سَمَاءُ الأُنسِ تُمطِر حَرْفًا تُسْقِي أرْضَهَا كلِمة رَاقِيَة وبِـ قَافِيَة مَوزُونَة و نبْضُ حرْفِ يُفجِّرُ ينَابِيع الفِكْرِ سَلسَبِيلًا، كُن مَع الأُنِسِ تُظِلُّ بوارِفِ أبجدِيَتِهَا خُضْرَة ونُظْرَة وبُشْرَى لـ فنِّ الأدبِ و مَحَابِرَهُ. وأعزِف لحنًا وقَاسِم النَاي بِروحَانِيَة وسُمُوِ الشُعُور و أَرْسُم إبْدَاعًا بِـ أَلْوَانٍ شَتَّى تُحْيِ النَفْسَ بِـ شَهقَةِ الفَنِّ نُورًا وسًرُورَا كَلِمةُ الإِدَارَة







جديد المواضيع

العودة   منتديات رياض الأنس > |~ هُدَى الرَحْمَن لِـ تِلَاوة بِـ نبَضَات الإيمَان ~| > رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة

رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة ( يختص بالعقيدة والفقه الاسلامي على نهج أهل السنة والجماعة)

الإهداءات

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-11-2018, 06:57 AM   #1


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الاول )

الموضوع : مقدمة 1ـ من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. أسماء الله الحسنى تعريف بذات الله عز وجل :
أيها الأخوة الأكارم، مع مقدمة أولى لبرنامج جديد عنوانه:" سبل الوصول وعلامات القبول"، ينطلق هذا البرنامج الجديد من قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
[سورة الكهف الآية: 110 ]

كأن الله سبحانه وتعالى سيلخص لنا الوحي هنا.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 110 ]
هذا هو التوحيد. ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف الآية: 110 ]
الإنسان إذا عرف الله ينشأ عنده سؤال كبير، كيف أصل إليه؟ حدثتك عن ملك عظيم، تقول لي: هل من سبيل لأصل إليه؟ إذا كانت أسماء الله الحسنى تعريفاً بذات الله عز وجل، فهذا البرنامج كيف نصل إلى الله جلّ جلاله صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى؟ وكأن هذا البرنامج يتكامل مع البرنامج السابق، الله عز وجل ذات كاملة، أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى، السؤال: كيف أصل إليه؟ ما الوسائل التي تعجل الوصول إليه؟. ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾
[ سورة طه ]
العمل الصالح الذي يرضاه الله عز وجل هو ما كان خالصاً وصواباً
لذلك ينطلق هذا البرنامج من هذه الآية ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾
لقاؤه في الدنيا، الاتصال به، لقاؤه في الجنة في الآخرة، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
وليكن هذا العمل خالصاً لي، ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
من هذه الآية كان عنوان هذا البرنامج، سبل الوصول وعلامات القبول ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
لذلك حينما قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
[سورة النمل الآية: 19 ]
قال العلماء: العمل الصالح الذي يرضاه الله عز وجل ما كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة. الخُلق الحسن يقع على رأس الأعمال الصالحة :

أيها الأخوة، يقع على رأس الأعمال الصالحة الخلق الحسن، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، أوتي الوحي، أوتي المعجزات، أوتي جمال الصورة، أوتي الفصاحة، حينما أراد الله أن يثني عليه أثنى عليه بالخلق الحسن، قال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم ]
من هنا لخص النبي صلى الله عليه وسلم بعثته كلها بمكارم الأخلاق، فقال: (( وإنما بعثت معلماً ))
[أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
[أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]
الشجاعة والكرم من القيم الأصيلة للعرب قبل الإسلام :
كلمة لأتمم مكارم الأخلاق فيها واقعية، لأن الشجاعة والكرم من القيم الأصيلة لهذه الأمة قبل الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( وإنما بعثت معلماً ))
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))

بعض أصحاب النبي رضوان الله عليهم سألوا السيدة عائشة، قالوا: "يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت هذه الزوجة الوفية: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ثم قالت: اقرؤوا:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون ]
فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم". صفات النبي عليه الصلاة والسلام :
1 ـ كان جمّ التواضع وافر الأدب:

لذلك قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، كان خلقه القرآن.
لقد كان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع، تقول: بئر جم، أي ماؤه كثير، كان كثير التواضع، وافر الأدب، تواضع كثير وأدب جم.





2 ـ يبدأ الناس بالسلام وينصرف بكلّه إلى محدثه :
يبدأ الناس بالسلام، وينصرف بكلّه إلى محدثه، يهتم به صغيراً كان أو كبيراً، أو إذا صافح أحداً؛ كان عليه الصلاة والسلام آخر من يسحب يده إذا صافح، هناك شخص يصافح بأصابعه فقط، باستعلاء، وهناك شخص لا يسلم، وهناك شخص لا ينتبه إلا لإنسان كبير، أما هؤلاء الدهماء، السوقة لا يلتفت إليهم، كان عليه الصلاة والسلام ينصرف بكلّه إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، وكان آخر من يسحب يده إذا صافح.
3 ـ يضع الصدقة بيده في يد المسكين و لم يرَ ماداً رجليه قط :

وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، تطييباً لقلبه، وإذا جلس جلسَ حيث ينتهي به المجلس، هناك أشخاص كثيرون إذا لم يكن في الصف الأول يتبرم، ويتكلم كلاماً قاسياً، لا تعرفون أقدار الناس؟ وإذا جلس جلسَ حيث ينتهي به المجلس، لم يُرَ ماداً رجليه قط، إلا إذا إنسان معذور فهذا وضع ثان، أما إنسان صحيح لم يرَ ماداً رجليه قط، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته، أو حاجة صاحب أو جار، كان يخدم نفسه.
أحد الصحابة وقع زمام الناقة من يده، فنزل من على الناقة ليأخذ زمامها، صحابي آخر قال له: قل لي أن أعطيك إياها، قال له: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أسأل الناس شيئاً، ما دمت قادراً فاقضِ حاجتك بيدك، اخدم نفسك، هذا من التواضع، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
[ أخرجه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ]
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
[أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله ]
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
[ورد في الأثر]
4 ـ يحمل بضاعته بنفسه

كان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول: أنا أولى بحملها، هذه أخلاق النبي، بهذه الأخلاق وصل أصحاب رسول الله إلى مشارف الصين، وإلى مشارف باريس، ولو فهم الأصحاب الكرام الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج من مكة المكرمة، يقول: أنا أولى بحملها، وكان يجيب دعوة الحر والعبد، قال:
(( لو دُعيتُ إلى كُراَع أو ذراَع لأجَبتُ ))
[أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]
أقدام الدابة، بالغميم ـ أي بظاهر المدينة ـ لأجبت.
5 ـ يقبل عذر المعتذر :
وكان يجيب دعوة الحر، والعبد، والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يقول: (( ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا ))
[أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
متنصلاً، أي اعتذر ونفى الشيء، فقال النبي الكريم: (( فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا ))
وكان يقبل عذر المعتذر، وكان يرفو ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، وكان في مهنة أهله ـ أي في خدمتهم ـ رجال كثيرون يأنفون ويترفعون أن يساعدوا زوجاتهم في عمل البيت، وكان في مهنة أهله، طبعاً صواب كلمة المهنة يقول لك: مهن، صوابها الحرفة، أن تقول مهنة وتقصد بها حرفة هذا خطأ شائع، صواب المهن الحرف، وكان في مهنة أهله.
6 ـ يأكل مع الخادم ويقضي حاجة الضعيف والبائس :
وكان يأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، وكان يمشي هوناً. ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
[ سورة الفرقان الآية: 63 ]
7 ـ يمشي هوناً لا ينطق من غير حاجة :

كان يمشي هوناً خافض الطرف من تواضعه، متواصل الأحزان، فالإنسان إذا حقق أهدافه بالحياة لا يعنيه الناس، لكن هناك إنسان تسأله كيف حالك؟ يقول: والله أنا لا يوجد عندي مشكلة، لكن أنا متألم لما يعانيه المسلمون، إن لم تبكِ لما يقع في بلاد المسلمين من قتل، ومن نهب ثروات، ومن اعتداء على الحرمات، أنت ألست مسلماً؟ أليس هؤلاء قومك؟ كان يمشي هوناً، خافض الطرف، متواصل الأحزان، دائم الفكرة، لا ينطق من غير حاجة، كلامه هادف، يبتعد عن اللغو
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
طويل السكوت، كان يُرى أكثر دهره صامتاً فإذا تكلم بذّ القائلين، إذا تكلم تكلمَ بجوامع الكلم، كلام مركز، كلام واضح، كلام معبر، لا يوجد لغو بكلامه، والمؤمن إذا عدّ كلامه من عمله ضبط لسانه. (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]
8 ـ لا يهين أحداً طليق الوجه و يعظم النعم وإن دقت :

كان دمثاً، كان يحذر الناس، ويحترس منهم من دون أن يطوي بشره عن أحد في ابتسامة تعلو وجهه دائماً.
وكان دمثاً ليس بالجاحف ولا المهين، لا يهين أحداً، لا يُحمر الوجوه، لا يحرج أحداً، يُعظم النعم وإن دقت، شربت كأس ماء، هناك من لا يستطيع شربها، أكلت مع أهلك، هناك من لا يستطيع أن يأكل الطعام، سيروم، تمشي على قدمين، تتحرك، هناك من كان طريح الفراش، يعظم النعم، بل في بعض الشمائل كانت تعظم عنده النعم مهما دقت، لا يذم منها شيئاً، هناك أشخاص كثيرون يشمئزون من بعض الأطعمة، يعلقون تعليقات سيئة، ما ذمّ طعاماً قط، ولا يذم مذاقاً، ولا يمدحه.

9 ـ لا تغضبه الدنيا ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها: لا تغضبه الدنيا.
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبة فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
لا تغضبه الدنيا وما كان لها، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
10 ـ إذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غضّ طرفه :
إذا غضب أعرض وأشاح، هناك أشخاص يرفعون أصواتهم، يدفعون الباب، يكسرون الأواني، يسبون، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه.
11 ـ يؤلف و لا يفرق :

كان يؤلف ولا يفرق، يدخل إلى بيت أخته، ما هذا البيت! هي راضية عن زوجها، أدخل في قلبها الشك، كان يؤلف ولا يفرق، يقرب ولا ينفر، يقرب من الله، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، أي يعرف أقدار الرجال.
جاءه عدي بن حاتم فانطلق به إلى بيته، وكان عدي بن حاتم يظن أنه سيلقى ملكاً، استوقفته امرأة في الطريق وقف طويلاً وهي تكلمه في حاجتها، قال: والله ما هذا بأمر ملك فلما دخلا إلى البيت، يقول عدي بن حاتم: دفع إليّ وسادة من أدم محشوة ليفاً وقال: اجلس على هذه، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، قال: فجلست عليها، وجلس رسول الله على الأرض.
12 ـ كان عليه الصلاة و السلام يتفقد أصحابه دائماً:
يتفقد أصحابه، نحن الحد الأدنى لنا أخ يأتي كل درس فجر، غاب اليوم، نسأل عنه، نتفقده، ويسأل الناس عما في الناس، هناك إنسان لا يوجد عنده مشكلة، لا يهتم بالناس، و إنسان آخر لا يوجد عنده مشكلة، لكنه يهتم بالناس، يهتم بأرزاقهم، بأقواتهم، بصحتهم، بمشكلاتهم.
13 ـ يحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبيح ويوهنه :
الحسن يجب أن تثني عليه، إنسان دخله محدود لكن أخلاقه عالية جداً، مستقيم، وبيته إسلامي، لأن دخله قليل لا يحسنه، يجب أن تحسن الحسن، وأن تقبح القبيح، لا يقصر عن حق، ولا يجاوزه، مبدأه وسطي، أحياناً تحب إنساناً تتغاضى عن معاصيه الكبيرة، وأحياناً تبغض إنساناً وتنسى كل محاسنه، لذلك ورد: ((أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما ))
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
14ـ لا يرد أحداً في حاجة :
ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، شيء عجيب! ما التقى النبي بإنسان إلا ظنّ هذا الإنسان أنه أقرب الناس إليه، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، يلتقي بالصغار، وبالكبار، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، لولا التشهد كانت ولاؤه نعم، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو ما يسره من القول.
15 ـ كان لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش :
كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي، شيء ما أعجبه يتغافل عنه، ظلّه خفيف، ولا يخيب فيه مؤمله، إنسان علق عليه الآمال لا يخيب فيه مؤمله، كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عورته، هذا الذي يقلد الناس في مشيتهم، في تكلمهم، ليس من أخلاق النبي، لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه. 16 ـ يضحك مما يضحك منه أصحابه و يصبر على الغريب :
وهو يعيش مع أخوانه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، هناك شخص يبقى عبوساً قمطريراً و لو ضحك أصحابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر على الغريب وعلى جفوته.
قال له: "أعطني يا محمد من هذا المال، فهذا المال ليس مالك ولا مال أبيك، قال لهم: صدق إنه مال الله".
مرة شده أعرابي من ثوبه حتى أثّر على رقبته الشريفة، ويصبر على الغريب في جفوته، وفي مسألته، ولا يقطع على أحد حديثه، مستمع من الطراز الأول، والحديث عن شمائله لا تتسع له المجلدات، ولا خطب في سنوات، ولكن الله جلّ جلاله لخصها في كلمات فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم ]
بالخلق العظيم نتقرب إلى الله العظيم. الخلق الحسن أعلى مرتبة في الإسلام و الإيمان :

أيها الأخوة، جمعت لكم عدداً من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بالخلق العظيم قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن أحسن الناس إسلاماً، إن أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً ))
[أخرجه البزار عن أنس بن مالك ]
أي أعلى مرتبة في الإسلام الخلق الحسن، أعلى مرتبة في الإيمان الخلق الحسن. (( من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله ))
[أخرجه ابن حبان عن عائشة أم المؤمنين ]
البطولة أن تكون حسن الخلق في البيت. (( أَكْمَلُ المُؤمِنينَ إِيمَانا: أَحْسَنُهُمْ خُلُقا، وَخِيَارُكُمْ: خِيَارُكُمْ لأهلِهِ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
(( من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: أحسنهم أخلاقاً ))
[أخرجه الطبراني عن أسامة بن شريك ]
الإسلام كلّه خلق :
إن أقرب المؤمنين مجلساً من رسول الله أحسنهم خلقاً، وإن خير ما أعطي الإنسان الخلق الحسن، وأنه ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء ـ يتكلم في الفواحش، بذيء اللسان ـ أما المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))
[أخرجه أبو داود عن عائشة أم المؤمنين ]
(( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة ))
[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك ]
الخلق الحسن كما قال عليه الصلاة والسلام: (( الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ))
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]
أيها الأخوة الكرام، سُئل عليه الصلاة والسلام: (( أَيُّ المؤمنين أفضل؟ قال: أَحْسَنُهُم خُلُقا. قيل: فأيُّ المؤمنين أَكْيَسُ؟ قال: أكثرهم للموت ذِكْرا، وأَحْسَنُهُم له استعدادا قبل أن ينزل به. أولئك هم الأكياس ))
[ أخرجه زيادات رزين عن أنس بن مالك]
أيها الأخوة، في لقاءات قادمة إن شاء الله نتابع الحديث عن الأعمال الصالحة التي توصلك إلى الله، ونتحدث أيضاً عن صفات هذه الأعمال، حتى تكون مقبولة عند الله، فبرنامجنا سبل الوصول وعلامات القبول.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:00 AM   #2


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول





بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثانى )

الموضوع : مقدمة 2ـ قواعد كلية فى الحلال والحرام






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحلال و الحرام :
أيها الأخوة الكرام، مع مقدمة ثانية لبرنامج: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والحقيقة الدقيقة في هذا اللقاء الطيب أنه كما أن الأخلاق الحسنة أكبر مسرع إلى الله كذلك الوقوع في الحرام حجاب عن الله عز وجل، ففي حياة المسلمين حلال وحرام.

والحديث عن الحلال والحرام حديث يطول، ولكن هناك قواعد كلية في الحلال والحرام ينبغي أن تكون بين أيدينا، كتمهيد للحلال والحرام: السيارة لماذا صنعت؟ من أجل أن تسير، لكن لماذا فيها المكبح؟ المكبح يتناقض مع علة صنعها، لكنه ضمان لسلامتها.
أنا حينما أفهم الحرام ليس قيداً لحريتي، ولكنه ضمان لسلامتي أكون فقيهاً، حينما أفهم الحرام ليس قيداً لحريتي لكنه ضمان لسلامتي، أفهم أن المكبح في المركبة، ليس تقييداً للمركبة، هي صنعت من أجل أن تسير، ولكن المكبح أحياناً يضمن سلامتها.
مثل آخر: هناك توافق تام مئة بالمئة بين منهج الله وبين فطرة الإنسان، فأي إنسان يعصي ربه، تعاقبه فطرته بالكآبة، والضيق.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
[ سورة طه الآية: 124 ]
توافق الفطرة التام مع منهج الله عز وجل :
سواء أعصى الإنسان ربه أم خرج عن طبيعة فطرته هناك مشكلة كبيرة في حياته، لأن الفطرة متوافقة تماماً مع منهج الله، وأكبر دليل على ذلك: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الروم الآية: 30 ]

تطابق منهج الله مع الفطرة بشكل تام، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
[ سورة الشمس ]
من تسويتها أنه: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
[ سورة الشمس ]
لمجرد أنها فجرت تشعر ذاتياً من دون لفت نظر، من دون توجيه، من دون إلقاء كلمة، تشعر أنها فجرت.
لذلك لأن توافق الفطرة مع المنهج توافقاً تاماً، فأية معصية، وأي وقوع في الحرام، وهو محور الدرس يسبب للإنسان شقاء، وضيقاً، وكآبة، هي في الحقيقة مرض العصر، سمِّ هذا المرض إن شئت كآبة، سمِّه إحباطاً، سمِّه ضجراً، سمِّه سأماً، سمِّه مللاً، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
قواعد كلية في الحلال والحرام :
1 ـ الأصل في الأشياء الإباحة :

أيها الأخوة الكرام، القاعدة الأولى في منهج الله أن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي والثابت، قطعي الدلالة، وثابت نقلاً، نحن أمة الوحيين الكتاب والسنة، فالأصل في الشيء الإباحية، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي والثابت، والدليل قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]
هذه الأشياء مسخرة لنا , لا يمكن أن تكون محرمة، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ سورة الجاثية ]
دليل من السنة النبوية؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (( فما أحلَّ فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عَفْو ))
[أخرجه أبو داود عن عبد لله بن عباس ]
شرع شيئاً وحرم شيئاً، وسكت عن شيء، لا تحاول أيها الأخ الكريم أن تسأل عن حكم الأشياء التي سكت الشرع عنها.

