حفظ البيانات .. ؟ هل نسيت كلمة السر .. ؟

شغل الموسيقى هنا




اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسَلامة والإسلَام، والعَافِية المُجَلّلة، ودِفَاع الأَسْقَام، والعَون عَلى الصَلاة والصِيام وتِلاوَة القُرآن..اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا، وقَبِلْتَهُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إنّكَ عَفُوُّ كَرِيم تُحِبُّ الْعَفْوَ فَأعْفُ عَنَّا يَاكرِيم . كُلّ عَامٍ وَ أنتُم بِأَلْفِ خيْرِ وَ صِحَة وَعَافِيَة بِحُلُول شَهر التَوبَة وَ المَغْفِرَة شَهْرُ رَمَضان الْمُبَارَك كَلِمةُ الإِدَارَة


جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي

رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي ( الاعجاز العلمي و البياني وتفسير الآيات والعلوم القرآنية)

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 03-20-2018, 12:38 PM   #241


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة النمل (27)


الدرس العاشر




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: الآيات الأخيرة من سورة النَّمل لها مِحْوَر ؛ كيف أنَّ المسْبَحة أو السُّبْحة فيها حبَّات وفيها خيْط وهذا الخيط لا يُرى ولكن دليل وُجودِهِ ترابُط هذه الحبَّات، فنحن الآن أمام مجموعة آيات، وهناك مِحْوَرٌ يَجْمَعُ بينها جميعِها، ما هذا المِحْوَر ؟ قال تعالى:

﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) ﴾

(سورة النمل )
خلقَ السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً، وأنْبَتَ بِهذا الماء حدائِقَ ذاتَ بَهْجَة لا يسْتطيعُ البشر جميعًا ولو اجْتَمَعوا أن يُنْبِتوا قَمْحًا ولا زرْعًا.
قال تعالى:

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

(سورة النمل )
جعلها تدور بهذه السُّرْعَةَ حوْل نفْسِها، وحَوْل الشَّمْس، ومع دورانِها مُسْتَقِرَّة، ومدارُها إهليلجي ولها قطر طويل وآخر قصير، ومن جعلها تزيدُ من سُرْعَتِها ؟ لينشأ من سرعَتِها قُوَّة نابِذَة تُكافِؤُ القوَّة الجاذِبَية ومنْ جَعَلها تُخَفِّضُ من سُرعَتِها ؟ كي تَقِلَّ قُوَّتِها النابِذة لأنْ لا تتفلَّت مِن مسارِها حَوْل الشَّمْس؟ ومن جَعَل تسارُعها بطيئًا ؟ ومَن جَعَل التباطؤ بطيئًا ؟ ومن جَعَل الأشياء مُسْتَقِرَّة على الأرض ؟ قال تعالى:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)﴾

(سورة النمل )
هذه الآيات كُلُّها فيها مِحْوَر، وهذا المِحْوَر أنَّ الإنسان خُلِقَ ضعيفًا، ولم يطْمَئِنّ إلا إذا ركَنَ إلى قُوَّة، قال تعالى:

﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)﴾

[ سورة المعارج ]
والإنسان خُلِقَ عَجُولاً، لا يُسَكِّن روْعَتَهُ، ولا يُطَمْئِنُ خَوْفَهُ، ولا يقضي حاجَتَهُ إلا أن يلْجأ إلى رُكْنٍ وثيق، لذا أنت شئْتَ أم أبَيْتَ فلا بدّ مِن أن تعْبُدَ قُوَّةً، والعبادة لا بدّ منها، وأنت إما أن تكون عَبْدًا لله تعالى، وإما أن تكون عَبْدًا لِعَبْدٍ لله تعالى ‍! بُنْيَتُكَ ضعيفَة، وخلقَ الإنسان هلوعًا، فهذا الضَّعْف الخَلْقي ليس عَيْبًا فيك بل هو لِصالِحِك تمامًا الأجْهِزَة الغالِيَة جدًّا فيها وصْل ضعيف يُسَمَّونهُ فيوز فإذا جاء التَّيار قَوِيًّا أتْلَفَ هذا الوَصْل وحُفِظَ الجِهاز، فهذه النُّقْطَةَ الضَّعيفة في الجِهاز هي لِصالِحِ الجِهاز، ضمانًا لِسَلامَتِهِ، فالإنسانُ خُلِقَ ضعيفًا لِيَفْتَقِرَ بِضَعْفِهِ فيَسْعَدَ بافْتِقارِهِ، وله خُلِقَ قَوِيًّا لاسْتَغني بِقُوَّتِهِ، ولَشَقِيَ بها ! فالبُنْيَة أنَّك ضعيف وتخاف من أدْنى خطَر، وينْخَلِعُ القلب لأدْنى مُصيبَة ويتوقَّعُ الإنسان كُلّ شيء، فهذا الضَّعْف الخَلقي، وهذا الخوف، وهذا الجَزَع، وهذه العَجَلَة لا بدّ مِن أن تَدْفَعَك لِتَعْبُدَ إلهًا قَوِيًّا فالإنسان متى يطْمَئِنّ ؟ إذا عرَفَ أنَّ هناك قُوَّةً تَحْميهِ، فهذا على مُسْتوى الدنيا تجد من يُصاحِب القَوِيّ يَطْمَئِنّ، ويشْعر أنّ ما مِن واحِدٍ يتعدَّى عليه، يُخَبِّر ذاك القويّ ‍‍!! لكِنَّك إذا شَعَرْتَ أنَّ الذي خَلَق السماوات والأرض مَعَك، ولا يتخلَّى عنك، ويُدافِعُ عنك ويرْزُقُك مِن حيث لا تَحْتَسِب، ويُوَفِّقُكَ وينْصُرُك، ويُؤَيِّدُكَ، فأكبر قُوَّة بالكون هو الله عز وجل، فَمحْوَر الآيات أنَّ الإنسان خُلِقَ ضعيفًا، لِيَفْتَقِرَ بِضَعْفِهِ فَيَسْعَدَ بافْتِقارِه، مادام ضعيفًا وهلوعًا فلا بدّ له مِن قُوَّةٍ يرْكَنُ إليها والغَلَط أن ترْكَنَ لِغَيْر الله تعالى فهذا هو مِحْوَر الآيات.
فأنت أيها الإنسان أَتَعْبُدُ إلهًا خلق السماوات والأرض وأنْزَلَ مِن السماء ماءً فأنْبَتَ به حدائِق ذات بَهْجَة، هل تَعْبُدُ من هو دونهُ ؟ ! قال تعالى:

﴿أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)﴾

(سورة النمل )
ثُمَّ هذه الأرض مَن يُسَيِّرُها حوْل الشَّمس، وحول نفْسِها؟ ومَن جعَلَ الأشياء تَسْتَقِرُّ عليها ؟ اُعْبُد هذا الإله العظيم، قال تعالى:

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾

(سورة النمل )
لذا أَنْ تَعْبُدَ قُوَّةً منيعَةً فهذا شيءٌ في أصْل فِطْرَتِك، ولاحِظ أنَّ الإنسان إن لم يُؤْمِن بالله تعالى تَجِدُه يلْجأ إلى إنسانٍ قَوِيّ ! ينْطَوي تحت لِوائِهِ وأُناسٌ كثيرون يلجئون إلى القِوَى البَشَرِيَّة حتَّى يطمئِنُّوا، فأنت بِحاجَة إلى قَوِيٍّ يَدْعَمُكَ، وإلى من يَحْميك، إلى مَن يُغَطِّيك، وإلى قُوَّة إن اسْتَنْجَدْتَ بها نجَّتْك، فالغَلْطَة الكبيرة أنَّ جِهَةً غير الله تعالى يُمْكِنُ أنْ تَحْميكَ، وأن تُسْعِدَكَ، وأن تُجيبَكَ وأنت مُضطَر، وأنَّ جِهَةً غير الله يُمكِنُ أن ترْزقكَ، قبيلَةٌ صنَعَت صَنَمًا مِن تمْرٍ فلمَّا جاعَتْ أكَلَتْهُ !! أتأكُل إلهَكَ ؟!! فالآن بِشَرْق آسيا بوذَا إلهٌ، وله معابِد ضَخْمة ليأكُلَها في الليل، ويأكلها الكَهَنة.
فيا أيها الإخوة، هذه الآيات دقيقة، فأنت أيها الإنسان ضعيف ولا بدَّ لك مِن قُوَّة كي تَحْميكَ، وأن تُسْعِدَكَ، وأن تُذيبَكَ وأنت مُضطَر فالبُطولة الحقيقيَّة أن تعرِفَ القوَّة الحقيقيَّة، مَن تعبُد ؟ قال تعالى:

﴿أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) ﴾

(سورة النمل )
الله تعالى الذي خلَقَ السماوات والأرض هو الذي تَعْبُدُه فإذا كانت المجرَّة التي اكْتُشِفَت قبل أسبوعَين بُعْدُها عن الأرض ثلاثمائة ألف بليون سنة ضَوْئِيَّة، والأربَع سنوات ضَوْئِيَّة لو أردْتَ أن تصل إليها بِمَرْكَبَةٍ لاحْتَجْتَ إلى خمسين مليون عام ! وقبل أسبوعَيْن أرْسَلوا مرْكَبَةً إلى المُشْتري وبَقِيَتْ تنطلِق في الفضاء خمْس سنوات بِسُرْعة خمسين ألف ميل بالساعة، وعلى هذه المَرْكَبة مَرْصَد عِمْلاق قُطْرُ عَدسَتِهِ ثمانِيَة أمتار، والْتَقَط قبل أسبوعَين أو ثلاثة هذه المجرَّة، قال تعالى:

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾

(سورة النمل )
الذي ينبغي أن تعبُده لا بدّ أن يكون خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماءً، فلو لم يُنْزِل الله تعالى الماء لانْتَهى كُلّ شيء، تأتي أحْيانًا سنوات عِجاف تتراجَعُ فيها المحاصيل، وتغور الآبار، فمرَّةً أنْتَجَ قُطْرنا ثلاثة ملايين طنّ قَمْح، ونحن حاجَتُنا مليون طنّ والمليونَيْن هو مِن الفائِض، ومرَّةً أنْتَجْنا مائة وستّة وسبعون ألف طنّ فاسْتَوْرَدْنا بِمَبْلَغٍ فلَكي قمْحًا لِنَأْكُلَهُ، لذا الذي ينبغي أن تعبُدهُ أن يكون هو الرَّزاق ذو القوَّة المتين، والذي ينبغي أن تعْبُدَه أنْبَتَ لك النبات المحاصيل والشَّجَر، والذي ينبغي أن تعْبُدَه جعل الأرض مُسْتَقِرَّة وكلّ ما عليها مُسْتَقِرًّا، وجعل الأنهار مِن أجل حياتِك، والذي ينبغي أن تعْبُدَه أرْسى هذه الجِبال الشَّوامِخ، والذي ينبغي أن تعْبُدَه جَعَل بين البحرين حاجِزًا، والذي ينبغي أن تعْبُدَه يسْتجيبُ لِدُعائِكَ وأنت مُضْطَرّ والذي ينبغي أن تعْبُدَه يَجْعَلُكَ خليفَةً له في الأرض، والذي ينبغي أن تعْبُدَه يَهْديك في ظُلمات البرّ والبحر، والذي ينبغي أن تعْبُدَه يُحَرِّك هذه الرِّياح فَتَسوقُ السَّحاب، والذي ينبغي أن تعْبُدَه بدأ الخلْق وسَيُعيدُ الخلق ؛ فهذه هي صِفات الخالق الذي يجب أن تعبُدَهُ من أجلها، أما أنْ تَعْبُدَ مَخْلوقًا ضعيفًا سَبَقهُ عَدَم وسيَنْتهي إلى عَدَم لا يمْلِكُ لِنَفْسِهِ نفْعًل ولا ضَرًّا، فالذي يُعَلِّق الآمال على مَخلوقٍ مِثْلهُ، ويَعْتَقِد أنَّ هذا المخلوق ينفَعُهُ ويضُرُّه، وأنّهُ يسْمَعُهُ إن دعاهُ، وقَعَ في وَهْمٍ كبير، فالآيات تُريد أن تنْهانا عن الشِّرْك، والمِحْوَر لهذه الآيات ؛ أنَّك إنسانٌ ضعيف وقد خُلِقْتَ ضعيفًا لِصالِحِ إيمانِك مِن أجل أن تلجأ إلى الله، فإذا الْتَجَأت إلى ما سِواه فقد وَقَعْتَ في وَهْمٍ كبير، وشرِّ كبير، فلو فرضْنا أنَّ أحدهم ذاهِبٌ إلى حلب ليأخذ مبلغًا، فهذا قد يرْتكب عِدَّة أخطاء، فقد يجلس في غير المكان الذي دفَعَ من أجله، ويجلس في اتِّجاهٍ مُعاكِس وغيرها من الأخطاء ولكنَّه لا يُمكن أن يرتكِبَ خطأً واحِدًا، وهو أن يتَّجِهَ إلى درْعا، فهذا معنى قول الله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا(48)﴾

[ سورة النساء ]
فإذا كنتَ مُتَوَجِّها إلى الله فَكُلُّ شيءٍ ينْحَلّ، أما إن كُنْتَ مُتَوَجِّها إلى غير الله، فهذا هو الشِّرْكَ الذي لا يُغْفَر، وهذا هو السَّراب، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)﴾

[ سورة النور ]
فَالذي يُشْرك، كَمَن هو في الصَّحراء،يظنّ أنَّه رأى الماء فإذا ذَهَب لم يَجِد شيئًا.
هذه الآيات من أجل التوحيد والشِّرْك، وأنت في أصل بُنْيَتِك تحتاج إلى قوَّة تلجأ إليها، فإن لم تعرف الخالق لجأتَ إلى المخلوق الذي لا ينفعُ ولا يضرّ.
فَمُلَخَّص الموضوع، يجب أن تعرِف على مَن تعتَمِد، إلى من تلجأ، ومَنْهجُ مَن تتَّبِع، والقرآن كلُّها على التَّوحيد، وما تعلَّمَت العبيد أفضل من التَّوحيد.






