابة، فقال عليه الصلاة والسلام:
((صحبهما الله، إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط))
[ورد في الأثر]
من معاني الهجرة إلى الله ورسوله:
1- إذا كان المهاجر هدفه خدمة أمته:
إنسان يذهب إلى بلاد الغرب ليدرس، تروق له الحياة، حياة جميلة جداً، بلاد جميلة، حاجات الإنسان مؤمنة، الدخل فلكي، الأمور كلها في خدمة الإنسان، ينسى وطنه، وينسى بلده، وينسى أمته، وينسى أن لحم كتفه من خير وطنه، فهو يسعى لكسب أكبر قدر من المال.
هذا الإنسان لو اتخذ قراراً بطولياً أن يعود إلى بلده المسلم، وبلده المسلم ليس بلداً متطوراً، بل هو بلد نامي، ليقدم علمه لهؤلاء المسلمين الذين هم أبناء جلدته، هذا الإنسان أنا أرى أن عودته إلى بلده، وتحمله بعض متاعب بلده في سبيل أن يقدم خدمات جلية لأمته الإسلامية هذا يعد عند الله مهاجراً.

2- المتمسك بدينه في زمن الهرج هي هجرة إلى رسول الله:
ومعناً آخر للهجرة، أن عبادة في الهرج، في زمن الفتن، وزمن الفسق والفجور، وفي زمن أن يغدو الدين ضعيفاً، وزمن أن الذي يعبد الله كالقابض على الجمر، وزمن النساء الكاسيات العاريات، وزمن يؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، وزمن يضام الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وزمن يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يقول كلمة، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، وزمن فيه موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لما يقتل، ولا المقتول فيما قتل, في هذا الزمن الصعب عبادة في الهرج كهجرة إلي.
من يعبد الله في آخر الزمان حيث الفتن, والاضطرابات، والضلالات, والشهوات، وكل شيء على خلاف ما هو عليه، في زمن يصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، هذه أيضاً هجرة إلى الله خالصة، لو وسعنا الهجرة أيضاً, قال عليه الصلاة والسلام:

((والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
من النساء اللواتي هاجرن مع أزواجهن إلى الحبشة:
أيها الأخوة، بعد فتح مكة أغلق باب الهجرة،
(( لا هجرة بعد فتح مكة ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
الصحابة الكرام الذين هاجروا على رأسهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وأبو حذيفة بن عتبة، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون، وغيرهم، وأما النسوة فهن رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة، وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة، وليلى امرأة عامر بن أبي ربيعة، وقد عرفت هذه الهجرة بالهجرة الأولى إلى الحبشة.
أرأيتم أيها الإخوة إلى العنصر النسائي, كيف أن الصحابيات الجليلات كن يشاركن أزواجهن السراء والضراء، والإقامة والسفر، والحلة والترحال؟

لماذا لم يهاجر الصديق إلى الحبشة ؟
أيها الأخوة، وللصديق قصة، ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يلتحق بالمهاجرين إلى الحبشة، في هذه الهجرة الأولى، بعد أن اشتد أذى قريش عليه، وهو سيد كبير في قومه، لكن الباطل أرعن، الباطل لا يعرف أقدار الناس، الباطل لا يميز الصالح من الطالح، فبعد أن اشتد أذى المشركين على سيدنا الصديق سلك طريقاً آخر، تشير الأخبار أنه سار في طريق اليمن، حتى إذا ما بلغ برك الغماد، حتى لقيه ابن الدغنة، وهو سيد قبائل القارة حلفاء بني زهرة القرشية، قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، وأن أعبد ربي, فقال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))
[ورد في الأثر]
فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وكان الصديق رضي الله عنه أشبه الصحابة برسول الله، وما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، لذلك أجاره، معنى أجاره أي جعله في ذمته، هذه عادة مطبقة في الحياة الجاهلية، أن إنساناً شريفاً وجيهاً إذا أجار إنساناً لا يستطيع أحد أن ينال منه
أيها الأخوة، لي صديق لا أزكيه، ولكن أحسبه صالحاً وورعاً، وكان موظف بمكان، أمانته ظاهرة، استقامته ظاهرة، ورعه ظاهر، أدبه ظاهر، التزامه ظاهر, سمته حسن، سافر مرة مع من هو أعلى منه في الدائرة، وكان بعيداً عن الدين بعد الأرض عن السماء، ليس عنده شيء محرم، فلما دعوا إلى طعام هذا الذي هو رئيسه في العمل منع أن يأتي إلى الطعام أي مشروب، فلما انتهى الطعام، سأل صديقي رئيسه، قال له: هل انتبهت أننا لم نضع على الطاولة مشروباً؟ قال له: نعم، قال له: هذا من أجلك، لأن دينك أصلي، حتى الفاسق، حتى المبتعد عن الدين إذا رأى مؤمناًَ، صادقاً، مخلصاً، ورعاً، أميناً, عفيفاً، له مكانة عنده.
فوافقت قريش على ذلك، واشترطت عليه أن تكون عبادته في داره، وألا يستعلم بها، وأن يتعبد ربه في بيته، وبعد مدة أخذ أبو بكر يجتهد بالقراءة في فناء داره، وكان رجلاً بكاء لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن، فيجتمع إليه أبناء ونساء المشركين يعجبون بقراءته، وينظرون إليه، ويستمعون القرآن مما أفزع قريشاً، ودفعها إلى مطالبة ابن الدغنة أن يكفه عن ذلك، فخيره ابن الدغنة بين الإسرار بعبادته، أو أن يرد عليه جواره، فرد أبو بكر عليه جواره، وقال: إني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله، وهكذا بقي أبو بكر بمكة إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجيراً بالله سبحانه وتعالى، يحتمل أذى المشركين بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن له بالهجرة.
دققوا في هذا النص:

((ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه، وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته, فتكيدوه أهل السماء والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ))
[ورد في الأثر]
الإشاعة التي أخبر بها المسلمون في الحبشة عن أهل مكة:
أيها الأخوة، بعد هجرة الحبشة الأولى لفترة قليلة حدث أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام، قرأ سورة النجم، وسجد في موضع السجود، فسجد معه كل من كان يسمعه من المسلمين ومن غير المسلمين، ماذا تستنبطون؟ المؤمن له وهج منوّر، المؤمن عليه سكينة، المؤمن عليه وقار، حتى الذي لا يعرفه يهابه، حتى الذي لا يعرفه يسعد بقربه.
وشاع في مكة أن قريشاً قد أسلمت، وبلغ المسلمين الذين هم في أرض الحبشة أن مكة أسلمت فرجع ناس منهم، منهم عثمان بن مظعون، فلم يجدوا ما أخبروا به صحيحاً، فرجعوا، وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد ذكرت إحدى الروايات الصحيحة أنهم كانوا اثنين وثمانين رجلاً، سوى نسائهم وأبنائهم، وقيل: إن عدد النسوة في الهجرة الثانية كن ثماني عشرة امرأة.
إليكم مضمون الرسالة التي حملها وفد قريش إلى النجاشي:
أيها الأخوة، هذه الهجرة الأولى والثانية، قريش آلمها جداً أن يذهب المسلمون، ويتخلصوا من تعذيب قريش، ومن التنكيل بهم، ومن التضييق عليهم، ومن إيذائهم، وعاشوا في بلاد الحبشة في ظل ملك الحبشة النجاشي آمنين مطمئنين، فكادوا لهم.
أيها الأخوة، نية الكافر شر من عمله، كل الذي يفعله يتمنى أن يفعل أكبر منه، نية المؤمن خير من عمله، لذلك بادرت قريش بعد الهجرة الثانية، وبعد إخفاقها في منع المسلمين من الهجرة، ونتيجة تخوفها من انتشار الدعوة الإسلامية أرسلت وفداً مؤلفاً من عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة, هذا الوفد معه هدايا ثمينة إلى النجاشي، وإلى بطاركته بهدف أن يعيد لهم هؤلاء المهاجرين، لينكلوا بهم، ويعيدوهم إلى مكة، وحاول الوفد إقناع البطاركة عن طريق الهدايا، الإنسان أحياناً يقنع بالشيء، لا لأنه قانع به، ولكن لأن المبلغ كبير، المبلغ أقنعه، فهؤلاء عرفوا ضعف الإنسان، فتوسلوا إلى أن يجعلوا من البطاركة قوة ضاغطة على النجاشي كي يعيد إليهم هؤلاء، فأغروهم بهدايا ثمينة.
شيء آخر، صور هؤلاء المسلمون على أنهم غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دين النجاشي، وأنهم جاؤوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وبيتوا الأمر مع البطاركة على أن يشيروا على النجاشي بأي يسلمهم إليهم، ولا يكلمهم, آية قرآنية طبعاً وردت على لسان سيدنا سليمان:
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
( سورة النمل الآية: 27 )
هل حقق النجاشي في الأمر, وماذا كانت النتيجة ؟
النجاشي رأى أن يتحرى الأمر بنفسه، فدعا المسلمين، وطلب منهم توضيح الحقيقة، فانبرى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وتكلم نيابة عن أخوانه المهاجرين كما أسلفنا، قائلاً: ((أيها الملك، كنا قوماً على الشرك نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض، في سفك الدماء وغيرها، ولا نحل شيئاً ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا، نعرف وفاءه، وصدقه، وأمانته، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة, وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
[أخرجه أحمد عن أم سلمة في مسنده]
والله كلام رائع، فالنجاشي طلب من جعفر أن يقرأ عليه شيئاً مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه أوائل سورة مريم، فبكى النجاشي، وبكى معه أساقفته، وقال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين آمنين في بلدي، وأقسم بألا أسلمكم لأحد.
أخوانا الكرام، أتمنى عليكم جميعاً إذا كنت في موضع القيادة، ولو قيادة بيت، جاءتك ابنتك تشكو زوجها، تقبل كلامها على علاته، هذا الصهر اسأله، اطلبه على الهاتف، ما الذي أزعجك من ابنتي؟ لمَ لم تكن منصفاً؟ لمَ تأخذ كلام ابنتك على أنه منزل؟