إنسان ببيته كراسي، وأثاث ، هذا سكت عنه الشرع، تحب أن تجلس على الأرض، على كراسي، سكت الشرع عنها، أي هناك أشياء لها علاقة بتقريبك إلى الله "الحلال"، وهناك أشياء لها علاقة بحجبك عن الله "الحرام"، هناك أشياء حيادية ليس لها أثر إيجابي ولا سلبي، سكت عنه الشرع، فما سكت عنه الشرع فيه حكمة بالغة، لا تقل عن حكمة الذي أمر به أو نهى عنه.
يقول عليه الصلاة والسلام: (( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية ثم تلا هذه الآية :
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾))
[البزار في مسنده و الحاكم من حديث أبي الدرداء]
الأصل في الأشياء والأفعال والتصرفات الإباحية، ولا يحرم شيء إلا بالدليل الثابت، حديث صحيح، آية محكمة معناها قطعية الدلالة، فالتحريم يحتاج إلى دليل ثابت وقطعي, أما العبادات والحقائق الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت هذه القاعدة الأولى. 2 ـ التحليل والتحريم من حقّ الله تعالى وحده :

أما القاعدة الثانية: التحليل والتحريم من حقِّ الله تعالى وحده، شأن البشر أن يتلقوا عن ربهم الأمر والنهي، وليس من شأن البشر أن يشرعوا في أمور الدين والعقائد، فلذلك التحليل والتحريم من حق الله تعالى، والآية الكريمة:
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[ سورة الشورى ]
لأن الخالق خبير، قال تعالى: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر ]
أنت أيها الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، وله منهج واضح، فاتباع المنهج من أجل سلامتك وسعادتك، فالمشرع هو الله، والحلال ما أحلّه الله، والحرام ما حرمه الله. 3 ـ تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر :
القاعدة الثالثة، من أكبر الكبائر تحليل الحرام، ومن أكبر الكبائر تحريم الحلال، شيء حرمه الله كيف تبيحه؟ وشيء أحله الله كيف تحرمه؟ فعندما يصل الإنسان إلى أن يحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله يكون قد وقع من كبيرة ما بعدها من كبيرة.
يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (( وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار ]
حنفاء أي مائلين إلى التوحيد، مائلين إلى الإيمان، مائلين إلى الرحمة، إلى الإنصاف، إلى العدل، كل أمر أمرك الله به جبلك عليه، فطرك عليه. (( وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ))
أي مائلين إلى الحق، مائلين إلى التوحيد، إلى الإنصاف، إلى العدل، إلى الرحمة، هذه الفطرة: (( وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم ))
التفلت و التشدد خطران على شباب الأمة علينا القضاء عليهما :
صدقوا أيها الأخوة، الذي يحصل بالأرض من ثقافة إباحية، تدمر فطرة الإنسان السليمة. (( وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم. وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم. وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم. وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار ]

فالإنسان الآن مشوه، الشيطان شوهه، أي من كان يصدق في تاريخ البشرية ما يسمى بزنا المحارم، الفطرة السليمة تأبى ذلك، تنفر من ذلك، ومع ذلك الشياطين اجتالتهم عن فطرتهم، أي عن أصل جبلتهم.
نحن نعاني تطرفين تطرف تفلت، وتطرف تشدد أيضاً، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (( هَلَكَ المُتَنَطِّعُون ))
[أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود ]
المتنطع هو الذي يغالي، هناك إنسان متفلت، هذا متطرف تطرف تفلت، وهناك إنسان آخر متشدد، هذا متطرف تطرف تشدد، وهم خطران على شباب الأمة، التفلت والتشدد، الإسلام دين الاعتدال، دين الوسطية, دين أن تعطي حق جسدك وحق نفسك، أن تهتم بدنياك وبآخرتك، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (( ألا هَلَكَ المُتَنَطِّعُون قالها ثلاثاً ))
[أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود ]
4 ـ الحلال طيب والحرام خبيث :
القاعدة الرابعة في شأن الحلال والحرام أن الحلال طيب، وأن الحرام خبيث، الحلال يتوافق مع الفطرة، تطيب به النفس، ترتاح له النفس، تسعد به النفس، تطرب به النفس، والحرام تشقى به النفس، خبيث.
مثلاً: إنسان خطب امرأة وتزوجها، هناك عقد قران، وهناك عرس، و هناك أبواق تطلق من أجل إعلان الناس أن هذا عرس، وهناك احتفالات، وهناك تهنئة، وهناك هدايا، لأن هذه العلاقة بين الذكر والأنثى وفق منهج الله، الحلال طيب.
مرة حدثني أخ قال لي: طُرق بابي الساعة الرابعة ليلاً، فتحت الباب فلم أجد أحداً، حالت مني التفاتة إلى الأرض فرأيت كيساً فيه غُلام ولد لتوه، أنا وازنت بنفسي بين إنسان تزوج وزوجته حامل، والتهاني تتالت عليه ثم ولدت، جاء الأهل فباركوا هذا المولود، فرحوا بهذا المولود، أقيم حفل لهذا المولود، استقبلوا هذا المولود، وبين طفل جاء بالحرام، وضع في كيس وألقي أمام الباب، أو ألقي في الحاوية.

الحلال طيب، والحرام خبيث، لذلك الآية الكريمة يقول الله عز وجل:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 157 ]
كلمة معروف أي أن النفوس السليمة تعرفه ابتداء، من دون تعليم ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
الفطر السليمة تعرف المعروف ابتداء، بحسب خصائصها. ﴿وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 157 ]
يقول لك إنسان: ما الدليل على أن الدخان حرام؟ نقول: ألم يثبت علمياً أنه ضار بالصحة؟ يقول: نعم، نقول إذاً حرام، هذا هو الدليل ﴿ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
5 ـ في الحلال ما يُغني عن الحرام :
القاعدة الخامسة: في الحلال ما يغني عن الحرام، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، أنا أخاطب الشباب، ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، مرة ثانية: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
لذلك في الحلال ما يغني عن الحرام، اشتهيت المرأة؟ تزوج، اشتهيت المال؟ اعمل، أية شهوة جبلت عليها جعل الله لها قناة نظيفة تسري خلالها. 6 ـ ما أدى إلى حرام فهو حرام :

القاعدة السادسة: هذه القاعدة دقيقة: ما أدى إلى حرام فهو حرام، أخي أنا أجّرته بيتاً، أنا ليس لي علاقة، تعرف أنك أجرته ليلة واحدة بعشرة آلاف، والليلة بالشيراتون خمسة آلاف، معنى هذا أن البيت ليس من أجل النوم فقط، هناك شيء آخر، ما أدى إلى حرام فهو حرام، أي عمل انتهى إلى حرام فالمسبب آثم.
هناك أمثلة كثيرة جداً: صنعت ثياباً تبرز كل مفاتن المرأة، فإذا ارتدت المرأة هذه الثياب أظهرت كل مفاتنها في الطريق لك سهم في هذه المشكلة، ما أدى إلى حرام فهو حرام، إلا إذا كان لزوجها فهذا موضوع ثان، من أجل الحكم الشرعي طبعاً، أما حينما تصنع شيئاً تسهم في إفساد الناس، في إضلالهم، فهو حرام.
الآن إذا حرم الله شيئاً حرم معه ما يفضي إليه من وسائل، الوسائل محرمة كيف؟ كيف أن الوضوء فرض، والصلاة فرض، لأن الصلاة لا تتم إلا به، وإذا كان هناك مشكلة أو معصية لا تتم إلا بعمل فهذا العمل ولو كان في الأصل مباحاً ما دام قد انتهى إلى معصية فهو محرم أيضاً، من هنا جاء سدّ الذرائع، إذا زرعت عنباً وتعلم علم اليقين أنه سيصنع خمراً هذا الشيء المباح أفضى إلى حرام.
أية مشاركة بشرية مادية أو معنوية بمعصية كبيرة هي حرام، إنسان يسهم في بناء ملهى، أخي أنا أركب الكهرباء فقط، هذا ملهى تقام فيه المعاصي والآثام. 7 ـ التحايل على الحرام حرام :

القاعدة السابعة: التحايل على الحرام، ماذا فعل بنو إسرائيل؟ حفروا الحفر على الشواطئ، وجاءت الحيتان يوم السبت شرعاً، فصادوها يوم الأحد، حيلة شرعية، وما أكثر الحيل الشرعية في حياة المسلمين، يتغير الاسم فقط.
هناك فتوى لو أن الإنسان أودع المال في البنك بفائدة ربوية، نحن سنسمي الفائدة عائدة، سمِّها عائدة، سمِّها فائدة، مادام قرض ربوي فهو حرام، بأي تسمية.
فهناك تحايل على الحرام، أوضح مثل بيع العينة، كيس الأرز يباع في اليوم مئة مرة، يشتريه الإنسان بألف ديناً، ثم يبيعه لصاحبه في الدقيقة نفسها نقداً بثمانمئة، أعطاه ثمانمئة وسجل عليه ألفاً، هذا الكيس يباع في اليوم مئة مرة، يباع لمئة سنة، بيع العينة حرام لأنه تحايل على الحرام. 8 ـ النية الحسنة لا تبرر الحرام :
أيها الأخوة، شيء آخر: النية الحسنة لا تبرر الحرام، تقول: يانصيب خيري مثلاً، حفل غنائي ساهر يرصد بيعه للأيتام، النية الحسنة لا تجعل الحرام حلالاً، لأن الله تعالى قال: ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
[ سورة النمل الآية: 19 ]
العمل الصلح الذي يرضاه الله عز وجل ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة. 9 ـ اتقاء الشبهات أولى :
أيها الأخوة، القاعدة التاسعة: اتقاء الشبهات أولى، الحرام واضح، الزنا، القتل، الخمر، السرقة واضحة، والطاعة، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والعمل الشريف واضح، فالحلال الصرف واضح، والحرام الصرف واضح، وبينهما أمور مشتبهات، المشكلة هنا لا يعلمها كثير من الناس، لذلك قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل ]
الحلال واضح، والحرام واضح، وبيّن، ونيّر، وجلي، وظاهر، بينما الشبهات، معنى الشبهات تشبه الحلال من جهة، وتشبه الحرام من جهة، أنت الآن بحاجة إلى أهل الذكر ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
فالورع يسأل. (( فمن تركها استبرأ لدينه وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام ))
كأن نهراً عميقاً جداً له شاطئ مائل زلق، وشاطئ مستوٍ جاف، فالشاطئ المستوي الجاف هذا الحلال أو الحرام، أما الشاطئ المائل الزلق هذه الشبهات، لو سرت على هذا الشاطئ المائل الزلق يمكن أن تقع في النهر. (( الحلالَ بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات ))
(( فمن تركها استبرأ لدينه وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام ))
[رواه البخاري عن النعمان بن بشير]
10 ـ الحرام حرام على الجميع :
القاعدة العاشرة: الحرام حرام على الجميع، لا يوجد إنسان معفى من الحكم شرعاً، لا يوجد حكم شرعي يطوى عن إنسان، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( إنَّما أَهلك الذين قبلكم: أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]
الحرام حرام على الجميع. 11 ـ ضابط الكسب الحلال :

آخر قاعدة: هي ضابطة للحلال والحرام، هناك آلاف الأحكام المحرمة، وآلاف الأحكام التي تحل الأشياء، لكن ما الضابط؟ ما القاسم المشترك؟ ما المحور؟ ما الخيط الذي يجمع كل أنواع المحرمات؟ هو ما يلي:
أية منفعة بنيت على مضرة فهي حرام، أية منفعة متبادلة فهي حلال، السرقة منفعة للسارق بنيت على مضرة المسروق، أما أنت فتحت بحيٍّ، جئت ببضاعة من مركز المدينة، وتعبت، وبعتها بثمن أعلى من شرائها، أنت ربحت، وجارك وضع بضاعته إلى جانب البيت، فالجار انتفع بالبضاعة إلى جانب البيت، والتاجر انتفع، فأية منفعة متبادلة هي محور الحلال، وأية منفعة بنيت على مضرة فهي محور الحرام، الغش حرام لأنه أنت دفعت ثمن بضاعة جيدة، وهي مغشوشة، فأي منفعة بنيت على مضرة فهي حرام، وأية منفعة بنيت على منفعة فهي حلال.
أيها الأخوة، ذكرت هذا الموضوع كمقدمة ثانية، لأن الحرام يحجب عن الله عز وجل، وبرنامجنا سبل الوصول إلى الله، والحرام يمنعك أن تصل إلى الله، يحجبك عن الله، ومع الإخلاص علامات القبول.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:03 AM   #3


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثالث )

الموضوع : الاحسان - 1 ـ دوائر وميادين الاحسان





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإحسان و مواطنه :
أيها الأخوة الكرام، مع الموضوع الأول من هذه السلسة من الدروس " سبل الوصول وعلامات القبول "، مع الموضوع الأول ترتيباً ورتبةً، إنه الإحسان.

فالإحسان في تعريف بعض العلماء: فعل ما هو حسن، والشيء الحسن مشتق من الحسن، والحسن هو الجمال، الجمال المادي والمعنوي.
فالحلم شيء حسن، والإنفاق شيء حسن، والوجه الجميل وجه حسن، والحُسن مرتبط بالكمال البشري، والحُسن مرتبط بالفطرة، والحُسن يستدعي المديح بشكل عفوي.
أما مواطن الحُسن، فالقصد النية، هناك إنسان في داخله حب للخير، في داخله تسامح، في داخله عفو، وهناك إنسان في داخله حقد، استعلاء، كبر، فالإحسان أن تنطوي على نفس طاهرة تحب الخير لكل الخلق.
موطن آخر: الحال، حال الإنسان في تفاؤل، هناك حال آخر في تشاؤم، حال الإنسان في حب، حال آخر في بغض.
الموطن الثالث: العمل.
مواطن الإحسان: النية، والحال، والعمل.
فلسفة الإحسان :
أما فلسفة الإحسان، الله سبحانه وتعالى سخر لك ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، كرمك إذ منحك نعمة الإيجاد، وكرمك إذ منحك نعمة الإمداد، وكرمك إذ منحك نعمة الهدى والرشاد.
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
[ سورة الرحمن]

فلسفة الإحسان أنه ينبغي أن تقابل إحسان الله لك بإيجادك، وإمدادك، وهدايتك بإحسانك إلى الخلق،
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
والفلسفة الثانية للإحسان أن الله سبحانه وتعالى خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، ثمنها أن تأتي إلى الدنيا، وأن تكون فيها محسناً، والدليل قوله تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل ]
الحسنى هي الجنة، الذي صدق بالحسنى يدفع ثمنها في الدنيا، ثمنها في الدنيا شطران، انضباط وعطاء، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾
تقى أن يعصي الله فأعطى، أعطى من ماله، من علمه، من خبرته، من وقته، من عضلاته، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل ]
الحسنى هي الجنة، ما دام كذب بالحسنى، وآمن بالدنيا، فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، فالإحسان عطاء، والأخذ نقيض الإحسان، إنسان يعطي، إنسان يأخذ. الإحسان و العدل :
لذلك يمكن أن يكون البشر جميعاً في حقلين، الحقل الأول: أعطى ولم يأخذ، في هذا الحقل أيضاً ملك القلب، في هذا الحقل عاش للناس، هذا المحسن، المسيء أخذ ولم يعطِ، ملك الرقبة، قوي، شيء آخر، عاش الناس له، بين أن تعيش للناس وبين أن يعيش الناس لك، بين أن تعطي وبين أن تأخذ، بين أن تملك القلوب وبين أن تملك الرقاب.
فلسفة الإحسان مقابلة إحسان الله لك، بإيجادك، وإمدادك، وهدايتك، بإحسانك إلى الخلق، وفلسفة الإحسان أن تعمل عملاً تستحق به دخول الجنة، وهي الحسنى، وفضلاً عن ذلك فإن الله أمر عباده المؤمنين بالإحسان، قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
[ سورة النحل الآية: 90]

العدل قسري، أما الإحسان فطوعي، وأنت مأمور بالإحسان كما أنك مأمور بالعدل، هناك مشكلات كثيرة لا تحل بالعدل، تحل بالإحسان، القانون معك، الشرع معك، لكنه أخوك، تفضل عليه، العدل أن تؤدي ما عليك من دين، أما الإحسان أن تنزل عن بعض الدين، العدل أن تأخذ، أما الإحسان أن تعطي، فإن الله سبحانه وتعالى:
﴿ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
وقد قال بعض العلماء: الإحسان ما زاد على الواجب شرعاً، إنسان طلّق زوجته طلاقاً شرعياً، أعطاها حقها الكامل، أنا أعرف أشخاصاً، رتبوا لزوجاتهم المطلقات رواتب شهرية مدى الحياة، هذا إحسان.
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( ...وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي ـ إحسان ـ وأعطي مَنْ حَرَمَنِي ـ إحسان ـ وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي ))
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة]
وأصل هذا الحديث: (( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة ))
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة]
ويكفي المحسن شرفاً أن الله يحبه. من كان محسناً أحبه الله ومن أحبه الله فلن يعذبه :
صدق أيها الأخ حينما تكون محسناً تسعد بإحسانك، الإحسان منعكس في الداخل سعادة، راحة نفسية، رضا.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة ]
وإذا أحبك الله من يستطيع أن يصل إليك؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحبابه، هذا استنباط رائع استنبطه الإمام الشافعي من قوله تعالى حينما ردّ على هؤلاء الذين قالوا: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
فردّ عليهم وقال: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 18]
أي أنني لو كنت أحبكم لما عذبتكم، فالله سبحانه وتعالى لا يعذب أحبابه أبداً، فإذا كنت محسناً أحبك الله، وإذا أحبك الله لا يعذبك. عواقب الإحسان :
الآن عواقب الإحسان: النتائج في الدنيا قبل الآخرة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾
[ سورة النحل ]
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذا كان معك نصرك، وحفظك، وأيدك، وأسعدك، ألقى في قلبك السكينة، وفقك، أعطاك الحكمة، أعطاك الحلم، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟. الإحسان تصاعدي وحركي :

الآن الإحسان له صفة رائعة، الإحسان تصاعدي، فأي عمل حسن يأخذك إلى عمل أحسن منه، والدليل:

(( أن سيدنا أبا ذر الغفاري رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله من ينجي العبد من النار؟ قال: إيمان بالله، قال: يا رسول الله، مع الإيمان عمل؟ قال: أن يعطي مما رزقه الله، فقلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيراً، لا يجد ما يعطي؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، قال: يا رسول الله أرأيت إن كان عيياً، لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ؟ قال صلى الله عليه وسلم: فليصنع لأخرق، قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن كان أخرقاً لا يحسن أن يصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم: يعين مغلوباً، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مغلوباً؟ قال صلى الله عليه وسلم: أما تريد أن تدع لصاحبك من خير ؟ـ ليس له أي ميزة؟ ـ قال : فليمسك أذاه عن الناس ـ هنا الشاهد ـ قال: قلت: يا نبي الله أرأيت إن فعل هذا ليدخل الجنة ؟))
[أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي ذر الغفاري ]
صار هناك إحراج كبير، إذا الإنسان لم يؤّذِ فقط يدخل الجنة! فقال عليه الصلاة والسلام : ((...ما من مؤمن يصنع خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى يدخل الجنة ))
[أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي ذر الغفاري ]
ابدأ بإحسان بسيط، هذا الإحسان يأخذك إلى إحسان أكبر، وأكبر، وأكبر، فالإحسان تصاعدي، والإحسان حركي، الإحسان لا يبقى في مستوى واحد.
قال سيدنا عمر بن عبد العزيز: تاقت نفسي إلى الإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة.
الإحسان تصاعدي. طريق الإحسان الإيمان بالله :
الآن طريق الإحسان، والإحسان مرتبة تأتي بعد الإيمان؛ الإسلام، فالإيمان، فالإحسان، قال عليه الصلاة والسلام:
(( الإحسان، قال: أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر]
طريق الإحسان الإيمان بالله، هذا إنسان، أخوك في الإنسانية، والله يراقبك بالمرصاد، هل نصحته؟ هل عفوت عنه؟ هل أكرمته؟ هل حلمت عليه؟. دوائر الإحسان :

الآن أيها الأخوة، ننتقل إلى دوائر الإحسان، الإحسان دوائر.
أولاً بشكل مختصر: الإحسان شمولي لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس]
حتى لو قتلت عقرباً يجب أن تقتله بضربة واحدة، لا أن تعذبه: (( إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فَإِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ، وليُحدَّ أحدُكم شَفرَته، ولْيُرِحْ ذبيحَته ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس]
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يذبح شاة أمام أختها، فغضب وقال: أتريد أن تميتها مرتين، هلا حجبتها عن أختها؟.
فالإحسان شمولي، (( إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ ))
1 ـ الإحسان إلى النفس:
الآن أصغر دائرة في الإحسان أن تحسن إلى نفسك، أن تحملها على طاعة الله، أن تعرفها بالله، أن تقربها من الله، قال تعالى:
﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 7]
2 ـ الإحسان إلى الوالدين :

الدائرة الأوسع الإحسان للوالدين:

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 23]
فرفع الله الإحسان للوالدين إلى مستوى عبادته، والعطف يقتضي المشاركة ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
هذه الدائرة الثانية.


3 ـ الإحسان إلى الأقرباء و الجوار:
الدائرة الثالثة: قرابة النسب، وقرابة الجوار، هناك علاقتان؛ علاقة جغرافية جارك، وعلاقة نسبية أقرباؤك، الدائرة الثالثة: قرابة النسب، وقرابة الجوار.
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾
[ سورة النساء ]
هذه الدائرة الثالثة. 4 ـ الإحسان إلى الجانب الضعيف في المجتمع :

أما الدائرة الرابعة: الجانب الضعيف في المجتمع، لا يوجد قرابة، ولا جوار، اليتامى من هؤلاء، المساكين، الصاحب بالجنب، ابن السبيل، ما ملكت أيمانكم، إنسان تحت يدك بالمفهوم الواسع الآن، خادمة في البيت،

﴿ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾
ارحمها، لا تكلفها ما لا تطيق، اسمح لها أن تنام نوماً مريحاً، أطعمها مما تأكل، اشترِ لها ثياباً جيدة. الدائرة الرابعة: الجانب الضعيف في المجتمع.