والحمد لله رب العالمين





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-20-2018, 12:40 PM   #242


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة النمل (27)


الدرس الحادى عشر




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، وفي نِهاية سورة النَّمل آياتٌ كثيرة تُعَدُّ تعْقيبًا وتلْخيصًا لِفَحْوى السورة ومَضْمونِها.
فالله سبحانه وتعالى يقول:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)﴾

[ سورة النمل ]
ألَمْ يسْأل أحدكم هذا السُّؤال: لماذا أكْثَرَ الله في كتابِهِ الكريم الحديث عن بني إسرائيل ؟ وما علاقتنا بِهِم ؟ بعضهم أجاب الإجابة التالِيَة: قال إنّ الأمراض التي وَقَعوا فيها، وأصابَتْهُم هي أمْراضٌ يُمْكِن أن تُصيبنا نحن المسلمين، فالذين جاءهم الكتاب وطال عليهم الأمَدَ، وقَسَتْ قلوبهم، وقالوا سمعنا وعَصَيْنا، قال تعالى:

﴿ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)﴾

[ سورة المائدة ]
هذه أمراض وبيلة وقَع فيها بنو إسرائيل، سيِّدنا سعد بن أبي وقاص لما سأل النبي أصحابه قُبَيل معركة أحد: ماذا نفعل ؟ فقال: لعَّلك تظنُّنا يا رسول الله تُريدُنا ؟ فقال: نعم، والله يا رسول الله لقد آمنَّا بك وصدَّقْناك، وشَهِدنا أنَّ ما جئتَ به الحق، وأعْطَيناك على ذلك عُهودَنا ومواثِقَنا، يا رسول الله ؛ لو خُضتَ بنا هذا البَحْر لَخُضْناهُ مَعَك، وما تخلَّفَ مِنَّا رجلٌ واحِد، ولا نقول لك كما قال بنوا إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا ههنا قاعدون وإنَّما إنَّا معك مُقاتِلون، صِلْ حِبالَ مَن شِئْتَ واقْطَعْ حِبال مَن شِئْتَ وسالِمْ مَنْ شئْتَ، وعادي مَن شِئْتَ، وخُذْ مِن أموالنا ما شئتَ، ودَع ما شئْت، فوَ الذي بعَثَك بالحق للَّذي تأخذهُ مِنَّا أحَبُّ إلينا مِمَّا تَدَعُهُ لنا هذا موقف الصحابة الكرام، فالإنسان أحيانا يكون مِمَّن بلغَتْهُ رِسالة النبي عليه الصلاة والسلام، يَنْغَمِسُ في الدنيا، ويَقْسو قلْبُهُ، يُقَصِّر في عباداتِهِ، يَبْخَلُ بِمالهِ ووقْتِهِ وجُهْدِهِ، لا يُقَدِّمُ شيئًا للمسلمين، فهذا قد أصابَتْهُ أمراض بني إسرائيل، قال تعالى:

﴿ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(93)﴾

[ سورة البقرة ]
ولما طلب الله منهم الإنفاق قالوا:

﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(181)﴾

[ سورة آل عمران ]
قال تعالى:
﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾

[ سورة المائدة ]
فلذلك الإنسان إذا جاءَتْهُ رِسالة وانْكَبَّ على الدنيا مُرشَّحٌ كي يُصاب بِأمْراض وبيلة مُهْلِكَةٍ خطيرة ماحِقَة كالتي أصابَت بني إسرائيل ولعلّ في الأُسلوب الحكيم أنّ الله تعالى حدَّثَنا عن بني إسرائيل، وعنانا بهذا الحديث، فالله مثلاً قال:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)﴾

[ سورة المائدة ]
قِسْ عليه كتاب الله، فلو أنَّنا أقَمنا كتاب الله لأكلْنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، وقال تعالى:
﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)﴾

[ سورة الجن ]
وقال تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾

[ سورة الأعراف ]
قال تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13)﴾

[ سورة نوح ]
فالإنسان إذا قرأ القرآن ومرَّ في قِراءَتِهِ على بني إسرائيل، وكيف عامَلوا نبيَّهُم موسى، وكيف صَنَعوا عِجْلاً جسَدًا له خُوار، كما قال تعالى:

﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ(88)﴾

[ سورة طه ]
وكيف تَخَلَّوا عن نبِيِّهم الكريم وبَخِلوا بِمالِهِم، وحرصوا على الدنيا قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(94)﴾

[ سورة البقرة ]
وقال تعالى:

﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(6)﴾

[ سورة الجمعة ]
فالإنسان إذا قرأ ما أوْرَدَهُ الله عن بني إسرائيل يجب أن يَعُدَّ هذا الخِطاب له لكنَّ الله جاء بِأُسْلوب تَرْبَوي حكيم، فالأب أحْيانًا لِحِكْمَة بالِغَة يتحدَّث عن شاب ابنُ صديقِهِ، وكيف انْحَرَفَ عن منْهَجِ الله وكيف أصابَهُ ما أصابَهُ، ويُسْمِعُ ابْنَهُ هذا الكلام، فلو أنَّهُ خاطَب ابْنَهُ هذا بالكلام مُباشَرَةً لما قَبِلَهُ ابْنُهُ، ولعَّلهُ يُناقِش، ويُحاوِر، ويُكابِر أما إذا حدَّثْتَ عن إنسانٍ آخر ما أصابَهُ، وما أحَلَّ به، فهذا الكلام أقْرَبُ في نفْسِهِ، وأيْسَرُ في الدخول إلى قلبِهِ، فحينما نقرأ عن بني إسرائيل في كتاب الله فهذا أُسلوب حكيم أراد الله أن يُطْلِعَنا الله عن أمراضٍ وبيلةٍ مُهْلِكَةٍ أصابَتْ هؤلاء القوم، فيا أيها المُسْلِمون اِحْذَروا أن تُصيبَكُم أمراض بني إسرائيل، مُنِعوا من صَيْد السَّمك يوم السَّبْت فصَنَعوا بُحَيْراتٍ على شاطئ البِحار، واسْتَقْبَلوا الحيتان يوم الجُمُعَة وأغْلَقوها يوم السَّبت واصْطادوها يوم الأحد، أَلَيْسَتْ هذه حيلَةً شَرْعِيَّة أليْسَ هناك مُسْلِمون كُثُر يفْعَلون الحِيَل الشَّرْعِيَّة، وكأنَّ الله غافل عنهم لقد ضَعُفَ الدِّين في حياة الناس، فالحِيَل الشَّرْعِيَّة دليل ضَعْف الإيمان لذلك إذا قرأْتُم عن بني إسرائيل تَرَوْنَ العَجَب العُجاب ؛ الحِيَل الشَّرْعِيَّة والبُخْل، والانْغِماس في الدنيا، وعبدوا الذَّهَب من دون الله، وجعلوهُ إلهًا، فالذي يُعَدُّ دينُهُ ودَيْدَنُهُ الدِّرْهَم والدِّينار، ويبْخل بِمالِهِ ؛ هذا أصابَتْهُ أمراض بني إسرائيل، فإذا حدَّثنا ربُّنا عن بني إسرائيل فالحديث على طريقة: إيَّاك أعْني واسْمَعي يا جارة !
قال تعالى:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)﴾

[ سورة النمل ]
ما الفرق بين الهُدَى والرَّحْمة ؟ الهُدى أن يَمْشي إنسانٌ في طريق مُظْلِم وطريق مملوء بالحُفَر والحشرات والأفاعي وصُخور وعَقَبات، فإذا كان الظلام دامِسًا أُصيبَ بِحاجِزٍ ووقَعَ في حُفْرة، أو صدَمَتْهُ صَخْرة لدَغَتْهُ حيَّة، فالهُدى أن تَحْمِلَ مِصْباحًا كشَّافًا، وبه ترى كُلّ شيء فالقرآن هُدَى ترى به كُلّ شيء ونورٌ مِن الله، قال تعالى:

﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15)﴾

[ سورة المائدة ]
أما الرَّحمة فهو إن طبَّقْتَهُ جاءَتْكَ الرَّحَمات من الله عز وجل، فَكِتابُ ربِّنا هُدًى ورحمةً، تسْتنير به، وإذا طبَّقْتَهُ تَسْعَدُ به، والرَّحْمة السعادة والطُّمأنينة والسلام، والهُدى البصيرة، فأنت ترى وتسْعد،:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)﴾

[ سورة النمل ]
فإذا كان المسلمون مختلفون، شِيَعًا وفِرَقًا وأحْزابًا، وطوائِفًا وتَصَوُّرًا وسَلَفِيَّة وتصَوُّف، والرِّفاعِيَّة، فنحن إذا اخْتَلَفْنا وتفرَّقْنا فالله يحْكم بيننا، فالسعيد مَن كان على منهج الله ومنهج رسولِهِ، لا أن يكون مع المتفرِّقين، الله تعالى يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(159)﴾

[ سورة الأنعام ]
فَكُلُّ إنسانٍ ينْطوي على إخلاصٍ شديد يَحْرَصُ على وَحْدة المسلمين وأن تذوب الفُروق بينهم، ويحْرص على أن يتعاوَنوا فيما اتَّفَقوا، وأن يتسامَحوا فيما اخْتلفوا، يقول الإمام الشافعي: أنا على حق، وخَصْمي على باطل، وقد أكون مُخْطئًا، وخصْمي على باطل وأنا على حق وقد يكون مُصيبًا، اِجْعَل عَقْلَكَ مَفْتوحا وتفهَّم رأْيَ الطَّرَف الآخر، لذا لا تعْتقد أنَّك الوحيد على الحق والناس كُلُّهم على ضلال، فالعَقْل المفتوح والقدرة على المُحَاوَرة، والفَهْم والتَّفَهُّم هذا مِمَّا يجْمَعُ شَمْل المُسْلِمين ولا يُفَرِّقهم، فالله تعالى قال:

﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)﴾

[ سورة النمل ]
فالإله الذي تَعْبُدُه إذا كان لا يَحْميكَ مِن خُصومِكَ فلا معنى لِعِبادَتِهِ فالله عز وجل قال:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

[ سورة هود ]
أنت حينما تتوكَّل على الله فإنَّك تتوكَّل على القويّ والعليم والحكيم والكريم والعزيز، قال تعالى:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(13)﴾

[ سورة التغابن ]
فأنت إما أن تكون مُتَوَكِّلاً، وإما أن تكون غير مؤمن، قال تعالى:

﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)﴾

[ سورة المائدة ]
يعني علامة إيمانكم تَوَكُّلُكم على الله، والتَّوَكُّل مَتى يكون ؟ مع الخطر الداهِم، فالخَطر مَقْصود من الله عز وجل، فالإنسانُ تُساق له بعض الأخطار لِيُرَى تَوَكُّلُه، والإنسان يقول حينما تُحدق به الأخطار: يا رب ليْسَ لي سِواك، وحَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيل، وهذه مِن الأذْكار فالإنسان إذا كان على حق، ودَخْلُهُ حلال، وجَوَارِحُهُ مَضْبوطَة، وكذا بيتُهُ وعملُهُ، فإذا كان لهُ أعْداء وخُصوم فلا ينبغي أن يَخْضَعَ لهم ويذِلَّ أمامهم، قال تعالى:

﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾

[ سورة النمل ]
ولكنَّ الإنسان المقبور ِبشَهَواتِهِ ؛ هذا إنسانٌ ميِّت، قال تعالى:

﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾

[ سورة الروم ]
الموتى هنا المُنْغَمِسون في الشَّهوات، وقال تعالى:

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾

[ سورة النحل ]
وقال تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

[ سورة الأنفال ]
يعني أنَّكم كُنتم أمواتا، والإنسان قبل التَّوبة هو من الأموات، وقبل أن يعرف الله، ويتَّصِل به، وقبل أن يصْطَلِحَ معه، ويتعرَّف إلى منْهَجِهِ يقول سيِّدنا عليّ رضي الله عنه: يا بُنيّ ماتَ خُزَّانُ المال وهم أحْياء، والعلماء باقون ما بَقِيَ الدَّهْر، أعْيانُهُم مَفْقودَة، وأمْثالهم في القلوب مَوْجودَة، والعِلْم خيرٌ مِن المال ؛ لأنّ العِلْمَ يَحْرسك، وأنت تحْرس المال، والمال تنْقصُه النَّفقَة، والعلم يزْكو على الإنفاق، لذلك قال تعالى:

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾

[ سورة الروم ]
وهذه الآية فيها إعْجاز عِلْمي، فالأصَمّ ينْمو له ذكاءٌ خارِق، وهو يفْهم بالإشارة، فالأصَمّ إذا نظَر إليك فهِمَ ما تريد، أما إذا ولَّوا وأداروا ظهورهم حينها لا يسْمعون.
آيات اليوم تُبيِّنُ أُسلوب العزيز الحكيم في خِطاب المسلمين عن طريق خِطاب بني إسرائيل، وتُبيِّن أنَّ القرآن هُدًى ورحمة، وتُسْعِدُ به ويُبَيِّن أنَّه مهما اخْتلفْنا فالله يحْكم بيننا يوم القِيامة، وأنَّك إن لم تتوكَّل على الله تعالى فلَسْتَ مؤمنًا، وتُبَيِّن أنَّ الإنسان إن لم يُؤْمِن فهو ميِّت، قال تعالى:

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾

[ سورة الروم ]
وحُبُّك الشيء يُعْمي ويُصمّ، والأعمى لا يرى ولا يسْمع، قال تعالى:

﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18)﴾

[ سورة البقرة ]








والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-20-2018, 12:42 PM   #243


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة النمل (27)


الدرس الثانى عشر





الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .



تمهيد :



أيها الإخوة الكرام ؛ القرآن الكريم كلام الله ، وفيه بيانٌ لِكُلّ شيء ، وتفصيل لِكُلّ شيء ، إلا أنَّ في القرآن الكريم ظاهرة تلفت النَّظر وهو أنَّ الله سبحانه وتعالى ذكرَ في كتابِهِ الكريم أُصول الحقائق .
فالأرض كُرَة تَدور حوْل الشَّمس وحول نفْسِها ، وهي في حركةٍ دائِمَة ، ولكنّ الوقت الذي نزل فيه القرآن كانت العُلوم في بدايتها ، فالأرض عند العرب مُنْبسِطَة وجامِدَة والجبال راسخة ، فربُّنا سبحانه وتعالى اخْتار هذا العصْر لأنَّهُ عصر مِثالي لِنُزول الوَحي ، واختار هذا المكان لأنَّه بعيد عن تلاحق الحضارات ، واختار البيئة العرَبِيَّة لِصفائِها ووُضوحِها ولكن هناك مُشْكِلة وهي لو أنّ الحقائق جاءَتْ مُفصَّلةً كما هي عليه لأوْقَعَ العرب في عهْد النبي في اضْطراب وشكّ ، ولو أنَّ الله عز وجل أغْفل الحقائق الكَوْنِيَّة لوَقَعْنا في اضْطِراب ،




معجزة القرآن الكريم في آياته الكونية .



لذلك بعض علماء التَّفسير لفَتَ نظَرَهُ هذه الآية ، قوله تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 87 ]
فقد يتوهَّم القارئ أنَّ هذه الآية الثانِيَة مُتَعَلِّقة بِيَوْم القيامة ، فقوله الله تعالى :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]
إنَّها آيةٌ كَوْنِيَّةٌ واقِعَة ! وراهِنَة ، فَمَرَّ السَّحاب في سرْعَتها ومرَّ السَّحاب في هُدوئِها ، ومرَّ السَّحاب في كتلتها ، قال تعالى :
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام ما بيَّنَ وما فصَّل الآيات الكَوْنِيَّة ، وترَكَ كُلَّ آيةٍ لِوَقْتِها وزمانِها ، فلو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام بيَّنها وفصَّلها لَشَكَّ أصْحابُهُ في هذا الكلام ، ولو أنَّهُ بيَّن فَحْوى هذه الآيات بِشَكْل حقيقيّ كما عرَفْناها نحن الآن ، لأرْبَكَ أصْحابه ، ولو أنَّهُ فسَّرَ تفْسيرًا بطيئًا يتناسب مع عُقول العصْر الذي نزل فيه القرآن لشَكَكْنا نحن ، فالآيات الكَوْنِيَّة أحجَمَ عنها النبي عليه الصلاة والسلام عن تفْسيرها ، وترَكَ كُلّ آيَةٍ لِوَقْتِها ، فهذا سيِّدُنا علي رضي الله عنه يقول : في القرآن آيات لمَّا تُفسَّر بعد ، فالعِلْم كُلَّما تقدَّم كشَف عن جانب في إعْجاز هذا القرآن ، والحقيقة أيها الإخوة ، أنتم أمامكم كتاب هو مُعْجِزَة عَقْلِيَّة إلى يوم القيامة ، فالذي قرأ هذه في عَهْد قد يتبادَر في ذِهْنِهِ أنَّهُ يوم القيامة ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآيات : 87-88 ]
لكنَّ هذه الآية الآن واقِعَة فَجِبال الهمالايا والألب ؛ هذه تَمُرّ مرَّ السَّحاب ، قال تعالى :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]
وقد ذَكَرْتُ لكم قبل أسْبوعَين أو أكثر أنَّه في الوقت الذي نُصَلّيِ فيه الظهر عشر دقائق مثلاً، تَقْطَعُ فيه الأرض إحْدى عشر ألف وثمان مائة كيلومتر ‍! لأنَّ الأرض تقْطع في الثانِيَة الواحِدَة ثلاثين كيلومتر ، ففي الوقت الذي نسْتغْرِقُهُ لأداء صلاة الظهر فقط تقطع الأرض إحْدى عشر ألف وثمان مائة كيلومتر .
قال تعالى :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]
أما مرَّ السَّحاب ، فإذا كانت هناك مدينة كَبَيْروت مثلاً إلى جانب المطار ، الضَّجيج لا يُحْتَمَل فالطائرة لها صَوت يُساوي مائة وخمسٌ وعِشرون بِسِبِل ، وهذه هي وِحْدة قِياس الضَّجيج ، فالإنسان إذا سَكَن بيْتًا جانب المطار ربَّما يُصاب بِضَعْف السَّمع ، والأصوات العالِيَة دائِمًا تُخَرِّص الأذُن وتُضْعِفُها ، فطائرة من أحدث ما توصِّل إليه تحْمل خمسمائة راكب إذا طارَت تُحْدِث ضجيجًا فوق المدن ، فكيف بهذه الأرض وهذه الجبال التي تمرُّ مرَّ السَّحاب دون صَوت ؟! انْعِدام الصَّوت دليل إتْقان الصَّنْعة فالمُكَيِّف الذي دون صوت غالي على المُكَيِّف الذي فيه صوت والمركبة التي فيها صوت خفيف معناها أنَّ فيها تَقْنِيَّة عالِيَة جدًا فالجبال والأرض تمرّ مرَّ بِسُرْعَتها وهُدوئِها فالأرض تدور ثلثين كيلومتر في الثانِيَّة ومع ذلك لا صَوتَ لها .