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
( سورة النمل الآية: 27 )
نحن نتوهم أن القاضي الذي في قصر العدل، لا، الأب قاض بين أولاده، الأب قاض بين بناته، الأب قاض بين أصهاره، الأب قاض بين أخوته، معظم الناس مكلفون أن يحكموا بين متخاصمين، قال تعالى:
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
( سورة النمل الآية: 27 )
ماذا فعل عمرو بن العاص حينما وافق النجاشي كلام جعفر ؟
لكن هذه المحاولة أخفقت، لذلك في اليوم التالي جاء عمرو بن العاص, وقال للملك: إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فاستدعاهم النجاشي، فسألهم، فقال جعفر: نقول فيه: هو عبد الله ورسوله، وكلمته، وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، واستقر رأي النجاشي على منح المسلمين الآمان، فأقاموا في خير دار مع خير جار، أما القسيسين والرهبان الذين سمعوا قول جعفر، واستمعوا إليه، وهو يرتل القرآن فقد ذرفوا الدموع مما عرفوا من الحق، فأنزل الله تعالى قوله الكريم:
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾
( سورة المائدة الآية: 82- 83 )
المدة التي مكث فيها المسلمون في الحبشة:
أيها الأخوة، مكث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الحبشة ما شاء لهم، ولقد توفي عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان، وليس لها أحد، فتكريماً لها خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، وتزوجها، وهي بالحبشة، من الذي زوجه إياها؟ النجاشي، ومهرها 4000 دينار, ثم جهزها من عنده، ولم يرسل إليها النبي بشيء، وقد بعثها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة.
أخوانا الكرام، مرة جاء وفد النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من كرم أخلاق النبي أبى إلا أن يخدمهم بنفسه، وكان وفاؤه مضرب المثل.

القرائن والأدلة التي تفيد في إسلام النجاشي:
أيها الأخوة، وردت العديد من الدلائل التي تفيد إسلام النجاشي، فقد ورد في الأخبار أنه أسلم، ولذلك خرج عليه قومه، ولكنه حرص قبل محاربتهم أن يؤمن للمسلمين سفناً ليغادروا عليها إذا ما تعرض للهزيمة، وأنه كتب كتاباً يشهد بإسلامه، وقد أورد الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى بنفسه النجاشي، في اليوم الذي مات فيه, في العام التاسع للهجرة، وأنه صلى بالمسلمين عليه صلاة الغائب.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:18 AM   #18


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( الثامن العاشر )

الموضوع :اسلام سيدنا عمر بن الخطاب





الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
لماذا خص النبي بدعوته أحد هذين الشخصين ؟
أيها الأخوة، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ووصلنا في فقرات السيرة النبوية إلى إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
بادئ ذي بدء كان عليه الصلاة والسلام, يقول:

(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
ويقصد عمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام ( أبو جهل )، ولا بد من وقفة متأنية في شرح هذا الحديث:
النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة تقدم، بينما غير النخبة لا تقدم، بل تأخذ النخبة تحمل معك، وغير النخبة ينبغي أن تحملهم، النخبة كالأعمدة للحق، بينما غير النخبة غثاء كغثاء السيل، والذي يؤلم الآن أشد الألم المسلم مع الاحترام البالغ لأية حرفة، لكن لماذا المسلم في أدنى درجة؟ ولماذا غير المسلم في أعلى درجة؟ الاختصاصي باختصاص نادر غير مسلم، المهندس البارع غير مسلم، الطبيب الأول غير مسلم، مع أن الله سبحانه وتعالى وزع القدرات بين كل الشعوب والأمم توزيعاً عادلاً.
أيها الأخوة، حينما قال عليه الصلاة والسلام:

(( تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ))
[أخرجه البيهقي عن سعيد بن أبي هلال في سننه ]
والله الذي لا إله إلا هو لا أصدق ثانية واحدة أن يكون التباهي بالعدد، والدليل الأمة الإسلامية اليوم يزيد تعدادها على مليار و300 مليون مسلم، ثلث سكان الأرض، ويتربعون على ربع احتياطي نفط في العالم، ويحتلون أكبر موقع استراتيجي في العالم، وعندهم ثروات لا يعلمها إلا الله، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، ولا وزن لهم في الأرض، وليس أمرهم بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل.
كيف يحترم الطرف الآخر دينك أيها المسلم ؟
أيها الأخوة، اسمعوا مني هذه الكلمة: ما لم تكن متفوقاً في دنياك فلن يحترم دينك، أريد مسلماً صناعياً كبيراً، وأستاذاً جامعياً كبيراً، وخبيراً نادراً، لذلك عليه الصلاة والسلام طلب النخبة, قال:
(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
لا تقنع أن تكون رقماً لا معنى له، لا تقنع بأن تكون إنساناً لا يقدم ولا يؤخر، علو الهمة من الإيمان, صدق القائل:
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله يعطي من يشـاء فقف على حـد الأدب
أيها الأخوة، المسلمون اليوم في محنة كبيرة، وما لم يتفقهوا في العلوم، وفي الصناعات، وفي استخراج الثروات، وفي استصلاح الأراضي، وفي إنشاء السدود، لا أحد يقيم لهم وزناً, وويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وويل لأمة تلبس ما لا تنسج، وويل لأمة تستخدم آلة لا تصنعها، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة.
فإن أردتم لهذا الإسلام عزاً فتفوقوا، وما لم نتفوق الآن فلا تقوم لنا قائمة، هذه الحقيقة التي أنا قانع بها، طريق أن تعز الإسلام أن تكون قوياً بعلمك، بمالك، كن صاحب مشروع، هؤلاء القمم كانوا أشخاصاً عاديين في مقتبل حياتهم، أنا أطالبكم أن تكون همتكم عالية، علو الهمة من الإيمان.

ما هو سبب إسلام جيفري لانج ؟

مرةً أحد أكبر الملحدين في أمريكا كان طالباً في التعليم الثانوي، وانتقد أستاذ الديانة عندهم، فطرده والده من البيت، فاعتنق الإلحاد، وتابع دراسته، حتى صار أكبر عالم رياضيات في أمريكا، كان أستاذاً في جامعة سان فرانسيسكو، وكان متفوقاً إلى درجة أن أستاذه كان يقول له: اخرج من القاعة، وخذ علامة تامة، لأنه يربك أستاذه، أستاذه يستعين به أحياناً في بعض معضلات الرياضيات، عنده طالبة مسلمة من الشرق الأوسط، في أطروحتها مشكلة، فأرسلها إلى هذا العالم، يقول هذا العالم: رأيت فتاة من الشرق الأوسط تحضر دكتوراه في الرياضيات، وهي محجبة حجاباً تاماً، في حين أن فتيات أمريكا في الصيف يمشين في الطرقات شبه عرايا، فماذا في ذهن هذه الفتاة من مبادئ وقيم حتى ارتدت هذا الحجاب؟ قال: أعجبت بأنها إنسانة تملك مبدأ، أو تملك قناعة، ولم أجرؤ أن أنظر إلى وجهها لأنها قديسة، هكذا يقول، ورغبة أن أقدم لها كل خدمة، وعكفت في اليوم نفسه على قراءة القرآن، إلى أن أسلم، وهو الآن أكبر داعية في أمريكا، اسمه جيفري لانج، ما الذي جعله يسلم؟ فتاة تحضر دكتوراه في الرياضيات ومتحجبة.
الآن القوي لا يحترم إلا القوي، والعالم لا يحترم إلا العالم، فإن أردتم لهذا الإسلام عزاً فتفوقوا، وما لم نتفوق الآن فلا تقوم لنا قائمة، هذه الحقيقة التي أنا قانع بها، طريق أن تعز الإسلام أن تكون قوياً بعلمك، بمالك، كن صاحب مشروع، هؤلاء القمم كانوا أشخاصاً عاديين في مقتبل حياتهم، أنا أطالبكم أن تكون همتكم عالية، علو الهمة من الإيمان.

الخير العميم الذي نزل بالإسلام وأهله عند إسلام حمزة بن عبد المطلب:
سأريكم الآن ماذا حصل بعد أن أسلم سيدنا حمزة، وسيدنا عمر، علم حمزة بن عبد المطلب بعد عودته إلى مكة من الصيد، وذلك في السنة السادسة من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أبا جهل قد شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأساء إليه إساءات بذيئة، فبادر إلى أبي جهل، وهو في مجلسه بين قومه فضربه بالقوس على رأسه فشجه شجة منكرة، وقال له: أتشتمه، وأنا على دينه؟ وانشرح صدر حمزة للإسلام، وعرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنع عنه الأذى، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، كان حمزة قوياً، فلما انضم إلى الإسلام قوي الإسلام به.
وأنت حينما تكون قوياً، وتأتي إلى المسجد، وقد تكون صناعياً، أو تاجراً كبيراً، أو عالماً فذاً، أو أستاذاً جامعياً، وتجلس تقوي همة من حضر، فلان يحضر هذا المجلس، فلان أتى للمجلس، فلان صلى الجمعة، فلان حضر في هذا المسجد، أنت حينما تكون قوياً تدعم الحق وتنصره.