5 ـ الإحسان إلى المخالفين للإنسان في العقيدة:
الدائرة الخامسة، المخالفون لك في العقيدة، الدليل قال تعالى:
﴿ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة]
حتى الذي يخالفك في العقيدة يجب أن تكون محسناً إليه، دليل آخر: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾
[ سورة المائدة الآية: 8]
مع من تبغضه، مع من يتناقض معك في العقيدة: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾
[ سورة المائدة الآية: 8]
إن عدلت معه قربته إلى الله، وقربته إلى دينك. 6 ـ الإحسان إلى الحيوان و النبات و الجماد :
الآن تركنا البشر مع الحيوانات قال عليه الصلاة والسلام:
(( بينما رجلٌ يَمشي بطريق اشْتَدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلبٌ يَلْهَثُ، يأكل الثَّرَى من العطش، فقال الرجلُ : لقد بلغ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلغَ مِني، فنزل البئر، فملأَ خُفَّهُ ماء، ثم أمْسَكه بِفيهِ، حتى رَقِيَ فسقى الكلبَ، فشكرَ اللهُ له، فغفر له، قالوا : يا رسول الله، إِن لنَا في البَهَائِمِ أجرا ؟ فقال : في كُلِّ كَبدٍ رَطبَةٍ أجرٌ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ومالك عن أبي هريرة]

الإحسان ينتقل الآن إلى الحيوانات، النبات:
(( بينما رجلٌ يمشي بطريق وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ على الطريق، فأخَّرَهُ، فشَكَرَ الله له فَغَفَرَ له))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
وهناك حديث آخر: (( لقد رأيت رجلاً يَتَقَلَّبُ في الجنة، في شَجَرَة قَطَعَها مِنْ طريق المسلمين، كانت تُؤذي الناس ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
هذا الشيء السلبي في النبات، الإيجابي: (( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ))
[أخرجه البزار عن أنس بن مالك]
فالإحسان يطول النبات، الأرض، الصخر: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 56]
الآن ينسحب على هذا الموضوع تلويث البيئة، هناك ضجيج، هذا تلوث، هناك ثاني أكسيد الكربون، هذا تلوث، ما تعانيه الأرض من اضطراب في المناخ سببه تلوث، التلوث بثاني أكسيد الكربون، هذا اسمه الاحتباس الحراري، هذا أيضاً إساءة بالغة إلى الأرض. ميادين الإحسان :
1 ـ العلاقات الاجتماعية:
الآن ميادين الإحسان، الأولى دوائر الإحسان، من هذه الميادين: العلاقات الاجتماعية:
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾
[ سورة النساء]
2 ـ العلاقات الاقتصادية المالية :
العلاقات الاقتصادية المالية:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة البقرة]
3 ـ الإحسان عند المصائب:
الآن عند المصائب، أنت مكلف عند المصيبة أن تكون محسناً.
﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة هود]
وأنت في ضائقة أنفق، مع إنسان أساء إليك: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
[ سورة فصلتٍ]
الإحسان عند المصائب. 4 ـ الإحسان عند أداء الدية:
الإحسان مع أداء الدية.
﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 178 ]
قال له: أمامك المحاكم، لماذا؟! صار هناك قتل خطأ، أعطه الدية. 5 ـ الإحسان عند الطلاق :
الطلاق:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 229]
إذا صار طلاق كل طرف ينشر فضائح الطرف الثاني، لا يوجد طلاق مع الإحسان؟ ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
6 ـ الإحسان أن تدافع عن بلدك و تحارب الطرف الآخر :

بالجهاد:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
أن تدافع عن بلدك، أن تحارب الطرف الآخر الذي يكيد لك، وأن تنتصر، سماه الله في القرآن إحساناً. ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
[ سورة الشورى]
إذا انتصرت على عدو حاقد شرس، وأرغمت أنفه، فأنت محسن، حتى إن بعض الصحابة قبل المعركة مشى مشية خيلاء، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن، أن تكون أمام العدو قوياً". 7 ـ الإحسان عند الحوار مع الطرف الآخر:
الحوار الفكري، الآن كثير هو الحديث عن الحوار:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾
[ سورة الإسراء]
الحوار، والمجادلة، كن محسناً، لا تقل له أنت جاهل، قل له: أعتقد أن هذه الفكرة ليست صحيحة، هناك فرق، وأنت تحاور كن محسناً، الحوار مع الطرف الآخر. ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة العنكبوت الآية: 46]
أمر. 8 ـ الإحسان في الخصومات:
بالخصومات:
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 34]
شيء مهم جداً، ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
9 ـ الإحسان إلى اليتامى و الضعفاء:

مع اليتامى والضعفاء:

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 152]
إن أردت أن تستثمر مال اليتيم أولاً ينبغي أن تتعفف عن أجرك إن كنت غنياً. ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 6]
أما إذا كنت فقيراً واستثمرت مال يتيم فينبغي أن تأخذ أجر المثل أو حاجتك أيهما أقل، بحسب العقد نصيبك مليونا ليرة، يكفك في السنة مليون فرضاً، تأخذ حاجتك، بحسب العقد مليون، ربح المحل أقل من مليون، تأخذ أجر المثل أو حاجتك أيهما أقل. 10 ـ الإحسان في السياسة و الحرب :
الآن في السياسة والحرب.
﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾
[ سورة الكهف]
في السياسة والحرب، مع اليتامى والضعفاء، في الخصومات، في الحوار مع الطرف الآخر، في الحوار الفكري، في الجهاد، في الطلاق، مع أداء الدية، عند المصائب، في العلاقات الاقتصادية، في العلاقات الاجتماعية هذه ميادين الإحسان.
أما الدوائر: بدءاً من الجماد، الأرض، إلى النبات، إلى الحيوان، إلى المخالفين لك في العقيدة، إلى الجانب الضعيف في المجتمع، إلى قرابة النسب والجوار، إلى الوالدين، إلى النفس.
أما طريق الإحسان: (( أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر]
فالإحسان الموضوع الأول في هذه السلسلة من الدروس الأول رقماً، والأول رتبة.





والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:07 AM   #4


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الرابع )

الموضوع : الاحسان - 2 ـ الإحسان أقصر طريق يدخل به المؤمن على الله







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله سبحانه وتعالى أصل الإحسان:

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الموضوع الأول، الأول رتبةً، والأول ترتيباً، إنه موضوع الإحسان، وقد ذكرت مراراً وتكراراً في دروس أسماء الله الحسنى أن أسرع وصول إلى الله أن تتخلق بخلق مشتق من كمال الله، فالله عز وجل رحيم، أقرب طريق إلى الله أن ترحم من حولك.

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
[ الديلمي عن أبي بكر]
(( الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء ))
[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
أسماء الله كلها حسنى، وصفاته فضلى، والبطولة أن تتخلق بخلق مشتق من كمال الله تتقرب به إليه، فالله سبحانه وتعالى أصل الإحسان، الدليل قال تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
[ سورة السجدة الآية: 7]
أصل الشر ناتج من سوء الاستخدام ومخالفة منهج الله:
الخطأ الذي يأتي من مخلوق حُمّل الأمانة، أودعت فيه الشهوات، أُعطي حرية الاختيار، فتحرك بدافع من شهواته من دون منهج الله عز وجل، هذا هو الخطأ الوحيد في الكون، الإنسان مخير، أودع الله فيه الشهوات، أعطاه منهجاً فتحرك لإرواء شهواته من دون هذا المنهج، وهذا الخطأ الذي يقع محسوب بدقة بالغة، لن يقع خطأ على حساب خطأ.

فلذلك الله عز وجل أصل الإحسان،

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن علي بن أبي طالب]
الشر سوء استعمال، وتوضيح هذه الفكرة: هناك مسحوق أبيض هو السكر، ومسحوق أبيض هو الملح، ومسحوق أبيض هو مادة تنظيفية، مواد مهمة، مفيدة، غالية، صالحة للإنسان، أما لو وضعت مسحوق التنظيف في طبخة غالية جداً انتهت، هذا شر، هذا الشر شر ناتج من سوء الاستخدام.
سيارة من أحسن موديل قادها إنسان مخمور، فهبط في الوادي، فأصبح شكلها غريباً، هذا الشكل الغريب بعد أن ارتطمت بالصخور مئات المرات، هذا الشكل يحتاج إلى معمل؟ لا، هل هناك معمل صمم هذا الشكل؟ مستحيل!.
(( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن علي بن أبي طالب]
أصل الشر ناتج من سوء الاستخدام، من مخالفة منهج الله. ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل :

الحقيقة الدقيقة أنه ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة جهل.

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة الملك]
فالله سبحانه وتعالى أصل الإحسان، ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والإنسان أكمل المخلوقات، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
[ سورة التين]
تمشي في الطريق تستمع إلى صوت بوق، هناك جهاز بالدماغ بالغ الدقة، يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، التفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، بهذا الجهاز الرائع تكتشف جهة الصوت، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
أفضل كلام في الكون هو كلام الله عز وجل:
الشيء الآخر: أفضل كلام في الكون هو كلام الله عز وجل فقد قال تعالى:
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾
[ سورة الزمر الآية: 23]

فأصل الإنسان من عند الله، خلقه إنسان كامل،
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والإنسان المخلوق الأول عند الله، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
وأحسن كلام على الإطلاق كلام الله عز وجل. (( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))
[أخرجه الدرامي عن شهر بن حوشب ]
الآن أحسن كلام يسمعه الإنسان هو القرآن، وأحسن كلام يقوله هو: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة فصلت]
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
وأنا أقول لكم دائماً: الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، أنت لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فرض، ويجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فرض عين على كل مسلم، والدليل:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
والدليل: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
[ سورة العصر]
التواصي بالحق ربع النجاة، الإنسان خاسر لا محال إلا إذا عرف الحقيقة، وعمل وفقها، ودعا إليها، فالدعوة إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فرض عين على كل مسلم.
فلذلك أعظم كلام تسمعه القرآن، وأفضل كلام تقوله الدعوة إلى الله. سعي الشيطان إلى إفساد العلاقة بين الناس عن طريق الكلمة القاسية :
الآن في الحديث اليومي بين الزوجين، بين الشريكين، بين الصديقين، بين الأخوين، بين الجارين، قال تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 53]
تكلم صديقك كلاماً، تقول له: ألا تفهم؟ طول بالك، قل له: أنا أعتقد أن هذا الكلام يحتاج إلى دراسة، هناك أدلة تخالف هذا الرأي، أنت رددت كلامه لكن بأسلوب لطيف ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

لأن الشيطان يسعى إلى إفساد العلاقة بين إنسانين عن طريق الكلمة القاسية، أحياناً كلمة قاسية من الزوج تسبب خروج الزوجة إلى بيت أهلها، الأمر يتفاقم ينتهي إلى الطلاق، أحياناً شركة تنفض بسبب كلمة قاسية من شريك، أحياناً زواج ينتهي بسبب كلمة قاسية، بتاريخ البشرية حروب دامت عشر سنوات أحرقت الأخضر واليابس بسبب كلمة قالها سفير، إذاً:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 53]
هذه كلها قوانين، فأنت إذا ضبطت لسانك مع زوجتك، أحياناً كلمة من زوجة فيها قسوة، وفيها تطاول، تسبب طلاقها، أحياناً كلمة من شريك تسبب فسخ هذه الشركة، ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أنا حينما أقرأ تاريخ الصحابة أرى كلاماً مدهشاً، امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر، قالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي صوام قوام، لم ينتبه سيدنا عمر، قال لها: بارك الله لك بزوجك، سيدنا علي إلى جانبه قال له: إنها تشكو زوجها، صوام في النهار، قوام في الليل، أهملها، أرأيت إلى هذا الأدب؟. انضباط اللسان و الكلمة الطيبة من لوازم المؤمن:

أيها الأخوة، من لوازم المؤمن انضباط اللسان، من لوازم المؤمن الكلمة الطيبة، الكلمة الطيبة صدقة، عندك مستخدم، كيف حالك يا بني؟ مرتاح؟ أهلك بخير؟ بابتسامة، يبقى مطروباً لهذه الكلمة لمدة شهر.
فلذلك:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
يمكن بالكلمة الطيبة أن تؤلف القلوب، أن تجمع القلوب حولك، والكلمة الطيبة يستطيعها كل إنسان، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن فحاشاً ولا بذيئاً، المزاح الرخيص، المزاح الجنسي، هذا يتناقض مع الإيمان، المؤمن منضبط في لسانه. (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك]
الجنة هي أحسن شيء يصل إليه الإنسان :
الآن لا زلنا أن الله سبحانه وتعالى أصل الإحسان، أحسن شيء يصل إليه الإنسان الجنة، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل ]
الحسنى هي الجنة. ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
[ سورة الليل ]
أيها الأخوة: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
[ سورة يونس الآية: 26]
هذا موضوع الإحسان، جزاؤه الجنة، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الجنة، والجنة: (( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
أي دائرة المرئيات محدودة، يقول: أنا زرت مثلاً مكة المكرمة، زرت بيروت، زرت لندن، زار سبع مدن، بل مئات، بل ألوف المدن في العالم، لكن يسمع بها في الأخبار، كوالالمبور عاصمة ماليزيا، هذه مدينة سمع بها، أما هناك مدينة رآها، دائرة محدودة أما المسموعات كبيرة جداً، أما الخواطر ليس لها نهاية.
(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
هذه لمن أحسن في الدنيا، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
والمؤمن يصدق بالحسنى، الجنة والنار أدخلها في حساباته اليومية، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾:
﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾
[ سورة يونس الآية: 26]
أسعد إنسان على وجه الأرض من وصل إلى رضوان الله :
قال العلماء: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
[ سورة القيامة]
وفي بعض الآثار: الإنسان إذا رأى وجه الله الكريم يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام.
وفي آية أخرى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 72]
صار في جنة: (( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
وفيها: ﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾
[ سورة الواقعة]
وفيها: ﴿ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾
[ سورة الإنسان]
وفيها من كل شيء، وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم، وفوق ذلك: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أية حركة في الأرض يمكن أن توصف بأنها إحسان أو إساءة :
أيها الأخوة،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الآن دقق: ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
[ سورة يونس الآية: 26]
دائماً المحسن عزيز، أدى عمله بالتمام والكمال، تأخر جاءه توبيخ بقي شهراً منزعجاً، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾

قانون العزة أن تكون محسناً، طبيب محسن، صانع محسن، تاجر محسن، أب محسن، زوج محسن، الكلمة واسعة جداً، أية حركة في الأرض يمكن أن توصف بأنها إحسان أو إساءة.
الآن ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
الجنة، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
في هذه الدنيا حسنة، صار: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
[ سورة الرحمن]
جنة في الأرض، وجنة في يوم القيامة، جنتان، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، والدليل: ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
[ سورة محمد]
في الدنيا، ذاقوا طعمها. كل شيء يدل على الله أما الامتحان فلتربية الناس :

لذلك بقلب المؤمن من الطمأنينة، والسعادة، والسكينة، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الآن لو نحن أنشأنا مدرسة بأعلى مستوى من التدريس، بأعلى مستوى من المدرسين، المناهج، الكتب، وسائل الإيضاح، المخابر، هذه المدرسة أجرينا فيها امتحاناً، المفروض أن ينجح كل الطلاب، الامتحان لا من أجل أن نفرز الناجح من الراسب، لا، من أجل أن نرتب الناجحين فقط.
لأن الله عز وجل أعطانا كل شيء، الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، الكتب، الأنبياء، المعاملة اليومية، الحوادث، كل شيء يدل على الله، المفروض أن ينجح جميع الخلق، أما الامتحان لترتيبهم، الآية:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك]
المعنى دقيق جداً، الامتحان من أجل ترتيب الناجحين فقط، أما حينما يرسب الإنسان، يكون بعيداً عن أن يكون منطقياً، يكون بعيداً عن أن يفكر بعد الأرض عن السماء.
ودائماً وأبداً الخير يجلب الخير، والإحسان يقود إلى الإحسان، لكن الله جل جلاله كافأ المحسن بالزيادة. ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة البقرة]
من بذل شيئاً في سبيل الله شجعه الله وكافأه في الدنيا قبل الآخرة :
والله أيها الأخوة، معي قصص لا تنتهي، عن إنسان بذل فجاء جواب الله في الدنيا قبل الآخرة، أعطاه أضعافاً مضاعفة.
قال لي إنسان: أنا كل طموحي أن آخذ مشروعاً فقط بمئة و خمسين مليوناً، وأعمل عملاً لوجه الله، وسيكلفه العمل سنتين، ولوجه الله، قال لي: الله كافأني بمشروع يقدر بمليار ومئتي مليون: ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾

و لا يوجد أخ من أخواننا الكرام إذا بذل شيئاً في سبيل الله إلا ويشجعه الله عز وجل ويكافئه في الدنيا قبل الآخرة،
﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الآن إذا أنت أحسنت، أب محسن، معلم محسن، مدرس محسن، أستاذ جامعي محسن، طبيب محسن، محسن أي مستقيم، صادق، أمين، لطيف، هذا الإحسان، صار هذا المحامي المحسن قدوة لمحام شاب يتدرب عنده، هذا الأب المحسن صار قدوة لأولاده، هذا المعلم المحسن صار قدوة لتلاميذه، هذا المدير العام المحسن صار قدوة للمعاون، ولبقية الموظفين، فأي إنسان محسن أصبح أسوة حسنة، له أجران، أجره وأجر من قلده، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾
[ سورة الممتحنة الآية: 6 ]
إن أحسنت لك أجران، إن أحسنت وكنت في موقع القيادة فلك أجران.