الحسنة والسيئة .



ثمَّ يقول الله عز وجل ، ودَقِّقوا في هذه الآية :
﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 90 ]
مُلَخَّصُ المُلَخَّص أنَّك في الدنيا :
إما أن تأتي يوم القيامة بالحسنات ؛ في تَرْبِيَة أولادك ، وأعمالك الصالحة مِن إنفاق المال والجُهْد والعلم ، وفي الإخلاص والاسْتِقامة .
وإما أن تأتي بِسَيِّئَةٍ تكون سبب هلاك الإنسان يوم القيامة .
فالإنسان عليه أن يتفحَّص عمله وبِدِقَّة بالغة ، لأنّ الحسنة بِعَشْر أمثالها ويزيد ، والسيِّئَة بِمِثْلها وتُسَبِّب هلاك صاحبِها .


لماذا خلقنا الله ؟



ثمَّ يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]
قد يقول قائلٌ : لماذا خَلَقَنا الله عز وجل ؟
هذا القرآن أجاب الله عنه فالإنسان أحيانًا يريدُ أن لا يفْهَم ، ويريد أن لا يعرف ، حتَّى لا يكون بِوَهْمِهِ مَسْؤولاً !! الإنسان جاء إلى الدنيا وكتاب الله الذي بين أيْدينا يُبَيِّن أنَّهُ جاءَهُ لِيَعْبُدَهُ ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56 ]



العبودية لله تعالى .



فالله تعالى :
﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]
هذه اللام ؛ له كُلَّ شيءٍ هي لامُ الملكيَّة ، الكَون كُلُّه ملك الله ، وهو ملْك خلْق وتصَرُّف وملكُ مصير اُنْظُر إلى الإنسان أحْيانًا يَمْتَلِكُ بيْتًا ولا ينْتفع به ؛ مُؤَجَّر ، وهناك مَن ينتفِع ولا يَمْلك ، وهناك مَن ينتفِع ويَمْلِك لكِنَّ مصير هذه البيت ليس له فالله له الملْكِيَّة التامَّة ، وربُّنا عز وجل يقول :
﴿ وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]
ملك الخلق قال تعالى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 62 ]

وله ملْكِيًّة المصير ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة مريم الآية : 40 ]

فلماذا أُمِرْتَ أيُّها النبي ويا أيها المؤمن أن تعبُد الله ؟ لأنَّ الله له كلّ شيء ، خلقَ وسَيْطَر وهَيْمَن وتصرَّف والمصير إليه ، لذلك يجب أن تعبُدَهُ ، فالعبادة تقْتضي أن تعْبُدَ الله الخالق، والذي بيَدِهِ الأمْر ، وأن تعْبُدَ الذي بيَدِهِ المصير، خلق وعبد وتصرَّف ، فالعبادة الحقَّة لا تكون إلا لله تعالى ، لأنَّ الخالق والمتَصَرِّف .
العبادة غايَةُ الطاعة ، وغاية الخُضوع والحبّ والإخلاص ، ولكنَّ هذه المشاعر لا يمكن أن تكون إلا بِمَعْرِفَة الله ، فالمعْرفة سبب والانْصِياع لله ثَمَن ، والهدف رحْمة الله في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف الآية : 32 ]

خلقنا تعالى لِيَرْحَمَنا ، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا لِيُعَذِّبنا ، وجاء بنا إلى الدنيا لما عالَجَنا كما عالَجَ بَقِيَّة الناس ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾

[ سورة الزخرف الآية : 33 ]

لذا دليل مُعالَجَة الله لِكُلّ الناس ، الناس جميعًا خُلِقوا لِيُرْحَموا .
ثمَّ يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]
الاسم الجامِع لِكُلّ الأدْيان السَّماوِيَّة هو الإسلام ، ولا يوجد نبيّ على الإطلاق إلا وهو مُسلم ، والإسلام بِمَفْهومِهِ الواسِع هو الاسْتِسلام لأمْر الله ، فَكُلّ دين سَماوي اتِّباعُهُ هو الإسلام ، وهو بِالمَفْهوم الضيِّق الرِّسالة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام ، أما المعنى الواسِع ؛ كُلّ طاعَةٍ لِمَنْهج الله هو من الإسلام ، فالآية جاءت هنا
﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]
مِمَّن اسْتَسْلم لله تعالى ، وأطاعَهُ .
ثمّ قال تعالى :
﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]
فالإنسان مِن دافِعِ حُبِّه نفْسَه ، ومِن دافِعِ حبِّ وُجودِه ، ولاسْتِمْرار وُجودِه يجب أن يكون مُطَبِّقًا لله عز وجل ، لأنَّ الخير كُلَّه يعود عليه ، قال تعالى :
﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 93 ]
ما مِن مؤمن على الإطلاق ، يخطبُ وُدَّ الله بِطاعةٍ وقِيام ليل وتِلاوَة قرآن واسْتِغفار وذِكْرٍ إلا وَيُريهِ الله من آياتِه ، ولا تظن أنّ من يمْشي مع الله بِقَناعاتٍ ليس إلا ، بل الأمر أبْلَغ من ذلك ، وكلّ من تقربَ إلى الله تقرَّب إليه الله ، وذلك بالتَّوفيق والتَّأييد والنّصْر وانْشِراح الصَّدْر والثِّقة بالله عز وجل ، فهذه هي التي تدْفع الإنسان إلى المزيد من طاعة الله عز وجل ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]
سَيُريكُمْ آياتِهِ ، وأنا أقول لكم هذا الكلام وأنا أعرف ما أقول : لا يوجد واحِد من الحاضِرين ، وأنا معكم إذا أخْلصَ لله ، وآثَرَ مرضاة الله ، فلا بدّ مِن أن يُرِيَهُ الله مِن آياتِهِ، والآيات خَرْقٌ للعادات ، قد يكون الواحِد بِمُشْكِلَة كبيرة فَتَنْزاحُ عنه دون سبب وتنْصرف عنه وهو مُطْمَئِنّ ، ويكون له ضَعْف نفْسي فَيُقَوِّي الله له نفْسه ، وله أعداء يقْمعهم الله ، آياته شيء غير مألوف ، لذا أيُّ إنسان يستقيم على أمْر الله ، ويُطيعُهُ مُخْلِصًا فلا بدّ مِن أنْ يُرِيَهُ مِن آياتِهِ فمَن طلبَ العفاف يسَّر الله له الزواج ، ومَن طلب الرِّزق الحلال فالله يُيَسِّر حرامًا ، لذا ما مِن واحِدٍ إلا وأرى الله له آياتِهِ ؛ حِفْظًا وتَوْفيقًا وتأييدًا ونَصْرًا فالله إن تقرَّبْت إليه شبْرًا تقرَّب إليك ذِراعًا ، وإن تقرَّبْتَ إليه ذِراعًا تقرَّب إليك باعًا ، وإن أتَيْتَهُ مَشْيًا أتاك هَرْولةً ، لذا ما عليك إلا أنْ تتحرَّك وعلى أوَّل حركة تجد تغيُّر في المعاملة ، قال تعالى :
﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-21-2018, 12:51 PM   #244


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس الاول

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، قبل أن أشْرَحَ الآيات الأولى من سورة القصص فلا بدّ مِن مُقدِّمَةٍ تُلْقي ضَوْءًا على هذه الآية.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم:
((َ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ))

[ رواه أحمد ]
لأنَّه حينما يقضي وهو غضْبان اضْطربَتْ أحْكامُهُ، ولم تأت عادِلَة فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى القاضي أن يحْكُمَ بين الناس وهو غَضْبان، جاء الفقهاء وقالوا: ما عِلَّةُ هذا النَّهي ؟ عِلَّةُ هذا النَّهي أنَّ الغَضَب يجْعل أحْكام القاضي مُضْطربة، وأيُّ شيءٍ آخر يجْعل أحْكام القاضي مُضْطربةً مَنْهِيٌّ عنه بالقياس على هذا، فلو أنَّ ابن القاضي كان مريضًا مرضًا شديدًا، فهذا المرَض الشديد الذي ألمَّ بابنِهِ ربَّما جعل أحْكامَهُ مضْطربَةً، فالفقهاء حَمَلوا على الغضب ثلاثًا وثلاثين حالة، إذًا ليْسَت العِبْرة أن يغْضَبَ فقط، بل أيُّ شيءٍ يساوي الغضَب في العِلَّة فَهُوَ مَنْهِيٌّ عنه أيضًا، فهذه قاعِدَة.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((تجِبُ الزَّكاة في القمْح والشَّعير والزَّبيب والتَّمْر ))
طيِّب لو كان الآن رجلٌ عنده مزْرعة نصْف مليون تُفَّاح أليس عليه زَكاة ؟ وهناك آلاف المحاصيل فيها فواكه وثِمار فهل هذه خارجة عن الزَّكاة ؟ قال العلماء: تجبُ الزَّكاة في عِلَّة هذه الأصْناف لا في عَيْنِها، فأيُّ مَحْصول ذو قيمة عليه زَكاة، أما في عَهْد النبي فقد كان القَمح والزَّبيب والشَّعير، أما الآن التُّفاح والأجاص والفريز ثَمينة جدًّا، فالعلماء قالوا: تجبُ الزَّكاة في عِلَّة هذه الأصْناف لا في عَيْنِها، فأيُّ مَحْصول ذو قيمة يتَّحِدُ مع القمح والزَّبيب والشَّعير في العِلَّة فالزَّكاة تَجِبُ فيه.
مِن هذين التَّنْبيهَين ننتقل إلى هذه الآية، قال تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص ]
كأنَّ البشَر أصْنافٌ ثلاثة صِنْفٌ عرَفَ الله و أطاعه، فهذا نجا وصِنْفٌ عرَفَهُ وقصَّر في طاعَتِهِ، وصِنْفَ ما عرفه وما أطاعهُ، فالصِّنْفُ الثاني والثالث ماذا يفْعَلُ الله بِهِم ؟ الأوَّل عرفهُ وأطاعَهُ، قال تعالى:

﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾

[ سورة الفجْر ]
هؤلاء نَجَوْا وسَعِدُوا في الدنيا والآخرة، ولكن هناك صِنْفان ؛ إنْسانٌ عرف الله وقصَّر في طاعتِهِ، وآخر لم يعرفه فلم يُطِعْهُ ! فكيف يُعالِجُ الله هذين الصِّنْفَيْن ؟ هذان الصِّنْفان يُعالَجان بالطَّريقة التالِيَة: إذا عصاني مَن يَعْرِفُني سلَّطْتُ عليه من لا يَعْرِفُني فالذي يعْرِفُ الله وقصَّر في طاعَتِهِ يُسَلَّطُ عليه مَن لا يعْرِفُهُ إطْلاقًا فضَغَط عليه َ واسْتَباحهُ ونكَّل به، لعلَّ هذا الذي يعرفُ الله والمُقصِّر في طاعَتِهِ لعلَّهُ يصْحو ! ولعلَّهُ يصْطلِحُ ويتوب إلى الله، فإن تابَ عكَسَ الآية مكَّنَ الضَّعيف من القَوِيّ، فلعلَّ القَوِيَّ يتوب مرَّةً ثانِيَة، إيَّاكُم أن تفْهَموا هذه الآية وصْفًا لِحَدَثٍ وقَعَ، بل هو مُتَكَرِّرٌ دائِمًا، إذا كان للكُفَّار علينا ألف سبيل وسبيل، فنحن في حياتنا نرْتَكِبُ ألف مَعْصِيَةٍ ومَعْصِيَة، إذا عصاني مَن يعْرِفُني سلَّطْتُ عليه مَن لا يعْرِفُني وأنا ملِكُ المُلوك ومالكُ المُلوك، قلوب المُلوك بِيَدي فإنْ أطاعني العباد حوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالرَّأْفَة والرَّحْمة، وإن عصاني العباد حوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالسُّخْطة والنَّقْمة، فلا تشْغلوا أنْفسَكم بِسَبِّ المُلوك وادْعوا لهم بالصَّلاح فإنّ صلاحَهم بِصَلاحِكُم، والذي لا يعْرِفُ الله يُسَلَّطُ على الذي يَعْرِفُهُ، فلعلَّ هذا المُقصِّر يتوب ويُنيب ويرْجع ولعلَّه يصْطلح ويسْتغفر، فإذا عادَ مكَّنَهُ، قال تعالى

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

[ سورة القصص ]
والظالم سَوْطُ الله ينتَقِمُ به، ثمَّ ينْتَقِمُ منه.
فالبشَر أصنافُ ثلاثة، الأوَّل مَن عرف الله، وأطاعَهُ نجا، وهذا ليس للكافر عليه سبيل، قال تعالى:

﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا(141)﴾

[ سورة النِّساء ]
وقال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾

[ سورة النساء ]
هذا الصِّنْف خارِج الحِساب، أما الذي عرَفَهُ وعصاه، كَحَال المسلمين مليار ومائتان مليون مسلم ! ليسَتْ كلِمَتُهم هي العليا، فإذا كان للكفار عليهم ألف سبيل وسبيل فلأنَّهم يقْترفون ألف معْصِيَة ومعْصِيَة والظالم سَوْطُ الله ينتَقِمُ به، ثمَّ ينْتَقِمُ منه، أما الآية الدقيقة التي تُؤكِّد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129)﴾

[ سورة الأنعام ]
فهذه الآية تكاد تكون قانونًا، دَعْكَ من مُلابساتِها، والأسماء، والظروف واجْعَلْها قانونًا قال تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص ]
فالإنسان العاقل إذا أصابَهُ ما يكْرهُهُ راجَعَ نفْسَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"))