هل تفوق الأنبياء أمام التحديات التي وقفت في طريقهم؟
أيها الأخوة، هناك نقطة دقيقة جداً: أن الإسلام ينبغي أن يستخدم السلاح الفعال، يوم كان السحر متفوقاً في عهد موسى عليه السلام، ما نوع معجزة موسى؟ شيء يفوق إمكانات السحرة, قال تعالى:
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾
( سورة الأعراف الآية: 107-108 )
ويوم كان الطب متفوقاً في عهد سيدنا عيسى, ماذا فعل هذا النبي الكريم؟ قال تعالى:
﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾
( سورة آل عمران الآية: 49 )
ويوم كانت العرب في أعلى درجات البلاغة والفصاحة جاء القرآن بأسلوب معجز، ونحن الآن حينما نتفوق يحترمنا أعداؤنا، حينما نأتي بشيء جديد، حينما نحل مشكلاتنا.
مرةً أحد أخوتنا الكرام متفوق تفوقاً كبيراً في هندسة الري، وحضر مؤتمرًا في فرنسا، وعرضت مشكلة حار بها المؤتمرون طوال أيام المؤتمر، فألقى محاضرة، وقدم حلاً لهذه المشكلة، دُهش المؤتمرون، وسألوه في أية جامعة درست؟ فقال بأعلى صوته: درست في جامعة دمشق.

كيف نوظف منهج القوة في الإسلام ؟
أيها الأخوة, قال تعالى:
﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾
( سورة البقرة الآية: 165 )
القوي هو الله, ولا قوي سواه، وكل قوة في الأرض مستمدة من قوة الله، استدراجاً لغير المؤمنين، أو تمكيناً للمؤمنين، أو تسخيراً لغير البشر، هذه القوة وزعت بحكمة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، القوة قوة العلم، وقوة المال، وقوة المنصب، فإذا وصلت إلى أحد هذه القوى خياراتك في العمل الصالح كثيرة جداً، وحينما تعلم أن سر وجدوك في الدنيا العمل الصالح, فالحالة التي تمكنك من الأعمال الصالحة حالة تتوافق مع دينك، القوي بماله يفتح مستشفى، يفتح ميتم, يؤسس مدرسة، يبني جامع، ينشر كتاب، يرسل بعثات إلى الخارج، لو أن واحداً من أهل الغنى أرسل فرضاً ألف طالب على نفقته إلى جامعات الغرب، وجاؤوا بأعلى الشهادات، وكانوا في خدمة المسلمين اختلف الوضع.
أيها الأخوة، إذا كان الطريق إلى القوة سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون قوياً، وإذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً، وإذا كان الطريق إلى منصب قوي سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تبلغ هذا المنصب، أما إذا كان طريق القوة في العلم، أو المال، أو المنصب يقوم على معصية الله فأن تكون فقيراً هو وسام شرف لك، وأن تكون ضعيفاً وسام شرف لك، وأن تكون محدود الإمكانات وسام شرف لك، العبرة أن تكون في طاعة الله.

خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا:
أيها الأخوة، أما سيدنا عمر فكان رجلاً قوياً مهيباً، وكان يؤذي المسلمين، ويشتد عليهم، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو الله أن ينصر دينه به.
لكن هناك ناحية دقيقة، الإنسان الذي لم يعرف الحق، وكان قوياً, ويحب الخير، ويحب ألا يؤذي أحداً، هذا الصالح يتولى الله أمره، لقوله تعالى:

﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾
( سورة الأعراف الآية: 196 )
تجد إنسانًا في الجاهلية لا يصلي، ولا ينتمي إلى هذا الدين، لكن لا يحب أن يظلم، لا يحب أن يؤذي، لا يحب أن يعمل شيئاً لا يرضي ضميره، هذا الإنسان الصالح يتولاه الله بالهداية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة في الصحيح ]
وحينما أسلم بعض الصحابة, قال:
(( أسلمت على ما أسلفت من خير ))
[متفق عليه, أخرجهما البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام في صحيحهما]
هناك توجيه لطيف، إن رأيت صديقاً لك لا يصلي، ولا يؤدي العبادات، لكنه لا يؤذي، عنده مروءة، عنده شهامة، لا يحب إلا أن يكون بطلاً، هذا الإنسان فاطمع به، وقدم له كل خير، فلعل الله سبحانه وتعالى يجعله يلتزم فيكون قوة للمسلمين.
صفات عمر قبل الإسلام:
أيها الأخوة, فكان عمر رجلاً قوياً مُهيباً، وكان يؤذي المسلمين، ويشتد عليهم، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو الله أن ينصر دينه به،
(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
قال سعيد بن زيد بن عمر، ابن عم عمر، وزوج أخته: والله لقد رأيتني، وأن عمر لموثقي ـ قيّده ـ وأخته على الإسلام قبل أن يسلم، يعني كان يشتد على ابنه عمه زوج أخته وعلى أخته، ماذا قال النبي عن أهل الطائف:
(( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ))
[ورد في الأثر]
اعتذر عنهم، واحد دخل إلى بستان أنصاري، وأكل من دون إذن، وساقه صاحب البستان إلى رسول الله على أنه سارق، فقال عليه الصلاة والسلام:
((هلا علمته إن كان جاهلاً ، وهلا أطعمته إن كان جائعاً قبل أن تنفجر، وقبل أن تصرخ))
[ورد في الأثر]
هل أديت واجبك نحو هذا الفقير ؟ علمته إن كان جاهلاً, أطعمته إن كان جائعاً.
ما هو سر إسلام عمر بن الخطاب ؟
أيها الأخوة, لم تصح رواية في تعيين وقت إسلام عمر، فقد جعل ابن إسحاق كاتب السيرة الشهير إسلامه بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، والواقدي جعل إسلامه في نهاية السنة السادسة من البعثة النبوية، وكان عدد المسلمين أربعين مسلما، وفي رواية 56، منهم 11 امرأة، هؤلاء:
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾
( سورة الواقعة الآية: 10 )
أخبرت أم عبد الله وهي مهاجرة إلى الحبشة أن عمر اطلع على استعدادها للهجرة، وأنه رق لها ولزوجها، على الرغم ما كان يلقون منه من البلاء والأذى قبل ذلك، ولأنها رأت منه رقة لم تكن تراها من قبل، قالت: قد أحزنه ما رأى من استعدادنا للخروج، لذلك مرة ثانية، إن رأيت قلباً رحيماً اطمع به، واعتنِ به لعل يكون هدايته على يديك، وإن رأيت ذكياً فاطمع به.
الآن يجب أن تعلموا سر إسلامه, كان في قلبه رقة، كان رحيم، لما سيدنا عمر تولى الخلافة، وسيدنا الصديق استخلفه، جاء من يلوم سيدنا الصديق لأن عمر فيما يزعمون شديد وقوي، فقال سيدنا الصديق: أتلومونني على أنني وليت عمراً؟ والله إنه أرحم الناس بكم، فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب.
سيدنا عمر لما تولى الخلافة, قال: إن الناس هابوا شدتي، كنت خادم رسول الله وسيفه المسلول وجلواده، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ، الحمد لله على هذا كثيراً، وأنا به أسعد، ثم كنت خادماً لأبي بكر وجلواده، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ, وأنا بذلك أسعد، ثم آلت الأمور إلي فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، وإنني سأضع رأسي ليدوس عليه أهل العفاف والتقوى، كان رحيماً، قال: والله لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه.
سيدنا عمر كان رحيماً، وأي قلب ليس فيه رحمة بعيد عن الله، وأي قلب ينبض بالرحمة قريب من الله عز وجل، الإنسان قبل أن يسلم، وقبل أن يؤمن، وقبل أن يلتزم، إن كان رحيماً هذه بشارة طيبة، لأن الله سيتولاه.
أيها الأخوة، سيدنا خالد أسلم متأخراً، فلما أسلم قال عليه الصلاة والسلام:

((عجبت لك يا خالد، أرى لك فكراً))
[ورد في الأثر]
لذلك ورد في الأثر:
(( أن أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ))
[ورد في الأثر]
فهذه أم عبد الله طمعت في إسلامه في حين أن زوجها كان يائساً من إسلامه لما يرى من غلظته وقوته وقسوته على المسلمين.
أي القلبين أقرب إلى الله:
أخوانا الكرام، بالمناسبة إن كان هناك مؤشر للإيمان ومؤشر للرحمة, اعلم علم اليقين أن المؤشرين يتحركان معاً، بقدر إيمانك وبقدر رحمتك، والله عز وجل يقول:
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾
( سورة الزمر الآية: 22 )
أبعد قلب عن الله القلب القاسي، وأقرب قلب إلى الله القلب الرحيم، وهل تصدقون أن بغياً من بني إسرائيل رأت كلباً يأكل الثرى من العطش فرقت له، وأدلت بخفها مع نطاقها وملئت خفها ماء فسقت الكلب؟ فشكر الله لها وغفر لها، لأنها رحمت هذا الكلب، بينما امرأة:
(( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من حشاش الأرض ))
[ متفق عليه, أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]
كيف نوفق بين هذين الحديثين ؟
أيها الأخوة، هناك ملمح آخر يجب أن يكون واضحًا عندكم، حينما جاء جبريل عليه السلام، وسأل سيد الأنام، قال: يا رسول الله! أتحب أن تكون نبياً ملكاً، أم نبياً عبداً؟ قال: بل نبياً عبداً أجوع يوما فأذكره، وأشبع يوماً فأشكره" كيف نوفق قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]
وبين قول النبي الكريم حينما سُئل أتحب أن تكون نبياً ملكاً, أم نبياً عبداً؟ التوفيق سهل، القوي بماله، أو القوي بعلمه، أو القوي بمنصبه أقدر على العمل الصالح من الضعيف والجاهل ومحدود الإمكانات، القوي أقدر والضعيف أقل قدرة، والغني أقدر والفقير أقل قدرة، والذي يحتل منصب رفيع أقدر من الذي لا يحتله، لأنه عنده قدرة في إحقاق الحق وإبطال الباطل.
إليكم الحكمة الربانية في توزيع الحظوظ في الدنيا بين البشر:
أيها الأخوة, هناك ملمح ينفعنا جميعاً، المئة قوي إذا امتحنهم الله بالقوة قد ينجح منهم 10 %، و100 غني لو امتحنوا بالغنى قد ينجح منهم 10 %, لكن الـ 100 ضعيف قد ينجح 90, والـ 100 فقير قد ينجح 90، فإذا كان الواحد إيمانه قوي جداً أنا أدعو له أن يكون قوياً بالمعنى المادي، لأن أعماله الصالحة كبيرة جداً، والله هناك أعمال صالحة كالجبال، والله بعض أغنياء المسلمين لهم أعمال كالجبال، ويحملون عبئا كبير جداً، أما إذا كان الإنسان ضعيفاً فهو أقرب إلى العبودية من القوي.
هناك مغامرة، إذا كنت قوياً قد لا تنجح، وإذا كنت غنياً قد لا تنجح، لذلك أجمل ما يقال في هذا المقام علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، لكن الرابعة أقوى شيء، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ أنت على دخل محدود، من طلاب المساجد، مستقيم، بيتك إسلامي، دخلك حلال، إنفاقك حلال، زوجتك محجبة، لا تقترف المعاصي، لو كان معك ألف مليون، أين تكون؟ لا نعرف، من يعرف ذلك؟ الله وحده، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:

(( إن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ))
[ورد في الأثر]
دعاء النبي لأحد العمرين دخل في طور الاستجابة الإلهية:
أيها الأخوة، لا زلنا مع سيدنا عمر، الله عز وجل استجاب لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم عمر، لكن عدة روايات لا ترقى إلى مستوى الصحة تتحدث عن سبب إسلام عمر، لكن أقواها أن هذا الخليفة الراشد يوم كان في الجاهلية يبدو أنه أصغى إلى تلاوة القرآن، وقد سمعها من سيد الأنام، والقرآن فيه روعة وبيان، وتصوير لمشاهد يوم القيامة، ووصف للجنة والنار، رقى قلبه.
أحياناً تلقي محاضرة، هذه المحاضرة تضيف إلى قناعتك بهذا الدين خمسة غرامات، ومحاضرة ثانية خمسة غرامات، تتنامى قناعتك إلى أن تصل إلى درجة الالتزام عندئذٍ تطبق، في البداية أنت لست قانعاً، كلما استمعت إلى درس، كلما فهمت آية، كلما وصلت إلى معنى حديث صحيح، كلما قرأت عن مشهد بطولي لأصحاب رسول الله، كلما اطلعت على آية في الإعجاز العلمي تتنامى قناعاتك، فإذا تنامت قناعتك, ما الذي يحصل؟ تدخل في طور آخر وهو التطبيق.
إن صح التمثيل: ميزان، كفة للقناعات، وكفة للشهوات، كفة الشهوات راجحة، لو أن الشهوات مثلناها بعشرة كيلو هذه المحاضرة خمس غرامات، الكفة راجحة، الشهوات راجحة، هذه المحاضرة خمسون غرامًا، هذه خمسمئة، إلى أن تتجمع القناعات إلى مستوى الشهوات، تدخل بالصراع، تحتار أفعل أو لا تفعل, عندك قناعات كثيرة، عندك قوى ضاغطة، أما إذا جاءت القناعات مئة كيلو، والشهوات عشرة كيلو دخلت في الأعماق,

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
[ورد في الأثر]
استجاب الله تعالى لدعوة رسول الله فأسلم عمر، وأعز الله به الإسلام والمسلمين.
ما هي الثمرة التي اقتطفها المسلمون من إسلام عمر:
1- أن المسلمين صلوا بالبيت العتيق:
أيها الأخوة, أول ثمرة من ثمرات إسلام عمر أن المسلمين صلوا بالبيت العتيق، ولم يكونوا يجرؤون أن يصلوا في هذا البيت إلا بعد أن أسلم عمر، وبعد أن أسلم حمزة امتنع الكفار عن إيذاء المسلمين،
(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))
[ أخرجه الترمذي في سننه]
سيدنا عبد الله بن مسعود, قال: " لقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلي بالبيت العتيق حتى أسلم عمر، وما زلنا أعزة منذ أسلم عمر "، إن إسلامه كان نصراً، وهو ما عناه حبر الأمة عبد الله بن عباس حينما خاطب عمر رضي الله عنه بعد حادثة طعنه، فقال له: فلما أسلمت يا أمير المؤمنين كان إسلامك عزاً، وأظهر بك الإسلام وأيده وقواه.
لذلك كن قوياً، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، وكن غنياً إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله، أما إذا كان طريق القوة سالكاً على حساب دينك فمرحباً بالضعف، وإذا كان طريق الغنى سالكاً على حساب دينك مرحباً بالفقر.
لذلك قالوا: فرق بين المداهنة والمداراة، المداهنة بذل الدين من أجل الدنيا، والمداراة بذل الدنيا من أجل الدين، والفرق كبير بينهما.

هل سلم عمر من أذى قريش ؟
أيها الأخوة, فما أن علم جميل بن معمر الجمحي بإسلام عمر حتى قام يجر رداءه، وعمر خلفه، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، ألا إن عمر قد صبأ، كان مصطلحًا لمن يسلم، وعمر خلفه، يقول: كذب والله، ولكنني أسلمت، وشهدت أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فساروا، حتى لقد سال بهم الوادي من كثرتهم يريدون قتله، لولا أن أجاره العاص بن وائل السهمي، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الفاروق، أي الذي فرق بين الحق والباطل.
سر الفرق بين هجرة النبي سراً وهجرة عمر جهراً ؟
أيها الأخوة, سيدنا عمر رضي الله عنه كان رجل مبدأ، وقد أنشئ متحف في بريطانيا سمي كهف العدالة، فيه أقوال هذا الخليفة العظيم، وأحكامه السديدة، سيدنا عمر هناك من يصفه بأنه عملاق الإسلام، وكان هذا الخليفة الراشد قوياً، لكن قد يتساءل بعضكم: كيف يهاجر جهاراً نهاراً، ويتحدى المشركين، بينما النبي عليه الصلاة والسلام يهاجر سراً متخفياً؟ النبي عليه الصلاة والسلام مشرع، وسيدنا عمر غير مشرع، لو أن النبي هاجر كهجرة عمر لعد اقتحام الأخطار واجباً، ولعد أخذ الحيطة حراماً, فهلكت أمة النبي من بعده، ولكن النبي مشرع، وسيدنا عمر وقف موقف شخصي.
إن شاء الله في درس قادم ننتقل إلى موضوع جديد موضوع الحصار الاقتصادي الذي ضربه المشركون حول المسلمين، والتاريخ يعيد نفسه.









والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:23 AM   #19


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( التاسع العاشر )

الموضوع : مقاطعة المشركين لرسول الله






الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . ما هو الأسلوب الذي يستخدمه أعداء الدين حينما يفشلون من النيل من أهل الحق ؟

أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، واليوم ننتقل إلى المقاطعة، ودخول المسلمين في شعب أبي طالب، وقبل أن أبدأ عن تفاصيل هذه المقاطعة يجب أن تعلموا علم اليقين أن الإنسان هو الإنسان في أي مكان وزمان، وأن المؤمن هو المؤمن، وأن الكافر هو الكافر، وأن أعداء الحق هم أعداء الحق، وأن التاريخ يعيد نفسه، ألا تُستخدم المقاطعة اليوم كإجراء كيدي من المسلمين؟.
المقاطعة أسلوب من الأساليب التي تدخل بين معركة الحق والباطل، والإنسان أيها الأخوة حينما يتوقع المتوقع لا يفاجأ، أنا أتمنى على كل أخ مؤمن أن يعلم علم اليقين أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، هكذا شاءها الله عز وجل، ليرقى المسلم إلى أعلى عليين، قال تعالى:
﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾
( سورة محمد الآية: 4 )
إليكم هذا المثال للتوضيح:
أضرب لكم بعض الأمثلة: لو أن إنساناً عنده مطعماً يبيع الخمر، وتاب إلى الله توبة نصوح، الذي يحصل أن الدخل لهذا المطعم يقلّ إلى العشر، أليس الله قادراً أن يجعل الدخل يتضاعف بعد التوبة؟ شيء بديهي، ولكن حكمة الله جل جلاله تقتضي أن يدفع هذا التائب ثمن قراره البطولي، ليكون هذا الثمن وسام شرف له يرقى به في أعلى عليين، هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
النتيجة التي يحصل عليها التائب بعد نجاحه في الامتحان الرباني:
أيها الأخوة, منع المشركون المسلمين من دخول بيت الله الحرام، وهذا المنع بالمنظور الاقتصادي هو حصار، هذا المنع يقلل العوائد، والآن السياحة في معظم بلاد العالم تعبد من دون الله من أجل السياحة نضحي بأخلاقنا، وبأعراضنا، وبقيمنا، وبمبادئنا، فالله عز وجل يقــول:
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
ما النتائج؟
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
أي فقراً, قال تعالى:

﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
وكأن هذه الآية تبين أن دفع الثمن لا بد منه، ولكن بعد ذلك حينما يعلم الله من هذا التائب الصدق والإصرار، وحينما يضحي هذا التائب بدخله الكبير إرضاء لربه العظيم، عندئذٍ يفتح الله عليه، ويعوض له هذه الخسارة، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ ﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
بعد حين، قال تعالى:
﴿ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
( سورة التوبة الآية: 28 )
عندئذٍ لك الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالإنسان هو الإنسان، والمؤمن هو المؤمن، والكافر هو الكافر، والمنافق هو المنافق، وملة الكفر واحدة .
ما هو السبب الذي دفع قريش إلى مقاطعة المسلمين ؟
لماذا كانت المقاطعة؟ ذلك لأن قريشاً حينما أرسلت وفداً إلى النجاشي, يطلب من النجاشي أن يعيد هؤلاء المهاجرين إلى قريش لينكلوا بهم، منعهم النجاشي، وحماهم، وأمّنهم في بلده، فأخفقوا، وحينما أسلم سيدنا الحمزة خفت حدة الإيذاء للمسلمين، وحينما أسلم سيدنا عمر بن الخطاب استطاع المسلمون أن يصلُّوا في بيت الله الحرام، وهم آمنون مطمئنون لذلك فكرت قريش بموضوع المقاطعة
الحديث الذي ورد بموضوع المقاطعة:
وقد ذكر البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد مكان خيف بني كنانة موضعاً تقاسمت فيه قريش؛ أي أقسمت على أن تناهض هذا الدين، وعلى أن تبقى على كفرها وشركها، وتحالفت على مقاطعة بني هاشم، بنو هاشم تعاطفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، هم أهله، فلما تعاطفت بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وسلم اتخذت قريش قراراً بمقاطعتهم جميعاً، إلا أنه لم تثبت رواية في تفاصيل حادثة مقاطعة قريش للمسلمين، وفي تفاصيل دخول المسلمين شعب أبي طالب، على الرغم من أن أصل الحادث ثابت، حدث المقاطعة ثابت، لكن التفاصيل التي وردت في كتب السيرة أسانيدها ضعيفة لم تثبت بعد، كما أن ذلك لا يعني عدم وقوع تفاصيل الحادث تاريخياً، الحادث حادث المقاطعة ثابت تاريخياً، والموضع التي تمت فيه قرارات المقاطعة ثابت أورده البخاري في صحيحه، لكن التفاصيل موجودة، إلا أن الأحاديث التي أوردتها لا ترقى إلى مستوى الصحة .
ولقد وردت الأخبار عن المقاطعة، ودخول المسلمين الشعب في مراسيل عروة بن الزبير، وتلاميذه الزهري، وأبي الأسود، أما عن تاريخ بداية الحصار فإنه وقع بعد إخفاق قريش في استعادة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كثروا، وعزوا بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقراراً، وأن النجاشي منع المسلمين وأمنهم، وأن الإسلام بدأ ينتشر في القبائل, هاجها الأمر، واشتد بلائها على المسلمين في مكة، وعزمت قريش على قتل النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكرت لكم من قبل أن عمير بن وهب, قال لصفوان: لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت، وقتلت محمداً، وأرحتكم منه، فقال له صفوان: أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، وأما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت، فامضِ بما أردت، فلذلك عمر بن وهب سقى سيفه سماً، وامتطى راحلته، وتوجه إلى المدينة المنورة ليقتل محمداً صلى الله عليه وسلم، وصل إلى المدينة رآه عمر، فقال: هذا عدو الله عمير جاء المدينة يريد شراً، وقيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دخل على النبي، وهو يقوده مقيداً، قال له عليه الصلاة والسلام: أطلقه يا عمر، قال عمر: هذا عدو الله جاء يريد شراً، قال: يا عمر أطلقه، فأطلقه، قال: ابتعد عنه، فابتعد عنه، قال: ادن مني يا عمير، فدنا منه، قال: اجلس، فجلس، قال: سلم علينا، فقال عمير: عمت صباحاً يا محمد، قال له: قل: السلام عليكم، قال: لست بعيد عهد بسلام الجاهلية، هذا سلامنا، قال له النبي الكريم: يا عمير، ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أفك ابني من الأسر، قال: وهذا السيف الذي على عاتقك؟ قال: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال: يا عمير، ألم تقل لصفوان: لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ وقف عمير، وقال: أشهد أنك رسول الله، لأن الذي قلته لصفوان كان بيني وبينه، ولا يعلمه أحد إلا الله، وأنت رسول الله، وأسلم .
أما صفوان بن أمية فكان يتوقع خبراً ساراً للمشركين، كان ينتظر على أبواب مكة يسأل الركبان عن خبر سار، وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر أن عمير بن وهب قد أسلم .

الشروط التي اشترطها مشركو قريش في المقاطعة بحق النبي وصحبه ومن انحاز معه من أقربائه:

أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام كان خبيراً بقلب العدو إلى صديق، بينما هناك أناس ببساطة بالغة يحولون أصدقائهم إلى أعداء، قلبه كبير، نفسه مشرقة، يأنس الإنسان به بل يأنس عدوه به .
الشيء الذي قد نفاجأ به أن قريشاً هاجها الأمر، واشتد بلاءها على المسلمين، وعزمت على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قرارها، فأجمع بنو عبد المطلب أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم، وأن يحموه، فدخلوا الشعب جميعاً مسلمهم وكافرهم، ولم يشذ عن ذلك إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد انحاز إلى كفار قريش وظاهرهم وأجمع مشركو قريش أمرهم، وائتمروا بينهم على ألا يجالسوا بني هاشم وبني عبد المطلب، وألا يخالطوهم، وألا يبيعوهم، وألا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا، حينما حوصرت بعض البلاد الإسلامية أقول لكم نتائج المحاصرة:
راتب أعلى رتبة في الجيش وصل لمستوى علبة من علب البيض، حينما تكون المحاصرة يكون بلاء كبير، اسألوا الله العافية، لذلك قال النبي الكريم:

(( لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة وما لي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
[أخرجه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ]
قريش قاطعت بني هاشم، وبني عبد المطلب، ليضغطوا عليهم كي يضغطوا على محمد صلى الله عليه وسلم، فيعود عن هذه الدعوة، بل كان شرطهم قاسياً جداً، هذه المقاطعة لا تنتهي حتى يسلموا محمداً ليقتلوه، هذا الثمن، وكتبوا بهذه المقاطعة صحيفة علقوها في جوف الكعبة المشرفة، في السنة السابعة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم تمت هذه المقاطعة .
ما هي الحكمة الربانية في خضوع النبي لهذه الابتلاءات ؟
أيها الأخوة, ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال:
(( لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة، وما لي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
[أخرجه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ]
وقد يسأل أحدكم: ما ذنب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المعصوم أن يذوق الخوف والأذى والجوع؟ الجواب: النبي قدوة لنا، قدوة لنا في السراء، وقدوة لنا في الضراء .
مثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم ذاق الفقر، كان إذا دخل البيت, يسأل:
(( أعندكم طعام؟ يقال له: لا، يقول: فإني صائم ))
[أخرجه مسلم عن عائشة في الصحيح]
النبي صلى الله عليه وسلم ذاق الغنى، عقب بعض الغزوات سأله أمير من أمراء العرب: لمن هذا الوادي من الغنم؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله، هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ذاق الفقر, فكان قدوة في الصبر، وذاق الغنى، فكان قدوة في العطاء، وذاق النبي النصر في فتح مكة، وقد كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره، فكان متواضعاً، وذاق القهر في الطائف، فقال: (( يا رب، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى ))
[ورد في الأثر]
ذاق موت الولد دمعت عيناه:
(( إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرْضِي رَبَّنا، وَإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ))
[أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنهما في الصحيح]
وذاق تطليق ابنتيه، وذاق أن يقول الناس عن زوجته الطاهرة: زانية، حديث الإفك فصبر، وذاق الهجرة، اقتلع من جذوره، وبعض أصحابه وصف له مكة في أيام الربيع، فدمعت عينه، وقال: لا تشوقنا يا أُصيل، لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
( سورة الأحزاب الآية: 21)
الفترة التي عاشها المسلمون ومن شايعهم في زمن الحصار:
أيها الأخوة، جزم بعض كتاب السيرة أن المقاطعة استمرت ثلاث سنين، صمد خلالها المسلمون، ومن شايعهم من بني هاشم، وبني عبد المطلب، واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع، ولم يكن يأتيهم من الأقوات إلا خُفية، يعني تهريباً، وكان ممن يصلهم حكيم بن خزام، وهشام بن عمر العامري، وزهير ابن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وزمعة بن الأسود، وأبو البحتري بن هشام، وكانت تربطهم ببني هاشم وبني عبد المطلب صِلات كثيرة، ما الذي حدث بعد هذه المقاطعة؟ اشتد البلاء .
بعد سنوات ثلاث من هذه المقاطعة تلاوم رجال من قريش، يعني لام بعضهم بعضاً على ما حدث، واجمعوا على نقل الصحيفة، وقد أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبقَ فيها سوى كلمات الشرك والظلم، وهكذا انتهت المقاطعة، وكان خروج المسلمين من الشعب السنة العاشرة من البعثة .
ما الحكمة الربانية من هذه الشدائد التي يمر بها المؤمن في الحياة الدنيا ؟
أيها الأخوة، كل محنة وراءها منحة من الله، وكل شِدةٍ وراءها شَدةٌ إلى الله، ومن سياسة ربنا جل جلاله أنه إذا امتحن المؤمن، ونجح في الامتحان فله بعد الامتحان مكافئة كبيرة .
حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف، وحينما بالغ أهل الطائف في إيقاع الأذى به، بل ضربوه، وسخروا منه، وكذبوه، ورفع يديه إلى السماء, وقال:

(( يا رب، إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ورد في الأثر]
ما الذي حدث بعد الطائف؟ الذي حدث كان الإسراء والمعراج، وقد بلغ النبي سدرة المنتهى، وقد أعلمه الله عز وجل أنه سيد ولد آدم، وأنه سيد الأنبياء والمرسلين .
دققوا في هذا الكلام، المؤمن الصادق المستقيم، إذا ابتلاه الله بابتلاء وصبر، بعد هذا الابتلاء منحة كبيرة، وإذا شدد الله عليه فصبر بعد هذه الشِدة شَدةٌ إلى الله عز وجل:

((عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنّ أَمْرَهُ كُلّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرّاءُ شَكَر َ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ المُؤْمِنِ))
[أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أبي يحيى صهيب بن سنان في الصحيح ]
بل إن هذه الشدائد التي تصيب المؤمن وردت في القرآن الكريم على أنها نعم باطنة، قال تعالى:
﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
( سورة لقمان الآية: 20 )
هل يبقى حال الدنيا على ما هي عليه ؟
أيها الأخوة، الطاعات والابتلاءات تنقضي, وتبقى ثمرتها، والدنيا بمباهجها وشهواتها تنقضي أيضاً، وتبقى تبعاتها، يعني الشر ينتهي، ويبقى أجر الصبر، والخير ينتهي، وتبقى تبعة التفلت، لذلك سأل ملك وزيره: أنبئني بحكمة إن كنت فرحاً أحزن، وإن كنت حزيناً أفرح، فقال له: كل حال يزول, قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾
( سورة النحل الآية: 127 )
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾
( سورة الإنسان الآية: 27 )
﴿وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾
( سورة الضحى الآية: 4)
﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
( سورة هود الآية: 49)
لما خرج قارون على قومه بزينته:
﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾
( سورة القصص الآية: 79-80 )
أخوتنا الكرام، شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان عجولاً، لأنه إذا اختار الآخرة اختار شيئاً بعد الموت، قاوم رغبته، وقاوم جبلته، ولهذا يرقى .
هل توانى النبي عن دعوته أثناء هذه المقاطعة الظالمة ؟
أيها الأخوة، وعلى الرغم من المقاطعة، وما أصاب المسلمين من جرائها من معاناة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن الدعوة، فقد كان يخرج في الموسم يلتقي من يقدم إلى مكة للحج، ويعرض عليهم الإسلام، كما كان يعرض ذلك على كل من يتصل به من مشركي قريش، فلإنسان المؤمن لا يغير ولا يبدل، هدفه ثابت، وقيمه ثابتة، وسلوكه ثابت، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
( سورة الأحزاب الآية: 23 )
ولكن بعض الناس في معركة الخندق, يقول: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، لذلك قال الله تعالى:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾
( سورة الأحزاب الآية: 10-12)
ثم يقول الله عز وجل:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾
( سورة الأحزاب الآية: 23 )
خاتمة الدرس:
المقاطعة هي موضوع هذا الدرس، وملة الكفر واحدة، والمقاطعة تتكرر من حين لآخر على بلاد المسلمين، فعلينا أن نصبر، وأن نحتسب، وأن نصطلح مع الله عز وجل، لأنه إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً، فقد اصطلح مع الله .






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
قديم 07-05-2018, 07:26 AM   #20


الصورة الرمزية السعيد
السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فقه السيرة النبوية



بسم الله الرحمن الرحيم

فقة السيرة النبوية

الدرس : ( العشرون )

الموضوع : عام الحزن


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. ما هو المنهج العلمي الذي يمكن أن نستنبطه من سيرة النبي ؟

أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا يخفى عن الأخوة الكرام أن العبرة من هذه الدروس أن نستنبط من فعل رسول الله e، ومن سيرته، ومن مواقفه القواعد الصحيحة في التعامل، بل إن الأحداث التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقعت وهي مقصودة لذاتها، وقعت ليقف النبي صلى الله عليه وسلم منها موقفاً كاملاً يعبر به عن سلوك يرضي الله عز وجل.
ذلك أن الحقيقة حينما يعبر عنها بالسلوك تكون أقوى في التأثير، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لها وجه آخر، وهو أن هناك مثالية حالمة، هناك من لا يلتفت إليها، يقول: ليست واقعية، فالنفس تبتعد عن المثالية الحالمة، وعن الواقعية المقيتة، ولكن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تجمع بين المثالية والواقعية بحق يمكن أن نسميها واقعية مثالية، أو مثالية واقعية، والناس لا يتعلمون بآذانهم فحسب، بل يتعلمون بعيونهم، ولعل موقف النبي صلى الله عليه وسلم الموقف العملي أبلغ في الدلالة على فهم النبي في كتاب الله من كلامه، الموقف العملي حدي، بينما الكلام يحتمل التأويل.
فرأيي في موضوع إذا كان كلامياً فكلامي يحتمل التأويل، بينما إذا كان رأيي في الموضوع سلوكياً، السلوك حدي، من هنا جاءت قيمة فقه السيرة النبوية، والنبي كما تعلمون صلى الله عليه وسلم مشرّع في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي صفاته، وألصق شيء في حياتنا من هذا الدين العظيم سيرة النبي عليه الصلاة والسلام.
ما معنى أن رسول الله أسوة حسنة لنا ؟
أيها الأخوة, نحن نتعلم من سيرة النبي الشيء الكثير، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
( سورة الأحزاب الآية: 21)
لأن الله جعله أسوة حسنة أذاقه كل شيء، أذاقه الفقر قالت عائشة رضي الله عنها:
(( دَخَلَ عَليّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً, فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإنّي صَائِم ))
[ أخرجه مسلم في الصحيح]
أذاقه الغنى،
((سأله رجل: لمن هذا الوادي من الغنم؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟! قال: لا، قال: أشهد أنك تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، أشهد أنك رسول الله ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
أذاقه القهر في الطائف، كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بإيذائه، فقال دعاءه المشهور:
(( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى ))
[ورد في الأثر]
أذاقه النصر في فتح مكة، فسألهم:
(( ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
[ورد في الأثر]
أذاقه موت الولد، فقال:
(( إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ))
[ أخرجه البُخَارِيُّ عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنهما في الصحيح]
أذاقه موت الزوجة، وأذاقه تطليق البنات، وأذاقه الهجرة، لأن الله سبحانه وتعالى أذاقه كل شيء وقف الموقف الكامل.
أخوتنا الكرام، حقيقة دقيقة جداً، ليست بطولتك ألا تصاب بمصيبة، ولكن البطولة أنه إذا أصابتك مصيبة أن تقف الموقف الكامل منها، فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نقف من هذه المصائب الموقف الكامل؟.
المصيبتان الكبيرتان اللتان دخلتا على النبي في السنة العاشرة من بعثته:

وننتقل في سيرته صلى الله عليه وسلم إلى حادثين مأساويين مؤلمين وقعا في السنة العاشرة، حتى سمى كتاب السيرة السنة العاشرة عام الحزن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فقد إنسانيين، الأول سنده من الداخل، والثاني سنده من الخارج، فَقَدَ خديجة زوجته الحبيبة، وفَقَدَ عمه أبا طالب الذي كان داعماً له في مكة.
فكانت مصيبة النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة بوفاة عمه أبي طالب، وزوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، في آخر السنة العاشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن غادر المسلمون، هذه بعد المقاطعة التي استمرت سنوات ثلاث، وكان أبو طالب يحوط النبي ويغضب له.