الآن استعرت حاجة، إنسان قبل أن يموت أوصى أولاده، وكان أمامه مكتبة ضخمة جداً أربعة جدران من الأرض إلى السقف كلها كتب، أوصاهم ألا يعيروا كتاباً واحداً من هذه المكتبة، لِمَ يا أبتِ؟ قال: لأن كل هذه الكتب كتب استعرتها. استعرت كتاباً:
﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 178]
أداء إليه، أخي تعال وخذ الكتاب، أخذته من بيته، شاهده في الطريق أعطاه الكتاب! غير لائق، هذا الكتاب أخذته من البيت أرجعه إلى البيت، أرجعه مجلداً، ﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
إنسان أقرضك، تعال غداً إلى المحل وخذ الدين، لا، جاء إلى بيتك وأخذ المبلغ من بيتك، الأداء ينبغي أن يكون في مكان الأخذ، ﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
هنا إحسان متعلق بالأداء. الإحسان وسطي :
أيها الأخوة، باب الإحسان باب طويل، الإحسان وسطي.
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 195]
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾

إن أنفقتم كل أموالكم،
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
إن لم تنفقوا، فالإحسان بين أن تكون في إنفاق المال كله وبين عدم الإنفاق، والفضيلة وسط بين طرفين، ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة البقرة]
الإحسان في هذه الآية أن تنفق باعتدال. ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾
[ سورة الإسراء]
وفي كل الفضائل الفضيلة بين تطرفين، مثلاً الشجاعة بين التهور والجبن، الكرم بين إتلاف المال وبين البخل، فكل فضيلة وسط بين رذيلتين.
والله أنا حينما أُسر من أخ كريم، عمله طيب، محسن، أدعو له من أعماق أعماقي أن يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، شيء رائع أن تعيش حياة طيبة، بصحة طيبة، زوجتك، أولادك، سمعتك، مكانتك، تأتي المنية إلى الجنة، نعم الدنيا اتصلت بنعم الآخرة، قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 201]

وقال بعض العلماء: حسنة الدنيا هي الزوجة الصالحة التي إن نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك.
الإحسان، يسأل رجل غني كم الفطرة السنة؟ يقول له: خمسون ليرة، يدفع هذا الغني الكبير على كل فرد خمسين ليرة، لا، أنت على كل فرد خمسة آلاف، الإحسان يتناسب مع الدخل، قال تعالى: ﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 236 ]
المحسن الغني ليس له حق أن يدفع الحد الأدنى، ينبغي أن يدفع الحد الأقصى، لكن سبحان الله هذا الإله العظيم يتودد إلينا: (( يا بنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يا رب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال : أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
في تودد. بطولة الإنسان أن يكون محسناً ومستقيماً :
الآن:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
[سورة البقرة الآية: 245]

إذا أنت أطعمت هرة هذا العمل إقراض لله تعالى، إذا خدمت إنساناً، أسعفت مريضاً، أطعمت جائعاً، أعنت إنساناً كبيراً في السن، وقفت في المركبة العامة لشيخ جليل، أي عمل صالح مع نملة، أثناء الوضوء بالمغسلة يوجد نملة لو توضأت مباشرة لغرقت، انتظرت حتى خرجت، هذا الانتظار عمل صالح، وجدت في المسجد قشة وضعتها في جيبك، أي إحسان هو قرض لله عز وجل.
إذا ملك قال لمواطن: أقرضني ليرة واحدة، هذا الملك يرغب أن يعطيه مئة مليون على هذه الليرة.
أنا أحياناً أضرب مثلاً: لو ملك كلف معلماً أن يعطي ابنه دروساً خاصة، هذا الملك بذهنه أن يعطي هذا المعلم بيتاً وسيارة، لكن المعلم أفقه ضيق جداً، فلما انتهت عشرة دروس قال له: أين الأجرة؟ قال له: أستاذ كم تريد؟ قال له: أريد ألفاً على كل درس، قال له: هذه عشرة آلاف، فوت عليه البيت والسيارة.
أنت حينما تقول: أفعل هذا لوجه الله أنت ذكي جداً، لأن هذا العمل قرض لله عز وجل، والكبير إذا أعطى أدهش: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
[سورة البقرة]
هناك أشخاص محسنون لكن غير مستقيمين، هناك مشكلة، قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا ﴾
[سورة آل عمران الآية: 172 ]
البطولة أن تكون محسناً ومستقيماً. رحمة الله مطلق عطائه :
أيها الأخوة، أدق آية في هذا الدرس. ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة الأعراف]
أكبر سبب كي يرحمك الله، كلمة رحمة الله أوسع عطاء، تقول لي: صحة؟ صحة راحة نفسية! راحة نفسية، سعادة! سعادة، أمن! أمن، رضا! رضا، حكمة! حكمة، بيت منتظم! بيت منتظم، زوجة صالحة! زوجة صالحة، أولاد أبرار! أولاد أبرار، ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾
جنة؟ جنة، رحمة الله مطلق عطائه، ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الله عز وجل أعطى الملك لمن لا يحب، وأعطاه لمن يحب، أعطاه لفرعون وهو لا يحبه، أعطاه لسيدنا سليمان وهو يحبه، أعطى المال لمن لا يحب لقارون، أعطاه لمن يحب لسيدنا سليمان، وعبد الرحمن بن عوف، ما دام يعطي هذا الشيء لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً، لكن الذي يحبه ماذا أعطاه؟ دقق: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
[ سورة القصص الآية: 14]
الحكمة والعلم . ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة القصص]
الإحسان أوسع باب نصل منه إلى الله وأقصر طريق إلى الله :

الآن في غير الجنة هناك حكمة وعلم، آخر شيء:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
[ سورة النحل الآية: 125]
الحسنة صفة. ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة النحل الآية: 125]
بالمجادلة هناك خصومة، بالمجادلة هناك نفوس متوترة، بالمجادلة إذا كان هناك مئة كلمة حسنة ينبغي أن تختار الكلمة الأحسن، آية دقيقة جداً: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
تلقي درساً تستخدم كلمات حسنة، أما بالحوار: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
فصار الإحسان أوسع باب نصل منه إلى الله، وأقصر طريق إلى الله، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:10 AM   #5


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الخامس )

الموضوع : من علامات المؤمن الاخلاص






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. العبادة و الإخلاص :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍِ جديد من موضوعات سبل الوصول وعلامات القبول والموضوع اليوم الإخلاص، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾
[ سورة البينة الآية: 5 ]
فالعبادة انقيادٌ تام لأوامر الله، والإخلاص عبادة القلب، والجوارح تعبد الله بأن تنقاد إلى أمره، والقلب يعبد الله بالإخلاص.

والإخلاص تصفية القلب عن الشك والشرك، قال بعض الشعراء: زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قـلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسرٍ أو صحّ قولي فالخسار عليكما
* * *
هذا ليس إيماناً. ﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 15 ]
لذلك الإخلاص تصفية القلب من الشرك والشك، والشرك كما تعلمون شركٌ أكبر، المسلمون في العالم الإسلامي معافون منه، ولكن المصيبة في الشرك الأصغر، قال عليه الصلاة والسلام: (( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن شداد بن أوس ]
فحينما تتوهم أن جهةً غير الله ترفعك أو تخفضك، تعطيك أو تمنعك، تعزك أو تذلك، فهذا شركٌ خطيرٌ جداً، الشرك الخفي خطير، أما الجلي غير موجود، أي ليس هناك من إلهٍ له اسم معين يعبد في العالم الإسلامي، أما الشهوة إله، والنفاق شرك، وأن تتوهم أن زيداً أو عبيداً يعطي أو يمنع، يرفع أو يخفض، فهذا شرك.
فلذلك الإخلاص تصفية القلب من الشك والشرك، العبادة للظاهر، والإخلاص للباطن، العبادة للجوارح، والإخلاص للقلب، العبادة لما يظهر، والإخلاص لما يخفى. الإخلاص هو الإيمان كله :
لذلك المؤمن الحق منقادٌ إلى أمر الله بأعضائه وجوارحه، مخلصٌ له بقلبه، إذاً الإخلاص شطر الإيمان، والأصح من ذلك أنه الإيمان كله، لأنك إذا ألغيت الإخلاص ألغيت الإيمان، إذاً الإخلاص هو الإيمان كله.

الحقيقة في الإنسان بواعث، يتحرك، يصل، يقطع، يعطي، يمنع، يغضب، يرضى هذه الأفعال الظاهرة وراءها بواعث، هذه البواعث تسوق الإنسان إلى العمل، أو تدفعه إلى إجادة العمل، أو تغريه بتحمل العبء في العمل، وبذل الكثير في العمل، هذه البواعث كثيرة ومتباينة، من هذه البواعث ما هو قريب يرى مع العمل، إنسان ذاهب إلى محله التجاري ليكسب رزقه، الباعث الواضح الجلي الذي لا يخفى على أحد من أجل كسب رزقه، ومنها ما هو بعيدٌ يحتاج في إدراكه إلى كدٍ وبعد نظر.
أي إنسان عنده مئات الدونمات من الأراضي الشاسعة، جاء من يهمس في أذنه أنك إذا تبرعت من هذه الأراضي الشاسعة ببضع دونمات لإنشاء مسجد تضطر البلدية لتنظيم هذه الأرض، وجعلها مقاسم، عندئذٍ ترتفع أسعارها، فهذا الإنسان تبرع بأرض من أجل بناء مسجد، عند كل أهل الأرض عمل عظيم، أما البواعث لهذا العمل الربح فقط، هذا ليس ظاهراً، لكن الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
[ سورة طه الآية: 7 ]
يعلم السر الذي تكتمه، ويعلم ما خفي عنك.
لذلك قالوا: علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. البواعث نوعان؛ فطرية و كسبية :
من البواعث ما هو فطري، إنسان أراد الزواج، لأنه اشتهى أن يكون له زوجة، مركبٌ في جبلة الإنسان هذه البواعث التي تدفعه إلى الحفاظ على وجوده، إنسان طلب أن يأكل، هذا الطلب واضح جداً، هذا الباعث إلى الطعام يدفعه إلى الحفاظ على وجوده، وعلى سلامة وجوده، أو على بقاء النوع، الزواج بقاء النوع، تأكيد الذات بقاء الذكر، على حب وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده.

الآن هناك بواعث كسبية، إنسان يطلب العلم، يحضر مجلس علم، يتابع العلم، ينتسب إلى معهد شرعي، يسمع محاضرة، يسمع مناظرة، ينشأ عنده بواعث كسبية أن يعمل صالحاً، أن يحفظ كتاب الله، أن يكون داعية، هذه البواعث ناتجة عن كسبه، عندما طلب العلم نشأت عنده بواعث جديدة.
أي إنسان همه بيته، همه رزقه، همه أولاده، فلما بدأ يحضر مجالس العلم صار عنده باعث أن يكون داعيةً إلى الله، هذا باعث جديد لم يكن سابقاً، صار عنده باعث أن يكرم الأيتام، يبحث عن يتيم، صار عنده باعث أن يوزع كتاباً، صار عنده باعث أن يؤدي الحج في بيت الله الحرام، صار عنده باعث أن يعمل أعمالاً صالحة، أن ينشئ ميتماً، مستشفى مثلاً، مستوصف، هذه بواعث تتأتى بعد معرفة الله، هذه البواعث كسبية
والحقيقة كلما ارتقى الإنسان في سلم العلم النافع الذي أراده الله ارتقى معه الباعث، قل لي: ما الذي يبعثك إلى عملٍ ما أقل لك من أنت؟ النبي عليه الصلاة والسلام وصفه الله عز وجل بأنه في الأفق الأعلى. ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
[سورة النجم ]
بواعثه إنسانية، هناك من يهتم بشخصه، قد يأكل أطيب الطعام في المطعم، وفي البيت ليس هناك طعام، عنده زوجة وأولاد، هذا أشد الناس أنانيةً، هناك من يهتم بأسرته هذا أرقى، هناك من يهتم بالأسرة الموسعة أي أخوته، أخواته البنات، أصهاره، هناك من يهتم بقومه، هناك من يهتم بشعبه، هناك من يهتم بأمته، هناك من يهتم بالإنسانية كلها، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))
[ أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء ]
لأنه حمل همّ البشرية، وكلما ارتقيت عند الله تتسع دائرة اهتمامك.
أنا مرة أتيت من بلد في إفريقيا إلى بلدي، حينما دخلت الطائرة إلى الأجواء السورية رأيت بعيني من الطائرة طرابلس وبيروت، بعد طرابلس نجد أن طرطوس قريبة منها، وبعد بيروت نجد أن صيدا قريبة منها، نظرة واحدة.
كلما علا مكانك اتسعت رؤيتك، وكلما علا مقامك اتسعت اهتماماتك، تسأل إنساناً الآن كيف الصحة؟ الحمد لله، كيف الأحوال؟ يقول لك: والله أنا لا يوجد عندي مشكلة، لكن أنا حامل همّ الأمة، أرى ما يجري في غزة مثلاً، أرى وضع المسلمين في أفغانستان، في العراق، في فلسطين، فأتألم، هناك من يبكي على الأخبار، فكلما ارتقيت عند الله تتسع دائرة اهتماماتك. من ابتعد عن الله عز وجل هبطت بواعثه إلى مستوى أناني :

أيها الأخوة، وكلما ابتعدت عن الله هبط الباعث، هبط الباعث إلى مستوى دنيء، حقير، أناني، همه بطنه وفرجه، همه ثيابه وأناقته: (( تَعِسَ عَبْدُ الخميصة ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]
همه ماله: (( تعِسَ عبدُ الدِّينار، وعَبْدُ الدِّرهم ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]
كلما هبط الإنسان في سلم المعرفة أصبحت بواعثه دنيئة، وقذرة، وأنانية. العمل الصالح مظهرٌ للإيمان و برهانٌ عليه :
أيها الأخوة الكرام، العمل الصالح مظهرٌ للإيمان، برهانٌ عليه، بل إن الإيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر، لا قيمة للإيمان إطلاقاً من دون عمل، لأنه لو أن الشمس ساطعة وأنت أجهدت ذهنك ونطقت بهذه الحقيقة قلت: الشمس ساطعة، أنت ماذا فعلت؟ هي ساطعة
إن قلت: ساطعة ما أضفت شيئاً، إن قلت: ليست ساطعة تتهم في عقلك، فإذا آمنت فقط ما فعلت شيئاً، إذا آمنت أن هذا المرض الجلدي لا سمح الله شفاؤه الوحيد هو التعرض للشمس وأنت قابعٌ في غرفةٍ قميئةٍ، مظلمة، رطبة، ما قيمة إيمانك؟ لا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً ما لم تتعرض لأشعة الشمس لذلك: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 6 ]
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
[ سورة الكهف الآية: 110 ]
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾
فليتحرك ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
وما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، يحضر مجلس علم، يسأل عالماً عن قضية فيها شبهة، يسأل ربه عز وجل أن يهبه عملاً صالحاً كما جاء في الدعاء، يسأل الله العمل الصالح. قيمة العمل منوطةٌ بالباعث فقط :
أيها الأخوة، قيمة العمل منوطةٌ بالباعث، قيمة العمل كلها منوطةٌ بالباعث فقط، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: (( إِنما الأعمال بالنيات ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب ]
هذا العمل قد يكون عملاً كبيراً لكن: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
[ سورة الفرقان ]

هذا العمل مهما بدا كبيراً إن لم يكن وراءه باعث صحيح أي نية طيبة هذا العمل لا قيمة له إطلاقاً، لذلك ورد في بعض الأحاديث: (( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ثوبان]
(( من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله تعالى بسائر عمله ))
[ مسند الشهاب عن أنس بن مالك]
نأتي بمثل: إنسان يمشي في الطريق وجد ليرة ذهبية على الأرض، وهناك آلة تصوير خفية، فهذا الإنسان انحنى والتقط هذه الليرة، ووضعها في جيبه، وفي نيته أن يبحث عن صاحبها، هناك دكان، فنوى أن يذهب إلى صاحب الدكان، ويدع عنده خبراً أنه من أضاع شيئاً فهذا رقم هاتفي، نحن صورناه، انحنى والتقط الليرة، ووضعها في جيبه، والتقطنا له صورة، في اليوم التالي وضعنا ليرة ذهبية، وهناك إنسان انحنى والتقط الليرة، ووضعها في جيبه، وصورناه، الصورتان متشابهتان تماماً، لكن الثاني نوى أن يأخذها، عمل الأول صالح بسبب نيته، والعمل الثاني سيء بسبب نيته.
أي ممكن أن تقدم لإنسان كأس عصير وتعلم أن هذا العصير يؤذيه، ويمكن أن تقدم له دواءً مراً بنية أن يشفى، فهو العمل يقيم بنيته فقط. العمل الصالح الذي يقبله الله هو ما كان خالصاً وصواباً :
أيها الأخوة، الحديث المتواتر الصحيح الذي رواه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إِنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إِلى الله ورسوله ، فهجرته إِلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إِلى ما هاجر إِليه ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب ]
لذلك امرأة اسمها أم قيس تسكن في مكة، خطبها رجل، فاشترطت عليه من أجل أن توافق على الزواج منه أن يهاجر إلى المدينة، فهاجر إلى المدينة، سمي هذا الإنسان مهاجر أم قيس: (( ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إِلى ما هاجر إِليه ))

أخواننا الكرام، العلاقة مع الله ليست سهلة، قد تقوم بعمل رائع وتتلقى ثناءات، وتتلقى تشكرات إن صحّ التعبير، وأنت عند الله ساقط.
هناك إنسان يصلي صلاة الفجر في المسجد ـ طبعاً الرواية هكذا ـ أي لأربعين عاماً ما فاتته تكبيرة الإحرام في المسجد، في يوم من الأيام لم يتمكن من ذلك فقال: ماذا يقول الناس عني؟ مشكلة!.
لذلك أيها الأخوة، الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك الآية: 2]
أجاب الفضيل رحمه الله في تفسير هذه الآية، أي ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
أي أيكم أخلصه لله وأصوبه.
أي العمل الصالح الذي يقبله الله هو ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، مثلاً حفلةٌ غنائيةٌ كبرى يرصد ريعها للأيتام، هذا العمل قد يبدو خالصاً لكنه ما وافق السنة، يانصيب خيري هذا العمل قد يبدو خالصاً لكنه ما وافق السنة، وقد يوافق السنة وليس خالصاً.
لذلك إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل، يسمي العلماء هذين الشرطين كلاهما شرطٌ لازمٌ غير كاف، لابد من أن يكون صواباً وفق منهج الله، ولابد من أن يكون خالصاً، الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
[ سورة الإنسان ]
علامات الإخلاص :
1 ـ استواء العمل في السر و العلن :
الآن هناك سؤال قد يتبادر إلى الذهن: ما علامة الإخلاص؟ هناك علامة، الحقيقة هناك علامات، العلامة الأولى: أن يستوي العمل في السر والعلن، في الجهر والخفاء، أمام الناس ووحدك في البيت، حينما يستوي العمل في السر والعلن، في الظاهر والباطن، في خلوتك وجلوتك، استواء العمل في الخلوة والجلوة، في السر والعلن، في الظاهر والباطن، فهذا من علامات الإخلاص، أي مع الناس صلى العشاء، لوحده نام بلا صلاة، مع مجتمع مؤمن غضّ بصره، مع مجتمع غير مؤمن لم يغض بصره، فحينما لا يستوي العمل في السر والعلن، في الظاهر والباطن، في الخلوة والجلوة، في الجهر والخفاء، يكون الإخلاص ضعيفاً، هذه علامة.
2 ـ استواء العمل في المدح و الذم :
والعلامة الثانية حينما يستوي العمل في المديح والذم، قمت بعمل مُدحت عليه تابعته، لا أحد أثنى عليك به تركته، فحينما يلغى العمل لعدم الثناء، ويزداد مع الثناء، فهذا من ضعف الإخلاص، لذلك من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 110]

دقق الآن: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
[ سورة الكهف الآية: 110 ]
هذا أول قسم بهذه السلسلة؛ سبل الوصول ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
وعلامات القبول: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف]
لكن هؤلاء الذين شردوا عن الله لهم أعمالٌ كالجبال يجعلها الله هباءً منثوراً، قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
إذاً استواء العمل في السر والعلن، استواء العمل في المديح والذم من علامات الإخلاص. 3 ـ السكينة التي يمنحها الله للمؤمن :

هذه علامة ثالثة، يقول لك: هذا العمل له ثواب، ما هو الثواب؟ ثاب بمعنى رجع، أنت إذا رفعت عملاً صالحاً إلى الله، وهذا العمل الصالح رفعك إلى الله.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[ سورة فاطر الآية:10 ]
الرد الإلهي العظيم لهذا العمل الخالص: أنه يعيد عليك هذا العمل سكينةً، راحة نفسية، شعوراً بالسعادة، هذه السكينة لا يعرفها إلا من ذاقها، يسعد بها ولو فقد كل شيء، وجدها النبي عليه الصلاة والسلام في الغار، وجدها يونس في بطن الحوت، وجدها أهل الكهف في الكهف، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
هذه السكينة العلامة الثالثة من علامات الإخلاص، يستوي العمل في السر والعلن، في المديح والذم، ويتأتى منه إلى قلبك السكينة، السكينة حالة نفسية فيها راحة، فيها سعادة، فيها رضا، فيها قبول، فيها أمن، فيها حكمة، هذه السكينة نسعد بها ولو فقدنا كل شيء ونشقى بفقدها ولو ملكنا كل شيء.
أصبح هناك ثلاث علامات للإخلاص؛ استواء العمل في السر والعلن، استواء العمل في المديح والذم، ثم أن يلقي الله في قلب المخلص سكينةً يسعد بها. قوة شخصية المؤمن أنه لا يستجدي المديح :
لكن هناك من يذم الناس لأنهم لا يشكرون بعضهم بعضاً، فأنت حينما تستجدي المديح من الناس، أي يعمل وليمة، فيقول للحاضرين: هل الأكل إن شاء الله طيب؟ يريد أن يستجدي المديح على الأكل، يدخل لبيتك تحدثه عن مساحته، عن إطلالته، عن هذا البلاط الذي جئت به عن طريق الشحن الجوي من إيطاليا، أنت حينما تريد أن تستجدي المديح من الناس ضعف إخلاصك، فمن قوة شخصية المؤمن أنه لا يستجدي المديح، إذاً إخلاصه على مستوى.
أيها الأخوة، بقي شيءٌ آخر هو أن الله جلّ جلاله في الأثر القدسي يقول: ((أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك ، فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري فأنا منه بريءٌ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
وفي حديثٍ آخر: (( الإخلاص سرٌ من سري استودعته قلب من أحببت من عبادي ))
[ورد في الأثر]
أيها الأخوة، الإخلاص هو الدين كله، قيل: شطر الدين، ولكن الحقيقة هو الدين كله، ومع الإخلاص ينفع كثير العمل وقليله، ومن دون إخلاصٍ لا ينفع لا كثير العمل ولا قليله.