[رواه مسلم]
ما مِن عثَرَةٍ ولا اخْتِلاج عرقٍ ولا خدْش عودٍ إلا بما قدَّمَتْ أيْديكم، وما يعْفوا الله أكثر، اِجْعَل هذه الآية نُصْب عيْنَيْك:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾

[ سورة النساء ]
فالمؤمن يُحاسِبُ نفْسَهُ حِسابًا عسيرًا لِيَكون حِسابُهُ يوم القيامة يسيرًا فإذا أصابَهُ ما يُؤْلِمُهُ يتساءل ويبْحَث، ويُدَقِّق ويتأمَّل، مِن أجل أن يصِلَ إلى الذَّنب الذي اقْتَرَفهُ حتى لا يُعيدُهُ مرَّةً ثانِيَة، فأحيانًا تجد موظَّفًا يُعامَل بِقَسْوة وبِشِدَّة من طريف المدير لماذا جعل الله له عليك سبيلاً ؟ إذا كنتَ تَقِيًّا ونقِيًّا وورِعًا، لا يستطيع أن يكون لِهذا الإنسان عليه سبيل، فالإنسان يجب أن يُدَقِّق، هذه الآية تُفْهَمُ فهْمًا جماعِيًّا وفهْمًا فرْدِيًّا، لذلك المُسْتَضْعَف ضِمْن العِنايَة المُشَدَّدة قال تعالى:

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

[ سورة القصص ]
لأنَّ الله إذا أحبَّ عبْدًا ابْتلاه، فإن صبَرَ اجْتباهُ، وإن شَكَر اقْتناه، إذا أحبَّ الله عبْدَهُ عجَّل له بالعُقوبَة، إذا أحبّ الله عبْده عاتبَهُ في منامِه وجعل له واعِظًا من نفْسِهِ، فالإنسان يُدَقِّق، لعلَّهُ قصَّر في حقّ إنسان ولعلَّه تكلَّم كلمةً جارِحَةً، ونظرَ نظْرَةً خاطِئَةً، ولعلَّه استهزأ بِأحَد فإذا أصابَهُ ما يكْرهه فلْيُحاسِب نفْسَهُ حِسابًا عسيرًا لأنَّ الله تعالى ما يفْعل بِعذابِنا إن شَكرنا وآمنَّا ؟! قال تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص ]
هذا قانون الله مع الفئتين الثانية والثالثة، الفئة الثانية التي عرفتْهُ وقصَّرَت في طاعَتهِ، والفئة الثالثة التي ما عرفتْهُ وما أطاعَتْهُ، يُسَلِّط الثالثة على الثانِيَة فلعلَّ الثانِيَة تعود إلى رُشْدِها فإن عادَتْ مكَّنها وقوَّاها وسلَّطها على الثانِيَة من أجل أن تعود إلى رشْدِها، قال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129)﴾

[ سورة الأنعام ]
والإنسان بِهذه النَّظْرة التَّوْحيدِيَّة يزول في قلبِهِ الحِقْد والحسَد، فلو أصابَك أحدهم بِمَكْروهٍ، تقف منه المَوْقف الكامِل، إما أن تُأذِّبَهُ، وإما أن تُحاسِبَهُ ولكن لا تحْقِدُهُ ؛ لماذا؟ لأنَّ الله سلَّطَهُ عليك، وسمَحَ له أن يفْعَل كذا وكذا، فبيْنَ أن تحْقِد الناس، وبين أن ترى الفاعِل هو الله، وأنَّ يدَ الله فوق أيديهم، وقال تعالى:

﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾

[ سورة الأنفال ]
بالنَّظْرة التَّوْحيدِيَّة يشْفى قلبُكَ من الغِلّ والحسَد، ومن الحِقْد، وكُلُّ مَكْروهٍ أصابَكَ من طرف إنسان فالله تعالى سمَحَ له بذلك ومكَّنهُ منك رِعايَةً لِحَقِّ العباد على الله في ترْبِيَتِهِم، ولولا تربيَةُ الله لنا ما زكى مِنَّا مِن أحَدٍ أبدًا، قال تعالى:

﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(21)﴾

[ سورة النور ]
ذكر لي أخ صاحب معمل ألْبِسَة زارَهُ شَخْص، طلب أربعة قِطَع فاعْتَبَر صاحب المعمل هذه إهانَة، أنا أبيعُ أربعة قِطَع ‍! وانْزَعَجَ وقال للمشتري: أنا لا أبيع المُفرَّق، فهذا الشَّخْص اسْتحى وخرَج ! فقال لي هذا الإنسان: ثلاثون يوْمًا ما دَخَل مَعْمَلي شَخْص !! أدَّبَهُ الله والمُسْرِفُ أحيانًا يُؤدِّبُهُ الله بالتَّقْتير، والمُتَكبِّر يُهينُهُ، والمُتطاوِل يُوقِفُهُ عند حدِّه، ولولا تربيَةُ الله لنا لما زكى مِنَّا من أحد، تسْعة أعْشار الفضائل التي يتمتَّعُ بها المسلمون هي من فضل تربية الله لهم، فالله ربُّ العالمين، صحيحٌ أنَّ الله منحنا الكتاب والسنَّة ولكنَّهُ يُتابِعُك، ولا بدّ أن يعْلم الإنسان أنَّ الله تعالى إنْ عالَجَهُ فهذه نِعْمة كُبْرى، أما إذا أهْمَلَهُ فهذا دليل على أنَّهُ خارج عناية الله، فالطبيب متى يقول للمريض: كُل ما شئْتَ ! إذا كان مرضُهُ عُضال ولا سبيل للتَّخلُّص منه، أما إذا كان معه الْتِهاب معْدَة فإنَّهُ يُقيم عليه النَّكير إذا أكل لقمة تُخالف التعليمات، فإذا كان الإنسان ضِمن العِناية وعالَجَهُ الله فهذه من نِعْمة الله عليه.






والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-21-2018, 12:53 PM   #245


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس الثانى




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، فالآية السابعة من سورة القصص، وفي قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، قوله تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

[ سورة القصص ]
أوَّلاً ؛ الوَحي في القرآن الكريم على أرْبَعِ مُسْتَوَيات، قال تعالى:

﴿ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)﴾

[ سورة الزلزلة ]
هذا وَحْيُ الأمْر، الله عزَّ وجل إذا أوْحى إلى الجماد كان بِمَعنى أمَرَهُ وقال تعالى:

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68)﴾

[ سورة النحل ]
هذا وَحْيُ الغريزة، قال تعالى:

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى(49)قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)﴾

[ سورة طه ]
هداهُ إلى مصالحِه، وإلى سلامَتِهِ، وإلى صِيانتهِ، وإلى تأمين غايَتِهِ وتأمين طعامِهِ.
فالوَحيُ الأوّل وحْي الأمْر إلى الجَماد، والوَحْيُ الثاني وَحْيُ الغريزة الحَيوان.
قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

[ سورة القصص ]
هذا وَحْيُ الإلهام، وكُلّ إنسان يُمْكِن أن يوحَى إليه وَحْي إلْهام ؛ يَخْطُر بِبَالِهِ أن يَذْهَب بِهذا الطريق، فالله تعالى يُنَجِّيه، إذْ في الطريق الآخر مُشْكِلة، ويَخْطر بِبَالهِ أن يُلْغي سَفَرَهُ، فإذا به يسْمع أنَّ الطائرة التي كان ينوي الذهاب فيها قد سَقَطَتْ فالإنسان بين وسْوَسَةِ الشيطان وإلهام الملائكة، فالمؤمن المُستقيم يتحرَّك بإلْهامٍ من الملائكة، والإنسان المُنْحَرِف يَتَحَرَّك بِوَسْوَسَة من الشيطان فإمَّا أن تتحرَّك بِوَسْوَسَةِ الشيطان أو إلْهام الملائكة؛ هذا الوحي الثالث، قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

[ سورة القصص ]
الوحيُ الرابِع هو وَحْيُ الرِّسالة، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(15)﴾

[ سورة يوسف ]
هذا وحيُ جِبْريل عليه الصلاة والسلام، فقوله تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيه﴾

[ سورة القصص ]
هذه الآية فيها أمْران ونَهْيان وبِشارتَان ؛ الأمْرُ الأوَّل: أن أرْضِعيه فإذا خِفْتِ عليه فألْقيهِ في اليمّ، شيء لا يُصَدَّق ! فهي تكاد تموت خَوْفًا عليه، والله يقول: فإذا خفْتِ فألْقيهِ في اليمّ ! بالمناسبة ماذا نسْتفيد نحن في القرن العشرين مِن قِصَّةٍ وقَعَتْ قبل ثلاثة آلاف عام ؟ الحقيقة كما أُؤكِّد لكم دائِمًا: ليس القرآن كتاب تاريخ ولا كتاب قصص، إنَّما هو كتاب قوانين، فلمَّا تلقي الأمّ ابنها المولود في توِّه في صندوق، حركة الماء بِيَدِ مَن ؟ بِيَد الله، وكذا الرِّياح طيِّب امرأة فرعَون التي خطَرَ لها أن تأتي إلى شاطئ البحر ! هذا بِيَدِ مَنْ ؟ بِيَدِ الله، ولمَّا فتِحَ الصندوق مال قلبها إليه، القلب بِيَدِ مَن ؟ بِيَد الله فالله تعالى أراد من هذه القِصَّة أنْ يُعْلِمَنا ونحن نقرأ القرآن في أيِّ زَمانٍ ومكانٍ أنَّه كُلَّ شيء بِيَدِ الله الماء والرِّياح وقلب امرأة فرعوْن كُلّ هذا بِيَدِ الله، وحتَّى الإنسان يطْمئِنّ، لذلك قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

[ سورة القصص ]
الآية التي تَخُصّ الأنبياء والمرسلين قال العلماء: إنَّ كلّ مؤمنٍ بِقَدْر إيمانهِ واسْتِقامتِهِ وإخلاصِهِ له من هذه الآيات نصيب، فإذا كان هذا الطِّفْل الرَّضيع في صُنْدوقٍ أصَمّ، وفي نهْر هو النِّيل، تتحرَّكُ به الأمواج وتقْذِفُهُ الرِّياح إلى أنْ ساقَتْهُ إلى قصْر فِرْعَون، ثمّ توقَّف أمام غصْن، ثمَّ ألْهَمَ امْرأة فرعون أن تأتي إلى الشاطئ، ثمّ رأَتْ صُنْدوقًا فقالتْ: افْتَحوه فلما فتحوه رأتْ طفلاً قالتْ كما قالت تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾

[ سورة القصص ]
فرعَون كما ترْوي القِصص رأى في المنام أنَّ طفلاً من بني إسرائيل سيَقْضي على مُلْكِهِ، فقال: القضِيَّة سهْلةً ؛ سأقْتُلُ أولاد بني إسرائيل جميعًا، فَكُلُّ قابِلَة ولَّدَت امْرأةً أنْجَبَتْ طفلاً عليها أن تُبلِّغ المسؤولين في عهد فرعون لِيَذْبَحوه، فإن لم تُبلِّغ ذُبِحَتْ هي ! أما هذا الطِّفْل الذي سَيَقْضي على مُلْكِهِ ربَّاهُ في قَصْرِهِ !! قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾

[ سورة القصص ]
الحقيقة هاتان الكلمتان تتكرَّران في القرآن الكريم، وهما دقيقتان فأنت لك ثلاثة أزمان ؛ الزَّمَن الحاضِر والماضي والمُستقبل، فالحاضِر هي الَّحْظ التي تعيشُها الآن، أما الماضي والمستقبل، فالماضي قد تحزَنُ عليه وتنْدَمُ على مُضِيِّهِ، وتنْدم على أيَّام الشَّباب، وأيَّام الغِنى والسُّرور والمستقبل تخاف منه ؛ فيه مُفاجآت وأمراض، وذهاب المال فالإنسان دائِمًا عنده قلقان ؛ قلقٌ مُتَعَلِّق بالماضي وهو ندَمٌ، وقلق مُتَعَلِّق بالمستقبل وهو الخوف، فالله تعالى قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت ]
فهذه الآية غطَّتْ المستقبل والماضي، لا تخافوا مِمَّا سيَأتي، ولا تحْزنوا على ما مضى، ولأنَّ المؤمن في خَيْرٍ مُتَجَدِّد، وفي صُعودٍ دائِم، ولن يُصيبَهُ إلا ما كتب الله له من خير، فَكُلّ إنسان مؤمن آمَنَ بالله واسْتقام على أمْرِهِ الله عز وجل في عَلْياء سمائِهِ يُطَمْئِنُهُ، لا تَحْزَنْ على ما مضى، ويُغَطِّي له المستقبل فلا تخشى مِمَّا سيَأتي، لذلك ربنَّا عز وجل يقول:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)﴾

[ سورة البقرة ]
فالمُستقبل دائِمًا أحلى مِن الماضي للمؤمن، أما غير المؤمن فدائِمًا المستقبل أسْوَء من الماضي، عدم القدرة على الاستمتاع بالملذَّات ودِقَّة بالأكل فلا يأكل كلّ شيء، لذا كُلَّما تقدَّم الإنسان بالسِنّ ضَعُفَتْ قُدْرتُهُ على الاسْتِمتاع بالحياة، ففي المستقبل قلق زوْجَتُهُ تكبر ويسْتقلّ أولادُهُ عنه، كان يأْنَسُ بِهِم، إضافَةً إلى أمراض مُخيفة، ففي المستقبل هناك قلق، والماضي في نَدَم، أما المؤمن فالله قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت ]
أوَّل ثمْرة من ثمرات الإيمان كما قال تعالى:

﴿فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123)﴾

[ سورة طه ]
قال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾

[ سورة القصص ]
هذا تَوَكُّل قوِيّ وهذا سيِّدُنا إبراهيم وضَعَ زَوْجَتَهُ في وادٍ غير ذي زَرْع وتوكَّل على الله، هذا فوق طاقَة البشَر، فذَهَبَت جيئةً وذهابًا، فَنَبَعَ ماء زَمْزَم في مكَّة المكرَّمة، فالله تعالى يقول:

﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)﴾

[ سورة المائدة ]
مِن لوازِم إيمانكم التَّوَكُّل على الله.
قال تعالى:

﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾

[ سورة القصص ]
هذان هما النَّهْيان، والأمْران قال تعالى:

﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾

[ سورة القصص ]
هذان هما الأمران، والبشارتين، قال تعالى:

﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ﴾

[ سورة القصص ]
فهنا اتَّضَح أنّ فِرْعون الذي قال:

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)﴾

[ سورة النازعات ]
وهو الذي قال:

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

[ سورة القصص ]
وهذا الذي يُعَدُّ أكْفَرَ أهل الأرض، فقد ادَّعى الأُلوهِيَّة، وقتل أبناء بني إسرائيل على شبهة أنَّ أحدهم سيَقْضي على مُلْكِهِ ! ما الذي حصَل ؟ قال تعالى:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)﴾

[ سورة يوسف ]
هذا الطِّفْل الذي سيَقْضي على مُلْكِهِ ربّاهُ في قصْرِهِ قال تعالى:

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]
هذه اللام أعْربها النُّحاة لام المآل، لأنَّه لا يُعْقَلُ أن تكون لامُ التَّعْليل ولا يُعْقَلُ لِعاقِلٍ أن يلتقط طفلاً يقْضي على مُلْكِهِ، لكنَّ الذي حصل وفي نِهايَة المطاف أنَّ هذا الطِّفْل قضى على مُلْكِهِ، قال تعالى:

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]
الغريب أنَّ مع فرعون دائِمًا هناك هامان وجنودَهُما، فَمَن أعان ظالمًا سلَّطَهُ الله عليه، ومَن أعان ظالمًا جاء يوم القيامة مَكْتوبٌ على جبينه آيِسٌ من رحْمة الله، ومَن أعان ظالمًا ولو بِشَطْر كلمة كان أوّل ضحاياه، لا تُعِنْ ظالمًا على ظلْمِهِ.
أيها الإخوة الأكارم، مرَّةً أخرى ؛ ما جعَلَ الله هذا القرآن قصَّةً يُتْلى إلى يوم القيامة لِتَكون قِصَّةً، أو لِيُنْبِئنا عن حدثٍ وقع قبل ألفي عام إنَّما العَبْرة أن تتَّخِذ من هذه القِصَّة عِبْرَةً، وهي أنَّ كُلَّ شيء بِيَدِ الله تعالى حتَّى حركة صنْدوق خَشَبي بيَدِهِ، وحركة الرِّياح والماء، وحركة المرأة، ومَيْلُ قلبِها بِيَدِهِ، قال تعالى:

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(39)﴾

[ سورة طه ]
فإذا أحبَّ الناس أحدًا فلا يظنَنَّ أنَّهُ هو الذَّكيّ ! لا، هذا من توفيق الله وفضْلِهِ، لذلك أجْمَل آية أن هذا الطِّفْل الصغير، تجِدُ الأب بِكامِل طاقاتِه، وذكائِه وخبْراتِهِ، كُلُّها مُوَظَّفة لِتَرْبِيَة هذا الطِّفْل، وكذا الأم فَمَن ألْقى حُبَّهُ في قَلْبَيْهِما ؟ الله عز وجل، ومِن أجل أن يعْمر الكَون فالأب يريدُ أن يُزَوِّج أبناءَهُ ويُعَلِّمَهُم، هذا مِن آيات الله الدالة على عظَمَتِهِ، فالله عز وجل بلا جهْد ولا عمل ألقى حُبَّ الطِّفل في قلب والِدَيْه، يجوعان لِيَأكل، ويسْهران لِيَنام، ويمْرضان لِيَشْفى، هذا دليل على محبَّة الله لنا، وعلى عظمة الله جل جلاله.
قال تعالى:

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]
فالبُطولة أن لا تكون من الخاطئين لأنَّ العاقبة للمُتَّقين، والعاقبة لِمَن خاف الله، واسْتَقام على أمْره، والأمور تَدور وتَدور، ولا تسْتَقِرّ إلا على نُصْرة المؤمن وقَهْر الكافر.
قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

[ سورة القصص ]
لا يشْعرون مَن سَيَكون هذا الغُلام، لذا الله تعالى عَلِمَ ما كان وعَلِمَ ما يَكون، وعلِمَ ما سيَكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون عَلِمَ أنَّ هذا الطِّفْل سيَغْدو نبِيًّا مُرْسَلاً، وسيَأتي إلى فرْعون وسَيُحاوِرُهُ وسيُثْبِتُ له أنَّهُ رسول مِن خلال آيات كَوْنِيَّة، وفرعون يُلجِمُهُ الله عن قَتْلِهِ، ويَقْبَلُ أن تكون هناك مُناظَرة بينهما، وتَجْري هذه المناظرة ويجْتَمِعُ قَومٌ حول سيِّدِنا موسى، ويتَّجِهون نحو البَحْر فَيَتْبَعُهُم فرعَوْنُ بِجُنودِهِ، ويُصْبِحُ البحر طريقًا يبَسًا ينْزِلُ فيه موسى وأصْحابُهُ فإذا خرج من الضَّفة الثانِيَة نزَلَ فرعون، فعاد البحرُ بَحْرًا، فأغْرَقَهُ الله عندئِذٍ يقول فرعون كما قال تعالى:

﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ(90)﴾

[ سورة يونس ]
لِمَن العاقبة ؟ للمؤمنين، فأنت كُلّ بُطولتِك أن تكون مع الحق، وأن تكون في خَنْدَق المؤمنين.





والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-21-2018, 12:54 PM   #246


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس الثالث





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، وصَلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام مع فرْعون وملأه إلى قول الله تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾

[ سورة القصص ]
أمرَها تعالى بِأمْرين ونهاها عن شيئين وبشَّرَها بِبِشارَتين، ثمَّ قال الله عز وجل:

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

[ سورة القصص ]
ولا يُعْقل في المنطق البشَري أن يلْتقط إنسانٌ غلامًا لِيَكون له عَدُوًّا وحزنًا، ولكنَّ الذي حصَل أنَّ هذا الغلام الذي الْتُقِط، والذي رُبِّيَ في قَصْر فرعون حينما كبر، وجاءَتْهُ الرِّسالة ودعا فرعون إلى أن يخْضَعَ إلى أمْر الله عز وجل، فلمَّا أبى والقِصَّة معروفة لدَيْكم ؛ أتْبَعَهُ فرعون بِجُنودهِ فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُم، وانتهى فرعون، لذلك قال علماء النَّحْو هذا اللام هي لامُ المآل، قال تعالى

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

[ سورة القصص ]
يُسْتنبط من هذه الآية أنَّ الإنسان مهما كان ذَكِيًّا، ومهما كان قَوِيًّا فإنَّ الله تعالى كما قال:

﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(11)﴾

[ سورة الرعد ]
وإذا أراد ربُّك إنفاذ أمْر أخَذَ من كُلّ ذي لُبٍّ لُبَّهُ، قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(182)﴾

[ سورة الأعراف ]
فالله عز وجل إذا أراد ربُّك إنفاذ أمْر أخَذَ من كُلّ ذي لُبٍّ لُبَّهُ، ثمّ نفَّذ الأمر، فالله تعالى لا ينْفع معه الذَّكاء والعقل والكِياسَة، ولا أن تسدَّ الغلطات وتُغطِّي الاحْتِمالات، لا ينفَعُكَ مع الله إلا أن تُطيعَهُ ولا تنْجُوَ من عقابِهِ إلا بالإقبال عليه.
فرعون وما أدراكم ما فرعون ؛ قُوَّةٌ وجبروت وسَيْطَرة وادِّعاء الألوهِيَّة، ومع ذلك طفْل صغير الْتُقِط وربَّاهُ في قَصْرِهِ لِتَكون ِنهايةُ ملكِهِ على يدي هذا الطِّفل الصغير، قال تعالى:

﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

[ سورة القصص ]
وهذا هو معنى قول الله تعالى:

﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15)وَأَكِيدُ كَيْدًا(16)فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(17)﴾

[ سورة الطارق ]
فالله ليس كائِدًا ولكن يرُدُّ على تَدبير الكُفَّار بِتَدْبير مُحْكَمٍ ينْفَعُ المؤمنين ثمَّ قال تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]
لماذا ذكر الله فرعون مع هامان ؟ ومع هامان الجنود ؟ لأنَّهُ مَن أعان ظالمًا كان شريكَهُ في الإثْم، ومَن أعانَ ظالمًا سلَّطَهُ الله عليه، ومن أعان ظالمًا ولو بِشَطْر كلمة جاء يوم القيامة مَكْتوب على جبينه: آيِسٌ مِن رحمة الله ! فلا تُعِنْ ظالمًا ولو بِهَزِّ رأسٍ، ولا بِتَقْديم قلمٍ للتَّوقيع ولا بابْتِسامَةٍ، ولا بإقرار ولا بموافقَة، وإلا كنتَ أحد ضحاياه، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)﴾

[ سورة المائدة ]
يريدُ هذا الظالم أن يُنْفِذَ أمْرًا مُجْحِفًا بِحَقِّ بريء، فإذا قال لك: ما رأيُك ؟‍! فَهَزَزْتَ رأْسَك كُنْتَ مِمَّن أعان على الظُّلم، مَن أعانَ ظالمًا سلَّطَهُ الله عليه، ومن أعان ظالمًا ولو بِشَطْر كلمة جاء يوم القيامة مَكْتوب على جبينه: آيِسٌ مِن رحمة الله ! لذلك ورد في هذه القِصص كثيرًا قوله تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]
لأنَّ هامان والجنود نالهم من فرعون الشيء الكثير، والغرْم بالغرم فحينما يُحاسَبُ فرعون فينْبغي أن يُحاسَبَ مَن أعانَهُ على الظُّلْم ومَن كان عَوْنًا له على السَّيْطَرة.
قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

[ سورة القصص ]
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلَّم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَفَّانُ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ قَالَ وَمَا يُؤْمِنُنِي وَإِنَّمَا قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَّبَهُ قَالَ عَفَّانُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
[ رواه أحمد]
فقد يُلْقي في قلب هذا الإنسان الحبّ لِفُلان، وقد يُلْقي البغْض، والقَسْوَة فقُلُوب العباد بين أُصْبعين من أصابِع الرحمن يُقَلِّبُها كيف يشاء، أنت إذا وقَفْتَ أمام إنسانٍ قَوِيٍّ ورأيْتَ أنَّهُ قسى عليه فلأنّ الله جعل قلبَهُ هكذا، وإذا رأيْتَهُ أنَّهُ رَحِمَك ألْقى في قلبِهِ حبَّك والعَطْف عليك فعلاقتُكَ مع الله، وهذا هو التَّوحيد، قال تعالى:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي(55)﴾

[سورة هود]
الأقْوِياء ينبغي أن لا تخاف منهم، والخوف من الذي بِيَدِهِ زِمامهم ؛ هو الله، قال تعالى:

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾

[سورة هود]
لذا وردَ أنْ لا يخافنَّ العَبْدُ إلا ذَنْبَه ولا يرْجُوَنَّ إلا ربَّه، فلا تَخَفْ قَوِيًّا ولا تَخَف مرضًا، ولا تخَف مُصيبَةً، إنَّما خَف مِن ذَنْب يسْتدعي كُلَّ ذلك قال تعالى:

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾

[ سورة النحل ]
فإذا وقَعْتَ في مُشْكِلَةٍ فلا ترْجُونَّ إلا الله، فلا ترْجو أن تُزاحَ عنك هذه المُصيبة بالمال، ولا بِفُلان ولا بِعِلاَّن، ولا بِمَكانَتِك وسَطْوَتِك، لا يخافنَّ العبْد إلا ذَنْبه ولا يرْجُوَنَّ إلا ربَّه، امرأةُ فرعون قد يسأل بعضكم ؛ ما الحِكمة في أن تكون صِدِّيقة ؟
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
﴿كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ﴾

[رواه البخاري]
ما الحكمة في أن تكون هذه الصِّديقة تحت ظالمٍ ؟ أراد الله عز وجل أن يُبَيِّن للناس فضْلاً عن تَقْريرهِ المُباشِر، أراد أن يُبَيِّن من خِلال الحوادِث أنَّ المرأة مُسْتَقِلَّةٌُ في إيمانها، وفي مَسْؤولِيَّتها، وفي دينها عن زَوْجِها، فأيَّةُ امرأةٍ تقول: هكذا يُريد زَوجي، ولو كان زوْجُها أحدُ جبابرة الأرض، ومع ذلك لا يستطيع أن يَحْمِلَها على الكُفْر، وهذا درْسٌ مِن أبْلَغ الدُّروس، الله عز وجل جعل تحت أكبر طاغِيَةٍ في الأرض صدِّيقَةً، بِكُلِّ جَبَروتِهِ وسَطْوتِهِ لم يسْتطع أن يَحْمِلَها على الكفر، قال تعالى:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾

[ سورة التحريم ]
لذلك هذه القِصَّة لِكُلّ امرأة، فلا تقل: هكذا يريد زَوْجي، وأنا لا دَخل لي، فمهما كان زَوْجُك طاغيَة فلن يبْلغ طغيان فِرْعَون، ومع ذلك المرأة مُسْتقِلَّة في إيمانها وطاعَتِها في مَسْؤولِيَّتِها عن زوْجِها، اتَّصَلَتْ بي امرأة وقالتْ لي: زوْجي يُريد أن يأخذني إلى البَحْر وأن أسْبَحَ أمام زُملائهِ، وهدَّدني إن لم أفْعَل فسَيُطَلِّقُني ! فقلتُ لها: لا طاعة لِمَخلوق في مَعْصِيَة الخالق، ولْيُطَلِّقْك!! لكِنَّه لم يُطَلِّقْها، إنَّما اسْتَعْمَلَ معها أُسْلوب التَّخْويف، ماذا قال سَحَرة فرعون ؟ قال تعالى:

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)﴾

[ سورة الأعراف ]
أُمُّ سيِّدنا سعْد ابن أبي وقَّاص قالتْ له: يا بُنيّ، إما أن تكْفر بِمُحَمَّد، وإما أن أدَعَ الطَّعام والشَّراب حتَّى أموت ! قال: يا أُمِّي، لو أنَّ لكِ مائة نفْسٍ فَخَرَجَت واحِدَةً واحِدَة ما كَفَرْتُ بِمُحَمَّد فَكُلِي إن شئْتِ أو لا تأكُلي، فالإنسان ليِّن إلى أقْصى المواقف، ولكن هناك مواقف إن لم يَكُن صلْبًا ينتهي والمؤمن عندهُ كلمة ؛ لا يقولها بملء فَمِهِ، لا أفْعل هذا، هذا لا يرْضاهُ الله، فهناك منْ عندهُ حياء شَيْطاني، يسْتحي فإذا به يأكل الحرام، ويسْتحي فإذا به يَعْصي الله، ويسْتحي فيَقُرّ بالمَعْصِيَة، يجب أن تقول كلمة بِمِلء فَمِكَ أحْيانًا، ولْيَكُن ما يَكُن خاطَبوا أحد جبابرة الأرض، وخاطبوا إنسانًا يقتل العباد كما يقتل الذُّباب ! قال تعالى:

﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)﴾

[ سورة طه ]
أيها الإخوة، يجب أن نعلم جميعًا أنَّ هذه القِصص، والله الذي لا إله إلا هو ما أرادها الله تعالى قِصَصًا أبدًا، ولكن حقائِق على شَكْل قِصص، لذلك قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

[ سورة القصص ]
مَن ألقى حُبّ موسى في قلب امرأة فرعون ؟ الله جل جلاله، وفي المرة القادِمَة نُتابع هذه القصَّة.





والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-21-2018, 12:56 PM   #247


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس الرابع






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، بعد أن الْتَقَطَهُ آل فرعون ليكون لهم عَدُوًّا وحزَنًا، قال تعالى:

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

[ سورة القصص ]
وصلنا إلى هنا في الدرس الماضي.
قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

[ سورة القصص ]
المَنْطِقُ يُشير إلى أنَّ هذا الطِّفْل ما ألقِيَ في اليمّ إلا لأنَّهُ من أطْفال بني إسرائيل، مع أنَّ فرعون جزَم بِقَتْل كل أطفال بني إسرائيل، فلذلك ألقى الله تعالى حبَّ هذا الطِّفْل في قلب امرأة فرعون، قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

[ سورة القصص ]
لا يشعرون أنَّ هذا هو الطِّفل الذي سيَقْضي على ملك فرعون ؟ يُؤتَى الحَذِرُ مِن مأْمَنِه، ولا ينفعُ ذا الجدّ منك الجَدّ، ولا ينفعُ حذَرٌُ من قَدَر ولكن ينْفعُ الدُّعاء ممَّا نزل وما لم ينزل، وما أخذْت الاحْتِياطات وغطَّيْتَ الاحْتِمالات، ومهما سدَدْتَ الثَّغرات، الله غالب على أمره وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردَّ له، وإذا أراد إنفاذ أمْر أخذ من كلِّ ذي لُبٍّ لبَّهُ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، لم يشْعروا أنّ هذا الطِّفل سيَغْدوا نبِيًّا ويُواجِهُ فرعَون وسيَتْبَعُهُ فرعون ويغرق هو ومن معه، ويورث بنو إسرائيل مُلك فرعون من بعده.
قال تعالى:

﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)﴾

[ سورة القصص ]
بعد أنْ ألْقَتْهُ، فالأمّ أمّ وامتلأ قلبها قلقًا عليه، قال تعالى:

﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)﴾

[ سورة القصص ]
أي مِن شدَّة قلقها وخوفها، كادَتْ أن تقول: ابني في قَصْر فرعون لولا أن ربطَ الله على قلبها، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
عن النَّوَّاس ابن سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ قَالَ وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[ رواه ابن ماجه ]
وقال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾

[سورة الفتح]
فالله تعالى أحْيانًا يَمْنَحُكَ قُوَّة التَّحَمُّل، وأحْيانًا يَجعلُ مُقاوَمَتَكَ هشَّة، تجد رجلاً صامِدًا لأقصى الحوادث، وآخر ينْهار لأتْفَه الحوادِث، فَمَن الذي يُعْطي قُوَّة التَّحَمُّل ؟ الله جل جلاله، من الذي يُفْقِدُ هذه القوَّة ؟ الله جل جلاله، فالله تعالى يمكنهُ أن يربط على قلبك، وكما يمكنه أن يجعله كفُؤاد أمِّ موسى ! قال تعالى:

﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾

[ سورة القصص ]
تتبَّعي أخبارهُ، قال تعالى:

﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾

[ سورة القصص ]
قالوا: هذا التَّحريم ليس تَحريم تَشْريع بل هو تحريم مَنْع، هذا الطِّفل الصغير أعْطِيَ أوَّل مرضِعة فرفضَها، وكذا الثانية والثالثة، فأيَّةُ مرضِعَة غير أمِّه رفضَها، قال تعالى:

﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)﴾

[ سورة القصص ]
قال تعالى:

﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) ﴾

[ سورة القصص ]
لأنَّ الله تعالى قال:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ﴾

[ سورة القصص ]
هذا كَيْدُ الله، ومكْرُهُ تعالى، لكنَّ كيد ومكْر الله فيه الخير، والله يعْلم السرَّ وأخفى.
خطَرَ بِبَالي مَثل وأنا في طريقي إليكم، شاحنة قُوَّتها ثمانون حِصان مُنْدَفِعَة، ما الذي يوقِفُها ؟‍! الذي يوقِفُها شيء أمتَن منها وأصْمَد شاحنة أو جدار، لكن أحيانًا شريط كهربائي في مُحَرِّك الشاحنة لو قطِعَ وقفَتْ ! فما هو الأحْسَن أن توقَفَ بصَدْمٍ أم بِقَطْع هذا الشريط ؟! فالله أقْوى الأقوياء، كل شيء بِيَد الله، ففِرْعون أمر بِذَبْح كل الأطفال ولكن هذا الطِّفل قالت له زوجه هو قرَّة عين لي ولك ! فما قتَله قال تعالى:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)﴾

[ سورة يوسف ]
قال تعالى:

﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) ﴾

[ سورة القصص ]
فلو عُرِضَ عليك مال حرام تَحُلّ فيه كُلَّ مشاكِلِك، وقلتَ أنت: لا إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين، والله تعالى وَعَدَ المستقيم بالفَوْز والعاقبة والتَّوفيق، والنَّجاح والطّمأنينة، ولكنَّ الله يعطيك مهلةً يمْتَحِنُكَ فيها تستقيم وتعفّ عن الحرام، بعد حينٍ يأتي الفرَج، قال تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)﴾

[ سورة النور ]
وقال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)﴾

[ سورة الحج ]
وقال تعالى:

﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)﴾

[ سورة الحج ]
كل هذه الوُعود لا بدّ من أن تُحَقَّق، وزوال الكون على الله أهْوَنُ من أن لا تُحَقَّق هذه الوُعود.
فالله تعالى قال:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾

[ سورة طه ]
مهما حصَّلت من الأموال الطائلة، ومن العلاقات، فإنَّ الله جعل لك وعيدًا فالله وعَد المستقيم بالفَوز، ووعد المُتَصِّدق بِنَماء المال، ووعَدَ الطَّيِّبين بالطَّيِّبات، ووعد المؤمن بالحِماية والتَّوفيق والتأييد والنَّصر قال تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(12)﴾

(سورة المائدة )
وأكثر الناس لا يعلمون أنَّ وعْد الله حق، قال تعالى:

﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(28)﴾

[ سورة سبأ ]
ما عليك إلا أن تسْتقيم على أمْرِهِ، ولا يَحْميك إلا أن تكون على أمره ومُطيعًا له، وأَقْبل على الحلال، وارْكُل الحرام، ففي الحلال برَكَة فعلى الإنسان أن يُطبِّق الشَّرْع وينتظر وَعْد الله، وحبَّذا لو قرأ الإنسان القرآن الكريم والْتقَط وُعود الله، والَعْد ثَمَنُهُ الطاعة، قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

[سورة الأحزاب]
وقال تعالى:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا(141)﴾

[سورة النساء]
امرأة ترمي ابنها في البحر، وتَغْدو بعد حينٍ مُرْضِعَةً له !! صندوقٌ وُضِعَ باليمّ، وسيَّرتْهُ الرِّياح، ووقف أمام غصْن، وأُلْهِمَت امرأة فرعون أن تنزل الشاطئ، وألقِيَ حبَّه في قلبها، ورَجَتْ زوْجها أن لا يقْتُله، وعرَضوا على الطِّفل المراضع فأبى ! ثمَّ جاءَت أُخْتُهُ تتقصَّى أخْبارهُ، ودلَّتْهم على مرْضِعَةٍ يقْبلها والتي هي أُمُّه، وهذا تدْبير الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)﴾

[سورة إبراهيم]
مكْر الكفار مُخيف،إحدى الدول القويَّة تقول: عندي قنابل نويَّة أدَمِّر بها الأرض خمْس مرَّات !! فدمَّرها الله قبل أن تُدَمِّر شيئًا، فأنت أسْعَدُ الناس إن دافع عنك الله، أنت قُمْ بالأسباب وتوكَّل على رب الأرباب وانتَظِر من الله تحقيق وعْدِهِ لك، وُقوع وَعْد الله أقْوى من كلّ شيء قال تعالى:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)﴾

[سورة يوسف]
هذه الآية وردَتْ في سورة يوسف عليه السلام، كانوا اثني عشرة إخوة إئتَمروا على أخيهم ووضَعوه بالجبّ لِيَموت ! فإذا به يصبح عزيز مِصْر، قال تعالى:

﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(58)﴾

[سورة يوسف]
فالذَّكي يقرأ القرآن ويتتبَّعُ وُعود الله عز وجل ويعْمل موجباتها وينالها حُبًّا وكرامة، فالله تعالى ما ذكر هذه القِصَّة لِتَكون قِصَّة ! لا، بل ذكرها لِتَكون قانونًا ننتفِعُ بها نحن الآن في القرن العشرين، المُرضِعة بِيَد الله، والطفل بيَدِ الله، وكذا القلوب بيَدِ الله، وحركة الرِّياح وكل شيء بِيَدِهِ، وبالنِّهايَة قال تعالى:

﴿ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(55)﴾

[ سورة يونس ]
مُلخَّص القِصَّة ؛ يجب أن نعلم أنَّ وعْد الله حق، والإنسان إذا كان مُغطَّى بِوَعد الله فهذا أسْعَدُ الناس تَجِدُ شابًّا لا بيْتًا ولا عملاً ولا زوجةً ولكنَّهُ مستقيم، فالله تعالى يخْلق من الضَّعف قُوَّةً، ويُيَسِّر له، ويمُدُّه بالمال، ويُزَوِّجُهُ دون أيِّ شيء وآخر تجد معه ألف مليون يتدمَّرون بالنوادي الليليَّة، والأمراض، عبدي أعطيتكَ مالاً فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ قال: يا رب لم أنْفق منه شيئًا مخافَةَ الفقْر على أولادي من بعدي فقال: ألم تعلم أنِّي أنا الرَّزاق ذو القوَّة المتين، إنَّ الذي خشيتَهُ على أولادك من بعدك قد أنْزلتُهُ بهم ! حدَّثني أخ فقال لي: أحد الناس تركَ لأوْلاده محلّا بالحمراء ومعملا وبيتا بالمالكي وسيارة، وأقلّ مِن عشْر سنوات لم يبْق معهم ولو قرشًا تدمَّروا، وتورَّطوا بصفقات خاسرة واضطرُّوا أن يبيعوا الأملاك واحدا واحدا، والثاني قال له: أعْطَيْتُكَ مالاً فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ قال: يا رب أنْفَقْتُهُ على كُلّ مُحتاجٍ ومِسْكين لِثِقَتي أنَّك خيرٌ حافِظًا وأنت أرْحمُ الراحمين، قال: يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك، فأحيانًا يموت إنسان يترك خمْسة أولاد أيتام، يُصبِحون أعلاما بالمُجْتمَع ويأتي آخر لم يتَّق الله في كَسْب المال، ويترُك لهم ثرْوَة طائلة ويكونوا من بعده أشقياء.






والحمد لله رب العالمين





 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-21-2018, 12:57 PM   #248


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس الخامس




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، ووصلنا إلى قوله تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾

[سورة القصص ]
فأيُّ مُحْسِنٍ على الإطلاق إذا أحْسنَ عملهُ واسْتقام على أمْر الله يؤْتيه الله الحُكْم والعِلم، والله عز وجل أعْطى القُوَّة لِمَن لا يُحِبّ، وأعطى المال لِمَن لا يُحبّ، أعطاه لِمَن يُحِبّ ولِمَن لا يُحِبّ، أعطى القوّة لِفِرْعون وهو لا يُحِبُّه، وأعطاها لِسُلَيْمان وهو يُحِبُّه، وأعطى المال لِقارون وهو لا يُحِبُّه، وأعطى المال لِعَبْد الرحمن بن عوف وهو يُحِبُّه فإذا الشيء أُعْطِيَ لِمَن يُحِبّ ولِمَن لا يُحِبّ، فهل يُعَدُّ مقياسًا على الحبّ ؟ لا، إطلاقًا، ولكن الحبّ مِقْياسُهُ الحكمة والعلم، قال تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(22)﴾

(سورة يوسف )
وفي آية أخرى قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(269)﴾

[ سورة البقرة ]
لأنَّ بالحِكمة تعرف الله وتسْتقيم على أمْرِه، وبالحِكْمة تُحْسِن انتِقاء زَوْجتِك، وبالحِكمة تُعامِلُها المُعامَلَة الحسَنَة، وبالحِكْمة تُرَبِّي أولادك وتقْطف ثِمار أولادِك، وبالحِكْمة تَكْسِبُ المال الحلال، والمال الحلال مَحْفوظ لك، وبالحكمة تُحْسنُ إنفاق هذا المال، وبالحُمْق تختار الزِّوجة السيِّئة وتُعامِلُها المعامَلَة السيِّئة، فتقَعُ في البيت تفجُّرات أنت بِغِنًى عنها، ولا تُرَبِّي الأولاد ترْبِيَةً صالِحَة ؛ تُعاني مِن عُقوق إذا كبروا ولا تكسبُ المال كسْبًا صحيحًا، وتُعاني مِن الإفْلاس فالحِكْمة سبب السَّعادة والحُمْق والبعد عن الله سبب الشَّقاء، لذا قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(269)﴾

[ سورة البقرة ]
هذا بِنَصِّ كتاب الله وبالمناسبة الحِكْمة لا يُمْكِن أن تُؤْتى لِغَيْر المؤمن إنَّ الله يُعْطي الصِّحة والذَّكاء والمال والجمال لِكَثيرين من خلْقِهِ، أما الحِكْمة فهي للمؤمنين خاصَّةً، لأنَّهم باتِّصالهم بالله وإقْبالهم عليه وأخذهم من حِكْمته تعالى وعلمِه، ومن حِلْمِهِ يُصْبِحون حُكَماء لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما نظَر إلى أصْحابهِ قبل أن تأتِيَهُ المَنِيَّة ابْتَسَم حتَّى بدَتْ نواجذُه، قال:
((علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء !))
قد تَجِدُ إنسانًا دَخْلُهُ مَحدود، وبيْتُهُ صغير، وحياتُهُ خشنة ولكنَّهُ من أسْعَدِ الناس، لأنَّهُ أوتِيَ الحِكْمة، وقد تَجِدُ إنسانًا دَخْلُهُ كبير وبيتُهُ كبير وحجْمُهُ كبير، ولكنَّ بيْتَهُ جحيم، وزواجُهُ جحيم لأنَّهُ فقَدَ الحِكْمة، قال تعالى:

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(1)﴾

[سورة محمد]
لا يُمكن أن يكون البعيد عن الله تعالى حكيمًا، يرْتَكِبُ حماقات ما بعْدَها حماقات وضيق أُفُق وتورُّط، واقْتِحام، ومُبالغَة، ورُدود فِعْل قاسِيَة ؛ هذا كُلُّه من لوازِم البُعْد عن الله تعالى، ومِن لوازِم القرب من الله تعالى الحِكْمة، قال تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾

[سورة القصص ]
العِلْم هو العِلْم، أما الحِكْمة وَضْعُ الشيء في نِصابِه، أن تتكلَّم بالقَدْر الحكيم مع الشَّخص المناسب في الوقت المناسب، وأن تضَعَ الشيء المناسب في المكان المناسب بالقَدْر المناسب وفي الوقت المناسب فالحِكْمة مِن خصائِص المؤمن، لذلك الله عز وجل يُعْطي الحِكْمة للمؤمن فَيَعيشُ في سَلامٍ مع نفْسِهِ، ومع مُجْتَمَعِهِ ومع ربِّه، ومع صحَّتِهِ، فالإسلام كُلُّهُ حِكْمة، اخْتِيار الزَّوْجة بالحِكْمة، وترْبِيَة الأولاد بالحِكمة، وكذا إنفاقُهُ، وبهذا لا تجد المفاجآت والتَّفَجُّرات، فالتَّفَجُّر ناتِج عن الانْحِراف، والمبالغة، قال تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾

[سورة القصص ]
لكي لا تتوهَّم أنّ هذه خاصَّة لِسَيِّدنا موسى، أطْلَقَها الله عز وجل فقال تعالى:

﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ(44)﴾

[سورة المرسلات]
وأجْمَل ما في هذه الآية إطْلاقُها، إنسانٌ يقرأُ كتاب الله كُلَّ يوم ويُصَلِّي الفجْر في جماعة، ويسْتَمِعُ إلى تفْسير كلام الله، ويُطَبِّقُه، ويتقصَّى رِضاء الله عز وجل، فهذا الإنسان راض عنه الله، ومُسَدَّد من الله وله من الله تعالى حافِظ يحْفظه ويُوَفِّقُه، ويُلْهِمُه الصَّواب ويقيسُ الزَّلَل ويُبْعِدُه عن المُشْكِلات ويقيه من الوَرْطات، هذه هي الحكمة.
قال تعالى:

﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾

[سورة القصص ]
في وقْت قَيْلولة قال تعالى:

﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ﴾

[سورة القصص ]
سيِّدُنا موسى دَخَل على حين غفْلَةٍ من أهْلِها فَوَجَدَ فيها رَجُلَيْن يقْتَتِلان هذا من شيعَتِهِ وهذا مِن عَدُوِّه، فَمِن شيعَتِهِ أي مِن بني إسرائيل، ومن عَدُوِّه أي مِن قَوْم فِرْعَون، تَصَوَّر إنسانًا ينْتمي إلى فرعَون ؛ كَم هو قَوِيّ ومُخيفٌ وجبَّار، وكم هو مَرْهوب الجانب ‍! وإنسانٌ ينْتمي إلى فئَةٍ مُذَبَّحُ أطْفالها ومُسْتضْعفة، إذًا هناك مُسْتَضْعَف ومُتَجَبِّر فالمُسْتَضْعَف بنو إسرائيل في عهْد فرعَون، والمُسْتكْبرون هم فرعون ومَن معه.
قال تعالى:

﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَان﴾

[سورة القصص ]
سيِّدُنا موسى أبْعَدَهُ فإذا بذاك الشَّخص يلقى ميِّتًا، وهذه الظاهرة معْروفة بالطِّب، يكون عنده مُشْكلة بقلْبِهِ، ومُشْكِلَة بِدَوْرَتِهِ الدَّمَوِية وتَجَلُّط بالدَّم، فأقلّ حركة يقْضي عليه، فسيِّدُنا موسى ليس قاتِلاً ولم يقْصِد أن يقْتُلَهُ، إنَّما قصَد أن يُبْعِدَهُ، ولكن هذا الذي أبْعَدَهُ من شيعَة فرْعون وهذا الذي انتصَر له من شيعَتِهِ ؛ مُشْكلة كبيرة جدًا.
قال تعالى:

﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) ﴾

[سورة القصص ]
إذا وَجَدْتَ إنسانًا يشْنُقونهُ، لك أن تقول: هذا مِن عَمَل الشَّيْطان، دفَعَهُ إلى الجريمة ثمّ ساقَهُ إلى المحاكَمَة ثمّ شُنِق، تجد إنسانًا يشْرب الخمر فإذا بِحادِث يقضي عليه هو وأسْرَتُه، هذا من عمَل الشيطان، فالكافر الميؤوس من إيمانِهِ يقْصِمُهُ قصْمًا، والكافر الذي فيه بَقِيَّةُ خيرٍ يُعْطى فرْصَة، فهناك مصائب قَصْم، وهناك مصائِب ردع، ومصائب دَفْع فالقصْم للذي شرَدَ عن الله شرودًا بعيدًا، وهناك مصائب ردْع وهناك مصائب دَفْع، وهي مصائب المؤمنين، وهناك مصيبة رفْع ؛ تَرْقى بالمؤمنين، ومصيبة كَشف، وهذه للأنبياء، فالمصائب بين قَصْم وردْع ودَفْع ورفْع، وكَشْف، والأخيرة للأنبياء، إذْ أنَّهم ينْطَوون على كمالٍ لا يُمْكِن أن يبْدُوَ إلا في حالاتٍ صَعْبَة، كان يذْهب النبي إلى الطائف، ويسُبَّهُ أهل الطائف، ويُكَذِّبونه ويرُدُّونه ويسْخرون من دَعْوَتِهِ ويضْربونه، وأن يأتيه جبريل عليه السلام ويقول له: يا محمَّد أمَرَني ربِّي أن أكون طَوْعَ إرادَتِك، لو شئْتَ لأطْبقْتُ عليهم الجَبَلَيْن فيقول:
((لا، يا أخي، اللهمَّ اهْدِ قَومي فإنَّهم لا يعلمون ))
لعلّ الله يُخْرِجُ من أصْلابِهِم من يُوَحِّدُه، والمؤمن بين مُصيبتين ؛ دَفْع ورَفْع والله عز وجل يَدْفَعُهُ إلى بابهِ، وإلى مزيد إلى السرعة إليه، وإلى طاعته، وإلى العمل الصالح، وأحيانًا يكون مُسْرعًا إلى الله فتأتيهِ مُصيبةً فَتَرْفَعُه إلى الله، يقول سيدُنا عليّ رضي الله عنه: والله لو عَلِمْتُ أنّ غذًا أجلي ما قدَرْتُ أن أزيد في عملي ! فالمؤمن بين دَفْع ورَفْع، قال تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

[سورة البقرة]
وعِزَّتي وجلالي لا أقبِضُ عبْديَ المؤمن وأنا أحِبُّ أن أرْحَمَهُ إلا ابْتَلَيْتُهُ بِكُلِّ سيئَةٍ كان عَمِلَها ؛ سُقْمًا في جَسَدِه، أو إقْتارًا في رِزْقِهِ، أو مصيبةً في مالهِ وولَدِه حتَّى أبْلُغَ منه مثل الذرّ فإذا بقِيَ عليه شيء شَدَّدْتُ عليه سَكَرات الموت حتَّى يلْقاني كيوم ولدَتْهُ أُمِّه، فأنت لك عند الله تعالى درجة إما أن تنالها بِعَمَلٍ صالحٍ، أو بِصَبْرٍ على مُصيبة وأنا أنْصَحُ أن يخْتار الإنسان العمل الصالِح، فهو الذي يَحُلّ محلّ المُصيبة ولأنّه أعْمَل.
لِكُل شيء حقيقة، وما بلغَ عبْدٌ حقيقة الإيمان حتَّى يعْلَم أنَّ ما أصابَهُ لم يَكُن لِيُخطأهُ، وما أخْطَأهُ لم يَكُن لِيُصيبَهُ، فسيِّدُنا موسى دخل المدينة على حين غفلتها فَوَجَد رجلان يقتَتِلان، قال تعالى:

﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ(15)﴾

[سورة القصص ]
ثمّ قال تعالى:

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17)﴾

[سورة القصص ]
عَدْلُ ساعَةٍ تعْدِل عند الله عبادة ثمانين عامًا فلا تَكُن مع المُجْرِمين والأقْوِياء الظالمين، ولا تنْصُر الظالمين، ولكن اُنْصر المَظْلومين ولو بدى لك أنَّ هناك خطر عليك، فالله تعالى هو الذي يُنْقذُكَ، ويَحْفظك وهو تعالى الذي يقْلبُ الموازين، وهذه القِصَّة مفادُها ؛ إيَّاك أن تقفَ مع الظالم، وإيَّاك أن تُقِرَّهُ، وأن تُعْطِيَهُ إشارَةً بِعَيْنَيْك، ومن أعان ظالمًا سلَّطهُ عليه.
قال تعالى:

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾

[سورة القصص ]
بدى له أنَّه انتهى، وكَزَ أحد شيعة فرعون، والقاعدة كما قال تعالى:

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) ﴾

[سورة القصص ]
فعلى مُسْتوى تَقْسيم إرْث تجِد الأخ الأقوى يسْتَولي على كل التَّرِكَة فالناس ألِفوا أن يكونوا مع الأقوياء والأغنياء، وأن تكون مع هؤلاء هذا لا يرْفَعُكَ عند الله بل يضَعُكَ في الوَحْل، كُنْ مع الحقّ ولا تَخْشَ الغنيّ، وكُنْ مع صاحِب الحقّ ولو كان ضعيفًا ومنْبوذًا، قال تعالى:

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) ﴾

[سورة القصص ]
فلا تُعلِ شَأن مَن تراه يشْرب الخمر من أقاربك وتُعل شأنهُ وتُبجِّلُهُ فهذا نِفاق ليس بعدهُ نِفاق، ولكن زُرْ أخًا مؤمنًا ومُستقيمًا يعْرف الله عز وجل، قال تعالى:

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) ﴾

[سورة القصص ]
لا تُعِنْهم ولا تُقَدِّم لهم دَعْمَكَ، ولا تُثْنِ عليهم وتعْتَزَّ بِهم.





والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-22-2018, 03:08 PM   #249


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس السادس




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، ووصلنا في سورة القصص من هذه القصَّة إلى قوله تعالى:

﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)﴾

[سورة القصص]
أوَّل اسْتِنباط من هذه الفقْرة أنّ الغِنى هو العمل الصالح وأنّ الفقْر الحقيقي هو فقْر العمل الصالح، لذا قد تَمْلِك مئات الملايين وأنت أفْقر الفقراء إن لم يكنْ لك عَمَلٌ صالِحٌ ينْفَعُكَ بعد الموت، وقد لا تمْلكُ ثرْوة لكنَّ لك أعمال كالجبال فأنت أغنى الأغنياء، هذا ما قاله الإمام علي كرَّم الله وجْهه ؛ قال: الغِنى والفقْر بعد العرْض على الله، هذا النبي الكريم يُقَرِّر بإذْن الله عز وجل أنَّ الغِنى غِنَى الأعمال الصالحة وأنّ الفقْر الحقيقيّ فقْرُ الأعمال الصالحة،
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ))

[رواه الترمذي]
كلمة الحق صدَقة، والنُّصْح صدقة، وأبواب الخير مُفَتَّحة على مصارعها، ترْبِيَة الأولاد من أعْظم الأعمال، والرِّفْق بالزَّوْجة من أعْظم الأعمال ورِعايَة الأبَوَيْن من أعظم الأعمال، ورِعاية الأولاد من أعظم الأعمال والنُّصح للمسلمين من أعظم الأعمال، وإتقان العمل من أعظم الأعمال فَبِإمكانِكَ أن تكون أغنى الأغنياء، وبِمِقْياس الأرض الأغنياء هم الذين يَمْلِكون الملايين المُمَلْيَنَة، ولكنْ بِمِقْياس السَّماء الأغنياء هم الذين سخَّر الله لهم ما يُعينهم على الأعمال الصالحة، قدَّر على يدهم الخير ؛ الخير بِيَدي والشرّ بيَدي فَطوبى لِمَن قدَّرتُ على يده الخير، والوَيل لِمَن قدَّرْتُ على يده الشرّ، وإذا أردْت أن تعرف مقامَك فانْظُر فيما اسْتَعْمَلَك، كيف يسْتعملكَ الله ؟ لِخِدْمَة الخلق أم لإيذائهم، لإعْطائِهم أم للأخْذ منهم ؟ لتَطْمينهم أم لِتَخْويفِهم ؟ الويل ثمَّ الوَيل ثمَّ الوَيل لِمَن جعلَهُ الله أداة تأديب خلْقِهِ! يسوق الشرّ على يَدَيْه، ولذلك أحدهم قدَّم كتابًا للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا مَن جئْتَ الحياة فأعْطَيْتَ ولم تأخذ، أما الكفار أخذوا كُلَّ شيء، ولم يُعْطوا شيئا، والأنبياء أعْطَوا كُلَّ شيء ولم يأخُذوا شيئًا، والمؤمنون يأخذون ويُعطون.
ويا مَن قدَّسْتَ الوُجودَ كُلَّه، ورعَيْتَ قضِيَّة الإنسان، ويا مَن زكَّيْتَ سِيادة العَقْل، ونَهْنَهْتَ غريزة القطيع، ويا مَن هيَّاك تفوُّقك لِتَكون واحِدًا فوق الجميع فَعِشْتَ واحِدًا بين الجميع، يا مَن كانت الرحْمة مهجتك، والعَدل شريعَتَك، والحبّ فطْرَتَك، والسُّموّ حِرْفَتَك ومُشْكلات الناس عبادتَك، سيِّدنا ماذا فَعَل ؟ سقى لِفتاتَين مؤْمِنَتَين ترفَّقَ بهما، فأنت كَمُؤْمِن الآن ألَيْس لك بنات أخ وبنات أخت، أليْسَ لك جار مُتَوَفِّى أولادُهُ أيتام أليْسَ لك أن ترْعى هؤلاء، وتُقَدِّمَ لهم مَعونةً، وهَدِيَّة، وأن تُعالِج مريضًا، وأن تحضر تَعْزِيَة، أليْسَ بِإمكانِكَ أن تفعَلَ الخير ؟ أليْسَ لك أن تقوم في مركبتِك عامَّة لامرأة مُحَجَّبَة ؟ أليْسَ بإمكانك أن تُعطي مقْعَدَك لِرَجُل كبير بالسِّنّ ؟ أليْسَ بإمكانِكَ أن تبْتَسِم لِمَن هم دونَك ؟ أحيانًا تجِدُ مَن يبْخل بابْتِسامة لأخٍ صانِعٍ عندهُ، والابْتِسامة في وَجْه أخيكَ صدَقَة، ألا تستطيع أن تزور أقْرِباءَكَ يوم الجمعة ؟ صلة الرَّحِم ! تنصحهم وتُبلِّغُهم، وتأتي بهم على الجامع، وتأتي بأولاد أخوك على الجامع، ماذا فعل سيدنا موسى ؟ سقى لِفتاتَيْن ابنتي شعيب، قال تعالى:

﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾

[سورة القصص]
أبواب الخير مُفَتَّحة على مصارعها.
قال تعالى:

﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾

[سورة القصص]
اسْتنبط العلماء أنّ المرأة المؤمنة لا تُزاحِمُ الرِّجال، ومن صفات المرأة المؤمنة أنَّها تبتعِدُ عن مُزاحَمَة الرِّجال، قال تعالى:

﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾

[سورة القصص]
كلمة واحدَة، وكلَّما زاد إيمانك خاطَبْتَ الأجْنبيَّات بِكَلِمَة واحدة جادَّة صارِمَة مُخْتصرة، ما خطبكُما ‍! وليس في اللُّغة كلمة أقلّ منها، لم يقل: ماذا تفعلان هنا ؟ أنا بِخِدْمتِكم، قال تعالى:

﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا(32)﴾

[سورة الأحزاب]
ما خطبكما، يُمْكن أن تبيع النِّساء، ولكن بالجدّ ! هذه سِعْرها كذا ! وأحْيانًا المرأة تقول: نحن جيرانك، وقلبك قاسٍ علينا، ألا تُراعينا ؟! اللِّين اجْعَلْهُ مع زَوْجتِك، ليس في البيت دبور وبالخارج شَحرور ! هذا الكلام الطيِّب دَعْهُ لِزَوْجتك، ولِمَن تحلّ لك، وابْتِسامتك لِزَوْجتِك وأذْكر مرَّة أنَّني كنتُ بِمَحَلّ تِجاري، وصاحب المحلّ أعْرفُهُ، دَخَلَتْ امرأة فرحَّب بِها تَرْحيبًا غير مَعْقول، فأنا مِن شِدَّة أنَّني أعْرِفُهُ مؤمنًا جَزَمْتُ أنَّها أُخْتُهُ وأحد العلماء كان بالصَّدر فعبسَ، فقلتُ له: هذه أخْتُهُ ! ولمَّا ذهَبَت قال لنا: هذه أخْتي.
الآن اسْمعوا الجواب، قال تعالى:

﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)﴾

[سورة القصص]
واسْتَنْبَطَ العلماء أنَّ المرأة لا تخْرجُ إلا لِضَرورة قال تعالى:

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)﴾

[سورة الأحزاب]
فإذا خَرَجْتِنَّ لِضَرورة فتسَتَّرن، وقد وردَ أنَّ البيان يطْرد الشَّيْطان يقول: هذه أختي كي لا يُساء الظنّ فيه ورحمَ الله عبْدًا جبَّ المغيبة عن نفْسِهِ، لا تجعل نفْسَك في مواضع الشُّبْهة والتُّهْمة، دائِمًا لا تضَع نفْسَكَ موْضِع التُّهْمة، ثمَّ تَلوم الناس إذا اتَّهَموك، فإذا كنت مُسافِرًا وكلَّفْتَ أخ زوْجتِكَ أن يتردَّد على أخته فلا بدّ أن تُبَيِّن للجيران أنَّك مسافر وسوف يتردَّد أخو زوْجتِكَ، حتى لا يشكَّ أحد في عرضِك البيان يطْرد الشَّيْطان، ولا تضَع نفْسَكَ مَوْضِعَ التُّهْمة ثمَّ تَلوم الناس إذا اتَّهَموك، قال تعالى:
ًُ
﴿مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾

[سورة القصص]
وكل واحِد مِنَّا أيها الإخوة، يستطيع أن يفْعل مائة عمل صالح باليوم وحتَّى أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يكْنُس دارهُ، ويحْلبُ شاتهُ ويخسف نعلَهُ، وكان في مؤونة أهله، فلو أعَنْتَ زَوْجتَكَ هو لك صَدَقة ولو أفْرَغْت دلْوَك في دَلْوِ المُسْتسْقي هو لك صدَقة، طالب علم مِن إفريقيا يجب أن يُقابل أستاذًا له من بيْروت وركِبَ سيارة تاكسي، فهذا التاكسي أوْصَلَ هذا الطالب إلى بيروت وأرْجعَهُ واشْترى له هدايا وقال له لا أريد منك شيئًا ! وقال له: اُدْع لي، وكذا إذا كنت طبيبًا لك أن تُعين من ليس معه، فأبواب العمل الصالح مُفتَّحَة على مصارعها، قال تعالى:

﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾

﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾

[سورة القصص]
ولا تَنْسَوا قَول الإمام عليّ كرَّم الله وجْهه: الغِنى والفقْر بعد العرْض على الله ! والإنسان إذا وضَع اللُّقْمة في فيِّ زوْجتِهِ يراها مثل أُحُد فأنت في أكلك يمْكن أن تعمل العمل الصالح، رأيتَ قليلاً من اللَّحْم أعطه لِزَوْجَتِكِ، ولابنك.