كل مقدر آت:
أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة للهجرة أصيب بمصيبتين كبيرتين، لكن يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم دائماً، حينما قال مرةً:
(( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا ))
[ أخرجه مسلم في الصحيح
الحقيقة الناصعة أن الله وحده حي وباق على الدوام، وأن كل حال يزول، وأن كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت, صدق القائل:
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
وإن كل ابن أنثى وإن طـالت سلامتـه يوماً على آلة حـــــدباء محمول
فإذا حملت إلى القبــــور جـنازة فاعلـــــــم أنك بعدها محمـول

أيها الأخوة الكرام، أنتم كمؤمنين حينما توطنون أنفسكم على أن هذه الدنيا دار ابتلاء، منزل ترح لا منزل فرح، إذا أيقنا أنها دار ابتلاء لا نفاجأ، هكذا.
المصائب التي تصيب المؤمن حتى ترفعه إلى بلوغ المقام:
1- مصيبة الدفع:
أيها الأخوة, المصائب التي تصيب المؤمنين، قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 155-157 )

مصائب المؤمنين مصائب دفع أو رفع، ضعفت همته، أفرغت صلاته من الخشوع، قرأ القرآن فلم يشعر بشيء، تأتيه شدة تحثه على مضاعفة جهده، تنعقد صلته بالله عز وجل، يكون قد قفز قفزة، قفز وتابع، فكلما ضعفت همته، وكلما بطأ سيره، وكلما لانت إرادته، تأتيه شدة تدفعه إلى الله عز وجل، تعزز مسيرته، تقوي إرادته، تسرع خطاه إلى الله عز وجل، هذه مصيبة الدفع، لذلك ورد في الأثر: " أن أوحى ربك إلى الدنيا أن تشدّدي، وتكدّري، وتضيقي على أوليائي حتى يحبوا لقائي "
أيها الأخوة، رجل كان شارداً عن الله شروداً كثيراً، أصيب بأزمة قلبية، ودخل في العناية المشددة، وألقي في رُوعه أنه سيموت، فناجى ربه، وقال: يا رب، لا أريد أن أقابلك عرياناً وبلا عمل صالح، أعطني مهلة كي أقابلك على عمل صالح، مد الله في عمره، التزم، درس، تعلم، جاء إلى مسجدنا، تأثر كثيراً، ندم كثيراً، بكى كثيراً، قال لي مرةً وأنا أناجي ربي قلت: يا رب، كل هذه السعادة التي منحتني إياها عقب هذا المرض العضال، لمَ لم ترسل لي هذا المرض قبل عشر سنوات؟ من شدة سعادته.
يد الله يد رحيمة، يد كريمة، يد معطاءة، يد الله تعمل في الخفاء، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، الحزانى في كنف الله، الحزانى معرضون إلى الرحمة، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزن خلاق، الحزن يصنع البطولات، يصنع الأمجاد، ولكن الرخاء، والغنى، والصحة, ماذا تفعلان بالإنسان؟ لا تفعل شيئاً.

2- مصيبة الرفع:
أيها الأخوة, هناك مصيبة أيضاً تصيب المؤمنين، اسمها مصيبة الرفع، له عند الله مقام لم يبلغ هذا المقام بعمله الصالح، عمله أقلّ من بلوغ هذا المقام، فساق الله له شدة، إن صبر عليها ارتقى إلى هذا المقام، والآية المتعلقة بالمؤمنين هي قوله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 155-157 )
المصائب التي تصيب الكفار والمشركين:

أيها الأخوة, أما الكفار والمشركون فمصائبهم نوعان:
1- مصائب ردع.
2- مصائب قصم.
إذا في المليون واحد فيه الخير فمصيبته ردع، وإن علم الله أنه لم ينتفع بهذه المصيبة, قال تعالى:

﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
( سورة هود الآية: 36 )
تأتي مصيبة القصم، يبطش الله به، للكفار والمشركين المصيبة مصيبة ردع إن كان ثمة بقية خير فيهم، أو قصم حتى ينتهي كلياً.
المصائب التي يبتلى بها الأنبياء:
أيها الأخوة, بقيت مصائب الأنبياء والمرسلين، هذه مصائب كشف، هؤلاء قمم البشر، ينطوون على كمال لا يظهر أبداً بالأحوال العادية.
إنسان يمشي على قدميه ليس في الشام، في الحجاز، درجة الحرارة 56، بلاد لا نبات فيها، جبال وصحارى، والحر لا يحتمل، في هذه البيئة القاسية الحارة مشى النبي على قدميه إلى الطائف، كم كيلو قطع؟ 80 كم، من هنا إلى النبك مشياً على القدمين، والجبال عالية، والطرق وعرة، وصل إليهم، ينتظر أن يؤمنوا به، ويدعموه، ويعززوا موقفه بعد موت عمه وزوجته، فما كان منهم إلا أن كفروا به، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم كي يضربوه، وألجئوه إلى حائط، ودعا ربه الدعاء المشهور، فقال:
(( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ورد في الأثر]
جاءه ملك الجبال، قال: يا محمد ـ الآن أعطي صلاحية الانتقام ـ لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين.
إذا استفز إنسان إنسانًا، وتمكن منه يسحقه، قال: لا، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده، ما تخلى عن قومه، ودعا لهم، واعتذر عنهم، ورجا لهم ذرية صالحة، هذا الموقف، هذه مصيبة أن تُكذب، وأن يُسخر منك، و تُضرب.
لكن مرةً خطر في بالي خاطر، لماذا سمح الله لهؤلاء الصبية أن يضربوا سيد الخلق e، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، ومن أقسم الله بعمره الثمين، ومن بلغ سدرة المنتهى في المقام الأعلى؟ لأن أية داعية إلى يوم القيامة لو أنه أوذي في طلب دعوته له في رسول الله e أسوة حسنة، جبر خاطر.
لماذا اتهمت السيدة عائشة في أعز ما تملك المرأة؟ لأن أية مؤمنة ليوم القيامة لو أنها اتهمت خطأ وظلماً وعدواناً وهي بريئة مما اتهمت به فلها في السيدة عائشة أسوة حسنة.
أيها الأخوة، هذه مصائب كشف للأنبياء والمرسلين.

المراحل التي يجتازها المؤمن أثناء التربية الإلهية حتى يحقق سعادته في الدنيا والآخرة:

أيها الأخوة, في حياة المؤمن مرحلة اسمها التأديب، ومرحلة اسمها الابتلاء، الطالب أجاب إجابة صحيحة، يقول له المدرس: متأكد؟ يقول: لا، أخطأت، لعله نقلها من صديقه أو سمعها منه, الآن يمتحن، الابتلاء ليس شرطاً أن يسبقه معصية، الابتلاء امتحان المصداقية، امتحان التأكد، فمرحلة يؤدب فيها المؤمن، ومرحلة يبتلى ويمتحن، وفي مرحلة يكرم، هذه المراحل تكون متمايزة أو متداخلة، لكن أطمئنكم أن حياة المؤمن إذا أدبه الله، واستقام على أمره، وإذا امتحنه ونجح في الامتحان لا تستقر ولا تستمر إلا على الإكرام، هذا معنى قوله تعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
هذا معنى قوله تعالى:
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
( سورة الرحمن الآية: 46 )
هذا معنى قول بعض العلماء: " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة "، هذا معنى قوله تعالى:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
( سورة الرعد الآية: 28 )
هذا معنى قول أحد العارفين:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لــــــغيرنـا
ولـــــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنـا
ولـــــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً في حبنـا
ولـــــو نسمت من قربنا لك نسمة لــــمت قتيلاً و اشتياقاً لقربنـا

إذاً: هذه المصائب، وتلك الإجراءات التي تقتضي سلامة المؤمن، وهي مرحلة التأديب، ومرحلة الامتحان، ومرحلة التكريم.
الدعوة البيانية:
أيها الأخوة، كتعليق دقيق جداً، ونحن في أمسّ الحاجة إلية، الله عز وجل كريم، لطيف، رحيم، في حديث قدسي يذوب القلب له، يقول ربنا جل جلاله فيما يرويه عنه النبي صلى الله عليه وسلم:
(( ما ترددت ـ الله لا يتردد ـ في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المسلم، يكره الموت، وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت ))
[ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في الصحيح ]
ربنا عز وجل قبل أن يقبض عبده المؤمن يكره مساءته، هكذا الحديث،
(( أكره مساءته ))
هو يكره الموت، (( وأنا أكره مساءته ))
إذاً: الله عز وجل قبل أن يسوق للإنسان المصيبة لا بد من أنها ضرورية جداً، فلذلك الله عز وجل يبدأ بالهدى البياني، وأنت صحيح معافى، تتمتع بحواسك الخمس، ولك بيت وأهل وزوجة، ولا تشكو من شيء، يسمعك موضوعاً إسلامياً، يبين لك خطيب المسجد، وأنت جالس حكماً شرعياً، أو موقفًا لصحابي كبير، هذا اسمه الهدى البياني، بيان فقط، مرتاح، خطبة، درس، كتاب, مقالة، ندوة، يبين الله لك الحقيقة، أكمل موقف هذا للهدى البياني أن تستجيب لله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

( سورة الأنفال الآية: 24 )
فإن لم تستجب أخضعك الله لإجراء آخر، التأديب التربوي:
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة السجدة الآية: 21 )
أكمل موقف في التأديب التربوي أن تتوب إلى الله، فإن لم تتب أخضعك الله لإجراء ثالث، الإكرام الاستدراجي, قال تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
فإن لم تعُدْ إلى الله جاء الإجراء الرابع الذي لا بد منه، وهو القصم، هكذا، فأسأل الله لي ولكم أن نكون في المرحلة الأولى، الهدى البياني.
العمل الصالح إن لم يسبقه إيمان بالله لا قيمة له:

أيها الأخوة, ولكن الشيء الذي أتمنى ألا أذكره أن أبا طالب رغم كل جهده في صون النبي e، وفي الدفاع عنه، وفي تعزيز مكانته لم يُسلِم، هذا المغزى خطير جداً، العمل الصالح إن لم يُبْنَ على الإيمان فلا قيمة له، وما من إنسان في أول البعثة قدم خدمة لسيد الأنام كعمه أبي طالب، ومع ذلك لم يُسلِم، وكان أبو طالب يحوط النبي صلى الله عليه وسلم، ويغضب له، وكان ينصره، وكانت قريش تحترمه، وقد جاء زعمائها حين حضرته الوفاة، فحرضوه على التمسك باللات والعزى، وعدم الدخول في الإسلام، وعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بإلحاح طالباً منه أن يتلفظ بالشهادتين ليشهد له بها يوم القيامة، وكان رد عمه عليه: لولا أن تعيرني بها قريش، يقولون: إنما حمله عليها الجزع، لأقررت بها عينك، رفض أن ينطق بالشهادة، ولا أحب أن أكمل، وهذه حكمة بالغة أنه ما مِن عمل إن لم يُبْن على إيمان بالله فهذا العمل يكون هباءً منثورا.
أيعقل أن يموت الإنسان من دون إيمان بالله، وهذا الكون كله ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله؟ أنزل الله عز وجل بعد هذه الحادثة:

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
( سورة القصص الآية: 56 )
فإذا كان منا مؤمن بخالق الأكوان فهو في نعمة كبيرة، هناك من لا يستطيع أن ينطق بالشهادة عند الموت، بل عند الموت يذكر الإنسان الشيء الذي كان مهتماً به في حياته، فالذي أمضى حياته في لعب النرد لا يذكر وقت مغادرة الدنيا إلا لعب النرد، والذي أمضى حياته في المعاصي والآثام لا يذكر إلا المعاصي والآثام.
إليكم هذه الروايات التي لا أصل لها في إسلام أبي طالب:
أيها الأخوة, هناك روايات تقول: أنه أسلم, هذه الروايات لا أصل لها، ليست موثقة، وليست صحيحة، فنحن لا علاقة لنا بذلك، الله عز وجل هو ربه، وهو يتولى أمره، ونحن نتألم ألماً شديداً، ونتمنى أن هذا الإنسان الذي أحاط الدعوة بكل طاقته، وأمدها بقوته، ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله يقبل منه هذا العمل الطيب، وتقييم العباد من شأن الله وحده
أما ما نقله ابن إسحاق من أن العباس نظر إلى أبي طالب يحرك شفتيه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال عليه الصلاة والسلام: لم أسمع، فهو خبر لم يصح.
ما معنى التألي على الله ؟
أيها الأخوة, لا نريد وهمًا مريحًا، نريد حقيقة مُرّة، الوهم المريح ما له قيمة، مثلاً: ما الذي يحدث الآن؟ يكون تاركًا للصلاة، ما توجه إلى القبلة في حياته، وماله حرام، وغارق بالمشروبات، يموت، يقول أهله: رأيناه في الرؤيا كبة نور، يرتدي ثيابًا بيضاء، هذا كلام لا يصح، أرح نفسك من تقييم الأشخاص، تقييم الأشخاص من شأن الله وحده، وأنت حينما تقيم تطاولت على الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أحد أصحابه، وقد توفاه الله، واسمه أبو السائب، فسمع امرأة, تقول: هنيئاً لك أبا السائب، لقد أكرمك الله، لو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً، فسألها: ومن أدراك أن الله أكرمه؟ قال: قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم، وهو سيد الخلق، هذا سماه العلماء: التألّي على الله, أن تقول: فلان من أهل الجنة، من أنت؟ قل: أرجو أن يكون من أهل الجنة، أو تقول: فلان في النار، من قال لك ذلك؟ إذا تاب قد يسبقك، فأن تحكم على العباد مستقبلاً هذا تألي على الله، وهذا تطاول على الذات الإلهية.
بل إن العلماء السابقين رحمهم الله تعالى إن كلفوا بتقييم إنسان, يقولون: نحسبه صالحاً، ولا نزكي على الله أحداً.
لما استخلف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب، وخوفه بعض الصحابة بأن عمر شديد على أصحابه، فقال الصديق: أتخوفونني بالله؟ والله لو أن الله سألني يوم القيامة: لمَ وليت عليهم عمر, لأقولن له: يا رب وليت عليهم أرحمهم، هذا علمي به، فإن بدل وغيّر فلا علم لي بالغيب.
مثلاً: الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، هذا الإنسان العظيم الذي ترك الإحياء، قال بعد أن مات، ورآه بعض تلاميذه في الرؤيا، وقد قيل له: يا إمام، ما فعل الله بك؟ قال: لم ينفعني عملي من شيء، له أعمال كالجبال، لكن الله غفر لي بذويبية, كائن متحرك، حجمه أقل من واحد على مئة بالميليمتر، نقطة سوداء تتحرك على الكتاب، هذه الذويبية, قال: وقفت ذويبية على كلمة كتبتها لتشرب من الحبر، فانتظرتها، فرحمني الله بها، هذا خلل في الدين، أعمال، ومؤلفات، وهجرة في سبيل الحق، حتى يقنعك أن الدين ليس بالعمل، أما الحقيقة: ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم, قال تعالى:

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
( سورة النحل الآية: 32 )
أي اقتسموا الجنة بأعمالكم، أما أصل دخولها فبرحمة الله.
المكانة التي تحتلها السيدة خديجة عند رسول الله:
أيها الأخوة, وقد فَقَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاة عمه سنداً كبيراً، إذ لم يعد بنو هاشم مستعدين لتقديم القدر نفسه من الحماية للنبي e لما يصيبهم من أضرار مادية ونفسية، كما تبين من المقاطعة، أما خديجة بنت خويلد فإنها امرأة عملاقة، إنها امرأة تعلم النساء جميعاً, كيف تكون الزوجة؟ لا تنسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة دعاه سادتها لبيت عندهم، قال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر، أما خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقد توفيت قبل الهجرة النبوية إلى المدينة بثلاث سنين، في عام وفاة أبي طالب نفسه، وكانت خديجة وزيرة صدق.
أخوانا الكرام، هناك ملمح في هذه المرأة لا يصدق، حينما جاءه الوحي، وجاء إلى البيت مضطرباً عليه الصلاة والسلام، ماذا قالت له؟ لم يأتِ الوحي بعد، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتطعم الجائع، وتكسو العاري، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتصل الرحم، وتعين نوائب الدهر، أنى لها هذه المعرفة؟ هذه الفطرة.
هل يمكن أن يتخلى الله عن عبده المؤمن المنضبط عند حدود شرعه ؟
أيها الأخوة: أي شاب مؤمن، مستقيم, يجب أن يتفاءل مهما تكون الظروف صعبة, قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
( سورة السجدة الآية: 18)
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾
( سورة القلم الآية: 35-36 )
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
( سورة الجاثية الآية: 21 )
أيها الأخوة, مستحيل، وألف ألف ألفِ مستحيل أن يعامل المستقيم كالمنحرف، والصادق كالكاذب، والأمين كالخائن، والمنصف كالجاحد، وأن يستوي هؤلاء مع هؤلاء، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب ـ دققوا فيما سأقول ـ بل يتناقض مع وجو د الله، بأي زمان كنت، بأي مكان، بأي ظرف صعب، بأي حالة اضطراب، لك معاملة خاصة, قال تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 88 )

يا معاذ،

(( سأل النبي معاذ بن جبل، وكان رديفه على الدابة، ما حق الله على عباده؟ فقال: الله ورسول أعلم، فأعاد عليه السؤال ثانية، يا معاذ، ما حق الله على عباده؟ قال: الله ورسول أعلم، ثم سأله ثالثة، ما حق الله على عباده؟ فقال عليه الصلاة والسلام: حق الله على عباده أن يعبدوه، وألا يشركوا به شيئاً، ثم سأله يا معاذ ـ الآن دققوا ـ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ قال: الله ورسول أعلم، سأله ثانية، وثالثة، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
اطمئنوا، أنت إذا عبدت الله أنشأ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 88 )
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الروم الآية: 47)
خاتمة الدرس:
أيها الأخوة الكرام، ننتقل في درس قادم إن شاء الله إلى رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهذا العام هو عام الحزن، لأن النبي فقد سنده من الداخل، وفقد سنده من الخارج، فسماه علماء السيرة عام الحزن، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الشجرة, النبوية, فقه


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيرة الذاتية لعلماء الاسلام السعيد ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية 63 11-05-2018 02:41 PM
المسجد الأقصى في السيرة النبوية قتيبه العاشق رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 7 06-09-2016 08:12 AM
في ظلال السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 3 05-09-2016 10:10 PM
من خصائص السيرة النبوية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 5 07-14-2014 05:10 AM
السيرة النبوية ربانية ووسطية منال نور الهدى رِيَاض نَسَائِم عِطْرُ النُبُوَّة 4 02-07-2014 10:34 PM


الساعة الآن 06:05 AM