والحمد لله رب العالمين



 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:12 AM   #6


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( السادس )

الموضوع : الاخلاص فى النية





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
عادات المؤمن مع الإخلاص عبادات :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الإخلاص، كموضوعٍ متعلقٍ بسبل الوصول وعلامات القبول.

الحقيقة الأولى: أن أعمالك اليومية، أن عاداتك، أن حرفتك التي تحترفها، أن عملك الذي ترتزق منه، إذا كان في الأصل مشروعاً وفق منهج الله، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة المسلمين، وغير المسلمين، ولم يشغلك عن فريضةٍ، ولا عن واجبٍ، ولا عن طاعةٍ، انقلب إلى عبادة بالإخلاص، وأنت في محلك التجاري، وأنت في مكتبك الهندسي، وأنت في عيادتك، وأنت في الحقل، وأنت في الصف، عملك اليومي، حرفتك، إذا كنت مخلصاً لله، وابتغيت بها كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة المسلمين وغير المسلمين، وما شغلتك عن واجبٍ، ولا عن فريضةٍ، انقلبت إلى عبادة، لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات.
أي أخذت أهلك إلى مكانٍ جميل بنية تمتين العلاقة بينك وبين أهلك وأولادك، وتفريج شدة الحياة عنهم، فأنت في عبادة، اشتريت ثياباً جديدة كي يكون مظهرك لائقاً بالمؤمن فأنت في عبادة، زرت أختك، وصلت قريبك، لبيت دعوةً، صدقوا ولا أبالغ أنت حينما تخلص لله، كل أعمالك تحسب عبادات، عبادات تعاملية طبعاً، هناك عبادات شعائرية، وهناك عبادات تعاملية، من دون إخلاص عباداتك المحضة سيئات، أي الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، من دون إخلاص عباداتك المحضة الشعائرية تغدو سيئات، بالإخلاص تكون عاداتك عبادات، من دون إخلاص تكون العبادات سيئات، هذه الحقيقة الأولى. على الإنسان ألا يقبل أو يرفض في الدين شيئاً من دون دليل :
أما الشواهد: طبعاً لا يجرؤ إنسان في العالم الإسلامي كله أن يقول شيئاً في الدين برأيه من دون دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، إن هذا العلم دين: (( انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا هُوَ دِينُكُمْ ))
[ أخرجه الدرامي عن الحسن البصري ]

لا تقبل في الدين شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، الدين قوام حياتنا، إن هذا العلم دين:
(( انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا هُوَ دِينُكُمْ ))
ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
وطّن نفسك ألا تقبل شيئاً من أي إنسانٍ في أمور الدين إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً من أي إنسان في أمور الدين من دون دليل.

الأدلة: بعض أصحاب رسول الله رأى رجلاً يصلي في المسجد في وقت العمل، فسأله من يطعمك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
العمل مع الإخلاص عبادة، وفي نص لسيدنا عمر رأى شاباً يقرأ القرآن في وقت العمل، فقال: إنما أُنزل هذا القرآن ليعمل به، أفاتخذت قراءته عملاً؟ أي صار كلّاً على الناس يمد يده للناس، ويقرأ القرآن، لا، اعمل في النهار، واكسب قوت يومك، واقرأه في الليل، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من بنى بنياناً من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرساً في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الرحمن تبارك وتعالى ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن معاذ بن أنس ]
أنشأت بناء، زرعت مزرعة، زرعت أشجاراً، أي إنسان انتفع من هذا البناء، أو من هذا النبات هو لك أجرٌ إلى يوم القيامة، العمل عبادة، العمل لخدمة المسلمين، لتقوية المسلمين، لإغناء المسلمين، الطرف الآخر اتخذ قراراً قطعياً بإفقارنا، وإضلالنا، وإفسادنا، وإذلالنا، وآخر قرار غير معلن هو إبادتنا. العمل مع الإخلاص عبادة :
أنت حينما تقوي أمتك، أنت حينما تتقن عملك، حينما تطور عملك، حينما نستغني بعملك عن أن نأتي بخبير، فأنت تقوي المسلمين، وهذا من العبادة، يقول عليه الصلاة و السلام:
(( ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]
حديثٌ آخر: (( ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب ]

تقويت بهذا الطعام على طاعة الله.
(( وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب ]
وفي بعض الأحاديث: (( الإنسان يوم القيامة يرى لقمةً وضعها في فم زوجته يراها كجبل أُحد ))

الدين هو الحياة، الدين أن تكون يدك هي العليا، الدين أن تحل مشكلات الآخرين، والله أنا أحياناً أزور معملاً لبعض أخوتنا، أقول له: كم عامل عندك؟ يقول لي: عندي مئتا عامل، أقول له: أنت إذاً تفتح مئتي بيت، هذا أكبر عمل صالح، أي لا تكن على هامش الحياة، كن رقماً صعباً، كن إنساناً يشار إليه بالبنان في خدمة المؤمنين.
حديثٌ آخر: (( وإنك لن تُنفقَ نفقة تبتغِي بها وجه الله إِلا أُجِرْتَ بها ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ]
أي جئت مساءً بلعبةٍ كي تفرح بها أولادك صدقة، لأن إدخال الفرح على قلب الصغار من العبادة، قدمت هديةً لأختك، زرت أختك في طرف المدينة الآخر فامتلأ قلبها امتناناً منك أمام زوجها جاء أخي، هناك أشخاص يهمل أخته عشرات السنين. (( وإنك لن تُنفقَ نفقة تبتغِي بها وجه الله إِلا أُجِرْتَ بها ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ]
نية المؤمن خيرٌ من عمله :
الآن موضوع جديد: لو أن الظروف حالت بينك وبين عملٍ صالح، وتأثرت تأثراً كبيراً، لم تستطع أن تقوم بهذا العمل فبكيت، يكتب لك بإخلاصك كأنك قمت بهذا العمل تماماً، الدليل: لما جاء الصحابة إلى رسول الله ليجاهدوا معه لم يجد ما يحملهم عليه، فقال تعالى: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾
[ سورة التوبة ]
كتب لهم كأنهم في الجهاد بإخلاصهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام في بعض الغزوات خاطب جيشه قال: ((إنَّ قوْماً خَلْفنَا بالمدينةِ، مَا سَلَكنْا شِعْباً، ولا وَادِياً إلا وهم معنا، حَبَسَهُم الْعُذْرُ ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]
ما قولك؟
تتابع الأخبار، تابعت أخبار غزة، طفل يموت، لا يوجد كهرباء، هو على منفسة، فبكيت أنت، تتمنى أن تذهب إلى هناك، وأن تقدم لهم نصف مالك، كُتب لك على هذا البكاء وعلى هذا الألم أنك قمت بهذا العمل، ما قولك؟.
الإخلاص هو الدين كله، لذلك قالوا: نية المؤمن خيرٌ من عمله، عمله محدود لكن نواياه غير محدودة، يتمنى أن يحل مشاكل الناس كلها، يتمنى أن يزوج كل الفتيات، يتمنى أن يزوج كل الشباب، يتمنى أن يهيئ فرص عمل لكل الشباب، يتمنى ويسعى.

الآن إنسان له درس علم يحضره دائماً، مرض فتألم، كنت أتمنى أن أكون مع الحاضرين، فالله عز وجل يكتب له أجر حضور هذا الدرس ولو لم يحضر، الحديث: يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله تعالى يكتب للمريض أفضل ما يعمل في صحته ما دام في وثاقه ))
[ الطبراني عن أبى موسى]
أي حَبَسه المرض عن أن يقوم بعمل صالح. (( وللمسافر أفضل ما كان يعمله في حضره ))
[ الطبراني عن أبي موسى]
فإذا كنت مسافراً، ولا سمح الله إذا كان المرء مريضاً، وله أعمال صالحة يؤديها في صحته، أو له أعمال صالحة يؤديها في حضره، في إقامته، يكتب له أجر أعماله الصالحة التي فاتته إن في مرضه، أو سفره بالإخلاص. الأعمال الصالحة تغدو سيئات بالرياء :
ماذا يقابل الإخلاص؟ الرياء، بالرياء تغدو الأعمال الصالحة سيئات، بالرياء تغدو العبادات سيئات. ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾
[ سورة الماعون ]
ويلٌ لمن؟ للمصلين: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
[ سورة الماعون ]
إنفاق المال بحفل خيري، المحسن الكبير فلان دفع مئة ألف، له ابن أخت يموت من الجوع، أمام حفل كبير دفع مئة ألف، وأشادوا بإحسانه وكرمه، أما ابن أخيه الفقير طلب منه قرضاً بعشرة آلاف وهو معه مئات الألوف ولا يعطيه، هذه قضية!.

زعيم كبير من زعماء الغرب سمعته بأذني، في حرب جرت في جنوب إفريقيا، قتل فيها ثمانمئة ألف في أسبوع في راوندا، قال: كان بإمكاني أن أُنقذ أربعمئة ألف لكن ما أنقذتهم لأن هناك لا يوجد نفط، أما على شبهة سلاح شمولي جاء إلى العراق ثلاثون دولة هل الأمر واضح؟ قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 264 ]
صخر. ﴿ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 264 ]
طبقة تراب خفيفة. ﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 264 ]
مطر. ﴿ فَتَرَكَهُ صَلْداً ﴾
[ سورة البقرة الآية: 264 ]
أي التراب الخفيف فوق الصخر يُظن تربة زراعية، هو صخر لا ينفع، ولا يقدم شيئاً للإنسان، جاء هذا المطر فأزال التراب فظهر الصخر. ﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
[ سورة البقرة ]
لذلك: أخلص دينك يكفك القليل من العمل. أقوال العلماء في الإخلاص :
الآن من أقوال العلماء في الإخلاص: الإخلاص من تعريفاتهم:" استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهر العبد خيراً من باطنه، والصدق أن يكون باطن العبد خيراً من ظاهره"، البطولة أن يكون الباطن خيراً من الظاهر، والرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن.
"الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة ـ يصلي لوجه الله ـ وتصفية هذه الطاعة عن ملاحظة الخلق"، أي يصلي أمام الناس فيغمض عينه، ويعصر وجهه، وكأنه بخشوع.
إنسان أحبّ أن يذهب إلى بيت الله الحرام، معه مبلغ ضخم، خمسون ليرة ذهبية، أين يدعها؟ دخل إلى الجامع، تأمل في صلاة هؤلاء، أعجبته صلاة واحدٍ منهم، فيه خشوع، قال له: معي خمسون ليرة أريد أن أضعها عندك أمانة، وأنا ذاهب إلى الحج، قال له: أنا أيضاً صائم.
فلذلك تصفية هذه الطاعة عن ملاحظة الخلق.
"المُخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق، ولا يتم الصدق إلا بالإخلاص"، هناك علاقة ترابطية أنت بالصدق تخلص وبالإخلاص تصدق، ولا يتمان إلا بالصبر.
"الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق"، إذا لم تستحِ من خالقك تصنع ما تشاء ولا تعبأ بكلام الخلق.
إنسان أراد أن يقطع ألسنة الخلق، عمل وليمة ووضع في كل قطعة ليرة من الذهب، لما وجدوا الليرة الذهبية قالوا: لو وضعهن اثنتين، فلم يستفد شيئاً.
لا تعمل من أجل الخلق، الخلق لا يقدمون ولا يؤخرون، ولكن طوبى لمن جب الغيبة عن نفسه.

لذلك الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله، اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيءٍ يشينني عندك، إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحدٍ من خلقك، إني أعوذ بك أن يكون أحدٌ أسعد بما علمتني مني.
قال: من ترك العمل من أجل الناس وقع في الرياء، ومن عمل من أجل الناس وقع في الشرك، تركت قيام الليل حتى لا يقولوا عني أنا عندي عبادة عظيمة، حتى لا أكون مرائياً، هذا خطأ كبير، تركت خدمة فلان حتى ما أُتهم أني أرائي، ترك العمل من أجل الناس رياء، فالرياء نوعان أن تعمل من أجلهم، أو أن تدع عملاً صالحاً من أجلهم، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
"والإخلاص سرٌ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملكٌ فيكتبه ولا شيطانٌ فيفسده، ولا هوىً فيسقطه".
"الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً غير الله".
آخر حقيقة: "من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص"، وحينما ينجو المؤمن من إعجابه بإخلاصه يصبح مُخلَصاً، لذلك المؤمن مخلِص مخلَص. شاهد عن الإخلاص من السيرة النبوية :
الآن أقدم لكم شاهداً من السيرة النبوية، زيد الخير من أشجع صحابة رسول الله، من أجودهم في الجاهلية، بلغته أخبار النبي عليه الصلاة والسلام، وقف على شيءٍ من هذه الأخبار، فأعد راحلته، ودعا كبراء قومه إلى زيارة رسول الله، ولما بلغوا المدينة توجهوا إلى المسجد النبوي الشريف، وأناخوا ركائبهم ببابه، وصادف دخولهم أنه كان صلى الله عليه و سلم يخطب في المسلمين، دخلوا أثناء الخطبة، فراعهم كلامه، وأدهشهم تعلق الناس به، وإنصاتهم له، وتأثرهم بما يقول، ولما أبصرهم النبي عليه الصلاة والسلام رأى وفداً، قال: أنا خيرٌ لكم من العزى، وهم يعبدون الأوثان، ومن كل ما تعبدون، إني خيرٌ لكم من الجمل الأسود، هذا كناية عن أثمن أنواع المال، الأسود غال جداً، فلما انتهى النبي الكريم من خطبته، وقف زيدُ بين الجموع وكان من أجمل الرجال، من أجمل رجال الجاهلية ومن أتمهم خلقةً، وأطولهم قامةً، أطلق صوته الجهير قال: يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأقبل عليه النبي الكريم، وقال له: من أنت؟ قال: أنا زيد الخيل ـ اسمه زيد الخيل ـ فقال عليه الصلاة و السلام: بل زيد الخير لا زيد الخيل، والحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك، ورقق قلبك للإسلام، ثم مضى به النبي الكريم إلى بيته تكريماً له، ومعه سيدنا عمر، وفي البيت طرح النبي الكريم عليه وسادةً متكئاًً، فعظم على زيد أن يتكئ في حضرة رسول الله، مضى على إسلامه نصف ساعة، أُعطي وسادة ليتكئ عليها، قال له: والله لا أتكئ في حضرتك، عرف مكانته، ولما استقر بهم المجلس قال: يا زيد ما وصف لي رجلٌ قط ثم رأيته إلا كان دون ما وصف إلا أنت يا زيد، يا زيد إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله، قال: وما هما؟ قال: الأناة والحلم، فقال زيد: الحمد لله الذي جعلني على حب الله ورسوله، ثم التفت إلى النبي وقال: يا رسول الله أعطني ثلاثمئة فارس، وأنا كفيلٌ لك أن أغير على بلاد الروم وأنال منهم، أكبر النبي همته هذه، وقال له: لله ذرك يا زيد، أي رجلٍ أنت؟ النبي لم يكتم إعجابه، هناك شخص لا يبدي إعجابه بأحد، عامل وقار لنفسه، كهنوت، كل الناس دونه، سيد الخلق وحبيب الحق أُعجب به، إذا كان هناك إنسان تفوق أثني عليه، أكرمه، قال له: لله ذرك أي رجلٌ أنت؟ ثم أسلم مع زيد كل من كان في صحبته.
الشاهد ليس هنا، ولما همّ بالرجوع إلى ديار قومه في نجد ودعه صلى الله عليه و سلم وقال: أي رجلٌ هذا؟ وفي الطريق إلى دياره وافته المنية، ولم يكن بين إسلامه وموته متسع، ولكن إخلاصه في إسلامه، ونواياه الكبيرة بفتح بلاد الروم، ونشر هذا الدين هناك أغنته عن كثيرٍ من العمل.
أَخلص دينك يكفك القليل من العمل، مع الإخلاص ينفعك قليل العمل و كثيره، ومن دون إخلاصٍ لا ينفعك لا كثيره ولا قليله.
فالإخلاص أحد ثاني أكبر الموضوعات التي تسرع الخطا إلى الله، هذه الدروس تحت عنوان: "سبل الوصول وعلامات القبول".
أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الموضوعات سلوكاً يومياً لنا، وأن تنتقل من أفكار تستمع إليها إلى سلوك تفعله.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:19 AM   #7


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( السابع )

الموضوع : دافع الاستقامة الايمان بالله





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاستقامة :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" والموضوع اليوم: "الاستقامة".
والاستقامة عين الكرامة، ولن يقطف المسلم من ثمار الإسلام شيئاً إلا إذا كان مستقيماً على أمر الله، كيف أن التجارة بكل نشاطاتها تضغط بكلمةٍ واحدة إنها الربح، كذلك الدين بكل نشاطاته يضغط بكلمةٍ واحدة إنها الاستقامة.
الاستقامة سلوك الصراط المستقيم، ويشمل فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها الظاهرة والباطنة، وتتعلق الاستقامة بالأقوال، والأفعال، والأحوال، والنيات، أقوال، أفعال، أحوال، نيات.
والاستقامة في كل هذا يجب أن تقع لله إخلاصاً، وبالله استعانةً، وعلى أمر الله تطبيقاً، وكن أيها المؤمن صاحب استقامة ولا تكن طالب كرامة، لكن كتعليقٍ على الكرامة ما من مؤمنٍ يخطب ود الله عز وجل إلا وله عند الله كرامة، هذه الكرامة مستويات، ولكن أعلى مستوياتها كرامة العلم.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
الصراط المستقيم هو القرآن الكريم :
الكرامة الحقيقية أن تعرف الله،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾

والإله العظيم وصف هذا العطاء بأنه عظيم،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أنت في الصلاة تقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
[ سورة الفاتحة ]
الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، لأنك بعد أن تقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
[ سورة الفاتحة ]
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة الإسراء الآية: 53 ]
الآيات التي تقرأها بعد الفاتحة هي الصراط المستقيم الذي سألت الله أن يهديك إياه.
إذاً الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفيه حكم ما بينكم، هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الصراط المستقيم، هو الشفاء النافع، عصمةٌ لمن تمسك به، ونجاةٌ لمن اتبعه، لا يعوج فيقوّم، أي تشريع أرضي يعوج فيعدل، يبدل، تضاف له مواد، تحذف منه مواد، ثم يلغى، لا يعوج فيقوّم، ولا بزيغ فيستعتب، ولا يخلق على كثرة الرد، مهما استمعت إلى القرآن الكريم تجد فيه شيئاً جديداً، لا يخلق على كثرة الرد، لا تنقضي عجائبه، وهو الذي لا تلتبس به الأهواء، حقٌ صرف، ولا يشبع منه العلماء، هو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته إلى أن: ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ ﴾
[ سورة الجن الآية: 1-2 ]
من وليه من جبارٍ فحكم بغير ما فيه قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن اتبعه هدي إلى صراطٍ مستقيم. الاستقامة فعل تكليفي :
إذاً الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، كونٌ ناطق، والكون قرآنٌ صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي.
﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة النور ]

الاستقامة فعل تكليفي، وكل فعل تكليفي أنت مخير أن تستقيم أو ألا تستقيم، أن تصدق أو ألا تصدق، أن تكون أميناً أو ألا تكون أميناً،
﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
أنت مخير، تقول: الله كاتب عليَّ، هذا كلام فيه كذب. ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 148 ]
كلام من؟ كلام المشرك. ﴿ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
[ سورة الأنعام ]
أي تكذبون، تقول: الله مقدر عليَّ، جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك ـ هناك كلمات تقولوها العوام هي الكفر بعينه، يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة ـ فقال: إن الله قدر عليَّ ذلك فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، إياك أن تقول: إن الله قدر عليَّ أن أفعل هذا العمل السيئ. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
أكثر العوام يعزون أخطاءهم إلى القضاء والقدر. أبداً. من عزا الاستقامة إلى الله فهي بمعنى أن الله ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً :
الآن شيء لا يصدق، قال تعالى:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 55-56 ]
سيدنا هود:
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود ]
أي الله مستقيم، وإذا عزيت الاستقامة إلى الله فهي بمعنى أن الله ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
مثلاً الله عز وجل كما قال عن ذاته العليا ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الاعتراض دليل نقص معرفة الإنسان بالله :
إذاً: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
لأن الله على صراط مستقيم، النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة الزخرف ]
مرة قال النبي لأصحابه قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، هناك شخص لم يستوعب هذه الكلمة، قال: أحدنا يقتل أخاه وأباه في الحرب، وينهانا عن قتل عمه؟ ثم اكتشف بعد حين أن عمه مسلمٌ وهو في مكة, وهو عين النبي ينقل له كل شيء، فلو أن عمه لم يشارك في الحرب لكشف هويته وانتهت مهمته، لو أن النبي قال: عمي العباس قد أسلم لكشفه وانتهت مهمته، لو سكت لقُتل، فقال: لا تقتلوا عمي العباس، هذا الصحابي بعد حين حينما كشفت له الحقيقة قال: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله، هذا نبي ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الآن دعوته. ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة المؤمنون ]
فالذي قَبِل هذه الدعوة تعطيه التفاصيل. ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة الشورى ]
﴿ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
العبادة :
أيها الأخوة، دقق ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