والحمد لله رب العالمين




 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 03-22-2018, 03:10 PM   #250


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تفسير سور القران الكريم كاملا



بسم الله الرحمن الرحيم


سورة القصص (28)


الدرس السابع



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، ووصلنا في سورة القصص من هذه القصَّة إلى سيِّدنا موسى مع مَدْيَن في قوله تعالى:
﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

[ سورة القصص ]
وأجْمَلُ ما في المرأة حياؤُها، وأكبر شيء يلْفتُ نظَر الرَّجل في المرأة حياؤُها، ومن علامات آخر الزَّمان أنَّ الحياء يُرفَعُ من وُجوه النِّساء وأنَّ النَّخْوَةَ تذْهب من رؤوس الرِّجال، وأنَّ الرَّحمة تُنْزَع من قلوب الأمراء، فلا رحمة في قلوب الأمراء، ولا نَخْوة في رؤوس الرِّجال ولا حياء في وُجوه النِّساء.
قال تعالى:

﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

[ سورة القصص ]
علماء النَّفس فرَّقوا بين الأنوثَة وجنس المرأة، فَكُلّ امرأة لها رحمٌ وأعضاؤُها مُتوافقة مع جنْسِها، هي امرأة، لكنَّ الشيء الذي أكرَمَها الله به أنوثتَها، فإذا خالَطَت الرِّجال، وخرجَت عن منهج الله عز وجل فقَدَتْ أثْمَنَ شيءٍ تَمْلِكُهُ، وهو أُنوثَتُها، وأُنوثَتُها مُتَعَلِّقَةٌ بِحَياتِها ولا يلْفتُ نَظَر الرَّجل في المرأة إلا حياؤُها فالله تعالى قال:

﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾

[ سورة القصص ]
تَعقيبًا على دَرْس البارِحَة قالتْ له: كلامًا مُخْتصَرًا ومُفيدًا، وموجَزًا ولا يحْتَمِل الحِوار قال تعالى: قالتْ:

﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾

[ سورة القصص ]
فلو قالتْ له إنَّ أبي يَدْعوك ‍! يقول لها: من أبوك ؟ وما المناسبة ؟ ولماذا يَدْعونني ؟ تقول له: إنّ أبي يدعوك لِيَجْزِيَكَ أجْر ما سَقَيْتَ لنا قالتْ كلمَةً جامِعَةً مانِعَةً فيْصلاً لا يحْتمل النِّقاش ؛ فهي قالتْ كما قال تعالى:

﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)﴾

[ سورة القصص ]
معنى هذا أنَّهُ حينما وكَزَ هذا الرَّجل فقَضى عليه، ما أراد قَتْلَهُ، وليس هذا النَّبي الكريم مُقاتِلاً، فَمَوت ذاك الرَّجل كان قضاءً وقدَرًا، ولِحِكْمةٍ أرادها الله عز وجل، كان مَوْتُهُ على يَدِ هذا النبي الكريم لِيَخْرُجَ من قصر فِرْعون، ولِيَذْهب إلى مَدْيَن، ثمَّ لِيَأتِيَهُ الوَحي ولِيُكَلِّمه الله تَكْليمًا كن لِما لا ترجو أرْجى منك لما ترجو.
قال تعالى

﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾

[ سورة القصص ]
يبْدو أنَّ حياء المرأة واضِحٌ جدًا، فهي اسْتَحْيَت أن تقول: يا أبت زوِّجْني إيَّاه، قال تعالى:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾

[ سورة القصص ]
الآن سؤال آخر ؛ إذا كان حياء المرأة وأُنوثتُها هو الذي يلْفتُ نَظَر الرَّجل إليها، فإنَّ قُوَّة الرَّجل وأمانتهُ يلْفِتُ نظَرَ المرأة في الرَّجل فالمرأة تُعْجَب بِقُوَّة الرَّجل وأمانتهِ، والرَّجل يُعْجَب بِحَياء المرأة وهذا في الرَّجل السَّوِيّ، وفي المرأة السَّوِيَّة، قال تعالى:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾

[ سورة القصص ]
سيِّدُنا عمر عِمْلاق الإسلام كان إذا أراد أن يُعَيِّنَ واليًا يقول له: خُذْ عَهْدَكَ، وانْصَرِف إلى عملك، واعلمْ أنَّكَ مَصْروف رأس سنتِكَ وأنَّك تصير إلى أربعِ خِلال فاخْتَر إلى نفْسِكَ، إنْ وَجَدْناكَ أمينًا ضعيفًا اسْتَبْدَلناك لِضَعْفِكَ، وسلَّمَتْكَ من مَعَرَّتِنا أمانتُك، وإن وجَدْناكَ خائِنًا قَوِيًّا حازِمًا، اسْتَهَلْنا بِقُوَّتِكَ، وأوْجَعْنا ظَهْرَكَ، وأحْسنَّا أدَبَك، وإن جَمَعْتَ الجُرْمَيْن جَمَعْنا عليك المضَرَّتَيْن ؛ العَزْل والتَّأديب، وإن وَجَدْناك أمينًا قَوِيًّا زِدْناكَ في عَمَلِكَ، ورَفَعْنا لك ذِكْرَك، وأوْطَأنا لك عَقِبَك، والقوَّة والأمانة بِلُغَةِ العصْر الآن، الكفاءةُ والإخلاص والكفاءةُ مَقْدِرَةٌ على تَصْريف الأمور، والإخلاص هو النَّزاهَة، فإذا كنتَ تُريدُ لِمَحَلِّكَ التِّجاري شابا ابْحَث عن القَوِيّ الأمين، وإن كنتَ تُريد لابْنَتِكَ زَوْجًا فابْحَث عن القويّ الأمين، وإن كنت تُريد مُديرًا لأيّ جهة فابْحَث عن القويّ الأمين ؛ القُوَّة والأمانة خصِيصَتان لِلمَنَاصِ للقِيَادِيَّة قال تعالى:

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾

[ سورة القصص ]
فهو الْتَفَتَ إلى حيائِها، وهي الْتَفَتَتْ إلى قُوَّتِهِ وأمانتِهِ، فَقُوَّتُهُ حينما سقى لهما، وأمانتهُ حينما قال للفتاة: اِمْشِ ورائي ودُلِّيني على البيْت فهي تأثَّرَت لِهذه الأمانة.
قال تعالى:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)﴾

[ سورة القصص ]
معنى هذا أنَّ للخاطِبِ أن يرى مَخْطوبَتَهُ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: اُنْظر إليها، والشيء الآخر الذي يُقَصِّر فيه الناس هو أنَّ الإنسان يسْتحي أن يعْرِضَ ابْنَتَهُ على شابٍّ وهذا مِن السُّنَّة، وهذا فَعَلَهُ نبِيٌّ كريم، فإذا كانت لك بنْتٌ مُناسِبَة جدًّا، ورأيْتَ شابًّا كُفْأً أمينًا صادِقًا، وعرَضْتَ عليه فتاتَكَ فإنْ وافَقَ فَبِها ونِعْمَت، وإن لم يُوافِق فلا شيء عليك، أما كُلّ أب هو مُكَلَّف أن يبْحَث لها عن شابٍّ صادِق وأحيانًا تتزوَّجُ الفتاة صدفَةً، أما الأصْل أن تختار لابنَتِكَ، وإذا كان هو يسْتحي، مَن مَشى بِتَزْويجِ رَجُلٍ بِامرأةٍ كان له بِكُلِّ كلمةٍ قالها وبِكُلِّ خُطْوَةٍ خطاها عِبادة سنة قام ليلها، وصام نهارَها ! وهذا مِن أجلِّ الأعمال ؛ أن تكون شفيعًا بين زَوْجَيْن، إما في عَقْد الزَّواج، وإما في إصْلاح الزَّواج، فالذي يُصلح بين الزَّوْجَين له شأن عند الله عظيم لِقَول الله عز وجل:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال]
فَمِن معاني هذه الآية أن تُصْلِح نفْسَك، ومن معاني هذه الآية أن تُصْلِحَ ما بينك وبين الآخرين، وأيّ علاقة بين اثْنَين، وأجلّ علاقة وأهمّ علاقة بين اثْنَين هي علاقة الزَّوْجَين، لأنَّ عَقْد الزَّواج هو أقْدَسُ عَقْدٍ على الإطلاق، قال تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(21)﴾

[ سورة النساء ]
فالرَّجل يرى من زوْجتِهِ ما لا يسْتطيعُ أبوها أن يراه، ولا أخوها ولا ابنُها وعمُّها ولا خالها، ولا ابن أخيها ولا ابن أُخْتِها، لذلك قال تعالى:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)﴾

[ سورة القصص ]
فالمَهْر من لوازِمِ عَقْد الزَّواج، وأيُّ عَقْدِ زواج من دون مَهْرٍ فَهُوَ فاسِد لا بدَّ مِن أن يُصَحَّح بِمَهْر المِثْل، وهذه القِصَّة فيها أركان عَقْد الزَّواج قال تعالى: قال إني أُريد أن أنْكِحَكَ " هذا الإيجاب وقوله تعالى:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾

[ سورة القصص ]
هذا المَهْر وقوله تعالى:

﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾

[ سورة القصص ]
دليل رؤْية المَخْطوبة.
قال تعالى:

﴿حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)﴾

[ سورة القصص ]
هذه الكلمات في هذه الآية ينبغي أن تكون شِعارَ كُلِّ أب، أنتَ عمركَ خمسًا وخمسين سنة، بيْتُكَ مُرَكَّز، ولك عمل، وتَوَدُّ مِن شاب عمرهُ خمسًا وعِشرون له بيْت بالشَّام !! مُسْتحيل، وتودُّ سيارة، ومحلّ !! هذه طلَبَات تَعْجيزِيَّة، سَلْ نفْسَكَ فقط، ما الذي كنت تَمْلِكُهُ في هذا السِّنّ ؟ كنت مُعْدَم ولا شيءَ معك ! فكَيْفَ زوَّجَك بيْتُ حماك ؟! فَبَعْدَ أن أكْرَمَكَ الله وأعطاك تَجْعَل عَقَبات أمام شاب، وكُلّ إنسان يضَع عَقَبات تَعْجيزِيَّة أمام تَزْويج ابْنَتِهِ كأنَّهُ يُكْرِهُ فتاتهُ على الزِّنا، لأنّ الله تعالى خاطَب المؤمنين، وقال:

﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾

[سورة النور]
هذه الآية يَصْعُب فَهْمُها، إذْ لا يُعْقَل مَن يُكْرِهُ فتاتهُ على الزِّنا، لكنَّ علماء التفسير رحمهم الله قالوا: هذه الآية لها معنىً عميق ؛ كُلُّ أبٍ يضَعُ مطالب تَعْجيزِيَّة أمام خاطِب ابنِه كأنَّه في النِّهاية يُكْرِهُ فتاتَهُ على الزِّنا فلو كان لك مَحلّ تِجاري ولك دخل مائة ألف باليوم، ولك عامل تُعطيع ألفين بالشَّهْر، والصُّندوق بِيَدِهِ، فأنت ماذا تفعل له ؟ أنت تحْملهُ على السَّرِقَة، فَكُلّ إنسان يضَعُ شروط تَعْجيزِيَّة أمام ابنته، وهو لا يشْعر يَحْمِل ابنتَهُ على الانْحِراف.
خطيب من خُطباء دِمَشق جاء رجل من أهل اليسَار، وشكى له مصيبَةً لا يتحمَّلُها إنسان، فقد كان هو وزوْجَته يرون التلفاز، واشْترى ستلايت لِكَي يرى مكَّة المُكَرَّمة كما قال ! وأثناء تغييره المحطَّات مرَّتْ محطَّة مُنْحطَّة، فرأسًا غيَّرها الأب، الابن أخذَ الرَّقم، وبعدما تعشَتْ الأسرة ونامَت، وقد كان للأب بِنْتَين وولدَين، قام الابن بالليل وشغَّل التِّلفاز على هذه المحطَّة، وأفاق أخوه الثاني وأراه المناظر الخليعَة وفعلاَ بِأُخْتَيهما العَجَب، فالأب بالليل سَمِعَ أنينًا غير عادي فلمَّا ذهب لِغُرفة الأولاد، وجَدَ كُل ابن فوق ابنته !!!
قال تعالى:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾

[ سورة القصص ]
فإن وجَدَ بيتًا بعيدًا عن العاصِمَة، أو له غرفة مع أوليائه، قل له: أنا مُوافق.
قال تعالى:

﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾

[ سورة القصص ]
هذا القبول، فصار عَقْد الزَّواج إيجابا وقَبولا ومَهْرا، والآن بقِيَ الشاهِدان ؛ قال تعالى:

﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)﴾

[ سورة القصص ]
فالله خير شاهِدَا فأصْبَحَ بهذا إيجاب وقَبول ومَهْر ورؤية المَخطوب والشُّهود، ولعلَّ النبي عليه الصلاة والسلام اسْتنبط أركان الزَّواج من هذه القِصَّة.
واسْتَنْبَطَ العلماء أنَّه لا يجوز للزَّوْج أن يُسافر بِزَوْجتِهِ ما لم يَدْفَع لها مَهْرها، قال تعالى:

﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)﴾

[ سورة القصص ]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
القران, الكريم, تفسير, صور, كاملا


 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
امثال من القران الكريم السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 36 08-21-2018 07:54 AM
الفواكه المذكورة في القران الكريم السعيد رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 3 11-16-2017 07:22 PM
اشهر قراء القران الكريم السعيد رِيَاضُ الإعْجَازُ القُرْآنــي 2 11-13-2017 11:19 AM
مد التاءات وقبضها في القران الكريم عاشقة الأنس رِيَاضُ أَرْوِقَةُ الأُنْس 6 10-31-2015 01:34 PM
قصة نبي ورد ذكره في القران الكريم ، بحث عن قصة نبي ورد ذكره في القران الكريم سجى ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين 1 09-17-2014 11:17 AM


الساعة الآن 04:49 AM