ما العبادة إذاً؟ العبادة أن تتبع الطريق المستقيم، العبادة ليست أن تصلي فقط، في الحلال والحرام، في العطاء والمنع، في الصلة والقطع، في الرضا والغضب، هناك صراطٌ مستقيم، إذا توهم الإنسان أن العبادة هي أداء العبادات الشعائرية فهو واهمٌ جداً، يكاد يكون منهج الله يزيد عن خمسمئة ألف بند، الاستقامة أن تتبع منهج الله في كل شيء، في زواجك، في تجارتك، في رحلاتك، في عطائك، في أفراحك، في أتراحك
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
التفصيلي، لذلك: ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي ﴾
[ سورة يس الآية: 61 ]
ماذا تعني العبادة؟ ﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾
[ سورة يس ]
فالعبادة اتباع الصراط المستقيم. من لم يحمله إيمانه على طاعة الله فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً :
الآن الإنسان يستقيم على أمر قوي خوفاً منه، لكن الله عز وجل ينتظر من المؤمن أن يستقيم إليه، أن تكون استقامة المؤمن مفضيةً إلى الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 6 ]
فاستقيموا إليه، أي أن تعتقد أن الله إلهٌ واحد دون أن تستقيم إليه لا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً، ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
الموقف الحركي، الموقف العملي، الموقف الدقيق للتعبير عن إيمانك أن تستقيم على أمره، وما لم يحملك إيمانك على طاعة الله فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً، إنه إيمانٌ إبليسي، لأن إبليس قال ربي: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
[ سورة ص الآية: 82 ]
وقال: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ ﴾
[ سورة ص الآية: 76 ]
ومع ذلك هو إبليس اللعين، إذاً الآية الأولى: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
والآية الثانية: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف ]
نتائج الاستقامة :
أولاً: نتائج الاستقامة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 30-31 ]

أقف عند كلمة
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
هذا الزمن هناك ماض، وهناك حاضر، وهناك مستقبل ﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
من المستقبل، لا يوجد مفاجآت. ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة الآية: 51 ]
المؤمن بعين الله، بحفظه، برعايته، لأن توقع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها، أنت من خوف الفقر في فقر، من خوف المرض في مرض ﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
هذه الكلمة غطت المستقبل ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
لا تندم على ما فات وهذه الكلمة غطت الماضي، فالمستقيم يمنحه الله حالة عجيبة لا يخشى من المستقبل، ولا يندم على الماضي ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
لذلك ليس في قاموس المؤمن لو، لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
الآن: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ ﴾
لكرامة المؤمن عند الله يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، في الدنيا ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
فإذا وافته المنية ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً :
الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
[ سورة هود الآية: 112 ]
يقول عليه الصلاة والسلام: (( شَيَّبَتْني هودٌ ))
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]
هذه الآية في سورة هود، الآية التي شيبته: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾

رأى على السرير تمرة، فقال: "يا عائشة لولا أنني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها"، اشتهى أن يأكل هذه التمرة، لكنه خاف أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، هذا وضع المؤمن.
(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))
[ الجامع الصغير عن أنس]
((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً))
[ مسند الشهاب عن أنس]
أخ كريم توفي ـ رحمه الله ـ درس إدارة أعمال في أمريكا ذكرت له هذه الآية، أقسم بالله أن اختصاصه كله ملخصٌ في هذه الآية. ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة الملك ]
الذي يمشي سوياً هكذا يرى الأهداف البعيدة، أما الذي يمشي مكباً يرى الجزئيات، الآن معظم الناس غارقون في الجزئيات، مشكلات لا تنتهي، يفاجأ بالموت، نسي هذا اليوم، ينتقل من كل شيء إلى قبر.
أحياناً أنا أضطر أن أعزي أحد أقربائي، أو أحد معارفي، أدخل إلى بيت أربعمئة متر، أقول في نفسي: من اختار هذا البلاط؟ المرحوم، من اختار هذا المنظر الرائع جداً؟ المرحوم، من اختار هذه التزيينات؟ المرحوم، من اشترى هذا السجاد؟ المرحوم، من اشترى هذه الثريات؟ المرحوم، أين المرحوم؟ في القبر، نقطة دقيقة جداً. معاقبة الله عز وجل الإنسان أحياناً بالدنيا :
لذلك: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾
بجزئيات حياته، بالبيع والشراء والمماحكة، وهناك دعوى أقامها على إنسان، المبلغ كان خمسين مليوناً، وكَّل محامي و اثنين و هو غارق في هموم الدنيا، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية: (( عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك في كل حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً ))
[ورد في الأثر]
أي الله عز وجل أحياناً يعاقب بالدنيا، يعاقب بدنيا عريضة، غارق باللقاءات، والاجتماعات، والهموم، ونسي ربه، ونسي آخرته، فجأة أزمة قلبية، فجأة في العناية المشددة، ثم نعوة، انتهى ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هدفه واضح. آثار الاستقامة لا تعد ولا تحصى :
الآن آثار الاستقامة لا تعد ولا تحصى.
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
[ سورة الجن ]

أي كان بردى قبل عشرات السنين شيء مخيف، بالربيع هناك حوادث عديدة من الغرق:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾
[ سورة الجن ]
أيها الأخوة، يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة إنها الاستقامة، وما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، عندئذٍ أصبح الدين ثقافة، له خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية، مشاعر إسلامية، اهتمامات إسلامية، أقواس إسلامية، فسيفساء إسلامية، زخرفة إسلامية، أي قيم روحية، ومشروبات روحية، صار الدين فلكلوراً، صدقوا ذهب قراءٌ إلى باريس وقرؤوا القرآن على أنه فلكلور شرقي، والله قُرئ القرآن في باريس على أنه فلكلور شرقي.
أيها الأخوة، هذا القرآن هو الصراط المستقيم، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، أنت في سلام ببيتك، سلام مع أولادك، سلام مع شركائك، سلام في عملك، سلام مع أسرتك الواسعة، سلام مع مجتمعك، سلام مع صحتك، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة المائدة ]
تعدد الباطل و الحق واحد :

الآن الصراط المستقيم واحد، كما أنك لن تستطيع أن ترسم بين نقطتين إلا خطاً مستقيماً واحداً، ليس في الأرض إلا حقٌ واحد.

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 153 ]
ضمير مفرد. ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
[ سورة الأنعام ]
الباطل متعدد، لذلك العمر لا يستوعب إلا الحق، أما الباطل لا تستوعبه أعمار أهل الأرض، الباطل متعدد، ومتنوع، وكثير، إذاً الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق واحد، وبين حقٍ وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي، الباطل لا ينتهي. الطريق إلى الله و الافتقار إليه محمي من الشيطان :
الآن الإنسان حينما يصطلح مع الله، ويبدأ بالاستقامة، يتعرض للشيطان. ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
[ سورة الأعراف ]

أي شيء طبيعي جداً أن الإنسان وهو متفلت يتركه الشيطان، أما حينما يستقيم على أمر الله تماماً تأتيه الوساوس، قال:
﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 17 ]
أزين لهم العصر، والعصرنة، والتقدم، عصر الفضائيات، عصر الكومبيوتر، عصر التواصل الإعلامي، الثورة الثقافية. ﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 17 ]
الآراميين والفراعنة، يلغي الإسلام نعود إلى مسافات كبيرة جداً. ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 17 ]
أي يدخل في وسواس في وضوءه، أحياناً في صلاته، أنت صليت لكن في بالفاتحة أربع عشرة شدة ما جئت بها فالصلاة باطلة مثلاً، يدخله في متاهات الوسوسة. ﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 17 ]
المعاصي. ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
شكوى مستمرة، هذا فعل الشيطان، أما الطريق إلى الله محمي من الشيطان، هي ست جهات؛ يمين يسار، شمال جنوب، يمين يسار، أما فوق تحت لا يوجد شيطان، الافتقار إلى الله الطريق محمي، والوصول إلى الله الطريق محمي، قال: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
تجلس مع إنسان، بيوت، وسيارات، ودخل فلكي، يقول لك: السوق مسموم، لا يعاش بهذا البلد، ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
تلتقي بمؤمن دخله ستة آلاف في الشهر يقول لك: الحمد لله، ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
الأدب مع الطرف الآخر :
أيها الأخوة، الطرف الآخر الله عز وجل أعطانا توجيهاً قال: ﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 7 ]
إنسان غير مسلم عاملك بدقة، بعدل، بلطف، ﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾
لمَ الغلظة؟ أكبر دافع إلى الاستقامة هو الإيمان بالآخرة :
أيها الأخوة، لكن الشيء الدقيق. ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون ]
تبين أنه أكبر دافع إلى أن تستقيم أن تؤمن بالآخرة، هناك حساب دقيق ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، موضوع الاستقامة هو الدين كله، الشيء الذي يميز المسلم أنه مستقيم، مضبوط لسانه، مضبوطة جوارحه، مضبوط دخله، إنفاقه بيته، عمله، بيته، وعمله، وجوارحه، ودخله، وإنفاقه، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:22 AM   #8


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( الثامن )

الموضوع : الاستقامة عين الكرامة







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاستقامة من أشد الوسائل فعاليةً في الوصول إلى الله :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الاستقامة، والاستقامة عين الكرامة، وهي من أشد الوسائل فعاليةً في الوصول إلى الله، لكن في هذا اللقاء الطيب نتحدث عن الاستقامة من خلال السنة النبوية، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
((يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك؟ قال: قل: آمَنْتُ بالله ثم استقم ))
[ أخرجه مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
أنا كنت أقول دائماً: يمكن أن يضغط الإسلام كله بكلمة واحدة، إنها الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، يبقى الدين ثقافةً، معلومات، تراثاً، فكراً، يبقى الدين خلفيةً إسلامية، أرضيةً إسلامية، مشاعر إسلامية، اهتمامات إسلامية، ثقافة إسلامية، إن لم نطبق منهج الله عز وجل يبقى الدين ثقافةً ليس غير.
لذلك لو اعتنق الإسلام مليارات لا وزن لهم في الأرض، كما هي الحال اليوم، مليار وخمسمئة مليون مسلم لا وزن لهم، ليس أمرهم بيدهم، ليست كلمتهم هي العليا، للطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، خمس دول إسلامية محتلة، ثرواتهم منهوبة، شبابهم يقتلون، أليس كذلك؟ (( قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك قال: قل: آمَنْتُ بالله، ثم استقم ))
[ أخرجه مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
بعد الاستقامة الحديث لا ينتهي عن مكاسب المسلم، عن أخلاق المسلم، عن روحانية المسلم، عن سكينة المسلم، عن ثقة المسلم بالله عز وجل، عن تفاؤل المسلم، عن سعادة المسلم، أما قبل الاستقامة معلومات محشوةٌ في الدماغ ليس غير.
لذلك أحد كبار الأئمة يقول: جاهد تشاهد، لن تشاهد الحقائق، لن تسعد بها، إلا إذا جاهدت نفسك وهواك. من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :
أيها الأخوة، إذاً الإسلام كله يضغط بكلمة واحدة، فتوفيراً للوقت والجهد واختصاراً للقيل والقال إن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، هذه الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
ورد في الأثر أن أحدهم سأل النبي الكريم يا رسول الله عظني ولا تطل؟ فورد هذا الكلام.
(( قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك؟ قال: قل: آمَنْتُ بالله، ثم استقم، قال: أريد أخف من ذلك قال: إذاً فاستعد للبلاء ))
[ أخرجه مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]

قال له الطبيب: عليك بحمية تامة، معك التهاب معدة حاد، حمية تامة، على الحليب فقط، قال له: أريد أن آكل كل شيء قال له: إذاً استعد لعمل جراحي، قضية واضحة مثل الشمس، يمكن أن تشفى بحميةٍ صارمة، فإن لم تقبل بها فاستعد لعمل جراحي، القضية واضحة.
﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 284 ]
فإذا استقمتم. ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 284 ]
وإن لم تستقيموا: ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[ سورة البقرة ]
أي هذا الطبيب متفوق جداً، قادر أن يشفيك بحمية، أو بعمل جراحي، اختر واحدة، هذا كلامٌ جامعٌ مانع. استقامة اللسان :

الآن عندنا استقامة خاصة؛ استقامة اللسان.

(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
كلمة قد تفسد علاقة زوجين، كلمة قد تفصل شركة، كلمة قد تسبب حقداً، لذلك الجوارح تخاطب اللسان تقول له: (( اتَّق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
حينما تعد كلامك من عملك تنجو. (( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]
السيدة عائشة قالت عن أختها صفية إنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام: (( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
[ رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]
مجالس إلى ساعة متأخرة من الليل غيبة، ونميمة، وتجريح، وافتراء، وتهم، وتقليد، فلذلك من أين جاء هذا الحجاب بين المسلمين وبين ربهم؟ من أخطاء اللسان، يقول لك: أنا لم أرتكب كبائر والحمد لله، لكن المشكلة في الصغائر، أي أنت تمشي على طريق، عن يمين هذا الطريق وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، الكبيرة حرف المقود تسعون درجة فجأة إلى الوادي، الصغيرة سنتيمتر واحد، لكن ثابت بعد ثلاثة كيلو متر إلى الوادي.
لذلك ورد في بعض الأحاديث: (( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))
[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]
التسعون درجة طريق عرضه يقدر بثلاثين متراً يعيد المقود إلى ما كان عليه بثانية، الكبيرة تسعون درجة والإصلاح يكون فجائياً، انتهى الأمر، لذلك: (( إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكن قد رضي منكم بما تحقرون ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة ]
من أعمالكم. الصغائر أحد أكبر مداخل الشيطان على الإنسان :
المسلمون محجوبون بالصغائر ليس بالكبائر، أي معظم المسلمين لا يقترفون جريمة قتل، ولا يشربون الخمر، ولا يزنون، هذه كبائر، ما الذي يحجبهم عن الله؟ الصغائر؛ غيبة، ونميمة، وبهتان، وسخرية، واستهزاء، واختلاط، ومصافحة، ويملأ عينيه من الحرام، بهذه الصغائر حجب عن الله عز وجل.
أي بيت فيه عشرات من الأجهزة الكهربائية، سواءٌ أقطعنا التيار ميلي أم متراً، التيار انقطع، كل هذه الأجهزة معطلة، لم يعد لمسافة القطع قيمة، القطع حصل.
فالإنسان إما أن يحجب بالكبائر والعياذ بالله أو أن يحجب بالصغائر، لذلك: (( ولكن قد رضي ما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة ]
أي الشيطان ذكي جداً كما يقال، يدعو الإنسان إلى أن يكفر بالله، فإن رآهُ على إيمان دعاه إلى الشرك، إن رآه على توحيد دعاه إلى كبيرة، فإن رآه على طاعة دعاه إلى صغيرة، فالصغائر أحد أكبر مداخل الشيطان على الإنسان، فإن رآه على ورع، بقي ورقتان رابحتان التحريف بين المؤمنين، تجد فلاناً لا أظنه مخلصاً في دعوته، شققت على قلبه؟ التحريش بين المؤمنين، فإن لم تنجح معه هذه الورقة الأخيرة عنده ورقة هي المباحات، يغرق في المباحات، يمضي وقته في تزيين حياته، في الاستمتاع، لم يعصِ الله، لكن هذه المباحات استغرقت كل وقته، فجاء يوم القيامة مفلساً.
إذاً يدعو إلى الكفر، ثم الشرك، ثم الكبائر، ثم الصغائر، ثم التحريش بين المؤمنين، ثم المباحات، إذاً الآن استقامة اللسان، الجوارح تخاطب اللسان تقول له: (( اتَّق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
فإذا كانت كلمة قصيرة: (( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
[ رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]
فما قولك فيما فوق كلمة قصيرة؟ أنا أقول دائماً: (( دَخَلت امْرَأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ ربطتها، فلم تُطْعِمها، ولم تَدَعْها تأْكُل مِن خَشاشِ الأرض ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ]
فما قولكم بما فوق الهرة؟ بشعوب بأكملها تُقتل، بشعوب بأكملها تجوع، تموت من الجوع. نتائج الاستقامة :
الآن نتائج الاستقامة: هناك نتائج محدودة، ونتائج غير محدودة، يقول عليه الصلاة و السلام: (( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
[ أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]
لن تحصوا نتائج الاستقامة، يا ترى المستقيم سليم؟ سليم، الاستقامة تفضي بك إلى السلامة، يحفظ الله له ماله، ما أكل مالاً حراماً، يحفظ الله له أهله، ما اقترف فاحشة حتى يعاقبه الله بأن تزل قدم زوجته، هو عفيف فوهبه الله زوجة عفيفة، أولاده أبرار كان باراً بوالديه، الاستقامة تفضي إلى السلامة ـ هذه نتيجة ، والسعادة، والطمأنينة، والثقة بالله عز وجل، والتوفيق، والرزق، والسكينة. (( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
[ أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]
بدءاً من سلامة الصحة وانتهاءً بسلامة العقيدة، بدءاً من سلامة حياتك المادية وانتهاءً بتألق حياتك الروحية. (( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
[ أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]
من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة :
والله أيها الأخوة، أحياناً مؤمن يستعرض تاريخ حياته، أمضى حياته في طاعة الله، كانت له بداية محرقة إذاً له نهاية مشرقة، الله عز وجل يقول: ﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
[ سورة الزخرف ]
انظر الإنسان أحياناً يرتزق أو يسترزق، لكن هناك مستوى أعلى بكثير بعدما أصبح عنده كل وسائل الراحة؛ من بيوت، في المدينة بيت، وفي المصيف بيت، وفي الساحل بيت، ومركبات منوعة، شيء للسفر، شيء للحضر، شيء لأهله، شيء لأولاده، بعدما وصل إلى أكثر مباهج الدنيا يصبح همه الجمع، كان يسترزق ربه الآن همه الجمع فقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
دقق في هذا الحديث، قال النبي الكريم لأحد أصحابه قال: (( يا شداد إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
أي هناك أموال منقولة وغير منقولة، و هناك عملات صعبة، وعملات محلية. (( إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
أي إنسان بعد عمر معين ينتكس؟ يترك الصلاة؟ يقع في الفاحشة؟ لأنه ورد في بعض الآثار: (( أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد، أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد))
[ورد في الأثر]
الشاهد في الذي سيأتي: (( وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاثٍ أشد؛ أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد ))
[ورد في الأثر]
يراهق بعد أن أصبح عمره خمسة وخمسين : (( أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد))
[ورد في الأثر]
على الإنسان أن يطلب من الله أن يمنحه الإرادة الكافية لتطبيق الحق :
إذاً: (( إني أسألك التثبيت في الأمور وعزيمة الرشد ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
الإرادة، الإنسان أحياناً يرى الحق حقاً لكن لا يملك إرادة كافية لتطبيق الحق. (( وعزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلباً سليماً ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
القلب السليم قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
[ سورة الشعراء ]
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوةً لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يحتكم إلا إلى شرع الله، ولا يعبد إلا الله ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
(( ولساناً صادقاً ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
والشاهد: (( وخلقاً مستقيماً ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
هناك استقامة. (( وأستغفرك لما تعلم ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
من ذنوبي. (( وأسألك من خير ما تعلم ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
من خيري الدنيا والآخرة. (( وأعوذ بك من خير مما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ))
[ أخرجه ابن حبان عن شداد بن أوس ]
من استقام على أمر الله يُستقم به :
أحياناً إنسان يتراءى له الشر خيراً، وهو في الحقيقة شر. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة البقرة ]

الآن الاستقامة لها هدف كبير جداً، هدف دعوي، نحن تكلمنا أن الإسلام كله مضغوط بكلمة واحدة، ثم استقامة اللسان، ثم بديل الجمع، والآن أحد نتائج الاستقامة أنك إذا استقمت يُستَقَم بك، الأمين وهو صامت يُعلّم الناس الأمانة، الصادق وهو صامت يُعلّم الناس الصدق، العفيف وهو صامت يُعلّم الناس العفة:
(( استقيموا يستقم بكم ))
[ أخرجه الطبراني عن سمرة بن جندب ]
يقول طبيب جراح جاءته هدية من إنسان غير مسلم أو مسلم عاص، الأصح مسلم عاص، و الهدية هي زجاجة خمر، قال له: هذه لا أقبلها، قال له: قدمها هدية، قال له: لا أقبلها ولا أقدمها هدية، يقول هذا المُهدي: والله بعد حين أحد أسباب توبتي عن الخمر رفض هذا الطبيب قبول هذه الهدية. (( استقيموا يستقم بكم ))
[ أخرجه الطبراني عن سمرة بن جندب ]
صلِّ بالبيت ابنك يصلي، اعتذر من زوجتك إذا أخطأت معها تعلم ابنك الاعتذار، مثلاً هناك خطأ تكلمت به قل: أنا تكلمت خطأً أرجو المعذرة، وأنت مستقيم على أمر الله تُعلّم الاستقامة. (( استقيموا يستقم بكم ))
[ أخرجه الطبراني عن سمرة بن جندب ]
الاستقامة تبدأ من القلب :

ثم يقول عليه الصلاة و السلام:
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]
الاستقامة تبدأ من القلب. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[ سورة الرعد الآية: 11 ]
الأمر يبدأ من القلب . (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]
إذا استقام قلبه يستقيم لسانه، وإذا استقام لسانه ابتعد عن مئات المعاصي التي يسببها اللسان.
الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ عدّ عشرات، بل بضع عشرات من المعاصي ترتكب عن طريق اللسان. تعريف الصحابة الكرام للاستقامة :
1 ـ سيدنا أبو بكر الصديق :
الآن الصحابة الكرام ماذا قال الصديق عن الاستقامة؟ قال: ألا تشرك بالله شيئاً، نظر للاستقامة من زاوية السبب، أنت حينما توحد لا تكذب، أمرك بيد الله، أنت حينما توحد لا تنافق، أنت حينما توحد لا تأخذ ما ليس لك، أنت حينما توحد لا تعتدي على أعراض الناس، أصل الاستقامة التوحيد، الله معك.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
[ سورة الحديد الآية: 4 ]
لذلك سيدنا الصديق نظر إلى الاستقامة من خلال سببها وهو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، المنافق لماذا ينافق؟ لأنه يتوهم أن هذا القوي أمره بيده، غير صحيح، الله تعالى قال: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
[ سورة هود الآية: 123 ]
لا يمكن أن يقول لك الله: اعبدني ويسلمك إلى غيره أبداً، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
فالتوحيد أن لا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن الله وحده هو الرافع والخافض، والمعطي والمانع، والمعز والمذل، أبداً، فالتوحيد يأخذك إلى الاستقامة، هذا كلام سيدنا الصديق. 2 ـ سيدنا عمر :
أما سيدنا عمر نظر إلى ـ إن صحّ التعبير ـ آلية الاستقامة، الآلية أن تستقيم على الأمر والنهي، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، هذا الولي، وبتعبير قرآني رائع عرَّف الله أولياءه فقال:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة يونس ]
فقط، آمن بالله ثم استقم. (( قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك قال: قل: آمَنْتُ بالله، ثم استقم ))
[ أخرجه مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
فقط سيدنا عمر نظر إلى آلية الاستقامة فقال: أن تستقيم على الأمر والنهي. 3 ـ سيدنا عثمان :
سيدنا عثمان نظر إلى الجهة الباطنة فقال: الاستقامة أن تكون مخلصاً لله، كما تحدثنا في درس الإخلاص إن لم تخلص لا ينفعك لا كثير العمل ولا قليله، الاستقامة هي الإخلاص، لأن المؤمن عاداته عبادات، والمنافق عباداته سيئات، فنظر سيدنا عثمان إلى الناحية القلبية.
4 ـ سيدنا علي :
أما سيدنا علي تعريفه للاستقامة رائع قال: أدوا الفرائض، لن تقبل النوافل قبل أن تؤدي الفرائض، أدِّ الفرائض، افعل ما أمرك الله أن تفعله تكن أعبد الناس، فكل صحابي نظر للاستقامة من زاوية.
5 ـ الحسن رضي الله عنه :
الحسن رضي الله عنه يقول: الاستقامة أن تعمل بطاعته، وأن تجتنب معصيته ـ فتعريفه يشبه تعريف سيدنا عمر.
6 ـ مجاهد :
مجاهد قال: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله، يشبه تعريف سيدنا الصديق.
7 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية :
شيخ الإسلام يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، أنت تطلب من الله الكرامة وهو يطلب منك الاستقامة.
أعظم كرامةٍ يكرم الله بها الإنسان أن يعرفه :
أنا أرى أن أعظم كرامة أن يعلمك ما لم تكن تعلم، أعظم كرامة أن يعينك على الاستقامة فقط، أعظم كرامة أن تعرفه، أعظم كرامة أن تستقيم على أمره، وانتهى الأمر، دعك من كل القصص التي لا تنتهي، أعظم كرامةٍ يكرمك الله بها أن تعرفه، أعظم كرامة يكرمك الله بها أن تستقيم على أمره، فالاستقامة عين الكرامة.
أيها الأخوة الكرام، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب، وأن نفهم الدين فهماً يليق بذاته العلية، وأن ندع القيل والقال، وكثرة السؤال، وأن نلتزم أمر الواحد الديان.






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:25 AM   #9


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( التاسع )

الموضوع : العلم والقراءات الايمانية







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العلم :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "العلم".

إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، إذا أردت أن تصل إلى الله فعليك بالعلم، ومن أجل أن تُقبل عند الله فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
أيها الأخوة، الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً، والمخلوق المكرم، والمخلوق المكلف أن يعبد الله، ولأن الله كلفه أن يعبد الله:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]

ومنحه نعمة العقل، ومنحه فطرةً سليمة، ومنحه شهوةً تدفعه إلى الأعمال الصالحة، ومنحه اختياراً ليثمن عمله، وأعطاه وقتاً هو غلاف عمله.
إذاً أعطاه قوةً إدراكية، ميزه بها على سائر المخلوقات، لأنك من بني البشر أُعطيت قوةً إدراكية، الجماد شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن، النبات شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن لكنه ينمو، والحيوان شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات لكنه يتحرك، والإنسان شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات ويتحرك كبقية المخلوقات لكنه يفكر، إذاً أودع الله في الإنسان قوةً إدراكية ميزه بها على سائر مخلوقاته، لذلك أول كلمةٍ، في أول آيةٍ، في أول سورةٍ نزلت: ﴿ اقْرَأْ ﴾
[ سورة العلق الآية: 1 ]
أي اطلب العلم، والإنسان ما لم يطلب العلم ألغى إنسانيته. أعظم شيءٍ يتفضل الله به على الإنسان أن يعلمه :

الشيء الآخر: إن أعظم شيءٍ يتفضل الله به على الإنسان أن يعلمه، والدليل:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
الفضل العظيم لا أن تشتري أرضاً فيرتفع سعرها مئة ضعف، ولا أن تحتل منصباً رفيعاً، ولا أن تجمع ثروةً طائلةً، ولا أن يكون لك أولاد نجباء، ولا أن تكون وسيم الصورة، الفضل العظيم بنص القرآن العظيم من كلام خالقنا العظيم: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
إذاً العلم أحد أكبر أسباب الوصول إلى الله، لأن طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، أخطر شيء بحياة الإنسان أن تنطبق عليه الآية الكريمة: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
[ سورة الكهف ]
الإنسان لا يؤكد إنسانيته إلا إذا طلب العلم :

أيها الأخوة، الأخ التاجر يعلم حقيقة ما أقول، الخسارة مؤلمة جداً، جهود، وسفر، وأموال، وحركة كبيرة، ومصاريف عالية جداً، والنتيجة خسارة، إذا الإنسان خسر رأسماله كله مصيبة كبيرة فكيف إذا خسر الآخرة؟.

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة الزمر الآية: 15 ]
لذلك: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
[ سورة آل عمران ]
وإن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، لذلك أول كلمةٍ، في أول آيةٍ، في أول سورةٍ نزلت: ﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، لا تؤكد إنسانيتك إلا إذا طلبت العلم. الحق واحد أما الباطل فمتعدد :
أيها الأخوة، ولكن هذا العلم واسع جداً، النبي عليه الصلاة و السلام رأى رجلاً تحلق الناس حوله، فسأل سؤال العارف من هذا؟ قالوا: هذا نسابة، قال: ذاك علمٌ لا ينتفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به، لهذا من أدعيته:
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ))
[ أخرجه النسائي عن أنس بن مالك ]

بالمناسبة: عمر الإنسان لا يحتمل إلا أن يستوعب الحق، أما الباطل لا تكفيه أعمار البشر، الباطل واسع والدليل:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 153 ]
الحق واحد، يمكن أن تستوعبه، أما الباطل فمتعدد. ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 153 ]
الحق واحد أما الباطل فمتعدد.
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 257 ]
جمع. ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 257 ]
مفرد، فالحق واحد، فالبطولة أن تستوعب بهذا العمر القصير الحق، فإذا استوعبت الحق كان مقياساً لكل شيءٍ يصل إليك. على كل إنسان أن يطلب العلم الذي يوصله إلى الله عز وجل :
لذلك
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، العلم الذي يوصلك إلى الله. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
[ سورة العلق ]

لذلك الإمام الغزالي يقول: "حيثما وردت كلمة العلم في القرآن والسنة فإنما تعني العلم بالله"،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
ما كل علمٍ ممتعٍ نافع، ما كل علمٍ ممتعٍ نافع مسعد، اطلب علماً، ممتعاً، نافعاً، مسعداً في الدنيا والآخرة. ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
[ سورة العلق ]
أقرب شيء إليك جسمك الذي بين جنبيك، هناك آيات لا تنتهي، مثلاً: في شبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، مئة وثلاثون مليوناً بميلي وربع، بواقع أنه في الميل الواحد مئة مليون مستقبل ضوئي، بينما في أحدث آلة تصوير رقمية احترافية بالميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بالعين يوجد مئة مليون، العين أودع الله في مائها مادة مضادة للتجمد، فلو سافر إنسان إلى بلد الحرارة دون السبعين تحت الصفر تبقى عينه سليمة، الله عز وجل قال:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
[ سورة التين ]
والله الذي لا إله إلا هو يمكن من خلال الآيات الباهرات التي أودعها الله في جسمك أن تصل إلى الله، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
باللقاء الزوجي يوجد ثلاثمئة إلى خمسمئة مليون نطفة، تحتاج البويضة إلى نطفة واحدة، هذه النطفة لا ترى بالعين، البويضة تساوي حجم ذرة الملح، فالإنسان إذا وضع على إصبعه شيء من لعابه، ووضعه على كمية ملح دون أن يضغط ليلتصق على يده بسبب لعابه طبقة واحدة من الملح، البويضة التي في المرأة تساوي حجم ذرة الملح، والحوين لا يرى بالعين، هذا الحوين وتلك البويضة بعد تسعة أشهر كائن، دماغ، أعصاب، عضلات، معدة، أمعاء، شرايين، أوردة، قلب، رئتين، كُليتان، أجهزة، الخلق الإنساني وحده من أعظم الآيات الدالة على عظمته. أنواع القراءات :
1 ـ قراءة البحث و الإيمان :
لذلك القراءة الأولى اسمها القراءة الإيمانية، قراءة البحث والإيمان، اطلب العلم من أجل أن تؤمن بالحقيقة العظمى، لأن:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[ سورة آل عمران ]
القراءة الأولى التي كلفك الله بها حينما أمرك أن تقرأ قراءة البحث والإيمان ﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تؤمن، ﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تعرف الله، ﴿ اقْرَأْ ﴾
أن لهذا الكون خالقاً عظيماً، أسماؤه حسنى وصفاته فضلى، ﴿ اقْرَأْ ﴾

من أجل أن تعرفه، إنك أن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتك معرفته فاتك كل شيء،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
باسم الرب الذي منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، ﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تعرف من إليه مصيرك. ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
[ سورة الغاشية ]
﴿ اقْرَأْ ﴾
اطلب العلم، لا يوجد وقت تستثمره كالوقت الذي يصرف في طلب العلم، لأن كل أمراض الجسم تنتهي عند الموت، معه ورم خبيث مات فلابأس، لكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت، وبطلب العلم تتلافى أمراض النفس، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
والآية الصارخة العظيمة التي بين جنبيك هي جسمك، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
2 ـ قراءة الشكر والعرفان :
القراءة الثانية:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
[ سورة العلق ]
قراءة الشكر والعرفان، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد ﴿ اقْرَأْ ﴾

من أجل أن تشكر، الله عز وجل سخر هذا الكون لنا تسخيرين؛ تسخير تعريفٍ و تسخير تكريم، إنك إن عرفته، وإن وشكرته، ردك على تسخير التعريف أن تؤمن، وردك أيها الإنسان الموفق على تسخير التكريم أن تشكر، إنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وإذا حققت الهدف من وجودك توقفت المعالجات الإلهية، والدليل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
إنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وأكدت ذاتك، وعرفت ربك، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة.
فلذلك القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
اسم تفضيل منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، والقراءة الأولى قراءة البحث والإيمان. 3 ـ قراءة الوحي والإذعان :
هناك قراءة ثالثة:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
[ سورة العلق ]

أي أعطاك عقلاً، أعطاك كوناً، جعل الله مبادئ العقل متوافقةً مع مبادئ الكون، ففي الكون كل شيءٍ له سبب، وعقلك من مبادئه أنه لا يفهم شيئاً بلا سبب، الكون يحكمه نظام السببية، وأكبر مبدأ بعقلك مبدأ السببية، فأنت لا تفهم شيئاً بلا سبب، وهناك مبدأ آخر الغائية، وكما أنك لا تفهم شيئاً بلا سبب لا تفهم شيئاً بلا غاية، وعقلك لا يقبل التناقض، لا يقبل أن تكون في دمشق وفي حلب في وقتٍ واحد، هذا تناقض، فهذا العقل ـ بمبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، وبتوافق هذه المبادئ مع خصائص الكون ـ أداة معرفة الله عز وجل.
لذلك هناك معرفة حسية أساسها الحواس الخمس، وهناك معرفة عقلية، لكن العقل مهمته محدودة، العقل يحتاج إلى شيء مادي أولاً يستنبط منه شيئاً آخر، أي هناك شيء ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس، وهناك شيء غابت عينه وبقيت آثاره، أداة المعرفة به العقل، الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماءٌ ذات أبرج وأرضٌ ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟ القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان.

القراءة الثالثة: وأي شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، هذه قراءة الوحي والإذعان، عقلك لا يعلم كيف بدأ الكون الله عز وجل قال:
﴿ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
[ سورة الأحقاف الآية: 33 ]
فأي شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، فالقراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان، إذاً أنت مكلفٌ أن تقرأ قراءة البحث والإيمان، ثم أن تقرأ قراءة الشكر والعرفان ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾

ثم كلفك الله أن تقرأ قراءة الوحي والإذعان
﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
صار هناك معرفة حسية، ومعرفة عقلية، ومعرفة إخبارية، ففي جزء من إيماننا إيمان حسي يقيني.
أي النار تشتعل، الضوء متألق، المروحة تدور، معرفة حسية، الكهرباء موجودة معرفة عقلية، ما يوجد هذه الخزانة معرفة إخبارية، لذلك الوحي أخبرك عن كل شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه، أي العقل ميزان غال جداً، مثلاً ميزان إلكتروني فيه ذواكر كثيرة، مصمم لبقالية، حدود استعماله من خمس غرامات لخمسة كيلو غرام، ما دمت تستخدمه بين هذين الحدين يعطيك نتائج رائعة جداً، أما إذا خطر في بالك أن توزن به سيارة، وضعته على الأرض وسرت فوقه حطمته، ليس جيداً! هذا الميزان لم يصمم لوزن مركبتك، مركبتك صنعتها شركة محترمة جداً، وضعت لك لوحة صغيرة في مكان ما تخبرك عن وزن السيارة، فعندما تفكر أن تستخدم عقلك بأشياء مغيبة عنك من دون وحي تضل، فالعقل له مهمة محدودة.
لذلك القراءة الثالثة: قراءة الوحي والإذعان، قراءات ثلاثة؛ قراءة البحث والإيمان، قراءة الشكر والعرفان، قراءة الوحي والإذعان. 4 ـ قراءة العدوان والطغيان :

لكن هناك قراءة رابعة ونعوذ بالله من هذه القراءة، قراءة العدوان والطغيان، تفوق علمي، تفوق انتهى بقنبلة نووية، وقنبلة عنقودية، وقنبلة انشطارية، وقنبلة حارقة خارقة، وأسلحة فتاكة، وقنابل تلغي الاتصالات، وقنابل تبيد البشر ويبقى الحجر، ألقيت واحدة قبل سقوط بغداد، يفنى البشر ويبقى الحجر، فهذا العقل البشري حينما تحرك بحركةٍ لا ترضي الله وصل لنتائج كبيرة جداً ولكنها تقوم على تدمير البشر، قال تعالى:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾
[ سورة العلق ]
بعلمه، هنا الطغيان بالعلم، هذه الأسلحة الفتاكة، هذا الكيد، هذا السيناريو المتقن: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
[ سورة العلق ]
قوم عاد مثال للأمة الطاغية التي تفوقت في شتى المجالات :
لذلك الله عز وجل ضرب مثلاً على الأمم الطاغية قوم عاد فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
[ سورة الفجر ]
أي تفوقوا في شتى المجالات؛ تفوقوا في العمران، قال تعالى: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
[ سورة الشعراء ]
و كذلك تفوقوا صناعياً وعمرانياً وعسكرياً: ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
[ سورة الشعراء ]
تفوق عسكري وتفوق علمي. ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
[سورة العنكبوت]
فقوم عاد ﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
تفوقت عمرانياً، وتفوقت صناعياً، وتفوقت عسكرياً، وتفوقت علمياً. قوم عاد نموذج للأقوام المستعلية التي دمرها الله عز وجل :
مع هذا التفوق والبعد عن الله كانوا متغطرسين، وقالوا:
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت الآية: 16]

لكن الله سبحانه وتعالى أكّد تفوقهم فقال: فما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوةً، إلا قوم عادٍ حينما أهلكهم قال:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت الآية: 15 ]
أي وقتها ما كان فوق عادٍ إلا الله، ضرب الله لنا هذا المثل بقوم عاد: ﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
[ سورة الفجر ]
أي بالأسلحة الفتاكة يقصفون، وبالأفلام الإباحية يفسدون، ﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
وذكرنا فقال: ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
[ سورة النجم ]
معنى ذلك هناك عاد ثانية هي مناط البحث.
شيء آخر كيف أهلكهم؟ بالأعاصير: ﴿ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾
[ سورة الحاقة ]
حاجة الحق إلى القوة :
إذاً في هذه السورة الأولى فيها أربع قراءات: قراءة البحث والإيمان، وقراءة الشكر والعرفان، وقراءة الوحي والإذعان، وقراءة العدوان والطغيان، نعوذ بالله من القراءة الرابعة، ينبغي أن نتفوق عسكرياً، لكن هذا التفوق في خدمة الحق، عندهم في الغرب أنت قوي إذاً أنت على حق، أما عندنا في وحي السماء القوة أن تكون على حق، والحق يحتاج إلى قوة.
فلذلك أيها الأخوة، مع الأسف الشديد المسلمون في عصور التخلف، في عصور البعد عن الله، في عصور التفلت، استبدلوا بكلمة ﴿ اقْرَأْ ﴾
كلمة ارقص، هذه المشكلة الكبيرة، نحن أمة ﴿ اقْرَأْ ﴾
فلما غفلنا عن الله أصبحنا أمة ارقص، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا بعودتنا إليه، واصطلاحنا معه، وإقبالنا عليه، وطاعتنا له، فالله سبحانه وتعالى ينتظرنا، وإذا اصطلح العبد مع الله عز وجل: (( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))
[ورد في الأثر]






والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 07-11-2018, 07:27 AM   #10


السعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1095
 تاريخ التسجيل :  Oct 2017
 العمر : 47
 أخر زيارة : 11-22-2018 (07:57 AM)
 المشاركات : 12,670 [ + ]
 التقييم :  1432
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التربية الاسلامية- سبل الوصول وعلامات القبول



بسم الله الرحمن الرحيم

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول

الدرس : ( العاشر )

الموضوع : انواع العلم







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العلم أحد أكبر أسباب الوصول إلى الله :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع العلم كأحد أكبر أسباب الوصول إلى الله، وبرنامجنا: "سبل الوصول وعلامات القبول".
أولاً: الإنتاج العقليُّ والشعوريُّ للبشرية لا يزيد عن علمٍ وفلسفة، فالعلم ما هو كائن، والفلسفة ما يجب أن يكون، العلم تحكمه القوانين، أي علاقة ثابتة بين شيئين مقطوعٌ بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، فإن لم يكن مقطوعٌ بصحتها كانت وهماً، أو شكاً، أو ظناً، العلم يقيني، العلم قطعي، علاقةٌ بين شيئين، مقطوعٌ بصحتها، تطابق الواقع، لو لم تطابق الواقع لكانت جهلاً محضاً.
مثلاً تركب مركبة، تألق ضوءٌ أحمر، إذا توهمت أن هذا الضوء تألق تزييني فهذا جهل، الواقع هذا الضوء تألق تحذيري، نقص الزيت في المحرك، فإذا فهمت أن هذا التألق تزييني فهذا هو الجهل بعينه، أما إذا فهمته تحذيرياً فهذا هو العلم، يطابق الواقع، عليه دليل، من دون دليل تقليد، والله عز وجل لا يقبل إيمانك تقليداً، الدليل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
ما قال: فقل، لو قَبِل الله الإيمان تقليداً إذاً لكانت كل الفرق الضالة ناجيةً عند الله، لأنها قلدت من أمرها أن يقول كذا وكذا، إذاً العلم علاقةٌ بين شيئين، مقطوعٌ بصحتها، ليست شكاً، ولا وهماً، ولا ظناً، تطابق الواقع عليها دليل، بتعريفٍ مختصر العلم ما طابق الواقع مع الدليل، العلم واقع، العلم ما هو كائن، الفلسفة ما يجب أن تكون، أبواب الفلسفة فلسفة المعرفة معرفة الله عز وجل، فلسفة الوجود وجود الله عز وجل، فلسفة القيم، نحن في العلم، لذلك قال تعالى:
﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾
[ سورة النجم ]
ما لم تكن حياتك كلها يقينيات لا تنجو، الناس يعيشون الأوهام، فكرة بلا دليل، دليل غير صحيح، دليل ظني، ما لم تكن حياتك مبنيَّةً على اليقينيات القطعية لا ينجو أحدنا من عذاب الله، والدليل: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
والدليل الآخر علة وجود أهل النار في النار الجهل. ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة الملك ]
طلب العلم يفضل نوافل العبادات :
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة جداً: أن العلاقة بين أي أمرٍ إلهيٍ وبين نتائجه علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، أي الأمر الإلهي في بذور نتائجه، إن كنت أميناً وثق الناس بك، إن كنت رحيماً رحمك الناس، الآن الطريق الوحيد إلى معرفة الله هو العلم، والدليل:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
[ سورة فاطر الآية: 28 ]

إنما أداة قصر وحصر، أي ما لم تطلب العلم لن تخشى الله، الشيء الذي يغيب عن ذهن بعض الناس أن:
((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ))
[ أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ]
طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم، أنت لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فريضة، وطلب العلم لا يقل فرضيةً عن أداء الصلاة. ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ))
طبعاً على كل شخصٍ مسلم، أي مسلم ومسلمة، بل إن طلب العلم يفضل في ثمراته نوافل العبادات ـ طبعاً الفرائض فوق كل شيء ـ طلب العلم يفضل في ثمراته نوافل العبادات، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة، وطلب العلم يوماً خير من صيام ثلاثة أشهر ))
[كنز العمال عن ابن عباس]
طلب العلم يفضل نوافل العبادات: (( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، منار سبيل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح عند الأعداء، والزين عند الأخلاء، القرب عند الغرباء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الجنة قادة ))
[كنز العمال عن معاذ بن جبل]
أنواع العلم :

أيها الأخوة، بادئ ذي بدء: هناك علمٌ بالله، وعلمٌ بأمره، وعلمٌ بخلقه، تقسيم دقيق جداً؛ علمٌ بالله، وعلمٌ بأمره، وعلمٌ بخلقه، أو علمٌ بالحقيقة، إن شئت أن تسمي ذلك حقيقةٌ، أو علمٌ بالشريعة، أو علمٌ بالخليقة، العلم بالله أصل الدين، أصل الدين معرفة الله، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من أمر الآمر، العلم بالله أصل الدين، والعلم بأمره أصل العبادة، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، الله عز وجل في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة تقترب من الألف آية دعا إلى العلم به، من خلال التفكر في خلق السموات والأرض فقال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[ سورة آل عمران ]
الأوامر في القرآن الكريم شمولية أو تفصيلية :

الآن هناك أوامر تفصيلية.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
[ سورة الطارق ]
النطفة لا ترى بالعين، البويضة كحبة الملح: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾
[ سورة الطارق ]
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
[ سورة عبس ]
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾
[ سورة الغاشية ]
أمر شمولي ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
وأوامر تفصيلية، ومن الأوامر التفصيلية: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة يونس ]
آيات الله عز وجل في الآفاق و جسم الإنسان :

أيها الأخوة الكرام، أمثلة انظر إلى الشمس واسأل من رفعها ناراً؟ من نصبها مناراً؟ من ضربها ديناراً؟ من علقها في الجو ساعة يدب عقرباها إلى قيام الساعة؟ من الذي أتاها معارجها؟ وهداها أدراجها؟ وأحلها أبراجها؟ ونقل في سماء الدنيا سراجها؟ الزمان هي سبب حصوله، ومنشعب فروعه وأصوله، وكتابها بأجزائه وفصوله، لولاها ما اتسقت أيامه، ولا انتظمت شهوره وأعوامه، ولا اختلف نوره وظلامه، ذهب الأصيل من مناجمها، والشفق يسيل من محاجمها، تحطمت القرون على قرنها، ولم يمحُ التقادم لمحة حسنها، تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، لسان اللهب يزيد طوله عن مليون كيلو متر، الحرارة في جوفها عشرون مليون درجة، لو ألقيت الأرض في جوفها لتبخرت في ثانيةٍ واحدة، الذي خلق الشمس والقمر، والليل والنهار، هذا الإله يعصى؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ ألا يخطب وده؟.

هناك نجم اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما.

﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 53 ]

انظر إلى القلب، انظر إلى القلب في فعله وأثره، وغرضه ووطره، وقدرِه وقدرَه، وحيطانه وجدره، ومنافذه وحجره، وأبوابه وستره، وكهوفه وحفره، وجداوله وغُدره، وصفائه وكدره، ودأبه وسهره، ينبض القلب في الجنين ولا يقف إلا حينما يحين الحين، لا يغفل ولا يغفو، ولا ينسى ولا يسهو، ولا يعثر ولا يكبو، ولا يخمد ولا يخبو، ولا يمل ولا يشكو، هو دائبٌ صبور بأمر الذي أحسن خلقته، وأعدّ له عدته، وأوقد فيه جذوته، وقدر له أجله ومدته، يعمل من دون راحة، ولا مراجعة، ولا توجيه.
أي الإنسان الذي عنده بيت متوسط، يستهلك بالعام ألف لتر وقوداً سائلاً، هذا القلب يضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة، قلب كل واحدٍ منا يضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة، تجري في مئةٍ وخمسين كيلو متراً من الأوعية، طول الأوعية لو وصلناها مع بعضها هو مئة وخمسون كيلو متراً، ويضخ في عمرٍ متوسط لإنسان عاش ستين سنة ما يملأ أكبر ناطحة سحابٍ في العالم، قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
[ سورة فصلت ]
النمل آية من آيات الله الدالة على عظمته :

خذ مخلوقاً مألوفاً ـ هذا كلام سيدنا علي ـ انظر إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها وصبت على رزقها؟ تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها، حينما تضع الحبة في جحرها تأكل رشيمها ـ لو لم تأكل هذا الرشيم لنبتت القمحة، كأنها دارسة، هذا الرشيم كائن حي إذا جاءته الرطوبة نما، تأكل الرشيم، حبة العدس لها رشيمان، النملة تأكل الرشيمين معاً ـ تنقل الحبة إلى جحرها تُعدها في مستقرها، إن هاجمها عدو ترسل رسالة استغاثة، إذا كان بإمكان زميلاتها أن ينقذنها، أما إذا كان العدو شرساً جداً إشارة أخرى ابتعدوا عن المذبحة، الله عز وجل أثبت للنملة المعرفة:

﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
[ سورة النمل ]
أثبت لها المعرفة، وأثبت لها الكلام، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولةٌ برزقها، مرزوقةٌ بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، الله يعلم دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.

أخواننا الكرام، هناك بحوث علمية عن النمل شيء لا يصدق، أي كيف عندنا تربية، وجيش، وتعليم، وتصنيع، وزراعة، وإنشاء بيوت، بحث طويل، لو فكرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراشيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾
[ سورة هود الآية: 6 ]
انظر إلى النبات، انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة، كيف نمت من حبةٍ؟ وكيف صارت شجرة؟ فابحث وقل: من ذا الذي يخرج منها الثمرة؟ وانظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة، من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة؟ وانظر إلى الليل فمن أوجد فيه قمراً؟ وزانه بأنجمٍ كالدرر المنتثرة؟ وانظر إلى الغيم فمن أنزل فيه مطراً فصيّر الأرض به بعد اصفرار خضرة؟ ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة، ذو حكمةٍ بالغةٍ، وقدرةٍ مقتدرة. أعظم العلوم معرفة الله عز وجل :

أخواننا الكرام، أعظم العلوم أن تعرف الله، شرف العلم من شرف مضمونه، فإذا عرفت الله عرفت كل شيء:
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ))
[تفسير ابن كثير]
التفكر في خلق السماوات والأرض أعظم عبادة، لأنك إن عرفت الله قدرته حق قدره. ﴿ ليلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
[ سورة القدر ]
أي أن تعبد الله ثمانين عاماً عبادة جوفاء تعدلها ليلةٌ واحدة، ﴿ ليلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
لكل شيءٍ عماد وعماد الدين الفقه :
البحث طويل، هذا عن العلم بالله، فماذا عن العلم بأمر الله؟ أنت حينما تعرف الله تتشوق نفسك إلى أن تتقرب إليه، كيف التقرب إليه؟ بتطبيق أمره ونهيه، لذلك أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، بعد أن تتعرف إلى الله تشعر بحاجة كبيرة جداً إلى أن تتقرب إليه، الآن تبحث عن أمره ونهيه، يأتي العلم بأمر الله، العلم بالله هذا الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، أما بعد أن تعرف الله ـ ما الحلال؟ ما الحرام؟ ما الذي ينبغي؟ ما الذي لا ينبغي؟ ما الذي يجوز؟ ما الذي لا يجوز؟ ماذا يرضي الله؟ ـ تأتي الحاجة ملحةً إلى معرفة أمره ونهيه.

أيها الأخوة الكرام، الشريعة عدلٌ كلها، رحمةٌ كلها، مصلحةٌ كلها، حكمةٌ كلها، أية قضيةٍ في الشريعة خرجت من العدل إلى الجور، من الرحمة إلى ضدها، من المصلحة إلى المفسدة، من الحكمة إلى خلافها فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويلٍ وتأويل، هذا الشرع يتناسب مع عظمة الله، ومع كمال الله.
لذلك دخلنا في علمٍ آخر هو علم الشريعة، قال عليه الصلاة والسلام:
((إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))
[أخرجه البخاري و الطبراني عن معاوية ]
وفي الحديث الشريف الصحيح: (( قليل العلم خيرٌ من كثير العبادة ))
[ أخرجه مسدد بن مسرهد عن عبد الله بن عباس ]

بالفقه يأتي العمل مطابقاً للسنة، بالفقه تلاحظ الإخلاص، العمل الصالح من دون إخلاص لا ينفع كثيره ولا قليله، بل إن التفقه في الشريعة بعد معرفة الله يعد من أفضل العبادات، أي أن تسأل ما الحلال في البيع والشراء؟ ما الحرام؟ أين توجد الشبهات؟ هذا اللقاء يقبله الله؟ مشروع عند الله؟ هذه الصفقة مشروعة؟ علامة المؤمن أنه يسأل، والله قال:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل ]
أهل الذكر أهل القرآن، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( ما عُبد الله عز وجل بشيء أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد ))
[ البيهقي عن أبي هريرة ]
ولكل شيءٍ عماد وعماد الدين الفقه، إذاً علمٌ بالله من أجل أن تعرفه، علمٌ بأمره ونهيه من أجل أن تعبده. علم الخليقة :
بقي علمٌ آخر طبعاً العلم بالله يحتاج إلى مجاهدة، جاهد تشاهد، العلم بالأمر والنهي يحتاج إلى مدارسة، بقي علم الخليقة هذا اختصاص جامعات العالم، أي فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، فلك، تربية، علم نفس، علم اجتماع، هذه علوم الخليقة، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
[ سورة لقمان الآية: 20 ]
طبعاً العالم الغربي تفوق علينا كثيراً في علم الخليقة، ونحن في أمس الحاجة إلى هذا العلم، هذا العلم سبب قوتنا، عندما أتقن علم الخليقة فرض علينا ثقافته، وإباحيته، وإرادته، تعلم العلوم المادية يحقق عمارة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات، قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾
[ سورة هود الآية: 61 ]
أي نحن مكلفون من قبل الله أن نعمر الأرض باكتشاف الثروات، تصنيع الثروات، استصلاح الأراضي، إنشاء السدود، تطوير الزراعة، هذا كله واجباتنا. أحد أسباب قوة المسلمين تعلم العلوم المادية :
أيها الأخوة الكرام، تعلم العلوم المادية أحد أسباب قوة المسلمين، فالتعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما، والناس أحد رجلين متعلمٌ يطلب النجاة، وعالمٌ يطلب المزيد، وقد قال عليه الصلاة و السلام: (( العالم والمتعلم شريكان في الخير وسائر الناس لا خير فيه ))
[ أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ]

الناس رجلان؛ عالمٌ ومتعلم ولا خيرٌ فيمن سواهما، قيل: تعلموا العلم؛ إن كنتم سادةً فقهتم به، إن كنتم وسطاً سدتم، إن كنتم سوقةً عشتم، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، لذلك لابد من أن تكون:
(( اغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك ))
[أخرجه الطبراني عن أبي بكرة]
تعليقاتٌ سريعة: العلم الذي نرتزق منه وكفى، حرفةٌ من الحرف، نرتزق منه فقط ولا نعرف الله به، العلم الذي لا يصل تأثيره إلى نفوسنا، حذلقة لا طائل منها، العلم الذي يجعلنا نتيه على غيرنا نوعٌ من الكبر، العلم الذي يعطل فينا المحاكمة السليمة نوعٌ من التقليد، العلم الذي يوهمنا أننا علماء كبار نوعٌ من الغرور، العلم الذي يسعى إلى تدمير الإنسانية الأسلحة الجرثومية، القنابل العنقودية، هذا العلم نوعٌ من الجريمة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( اللَّهمَّ إِني أَعُوذُ بك من قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ودعاءٍ لا يُسمعُ، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن علمٍ لا يَنفَع ))
[ أخرجه الترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
أيها الأخوة الكرام، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك.








والحمد لله رب العالمين


 
 توقيع : السعيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الاسلامية-, التربية, الوصول, القبول, سبل, وعلامات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التربية الاسلامية - الاخلاق المذمومة السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 12 09-22-2018 08:42 PM
التربية الإسلامية - الموت السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 5 09-06-2018 08:30 PM
التربية الاسلامية - مدارج السالكين السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 101 07-21-2018 03:54 PM
التربية الإسلامية -علم القلوب السعيد رِيَاضٌ رَوحَانِيَـاتٌ إيمَـانِيَـة 54 07-18-2018 11:42 AM
اشياء تمنع الرجل من الوصول الى النجاح منال نور الهدى رِيَاض الأسرَة وَالطِفَل وَ أنَاقَة حَواء وآدَم 4 07-14-2014 11:00 AM

HTML | RSS | Javascript | Archive | External | RSS2 | ROR | RSS1 | XML | PHP | Tags

أقسام المنتدى

|~ هدي الرحمن لتلاوآت بنبضآت الإيمان ~| @ رياض روحآنيآت إيمانية @ رياض نسائم عطر النبوة @ رياض الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ |~ قناديل الفكر بالحجة والبيآن ~| @ ريـــــــآض فلسفــة الفكـــر و الــــــرأي @ ريــــآض الـــدرر المـنـثـــــورة .. "للمنقول" @ رياض هطول الاحبة @ رياض التهآني و الإهدآءآت @ |~ صرير قلم وحرف يعانق الورق ~ | @ رياض منارة الحرف وعزف الوجدان "يمنع المنقول" @ رياض القصيدة و الشعر "يمنع المنقول" @ رياض القصة و الرواية المنقولة @ رياض صومعة الفكر واعتكاف الحرف @ رياض رشفة حرف @ |~ لباس من زبرجد وأرآئك وألوان تعانق النجوم~| @ رياض حور العين @ رياض آدم الانيق @ رياض الديكور و الاثاث @ رياض المستجدات الرياضية @ رياض ابن بطوطة لسياحة والسفر @ |~ فن يشعل فتيل الإبداع بفتنة تسحر ألباب الفنون ~| @ رياض ريشة مصمم @ رياض الصور المضيئة @ رياض الصور المنقولة @ |~ أفاق التكنولوجيا والمعلومآت الرقمية ~| @ رياض البرامج و الكمبيوتر @ رياض المنسجريات @ رياض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية @ |~ دستور الهيئة الإدارية ~| @ رياض مجلس الادارة @ رياض المشرفين و المراقبين @ رياض الشكاوي والاقتراحات @ رياض الارشيف @ نــــور الأنــس @ ذائقة الشعر و القصائد المنقولة @ "ذائقة الخواطر والنثريات المنقولة" @ رياض رفوف الأنس @ رياض صدى المجتمع @ ريآض الآحاديث النبوية @ رياض الاعجاز القرآني @ ريآض سيرة الصحآبة رضوآن الله عليهم أجمعين @ ريآض الطفولة والأسرة @ ريآض أروقــــــة الأنــــــــس @ رياض ملتقى المرح @ رياض نفحات رمضان @ ريآض شهِية طيبة @ ريآض فعآلية رمضآن المبآرك @ ريآض الفوتوشوب @ ريآض القرآرآت الإدآرية العآمة @ ريآض برنآمج كرسي الإعترآف @ ريآض الفتوحآت والشخصيآت الإسلآمية @ ريآض التاريخ العربي والعالمي @ ريآض إبن سينآ لطب والصيدلة @ |~ وشوشة على ضفآف شهد التحلية ~| @ ريآض مجآلس على ضوء القمر @ ريآض YouTube الأعضآء " لأعمآلهم الخآصة والحصرية " @ ريآض YouTube العآم @ ريآض فكّر وأكسب معلومة جديدة @ ] البصمـــة الأولــــى [ @ رياض Facebook "فيسبوك" @ ريآض المؤآزرة والموآسآة @ رياض تطوير الذات وتنمية المهارات @ رياض فضاء المعرفة @ رياض Twitter "تويتر‏" @ رياض شبكة الأنترنت @ رياض المحادثات @ رياض سويش ماكس @ رياض الأنبياء والرسل @ رياض Google @ رياض الإدارة والمراقبين العامين @ قسم خاص بالشروحات برامج التصميم بكافة أنواعه @ رياض لأعمال المصمم المبدع "ابوفهد" @ ابداع قلم للقصة والرواية (يمنــــــع المنقــــــول) @ أرشيف فعاليات رمضان ( للمشاهدة) @ رياض خاص بأعمال المصممة الرائعة ذات الأنامل الماسية "سوالف احساس" @ |~ بانوراما للإبداع الفتوغرافي ~| @ رياض خاص بأعمال المصممة المبدعة ذات الأنامل الذهبية "سهاري ديزاين" @ |~ واحة غناءة تغازل الأطياف وتتماوج بسحر الألوان ~| @ رياض خاص بالصحفي المتألق محمد العتابي @ رياض عقد اللؤلؤ المنثور "يمنع المنقـــول" @ رياض لتعليم الفتوشوب من الألف الى الياء @


الساعة الآن 10:23 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7 Copyright © 2012 vBulletin ,
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.